رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٦

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٦

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-108-7
الصفحات: ٥١٢

الندب ؛ لما مر ؛ مع ما في الراوي من الكلام.

نعم ، روى الصدوق في الصحيح نحو ما فيه ، إلاّ أنه عليه‌السلام قال فيه : « يقيم بمكة على إحرامه ويقطع التلبية حين يدخل الحرم ، فيطوف بالبيت ويسعى ويحلق رأسه ويذبح شاته ثم ينصرف إلى أهله » ثم قال : « هذا لمن اشترط على ربه عند إحرامه أن يحلّه حيث حبسه ، فإن لم يشترط فإن عليه الحج والعمرة من قابل » (١).

إلاّ أن لفظ « شاته » بالإضافة مشعر بأنه كان معه شاة عيّنها للهدي ، ويحتمل أن يكون فُتياً بعينه وقد يكون نذر الشاة للهدي ، ويحتمل الاستحباب ، مع أن ظاهره هو جواز الإحلال والرجوع لهم بمجرّد الحلق وذبح الشاة من غيره حاجة إلى عمرة التحلل ، وهو خلاف الإجماع.

قيل : والأولى حمل هذا الخبر على التقية (٢) ؛ لأن المشهور بين العامّة هو أن من فاته الحج لم يجب عليه العمرة ، بل يبقى على إحرامه السابق ، ويتحلل بطواف وسعى وحلاق ، وكذلك وجوب الهدي عليه هو القول المنصور بينهم الذي إليه أهل الشوكة منهم وأهل الجاه والاعتبار.

( الثالث : يستحب التقاط الحصى من جمع ) إجماعاً ، كما عن ظاهر المنتهى والتذكرة وصريح غيرهما (٣) ، وللصحيحن (٤) : « خذ حصى‌

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٢٤٣ / ١١٦٠ ، الوسائل ١٤ : ٤٩ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٢٧ ح ٢.

(٢) الحدائق ١٦ : ٤٦٨.

(٣) المنتهى ٢ : ٧٢٨ ، التذكرة ١ : ٣٧٥ ؛ وانظر المدارك ٧ : ٤٣٩ ، ومفاتيح الشرائع ١ : ٣٢٩.

(٤) الكافي ٤ : ٤٧٧ / ١ ، ٣ ، التهذيب ٥ : ١٩٥ / ٦٥٠ ، الوسائل ١٤ : ٣١ أبواب الوقوف بالمشعر ب ١٨ ح ١.

٣٨١

الجمار من جمع ، وإن أخذته من رحلك بمنى أجزأك ».

( وهو سبعون حصاة ) ذَكَر الضمير لعوده إلى الملقوط المدلول عليه بالالتقاط ، وهذا العدد هو الواجب ، ولو التقط أزيد منه احتياطاً حذراً من سقوط بعضها أو عدم إصابة فلا بأس.

ويجوز الالتقاط من غير جمع ؛ للأصل والصحيحين ، لكن لا يجوز إلاّ من الحرم ؛ للصحيح : « حصى الجمار إن أخذته من الحرم أجزأك ، وإن أخذته من غير الحرم لم يجزئك » (١).

( ويجوز ) الالتقاط ( من أي جهات الحرم شاء عدا المساجد ) مطلقاً كما هنا وفي الشرائع والقواعد وعن الجامع (٢) قيل : للنهي عن إخراج حصى المساجد وهو يقتضي الفساد ، كذا في الرمي المختلف (٣).

والذي تقدّم في الصلاة كراهية الإخراج ، وإن سلّم الحرمة فالرمي غير منهي عنه ، إلاّ أن يثبت وجوب المبادرة إلى الإعادة فيقال : الرمي منهي عنه ، لكونه ضدها.

ويمكن حمل الجواز على الإباحة بالمعنى الأخص فينافيه الكراهة ، والفساد على فساد الإخراج ، بمعنى الرغبة عنه شرعاً.

أو يقال : يجب إعادتها إليها أو إلى غيرها من المساجد ، وعند الرمي يلتبس بغيرها ، فلا يمتاز ما من المسجد من غيره.

وفيه : أنه يمكن أعلامها بعلامة تميزها.

وفي الموثق : « يجوز أخذ حصى الجمار من جميع الحرم إلاّ من‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٧٧ / ٢ ، الوسائل ١٤ : ٣١ أبواب الوقوف بالمشعر ب ١٨ ح ٢.

(٢) الشرائع ١ : ٢٥٧ ، القواعد ١ : ٨٧ ، الجامع للشرائع : ٢٠٩.

(٣) المختلف : ٣٠٣.

٣٨٢

المسجد الحرام ومسجد الخيف » (١).

ولذا اقتصر عليهما الأكثر ، وإلى قولهم أشار بقوله :

( وقيل : عدا المسجد الحرام ومسجد الخيف ) وليس في التهذيب المسجد الحرام (٢) ، ولذا اقتصر عليه الشيخ في مصباحه (٣) ، ولعلّه لبُعد الالتقاط من المسجد الحرام.

وفي بعض القيود أنه لا يجوز الأخذ من وادي محسِّر (٤).

وفي المنتهى : لو رمى بحصاة محسِّر كره له ذلك ، وهل يكون مجزئاً أم لا ، فيه تردّد ، أقربه الإجزاء ؛ للعموم (٥).

( ويشترط أن يكون أحجاراً ) ولا يجوز بغيرها كالمدر والآجر والكحل والزرنيخ وغير ذلك من الذهب والفضة ، بإجماعنا الظاهر ، المحكي عن صريح الانتصار وظاهر التذكرة والمنتهى (٦) ، بل في المنتهى والتحرير عن الأكثر تعيّن الحَصى (٧). وهو الأقوى ؛ للتأسي والاحتياط ، لورود النصوص بلفظ الحصى والحصيات ، مع أن في الصحيح منها : « لا ترم الجمار إلاّ بالحصى » (٨).

__________________

(١) الكافي ٤٧٨ / ٨ ، التهذيب ٥ : ١٩٦ / ٦٥٢ ، الوسائل ١٤ : ٣٢ أبواب الوقوف بالمشعر ١٩ ح ٢.

(٢) لا يخفى أنها موجودة في النسخة التي كانت بأيدينا من التهذيب.

(٣) مصباح المتهجد : ٦٤٢.

(٤) المنتهى ٢ : ٧٣٠ ، وفيه بدل كلمة محسّر : نجسة.

(٦) الانتصار : ١٠٥ ، التذكرة ١ : ٣٧٦ ، المنتهى ٢ : ٧٢٩.

(٧) المنتهى ٢ : ٧٣٠ ، التحرير ١ : ١٠٣.

(٨) الكافي ٤ : ٤٧٧ / ٥ ، التهذيب ٥ : ١٩٦ / ٦٥٤ ، الوسائل ١٤ : ٥٩ أبواب رمي جمرة العقبة ب ٤ ح ١.

٣٨٣

خلافاً للخلاف ، ففيه جواز الرمي بالحجر وما كان من جنسه من البرام والجواهر وأنواع الحجارة (١).

ولا دليل عليه سوى ما يحكى عنه من دعواه الإجماع ، وفيها مع وهنها معارضتها بأقوى ، وهي الأدلة التي قدّمناها.

أو ما يفهم كلامه المتقدّم من دخول الجميع في الحجر ، وهو الحَصى ، بناءً على أن الحصى هي الحجارة الصغيرة كما عن القاموس (٢) ، وعليه فلا خلاف.

لكن يمنع الدخول أوّلاً ، ثم يستشكل في تفسير الحصى بالحجارة ، لمنافاته العرف والعادة ، ولذا أن جماعة من متأخري (٣) قالوا بعد نحو ما في العبارة : بل الأجود تعيّن الرمي بما يسمى حصاة. وهو الأقرب.

وأن يكون ( من الحرم ) للصحيح : « حصى الجمار إن أخذته من الحرم أجزأك ، وإن أخذته من غير الحرم لم يجزئك » (٤).

وفي المرسل : « لا تأخذه من موضعين : من خارج الحرم ، ومن حصى الجمار » (٥).

وبه قطع الأكثر.

قيل : خلافاً للخلاف والقاضي (٦) ، ومستندهما غير واضح سوى‌

__________________

(١) الخلاف ٢ : ٣٤٢.

(٢) القاموس المحيط ٤ : ٣١٩.

(٣) منهم صاحب المدارك ٧ : ٤٤٠ ، والسبزواري في الذخيرة : ٦٦١ ، وصاحب الحدائق ١٦ : ٤٧٥.

(٤) تقدّم مصدره في الهامش ٣.

(٥) الكافي ٤ : ٤٧٨ / ٩ ، التهذيب ٥ : ١٩٦ / ٦٥٣ ، الوسائل ١٤ : ٦٠ أبواب رمي جمرة العقبة ب ٥ ح ١.

(٦) كشف اللثام ١ : ٣٦٠ ، ولكن نقل فيه عن الخلاف وابن حمزة.

٣٨٤

الأصل المخصّص بما مرّ.

وأن يكون ( أبكاراً ) غير مرمي بها رمياً صحيحاً ، بالنص المتقدم وغيره (١) ، والإجماع الظاهر ، المحكي عن صريح الخلاف والغنية والجواهر (٢) ، والمصرّح به في المدارك وغيره (٣).

( ويستحب أن تكون رخوة ) غير صلبة ( بُرْشاً بقدر الأنملة ) بفتح الهمزة وضم الميم رأس الإصبع.

( ملتقطة ) بأن يكون كل واحدة منها مأخوذة من الأرض ، منفصلة.

واحترز بها عن المكسّرة من حجر فإنها مكروهة كما سيأتي.

( منقّطة ) كُحلية.

كلّ ذلك للمعتبرة (٤).

قيل : والمشهور في معنى البَرش أن يكون في الشي‌ء نقط تخالف لونه ، وقصره ابن فارس على ما فيه نقط بيض (٥).

وعليه فيكون هذا الوصف مغنياً عن كونها منقّطة ، ولعلّه لذا تكلّف شيخنا في الروضة فحمل مثل كلام الماتن على اختلاف ألوان الحصى بعضها لبعض (٦) ، ومكانه من البعد غير خفي.

واقتصر الصدوق على المنقطة (٧) ، والشيخ في التهذيب والنهاية‌

__________________

(١) انظر الوسائل ١٤ : ٦٠ أبواب رمي جمرة العقبة ب ٥.

(٢) الخلاف ٢ : ٣٤٣ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨١ ، جواهر الفقه : ٤٣.

(٣) المدارك ٧ : ٤٤١ ؛ وانظر كشف اللثام ١ : ٣٦٠ ، والذخيرة : ٦٦١ ، والحدائق ١٦ : ٤٧٤.

(٤) انظر الوسائل ١٤ : ٣٣ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٢٠.

(٥) كشف اللثام ١ : ٣٦٠.

(٦) الروضة البهية ٢ : ٢٨٤.

(٧) كما في الهداية : ٦١.

٣٨٥

والجمل (١) على البُرش.

لكن في النهاية الأثيرية : أن البُرشة لون مختلط حمرةً وبياضاً وغيرهما (٢) ، وفي المحيط : إنه لون مختلط بحمرة (٣) وفي تهذيب اللغة عن الليث : إن الأبرش الذي فيه ألوان وخلط (٤). وحينئذ يكون أعم من المنقّطة.

وفي الكافي : إن الأفضل البُرش ثم البيض والحمر ، ويكره السود (٥).

( ويكره الصلبة ) للصحيح (٦).

( والمكسّرة ) للخبر : « التقط الحصى ، ولا تكسرنّ منه شيئاً » (٧).

والسواد والبيضاء والحمراء ؛ للنهي عنها أجمع في بعض الأخبار (٨) ، وفيه : « خذها كحلية منقّطة ».

__________________

(١) التهذيب ٥ : ١٩٦ ، النهاية : ٢٥٣ ، الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ٢٣٤.

(٢) النهاية ١ : ١١٨.

(٣) محيط اللغة ٧ : ٣٣١.

(٤) تهذيب اللغة ١١ : ٣٦٠.

(٥) الكافي في الفقه : ١٩٨.

(٦) الكافي ٤ : ٤٧٧ / ٦ ، التهذيب ٥ : ١٩٧ / ٦٥٥ ، الوسائل ١٤ : ٣٣ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٢٠ ح ١.

(٧) الكافي ٤ : ٤٧٧ / ٤ ، التهذيب ٥ : ١٩٧ / ٦٥٧ ، الوسائل ١٤ : ٣٤ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٢٠ ح ٣.

(٨) الكافي ٤ : ٤٧٨ / ٧ ، التهذيب ٥ : ١٩٧ / ٦٥٦ ، قرب الإسناد : ٣٥٩ / ١٢٨٤ ، الوسائل ١٤ : ٣٣ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٢٠ ح ٢.

٣٨٦

( القول في مناسك منى )

جمع منسك ، واصلة موضع النسك ، وهو العبادة ، ثم أُطلق اسم الحمل على الحالّ ، ولو عبّر بالنسك كان هو الحقيقة.

ومنى بكسر الميم : اسم مذكر منصرف كما قيل (١) ، وجوّز تأنيثه ، سمّي به المكان المخصوص لقول جبرئيل عليه‌السلام لإبراهيم عليه‌السلام : « تمنّ ، على ربك ما شئت » (٢).

وقيل : لقوله علي السلام لآدم عليه‌السلام : « تمنّ ، فقال : أتمنى الجنة فسميت به لأُمنية آدم » (٣).

ومناسكها ( يوم النحر ) ثلاثة : ( وهي رمي جمرة العقبة ) التي هي أقرب الجمرات الثلاث إلى مكة ، وهي حدّها من تلك الجهة.

( ثم الذبح ، ثم الحلق ) مرتباً كما ذكر ، فلو عكس أثم وأجزأ على خلاف في الأول سيذكر.

أما وجوب الأخيرين فسيأتي الكلام فيه.

وأما وجوب الأول ففي التذكرة والمنتهي (٤) : إنه لا نعلم فيه خلافاً ، ثم في المنتهى : وقد يوجد في بعض العبارات أنه سنة ، وذلك في بعض‌

__________________

(١) المسالك ١ : ١١٤.

(٢) علل الشرائع : ٤٣٥ / ٢.

(٣) نقله في القاموس المحيط ٤ : ٣٩٤ عن ابن عباس.

(٤) التذكرة ١ : ٣٧٦ ، المنتهى ٢ : ٧٢٩.

٣٨٧

أحاديث الأئمة عليه‌السلام (١) ، وفي لفظ الشيخ في الجمل والعقود ، وهو محمول على الثابت بالسنّة لا أنه مستحب (٢).

وفي السرائر : لا خلاف عندنا في وجوبه ، ولا أظن أن أحداً من المسلمين يخالف فيه (٣).

ويدلُّ على وجوبه التأسي ، والأمر به في الأخبار الكثيرة ، بل المتواترة كما في السرائر ففي الصحيح : « ثم ائت الجمرة القصوى التي عند العقبة ، فارمها من وجهها » (٤).

وفي الذخيرة : الأمر وإن كان دلالته على الوجوب من أخبارنا غير واضح إلاّ أن عمل الأصحاب وفهمهم يعين على فهم الوجوب منه ، مضافاً إلى توقف يقين البراءة من التكليف الثابت عليه (٥).

ويجب عليه في كل من الثلاثة أُمور.

( أمّا الرمي فالواجب فيه النية ) وهي قصد الفعل طاعة لله عزّ وجل ، والأحوط ملاحظة الوجه وتعيين نوع الحج والتعرض للأداء وإن كان لزوم التعرض لذلك غير معلوم.

ويجب مقارنتها الأول الرمي واستدامة حكمها إلى الفراغ ، كما في نظائره.

( والعدد ، وهو سبع حصيات ) للتأسي ؛ والنصوص ، وإجماع علماء الإسلام ، كما في ظاهر المنتهى وصريح غيره (٦).

__________________

(١) دعائم الإسلام ١ : ٣٢٣ ، المستدرك ١٠ : ٦٧ أبواب رمي جمرة العقبة ب ١ ح ٢.

(٢) المنتهى ٢ : ٧٧١.

(٣) السرائر ١ : ٦٠٦.

(٤) الكافي ٤ : ٤٧٨ / ١ ، التهذيب ٥ : ١٩٨ / ٦٦١ ، الوسائل ١٤ : ٥٨ أبواب رمي جمرة العقبة ب ٣ ح ١.

(٥) الذخيرة : ٦٦٢.

(٦) المنتهى ٢ : ٧٣١ ؛ وانظر المدارك ٨ : ٧ ، ومفاتيح الشرائع ١ : ٣٥ ، والحدائق ١٧ : ١١.

٣٨٨

( وإلقاؤها بما يسمى رمياً ) لوقوع الأمر به ، وهو للوجوب ، والامتثال إنما يتحقق بإيجاد الماهيّة التي تعلّق بها الأمر ، فلو وضعها بكفّه لم يجز إجماعاً ، وكذا لو طرحها طرحاً لا يصدق عليها اسم الرمي.

وحكى في المنتهى خلافاً في الطرح ، ثم قال : والحاصل أن الخلاف وقع باعتبار الخلاف في صدق الاسم ، فإن سمّي رمياً أجزأ بلا خلاف ، وإلاّ لم يجز إجماعاً (١). ونحوه عن التذكرة (٢).

ويعتبر تلاحق الحصيات ، فلو رمى بها دفعة فالمحسوب واحدة.

والمعتبر تلاحق الرمي ، لا الإصابة ، فلو أصابت المتلاحقة دفعة أجزأت ، ولو رمى بها دفعة فتلاحقت في الإصابة لم يجز.

( وإصابة الجمرة بفعله ) فلا خلاف بين العلماء ، كما في صريح المدارك وغيره (٣) ؛ للتأسي ، والصحيح : « إن رميت بحصاة فوقعت في محمل فأعد مكانها » (٤).

( فلو ) قصرت عن الإصابة و ( تمّمها حركة غيره ) أي الرامي من حيوان أو إنسان ( لم يجز ) بخلاف ما لو وقعت على شي‌ء وانحدرت على الجمرة فإنها تجزي ، والفرق تحقق الإصابة بفعله هنا ، دون الأوّل ، لتحقّقها فيه بالشركة ، وفي الصحيح : « وإن أصابت إنساناً أو جملاً ثم وقعت على الجمار أجزأت » (٥).

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٧٣١.

(٢) التذكرة ١ : ٣٧٦.

(٣) المدارك ٨ : ٨ ؛ وانظر الذخيرة : ٦٦٢ ، والحدائق ١٧ : ١٣.

(٤ و ٥) الكافي ٤ : ٤٨٣ / ٥ ، الفقيه ٢ : ٢٨٥ / ١٣٩٩ ، التهذيب ٥ : ٢٦٦ / ٩٠٧ ، الوسائل ١٤ : ٦٠ أبواب رمي جمرة العقبة ب ٦ ح ١.

٣٨٩

( ويستحب الطهارة ) من الحدث حال الرمي ؛ للصحيح (١) وغيره (٢) : « لا ترم الجمار إلاّ وأنت على طهر ».

وظاهرهما الوجوب ، كما عن ظاهر المفيد والمرتضى والإسكافي (٣).

ولكن الأظهر الأشهر الاستحباب حتى أن في ظاهر الغنية الإجماع (٤) ، وفي المنتهى : لا نعلم فيه خلافاً (٥) ، جمعاً بين ما مرّ وبين الصحاح وغيره ، ففي الصحيح « ويستحب أن ترمي الجمار على طهر » (٦).

وفيه « لا بأس أن تقضي المناسك كلّها على غير وضوء ، إلاّ الطواف فإنّ فيه صلاة ، والوضوء أفضل » (٧).

وفي الخبر : عن رمي الجمار على غير طهور ، قال : « الجمار عندنا مثل الصفا والمروة حيطان ، إن طفت بينهما على غير طهور أجزأك ، والطهر أحبّ إليّ ، فلا تدعه وأنت قادر عليه » (٨).

ويمكن المناقشة في هذا الجمع ؛ إذا الرواية الأخيرة الصريحة ضعيفة‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٨٢ / ١٠ ، التهذيب ٥ : ١٩٧ / ٦٥٩ ، الإستبصار ٢ : ٢٥٨ / ٩١١ ، الوسائل ١٤ : ٥٦ أبواب رمي جمرة العقبة ب ٦ ح ١.

(٢) قرب الإسناد : ٣٩٣ / ١٣٧٩ ، الوسائل ١٤ : ٥٧ أبواب رمي جمرة العقبة ب ٢ ح ٦.

(٣) المفيد في المقنعة : ٤١٧ ، المرتضى في جمل العلم والعمل ( رسائل الشريف المرتضى ٣ ) : ٦٨ ، ونقله عن الإسكافي في المختلف : ٣٠٢.

(٤) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨١.

(٥) المنتهى ٢ : ٧٣٢.

(٦) الكافي ٤ : ٤٧٨ / ١ ، التهذيب ٥ : ١٩٨ / ٦٦١ ، الوسائل ١٤ : ٥٦ أبواب رمي جمرة العقبة ب ٢ ح ٣.

(٧) الفقيه ٢ : ٢٥٠ / ١٢٠١ ، الوسائل ١٣ : ٣٧٤ أبواب الطواف ب ٣٨ ح ١.

(٨) التهذيب ٥ : ١٩٨ / ٦٦٠ ، الإستبصار ٢ : ٢٥٨ / ٩١٢ الوسائل ١٤ : ٥٧ أبواب رمي جمرة العقبة ب ٢ ح ٥.

٣٩٠

السند بالجهالة وما قبلها من الأخبار الصحيحة غير صريحة ، لعدم وضوح « يستحب » فيما يجوز تركه ، كما هو المصطلح عليه الآن ، فلعلّ المراد به المعنى الأعم المجامع للوجوب ؛ والصحيحة الثانية دلالتها في المسائل إنما هي بالعموم فتقبل التخصيص برواية الوجوب ، فإنها نصّ فيها.

ولعلّه إلى هذا نظر شيخنا في الروضة ، حيث إنه بعد أن نقل الاستدلال من الشهيد على الاستحباب بالجمع بين صحيحة الوجوب والرواية الأخيرة قال : وفيه نظر ، لأن المجوّزة مجهولة الراوي فكيف يؤوّل الصحيح لأجلها (١).

وعليه فيضّعف ما يورد عليه من أن دليل الاستحباب غير منحصر في الرواية الأخيرة (٢) ؛ وذلك لوضوح الانحصار بعد ما عرفت من ضعف الدلالة فيما عداها من الأخبار الصحيحة ، ولعلّه لهذا لم يستدل بها الشهيدان مع الصحة.

والأقرب في الجواب عما في الروضة بانجبار الرواية بالشهرة وما عرفت من الإجماعات المنقولة.

مضافاً إلى أن الصحيحة الثانية النافية للوجوب في المسألة وإن كانت عامة لكن ما فيها من التعليل يجعلها في قوة الرواية الخاصة.

هذا مع أن العام المعتضد بالشهرة أقوى من الرواية الخاصة التي ليست معتضدة بالشهرة.

هذا مع أن في المختلف وغيره (٣) بعد نقل القول بالوجوب عن هؤلاء‌

__________________

(١) الروضة البهية ٢ : ٢٨٥.

(٢) المدارك ٨ : ١١.

(٣) المختلف : ٣٠٢ ؛ وانظر الحدائق ١٧ : ١٦.

٣٩١

الجماعة : وكان قصدهم تأكد الاستحباب فلا خلاف.

( والدعاء ) بما في الصحيح قال : « تقول والحصى في يدك : اللهم هؤلاء حصياتي فأحصهنّ لي وارفعهنّ في عملي ، ثم ترمي وتقول مع كل حصاة : أ. أكبر ، اللهم ادحر (١) عنّي الشيطان ، اللهم تصديقاً بكتابك وعلى سنّة نبيّك صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، اللهم اجعله حجاً مبروراً وعملاً مقبولاً وسعياً مشكوراً وذنباً مغفوراً » (٢).

( و ) أن ( لا تباعد بما يزيد عن خمسة عشر ذراعاً ) كما في الصحيح : « وليكن فيما بينك وبين الجمرة قدر عشرة أذرع ، أو قدر خمسة عشر ذراعاً » (٣).

( وأن يرمي خذفاً ) على الأشهر الأقوى ؛ للصحيح في قرب الإسناد ، الضعيف في الكافي والتهذيب : « تخذفها خذفاً وتضعها على الإبهام وتدفعها بظفر السبّابة » (٤).

خلافاً للمرتضى فأوجبه ، مستدلاً بالإجماع وبالأمر به في أكثر الأخبار (٥) ، وتبعه الحلّي (٦).

وأجيب في المختلف بأن الإجماع إنما هو على الرجحان وأن الأمر هنا للندب (٧).

__________________

(١) أي أبعده عنّي مجمع البحرين ٣ : ٣٠٠.

(٢ و ٣) الكافي ٤ : ٤٧٨ / ١ ، التهذيب ٥ : ١٩٨ / ٦٦١ ، الوسائل ١٤ : ٥٨ أبواب رمي الجمرة العقبة ب ٣ ح ١‌

(٤) الكافي ٤ : ٤٧٨ / ٧ ، التهذيب ٥ : ١٩٧ / ٦٥٦ ، قرب الاسناد : ٣٥٩ / ١٢٨٤ ، الوسائل ١٤ : ٦١ أبواب رمي جمرة العقبة ب ٧ ح ١.

(٥) الانتصار : ١٠٥.

(٦) السرائر ١ : ٥٩٠.

(٧) المختلف : ٣٠٢.

٣٩٢

ولعلّه أشار بقوله : هنا ، إلى قيام القرينة في المقام على الندب ، ولعلّها الشهرة العظيمة عليه حتى أنه جعل السيّد متفرّداً بالوجوب ، مشعراً ببلوغها الإجماع.

وهو كذلك ؛ إذ لم نقف على مخالف عداه والحلّي ، وهما نادران ، مع ان الأصل والإطلاقات المعتضدة بالشهرة أقوى من الرواية الآمرة ، سيّما وأن سياق الرواية المتقدمة مشعر بالاستحباب ، لتضمّنه كثيراً من الأوامر والنواهي التي ليست على حقيقتها من الوجوب والتحريم.

ثم الخذف بإعجام الحروف : الرمي بها بالأصابع ، كما عن الصحاح والديوان وغيرهما (١) ، وعن الحلّي : أنه المعروف عند أهل اللسان (٢).

وعن الخلاص : بأطراف الأصابع (٣) ، والظاهر الاتحاد.

وعن الجمل والمفصّل : أنه الرمي من بين إصبعين (٤).

وعن العين والمحيط والمقاييس والغريبين والنهاية الأثيرية وغيرها (٥) : من بين السبّابتين.

وعن المبسوط والسرائر والنهاية والمصباح ومختصره والمقنعة والمراسم والكافي والمهذّب والجامع والتحرير والتذكرة والمنتهي (٦) ،

__________________

(١) الصحاح ٤ : ١٣٤٧ ، ديوان الأدب ٢ : ١٧١ ؛ وانظر أساس البلاغة : ١٠٥.

(٢) السرائر ١ : ٥٩٠.

(٣) نقله عنه في كشف اللثام ١ : ٣٦٠.

(٤) مجمل اللغة ٢ : ١٦٩ ، نقل عن المفصّل في كشف اللثام ١ : ٣٦٠.

(٥) العين ٤ : ٢٤٥ ، القاموس المحيط ٣ : ١٣٥ ، معجم مقاييس اللغة ٢ : ١٦٥ ، نقل عن الغريبين في كشف اللثام ١ : ٣٦٠ ، النهاية ٢ : ١٦.

(٦) المبسوط ١ : ٣٦٩ ، السرائر ١ : ٥٩٠ ، النهاية : ٢٥٤ ، مصباح المتهجد : ٦٤٢ ، المقنعة : ٤١٧ ، المراسم : ١١٣ ، الكافي في الفقه : ٢١٥ ، المهذّب ١ : ٢٥٥ ، الجامع للشرائع : ٢١٠ ، التحرير ١ : ١٠٤ ، التذكرة ١ : ٣٧٧ ، المنتهى ٢ : ٧٣٢.

٣٩٣

وبالجملة المشهور كما في المختلف والروضة ومجمع البحرين (١) : أن يضعها على باطن الإبهام ويرميها بظفر السبّابة ، كما في الخبر المتقدم ، لكن من غير تقييد للإبهام بالبطن.

وعن القاضي : أنه حكى قولاً بأنه يضعها على ظهر إبهامه ويدفعها بالمسبحة (٢).

وعن الانتصار : أنه يضعها على بطن الإبهام ويدفعها بظفر الوسطى (٣).

أقول : ومتابعة المشهور أولى.

( والدعاء مع كل حصاة ) بما مرّ في الصحيح.

( ويستقبل جمرة العقبة ) بأن يكون مقابلاً ، لا عالياً عليها كما ذكره جماعة ، قالوا : إذ ليس لها وجه خاص يتحقّق به الاستقبال (٤). وفيه نظر.

بل المستفاد من الشيخ في المبسوط ، والحلّي في السرائر ، والعلاّمة في جملة من كتبه كالتحرير والمنتهى والمختلف (٥) أن المراد بالاستقبال غير ذلك ، وذلك فإنهم ذكروا استحباب الرمي من قبل وجهها لا عالياً مسألة ، واستحباب استقبالها واستدبار القبلة مسألة أُخرى.

ولما ذكرنا تنبّه في الذخيرة وقال : وكأنّ المراد باستقبالها التوجه إلى وجهها ، وهو ما كان إلى جانب القبلة ( و ) يستلزم الرمي من قبل وجهها‌

__________________

(١) المختلف ٣٠٢ ، الروضة ٢ : ٢٨٦ ، مجمع البحرين ٥ : ٤٢.

(٢) المهذّب ١ : ٢٥٥.

(٣) الانتصار : ١٠٥.

(٤) كما في المسالك ١ : ١١٥ ، والمدارك ٨ : ١٤ ، والذخيرة : ٦٦٣.

(٥) المبسوط ١ : ٣٦٩ ، السرائر ١ : ٥٩٠ ، التحرير ١ : ١٠٤ ، المنتهى ٢ : ٧٣١ ، المختلف : ٣٠٣.

٣٩٤

حينئذ أن ( يستدبر القبلة ) (١) فتلخص في المقام مسألتان : استحباب رميها من قبل وجهها لا من أعلاها ، واستحباب استدبار القبلة.

ويدلُّ على الأمرين الصحيح : « ثم ائت الجمرة القصوى التي عند العقبة ، فارمها من قبل وجهها ولا ترمها من أعلاها » (٢).

وهو نصّ في الأول وظاهر في الثانية ، بناءً على أن المراد بوجهها ما قدّمنا.

ويدلُّ على الحكم فيها صريحاً النبوي الفعلي : صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رماها مستدبر القبلة لا مستقبلها (٣).

لكن يعارضه عموم ما دلّ على استحباب استقبالها ، وخصوص المحكي من الرضوي هنا (٤) ، ويحكي قول بهذا أيضاً ، إلاّ أن الأول أشهر ، فيكون أولى.

( وفي غيرها ) أي غير جمرة العقبة ( يستقبل الجمرة والقبلة ) معاً كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى ، وإنما ذكره هنا استطراداً.

( وأما الذبح فـ ) الكلام ( فيه ) يقع في ( أطراف : )

( الأول : في الهدي ، وهو واجب على المتمتع ) بالكتاب (٥)

__________________

(١) الذخيرة : ٦٦٣.

(٢) تقدّم مصدره في ص : ٣٠٠٧.

(٣) انظر المبسوط ١ : ٣٦٩ والمنتهى ٢ : ٧٣١ ، ولم نعثر عليه في المصادر الحديثية.

(٤) فقه الرضا عليه‌السلام : ٢٢٥ ، المستدرك ١٠ : ٦٩ أبواب رمي جمرة العقبة ب ٣ ح ١.

(٥) البقرة : ١٩٦.

٣٩٥

والسنة (١) وإجماع المسلمين كما في المنتهى (٢) ، وفي التحرير وغيره (٣) : الإجماع على الإطلاق.

واحترز بقوله : ( خاصة ) من غير المتمتع ، فإنه لا يجب عليه ، كما يأتي قريباً.

ولا فرق في وجوبه على المتمتع بين كونه ( مفترضاً أو متنفلاً ) ولا بين كونه مكياً أو غيره ، وإليه أشار بقوله : ( ولو كان مكيّاً ) على أشهر الأقوال وأقواها ؛ لإطلاق الأدلة.

خلافاً للمبسوط والخلاف (٤) ، فلم يوجبه على المكي ، قطعاً في الأوّل ، واحتمالاً في الثاني لقوله تعالى : ( ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ) (٥).

قال في الخلاف : ويجب أن يكون قوله( ذلِكَ ) راجعاً إلى الهدي ، لا إلى التمتع ؛ لأنه يجري مجرى قول القائل : مَن دخل داري فله درهم ذلك لمن لم يكن عاصياً ، في أن ذلك يرجع إلى الجزاء دون الشرط ، قال : ولو قلنا إنه راجع إليهما وأنه لا يصح منهم التمتع أصلاً كان قوياً. انتهى.

وقوّاه الفاضل في التحرير والمنتهى (٦) ، مع أنه أجاب في المختلف عن دليله هذا بأن عود الإشارة هنا إلى الأبعد أولى ؛ لما عرفت من أن النحاة فصّلوا بين الرجوع إلى القريب والعيد والأبعد في الإشارة ، فقالوا في الأول :‌

__________________

(١) انظر الوسائل ١٤ : ٧٩ أبواب الذبح ب ١.

(٢) المنتهى ٢ : ٧٣٤.

(٣) التحرير ١ : ١٠٤ ؛ وانظر مفاتيح الشرائع ١ : ٣٥١.

(٤) المبسوط ١ : ٣٠٨ ، الخلاف ٢ : ٢٧٢.

(٥) البقرة : ١٩٦.

(٦) التحرير ١ : ١٠٤ ، المنتهى ٢ : ٧٣٤.

٣٩٦

ذا ، وفي الثاني : ذاك ، وفي الثالث : ذلك ، قال مع أن الأئمة عليه‌السلام استدلوا على أن أهل مكّة ليس لهم متعة بقوله تعالى( ذلِكَ ) الآية ، والحجة في قولهم (١). وهو جيّد.

وفي موضع من الشرائع عدم الوجوب إذا عدل المكي عن فرضه إلى التمتع اختياراً (٢) ، وفي موضع آخر : لو تمتع المكي وجب عليه الهدي (٣).

قيل : وجمع بينهما بأن الأول في حجّ الإسلام ، والثاني في غيره (٤). وقريب منه ما في الدروس من احتمال وجوبه على المكّي إن كان لغيره حجّة الإسلام (٥). ولعلّه لاختصاص الآية بحجّ الإسلام ، وهو متّجه لو سلّم دلالة الآية على سقوط المكي ، ولكن قد عرفت ما فيها.

وعن الماتن هنا قول آخر بوجوبه عليه إن تمتع ابتداءً ، لا إذا عدل إلى التمتع (٦). ولم أعرف له مستنداً.

( ولا يجب ) الهدي ( على غير المتمتع ) معتمراً أو حاجّاً ، مفترضاً أو متنفّلاً ، بإجماعنا ، كما عن صريح التذكرة وفي ظاهر المنتهى وصريح غيرهما (٧) ؛ للأصل ، والنصوص ، منها الصحيح في المفرد : « ليس عليه هدي ولا أُضحيّة » (٨).

__________________

(١) المختلف : ٢٦١.

(٢) الشرائع ١ : ٢٣٩.

(٣) الشرائع ١ : ٢٥٩.

(٤) كشف اللثام ١ : ٣٦١.

(٥) الدروس ١ : ٤٣٦.

(٦) نقله عن المحقق في الدروس ١ : ٤٣٦.

(٧) التذكرة ١ : ٣٧٩ ، المنتهى ٢ : ٧٣٤ ؛ وانظر مدارك الأحكام ٨ : ١٥ ، مفاتيح الشرائع ١ :. ٣٥١‌

(٨) التهذيب ٥ : ٤١ / ١٢٢ ، الوسائل ١٤ : ٨٠ أبواب الذبح ب ١ ح ٤.

٣٩٧

وأما الصحيح : فيمن اعتمر في رجب فقال : « ان أقام بمكة حتى يخرج منها حاجّاً فقد وجب عليه هدي ، فإن خرج من مكة حتى يحرم من غيرها فليس عليه هدي » (١).

فحمله الشيخ تارة على الاستحباب ، وأُخرى على من أقام بها حتى يتمتع بعمرة أُخرى إلى الحج في أشهره (٢). ولا بأس به جمعاً.

( ولو تمتع المملوك ) بإذن مولاه ( كان إلزامه بالصوم أو أن يهدي عنه ) بإجماعنا ، كما عن التذكرة وفي ظاهر المنتهى (٣) ، وفي غيرهما : بلا خلاف (٤) أو إجماعاً (٥) للمعتبرة المستفيضة :

منها الصحيحان : « إن شئت فاذبح عنه ، وإن شئت فمره فليصم » (٦).

وأما الصحيح : عن المتمتع المملوك ، فقال : « عليه مثل ما على الحرّ ، إما أُضحيّة وإما صوم » (٧).

فقد حمله الشيخ تارة على من أدرك أحد الموقفين معتقاً.

وأُخرى على أن المراد المساواة في الكميّة لئلاّ يظن أن عليه نصف ما على الحرّ كالظهار ونحوه.

__________________

(١) التهذيب ٥ : ١٩٩ / ٦٦٣ ، الإستبصار ٢ : ٢٥٩ / ٩١٤ ، الوسائل ١٤ : ٧٩ أبواب الذبح ب ١ ح ٢.

(٢) كما في التهذيب ٥ : ٢٠٠.

(٣) التذكرة ١ : ٣٧٩ ، المنتهى ٢ : ٧٣٧.

(٤) كما في الذخيرة : ٦٦٣.

(٥) كما في المدارك ٨ : ١٧ ، والحدائق ١٧ : ٣٠.

(٦) التهذيب ٥ : ٢٠٠ / ٦٦٦ ، الإستبصار ٢ : ٢٦٢ / ٩٢٤ ، الوسائل ١٤ : ٨٣ أبواب الذبح ب ٢ ح ٢.

(٧) التهذيب ٥ : ٢٠١ / ٦٦٨ ، الإستبصار ٢ : ٢٦٢ / ٩٢٦ ، الوسائل ١٤ : ٨٥ أبواب الذبح ب ٢ ح ٥.

٣٩٨

وثالثةً على أن المولى إذا لم يأمر عبده بالصوم إلى النفر الأخير فإنه يلزمه أن يذبح عنه ، ولا يجزيه الصوم (١) ؛ مستدلاً عليه برواية ضعيفة السند (٢) ، حمله على تأكد الاستحباب كما في التحرير ـ (٣) طريق الجمع بينها وبين ما مرّ من الاخبار النافية للوجوب عن المولى على الإطلاق ، ونحوها الموثق (٤) ، وعن صريح التذكرة الإجماع عليه ، وعلى نفيه عن العبد (٥).

وأما الموثق : إنّ لنا مماليك قد تمتّعوا ، علينا أن نذبح عنهم؟ قال ، فقال : « المملوك لا حجّ له ولا عمرة ولا شي‌ء » (٦) فمحمول على مملوك حجّ بغير إذن مولاه.

( ولو أدرك أحد الموقفين ) حال كونه ( معتقاً لزمه الهدي مع القدرة ، والصوم مع التعذر ) بلا خلاف أجده ، وفي المنتهى : لا نعلم فيه خلافاً (٧) ؛ لأنه إذا أدركه معتقاً يكون حجة مجزياً عن حج الإسلام فيساوي غيره من الأحرار في وجوب الهدي عليه مع القدرة ، والصوم مع التعذر.

ولم يعتبر الفاضل في القواعد كون العتق قبل الموقف أو بعده ، بل‌

__________________

(١) في الاستبصار ٢ : ٢٦٢.

(٢) الكافي ٤ : ٣٠٤ / ٨ ، التهذيب ٥ : ٢٠١ / ٦٦٩ ، الإستبصار ٢ : ٢٦٣ / ٩٢٧ ، الوسائل ١٤ : ٨٤ أبواب الذبح ب ٢ ح ٤.

(٣) التحرير ١ : ١٠٤.

(٤) التهذيب ٥ : ٢٠٠ / ٦٦٥ ، الإستبصار ٢ : ٢٦٢ / ٩٢٣ ، الوسائل ١٤ : ٨٤ أبواب الذبح ب ٢ ح ٣.

(٥) التذكرة ١ : ٣٧٩.

(٦) التهذيب ٥ : ٤٨٢ / ١٧١٥ ، الوسائل ١١ : ٤٨ أبواب وجوب الحج وشرائطه ب ١٥ ح ٣.

(٧) المنتهى ٢ : ٧٣٧.

٣٩٩

اعتبر قبل الصوم ، فقال : إن أُعتق قبل الصوم تعيّن عليه الهدي (١).

ووافقه بعض الأصحاب قال : لارتفاع المانع ، وتحقق الشرط.

واختصاص الآية بحج الإسلام دعوى بلا بيّنة (٢).

أقول : وفي ردّ دعوى الاختصاص مناقشة حتى أنه هو الذي ادّعاه سابقاً على هذه العبارة بأقل من ورقة.

( ويشترط في الذبح ) وبمعناه النحر ( النية ) المشتملة على القربية وتعيين الجنس من ذبح ونحر ، وكونه هدياً أو نذراً أو كفارة ، وإن عيّن الوجه من وجوب أو ندب كان أولى كما في كل عبادة.

( ويجوز أن يتولاه ) أي الذبح ( بنفسه وبغيره ) بلا خلاف أجده ، وفي المدارك والذخيرة (٣) : إنه مقطوع به في كلامهم. قالوا : لأنه فعل تدخله النيابة ، فتدخل في شرطه كغيره من الأفعال.

وفي الصحيح : عن الضحيّة يخطئ الذي يذبحها ، فيسمي غير صاحبها ، أتجزي عن صاحب الضحيّة؟ فقال : « نعم ، إنما له ما نوى » (٤).

( ويجب ذبحه بمنى ) بإجماعنا الظاهر ، المستظهر من جملة من العبائر كالمنتهى والتذكرة والمدارك والذخيرة (٥) ؛ للتأسي ، والمعتبرة المستفيضة (٦).

__________________

(١) القواعد ١ : ٨٧.

(٢) كشف اللثام ١ : ٣٦٢.

(٣) المدارك ٨ : ١٨ ، الذخيرة : ٦٦٤.

(٤) الفقيه ٢ : ٢٩٦ / ١٤٦٩ ، التهذيب ٥ : ٢٢٢ / ٧٤٨ ، قرب الاسناد : ٢٣٩ / ٩٤٢ ، الوسائل ١٤ : ١٣٨ أبواب الذبح ب ٢٩ ح ١.

(٥) المنتهى ٢ : ٧٣٨ ، التذكرة ١ : ٣٨٠ ، المدارك ٨ : ١٩ ، الذخيرة : ٦٦٤.

(٦) الوسائل ١٤ : ٨٨ أبواب الذبح ب ٤.

٤٠٠