رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٦

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٦

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-108-7
الصفحات: ٥١٢

لا يملكهما ، وأمّا مع عدمه بحصولها بالقدرة على المشي ، كما مرّ في القريب والمكّي ، فاعتبارها حسن.

وحيث إنّ الإتمام هنا لمّا جامع الاستطاعة التي للمكّي غالباً ، وكانت كافية للوجوب هنا وإن كانا نائيين كما قيل (١) ، ويقتضيه إطلاق الآية والنصوص لم يشترطها النصوص والأكثر ، التفاتاً إلى الأغلب.

والشهيد ؛ لم يلتفت إليه ، وتعرّض لشقوق المسألة في نفس الأمر ، لكن اعتباره سبق الاستطاعة ربّما كان فيه إيماء إلى الاستطاعة المالية ، كما فهمه الجماعة.

وممّن صرّح بالوجوب هنا بالتمكن من الحجّ ولو لم يستطع سابقاً الفاضل في التحرير ، فقال : ولو أُعتق قبل الوقوف أو في وقته ، وأمكنه الإتيان بالحج عليه ذلك (٢).

ونحوه عنه في التذكرة ، بزيادة إلحاقه الصبي إذا بلغ ، معلّلاً به أصل الحكم فيهما بأنّ الحجّ واجب على الفور ، فلا يجوز لهما تأخيره مع إمكانه ، كالبالغ الحرّ.

إلى أن قال خلافاً للشافعي. ومتى لم يفعلا الحجّ مع إمكانه فقد استقرّ الوجوب عليهما ، سواء كانا موسرين أو معسرين ؛ لأنّ ذلك وجب عليهما بإمكانه في موضعه ، فلم يسقط بفوات القدرة بعده (٣) انتهى.

وما ذكرنا ظهر ضعف ما في المدارك والذخيرة (٤) من عدم اعتبار‌

__________________

(١) كشف اللثام ١ : ٢٨٦.

(٢) التحرير ١ : ٩١.

(٣) التذكرة ١ : ٢٩٩.

(٤) المدارك ٧ : ٣١ ، الذخيرة : ٥٥٨.

٢١

الاستطاعة مطلقاً ، لإطلاق النص ؛ وذلك لأن الإطلاق لا عموم فيه ، فينصرف إلى الغالب ، وهو حصول الاستطاعة البدنية المعتبرة في نحو المسألة ، كما عرفته ، فلا يشمل ما لو لم يكن هناك استطاعة بالكلية فتكلّف الحجّ بجهد ومشقة ، فكيف يمكن الحكم بالإجزاء عن حجّة الإسلام لو استطاع بعده؟

ثم لو سلّم الإطلاق أو العموم لكان معارضاً بعموم ما دلّ على شرطية الاستطاعة من الكتاب والسنّة.

والتعارض بينهما تعارض العموم والخصوص من وجه ، فلا بدّ لترجيح هذا الإطلاق من دلالة ، وهي مفقودة. ولو وجدت من نحو أصل البراءة لكانت هي الحجّة ، دون الإطلاق ، مع أنّ العمل به مشروط بتكافؤ المتعارضين وتقاومهما.

ولا ريب أنّ عموم الشرطية أقوى سنداً ومتناً ودلالة ، بل ربما يظهر من بعضهم كونها مجمعاً عليها (١) ، فإذاً عدم الإجزاء حيث لم يستطع مطلقاً لعلّه أقوى.

ثمّ إنّ ما مرّ عن التذكرة من إلحاق الصبي بالعبد في إجزاء حجّه عن حجة الإسلام بكماله عند أحد الموقفين محكي عن المبسوط والخلاف والوسيلة (٢) ، بل هو المشهور بن الأصحاب ، كما صرّح به جماعة (٣) وزادوا المجنون أيضاً ، مع أن إلمحكي عن الكبت المزبورة الصبي خاصة.

وكيف كان ، فلم نقف له على حجّة يعتدّ بها ، عدا ما يحكى عن‌

__________________

(١) الحدائق ١٤ : ٨٠.

(٢) المبسوط ١ : ٢٩٧ ، الخلاف ٢ : ٣٧٨ ، الوسيلة : ١٩٥.

(٣) منهم الشهيد في المسالك ١ : ٨٧ ، وصاحب الحدائق ١٤ : ٦٠ ؛ ونسبه في الكفاية : ٥٦ إلى الأكثر.

٢٢

التذكرة والخلاف من الإجماع ، وعليه اعتمد في المسالك ، قائلاً : إنّه لا مخالف على وجه يقدح (١) ولا بأس به ، سيّما مع اعتضاد النقل بالشهرة الظاهرة ، والمحكية حدّ الاستفاضة ، وبسائر ما ذكروه من الأدلة ، وإن كان في بلوغها حدّ الحجيّة مناقشة.

هذا ، ولا ريب أنّ الأحوط الإعادة بعد الاستطاعة.

( ومن لا راحلة له ولا زاد ) حيث يشترطان في حقه ( لو حجّ كان ندباً ) ولو قدر على المشي وتحصيل الزاد بقرض ونحوه.

( ويعيد لو استطاع ) بلا خلاف ، بل عليه الإجماع في صريح الخلاف والمنتهى (٢) ، وغيرهما (٣) ، إلاّ أنّ فيهما التعبير عن الإجماع ب : عندنا ، الظاهر فيه ، وليس نصاً ؛ وهو الحجّة ، مضافاً إلى ما مرّ من الأدلة على شرطية الاستطاعة.

فيكون الحجّ مع فقدها كالصلاة قبل وقت الفريضة ، وأداء الزكاة قبل وقت وجوبها.

وكذا الحكم في فاقد باقي شروط الوجوب ، كما هو صريح جماعة (٤) ، وحكي عن المشهور.

خلافاً لمحتمل العبارة وصريح الدروس ، ففرّق بين فاقد الزاد والراحلة فلا يجزي ، وغيره كالمريض ، والممنوع بالعدوّ وتضيق الوقت‌

__________________

(١) المسالك ١ : ٨٧.

(٢) الخلاف ٢ : ٢٤٦ ٢٤٧ ، المنتهى ٢ : ٦٥٢.

(٣) انظر كشف اللثام ١ : ٢٩٠.

(٤) منهم : العلاّمة في المنتهى ٢ : ٦٥٩ ، والأردبيلي في مجمع الفائدة ٦ : ٥٠ ، والفيض في المفاتيح ١ : ٢٩٦.

٢٣

والمغصوب ، فيجزئ ، قال : لأنّ ذلك من باب تحصيل الشرط ، فإنّه لا يجب ، ولو حصّله أجزأ (١).

وفيه نظر ، فإنّ الحاصل بالتكلّف ، الحجّ ، أو السير إليه ، لا الصحة وأمن الطريق اللذان هما الشرط.

فإذاً المتجه عدم الفرق.

( ولو بُذل له الزاد والراحلة ) ونفقة له ولعياله لذهابه وعوده ( صار ) بذلك ( مستطيعاً ) مع استكمال الشروط الباقية إجماعاً ، كما في صريح الخلاف وظاهر المنتهى (٢) ، وعن صريح الغنية وظاهر التذكرة (٣) ؛ ولصدق الاستطاعة بذلك ، وخصوص الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة.

ففي الصحيح : فإن عرض عليه الحجّ فاستحيى ، قال : « هو ممّن يستطيع الحج ، ولِمَ يستحي ولو على حمار أجدع ، فإن كان يستطيع أن يمشي بعضاً ويركب بعضاً فليفعل » (٤) وفي معناه غيره (٥).

وإطلاقها يقضي عدم الفرق ، بين تمليك المبذول وعدمه ، ولا بين وجوب الذل بنذر وشبهه وعدمه ، ولا بين وثوق بالباذل وعدمه.

خلافاً للحلّي فاشترط الأول (٦) ، وللمحكي عن التذكرة فالثاني (٧) ،

__________________

(١) الدروس ١ : ٣١٤.

(٢) الخلاف ٢ : ٢٥١ ، المنتهى ٢ : ٦٥٢.

(٣) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٣ ، التذكرة ١ : ٣٠٢.

(٤) التهذيب ٥ : ٣ / ٤ ، الإستبصار ٢ : ١٤٠ / ٤٥٦ ، الوسائل ١١ : ٣٩ أبواب وجوب الحج ب ١٠ ح ١.

(٥) الكافي ٤ : ٢٦٦ / ١ ، التهذيب ٥ : ٣ / ٣ ، الإستبصار ٢ : ١٤٠ / ٤٥٥ ، الوسائل ١١ : ٤٠ أبواب وجوب الحج ب ١٠ ح ٥.

(٦) السرائر ١ : ٥١٧.

(٧) التذكرة ١ : ٣٠٢ ، وحكاه عنه في المدارك ٧ : ٤٦ ، والذخيرة : ٥٦٠.

٢٤

وللدروس فأحدهما (١) ، وللمدارك والذخيرة (٢) وغيرهما (٣) فالثالث.

ولا دليل على شي‌ء من هذه ، عدا الأخير فيتوجه ، دفعاً للعسر والحرج اللازمين لعدم الوثوق ، المنفيين إجماعاً ، كتاباً وسنّةً وفتوى ، وبها يقيّد إطلاق النصوص المتقدمة ، عدم معلومية انصرافه إلى مفروضنا ، لاختصاصه بحكم التبادر بغيره.

ولو وهب له مال وأُطلق لم يجب القبول على المشهور ؛ لأنه اكتساب ، وهو غير واجب له ، بخلاف البذل ، لأنّه إباحة ، فيكفي فيها الإيقاع ، وبذلك يتّضح الفرق بينهما.

ولو قيّدت بشرط أن يصرفه في الحجّ ، فهل هو كالهبة المطلقة فلا يجب بذلك الحجّ ، أم كالبذل فيجب؟

وجهان : أحوطهما الثاني وفاقاً لشيخنا الشهيد الثاني (٤).

خلافاً للشهيد الأول فاختار الأول (٥) ، ولعلّه الأظهر ؛ لأن اشتراط الصرف في الحجّ لا يخرجه عن الهبة المحتاجة إلى القبول الملحق لها بالاكتساب الغير الواجب بلا خلاف ، ودخولها في إطلاق النصوص غير واضح.

( ولو حجّ به بعض إخوانه ) بأن استصحبه معه منفقاً عليه ، أو أرسله إلى الحجّ فحجّ ( أجزأه عن الفرض ) فلا يحتاج إلى إعادته لو‌

__________________

(١) الدروس ١ : ٣١٠.

(٢) المدارك ٧ : ٤٦ ، الذخيرة : ٥٦٠.

(٣) انظر كشف اللثام ١ : ٢٨٩.

(٤) الروضة ٢ : ١٦٦.

(٥) الدروس ١ : ٣١٠.

٢٥

استطاع فيما بعد ، وفاقاً للأكثر كما في المدارك (١) ، بل المشهور كما في الذخيرة (٢) ، بل في غيرهما : إنّ عليه فتوى علمائنا (٣).

للصحيح : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل لم يكن له مال فحجّ به رجل من إخوانه ، هل يجزي ذلك عنه عن حجّة الإسلام ، أو هي ناقصة؟ قال : « بل هي حجّة تامّة » (٤).

مضافاً إلى الأصل ، واتفاق من عدا الصدوق (٥) على أنّ الحجّ إنّما يجب مرة بأصل الشرع.

خلافاً للإستبصار فيعيد مع اليسار ؛ للخبر : عن رجل لم يكن له مال ، فحجّ به أُناس من أصحابه ، أقضى حجة الإسلام؟ : قال : « نعم ، وإن أيسر بعد ذلك فعليه أن يحجّ » قلت هل تكون حجّة تامة أم ناقصة إذا لم يكن حجّ من ماله؟ قال : « نعم قضي عنه حجّة الإسلام ، وتكون تامة وليست بناقصة ، وإن أيسر فليحجّ » (٦).

ونحوه آخر : « لو أنّ رجلاً أحجّه رجل ، كانت له حجّة ، فإن أيسر بعد ذلك كان عليه الحجّ ، وكذلك الناصب » (٧).

__________________

(١) المدارك ٧ : ٤٧.

(٢) الذخيرة : ٥٦١.

(٣) كشف اللثام ١ : ٢٨٩.

(٤) التهذيب ٥ : ٧ / ١٧ ، الإستبصار ٢ : ١٤٣ / ٤٦٨ ، الوسائل ١١ : ٤٠ أبواب وجوب الحج ب ١٠ ح ٢.

(٥) انظر علل الشرائع : ٤٠٥.

(٦) الكافي ٤ : ٢٧٤ / ٢ ، التهذيب ٥ : ٧ / ١٨ ، الإستبصار ٢ : ١٤٣ / ٤٦٧ ، الوسائل ١١ : ٤١ أبواب وجوب الحج ب ١٠ ح ٦.

(٧) الكافي ٤ : ٢٧٣ / ١ ، الفقيه ٢ : ٢٦ / ١٢٦٥ ، التهذيب ٥ : ٩ / ٢٢ ، الإستبصار ٢ : ١٤٤ / ٤٧٠ ، الوسائل ١١ : ٥٧ أبواب وجوب الحج ب ٢١ ح ٥.

٢٦

وفيهما ضعف من حيث السند وإن قرب الأول من الموثق وإجمال في الدلالة ؛ لتدافع ظهور الأمر في الوجوب فيهما وقضاء حجّة الإسلام في الأول ، وإلحاق الناصب بمحل الفرض في الثاني في العدم ، بل الثاني أقوى قرينة على إرادة الاستحباب ؛ للإجماع على عدم وجوب الإعادة على الناصب بعد الاستبصار.

فلا يخرج بمثل هذين الخبرين مع ما هما عليه ممّا عرفت في البين عما اقتضته الأدلّة السابقة ، من عدم وجوب الإعادة بعد الاستطاعة.

وإن أمكن المناقشة في دلالة الصحيحة عليه ؛ لابتنائها على كون المراد من قوله : « حجّة تامة » ذلك ، وليس بواضح وإن كان مما اتّفق عليه أكثر الأصحاب لقرب احتمال ما ذكره في الاستبصار في معناه ، من أنّ المعنى فيه : الحجّة التي ندب إليها ، فإنّ ذلك يعبّر عنها بأنّها حجّة الإسلام ، من حيث كانت أول الحجّة ، قال : وليس في الخبر : أنّه إذا أيسر لم يلزمه‌الحجّ (١).

أقول : ويعضده كثرة وروده في الأخبار بهذا المعنى ، ومنها صحيحة أُخرى لراوي الصحيحة واردة في المعسر يحجّ عن غيره ، وفيها : عن رجل حجّ عن غيره ، أيجزيه ذلك عن حجّة الإسلام؟ قال : « نعم » إلى أنّ قال : قلت حجّة الأجير تامة أو ناقصة؟ قال : « تامة » (٢).

والمراد بالتمامية فيها : المعنى المزبور ، بلا خلاف ، كما في كثير من العبارات (٣) ، بل في جملة أُخرى دعوى الإجماع.

__________________

(١) الاستبصار ٢ : ١٤٤.

(٢) الكافي ٤ : ٢٧٤ / ٣ ، الفقيه ٢ : ٢٦٠ / ١٢٦٤ ، التهذيب ٥ : ٨ / ١٩ ، الإستبصار ٢ : ١٤٤ / ٤٧١ ، الوسائل ١١ : ٥٦ أبواب وجوب الحجّ ٢١ ح ٤.

(٣) راجع الذخيرة : ٥٦١.

٢٧

وبذلك تضعف الصحيحة ؛ عن النهوض لإفادة المطلوب صريحاً ، بل ولا ظهور يطمئن إليه إن لم ينضم إليه فهم المشهور.

وكيف كان ، ما ذكرناه من الأُصول المعتضدة بفتوى المشهور. مع صلوح الخبرين سنداً ودلالةً لمعارضتها لعلّها كافية لإفادته ، سيّما مع ندرة المخالف العامل بهما ، ورجوعه عمّا في الاستبصار في المبسوط إلى المختار (١).

فليحملا على الاستحباب ، كما عليه عامة متأخري الأصحاب ، تبعاً للتهذيب والنهاية والمهذّب والجامع والمعتبر (٢) ، وغيرها كما حكي (٣). أو على من حجّ عن غيره.

( ولا بدّ من فاضل عن الزاد والراحلة ) بقدر ما ( يمون به عياله ) الواجبي النفقة من الكسوة وغيرها ( حتى يرجع ) بالنص والإجماع ، وفي المنتهى لا نعرف فيه خلافاً (٤) ، يعني به بين العلماء ظاهراً.

( ولو استطاع ) للحج مالاً ( فمنعه كِبَر أو مرض أو عدوّ ) وجبت عليه الاستنابة مع اليأس واستقرار الوجوب ، إجماعاً ، كما في المسالك والروضة (٥) ، وغيرهما (٦) ، وإلاّ ( ففي وجوب الاستنابة قولان المروي ) في الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة ( أنّه يستنيب. )

__________________

(١) راجع الذخيرة : ٥٦١.

(٢) التهذيب ٥ : ٧ ، النهاية : ٢٠٤ ، المهذّب ١ : ٢٦٨ ، الجامع للشرائع : ١٧٤ ، المعتبر ٢ : ٧٥٢ ، ٧٥٣.

(٣) انظر المدارك ٧ : ٤٧ ، ومفاتيح الشرائع ١ : ٣٠٠.

(٤) المنتهى ٢ : ٦٥٣.

(٥) المسالك ١ : ٩٠ ، الروضة ٢ : ١٦٧.

(٦) انظر الكفاية : ٥٦ ، والمفاتيح ١ : ٢٩٨.

٢٨

ففي الصحيح (١) وغيره (٢) « إن كان موسراً وحال بينه وبين الحجّ مرض ، أو حصر ، أو أمر يعذره الله تعالى فيه فإنّ عليه ان يحجّ عنه من ماله صرورة لا مال له ».

وفيه « إن عليّاً عليه‌السلام رأى شيخاً لم يحجّ قطّ ، ولم يطلق الحجّ من كبَره ، فأمره أن يجهّز رجلاً فيحجّ عنه » (٣) ونحوه آخر (٤).

وفي رابع : « لو أنّ رجلاً أراد الحجّ ، فعرض له مرض ، أو خالطه سقم فلم يستطع الخروج ، فليجهّز رجلاً من ماله ، ثمّ ليبعثه مكانه (٥).

وإليه ذهب الشيخ في التهذيب والخلاف (٦) ، مدّعياً عليه الإجماع ، وحكي عنه في النهاية والمبسوط أيضاً (٧) ، وعن الإسكافي والعماني والحلبي والقاضي (٨) ، واختاره الفاضل في التحرير (٩) ، وكثير من‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٢٧٣ / ٥ ، الفقيه ٢ : ٢٦ / ١٢٦٢ ، التهذيب ٥ : ٤٠٣ / ١٤٠٥ ، الوسائل ١١ : ٦٣ أبواب وجوب الحج ب ٢٤ ح ٢.

(٢) الكافي ٤ : ٢٧٣ / ٣ ، التهذيب ٥ : ١٤ / ٣٩ ، الوسائل ١١ : ٦٥ أبواب وجوب الحج ب ٢٤ ح ٢.

(٣) التهذيب ٥ : ١٤ / ٣٨ ، الوسائل ١١ : ٦٣ أبواب وجوب الحج ب ٢٤ ح ١.

(٤) الكافي ٤ : ٢٧٣ / ٢ ، الفقيه ٢ : ٢٦٠ / ١٢٦٣ ، التهذيب ٥ : ٤٦٠ / ١٦٠١ ، الوسائل ١١ : ٦٥ ، أبواب وجوب الحجّ ب ٢٤ ح ٦.

(٥) الكافي ٤ : ٢٧٣ / ٤ ، التهذيب ٥ : ١٤ / ٤٠ ، الوسائل ١١ : ٦٤ أبواب وجوب الحجّ ب ٢٤ ح ٥.

(٦) التهذيب ٥ : ١٤ ، الخلاف ٢ : ٢٤٨.

(٧) حكاه عنهما في المختلف : ٢٥٧ ، وهو في النهاية : ٢٠٣ ، والمبسوط ١ : ٢٩٩ ، القاضي في المهذّب ١ : ٢٦٧.

(٨) نقله عن الإسكافي والعماني في المختلف : ٢٥٧ ، الحلبي في الكافي : ٢١٩ ، القاضي في المهذب ١ : ٢٦٧.

(٩) التحرير ١ : ٩٢.

٢٩

المتأخرين (١) وادّعى بعضهم كونه مذهب الأكثر بقول مطلق (٢).

والقول الثاني : للحلّي والمفيد والجامع كما حكي (٣) ، والفاضل في القواعد والإرشاد والمختلف (٤) ، وولده في الإيضاح (٥) ؛ للأصل ، وفقد الاستطاعة المشترطة في الوجوب ، فينتفي بانتفائها.

ويضعّف الأول بلزوم تخصيصه بما مرّ.

والثاني بأنها شرط الوجوب مباشرةً ، لا استنابة.

وظاهر العبارة هنا وفي الشرائع التردد (٦) كما عن صريح التذكرة (٧).

ولعلّه للأصل مع قصور النصوص عن إفادة الوجوب في المفروض.

أمّا الأول منها فلتعلّق الأمر فيه بالصرورة ، ولم يقولوا بوجوب استنابته ، وحمله بالإضافة إليه على الاستحباب أو الإباحة أو الأعم منهما ومن الوجوب ، ينافي حمله بالإضافة إلى أصل الاستنابة على الوجوب ، إلاّ على القول بجواز استعمال اللفظ الواحد في حقيقته ومجازه في آنٍ واحد ، وهو خلاف التحقيق.

وأمّا الخبران بعده فهما قضيّة في واقعة لا عموم لها ، فيحتملان الاختصاص بمحل الوفاق ، وهو صورة اليأس بعد استقرار الوجوب.

ويعضده الخبر الوارد في نحو هذه القضية ، والظاهر اتحادهما ، وفيه‌

__________________

(١) منهم الشهيد الثاني في الروضة ٢ : ١٦٧ ، والمسالك ١ : ٩٠ ، وصاحب المدارك ٧ : ٥٥ ، وصاحب الحدائق ١٤ : ١٢٩.

(٢) كالفيض الكاشاني في المفاتيح ١ : ٢٩٨.

(٣) الحلي في السرائر ١ : ٥١٦ ، المقنعة : ٤٤٢ الجامع للشرائع : ١٧٣.

(٤) القواعد ١ : ٧٥ ، الإرشاد ١ : ٣١١ ، المختلف : ٢٥٧.

(٥) إيضاح الفوائد ١ : ٢٧١.

(٦) الشرائع ١ : ٢٢٧.

(٧) التذكرة ١ : ٣٠٣.

٣٠

« إنّ رجلاً أتى علياً عليه‌السلام ولم يحجّ قطّ ، قال إني كنت كثير المال وفرّطت في الحجّ حتى كبر سنيّ ، فقال : تستطيع الحجّ؟ فقال : لا ، فقال له علي عليه‌السلام : إن شئت فجهّز رجلاً ثم ابعثه يحجّ عنك » (١). ونحوه آخر (٢).

وأمّا الرابع فلا قائل بإطلاقه ؛ لشموله لصورة عدم اليأس ، ولا خلاف في عدم الوجوب حينئذٍ ، إلاّ من الدروس (٣) ، وعلى خلافه الإجماع في المنتهى (٤) ، فلا بد من تقييده ، وهو هنا ليس بأولى من حمل الأمر على الاستحباب ، بناءً على انَّ التقييد بصورة اليأس من البرء يستلزم تخصيص المرض وغيره من الأعذار بالفرد النادر ؛ إذ الغالب منها ما يُرجى زوالها جدّاً.

ومثل هذا التقييد ليس بأولى من الاستحباب ؛ لغلبة في الأمر وما في معناه ، ولا كذلك حمل الإطلاق على الفرد النادر ، لندرته ، ولولاها لكان التقييد أولى.

وبالجملة فاحتمال التقييد معارض باحتمال الاستحباب المساوي له هنا ، إن لم نقل برجحان الاستحباب ، وحيث تساويا يدفع التكليف الزائد من التقييد بالأصل ، وذلك واضح كما لا يخفى.

سلّمنا ، لكن الأمر فيه وكذا في سائر الأخبار يحتمل الورود مورد التقية ، لكونه مذهب أكثر العامة ، ومنه أبو حنيفة (٥) أو مورد توّهم حرمة‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٤٦٠ / ١٥٩٩ ، الوسائل ١١ : ٦٤ أبواب وجوب الحجّ ب ٢٤ ح ٣.

(٢) الكافي ٤ : ٢٧٢ / ١ ، الوسائل ١١ : ٦٥ أبواب وجوب الحجّ ب ٢٤ ح ٨.

(٣) الدروس ١ : ٣١٢.

(٤) المنتهى ١ : ٦٥٦.

(٥) حكاه عن أبي حنيفة في بدائع الصنائع ٢ : ١٢١ ، ونقله عنه وعن مالك والشافعي

٣١

الاستنابة ، كما حكيت في الخلاف والمنتهى (١) عن بعض العامة ، فلا يفيد سوى الإباحة.

ويقوّي احتمال الورود في هذا المورد ، ما مرّ من الخبر المتقدّم ، المتضمّن لتعليق الأمر بالمشيّة ، وهو عين الإباحة ولو بالمعنى الأعمّ الشامل للاستحباب.

وخبر آخر مروي في الخلاف ، وفيه : إنّ امرأة من خثعم سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقالت : إن فريضة الله تعالى على العباد أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يستطيع أن يستمسك على الراحلة ، فهل ترى أن يحجّ عنه؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « نعم » (٢) وذلك لتوارد السؤال والجواب عن أصل الجواز.

ومن هنا يتوجّه الجواب أيضاً عن الإجماع المنقول في الخلاف ؛ لاحتمال رجوعه إلى أصل الجواز في مقابلة من يدّعي المنع من هؤلاء الأقشاب ، الا إلى أصل الوجوب ، سيّما وقد روي عن مولانا الأمير عليه‌السلام ما هو ظاهر في التخيير.

مع احتمال اختصاصه بالمجمع عليه ، من صورة استقرار الوجوب ، كما يستأنس له ببعض أدلّته ، من قوله إنه إذا فعل ما قلناه برئت ذمته بيقين ، وإذا لم يفعل فليس على براءة ذمته دليل (٣).

وذلك فإنّ وجوب تحصيل البراءة اليقينية إنّما هو حيث يتيقن اشتغال الذمة ، وهو في الصورة المجمع عليها خاصة ، وإلاّ ففي محلّ المشاجرة‌

__________________

في بداية المجتهد ١ : ٣٣١ ، ومغني المحتاج ٣ : ١٦٦ ، ١٦٧.

(١) الخلاف ٢ : ٢٤٩ ، المنتهى ٢ : ٦٥٥.

(٢) الخلاف ٢ : ٢٤٩.

(٣) الخلاف ٢ : ٢٤٩.

٣٢

الكلام في أصل اشتغال الذمة لا براءتها ، لكن بعض عباراته كالصريح في صورة عدم الاستقرار.

وبالجملة : بعد ملاحظة جميع ما ذكر لم يظهر من الأخبار ولا من الإجماع المنقول ما يتّضح به وجه الحكم بالوجوب ، فيشكل الخروج عن مقتضى الأصل المقطوع ، وإن كان أحوط ، هذا.

وربّما يتردّد في الوجوب مع الاستقرار أيضاً ؛ لخلوّ عبارة المتن وكثير عن هذا التفصيل ، وإنّما هو في عبارة ناقل الإجماع على الوجوب فيه (١) ، وقليل (٢) ، فيشكل الاعتماد على نحو هذا الإجماع والتعويل ، سيّما وقد مرّ من النص بالتخيير ما هو ظاهر في صورة الاستقرار ، بل صريح.

وبمثل ذلك يستشكل في التفصيل على تقدير الوجوب بين صورتي اليأس وعدمه ؛ لخلو أكثر النصوص عنه و (٣) الفتاوي.

نعم يمكن أن يقال في الأول : إنّ ظاهر مساق أكثر العبارات ، بل كلّها ، الحاكمة بالوجوب والمستشكلة فيه ، هو خصوص صورة عدم الاستقرار.

لكن ذلك لا يفيد اتّفاقهم على الوجوب في صورة الاستقرار ، فيستفاد التفصيل ، إلاّ أنّ يستنبط من اتّفاقهم عليه مضافاً إلى النصوص بعد الموت ، فحين الحياة مع اليأس أولى بناءً على جواز الاستنابة حياً اتفاقاً ، فتوًى ونصاً.

وهو وجه حسن ، إلاّ أنّ مقتضاه عدم وجوب الإعادة مع زوال العذر ؛

__________________

(١) المسالك ١ : ٩٠.

(٢) مجمع الفائدة ٦ : ٧٩.

(٣) في « ح » زيادة : أكثر.

٣٣

إذ مع وجوبها وجوب الاستنابة بعد الموت لا يفيد وجوبها قبله بطريق أولى ، لقيام الفارق ، وهو القطع بعدم وجوب الإعادة في الأصل ، وعدمه في الفرع ، لاحتمال زوال العذر فتجب ، كما هو الفرض.

وبالجملة : فاستفادة وجوب الاستنابة من الأولوية إنّما تتمّ على تقدير الحكم بعدم وجوب الإعادة بعد زوال العذر.

وهذا خلاف ما أطلقه الجماعة (١) بقوله : ( ولو زال العذر يحجّ ثانياً ) من غير خلاف صريح بينهم أجده ، بل قيل كاد أن يكون إجماعاً (٢) ، بل عن ظاهر التذكرة أنّه لا خلاف فيه بين علمائنا (٣) ؛ لإطلاق الأمر بالحجّ ، وما فعله كان واجباً في ماله ، وهذا يلزم في نفسه.

ونقل جماعة (٤) منهم احتمال العدم عن بعضهم ؛ لأنّه أدّى حجّة الإسلام بأمر الشارع ، ولا يجب الحجّ بأصل الشرع إلاّ مرّة واحدة ، وضعّفوه بما عرفته. ولم يفصّلوا في حكمهم ذلك بين صورتي الاستقرار وعدمه ، حتى من فصّل منهم بن الصورتين فيما سبق.

ويمكن أن يقال : إنّ مساق عبارة من لم يفصّل وهم الأكثرون هو الصورة الثانية ، فحكمهم بوجوب الإعادة يتعلق بها خاصة ، فلا بعد في قولهم بعدمها في الصورة الأُولى ، كما تقتضيه الأولوية المتقدمة ، ولا قادح‌

__________________

(١) منهم : الشيخ في النهاية ٢٠٣ ، والمبسوط ١ : ٢٩٩ ، وابن سعيد في الجامع للشرائع : ١٧٣ ، والشهيد الثاني في الروضة ٢ : ١٦٨ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ١ : ٢٩٩.

(٢) مفاتيح الشرائع ١ : ٢٩٩‌

(٣) التذكرة ١ : ٣٠٣.

(٤) منهم : العلاّمة في التذكرة ١ : ٣٠٤ ، وصاحب المدارك ٧ : ٥٨ ، وصاحب الحدائق ١٤ : ١٣٤.

٣٤

قطعياً لها ، ولا حجّة في إطلاق المفصّل الحكم هنا على غيره ، مع احتمال إرادته به الصورة الثانية خاصة ؛ لعدم صراحة كلامه هنا في الإطلاق جدّاً.

وحينئذٍ فلا يبعد قبول دعوى الاتفاق على وجوب الاستنابة في صورة الاستقرار ، والحكم به لكن المتوجه حينئذٍ في صورة زوال العذر عدم وجوب الإعادة ، كما في الموت ، وإلاّ فاحتمال وجوبها هنا يهدم بنيان قبول الدعوى والمدّعى.

وكيف كان ، فالحكم بوجوب الاستنابة في الصورتين لا يخلو عن إشكال ، وإن كان الأقرب ذلك في الصورة الأولى ؛ لنقل الإجماع عليه في عبائر الجماعة (١) ، مؤيداً بما عرفته من الأولوية ، وخصوص الصحيحين الذين مرّ كونهما قضية في واقعة ، لكون هذه الصورة داخلة فيهما قطعاً مطابقةً. أو التزاماً ، مع تأملٍ ما فيهما ، لما مضى.

والعدم في الصورة الثانية ؛ لما عرفته.

وعلى تقدير القول بالوجوب فيها فاستناب يجب عليه الإعادة بعد زوال العذر ؛ لما عرفته ، ولا كذلك الصورة الأولى فإنّ الحكم فيها بوجوب الإعادة مشكل جدّاً.

( ولما مات مع ) استمرار ( العذر أجزأته النيابة ) في الصورتين قطعاً ، أمّا الأولى : فواضح ، وأمّا الثانية : فلعدم داعٍ إلى عدم الاجزاء بعد تحقق الامتثال بالاستنابة.

( وفي اشتراط الرجوع إلى صنعة أو بضاعة ) أو نحوهما ممّا يكون فيه الكفاية عادةً ، بحيث لا يُحوجه صرف المال في الحجّ إلى سؤال ، كما‌

__________________

(١) راجع ص : ٢٧٠٩.

٣٥

يشعر به بعض الروايات الآتية في الوجوب بالاستطاعة ، زيادة على ما مرّ ( قولان ، أشبههما ) عند الماتن وأكثر المتأخرين على الظاهر ، المصرح به في المسالك (١) ، بل عن المعتبر والتذكرة (٢) الأكثر بقول مطلق ( أنه لا يشترط. )

وفاقاً لظاهر المرتضى في الجمل (٣) وصريح الحلّي (٤) وعن الإسكافي والعماني (٥) ؛ لعموم الكتاب (٦) ، وخصوص النصوص بتفسير الاستطاعة بأن يكون عنده ما يحجّ به ، كما في جملة من الصحاح (٧) ، وبالزاد والراحلة ، كما في غيرها (٨).

خلافاً للشيخين والحلبي والقاضي وبني زهرة وحمزة وسعيد (٩) وجماعة كما حكي (١٠) وفي المسالك : أنّه مذهب أكثر المتقدمين (١١) ، بل في الروضة : أنّه المشهور بينهم (١٢) ، وفي المختلف‌

__________________

(١) المسالك ١ : ٩٢.

(٢) المعتبر ٢ : ٧٥٦ ، التذكرة ١ : ٣٠٢.

(٣) جمل العلم والعمل ( رسائل الشريف المرتضى ٣ ) : ٦٢.

(٤) السرائر ١ : ٥٠٨.

(٥) نقله عنهما في المختلف : ٢٥٦.

(٦) آل عمران : ٩٧.

(٧) الوسائل ١١ : ٣٣ أبواب وجوب الحجّ ب ٨ الأحاديث ١ ، ٢ ، ٣.

(٨) الوسائل ١١ : ٣٤ ، ٣٥ أبواب وجوب الحجّ ب ٨ الأحاديث ٤ ، ٥ ، ٦ ، ٧.

(٩) المفيد في المقنعة : ٣٨٤ ، الطوسي في النهاية : والمبسوط ١ : ٢٩٦ ، الحلبي في الكافي : ١٩٢ ، القاضي في شرح جمل العلم : ٢٠٥ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٣ ، ابن حمزة في الوسيلة : ١٥٥ ، ابن سعيد في الجامع للشرائع : ١٧٣.

(١٠) حكاه عنهم في كشف اللثام ١ : ٢٩٠.

(١١) المسالك ١ : ٩٢.

(١٢) الروضة ٢ : ١٦٨.

٣٦

والمسالك (١) نقله المرتضى عن الأكثر ، وفي الخلاف والغنية (٢) : أنّ عليه إجماع الإمامية ، بل في الأخير : دعوى الإجماع عليه من كلّ من اعتبر الكفاية له ولعياله ذهاباً وإياباً.

وهو الحجّة ، المعتضدة بالشهرة القديمة الظاهرة والمحكيّة ، مضافاً إلى المعتبرة ولو بالشهرة.

منها : المرسلة المروية في المجمع عن أئمتنا عليهم‌السلام في تفسير الاستطاعة : أنها وجود الزاد والراحلة ، ونفقة من يلزم نفقته ، والرجوع إلى كفاية ، إمّا من مال أو ضياع أو حرفة ، مع الصحة في النفس وتخلية السرب من الموانع ، وإمكان السير (٣).

ونحوه المروي عن الخصال ، وفيه أنّها : « الزاد والراحلة مع صحة البدن ، وأن يكون للإنسان ما يخلفه على عياله ، وما يرجع إليه من حجّة » (٤).

وقريب منهما المروي في المقنعة : « هلك الناس إذا كان من له زاد وراحلة ولا يملك غيرهما ، أو مقدار ذلك ممّا يقوت به عياله ، ويستغني به عن الناس فقد وجب عليه أن يحجّ بذلك ، ثم يرجع فيسأل الناس بكفه ، لقد هلك إذاً » فقيل له عليه‌السلام : فما السبيل عندك؟ فقال : « السعة في المال ، وهو أن يكون معه ما يحجّ ببعضه ويبقى بعض يقوت به نفسه‌

__________________

(١) المختلف : ٢٥٦ ، المسالك ١ : ٩٢.

(٢) الخلاف ٢ : ٢٤٥ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٣.

(٣) مجمع البيان ١ : ٤٧٨ ، الوسائل ١١ : ٣٩ أبواب وجوب الحجّ ب ٩ ح ٥ وفيهما بتفاوت يسير.

(٤) الخصال : ٦٠٦ / ٩ ، الوسائل ١١ : ٣٨ أبواب وجوب الحج ب ٩ ح ٤.

٣٧

وعياله » (١).

والدلالة فيه واضحة ، كما اعترف به جماعة ، ومنهم الفاضل في المختلف ، قال : فقوله عليه‌السلام : « ثمّ يرجع فيسأل الناس بكفه » فيه تنبيه على اشتراط الكفاية من مال أو صنعة ، ثم قوله : « ويبقى البعض يقوت به نفسه وعياله » يعني وقت رجوعه ، وإلاّ فكيف يقوت نفسه بذلك البعض مع أنّه قد خرج إلى الحجّ (٢). انتهى.

فالمناقشة فيها واهية ، وكذا المناقشة بضعف السند مطلقاً ؛ لانجباره بالشهرة ، وحكاية الإجماعين المتقدمين ، والأوفقية بالملّة السهلة السمحة.

أ لا ترى أنّه تعالى لم يوجب الزكاة إلاّ على من يملك مائتي درهم ، ولم يوجب عليه إلاّ خمسة ، تخفيفاً منه سبحانه ورحمة ، وإليه وقع الإشارة في الرواية الأخيرة على رواية شيخ الطائفة. فإنّ فيها بعد تفسير السبيل بأنّه السعة في المال إذا كان يحجّ ببعض ويبقى بعضاً لقوت عياله : « أليس قد فرض الله تعالى الزكاة فلم يجعلها إلاّ على من يملك مائتي درهم » (٣).

ولعلّه إلى هذا نظر كلّ من استدل بهذه الرواية ، وهو في غاية المتانة ، ومرجعه إلى تفسير الاستطاعة بما يكون فيه سهولة وارتفاع مشقة.

ولا ريب أن ذلك هو المفهوم منها عرفاً ، بل ولغةً ، كما أشار إليه المرتضى في المسائل الناصرية.

فقال : والاستطاعة في عرف الشرع وعهد اللغة عبارة عن تسهّل الأمر‌

__________________

(١) المقنعة : ٣٨٤ ، الوسائل ١١ : ٣٧ أبواب وجوب الحج ب ٩ ح ١ ، ٢.

(٢) المختلف : ٢٥٦.

(٣) التهذيب ٥ : ٢ / ١ ، الإستبصار ٢ : ١٣٩ / ٤٥٣ ، الوسائل ١١ : ٣٧ أبواب وجوب الحجّ ب ٩ ح ١.

٣٨

وارتفاع المشقة ، وليست بعبارة عن مجرد القدرة ، الا ترى أنّهم يقولون ما أستطيع النظر إلى فلان ، إذا كان يبغضه ويمقته ويثقل عليه النظر إليه وإن كان معه قدرة على ذلك ، وكذا يقولون : لا أستطيع شرب هذا الدواء ، يريدون إنّني أنفر منه ويثقل عليّ ، وقال الله تعالى( إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً ) (١) وإنّما أراد هذا المعنى لا محالة (٢).

ونحوه عبارة ابن زهرة في الغنية ، إلاّ أنّه أثبت بذلك النفقة ذهاباً وإياباً ، وألحق مفروض المسألة بها بالإجماع المركب ، فقال : وإذا ثبت ذلك ثبت اعتبار العود إلى كفاية ؛ لأنّ أحداً من الأُمة لم يفرّق بين الأمرين (٣).

وفيه إشعار بل ظهور بصدق الاستطاعة مع عدم الرجوع إلى كفاية.

وهو عند الأحقر محل مناقشة ؛ لعدم صدقها عرفاً وعادةً بلا شبهة ، بل ولغة ، كما عرفته من كلام المرتضى ، وحينئذٍ فظاهر الآية مع القدماء ، لا عليهم.

سلّمنا ، لكنها كالنصوص مقيّدة بما مرّ من الأدلّة ، سيّما وأنّ النصوص لم يقل بإطلاقها أحد من علمائنا ؛ لخلوّها من اعتبار النفقة رأساً ، بل اكتفت بما يحجّ به والزاد والراحلة ، كما عليه العامّة يومئذ (٤) على ما يستفاد من الرواية الأخيرة برواية الشيخين ، ولأجل ذلك يتقوى احتمال ورودها للتقية.

وبالجملة : فما ذكره القدماء لا يخلو عن قوة واختاره خالي العلاّمة ـ

__________________

(١) الكهف : ٦٧ ، ٧٢ ، ٧٥.

(٢) الناصرية ( الجوامع الفقهية ) : ٢٠٨.

(٣) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٣ ، ٥٧٤.

(٤) راجع بدائع الصنائع ٢ : ١٢١ ، والمغني والشرح الكبير ٣ : ١٦٥ ، ١٦٧.

٣٩

أدام الله سبحانه بقاءه ـ (١) وحكى عن بعض مقاربي العصر (٢) ، لكن قال : أمّا لو كان بيت مال يعطى منه ، أو كان ممن يتيسر له الزكاة والعطايا عادةً ممن لا يتحرز من ذلك ، فلا يشترط في حقه. انتهى.

وهو حسن ، ويمكن إدخاله في عبائر الجماعة بتعميم الكفاية لمثله ، فإنّها تختلف باختلاف الأشخاص عادةً ، وعلى هذا يمكن أيضاً تنزيل ما نقضهم به الحلّي (٣) ، من إطلاقهم الحكم بالوجوب بالبذل ، من غير اشتراط لهذا الشرط بلا خلاف ، وإجزاء حجّ من أدرك أحد الموقفين معتقاً ، فتأمل جدّاً.

هذا ، ولا ريب أن خيرة المتأخرين أحوط.

( ولا يشترط في ) وجوب الحجّ على ( المرأة وجود محرم ) لها ، ممّن يحرم عليه نكاحها مؤبداً بنسب ، أو رضاع ، أو مصاهرة ( ويكفي ظنّ السلامة ) بغير خلاف أجد ، مصرّح به في الذخيرة (٤) وفي ظاهر المنتهى وغيره (٥) : إنّ عليه إجماع الإمامية ؛ لعموم الكتاب والسنة ، وخصوص الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة :

ففي الصحيح : عن المرأة تخرج إلى مكة بغير ولي ، فقال : « لا بأس تخرج مع قوم ثقات » (٦).

__________________

(١) الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح وهو مخطوط ، وكتاب الحجّ منه غير موجود عندنا.

(٢) هو الشيخ علي بن سليمان البحراني على ما حكاه عنه في الحدائق ١٤ : ١٢٤.

(٣) السرائر ١ : ٥١٣.

(٤) الذخيرة : ٥٦٤.

(٥) المنتهى ١ : ٦٥٨ ؛ وانظر مجمع الفائدة والبرهان ٦ : ١٠٦.

(٦) الكافي ٤ : ٢٨٢ / ٥ ، الفقيه ٢ : ٢٦٨ / ١٣٠٨ وفيهما بتفاوت يسير ، الوسائل ١١ : ١٥٣ أبواب وجوب الحج ب ٥٨ ح ٣.

٤٠