رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٦

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٦

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-108-7
الصفحات: ٥١٢

الأصحاب وروى في بعض الكتب عن مولانا الرضا عليه‌السلام (١).

أقول : وقد مرّ الكلام فيه في بحث الزكاة.

( ويستحب أن تكون سمينة ).

قيل : بالإجماع والأخبار والاعتبار (٢).

وتكون بحيث ( تنظر في سواد وتمشي في سواد وتبرك في مثله أي ) في سواد ، كما في الاقتصاد والسرائر والمصباح ومختصره والشرائع والكتاب والجامع (٣) لكن فيه وصف فحل من الغنم بذلك ، كما في الأربعة الأُول وصف الكبش به ، وفي الاقتصاد اشتراطه به.

وفي المبسوط : ينبغي إن كان من الغنم أن يكون فحلاً أقرن ينظر في سواد ويمشي في سواد (٤). ونحوه النهاية لكن في الأُضحية (٥) ويوافقه الصحيح : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يضحّي بكبش أقرن فحل ينظر في سواد ويمشي في سواد » (٦).

وزاد ابن حمرة ويرتع في سواد (٧) ، ويجوز فهمه من الصحيح : « إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يضحّي بكبش أقرن عظيم فحل يأكل في سواد وينظر في سواد » (٨).

والصحيح : عن كبش إبراهيم عليه‌السلام ما كان لونه وأين نزل؟ قال « أملح » ‌

__________________

(١) كشف اللثام ١ : ٣٦٥.

(٢) كشف اللثام ١ : ٣٦٧.

(٣) الاقتصاد : ٣٠٧ ، السرائر ١ : ٥٩٦ ، مصباح المتهجد : ٦٤٣ ، الشرائع ١ : ٢٦١ ، الجامع للشرائع ٢١٣.

(٤) المبسوط : ٣٧٣.

(٥) التهذيب ٥ : ٢٠٥ / ٦٨٥ ، الوسائل ١٤ : ١٠٩ أبواب الذبح ب ١٣ ح ١.

(٦) التهذيب ٥ : ٢٠٥ / ٦٨٥ ، الوسائل ١٤ : ١٠٩ أبواب الذبح ب ١٣ ح ١.

(٧) الوسيلة : ١٨٥.

(٨) التهذيب ٥ : ٢٠٥ / ٦٨٦ ، الوسائل ١٤ : ١٠٩ أبواب الذبح ب ١٣ ح ٢.

٤٢١

قال : « وكان أقرن ، ونزل من السماء على الجبل الأيمن من مسجد منى ، وكان يمشي في سواد ويأكل في سواد وينظر ويبعر ويبول في سواد » (١).

وأما البروك ففي كلام جماعة أنهم لم يظفروا عليه بنصّ (٢) وروى في المبسوط والتذكرة والمنتهى : أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر بكبش أقرن يطأ في سواد وينظر في سواد ويبرك في سواد ، فاتي به فضحّى به (٣).

واختلف في معنى ما في هذه الأخبار ، فقيل : معناه السمن حتى يكون ( لها ظلّ ) عظيم تأكل فيه و ( تمشي فيه ) وتنظر فيه (٤) ، وهو يستلزم البروك فيه ( وقيل : ) معناه ( أن يكون هذه المواضع منها ) وهي العين والقوائم والبطن والمبعر ( سوداً ) والقائل به الحلّي في السرائر (٥).

قيل : وقد يتأيد بالمرسل : « ضحّ بكبش أسود أقرن فحل ، فإن لم تجد أسود فأقرن فحل يأكل في سواد ويشرب في سواد وينظر في سواد » (٦) والمشي في السواد بهذا المعنى يستلزم البروك في السواد فإنه على الأرجل والصدر والبطن ، وقد يراد به سواد الأرجل فقط (٧).

وقيل : معناه رتع في مرتع كثير النبات شديد الاخضرار به ، وهذا قد يتضمن البروك فيه (٨).

__________________

(١) الكافي ٤ : ٢٠٩ / ١٠ ، الوسائل ١٤ : ١١٠ أبواب الذبح ب ١٣ ح ٦.

(٢) منهم : الفاضل الآبي في كشف الرموز ١ : ٣٦٨ ، وصاحب الحدائق ١٧ : ١١٠ ؛ وانظر الذخيرة : ٦٦٩.

(٣) المبسوط ١ : ٣٨٧ التذكرة ١ : ٣٨٦ المنتهى ٢ : ٧٥٥.

(٤) استقربه العلاّمة في المختلف : ٣٠٦ ، وجعله الأولى الفاضل المقداد في التنقيح ١ : ٤٩٠.

(٥) السرائر ١ : ٥٩٦.

(٦) الكافي ٤ : ٤٨٩ / ٤ ، الوسائل ١٤ : ١١٠ أبواب الذبح ب ١٣ ح ٥.

(٧ و ٨) انظر كشف اللثام ١ : ٣٦٧.

٤٢٢

وعن الراوندي : أن التفاسير الثلاثة مروية عن أهل البيت عليه‌السلام (١).

( وأن يكون مما عرّف به ) أي أُحضر عشية عرفة بعرفات ، كما عن المهذّب والتذكرة والمنتهى (٢) ، وأُطلق الإحضار في غيرها (٣) ؛ للصحيح : « لا يضحّى إلاّ بما قد عرّف به » (٤) ونحوه آخر أو الموثق (٥).

وظاهرهما الوجوب ، كما في ظاهر التهذيبين والغنية وعن النهاية والمبسوط والإصباح والمهذب (٦).

ولكن الأشهر الاستحباب ، بل في المنتهى وغيره عليه الإجماع (٧) ، وفي المنتهى بعد نقل الوجوب عن الشيخ : الظاهر أنه أراد به تأكيد الاستحباب.

وهو الأظهر ؛ للخبر المروي في التهذيبين ضعيفاً في الفقيه موثقاً ، وفيه : عمّن اشترى شاة لم يعرّف بها ، قال : « لا بأس بها ، عرّف بها أو لم يعرّف » (٨).

وبه يحمل النهي في الخبرين على الكراهة جمعاً.

__________________

(١) حكاه عنه في الدروس ١ : ٤٣٩.

(٢) المهذب ١ : ٢٥٧ ، التذكرة ١ : ٣٨٢ ، المنتهى ٢ : ٧٤٢.

(٣) انظر النهاية : ٢٥٨ ، والغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٢.

(٤) التهذيب ٥ : ٢٠٧ / ٦٩٢ ، الإستبصار ٢ : ٢٦٥ / ٩٣٧ ، الوسائل ١٤ : ١١٥ أبواب الذبح ب ١٧ ح ١.

(٥) التهذيب ٥ : ٢٠٦ / ٦٩١ ، الإستبصار ٢ : ٢٦٥ / ٩٣٦ ، الوسائل ١٤ : ١١٦ أبواب الذبح ب ١٧ ح ٢.

(٦) الاستبصار ٢ : ٢٦٥ ، التهذيب ٥ : ٢٠٦ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٢ ، النهاية : ٢٥٨ ، المبسوط ١ : ٣٧٣ ، المهذّب ١ : ٢٥٧.

(٧) المنتهى ٢ : ٧٤٢ ؛ وانظر التذكرة ١ : ٣٨٢ ، والمدارك ٨ : ٣٩.

(٨) الفقيه ٢ : ٢٩٧ / ١٤٧٣ ، التهذيب ٥ : ٢٠٧ / ٦٩٣ ، الإستبصار ٢ : ٢٦٥ / ٩٣٨ ، الوسائل ١٤ : ١١٦ أبواب الذبح ب ١٧ ح ٤.

٤٢٣

وهو أولى من جمع الشيخ بحمل النهي على ما إذا لم يخبر البائع بأنه عرّف ، والمرخِّص بما إذا أخبر بأنه عرّف ؛ إذ ليس فيما استدل به لهذا الخبر وهو الصحيح : إنا نشتري الغنم بمنى ولسنا ندري عرّف بها أم لا ، فقال : « إنهم لا يكذّبون لا عليك ضحّ بها » (١) دلالة عليه كما لا يخفى ، فالأوّل أولى سيّما مع اعتضاده بالأصل والشهرة العظيمة والإجماعات المنقولة.

وأن يكون ( إناثاً من الإبل أو البقر ) كما في الصحاح المستفيضة (٢) و ( ذكراناً من الضأن والمعز ) كما في الصحيح ، وفيه : « تجزي الذكورة من البدن » (٣).

وفي آخر « الإناث والذكور من الإبل والبقر تجزئ » (٤).

وفي المنتهى : لا نعلم خلافاً في جواز العكس في البابين إلاّ ما روي عن ابن عمر انه قال : ما رأيت أحداً فاعلاً ذلك وإن نحر أُنثى أحبّ إليّ ، وهذا يدل على موافقتنا ، لانه لم يصرّح بالمنع عن الذكران (٥). قيل : ونحو التذكرة (٦).

وفي النهاية : لا يجوز التضحية بثور ولا جمل بمنى ولا بأس بهما في البلاد ، مع قوله قُبَيله : وأفضل الهدي والأضاحي من البدن والبقر ذوات‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٢٠٧ / ٦٩٤ ، الإستبصار ٢ : ٢٦٥ / ٩٣٩ ، الوسائل ١٤ : ١١٦ أبواب الذبح ب ١٧ ح ٣.

(٢) الوسائل ١٤ : ٩٨ أبواب الذبح ب ٩.

(٣) التهذيب ٥ : ٢٠٤ / ٦٨٠ ، المقنعة : ٤٥١ ، الوسائل ١٤ : ٩٨ أبواب الذبح ب ٩ ح ١.

(٤) التهذيب ٥ : ٢٠٥ / ٦٨٦ ، الوسائل ١٤ : ٩٨ أبواب الذبح ب ٩ ح ٣.

(٥) المنتهى ٢ : ٧٤٢.

(٦) التذكرة ١ : ٣٨٢.

٤٢٤

الأرحام ومن الغنم الفحولة (١). فهو قرينة على إرادة التأكيد.

وفي الاقتصاد : إن من شرطه إن كان من البدن أو البقر أن يكون أنثى ، وإن كان من الغنم أن يكون فحلاً من الضأن ، فإن لم يجد من الضأن جاز التيْس من المعز (٢).

وفي المهذّب : إن كان من الإبل فيجب أن يكون ثنياً من الإناث ، وإن كان من البقر فيكون ثنياً من الإناث (٣).

ولعلّهما أكّدا الاستحباب.

( وأن ينحر الإبل قائمة ) للآية الشريفة (٤) والمعتبرة (٥) ، قيل : وفي التذكرة والمنتهى (٦) : لا نعلم في عدم وجوبه خلافاً ، فإن خاف أن تنفر أناخها.

وفي الخبر : عن البدنة كيف ينحرها ، قائمة أو باركة؟ قال : « يعقلها ، وإن شاء قائمة وإن شاء باركة » (٧).

( مربوطة بين الخفّ والركبة ) للصحيح (٨) ، وفي غيره : « وأما البعير فشدّ أخفافه إلى آباطه وأطلق رجليه » (٩) وهو الذي يأتي في الصيد‌

__________________

(١) النهاية : ٢٥٧.

(٢) الاقتصاد : ٣٠٧.

(٣) المهذّب ١ : ٢٥٧.

(٤) الحج : ٣٦.

(٥) انظر الوسائل ١٤ : ١٤٨ أبواب الذبح ب ٣٥.

(٦) التذكرة ١ : ٣٨٠ ، المنتهي ٢ : ٧٣٨.

(٧) قرب الإسناد : ١٣٥ / ٩٢١ ، الوسائل ١٤ : ١٥ أبواب الذبح ب ٣٥ ح ٥.

(٨) الكافي ٤ : ٤٩٧ / ١ ، الفقيه ٢ : ٢٩٩ / ١٤٨٧ ، التهذيب ٥ : ٢٢٠ / ٧٤٣ ، الوسائل ١٤ : ١٤٨ أبواب الذبح ب ٣٥ ح ١.

(٩) الكافي ٦ : ٢٢٩ / ٤ ، التهذيب ٩ : ٥٥ / ٢٢٧ ، الوسائل ٢٤ : ١٠ أبواب الذبائح ب ٣ ح ٢.

٤٢٥

والذبائح ، فيجوز التخيّر وافتراق الهدي وغيره.

ثم الخبران نصّان في جمع اليدين بالربط من الخف إلى الركبة أو الإبط.

وعن أبي خديجة : إنّه رأى الصادق عليه‌السلام وهو ينحر بدنة معقولة يدها اليسرى (١). وروت العامة نحوه (٢). واختاره الحلبيان (٣) ، فالظاهر جواز الأمرين.

أقول : لكن الأول أرجح ؛ لصحة السند وغيره.

( و ) أن ( يطعنها ) في لبّتها ( من الجانب الأيمن ) لها ؛ للصحيح أو القريب منه « ينحرها وهي قائمة من قبل اليمين » (٤).

والخبر : رأى الصادق عليه‌السلام إذا نحر بدنته قام من جانب يدها اليمنى (٥) ( وأن يتولاّه ) أي الذبح ( بنفسه ) إن أحسنه ؛ للتأسي ، فقد باشر النحر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما في الخبرين (٦) ، وفي الصحيح : « إن كان امرأة فلتذبح لنفسها » (٧).

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٩٨ / ٨ ، التهذيب ٥ : ٢٢١ / ٧٤٥ بتفاوت يسير ، الوسائل ١٤ : ١٤٩ أبواب الذبح ب ٣٥ ح ٣.

(٢) سنن البيهقي ٥ : ٢٣٧.

(٣) أبو الصلاح في الكافي : ٢١٥ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٢.

(٤) الكافي ٤ : ٤٩٧ / ٢ ، الفقيه ٢ : ٢٩٩ / ١٤٨٨ ، التهذيب ٥ : ٢٢١ / ٧٤٤ ، الوسائل ١٤ : ١٤٩ أبواب الذبح ب ٣٥ ح ٢.

(٥) الكافي ٤ : ٤٩٨ / ٨ ، التهذيب ٥ : ٢٢١ / ٧٤٥ ، الوسائل ١٤ : ١٤٩ أبواب الذبح ب ٣٥ ح ٣.

(٦) الأوّل : الكافي ٤ : ٢٥ / ٨ ، الوسائل ١٤ : ١٥١ أبواب الذبح ب ٣٦ ح ٣. الثاني : الفقيه ٢ : ١٥٣ / ٦٦٥ ، الوسائل ١٤ : ١٥٢ أبواب الذبح ب ٣٦ ح ٦.

(٧) الكافي ٤ : ٤٩٧ / ٤ ، الفقيه ٢ : ٢٩٩ / ١٤٨٦ ، الوسائل ١٤ : ١٥٠ أبواب الذبح ب ٣٦ ح ١.

٤٢٦

( وإلاّ ) أي وإن لم يتولّ بنفسه ( جعل يده مع يد الذابح ) للصحيح : « كان علي بن الحسين عليه‌السلام يضع السكّين في يد الصبي ثم يقبض على يده الرجل فيذبح » (١).

وإن لم يفعل ذلك كفاه الحضور عند الذبح ، كما عن الوسيلة والجامع (٢) ؛ لما في المحاسن عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في خبر بشير بن زيد لفاطمة عليها‌السلام : « اشهدي ذبح ذبيحتك ، فإنّ أول قطرة منها يغفر الله تعالى بها كل ذنب عليك وكل خطيئة عليك » قال : « وهذا للمسلمين عامة » (٣).

( والدعاء ) عند الذبح بالمأثور في الصحيح : « إذا اشتريت هديك فاستقبل [ به ] القبلة وانحره أو اذبحه ، وقل : ( وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً ) مسلماً( وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) ، ( إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ، لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ ) وأنا من المسلمين ، اللهم منك ولك بسم الله والله أكبر ، اللهم تقبّل مني. ثم أمرّ السكّين ولا تنخعها حتى تموت » (٤).

وفي الخبر سمعته يقول : « بسم الله وبالله والله أكبر ، اللهم هذا منك ولك اللهم تقبله مني. ثم يطعن في لبّتها » (٥).

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٩٧ / ٥ ، الوسائل ١٤ : ١٥١ أبواب الذبح ب ٣٦ ح ٢.

(٢) الوسيلة : ١٨٤ ، الجامع للشرائع : ٢١٤.

(٣) المحاسن : ٦٧ / ١٢٧ ، الوسائل ١٤ : ١٥١ أبواب الذبح ب ٣٦ ح ٤ ؛ بتفاوت يسير.

(٤) الكافي ٤ : ٤٩٨ / ٦ ، الفقيه ٢ : ٢٩٩ / ١٤٨٩ ، التهذيب ٥ : ٢٢١ / ٧٤٦ ، الوسائل ١٤ : ١٥٢ أبواب الذبح ب ٣٧ ح ١ ، وما بين المعقوفين أضفناه من المصادر.

(٥) الكافي ٤ : ٤٩٨ / ٨ ، التهذيب ٥ : ٢٢١ / ٧٤٥ ، الوسائل ١٤ : ١٤٨ أبواب الذبح ب ٣٥ ح ٣.

٤٢٧

( وقسمته أثلاثاً : يأكل ثلثه ، ويُهدي ثلثه ، ويعطي القانع والمعترّ ثلثه ).

قيل : على وفق ظاهر الأكثر وصريح كثير. أما عدم الوجوب فللأصل ، وأما الفضل فللنصوص من الكتاب (١) والسنة (٢) وأما هذا التثليث فعليه الأكثر ، وقد يؤيده الموثق : سقت في العمرة بدنة فأين أنحرها؟ قال : « بمكة » قال : أيّ شي‌ء أُعطي منها؟ قال : « كل ثلثاً وأهدِ ثلثاً وتصدّق بثلث » (٣).

وفي القريب من الصحيح عن لحوم الأضاحي [ فقال : ] « كان علي بن الحسين وأبو جعفر عليهما‌السلام يتصدّقان بثلث على جيرانهم وثلث على السؤال وثلث يمسكانه لأهل البيت » (٤).

ويجوز أن يكون التصدّق على الجيران هو الإهداء الذي في الموثق ، فالأولى اعتبار استحقاق من يُهدي إليه أقول : ولكن حكي عن الأصحاب عدمه.

وفي الصحيح الوارد فيمن ساق هدياً : « أطعم أهلك ثلثا ، وأطعم القانع والمعترّ ثلثاً ، وأطعم المساكين ثلثاً » قلت له : المساكين هم السؤال؟

قال : « نعم » وقال : « القانع الذي يقنع بما أرسلت إليه من البضعة فما فوقها ،

__________________

(١) الحج : ٣٦.

(٢) انظر الوسائل ١٤ : ١٥٩ أبواب الذبح ب ٤٠.

(٣) الكافي ٤ : ٤٨٨ / ٥ ، التهذيب ٥ : ٢٠٢ / ٦٧٢ ، الوسائل ١٤ : ١٦٥ أبواب الذبح ب ٤٠ ح ١٨.

(٤) الكافي ٤ : ٤٩٩ / ٣ ، الفقيه ٢ : ٢٩٤ / ١٤٥٧ ، المقنع : ٨٨ ، علل الشرائع : / ٣ ٤٣٨ ، الوسائل ١٤ : ١٦٣ أبواب الذبح ب ٤٠ ح ١٣ وما بين المعقوفين أضفناه من المصادر.

٤٢٨

والمعترّ ينبغي له أكثر من ذلك ، هو أغنى من القانع يعتريك فلا يسألك (١) ».

فإن كان إطعام القانع والمعترّ هو الإهداء وافق الأول ، وأشعر أيضاً باستحقاق من يُهدى إليه ، ودلّ مجموع الآيتين ، (٢) على التثليث المشهور ، ولكن في التبيان : عندنا يطعم ثلثه ، ويعطي ثلثه القانع والمعترّ ، ويهدي الثلث ونحوه المجمع عنهم عليهم‌السلام (٣).

أقول : وظاهرهما الإجماع والنص على ذلك ، وهما كافيان في إثباته ، وعزاه في السرائر إلى رواية الأصحاب لكن في الأُضحية خاصة ، وقال في هدي المتمتع والقارن : فالواجب أن يأكل منه ولو قليلاً ويتصدق على القانع والمعتر ولو قليلاً ؛ لقوله تعالى( فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ) والأمر عندنا يقتضي الوجوب (٤). انتهى.

ولم يذكر الإهداء اقتصاراً على منطوق الآيتين لإغفالهما إياه واتحاد مضمونهما إلاّ في المتصدّق عليه.

قيل : علّته أن التأسيس أولى من التأكيد ، خصوصاً وقد تأيّد هنا بالخبر الصحيح (٥).

وفيه نظر ؛ فإن الصحيح تضمّن الأمر بإطعام الأهل ثلثاً ولم يقولوا به مطلقاً ، مع أنه ليس فيه التصريح بالإهداء وإنما احتمل كون إطعام القانع‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٢٢٣ / ٧٥٣ ، معاني الأخبار : ٢٠٨ / ٢ ، الوسائل ١٤ : ١٦٠ أبواب الذبح ب ٤٠ ح ٣.

(٢) الحج : ٢٨ ، ٣٦.

(٣) كشف اللثام ١ : ٣٦٧ ، وهو في التبيان ٧ : ٣١٩ ، مجمع البيان ٤ : ٨٦.

(٤) السرائر ١ : ٥٩٨.

(٥) كشف اللثام ١ : ٣٦٧.

٤٢٩

والمعترّ فيه كناية عن الإهداء.

ويمكن الجواب عن الأول : بالمنع من عدم قول الأصحاب برجحان إطعام الأهل الثلث ، وذلك فإنه وإن لم يصرّحوا باستحبابه بالخصوص ، لكن صرّحوا باستحباب أكل الثلث ، وهو وإن كان ظاهراً في أكل الذابح نفسه إلاّ انَّ المراد لعلّه مع أهله وإلاّ فيتعسّر أو يتعذر غالباً أكله الثلث وحده ، إلاّ في مدة مديدة لا يمكن أكله الثلث فيها إلاّ بإخراجه من منى ، وقد منعوا عنه كما مضى ، فلا يجامع حكمهم ذلك حكمهم باستحباب أكله بنفسه الثلث هنا.

ومن هنا يظهر ان أكل الثلث بنفسه ليس واجب قطعاً ، بل ولا خلاف فيه أيضاً ، وإنما اختلفوا في وجوبه في الجملة ولو قليلاً ، فالشيخ وجماعة على الاستحباب (١) ، وعزاه في الدروس إلى الأصحاب (٢). ولعلّه الأقوى ؛ للأصل السليم عمّا يصلح للمعارضة ، عدا ما ستعرفه مع الجواب عنه.

( وقيل : يجب الأكل منه ) وهو الحلّي كما عرفت ، وتبعه من المتأخرين جماعة (٣) ؛ لما ذكره من الأمر به في الآية الشريفة ، مضافاً إلى الأمر به في الصحيح أو الموثق : « إذا ذبحت أو نحرت فكل وأطعم كما قال الله تعالى : ( فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ) وقال : « القانع : الذي يقنع بما أعطيته ، والمعتر : الذي يعتريك ، والسائل : الذي يسألك في‌

__________________

(١) الشيخ في النهاية : ٢٦١ ، الحلبي في الكافي : ٢٠٠ ، القاضي في المهذّب ١ : ٢٥٩.

(٢) الدروس ١ : ٤٣٩.

(٣) منهم : العلاّمة في المختلف : ٣٠٦ ، وصاحب المدارك ٨ : ٤٣ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٣٦٨.

٤٣٠

يديه ، والبائس : الفقير » (١).

ويضعّف : بمنع إفادة الأمر الوجوب هنا ، أمّا أولاً فلوروده مورد توهّم الحظر ، كما ربما يستفاد من تتبع الأخبار ، وصرّح به جمع ، منهم الفاضل المقداد في كنز العرفان (٢) ، وحكاه بعض عن صاحب الكشّاف (٣) ، فقالا : كانت الأُمم قبل شرعنا يمتنعون من أكل نسائكهم ، فرفع الله الحرج عنهم من أكلها. فلا يفيد سوى الإباحة ، كما قرّر في محلّه.

وأما ثانياً فلأن مورد النزاع إنما هو هدي التمتع خاصة ، كما صرّح به في المدارك (٤) ، ويظهر من غيره أيضاً كما ستعرفه ، ولا اختصاص للآية الشريفة وكذا الرواية بل تعمّه وهدي القرآن والتضحية ، وشمولها لهدي القرآن صريح الفاضل في المنتهى وابن زهرة (٥) ، حيث استدل لجواز أكل هدي القرآن والمتعة بعد الإجماع بالآية ، وساقها إلى قوله تعالى( ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ ) (٦) وقال في وجه الاستدلال : والذي يترتب عليه قضاء التفث هو هدي التمتع والقران.

وليس الأكل من الأُضحية ولا من هدي القرآن واجباً اتفاقا ، كما صرح به الفاضل المقداد في الكنز والعلاّمة في المنتهى (٧) ، حيث قال : هدي التطوع يستحب الأكل منه بلا خلاف ؛ لقوله تعالى : ( فَكُلُوا مِنْها ) الآية ،

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٢٢٣ / ٧٥١ ، الوسائل ١٤ : ١٥٩ أبواب الذبح ب ٤٠ ح ١.

(٢) كنز العرفان ١ : ٣١٣.

(٣) الكشاف ٣ : ١٥٣.

(٤) المدارك ٨ : ٤٣.

(٥) المنتهى ٢ : ٧٥٢ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٢.

(٦) الحج : ٢٩.

(٧) كنز العرفان ١ : ٣١٣ ، المنتهى ٢ : ٧٥٢.

٤٣١

وأقل مراتب الأمر الاستحباب إلى أن قال ـ : لو لم يأكل من التطوع لم يكن به بأس بلا خلاف. ومراده بهدي التطوع هدي القرآن ، كما صرّح به في موضع آخر منه (١).

وحينئذ فلا بدّ من صرف الآية والرواية عن ظاهرهما ، فإما إلى الاستحباب ، أو التخصيص بهدي التمتع دون غيره ، والثاني وإن كان أولى إلاّ أن الشهرة مع ما قدّمناه من الجواب الأول يرجّحان الأول ، أو يساويانه مع الثاني ، فليرجع إلى حكم الأصل ، وهو البراءة من الوجوب.

والعجب من العلاّمة في المنتهى حيث قال فيه بوجوب الأكل مستدلاً بالآية الشريفة ، ومع ذلك أنه استدل لاستحباب الأكل من هدي التطوع بالآية المزبورة ، مع أنه ليس فيها إلا أمر واحد ، ولا يمكن حمله في استعمال واحد على معنييه الحقيقي والمجازي ، فإما الوجوب أو الاستحباب ، لا سبيل إلى الأول بعد تصريحة لشمول الآية لهدي القرآن المستحب فيه الأكل بلا خلاف كما ذكره ، فتعيّن الثاني.

وبالجملة : الذي يقتضيه النظر وتتبع الأخبار والفتاوي رجحان القول بالاستحباب وإن كان الأحوط القول بالإيجاب.

( ويكره التضحية بالثور والجاموس ) كما في الشرائع والإرشاد والقواعد والتحرير والمنتهى (٢) من غير نقل خلاف فيه أصلاً ، قال : لما رواه الشيخ عن أبي بصير ، قال سألته عن الأضاحي ، قال : « أفضل الأضاحي في الحج الإبل والبقر ذوات الأرحام ، ولا يضحّى بثور ولا جمل » (٣).

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٧٤٩.

(٢) الشرائع ١ : ٢٦١ ، الإرشاد ١ : ٣٣٣ ، القواعد ١ : ٨٨ ، التحرير ١ : ١٠٥ ، المنتهى ٢ : ٧٤٢.

(٣) التهذيب ٥ : ٢٠٤ / ٦٨٢ ، الوسائل ١٤ : ٩٩ أبواب الذبح ب ٩ ح ٤.

٤٣٢

وليس فيه مع إضماره ذكر الجاموس ، إلاّ أن يستدل على كراهيته بالفحوى.

ويدلُّ على جواز التضحية به صريحاً الصحيح : عن الجاموس عن كم يجزئ في التضحية ، فجاء في الجواب « إن كان ذكراً فعن واحد ، وإن كان أُنثى فعن سبعة » (١).

وحينئذ فلا يحتاج في إثبات أجزائه إلى البناء على انَّه مع البقر جنس ، كما تقرّر في كتاب الزكاة فيناقش فيه بأن المستفاد من كلام بعض أهل اللغة خلافه.

( والموجوء ) وهو مرضوض الخصيتين حتى تفسدا ، كما في الكتب المتقدمة عدا التحرير والمنتهى ففيهما : الموجوء خير من النعجة ، والنعجة خير من المعز.

والتعبير بالمأثور في النصوص أولى ، منها الصحيح : « الفحل من الضأن خير من الموجوء ، والموجوء خير من النعجة ، والنعجة خير من المعز » (٢).

وفي آخر : « اشتر فحلاً سميناً للمتعة ، فإن لم تجد فموجوءاً ، فإن لم تجد فمن فحولة المعز ، [ فإن لم تجد فنعجة ] فإن لم تجد فما استيسر من الهدي » (٣).

وليس في الروايتين تصريح بالكراهة ، وإنّما المستفاد منهما أن الفحل من الضأن أفضل من الموجوء ، وأنَّ الموجوء خير من المعز ، وبذلك صرّح‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٢٠٩ / ٧٠١ ، الإستبصار ٢ : ٢٦٧ / ٩٤٦ ، الوسائل ١٤ : ١١٢ أبواب الذبح ب ١٥ ح ١.

(٢) التهذيب ٥ : ٢٠٥ / ٦٨٦ ، الوسائل ١٤ : ١١١ أبواب الذبح ب ١٤ ح ١.

(٣) الكافي ٤ : ٤٩٠ / ٩ ، الوسائل ١٤ : ١٠٧ أبواب الذبح ب ١٢ ح ٧ وما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

٤٣٣

في المدارك والذخيرة (١) ، لكن قالا بعد نقل الحكم بالكراهة : قد قطع بها الأصحاب ، واحتمل في الذخيرة كون مرادهم منها ترك الاولى ، لا المعنى المصطلح عليه الآن.

( الثالث : في البدل )

( و ) اعلم أنه ( لو فقد فقد الهدي ووجد ثمنه ) وهو يريد الرجوع ( استناب ) ثقة ( في شرائه وذبحه طول ذي الحجة ) فإن لم يوجد فيه ففي العام المقبل في ذي الحجة ، على الأظهر الأشهر ، بل عليه عامة من تأخر ، وفي ظاهر الغنية الإجماع عليه (٢) ؛ وهو الحجة ، مضافاً إلى الصحيح الصريح في ذلك (٣).

وربما استدل له ايضاً ببعض المعتبرة : عن رجل تمتع بالعمرة إلى الحج ، فوجب عليه النسك ، فطلبه فلم يجده وهو موسر حسن الحال وهو يضعف عن الصيام ، فما ينبغي له أن يصنع؟ قال : « يدفع ثمن النسك إلى من يذبحه عنه بمكة إن كان يريد المضي إلى أهله ، وليذبح عنه في ذي الحجة » [ فقلت : ] فإنه دفعه إلى من يذبح عنه ، فلم يصب في ذي الحجة نسكاً وأصابه بعد ذلك ، قال : « لا يذبح عنه إلا في ذي الحجة ولو أخره إلى قابل » (٤).

__________________

(١) المدارك ٨ : ٤٥ ، الذخيرة : ٦٧١.

(٢) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٢.

(٣) الكافي ٤ : ٥٠٨ / ٦ ، التهذيب ٥ : ٣٧ / ١٠٩ ، الإستبصار ٢ : ٢٦٠ / ٩١٦ ، الوسائل ١٤ : ١٧٦ أبواب الذبح ب ٤٤ ح ١.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٧ / ١١٠ ، الإستبصار ٢ : ٢٦٠ / ٩١٧ ، الوسائل ١٤ : ١٧٦ أبواب الذبح ب ٤٤ ح ٢ ، بدل ما بين المعقوفين في النسخ « قال ».

٤٣٤

ويضعّف : بأنه لمّا ذكر السائل أنه يضعف عن الصيام لم يصح الاستدلال به على وجوب أن يخلف الثمن مع القدرة عليه كما في كلام جمع.

( وقيل : ) بل ( ينتقل فرضه إلى الصوم ) والقائل : الحلّي (١) ، وتبعه الماتن في الشرائع (٢) ، وربما يعزى الى العماني (٣) ، وفيه نظر.

واستدل عليه بصدق أنه يصدق أنه غير واجد للهدي ، فينقل الفرض إلى الصوم.

وبالموثق : عن رجل تمتع فلم يجد ما يهدي حتى إذا كان يوم النفر وجد ثمن شاة ، أيذبح أو يصوم؟ قال : « بل يصوم ، فإن أيام الذبح قد مضت » (٤).

ويضعّف الأولّ : بمنعه ؛ فإنّ تيسّر الهدي ووجدانه يعمّان العين والثمن ، وإلاّ لم يجب الشراء مع الوجود يوم النحر وإمكانه إن خصّص الوجود به عنده ، وإلاّ فهو أعم منه عنده وعند غيره في أيّ جزء كان من أجزاء الزمان الذي يجزئ فيه.

لا يقال : إذا لم يجده بنفسه ما كان هناك شمله(فَمَنْ لَمْ يَجِدْ ).

لأنا نقول : وجدان النائب كوجدانه ؛ لأنه مما يقبل النائب كما عرفته.

والثاني : بقصور سنده وعدم مكافأته لمقابله سنداً واعتباراً ؛ مضافاً إلى ظهوره فيمن قدر على الذبح بمنى ، وهو غير ما نحن فيه ، ولا يوجبان‌

__________________

(١) السرائر ١ : ٥٩٢.

(٢) الشرائع ١ : ٢٦١.

(٣) حكاه عنه في المختلف : ٣٠٤.

(٤) الكافي ٤ : ٥٠٩ / ٩ ، التهذيب ٥ : ٣٧ / ١١١ ، الإستبصار ٢ : ٢٦٠ / ٩١٨ ، الوسائل ١٤ : ١٧٧ أبواب الذبح ب ٤٤ ح ٣.

٤٣٥

الصوم فيه ، ولعلّه لذا حمله الشيخ على من صام ثلاثة أيّام قبل الوجدان (١) ، كما في الخبر : عن متمتع صام ثلاثة أيام في الحج ثم أصاب هدياً يوم خرج من منى ، قال : « أجزأه صيامه » (٢).

وغيره على ما مرّ في بحث وجوب كون الذبح يوم النحر (٣).

وللإسكافي هنا قول ثالث مخيّر بين القولين الأوّلين وبين الصدقة بالوسطى من قيمة الهدي في تلك السنة (٤).

قيل : جمعاً بين ما مرّ ونحو خبر عبد الله بن عمر (٥) ، قال : كنّا بمكة فأصابنا غلاء في الأضاحي فاشترينا بدينار ، ثم بدينارين ، ثم بلغت سبعة ، ثم لم يوجد بقليل ولا كثير ، فوقّع هشام المكاري رقعة الى أبي الحسن عليه‌السلام ، فأخبره بما اشترينا وأنّا لم نجد بعد ، فوقّع عليه‌السلام إليه : « انظروا إلى الثمن الأول والثاني والثالث فاجمعوا ، ثم تصدّقوا بمثل ثلثه » (٦).

ويضعّف : بأن الجمع بذلك فرع التكافؤ والشاهد المفقودين في المقام ، مع ظهور الثالث بعد تسليمه كما قيل ـ (٧) في الندب ، مضافاً إلى انَّ إنفاق الثمن بدل الهدي مخالف للكتاب.

( ومع فقد الثمن ) أيضاً ( يلزمه الصوم ) قولاً واحداً ( وهو ثلاثة )

__________________

(١) انظر التهذيب ٥ : ٣٧.

(٢) الكافي ٤ : ٥٠٩ / ١١ ، التهذيب ٥ : ٣٨ / ١١٢ ، الإستبصار ٢ : ٢٦٠ / ٩١٩ ، الوسائل ١٤ : ١٧٨ أبواب الذبح ب ٤٥ ح ١.

(٣) راجع ص : ٣٠٢٧.

(٤) حكاه عنه في المختلف : ٣٠٤.

(٥) كشف اللثام ١ : ٣٦٣.

(٦) الكافي ٤ : ٥٤٤ / ٢٢ ، الفقيه ٢ : ٢٩٦ / ١٤٦٧ ، التهذيب ٥ : ٢٣٨ / ٨٠٥ ، الوسائل ١٤ : ٢٠٣ أبواب الذبح ب ٥٨ ح ١.

(٧) كشف اللثام ١ : ٣٦٣.

٤٣٦

أيام في الحج متواليات وسبعة في أهله ) بالكتاب (١) والسنة (٢) والإجماع ، وفي المنتهى : لا خلاف فيه بين العلماء (٣).

وليس في الكتاب ما يدل على اعتبار التوالي بين الثلاثة لكن جاء ذلك من قبل إجماعنا الظاهر ، المصرّح به في المنتهى (٤) وغيره ، والسنة.

ففي الموثق : « لا يصوم الثلاثة الأيام متفرقة » (٥) ونحوه الصحيح المروي عن قرب الاسناد (٦).

وقريب منهما الصحاح وغيرها الآمرة بصوم يوم قبل التروية وصومها وصوم عرفة (٧) ، لكنها محمولة على الاستحباب عند الأصحاب ، وفي ظاهر المنتهى وعن ظاهر التذكرة : الإجماع عليه (٨).

ويستثنى من اعتبار التوالي ما إذا صام يومي التروية وعرفة فيؤخر العيد إلى آخر أيام التشريق ، كما مرّ في كتاب الصوم.

والمراد بقوله(فِي الْحَجِّ ) أي في سفره قبل رجوعه إلى أهله ، وشهره ، وهو هنا ذو الحجة عندنا ، كما في ظاهر المنتهى وغيره (٩) ، وسيأتي ما يدل عليه.

__________________

(١) البقرة : ١٩٢.

(٢) انظر الوسائل ١٤ : ١٧٨ أبواب الذبح ب ٤٦.

(٣) المنتهى ٢ : ٧٤٣.

(٤) المنتهى ٢ : ٧٤٣.

(٥) التهذيب ٥ : ٢٣٢ / ٧٨٤ ، الإستبصار ٢ : ٢٨ / ٩٩٤ ، الوسائل ١٤ : ١٩٨ أبواب الذبح ب ٥٣ ح ١.

(٦) التهذيب ٥ : ٢٣١ / ٧٨٢ ، الاستبصار ٢ : ٢٧٩ / ٩٩٣ ، قرب الإسناد : ٣٩٤ / ١٣٨١ ، الوسائل ١٤ : ١٩٦ أبواب الذبح ب ٥٢ ح ٤.

(٧) انظر الوسائل ١٤ : ١٧٨ ، ١٩٥ أبواب الذبح ب ٤٦ ، ٥٢.

(٨) المنتهى ٢ : ٧٤٣ ، التذكرة ١ : ٣٨٢.

(٩) المنتهى ٢ : ٧٤٥ ؛ وانظر كشف اللثام ١ : ٣٦٣.

٤٣٧

والمعتبر من القدرة على الثمن القدرة عليه في موضعه لا في بلده ، وفي المنتهى : إنه لا يعلم فيه خلافاً (١).

ولو تمكن من الاستدانة ففي وجوبها وجهان ، قيل : وقرّب الشهيد الوجوب (٢).

أقول : وعليه الشهيد الثاني أيضاً (٣).

( ويجوز تقديم ) صوم ( الثلاثة من أول ذي الحجة ) كما في كلام جماعة (٤) ، وادّعى في التنقيح عليه الشهرة (٥). ولا يخلو عن قوة ؛ لإطلاق الآية الشريفة وتفسيرها في الصحيح بذي الحجة (٦) ؛ وخصوص الموثق : « من لم يجد هدياً واجب ان يصوم الثلاثة الأيام في أول العشر فلا بأس بذلك » (٧).

قيل : ونصّ ابن سعيد على أنه رخّص في ذلك لغير علّة ، وفي السرائر وظاهر التبيان : الإجماع على وجوب كون الصوم في الثلاثة المتصلة بالنحر ، وفي الخلاف : نفي الخلاف عن وجوبه اختياراً ، لكن يحتمل نفي الخلاف عن تقديمها على الإحرام بالحج ، وفيه وفي النهاية والتهذيب والمبسوط والمهذّب : ذكر الرخصة في صومها أول العشر ، لكن في‌

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٧٤٣.

(٢) حكاه عنه في الذخيرة : ٦٧٢ وهو في الدروس ١ : ٤٤١.

(٣) المسالك ١ : ١١٦.

(٤) منهم : الشهيد الأول في الدروس ١ : ٤٤٠ ، وصاحب المدارك ٨ : ٥٢ ، والحدائق ١٧ : ١٣٧.

(٥) التنقيح الرائع ١ : ٤٩٣.

(٦) الكافي ٤ : ٥٠٦ / ١ ، التهذيب ٥ : ٣٨ / ١١٤ ، الوسائل ١٤ : ١٧٨ أبواب الذبح ب ٤٦ ح ١.

(٧) الكافي ٤ : ٥٠٧ / ٢ ، الوسائل ١٤ : ١٧٩ أبواب الذبح ب ٤٦ ح ٢.

٤٣٨

الأخيرين أن التأخير إلى السابع أحوط ، وفي التهذيب : أنه أولى ، وظاهر الخلاف اختصاص الرخصة بالمضطر (١).

ولا يجوز صومها إلاّ ( بعد التلبس ) بالمتعة ، إلاّ في رواية عن أحمد ، قال في المنتهى : وهو خطأ ؛ لأنه تقديم للواجب على وقته وسببه ، ومع ذلك فهو خلاف قول العلماء (٢). ونحوه عن التذكرة (٣).

ويكفي التلبس بعمرتها ، كما في الشرائع والتحرير والمنتهى والإرشاد والقواعد (٤) ، وعن الخلاف والتذكرة (٥) ؛ لإطلاق الآية ، والاتفاق فتوًى وروايةً (٦) على أن الراجح صومها من السابع مع استحباب كون الإحرام بالحج في الثامن ، ولم يحك خلاف فيه إلاّ عن الشافعي وبعض العامة (٧).

واشترط الشهيد في الدروس واللمعة وكذا شارحها (٨) التلبس ( بالحج ) كما عليه الماتن هنا.

ووجهه غير واضح ، عدا ما في التنقيح من كونه تقديماً للواجب على‌

__________________

(١) كشف اللثام ١ : ٣٦٤ ، وهو في الجامع : ٢١١ ، والسرائر ١ : ٥٩٣ ، والتبيان ٢ : ١٦٠ ، والخلاف ٢ : ٢٧٨ ، والنهاية : ٢٥٥ ، والتهذيب ٥ : ٢٣٥ ، والمبسوط ١ : ٣٧٠ ، والمهذب ١ : ٢٥٨ ، والتهذيب : ٢٥٨ ، والتهذيب ٥ : ٢٥٨.

(٢) المنتهى ٢ : ٧٤٥.

(٣) التذكرة ١ : ٣٨٣.

(٤) الشرائع ١ : ٢٦٢ ، التحرير ١ : ١٠٥ ، المنتهى ٢ : ٧٤٥ ، الإرشاد ١ : ٣٣٣ ، القواعد ١ : ٨٨.

(٥) الخلاف ٢ : ٢٧٥ ، التذكرة ١ : ٣٨٢.

(٦) الوسائل ١٤ : ١٧٨ أبواب الذبح ب ٤٦.

(٧) حكاه عنهم في كشف اللثام ١ : ٣٦٤ ، وهو في الأُم ٢ : ١٨٩ ، المغني والشرح الكبير ٣ : ٥٠٨.

(٨) الدروس ١ : ٤٤٠ ، اللمعة ( الروضة البهية ٢ ) : ٢٩٥.

٤٣٩

وقته ، فهو تقديم للمسبّب على سببه (١). وهو اجتهاد في مقابلة ما قدّمناه من الدليل.

ولعلّه عليه اعتماد من وافقناه على الاكتفاء بالتلبس بالعمرة وبناؤه ، وبه استدل عليه في المنتهى (٢) وغيره.

لا على ما في الدروس من أنه بناءً على وجوبه بها (٣). والظاهر أن مرجع الضمير الأول هو الهدي كما في الذخيرة (٤) ، أو الصوم كما في التنقيح (٥) ، لا الحج كما ذكره شيخنا الشهيد الثاني وسبطه (٦).

وعلى التقادير فالمرجع واحد ، وهو دفع وجه الإشكال المتقدم ، ولا يحتاج إلى ذلك ، بل الدافع له ما عرفت من الدليل ، فتأمل.

( ولا يجوز ) تقديمها ( قبل ذي الحجة ) مطلقاً ؛ لما عرفته.

ويجوز صومها طول ذي الحجة عند علمائنا وأكثر العامة كما قيل (٧) ؛ لأكثر ما مرّ ، والصحيح : « من لم يجد ثمن الهدى وأحبّ أن يصوم الثلاثة الأيام في العشر الأواخر فلا بأس (٨).

وظاهر إطلاق الأدلة كجملة من الفتاوي جوازه اختياراً.

قيل : وظاهر الأكثر ومنهم الفاضل في جملة من كتبه وجوب المبادرة‌

__________________

(١) التنقيح الرائع ١ : ٤٩٤.

(٢) المنتهى ٢ : ٧٤٥.

(٣) الدروس ١ : ٤٤٠.

(٤) الذخيرة : ٦٧٣.

(٥) التنقيح الرائع ١ : ٤٩٤.

(٦) الشهيد الثاني في المسالك ١ : ١١٦ ، وسبطه في المدارك ٨ : ٥٣.

(٧) قال به في المدارك ٨ : ٥٣.

(٨) الفقيه ٢ : ٣٠٣ / ١٥٠٨ ، الوسائل ١٤ : ١٨٢ أبواب الذبح ب ٤٦ ح ١٣.

٤٤٠