رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٦

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٦

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-108-7
الصفحات: ٥١٢

« يقطع صاحب العمرة المفردة التلبية إذا وضعت الإبل أخفافها في الحرم » (١) وبمعناه الموثق (٢) وغيره (٣) ، بحملها على ما إذا لم يخرج من مكّة.

لكن هنا أخبار أُخر مختلفة ، ففي الصحيح : « من اعتمر من التنعيم فلا يقطع التلبية حتى ينظر إلى المسجد » (٤).

وفي الخبر ، بل الموثق كما قيل (٥) : عن الرجل يعتمر عمرة مفردة ، من أين يقطع التلبية؟ قال : « إذا رأيت بيوت ذي طوى فاقطع التلبية » (٦).

وفي آخر : عمن أحرم من حوالي مكّة من الجَعرانة والشجرة ، من أين يقطع التلبية؟ قال : « يقطع التلبية عند عروش مكّة ، وعروش مكّة ذو طوى » (٧).

لكنه يحتمل عمرة التمتع ، كالخبر : عمن دخل بعمرة فأين يقطع التلبية؟ فقال : « حيال العقبة ، عقبة المدنيّين » [ فقلت ] أين عقبة المدنيين؟

قال : « حيال القصّارين » (٨).

لكن الصدوق حمله على المفردة ، وجمع بينه وبين ما تقدّم‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٥٣٧ / ١ ، الفقيه ٢ : ٢٧٧ / ١٣٥٥ ، الوسائل ١٢ : ٣٩٤ أبواب الإحرام ب ٤٥ ح ٦.

(٢) التهذيب ٥ : ٩٤ / ٣٠٩ ، الإستبصار ٢ : ١٧٦ / ٥٨٣ ، الوسائل ١٢ : ٣٩٣ أبواب الإحرام ب ٤٥ ح ١.

(٣) التهذيب ٥ : ٩٥ / ٣١٣ ، الإستبصار ٢ : ١٧٧ / ٥٨٦ ، الوسائل ١٢ : ٣٩٤ أبواب الإحرام ب ٤٥ ح ٢.

(٤) الكافي ٤ : ٥٣٧ / ٣ ، الوسائل ١٢ : ٣٩٤ أبواب الإحرام ب ٤٥ ح ٤.

(٥) المدارك ٧ : ٢٩٦.

(٦) الفقيه ٢ : ٢٧٧ / ١٣٥٤ ، التهذيب ٥ : ٩٥ / ٣١٤ ، الإستبصار ٢ : ١٧٧ / ٥٨٧ ، الوسائل ١٢ : ٣٩٤ أبواب الإحرام ب ٤٥ ح ٣.

(٧) التهذيب ٥ : ٩٤ / ٣١١ ، الوسائل ١٢ : ٣٩١ أبواب الإحرام ب ٤٣ ح ٨.

(٨) تقدم مصدره في ص : ٢٨٩١ الهامش (٤).

٢٤١

بالتخيير (١) ، وهو القول المشار إليه بقوله :

( وقيل بالتخيير ، وهو أشبه ) عند الماتن هنا وفي الشرائع والفاضل المقداد في التنقيح (٢) ، قيل : ولا بدّ منه ، للجمع بين خبر المسجد وغيره (٣).

وظاهر الشيخ في التهذيب والاستبصار (٤) أنه إن خرج من مكّة ليعتمر قطعها إذا رأى الكعبة ، وإلاّ فان جاء من العراق فعند ذي طوى ، وإن جاء من المدينة فعند عقبة المدنيين ، وإلاّ فعند دخول الحرم.

وقصد بذلك الجمع بين الأخبار.

وحكي عنه في الجمل والاقتصاد والمصباح ومختصره أنه أطلق قطعها عند دخول الحرم (٥) ، لكن ظاهر سياق كلامه في الأخيرين في غير من خرج من مكّة (٦).

وعن الحلبي أنه أطلق قطعه إذا عاين البيت (٧).

والعمل بما عليه الأكثر أحوط ؛ لعدم منافاته القول بالتخيير ، وضعف ما عداه من الأقوال ولا سيما الأخير.

( والتلفظ بما يعزم عليه ) من حجّ أو عمرة ؛ للصحاح المستفيضة ، منها : « تقول : لبيك » إلى قوله : « بحجة تمامها عليك » (٨).

__________________

(١) انظر الفقيه ٢ : ٢٧٧.

(٢) الشرائع ١ : ٢٤٨ ، التنقيح الرائع ١ : ٤٦٣.

(٣) كشف اللثام ١ : ٣١٦.

(٤) التهذيب ٥ : ٩٦ ، الاستبصار ٢ : ١٧٨.

(٥) كما في كشف اللثام ١ : ٣١٦.

(٦) مصباح المتهجد : ٦٢٠.

(٧) الكافي في الفقه : ١٩٣.

(٨) التهذيب ٥ : ٩٢ / ٣٠١ ، الوسائل ١٢ : ٣٨٣ أبواب الإحرام ب ٤٠ ح ٣.

٢٤٢

ومنها : « تقول : لبيك ، اللهمّ لبيك » إلى قوله : « لبيك بمتعة بعمرة إلى الحج » (١).

قيل : وهذا الذي ذكره ابن حمزة ، لكنه زاد بعد ذلك : لبيك (٢).

ومنها : كيف ترى أن أُهلّ؟ فقال : « إن شئت سمّيت وإن شئت لم تسمّ شيئاً » فقلت : كيف تصنع أنت : فقال : « أجمعهما فأقول : لبيك بحجة وعمرة معاً » (٣).

قيل : وهذا الذي ذكره القاضي ، ونهى عنه الحلبيّان والمختلف ، لأن الإحرام لا يتعلق بهما ، وهو الوجه إن أُريد ذلك ، وإن أُريد التمتع بالعمرة إلى الحجّ جاز (٤).

أقول : ما ذكره في الصورة المفروضة قد صرّح به جماعة ، بل زادوا فجعلوه أفضل (٥) ، تبعاً للمحكي عن المبسوط والنهاية والفاضل في المنتهى والتذكرة (٦).

ولا يجب ، وفاقاً لظاهر أكثر من وقفت على كلامه من الأصحاب ، بل لم ينقل أحد منهم فيه خلافاً ، معربين عن الإجماع.

للأصل ، وخلوّ أكثر الأخبار عنه ، والصحيح الماضي ، بل في آخر :‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٨٤ / ٢٧٧ ، الإستبصار ٢ : ١٦٩ / ٥٥٩ ، الوسائل ١٢ : ٣٨٢ أبواب الإحرام ب ٤٠ ح ١.

(٢) كشف اللثام ب ١ : ٣١٧.

(٣) التهذيب ٥ : ٨٨ / ٢٩١ ، الإستبصار ٢ : ١٧٣ / ٥٧٣ ، الوسائل ١٢ : ٣٤٣ أبواب الإحرام ب ١٧ ح ٣.

(٤) كشف اللثام ١ : ٣١٧.

(٥) منهم : صاحب المدارك ٧ : ٢٩٩ ، والفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع ١ : ٣١٤.

(٦) المبسوط ١ : ٣١٦ ، النهاية : ٢١٥ ، المنتهى ٢ : ٦٧٦ ، التذكرة ١ : ٣٢٧.

٢٤٣

أمرنا أبو عبد الله عليه‌السلام أن نلبّي ولا نسمّي شيئاً ، وقال : « أصحاب الإضمار أحبّ إليّ » (١).

وفي ثالث : « لا تسمّ حجّا ولا عمرة ، وأضمر في نفسك المتعة ، فإن أدركت متمتعاً وإلاّ كنت حاجّاً » (٢).

وظاهرهما ولا سيّما الأول رجحان الإضمار.

وقد حملهما جماعة على حال التقية (٣).

وحمل (٤) عليها أيضاً المعتبرة الآمرة للمتمتع بالإهلال بالحجّ ثم الإهلال بالعمرة ، كالصحيح : كيف أتمتع؟ قال : « تأتي الوقت فتلبّي بالحج ، فاذا دخلت مكّة طفت بالبيت وصلّيت ركعتين خلف المقام وسعيت بين الصفا والمروة وقصّرت وأحللت من كل شي‌ء ، وليس لك أن تخرج من مكّة حتى تحجّ » (٥).

والموثق : لبّ بالحج فاذا دخلت مكة طف بالبيت وصلّيت وأحللت » (٦).

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٣٣ / ٨ ، التهذيب ٥ : ٨٧ / ٢٨٧ ، الإستبصار ٢ : ١٧٢ / ٥٦٩ ، الوسائل ١٢ : ٣٤٤ أبواب الإحرام ب ١٧ ح ٥.

(٢) التهذيب ٥ : ٨٦ / ٢٨٦ ، الإستبصار ٢ : ١٧٢ / ٥٦٨ ، الوسائل ١٢ : ٣٤٩ أبواب الإحرام ب ٢١ ح ٤.

(٣) منهم : الفيض الكاشاني في المفاتيح ١ : ٣١٤ ، وصاحب الحدائق ١٥ : ٣٦.

(٤) الحامل هو الفاضل في المنتهى ، فإنه قال بعد الحكم باستحباب التلفظ بما يحرم به : فإن لم يمكنه للتقية أو غيرها فاقتصر على ذكره الحج ، فاذا دخل مكة طاف وسعى وقصّر وجعلها عمرة كانت أيضاً جائزاً ، لما رواه الشيخ ، ثم ساق بنحو الخبرين ، فتأمل. منه رحمه الله.

(٥) التهذيب ٥ : ٨٦ / ٢٨٤ ، الإستبصار ٢ : ١٧١ / ٥٦٦ ، الوسائل ١٢ : ٣٥٢ أبواب الإحرام ب ٢٢ ح ٣.

(٦) التهذيب ٥ : ٨٦ / ٢٨٣ ، الإستبصار ٢ : ١٧١ / ٥٦٥ ، الوسائل ١٢ : ٣٥٢ أبواب الإحرام ب ٢٢ ح ٢.

٢٤٤

ولكن ظاهر بعض الأصحاب العمل بها من غير اشتراط التقية (١). ولا بأس به ، ولكن ينوي به المتعة ، كما في الصحيح : « لبّ بالحجّ وانو المتعة ، فإذا دخلت مكة فطف وصلِّ ركعتين خلف المقام وسعيت بين الصفا والمروة وقصّرت فنسختها وجعلتها متعة » (٢).

وقال الشهيد في الدروس بعد أن ذكر أن في بعض الروايات الإهلال بعمرة التمتع ، وفي بعضها الإهلال بالحجّ ، وفي ثالث بهما ـ : وليس ببعيد إجزاء الجميع ؛ إذ الحج المنوي هو الذي دخلت فيه العمرة ، فهو دالّ عليها بالتضمن ؛ ونيتهما معاً باعتبار دخول الحج فيها (٣).

وهو مصير إلى ما اخترناه ، ويعضده أيضاً فحوى ما مرّ من جواز عدول المفرد إذا دخل مكة إلى المتعة.

( والاشتراط ) على ربه سبحانه ب ( أن يحلّه حيث حبسه ، وإن لم تكن حجّة فعمرة ) بلا خلاف فيه بيننا أجده ، وبه صرّح في الذخيرة (٤) ، مشعراً بالإجماع ، كما في صريح كلام جماعة حدّ الاستفاضة (٥) ، والصحاح به مع ذلك مستفيضة (٦).

ويتأدى بكل لفظ أفاد المراد ، عملاً بالإطلاق ، وبه صرّح في‌

__________________

(١) انظر المدارك ٧ : ٣٠٠.

(٢) التهذيب ٥ : ٨٦ / ٢٨٥ ، الإستبصار ٢ : ١٧٢ / ٥٦٧ ، الوسائل ١٢ : ٣٥٢ أبواب الإحرام ب ٢٢ ح ٤.

(٣) الدروس ١ : ٣٤٦.

(٤) الذخيرة : ٥٨٤.

(٥) منهم العلامة في المختلف : ٢٦٧ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ١ : ٣١٢ وصاحب الحدائق ١٥ : ١٠٠.

(٦) الوسائل ١٢ : ٣٥٤ أبواب الإحرام ب ٢٣.

٢٤٥

المنتهى (١) وإن كان الإتيان باللفظ المنقول أولى :

وهو في الصحيح : « اللهم إني أُريد التمتع بالعمرة إلى الحج على كتابك وسنّة نبيّك صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإن عرض لي شي‌ء يحبسني فحلّني حيث حبستني لقدرك الذي قدرت عليّ ، اللهمّ إن لم تكن حجة فعمرة ، أحرم لك شعري وبشري ولحمي ودمي وعظامي ومخّي وعصبي من النساء والطيب ، أبتغي بذلك وجهك والدار الآخرة » (٢).

ولو نوى الاشتراط ولم يتلفظ به ففي الاعتداد به أم العدم وجهان ، وجعل ثانيهما أوجه وأحق في التحرير والمنتهى (٣).

( وأن يحرم في الثياب القطن ) فيما قطع به الأصحاب على الظاهر ، المصرَّح به في بعض العبائر (٤) ؛ للتأسي ، فقد روي لبسه في الإحرام عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٥).

وفي الصحيح : « كان ثوبا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اللذان أحرم فيهما يمانيين عبري وأظفار » (٦).

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٦٨٠.

(٢) الكافي ٤ : ٣٣١ / ٢ ، الفقيه ٢ : ٢٠٦ / ٩٣٩ ، التهذيب ٥ : ٧٧ / ٢٥٣ ، الوسائل ١٢ : ٣٤٠ أبواب الإحرام ب ١٦ ح ١.

(٣) التحرير ١ : ٩٦ ، المنتهى ٢ : ٦٨٠.

(٤) كما في كشف اللثام ١ : ٣١٧.

(٥) الكافي ٤ : ٣٣٩ / ١ ، الفقيه ٢ : ١٥٥ / ٦٦٩ ، التهذيب ٥ : ٦٦ / ٢١٣ ، الوسائل ١٢ : ٣٥٩ أبواب الإحرام ب ٢٧ ح ٣.

(٦) الكافي ٤ : ٢٣٩ / ٢ ، الفقيه ٢ : ٢١٤ / ٩٧٥ ، الوسائل ١٢ : ٣٥٩ أبواب الإحرام ب ٢٧ ح ٢ ، عبر بالكبير ما أخذ على غربي الفرات إلى برية العَرب وقبيلة. القاموس ٢ : ٨٦ وظفار بالفتح مبني على الكسر كقطام بلد باليمن لحميَر قرب صنعاء. إليه ينسب الجزع الضفاري. مجمع البحرين ٣ : ٣٨٧. وما في النسخ والفقيه والوسائل من قوله : أظفار ، لعلّه تصحيف ، كما أشير إليه في هامش الكافي وفي مجمع البحرين.

٢٤٦

وقد ورد الأمر بلبس القطن مطلقاً في جملة من النصوص ، وفي بعضها : « إنه لباس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » (١).

وزيد في آخر : « هو لباسنا ، ولم يكن الشعر والصوف إلاّ من علّة » (٢).

( وأفضله البيض ) لتظافر الأخبار بالأمر بلبسها وكونها خير الثياب وأحسنها وأطهرها وأطيبها (٣).

ولا بأس بما عداه من الألوان ؛ للنصوص (٤). عدا السود فيكره ؛ للنهي عنه في بعض الأخبار (٥) ، المحمول على الكراهة ، لضعفه ، مضافاً إلى الأصل ، وعموم الصحيح : « كل ثوب يصلى فيه فلا بأس بأن يحرم فيه » (٦) بناءً على الإجماع على جواز الصلاة في الثياب السود.

ومنه يظهر ضعف القول بالمنع المحكي عن النهاية والمبسوط والخلاف والمقنعة والوسيلة (٧) ، وحمله الحلّي على الكراهة ، لما عرفته (٨).

( وأما أحكامه فمسائل ) ثلاث :

( الأُولى : المتمتع إذا طاف وسعى ثم أحرم بالحج قبل التقصير ناسياً مضى في حجه ) فإنه صحيح ، بلا خلاف أجده ، وبه صرّح في الذخيرة‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ٤٤٦ / ٤ ، الوسائل ٥ : ٢٨ أبواب أحكام الملابس ب ١٥ ح ١.

(٢) الخصال : ٦١٠ / ١٠ ، الوسائل ٥ : ٣٥ أبواب أحكام الملابس ب ١٩ ح ٤.

(٣) انظر الوسائل ٥ : ٢٦ أبواب أحكام الملابس ب ١٤.

(٤) الوسائل ٥ : ٢٩ أبواب أحكام الملابس ب ١٧.

(٥) الوسائل ٤ : ٣٨٢ أبواب لباس المصلي ب ١٩.

(٦) الكافي ٤ : ٣٣٩ / ٣ ، الفقيه ٢ : ٢١٥ / ٩٧٦ ، التهذيب ٥ : ٦٦ / ٢١٢ ، الوسائل ١٢ : ٣٥٩ أبواب الإحرام ب ٢٧ ح ١.

(٧) النهاية : ٢١٧ ، المبسوط ١ : ٣١٩ ، الخلاف ٢ : ٢٩٨ ، المقنعة : ٣٩٦ ، الوسيلة : ١٦٣.

(٨) السرائر ١ : ٥٤٢.

٢٤٧

والكفاية وغيرهما (١) ، بل نفى عنه في التنقيح الخلاف (٢) ، مؤذناً بالإجماع ، كما في صريح كلام الفاضل في المختلف (٣) ، مع أنه في التحرير والمنتهى (٤) حكى قولاً بالبطلان عن بعض الأصحاب.

ولا ريب في ضعفه ؛ فإن الصحاح مضافاً إلى الإجماع المنقول صريحة في ردّه ، ففي الصحيح : عن رجل أهلّ بالعمرة ونسي أن يقصّر حتى دخل في الحج ، قال : « يستغفر الله ولا شي‌ء عليه وتمّت عمرته » (٥).

وفي آخر : « لا بأس به يبني على العمرة وطوافها وطواف الحجّ على أثره » (٦).

وفي ثالث : « يستغفر الله » (٧).

ولا معارض لها عدا رواية أبي بصير الآتية ، ولكنها لقصورها عن المقاومة لها من وجوه شتّى مطروحة ، أو محمولة على العامد جمعاً.

( و ) يستفاد منها ولا سيّما الصحيحة الاولى : أنه ( لا شي‌ء عليه ) كما عن الحلّي والديلمي وأكثر المتأخرين (٨).

__________________

(١) الذخيرة : ٦٤٩ ، الكفاية : ٦٨ ؛ وانظر كشف اللثام ١ : ٣٥٠.

(٢) التنقيح الرائع ١ : ٤٦٣.

(٣) المختلف : ٢٦٧.

(٤) التحرير ١ : ٩٧ ، المنتهى ٢ : ٦٨٦.

(٥) الكافي ٤ : ٤٤٠ / ٢ ، التهذيب ٥ : ٩١ / ٢٩٩ ، الإستبصار ٢ : ١٧٥ / ٥٧٩ ، الوسائل ١٢ : ٤١١ أبواب الإحرام ب ٥٤ ح ٣.

(٦) الكافي ٤ : ٤٤٠ / ٣ ، التهذيب ٥ : ٩٠ / ٢٩٨ ، الإستبصار ٢ : ١٧٥ / ٥٧٨ ، الوسائل ١٢ : ٤١١ أبواب الإحرام ب ٥٤ ح ٢.

(٧) الكافي ٤ : ٤٤٠ / ١ ، الفقيه ٢ : ٢٣٧ / ١١٢٩ ، التهذيب ٥ : ٩٠ / ٢٩٧ ، الإستبصار ٢ : ١٧٥ / ٥٧٧ ، الوسائل ١٢ : ٤١٠ أبواب الإحرام ب ٥٤ ح ١.

(٨) الحلي في السرائر ١ : ٥٨ ، الديلمي في المراسم : ١٢٤ ؛ وانظر القواعد ١ : ٨٥ ، والمدارك ٧ : ٢٨٠ ، والحدائق ١٥ : ١١٧.

٢٤٨

( و ) لكن ( في رواية ) موثقة كالصحيحة أنه ( عليه دم ) (١) وظاهره الوجوب ، كما عن الشيخ في كتبه وبني زهرة والبّراج وحمزة (٢) ، وعليه الفاضل في الإرشاد (٣).

ولا يخلو عن قوة بناءً على حجيّة الموثقة ؛ لأنها خاصة ، والصحاح عامة ، فينبغي حملها عليها.

وهو أولى من الجمع بينها بحمل الموثقة على الاستحباب ، فإنه مجاز ، والتخصيص منه أولى حيثما حصل بينهما معارضة ، إلاّ أن يرجح الاستحباب بالشهرة العظيمة بين الأصحاب ، لكنها متأخرة ، فالترجيح بها لا يخلو عن نوع مناقشة ، ومع ذلك فلا ريب أن الوجوب أحوط.

( ولو أحرم ) قبل التقصير ( عامداً بطلت متعته ) وصارت حجة مفردة فيكلمها ، ثم يعتمر بعدها عمرة مفردة ( على ) ما يقتضيه إطلاق ( رواية أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ) الموثقة ، بل الصحيحة ، كما في المنتهى والمختلف والمسالك والروضة (٤) ، وفيها : « المتمتع إذا طاف وسعى ثم لبّى قبل أن يقصّر فليس له أن يقصّر وليس له متعة » (٥).

ورواية أُخرى ضعيفة على المشهور : عن رجل متمتع طاف ثمّ أهلّ‌

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٢٣٧ / ١١٢٨ ، التهذيب ٥ : ١٥٨ / ٥٢٧ ، الإستبصار ٢ : ٢٤٢ / ٨٤٤ ، الوسائل ١٢ : ٤١٢ أبواب الإحرام ب ٥٤ ح ٦.

(٢) الشيخ في المبسوط ١ : ٣٦٣ ، والنهاية : ٢٤٦ ، والاقتصاد : ٣٠٥ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٩ ، ابن البراج في المهذب ١ : ٢٤٢ ، ابن حمزة في الوسيلة : ١٦٨.

(٣) الإرشاد ١ : ٣٢٨.

(٤) المنتهى ٢ : ٧١٠ ، المختلف : ٢٦٧ ، المسالك ١ : ١٠٧ ، الروضة ٢ : ٢٢٠.

(٥) التهذيب ٥ : ١٥٩ / ٥٢٩ ، الإستبصار ٢ : ٢٤٣ / ٩٤٦ ، الوسائل ١٢ : ٤١٢ أبواب الإحرام ب ٥٤ ح ٥.

٢٤٩

بالحج قبل أن يقصّر ، قال : « بطلت متعته وهي حجة مبتولة » (١).

وإنما قيّدنا بالعامد جمعاً بينهما وبين ما مضى من الصحيح بالصحة في الناسي.

وعمل بها الشيخ وجماعة (٢) حتى أن الشهيدين في الدروس والمسالك (٣) ادعيا عليها الشهرة ، فهي جابرة لقصور الرواية على تقديره ، مع أنها ليست بقاصرة عند جماعة كما عرفته ، ومؤيدة بالرواية الأُخرى ، فالعمل بها أقوى.

خلافاً للحلّي فيبطل الإحرام الثاني ويبقى على عمرته (٤) ، ويميل إليه جماعة من المتأخرين ومنهم الماتن ، حيث عزا الحكم إلى الرواية ، مشعراً بتوقفه فيه.

ولعلّه من حيث النهي عنه ، ووقوع خلاف ما نواه إن أدخل حج التمتع ، وعدم صلاحية الزمان إن أدخل غيره ، فبطلانه أنسب.

والرواية قاصرة السند ، فيشكل التعويل عليها في حكم مخالف للأصل ؛ مع أنها ليست صريحة في ذلك ، لاحتمالها الحمل على متمتع عدل عن الإفراد ثم لبّى بعد السعي ، كما ذكره الشهيد قال : لأنه روي التصريح بذلك في رواية أُخرى (٥).

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٩٠ / ٢٩٦ ، الإستبصار ٢ : ١٧٥ / ٥٨٠ ، الوسائل ١٢ : ٤١٢ أبواب الإحرام ب ٥٤ ح ٤.

(٢) الشيخ في الاستبصار ٢ : ٢٤٣ ، والتهذيب ٥ : ١٥٩ ؛ وانظر كشف الرموز ١ : ٣٥٤ ، والمنتهى ٢ : ٧١٠ ، والمختلف : ٢٦٧.

(٣) الدروس ١ : ٣٣٣ ، والمسالك ١ : ١٠٧.

(٤) السرائر ١ : ٥٨١.

(٥) الدروس ١ : ٣٣٣.

٢٥٠

أقول : لعلّها الموثق : رجل يفرد بالحج فيطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة ثم يبدر له أن يجعلها عمرة ، فقال : « إن كان لبّى بعد ما سعى قبل أن يقصّر فلا متعة له » (١) وقد مرّ في بحث جواز الطواف للمفرد والقارن قبل المضيّ إلى عرفات ». وفيه نظر ، فإن مورد رواية المسألة المتمتع ، وهو حقيقة فيمن حصل فيه مبدأ الاشتقاق حالاً أو ماضياً ، والعادل عن الإفراد إلى التمتع متمتع مجازاً ، والأصل في الاستعمال الحقيقة. والتصريح بذلك في الموثقة الأخيرة مع ورودها في المجازي لا يستلزم ورود رواية المسألة فيه ؛ إذ لا تلازم ولا داعي ، فالرواية بعد الأصل اللفظي صريحة الورود فيما نحن فيه ، ومخالفتها الأُصول لا ريب فيه. لكن لا مانع من تقييدها بها بعد اعتبار السند ، والتأيد بالخبر الآخر ، والانجبار والاعتضاد (٢) بعمل الأكثر ، بل المشهور كما حكي.

وعلى المختار فهل يجزي عن فرضه أم لا؟ وجهان ، من أنه عدول اختياري ولم يأت بالمأمور به على وجهه ، ومن خلوّ النص (٣) عن الأمر بالإعادة مع وروده في بيان الحاجة.

والأصل يقتضي المصير إلى الأول ، كما اختاره شيخنا الشهيد الثاني قاطعاً به (٤) ، وسبطه لكن محتملاً الثاني (٥).

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٢٠٤ / ٩٣١ ، التهذيب ٥ : ٩٠ / ٢٩٥ ، الوسائل ١١ : ٢٩٠ أبواب أقسام الحج ب ١٩ ح ١.

(٢) في « ق » : أو الاعتضاد.

(٣) في « ك‍ » : النصوص.

(٤) كما في المسالك ١ : ١٠٧.

(٥) المدارك ٧ : ٢٨٣.

٢٥١

والجاهل عامد ؛ لإطلاق النص ؛ واختصاص المقيّد له بالناسي ، وبه صرّح شيخنا الشهيد الثاني (١).

( الثانية : إذا أحرم الولي بالصبي ) الغير المميز ( فعل به ما يلزم المحرم ) فعله من حضور المواقف من المطاف والسعى وعرفة وغيرها ( وجنبه ما يجتنبه المحرم ) من لبس المخيط والصيد ونحوهما.

وأما المميز فيأمره بفعل ما يمكنه منها. ( وكلّ ما يعجز عنه يتولاّه الولي ) بلا خلاف في شي‌ء من ذلك بيننا أجده ، والصحاح بها مع ذلك مستفيضة : منها : « انظروا من كان معكم من الصبيان ، فقدّموه إلى الجحفة أو إلى بطن مَرّ (٢) ، ويصنع بهم ما يصنع بالمحرم ، ويطاف بهم ويرمى عنهم ، ومن لا يجد الهدي منهم فليصم عنه وليّه » (٣).

ومنها : « إذا حج الرجل بابنه وهو صغير فإنه يأمره أن يلبّي ويفرض الحج ، فإن لم يحسن أن يلبّي لبّوا عنه ويطاف به ويصلّى عنه » قلت : ليس لهم ما يذبحون ، قال : « يذبح عن الصغار ، ويصوم الكبار ، ويتقي ما يتقي المحرم من الثياب والطيب ، فإن قتل صيداً فعلى أبيه » (٤).

( و ) يستفاد منه أنه ( لو فعل ما يوجب الكفارة ) على المكلّف لو فعله ( ضمن عنه ) الولي ، لكن لا مطلقاً كما يقتضيه إطلاق العبارة ونحوها ، بل خصوص ما يوجبها عمداً وسهواً ، وأما غيره فيجب الرجوع‌

__________________

(١) المسالك ١ : ١٠٧.

(٢) مَرَّ وزان فلس موضع بقرب مكة من جهة الشام نحو مرحلة مجمع البحرين ٣ : ٤٨١.

(٣) الكافي ٤ : ٣٠٤ / ٤ ، الفقيه ٢ : ٢٦٦ / ١٢٩٤ ، التهذيب ٥ : ٤٠٩ / ١٤٢٣ بتفاوت ، الوسائل ١١ : ٢٨٧ أبواب أقسام الحج ب ١٧ ح ٣.

(٤) الكافي ٤ : ٣٠٣ / ١ ، الفقيه ٢ : ٢٦٥ / ١٢٩١ ، التهذيب ٥ : ٤٠٩ / ١٤٢٤ ، الوسائل ١١ : ٢٨٨ أبواب أقسام الحج ب ١٧ ح ٥.

٢٥٢

فيه إلى الأصل ؛ لخروجه عن مورد النص.

وحكي هذا عن الأكثر (١) ، وظاهر المتن عن النهاية والحلبي (٢).

ومستنده غير ظاهر ، عدا ما قيل (٣) من عموم أدلة وجوب الكفارة ، وإنما تعلّق بمال الوليّ دون المولّى عليه ؛ لأنه غرم أدخله عليه بإذنه ، أو الإحرام به.

وفي العموم منع ؛ لاختصاص ما دلّ على وجوبها بحكم التبادر والخطاب بمن باشر موجبها من المكلّف خاصة ، وإنما أوجبت على الوليّ فيما يوجبها عمداً وسهواً للنص ، وهو مختص به ، فلا يعمّ ما يوجبها عمداً خاصة ، وعمد الصبي خطأ إجماعاً.

فهذا القول ضعيف ، كالقول بعدم وجوبها مطلقاً حتى في الأوّل ، كما عن الحلّي (٤) ؛ لابتنائه على أصله من عدم حجية الآحاد ، فلا يخصَّص بها الأصل ، وهو ضعيف كما برهن عليه في محلّه.

وهنا أقوال أُخر ضعيفة المستند والمأخذ ، سيّما في مقابلة النص المعتبر.

ويجب على الوليّ في حج التمتع الهدي في ماله ، كما ذكره جماعة (٥) ؛ قالوا : لأنه غرم أدخله على الصبي ، كالنفقة الزائدة ، فتكون في ماله.

__________________

(١) كما في المدارك ٧ : ٢٨٦.

(٢) حكاه عنهما في كشف اللثام ١ : ٢٨٦.

(٣) كشف اللثام ١ : ٢٨٦ وهو في النهاية : ٢١٦ والكافي : ٢٠٥.

(٤) السرائر ١ : ٦٣٦.

(٥) منهم : المحقق في الشرائع ١ : ٢٤٧ ، والعلاّمة في القواعد ١ : ٧٤ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٢٨٦.

٢٥٣

وفي الموثق : « قال لهم يغتسلون ثم يحرمون ، واذبحوا عنهم كما تذبحون عن أنفسكم » (١).

وفي آخر : عن رجل أمر غلمانه أن يتمتعوا ، قال : « عليه أن يضحّي عنهم » قلت : فإنه أعطاهم دراهم فبعضهم ضحّى وبعضهم أمسك الدراهم وصام ، قال : « قد أجزأ عنهم ، وهو بالخيار إن شاء تركها » قال « ولو أنه ارمهم فصاموا كان قد أجزأ عنهم » (٢).

وربما كان فيهما دلالة على ذلك ( و ) لكن الثاني يدل على أنه ( لو كان ) الصبي ( مميزاً جاز ) للوليّ ( إلزامه بالصوم عن الهدي ) ولا يلزمه أن يذبح عنه.

وقريب منه الصحيح الثاني المتقدم ، بناءً على أن الظاهر أن المراد من الكبار فيه المميزون.

ولا بأس به وإن كان يظهر من الماتن في الشرائع التردد فيه لنسبته إياه إلى الرواية (٣) ؛ لاعتبار سندها وتعدّدها.

فبها يصرف ظاهر الأمر بصوم الوليّ عنه إلى التخيير بينه وبين مفادها ، أو يقيّد بصورة عجز الصبي عن الصوم ؛ فإن الحكم فيها ذلك ، كما أشار إليه بقوله : ( ولو عجز ) الصبي عن الصوم ( صام الوليّ عنه ) قطعاً ؛ للأمر به في الصحاح.

منها زيادةً على ما مضى الصحيح : « إذا لم يكن الهدي فليصم عنه‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٠٤ / ٦ ، الوسائل ١١ : ٢٨٧ أبواب أقسام الحج ب ١٧ ح ٢.

(٢) الكافي ٤ : ٣٠٥ / ٩ ، الفقيه ٢ : ٢٦٦ / ١٢٩٥ ، الوسائل ١٤ : ٨٦ أبواب الذبح ب ٢ ح ٨.

(٣) الشرائع ١ : ٢٤٧.

٢٥٤

وليّه إذا [ كان ] متمتعاً » (١) خرج منها صورة تمكن الصبي من الصوم بما مرّ وبقي غيرها.

ولا ريب أن العمل بمقتضى هذه مطلقاً أحوط وأولى ؛ لصحتها وصراحتها ، بخلاف الرواية ؛ فإنّ صحيحها غير صريح ، وصريحها غير صحيح ، فتأمل.

( الثالثة : لو اشترط في إحرامه ) بأن يحلّه حيث حبسه عند عروض مانع من حصر أو صدّ ( ثم حصل المانع تحلّل ) إن شاء ( ولا يسقط ) عنه ( هدي التحلّل بالشرط ، بل فائدته جواز التحلل للمحصور ) وهو الممنوع بالمرض ( من غير تربّص ) إلى بلوغ الهدي محلّه ، وفاقاً للشيخ والإسكافي وجماعة (٢).

أما جواز التحلل مع نيته فلعلّه لا إشكال فيه ، بل ولا خلاف ، كما يستفاد من ظاهر المختلف (٣) ، وصريح غيره.

وأما كونه من غير تربّص فلظاهر الصحاح وغيرها من المعتبرة ، أظهرها دلالةً الصحيح : عن رجل تمتع بالعمرة إلى الحج وأحصر بعد ما أحرم ، كيف يصنع؟ قال : فقال : « أومأ أشترط على ربه قبل أن يحرم أن يحلّه من إحرامه عند عارض عرض له من أمر الله تعالى؟ » فقلت : بلى قد اشترط ذلك ، قال : « فليرجع إلى أهله حلاّ لا إحرام عليه ، إنّ الله تعالى أحقّ‌

__________________

(١) ليست هذه عبارة الرواية ، بل من كلام الشيخ في التهذيب ٥ : ٤١٠ بعد نقل صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج. وقال بعده : روى ذلك محمّد بن القاسم عن أبان بن عثمان عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : يصوم عن الصبي وليّه إذا لم يجد هدياً وكان متمتعاً.

(٢) الشيخ في الخلاف ٢ : ٤٣١ ونقله عن الإسكافي في المختلف : ٢٦٧ ؛ وانظر الشرائع ١ : ٢٤٧ ، والمنتهى ٢ : ٦٨٠ والمختلف : ٢٦٧ والمسالك ١ : ١٠٧.

(٣) المختلف : ٢٦٧.

٢٥٥

من وفى ما اشترط عليه » فقلت : أفعليه الحج من قابل؟ قال : « لا » (١).

وأما عدم سقوط الهدي فللعمومات ، وظاهر الصحيح (٢) : « إن الحسين بن علي عليهما‌السلام خرج معتمراً ، فمرض في الطريق ، فبلغ عليّاً عليه‌السلام وهو بالمدينة ، فخرج في طلبه فأدركه بالسميّا وهو مريض ، فقال : يا بنيّ ما تشتكي؟ فقال : أشتكي رأسي ، فدعا عليه‌السلام ببدنة فنحرها وحلق رأسه وردّه إلى المدينة » (٣).

ونحوه آخر ، إلاّ أن فيه : إنه كان ساق بدنة فنحرها (٤).

وعليه فلا دخل له ، بل ولا للأول أيضاً بالمسألة ؛ لأن موضوعها من عدا القارن ، وأما هو فلا يسقط الهدي عنه ، بل يبعث بهديه ، كما في الصحيح (٥) ، ونفي الخلاف عنه (٦) ، بل عن فخر الإسلام دعوى إجماع الأُمة عليه (٧) ، وكأنه لم يعتن بالصدوق في الفقيه وقد عبّر في الفقيه بمضمون الصحيح بعينه غير أنه بدّل قوله عليه‌السلام « يبعث بهديه » ب « لا يبعث بهديه » (٨) لكنه ضعيف.

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٨١ / ٢٧٠ ، الإستبصار ٢ : ١٦٩ / ٥٥٨ ، الوسائل ١٢ : ٣٥٦ أبواب الإحرام ب ٢٤ ح ٣.

(٢) بناءً على أن الظاهر أن الحسين عليه‌السلام كان اشترط في إحرامه أن يحلّه حيث حبسه ، لإجماعنا فتوًى ونصّاً على استحبابه ، ويبعد غاية البعد أن لا يكون قد اشترط مع أنه قد أمر به ، فيكون الداخل تحت قوله تعالى( « أَتَأْمُرُونَ النّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ » ) فتأمّل. ( منه رحمه الله ).

(٣) الكافي ٤ : ٣٦٩ / ٣ ، التهذيب ٥ : ٤٢١ / ١٤٦٥ ، الوسائل ١٣ : ١٧٨ أبواب الإحصار والصد ب ١ ح ٣. السقيا بالضم موضع يقرب من المدينة ، وقيل : هي على يومين منها. مجمع البحرين ١ : ٢٢١.

(٤) الفقيه ٢ : ٣٠٥ / ١٥١٥ ، الوسائل ١٣ : ١٨٦ أبواب الإحصار والصد ب ٦ ح ٢.

(٥) الكافي ٤ : ٣٧١ / ٧ ، الوسائل ١٣ : ١٨٥ أبواب الإحصار والصد ب ٤ ح ٢.

(٦) كشف اللثام ١ : ٣٢٠.

(٧) إيضاح الفوائد ١ : ٣٢٧.

(٨) الفقيه ٢ : ٣٠٦.

٢٥٦

وعليه فلا دخل للصحيحين بالمقام ؛ لورودهما في القارن ، كما صرّح به في أحدهما ، ويرجع إليه إطلاق الآخر.

والعمومات من الكتاب والسنّة غير واضحة الشمول لمفروض المسألة ، سيّما وأن مفادها وجوب الصبر إلى بلوغ الهدي محلّه ، وقد نفته ظواهر الصحاح المتقدم إلى أوضحها دلالةً الإشارة ، وظاهره أيضاً عدم وجوب الهدي ، لدلالته على التحلّل بمجرد الإحصار من غير تعرّض له مع وروده في مقام الحاجة ، وبه صرّح جماعة (١).

وعليه فيتقوّى القول بأن فائدته السقوط كما عليه جماعة ، ومنهم المرتضى والحلّي (٢) ، مدّعيين الإجماع عليه ، وهو حجة أُخرى مضافة إلى الأصل وما مرّ.

ومن هنا يظهر ضعف القول بأنه لا فائدة لهذا الشرط ، وأنه إنما هو تعبّد بَحت ودعاء مستحب ، كما عليه شيخنا الشهيد الثاني في كتابيه (٣) ، وأكثر العامة ، بل عامتهم ، كما في الانتصار (٤).

مع عدم وضوح مستنده ، سوى العمومات وقد مرّ الجواب عنها والخبرين ، أحدهما الصحيح : « وهو حلّ إذا حبسه ، أتشرط أو لم يشترط » (٥).

وهما مع ضعف ثانيهما سنداً غير واضحين دلالةً ، كما صرّح به‌

__________________

(١) منهم : صاحبا المدارك ٧ : ٢٨٩ ، والحدائق ١٥ : ١٠٢.

(٢) المرتضى في الانتصار : ١٠٥ ، الحلي في السرائر ١ : ٥٣٣.

(٣) الروضة ٢ : ٣٦٩ ، المسالك ١ : ١٠٨.

(٤) الانتصار : ١٠٥.

(٥) الكافي ٤ : ٣٣٣ / ٧ ، التهذيب ٥ : ٨٠ / ٢٦٧ ، الوسائل ١٢ : ٣٥٧ أبواب الإحرام ب ٢٥ ح ١.

والخبر الآخر : الكافي ٤ : ٣٣٣ / ٦ ، الفقيه ٢ : ٢٠٧ / ٩٤٢ ، التهذيب ٥ : ٨٠ / ٢٦٦ ، الوسائل ١٢ : ٣٥٧ أبواب الإحرام ب ٢٥ ح ٢.

٢٥٧

جماعة (١) ؛ إذ غايتهما الدلالة على ثبوت التحلّل مع الحبس في الحالين ، ونحن نقول به ، ولا يلزم من ذلك تساويهما من كل وجه ، فيجوز افتراقهما بسقوط الدم مع الشرط ، ولزومه بدونه. ولو سلّم فهما محمولان على التقية ، لما عرفته.

ومثله القول بأن فائدته جواز التحلّل أصالةً ، وبدون الشرط رخصةً ، كما عليه الفاضل المقداد وفخر الإسلام (٢) ؛ لعدم ظهور أثرها في محل البحث وإن ظهر في نحو النذر.

وهنا قول آخر في فائدة هذا الشرط ، اختاره الشيخ في التهذيب ، وهو سقوط قضاء الحج لمتمتع فاته الموقفان ؛ للصحيح : عن رجل خرج متمتعاً بالعمرة إلى الحج فلم يبلغ مكة إلاّ يوم النحر ، فقال : « يقيم على إحرامه ويقطع التلبية حتى يدخل مكة (٣) ، فيطوف ويسعى بين الصفا والمروة ويحلق رأسه وينصرف إلى أهله إذا شاء » وقال : « هذا لمن اشترط على ربه عند إحرامه ، فإن لم يكن اشترط فإنّ عليه الحج من قابل » (٤).

( و ) ردّه من تأخر عنه بأنه ( لا يسقط عنه الحج لو كان واجباً ) مستقراً في الذمة بمجرّد الشرط بلا خلاف ، كما في التنقيح (٥) ، بل بالإجماع ، كما في التحرير (٦) ، وفي المنتهى : لا نعلم فيه خلافاً (٧). ولعلّ نفي الخلاف‌

__________________

(١) منهم صاحب المدارك ٧ : ٢٩٢ والحدائق ١٥ : ١٠٨.

(٢) التنقيح ١ : ٤٦٦ ، الإيضاح ١ : ٢٩٢.

(٣) في الفقيه : حين يدخل الحرم.

(٤) الفقيه ٢ : ٢٤٣ / ١١٦٠ ، التهذيب ٥ : ٢٩٥ / ١٠٠١ ، الإستبصار ٢ : ٣٠٨ / ١٠٩٨ ، الوسائل ١٤ : ٤٩ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٢٧ ح ٢.

(٥) التنقيح ١ : ٤٦٥.

(٦) التحرير ١ : ٩٦.

(٧) المنتهى ٢ : ٦٨٠.

٢٥٨

لرجوع الشيخ عن ذلك في الاستبصار (١).

وإن كان مندوباً لم يجب بترك الاشتراط بلا خلاف ، كما في التنقيح (٢) ، وحملوا الصحيحة المتقدمة ونحوها من الصحاح على الاستحباب ، جمعاً بينها وبين الصحاح المعارضة لها.

منها : عن الرجل يشترط في الحج أن يحلّه حيث حبسه ، أعليه الحج من قابل؟ قال : « نعم » (٣).

ونحوه آخر (٤) ، والحسن كالصحيح (٥).

ويشهد لهذا الجمع مضافاً إلى الإجماعات المنقولة والأُصول المقررة المروي عن ابن سعيد في الجامع أنه روى عن كتاب المشيخة لابن محبوب خبراً عن عامر بن عبد الله بن جذاعة ، عن مولانا الصادق عليه‌السلام : في رجل خرج معتمراً فاعتلّ في بعض الطريق وهو محرم ، قال : « ينحر بدنة ويحلق رأسه ويرجع إلى رحله ولا يقرب النساء ، فإن لم يقدر صام ثمانية عشر يوماً ، فإذا برئ من وجعه اعتمر إن كان لم يشترط على ربه في إحرامه ، وإن كان قد اشترط فليس عليه أن يعتمر إلاّ أن يشاء فيعتمر » ويجب أن يعود للحج الواجب المستقر وللأداء إن استمرّت الاستطاعة في قابل ، والعمرة الواجبة كذلك في الشهر الداخل ، وإن كانا‌

__________________

(١) الاستبصار ٢ : ١٦٩.

(٢) التنقيح ١ : ٤٦٦.

(٣) التهذيب ٥ : ٨٠ / ٢٦٨ ، الإستبصار ٢ : ١٦٨ / ٥٥٦ ، الوسائل ١٣ : ١٩٠ أبواب الإحصار والصد ب ٨ ح ٤.

(٤) الفقيه ٢ : ٣٠٦ / ١٥١٦ ، الوسائل ١٣ : ١٨٩ أبواب الإحصار والصد ب ٨ ح ٣.

(٥) التهذيب ٥ : ٨١ / ٢٦٩ ، الإستبصار ٢ : ١٦٩ / ٥٥٧ ، الوسائل ١٢ : ٣٥٦ أبواب الإحرام ب ٢٤ ح ٢.

٢٥٩

متطوعين فهما بالخيار (١).

وقصور السند مجبور في محل البحث بما مرّ ، وأما في غيره وهو وجوب الهدي وعدم سقوطه بالشرط كما هو ظاهره فلم يظهر له جابر ، ولكن العمل به أحوط ، بل لا ينبغي أن يترك.

واعلم أن ما اختاره الماتن من الفائدة في المحصور قد اختارها أيضاً في المصدود ، كما يأتي إن شاء الله تعالى في بحثه ، فلا وجه لتخصيصه بالذكر. وقد يوجّه بأن المراد أنه لا يحتاج إلى التربص حتى يذبح الهدي في موضع الصدّ. وهو بعيد (٢).

( ومن اللواحق : التروك ، وهي محرّمات ومكروهات. )

( فالمحرّمات ) أُمور ذكر الماتن منها ( أربعة عشر )

منها : ( صيد البرّ ) أي مصيدة ، اصطياداً أي حيازةً و ( إمساكاً وأكلاً ولو صاده محلّ ) بلا أمر منه ولا دلالة ولا إعانة ( وإشارةً ) لصائده إليه ( ودلالةً ) له عليه بلفظ وكتابة وغيرهما ( وإغلاقاً ) لباب عليه حتى يموت ( وذبحاً ) كلّ ذلك بالكتاب (٣) وإجماعنا الظاهر ، المصرَّح به في جملة من العبائر (٤) ، بل عن المنتهى إجماع أهل العلم (٥) ، وفي غيره إجماع المسلمين في الأوّل ، وإجماعنا في البواقي (٦).

__________________

(١) الجامع للشرائع : ٢٢٢.

(٢) في « ق » : حَسَن.

(٣) المائدة : ٩٥ ، ٩٦.

(٤) منهم : صاحب المدارك ٧ : ٣٠٤ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ١ : ٣١٩ ، وصاحب الحدائق ١٥ : ١٣٥.

(٥) المنتهى ٢ : ٨٠٢.

(٦) انظر كشف اللثام ١ : ٣٢٢.

٢٦٠