رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٦

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٦

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-108-7
الصفحات: ٥١٢

( المقدمة الثالثة : )

( في ) بيان ( أنواع الحج )

و ( هي ثلاثة ) بإجماع العلماء ، كما في كلام جماعة (١) ، والنصوص المستفيضة (٢) ( تمتّع وقران وإفراد )

( فالتمتع ) وهو أفضلها بالنص والإجماع ، والصحاح به مستفيضة (٣) ، ( وهو الذي يقدّم عمرته أمام حجّه ، ناوياً بها التمتع ، ثم ينشئ إحراماً بالحج من مكة ) وترتبط به ، وتجزي عن العمرة المفروضة كما في النصوص (٤) ، وتسمى العمرة المتمتع بها إلى الحج ، وما سواها تسمّى بالعمرة المفردة ؛ لأفرادها عنه.

وأصل التمتع : التلذذ ، وسمّي هذا النوع به لما يتخلّل بين عمرته وحجه من التحلّل الموجب لجواز الانتفاع والتلذّذ بما كان قد حرّمه الإحرام ، مع ارتباط عمرته بحجّه حتى أنهما كالشي‌ء الواحد شرعاً ، فإذا حصل بينهما ذلك فكأنه حصل في الحج.

( وهذا فرض مَن ليس ) مِن ( حاضري مكة ) بل كان نائياً عنها ؛ بإجماعنا الظاهر ، المصرَّح به في الانتصار والخلاف والغنية والمنتهى والتذكرة وظاهر المعتبر كما نقل (٥) ؛ وأخبارنا المستفيضة القريبة من التواتر.

__________________

(١) المدارك ٧ : ٥٥ ، المفاتيح ١ : ٣٠٤ ، مرآة العقول ١٧ : ١٨٧ ، كشف اللثام ١ : ٢٧٦.

(٢) الوسائل ١١ : ٢١١ أبواب أقسام الحج ب ١.

(٣) الوسائل ١١ : ٢٤٦ أبواب أقسام الحج ب ٤.

(٤) الوسائل ١٤ : ٣٠٥ أبواب العمرة ب ٥.

(٥) الانتصار : ٩٣ ، الخلاف ٢ : ٢٧٢ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٣ ، المنتهى ٢ : ٦٥٩ ، التذكرة ١ : ٣١٧ ، المعتبر ٢ : ٧٨٣.

١٠١

( وحدّه مَن بُعد عنها ) أي عن مكّة شرّفها الله تعالى ( بثمانية وأربعين ميلاً من كلّ جانب ) وفاقاً للمحكي عن القمي في تفسيره والشيخ في النهاية والصدوقين والماتن هنا وفي المعتبر (١) ، والفاضل في المختلف والتذكرة والمنتهى والتحرير (٢) ، والشهيدين في المسالك والدروس واللمعتين (٣) ، وغيرهم من المتأخرين (٤).

للمعتبرة المستفيضة ، ففي الصحيح : « كل من كان أهله دون ثمانية وأربعين ميلاً : ذات عِرق وعُسفان كما يدور حول مكة فهو ممن دخل في هذه الآية ، وكلّ من كان أهله وراء ذلك فعليهم المتعة » (٥).

وفي خبر آخر : ثمانية وأربعون ميلاً من جميع نواحي مكة من دون عُسفان ودون ذات عِرق » (٦).

وفي الصحيح : « ليس لأهل مكة ولا لأهل مَرّ ولا لأهل سَرِف متعة » (٧) ونحوه غيره (٨).

__________________

(١) تفسير القمي ١ : ٦٩ ، النهاية : ٢٠٦ ، الصدوق في المقنع : ٦٧ ، ننقله عن والد الصدوق في المختلف : ٢٦٠ ، المعتب ٢ : ٧٨٤.

(٢) المختلف : ٢٦٠ ، التذكرة ١ : ٣١٧ ، ٣١٨ ، المنتهى ٢ : ٦٦١ ، التحرير ١ : ٩٣.

(٣) المسالك ١ : ١٠١ ، الدروس ١ : ٣٣٠ ، اللمعة ( الروضة البهية ٢ ) : ٢٠٤.

(٤) كالمحقق الثاني في جامع المقاصد ٣ : ١١٠ ، الفاضل المقداد في التنقيح ١ : ٤٣٦.

(٥) التهذيب ٥ : ٣٣ / ٩٨ ، الإستبصار ٢ : ١٥٧ / ٥١٦ ، الوسائل ١١ : ٢٥٩ أبواب أقسام الحج ب ٦ ح ٣.

(٦) التهذيب ٥ : ٤٩٢ / ١٧٦٦ ، الوسائل ١١ : ٢٦٠ أبواب أقسام الحج ب ٦ ح ٧.

(٧) التهذيب ٥ : ٣٢ / ٩٦ ، الإستبصار ٢ : ١٥٧ / ٥١٤ ، الوسائل ١١ : ٢٥٨ أبواب أقسام الحج ب ٦ ح ١. مَرَّ وزان فَلس موضع بقرب مكة من جهة الشام نحو مرحلة. مجمع البحرين ٣ : ٤٨١ ، سَرِف مثال كتف موضع قريب من التنعيم وهو من مكة على عشرة أميال ، وقيل أقل أو أكثر. مجمع البحرين ٥ : ٧٠.

(٨) الكافي ٤ : ٢٩٩ / ١ ، التهذيب ٥ : ٤٩٢ / ١٧٦٥ ، الوسائل ١١ : ٢٦٠ أبواب أقسام الحج ب ٦ ح ٦.

١٠٢

قال الماتن : إن هذه المواضع أكثر من اثني عشر ميلاً (١).

وفي الصحيح : في حاضري المسجد الحرام ، قال : « دون الأوقات إلى مكة » (٢) ونحوه غيره (٣).

وقد ذكر العلاّمة فيما حكي عنه في موضع من التذكرة : أن أقرب المواقيت ذات عِرق ، وهي مرحلتان من مكة (٤).

وفي موضع آخر : إنّ قرن المنازل ويلملم والعقيق على مسافة واحدة بينها وبين مكة ليلتان قاصدتان (٥).

( وقيل ) مَن بعد عنها ( باثني عشر ميلاً فصاعداً من كلّ جانب ) القائل بذلك الشيخ في المبسوط والاقتصاد والتبيان ، والحلّي في السرائر ، والفاضلان في الشرائع والإرشاد والقواعد ، وعُزي إلى مجمع البيان وفقه القرآن وروض الجنان والجمل والعقود والغنية والكافي والوسيلة الجامع والإصباح والإشارة (٦).

وحجتهم غير واضحة ، عدا ما قيل من نصّ الآية على أنه فرض من‌

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٧٨٥.

(٢) التهذيب ٥ : ٤٧٦ / ١٦٨٣ ، الوسائل ١١ : ٢٦٠ أبواب أقسام الحج ب ٦ ح ٥.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٣ / ٩٩ ، الإستبصار ٢ : ١٥٨ / ٥١٧ ، الوسائل ١١ : ٢٦٠ أبواب أقسام الحج ب ٦ ح ٤.

(٤) التذكرة ١ : ٣٢٢.

(٥) التذكرة ١ : ٣٢٠.

(٦) المبسوط ١ : ٣٠٦ ، الاقتصاد : ٢٩٨ ، التبيان ٢ : ١٥٨ ، السرائر ١ : ٥١٩ ، الشرائع ١ : ٢٣٧ ، الإرشاد ١ : ٣٠٩ ، القواعد ١ : ٧٢ ، مجمع البيان ١ : ٢٩١ ، فقه القرآن : ٢٦٦ ، روض الجنان ( المشتهر بتفسير أبي الفتوح ) ٣ : ٩٠ ، الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ٢٢٤ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٣ ، الكافي : ١٩١ ، الوسيلة : ١٥٧ ، الجامع للشرائع : ١٧٧ ، إشارة والسبق : ١٢٤.

١٠٣

لم يكن حاضري المسجد الحرام ، ومقابل الحاضر هو المسافر ، وحدّ المسافر أربعة فراسخ (١).

وفيه نظر واضح ، سيّما بعد ما مرّ من النصّ الصحيح الواضح المؤيد بغيره.

وتوزيع الثمانية والأربعين ميلاً الواردة فيه على الأربع جوانب ، فيوافق هذا القول ، كما يظهر من الحلّي وغيره (٢) ، فمع شدة مخالفته الظاهر لا يلائم ما تضمّن منها عسفان ، فإنها من مكة على مرحلتين كما عن القاموس وفي غيره (٣).

فإذاً ما اختاره الماتن هنا أقوى.

وأما ما في الصحيح من التحديد بثمانية عشرة من كلّ جانب (٤) ، فشاذّ على الظاهر ، المصرح به في بعض العبائر (٥). وربما يحمل على التخيير (٦) ، وهو ضعيف.

( ولا يجوز لهؤلاء العدول عن التمتع إلى الإفراد والقران إلاّ مع الضرورة ) أمّا الأول فلما مرّ من أن فرضهم التمتع فلا يجزيهم غيره ؛ لإخلالهم بما فرض عليهم.

وأما الثاني فلما يأتي فيمن دخل مكة بمتعة وخشي ضيق الوقت ،

__________________

(١) كشف اللثام ١ : ٢٧٦.

(٢) الحلي في السرائر ١ : ٥١٩ ؛ وانظر المبسوط ١ : ٣٠٦.

(٣) القاموس ٣ : ١٨١ ؛ مجمع البحرين ٥ : ١٠٠.

(٤) الكافي ٤ : ٣٠٠ / ٣ ، الوسائل ١١ : ٢٦١ أبواب أقسام الحج ب ٦ ح ١٠.

(٥) مفاتيح الشرائع ١ : ٣٠٥.

(٦) المدارك ٧ : ١٦٢ ، الذخيرة : ٥٥١.

١٠٤

والحائض والنفساء لو منعهما عذرهما عن التحلل وإنشاء الإحرام بالحج ، من جواز نقلهم إلى الإفراد (١).

( وشروطه ) أي التمتع ( أربعة : النية ) بلا خلاف ولا إشكال إن أُريد به الخلوص والقربة كما في كل عبادة.

أو نية كل من العمرة والحج وكل من أفعالهما المتفرقة من الإحرام والطواف والسعي ونحوها ، كما يأتي تفصيلها في مواضعها إن شاء الله تعالى ، كما قيل (٢).

أو نية الإحرام خاصة ، كما في الدروس (٣) ، إلاّ أنه حينئذ كالمستغنى عنه ، فإنه من جملة الأفعال ، وكما يجب النية له كذا يجب لغيره.

ويشكل لو أُريد بها نية المجموع جملةً غير ما لكلّ ، كما استظهره في المسالك عن الأصحاب (٤) ؛ لعدم دليل على شرطيتها ووجوبها بهذا المعنى ، والأخبار خالية عن ذلك كلّه.

ويمكن أن يراد بها نية خصوص التمتع حين الإحرام. وفي وجوبها بين الأصحاب اختلاف ، فالشيخ في المبسوط على أنها أفضل ، وإن فاتت جاز تجديدها إلى وقت التحلّل (٥).

وفي المختلف : إنه مشكل ؛ لأن الواجب عليه تعيين أحد النسكين ، وإنما يتميّز عن الآخر بالنية ، وأجاب عن قضية إهلال علي ع بما أهلّ به‌

__________________

(١) انظر ص : ٢٧٧٧ ، ٢٧٨٠.

(٢) كشف اللثام ١ : ٢٧٩.

(٣) الدروس ١ : ٣٣٩.

(٤) المسالك ١ : ١٠٠.

(٥) المبسوط ١ : ٣٠٧.

١٠٥

النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالمنع عن كونه عليه‌السلام لم يعلم بإهلاله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١).

أقول : ومرجعه إلى أنه قضية في واقعة ، فلا عموم لها ، فإذاً الوجوب أقوى.

( ووقوعه في أشهر الحج ) بالكتاب والسنّة والإجماع ( وهي شوال وذو القعدة وذو الحجة ) وفاقاً للإسكافي والصدوق والشيخ في النهاية (٢) ، وعليه المتأخرون كافة ؛ لظاهر الكتاب (٣) ، بناءً على أن أقلّ الجمع ثلاثة ، والشهر حقيقة في المجموع والجملة ، والمعتبرة به مع ذلك مستفيضة ، ففي الصحيح : « إن الله تعالى يقول : ( الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ ) وهي شوال وذو الحجة وذو القعدة » (٤).

( وقيل ) هو الشهران الأولان ( وعشرة من ذي الحجة ) والقائل المرتضى والعماني والديلمي.

قيل لأن أفعال الحج تنتهي بانتهاء العاشر وإن رخّص في تأخير بعضها ؛ وخروج ما بعده من الرمي والمبيت عنها ، ولذا لا يفسد بالإخلال بها ؛ وللخبر عن أبي جعفر عليه‌السلام كما في التبيان وروض الجنان (٥) ، وظاهرهما اتفاقنا عليه (٦).

أقول : وروى الكليني عن علي بن إبراهيم بإسناده ، قال : « أشهر‌

__________________

(١) المختلف : ٢٦٤.

(٢) المختلف : ٢٦٤.

(٣) البقرة : ١٩٧.

(٤) التهذيب ٥ : ٤٤٥ / ١٥٥٠ ، الوسائل ١١ : ٢٧١ أبواب أقسام الحج ب ١١ ح ١.

(٥) التبيان ٢ : ١٦٢ ، روض الجنان ( المشتهر بتفسير أبي الفتوح ) ٣ : ١٠٦.

(٦) كشف اللثام ١ : ٢٧٩.

١٠٦

الحج شوّال وذو القعدة وعشرة من ذي الحجة » (١).

وفيه قطع ، وفي الأول إرسال ، وفي نقل الإجماع على تقدير وضوحه وهن ، وفي الجميع مع ذلك عن المقاومة لما مرّ قصور.

( وقيل : ) بدل العشرة ( تسعة ) والقائل الشيخ في الاقتصاد والجمل والعقود ، والقاضي في المهذّب فيما حكي (٢) ، قيل : لأن اختياري الوقوف بعرفات في التاسع (٣).

وهنا أقوال أُخر لا ثمرة بينها وبين غيرها يظهر بعد الاتفاق الظاهر ، المحكي في عبائر (٤) على أن الإحرام بالحج لا يتأتّى بعد عاشر ذي الحجة ، وكذا عمرة التمتع ، وعلى إجزاء الهدي وبدل طول ذي الحجة ، وأفعال أيام منى ولياليها ، فيكون النزاع لفظياً ، كما اعترف به جماعة من المتأخرين (٥) ، بل عامّتهم كما في ظاهر المسالك.

نعم فيه : وقد يظهر فائدة الخلاف فيما لو نذر الصدقة أو غيرها من العبادات في الأشهر المعلومات أو في أشهر الحج ، فإنّ جواز تأخيره إلى ما بعد التاسع يبنى على الخلاف (٦).

وإلى لظية النزاع يشير قول الماتن :

( وحاصل الخلاف ) ومحلّه الذي يجتمع عليه الأقوال أنّ ( إنشاء

__________________

(١) الكافي ٤ : ٢٩٠ / ٣ ، الوسائل ١١ : ٢٧٣ أبواب أقسام الحج ب ١١ ح ٦.

(٢) الاقتصاد : ٣٠٠ ، الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ٢٢٦ ، المهذب ١ : ٢١٣.

(٣) كشف اللثام ١ : ٢٧٩.

(٤) المنتهى ١ : ٦٦٥ ، المختلف : ٢٦٠ ، المدارك ٧ : ١٦٧ ، الحدائق ١٤ : ٣٥٤.

(٥) منهم : العلامة في المختلف : ٢٦٠ ، وابن فهد في المهذّب البارع ٢ : ١٤٨ ، والشهيد الثاني في الروضة ٢ : ٢٠٨ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٢٧٩.

(٦) المسالك ١ : ١٠٠.

١٠٧

الحج ) يجب أن يكون ( في الزمان الذي يعلم إدراك المناسك فيه ، وما زاد ) على ذلك الزمان ( يصح أن يقع فيه بعض أفعال الحج ، كالطواف والسعي والذبح ) والأمران مجمع عليهما كما مضى.

( وأن يأتي بالعمرة والحج في عام واحد ) بلا خلاف بين العلماء ، كما في المدارك (١) ، وفي غيره بالاخلاف (٢) ، وعن التذكرة الاتفاق عليه (٣).

وهو الحجة ، المعتضدة بالأخبار الدالّة على دخول العمرة في الحج إلى يوم القيامة (٤) ، والناصّة على ارتباط عمرة التمتع بحجّه وأنه لا يجوز له الخروج من مكة حتى يقضي حجه (٥).

وإنما جعلت معاضدة ، لا حجة مستقلة ، بناءً على عدم وضوح دلالتها على اعتبار كونهما في سنة كما هو المفروض في نحو العبارة ، فإنّ ما دلّت عليه إنما هو ارتباط أحدهما بالآخر ووجوب وقوعهما في أشهر الحج ، لكن كونها من سنة واحدة لم يظهر منها.

وعليه فيتوجه ما ذكره الشهيد رحمه‌الله من أنه لو بقي على إحرامه بالعمرة من غير إتمام الأفعال إلى القابل احتمل الإجزاء (٦).

اللهم إلاّ أن يقال : إن المتبادر منها اتحاد السنة ، سيّما مع ندرة بقاء إحرام العمرة إلى السنة المستقبلة.

ويمكن أن يقال : إنّ غاية التبادر تشخيص المورد ، لا اشتراطه ،

__________________

(١) المدارك ٧ : ١٦٨.

(٢) مفاتيح الشرائع ١ : ٣٠٦.

(٣) حكاه عنه في كشف اللثام ١ : ٢٨٠.

(٤) الوسائل ١١ : ٢٣٦ أبواب أقسام الحج ب ٢ ح ٣٣ ، والباب ٣ ح ٢ ، ١٢.

(٥) انظر الوسائل ١١ : ٣٠١ أبواب أقسام الحج ب ٢٢.

(٦) راجع الدروس ١ : ٣٣٩.

١٠٨

بحيث يستفاد منه نفي الحكم عمّا عداه ، كما هو المطلوب.

وبالجملة : فإثبات الاشتراط بالروايات مشكل ، فما ذكره من الإجزاء محتمل ، إلاّ أن يدفع بقاعدة توقيفية العبادة ، وتوقف صحتها على دلالة ، وهي في المقام مفقودة ؛ لأنّ غاية الأدلة الإطلاق ، وفي انصرافه إلى محل الفرض لما عرفت إشكال ، فتأمل.

وكيف كان ، فلا ريب في أن الإتيان بهما في سنة واحدة أحوط.

( وأن يُحرم بالحج له ) أي للتمتع ( من ) بطن ( مكة ) شرّفها الله سبحانه ، بإجماع العلماء كافة ، كما في المدارك وغيره (١) ، ونقل الإجماع المطلق مستفيض في عبائر جمع (٢) ، وسيأتي من النصوص ما يدلّ عليه.

والمراد بمكة كما صرّح به جماعة (٣) ما دخل في شي‌ء من بنائها ، وأقلّه سورها ، فيجوز الإحرام من داخله مطلقاً.

( و ) لكن ( أفضلها المسجد ) اتفاقاً كما في المدارك وغيره (٤) ؛ لكونه أشرف أماكنها ، ولاستحباب الإحرام عقيب الصلاة ، وهي في المسجد أفضل.

( وأفضله مقام إبراهيم عليه‌السلام ) كما عن النهاية والمبسوط والمصباح ومختصره والمهذّب والسرائر والشرائع (٥) ؛ للخبر : « إذا كان يوم التروية‌

__________________

(١) المدارك ٧ : ١٦٩ ؛ الحدائق ١٤ : ٣٥٩.

(٢) مفاتيح الشرائع ١ : ٣٠٦ ، كشف اللثام ١ : ٢٨٠.

(٣) منهم : الشهيد الثاني في المسالك ١ : ١٠٠ ، والروضة ٢ : ٢٠٨ ، صاحب المدارك ٧ : ١٦٩.

(٤) المدارك ٧ : ١٦٩ ؛ وانظر الحدائق ١٤ : ٣٥٩.

(٥) النهاية : ٢٤٨ ، المبسوط ١ : ٣٦٤ ، مصباح المتهجد : ٦٢٧ ، المهذّب ١ : ٢٤٤ ، السرائر ١ : ٥٨٣ ، الشرائع ١ : ٢٣٧.

١٠٩

فاصنع كما صنعت بالشجرة ، ثم صلّ ركعتين خلف المقام ، ثم أهلّ بالحج ، فإن كنت ماشياً فلبّ عند المقام ، وإن كنت راكباً فإذا نهض بعيرك » (١).

وقول الماتن هنا : ( أو تحت الميزاب ) يفيد التخيير بينهما ، كما عن الكافي والغنية والجامع والتحرير والمنتهى والتذكرة والدروس (٢).

وعن الهداية والمقنع والفقيه (٣) : التخيير بين المقام والحِجر ، كما في الصحيح : « إذا كان يوم التروية إن شاء الله تعالى فاغتسل ، ثم البس ثوبيك وادخل المسجد حافياً وعليك بالسكينة والوقار ، ثم صلِّ ركعتين عند مقام إبراهيم أو في الحِجر ، ثم اقعد حتى تزول الشمس فصلِّ المكتوبة ، ثم قل في دبر صلاتك كما قلت حين إحرامك من الشجرة ، وأحرم بالحج » (٤).

ولا يتعيّن شي‌ء من ذلك اتفاقاً ، كما عن التذكرة في المسجد (٥) ، وفي غيرها في غيره (٦) ؛ وللنصوص ، منها الصحيح : من أين أُهلّ بالحج؟ فقال : « إن شئت من رحلك ، وإن شئت من الكعبة ، وإن شئت من الطريق » (٧) وفي بعض الألفاظ مكان من الكعبة : من المسجد (٨).

__________________

(١) التهذيب ٥ : ١٦٩ / ٥٦١ ، الإستبصار ٢ : ٢٥٢ / ٨٨٦ ، الوسائل ١٢ : ٣٩٧ أبواب الإحرام ب ٤٦ ح ٢.

(٢) الكافي : ٢١٢ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٩ ، الجامع للشرائع : ٢٠٤ ، التحرير ١ : ٩٤ و١٠١ ، المنتهى ٢ : ٦٦٨ ، التذكرة ١ : ٣٧٠ ، الدروس ١ : ٣٤١.

(٣) الهداية : ٦٠ ، المقنع : ٨٥ ، الفقيه ٢ : ٢٠٧. حكاه عنهم في كشف اللثام ١ : ٢٨٠.

(٤) الكافي ٤ : ٤٥٤ / ١ ، التهذيب ٥ : ١٦٧ / ٥٥٧ ، الوسائل ١٢ : ٤٠٨ أبواب الإحرام ب ٥٢ ح ١.

(٥) التذكرة ١ : ٣٧٠.

(٦) انظر المنتهى ٢ : ٧١٤ ، والتحرير ١ : ١٠١ ، وكشف اللثام ١ : ٢٨٠.

(٧) الكافي ٤ : ٤٥٥ / ٤ ، الوسائل ١١ : ٣٣٩ أبواب المواقيت ب ٢١ ح ٢.

(٨) التهذيب ٥ : ٤٧٧ / ١٦٨٤.

١١٠

ومنها الموثق : من أيّ المسجد أُحرم يوم التروية؟ فقال : « من أيّ المسجد شئت » (١).

( ولو أحرم بحج التمتع ) اختياراً ( من غير مكة لم يجزئه ويستأنفه بها ) لتوقف الواجب عليه ، ولا يكفي دخولها محرماً ، بل لا بدّ من الاستئناف منها ، على المعروف من مذهب الأصحاب ، كما في المدارك والذخيرة غيرهما ، وفيهما أسنده الفاضل في التذكرة والمنتهى إلى علمائنا (٢) ، مؤذناً بدعوى الإجماع وعليه.

وعبارة الشرائع تشعر بوجود الخلاف (٣) ، ولعلّه من الجمهور كما قيل (٤) ، وعلى تقدير كونه منّا فهو ضعيف.

( ولو نسي ) الإحرام منها ( وتعذّر العود ) ولو بضيق الوقت ( أحرم من موضعه ولو ) كان ( بعرفة ) على ما صرّح به جماعة (٥) ؛ للصحيح : عن رجل نسي الإحرام بالحج فذكره وهو بعرفات ما حاله؟

قال ، يقول : « اللهم على كتابك وسنّة نبيك فقد تمّ إحرامه » (٦).

ومورده النسيان خاصّة كما في العبارة ، وألحق به جماعة الجهل (٧) ،

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٥٥ / ٤ ، التهذيب ٥ : ١٦٦ / ٥٥٦ ، الوسائل ١١ : ٣٤٠ أبواب المواقيت ب ٢١ ح ٣.

(٢) المدارك ٧ : ١٧١ ، الذخيرة : ٥٧٢ ؛ وانظر الحدائق ١٤ : ٣٦٠ ، والتذكرة ١ : ٣٢٠ ، والمنتهى ٢ : ٦٦٧.

(٣) الشرائع ١ : ٢٣٧.

(٤) قال به الشهيد الثاني في المسالك ١ : ١٠٠.

(٥) الشرائع ١ : ٢٣٧ ، المسالك ١ : ١٠١ ، كشف اللثام ١ : ٢٨٠ ، الحدائق ١٤ : ٣٦٠.

(٦) التهذيب ٥ : ١٧٥ / ٥٨٦ ، الوسائل ١١ : ٣٠ أبواب المواقيت ب ١٤ ح ٨.

(٧) المدارك ٧ : ١٧٢ ، المفاتيح ١ : ٣٠٦ ، كشف اللثام ١ : ٢٨٠ ، الحدائق ١٤ : ٣٦١.

١١١

ولعلّه لما قيل من تظافر الأخبار بكونه عذراً (١).

ولا فرق في ذلك بين ما لو ترك الإحرام من أصله أو تركه من مكة مع إتيانه به من غيرها.

خلافاً للشيخ فاجتزأ بالإحرام من غيرها مع تعذر العود إليها في المبسوط والخلاف (٢) ، وتبعه بعض متأخري الأصحاب ، قال : للأصل ، ومساواة ما فعله لما يستأنفه في الكون من غير مكة ، وفي العذر ، لأن النسيان عذر ، قال : وهو خيرة التذكرة (٣).

وفيهما ما ترى ؛ فإن الأصل معارض بالقاعدة الموجبة للاستئناف ، تحصيلاً للبراءة اليقينية. وتاليه قياس ؛ لأن المصحِّح للإحرام المستأنف إنما هو الإجماع على الصحة معه ، وليس النسيان مصححاً له حتى يتعدّى به إلى غيره ، وإنما هو مع العذر عذر في عدم وجوب العود ، وهو لا يوجب الاجتزاء بالإحرام معه حيثما وقع ، بل يجب الرجوع فيه إلى الدليل ، وليس هنا سوى الاتفاق ، ولم ينعقد إلاّ على الإحرام المستأنف ، وأما السابق فلا دليل عليه ، فتأمل جدّاً.

( ولو دخل مكة بمتعة وخشي ضيق الوقت ) عن إدراك الوقوفين ( جاز نقلها إلى الإفراد ويعتمر عمرة مفردة بعده ) بلا خلاف فيه على الظاهر ، المصرَّح به في بعض العبائر (٤) ، وعن المعتبر الاتفاق عليه (٥) ، وهو الحجة.

مضافاً إلى النصوص المستفيضة ، ولكنها اختلفت في حدّ الضيق ،

__________________

(١) كشف اللثام ١ : ٢٨٠.

(٢) المبسوط ١ : ٣٠٩ ، الخلاف ٢ : ٢٦٥.

(٣) قال به الفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٢٨٠.

(٤) كالمدارك ٧ : ١٧٦ ، والحدائق ١٤ : ٣٢٨.

(٥) انظر المعتبر ٢ : ٧٨٣ و٨٠٨.

١١٢

ولأجله اختلف أقوال الطائفة.

فبين محدّدٍ له بزوال الشمس يوم التروية قبل الإحلال من العمرة ، كالمفيد في نقلٍ (١) ؛ وله الصحيح (٢).

ومحدّدٍ له بغروبها يوم التروية ، كالصدوق في المقنع والمفيد في المقنعة (٣) ، وبه أخبار كثيرة تضمّنت الصحيح وغيره (٤).

ومحدّدٍ له بزوالها من يوم عرفة ، كالشيخ والقاضي وابن حمزة في المبسوط والنهاية والمهذّب والوسيلة (٥) ؛ ولهم الصحيح (٦) ، وعلّله الشيخ في كتابي الأخبار بأنه لا يدرك الموقفين بعده (٧) ، كما في المعتبرة التي تضمّنت الصحيح وغيره (٨).

ومحدّدٍ له بخوف فوت الوقوف مطلقاً من غير تحديد له بزمان ، حتى لو لم يخف منه لم يجز العدول ولو كان بعد زوال الشمس من يوم عرفة ، كما عن الحلبيين وابني إدريس وسعيد وعليه الفاضل (٩).

__________________

(١) حكاه عنه في السرائر ١ : ٥٨٢.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٩١ / ١٣٦٦ ، الإستبصار ٢ : ٣١١ / ١١٠٧ ، الوسائل ١١ : ٢٩٩ أبواب أقسام الحج ب ٢١ ح ١٤.

(٣) المقنع : ٨٥ ، المقنعة : ٤٣١.

(٤) الوسائل ١١ : ٢٩١ أبواب أقسام الحج ب ٢٠.

(٥) المبسوط ١ : ٣٦٤ ، النهاية : ٢٤٧ ، المهذب ١ : ٢٤٣ ، الوسيلة : ١٧٦.

(٦) التهذيب ٥ : ١٧١ / ٥٦٩ ، الإستبصار ٢ : ٢٤٧ / ٨٦٤ ، الوسائل ١١ : ٢٩٥ أبواب أقسام الحج ب ٢٠ ح ١٥.

(٧) التهذيب ٥ : ١٧٠ ١٧٤ ، الاستبصار ٢ : ٢٥٠.

(٨) الوسائل ١١ : ٢٩٧ أبواب أقسام الحج ب ٢١ ح ٦ ، ٧.

(٩) أبو الصلاح في الكافي : ١٩٤ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٧ ، ابن إدريس في السرائر ١ : ٥٨١ ، ابن سعيد في الجامع للشرائع : ٢٠٤ ، الفاضل في المختلف : ٢٩٥.

١١٣

ولعلّه الأقوى ؛ للأصل ، وصدق الامتثال ، وخصوص النصوص ، منها : « لا بأس للمتمتع إن لم يحرم ليلة التروية متى ما تيسّر له ما لم يخف فوت الموقفين » (١).

والنصوص المحدّدة مع تعارض بعضها مع بعض يمكن تنزيلها على اختلاف إمكان وصول الحاج إلى عرفات يومئذ ، كما صرّح به بعض المحدّثين من المتأخرين (٢).

وظنّي أن هذا أولى من التنزيل الذي ارتكبه الشيخ في التهذيب (٣) وإن تلقّاه جملة من المتأخرين بالقبول (٤) ، لتضمنه بعض القيود التي لا يفهم منها طرّاً.

ويُحكى عن الخال العلاّمة المجلسي طاب ثراه على الظاهر حمل أكثرها على الاتقاء ، وذلك لأن في التخلف عن المضي مع الناس إلى عرفات مظنة الاطّلاع عليه بحج التمتع الذي ينكره الجمهور ، حتى إن التقية إذا رفعت من الناس كان مناط الفوات هو فوات الموقفين (٥). انتهى. وهو جيّد.

ثم على المختار هل العبرة بخوف فوت اضطراري عرفة ، كما عن ظاهر الحلّي ومحتمل الحلبي (٦) ، أو اختياريها ، كما عن الغنية والمختلف‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٤٤ / ٤ ، التهذيب ٥ : ١٧١ / ٥٦٨ ، الإستبصار ٢ : ٢٤٧ / ٨٦٣ ، الوسائل ١١ : ٢٩٢ أبواب أقسام الحج ب ٢٠ ح ٥.

(٢) انظر الحدائق ١٤ : ٣٣٩.

(٣) التهذيب ٥ : ١٧٠.

(٤) المدارك ٧ : ١٧٨ ، مفاتيح الشرائع ١ : ٣٠٨ ، منتقى الجمان ٣ : ٣٣٨.

(٥) لم نعثر عليه.

(٦) الحلي في السرائر ١ : ٥٨٢ ، الحلبي في الكافي في الفقه : ١٩٤.

١١٤

والدروس (١)؟

وجهان ، أجودهما الثاني ؛ للصحيح : عن الرجل يكون في يوم عرفة بينه وبين مكة ثلاثة أميال وهو متمتع بالعمرة إلى الحج ، فقال : « يقطع التلبية ، ويُهلّ بالحج بالتلبية إذا صلّى الفجر ، ويمضي إلى عرفات فيقف مع الناس ، ويقضي جميع المناسك ، ويقيم بمكة حتى يعتمر عمرة المحرم ، ولا شي‌ء عليه » (٢).

وقريب منه جملة من المعتبرة ، منها الصحيح : « المتمتع يطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة ما أدرك الناس بمنى » (٣). ونحوه آخر (٤) ، والمرسل كالموثق (٥).

بناءً على أن ظاهرها إدراكهم بمنى قبل المضي إلى عرفات ، فتدبر.

واحتمال أن يكون المراد إدراكهم بمنى يوم العيد ، بأن يدرك اضطراري المشعر مع بُعده مخالف للإجماع على الظاهر ، المصرَّح به في بعض العبائر (٦) ، إلاّ أن يحمل على إدراك الاضطراريين ، لكنه بعيد لا يظهر من الأخبار.

__________________

(١) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٧ ، المختلف : ٢٩٤ ، الدروس ١ : ٣٣٥.

(٢) التهذيب ٥ : ١٧٤ / ٥٨٥ ، الإستبصار ٢ : ٢٥٠ / ٨٨٠ ، الوسائل ١١ : ٢٩٨ أبواب أقسام الحج ب ٢١ ح ٧.

(٣) التهذيب ٥ : ١٧٠ / ٥٦٥ ، الإستبصار ٢ : ٢٤٦ / ٨٦٠ ، الوسائل ١١ : ٢٩٤ أبواب أقسام الحج ب ٢٠ ح ١٤.

(٤) التهذيب ٥ : ١٧١ / ٥٦٧ ، الإستبصار ٢ : ٢٤٦ / ٨٦٢ ، الوسائل ١١ : ٢٩٤ أبواب أقسام الحج ب ٢٠ ح ١٤.

(٥) الكافي ٤ : ٤٤٣ / ٣ ، التهذيب ٥ : ١٧٠ / ٥٦٦ ، الإستبصار ٢ : ٢٤٦ / ٨٦١ ، الوسائل ١١ : ٢٩٣ أبواب أقسام الحج ب ٢٠ ح ٦.

(٦) ملاذ الأخيار ٧ : ٥٠٩.

١١٥

( وكذا الحائض والنفساء لو منعهما عذرهما عن التحلّل وإنشاء الإحرام بالحج ) لضيق الوقت عن التربّص إلى الطهر تعدلان إلى الإفراد على المشهور ، كما في عبائر جماعة حدّ الاستفاضة (١) ، بل في ظاهر المدارك وغيره الاتفاق على جوازه (٢) ، وفيهما وفي غيرهما الإجماع عليه عن المعتبر والتذكرة والمنتهى (٣) ، وبه صرّح في الخلاف (٤) ؛ وهو الحجة.

مضافاً إلى المعتبرة ، منها الصحيح : عن المرأة تدخل متمتعة فتحيض قبل أن تحلّ ، متى تذهب متعتها؟ فقال : « كان أبو جعفر ع يقول : زوال الشمس من يوم التروية ، وكان موسى عليه‌السلام يقول : صلاة الصبح من يوم التروية » فقلت : جعلت فداك عامة مواليك يدخلون يوم التروية ويطوفون ويسعون ثم يحرمون بالحج ، فقال : « زوال الشمس » فذكرت له رواية عجلان أبي صالح ، فقال : « لا ، إذا زالت الشمس ذهبت المتعة » فقلت : هي على إحرامها أو تجدد إحراماً للحج؟ فقال : « لا هي على إحرامها » فقلت : فعليها هدي؟ فقال : « لا ، إلاّ أن تحبّ أن تطوّع » ثم قال : « أمّا نحن فإذا رأينا هلال ذي الحجة قبل أن نحرم فاتتنا المتعة » (٥) وقريب منه آخر (٦) ، والموثق (٧).

__________________

(١) منهم : الشهيد الثاني في الروضة : ٢٠٩ ، والسبزواري في الذخيرة : ٥٥٣ ، وصاحب الحدائق ١٤ : ٣٤٠.

(٢) المدارك ٧ : ١٨١ ؛ وانظر مفاتيح الشرائع ١ : ٣٠٨.

(٣) المعتبر ٢ : ٧٨٩ ، التذكرة ١ : ٣٩٩ ، المنتهى ٢ : ٦٨٥.

(٤) الخلاف ٢ : ٢٦١.

(٥) التهذيب ٥ : ٣٩١ / ١٣٦٦ ، الإستبصار ٢ : ٣١١ / ١١٠٧ ، الوسائل ١١ : ٢٩٩ أبواب أقسام الحج ب ٢١ ح ١٤.

(٦) الفقيه ٢ : ٢٤٠ / ١١٤٦ ، التهذيب ٥ : ٣٩٠ / ١٣٦٣ ، الوسائل ١١ : ٢٩٦ أبواب أقسام الحج ب ٢١ ح ٢.

(٧) الفقيه ٢ : ٢٤٠ / ١١٤٧ ، التهذيب ٥ : ٣٩٠ / ١٣٦٥ ، الإستبصار ٢ : ٣١٠ / ١١٠٦ ، الوسائل ١١ : ٢٩٩ أبواب أقسام الحج ب ٢١ ح ١٣.

١١٦

قال في المنتهى بعد نقل الخبر : وهذا الحديث كما يدل على سقوط وجوب الدم يدل على الاجتزاء بالإحرام الأول. وأمّا اختلاف الإمامين عليهما‌السلام في فوات المتعة فالضابط فيه ما تقدّم من أنه إذا أدرك أحد الموقفين صحّت متعتها إذا كانت قد طافت وسعت ، وإلاّ فلا (١). انتهى. وهو جيّد.

لكن في الموثق بعد حكمه عليه‌السلام بصيرورة حجها مفردة : قلت : عليها شي‌ء؟ قال : « دم تهريقه وهي أُضحيّتها ».

وحملها الشيخ على الاستحباب ، قال : لأنه إذا فاتتها المتعة صارت حجتها مفردة ، وليس على المفرد هدي على ما بيّنّاه ، ثم قال : ويدلّ عليه ما رواه ، وساق الصحيح المتقدم (٢).

وهو حسن ، ويعضده نفس الموثق من حيث العدول فيه عن التعبير بالهدي إلى الأُضحيّة ؛ فإنّ فيه إشعاراً بذلك.

خلافاً للمحكي عن الحلبيّين وجماعة (٣) ، فقالوا : بل تكملها بلا طواف وتحرم بالحج ثم تقضى طواف العمره مع طواف الحج للأخبار المستفيضة. وهي في ضعف السند مشتركة ، عدا رواية منها ، فإنها بطريق صحيح على الظاهر في الكافي مروية ، وفيها : « المرأة المتمتّعة إذا قدمت مكة ثم حاضت تقيم ما بينها وبين التروية ، فإن طهرت طافت بالبيت وسعت بين الصفا والمروة ، وإن لم تطهر إلى يوم التروية اغتسلت واحتشت ثم سعت بين الصفا والمروة ثم خرجت إلى منى ، فإذا قضت المناسك وزارت البيت طافت بالبيت طوافاً لعمرتها ثم طافت طوافاً للحج ، ثم خرجت فسعت ، فإذا فعلت ذلك فقد أحلّت من كل شي‌ء يحلّ منه‌

__________________

(١) المنتهي ٢ : ٨٥٦.

(٢) الاستبصار ٢ : ٣١٠.

(٣) أبو الصلاح في الكافي : ٢١٨ ، وابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٢ ، وحكاه عن ابن جنيد وابن بابويه في الدروس ١ : ٤٠٦.

١١٧

المحرم ، إلاّ فراش زوجها ، فإذا طافت طوافاً آخر حلّ لها فراش زوجها » (١).

وعن الغنية : الإجماع عليه.

وهذه الأدلة معارضة بأقوى منها سنداً واشتهاراً ، فلتحمل على ما إذا طافت أربعة أشواط قبل الحيض جمعاً. وهو أولى من الجمع بين الأخبار بالتخيير ؛ لفقد التكافؤ المشترط فيه ، مع ندرة القائل به ، إذ لم يُحكَ إلاّ عن الإسكافي (٢).

ثم على تقدير صحته فلا ريب أن العدول أولى ؛ لاتفاق الأخبار على جوازه على هذا التقدير ، هذا.

وفي رواية : « إنها إذا أحرمت وهي طاهرة ثم حاضت قبل أن تقضي متعتها سعت ولم تطف حتى تطهر ، ثم تقضي طوافها وقد قضت عمرتها ، وإن هي أحرمت وهي حائض لم تسع ولم تطف حتى تطهر » (٣).

قيل : وهو جمع آخر بين الأخبار حسن (٤).

وفيه نظر ؛ فإنّ الصحيح المتقدم ظاهر بل صريح في إحرامها طاهرة ومع ذلك حكم لها بالعدول ، خلافاً لما في هذه الرواية ، ومع ذلك فهي ضعيفة شاذة ، لا عامل بها.

وحملها الشيخ على ما حملنا عليه الأخبار السابقة من طمثها بعد طوافها أربعة أشواط طاهرة وفاقاً له ، بل استشهد بها عليه في تلك ، فقال بعد الحمل : ويدلُّ عليه ما رواه ، ثم ساق الرواية.

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٤٥ / ١ ، الوسائل ١٣ : ٤٤٨ أبواب الطواف ب ٨٤ ح ١.

(٢) حكاه عنه في المختلف : ٣١٦.

(٣) الكافي ٤ : ٤٤٧ / ٥ ، التهذيب ٥ : ٣٩٤ / ١٣٧٥ ، الإستبصار ٢ : ٣١٥ / ١١١٦ ، الوسائل ١٣ : ٤٥٠ أبواب الطواف ب ٨٤ ح ٥.

(٤) المفاتيح ١ : ٣٠٨.

١١٨

وقال بعدها : فبيّن عليه‌السلام في هذا الخبر صحة ما ذكرنا ؛ لأنه قال : « إن هي أحرمت وهي طاهرة » إلى أن قال : فلولا أن المراد به ما ذكرنا لم يكن بين الحالين فرق ، وإنما كان الفرق لأنها إذا أحرمت وهي طاهرة جاز أن يكون حيضها بعد الفراغ من الطواف أو بعد مضيها في النصف منه ، فحينئذ جاز لها تقديم السعي وقضاء ما بقي عليها من الطواف ، فإذا أحرمت وهي حائض لم يكن لها سبيل إلى شي‌ء من الطواف فامتنع لأجل ذلك السعي ، وهذا بيّن (١).

وحكي في المسألة قول بأنها تستنيب من يطوف عنها (٢). ولم أعرف قائله ولا مستنده ، فهو ضعيف غايته.

ولو تجدّد عذرهما في الأثناء ففي صحة متعتهما مطلقاً ، أو العدم كذلك ، أو الأول إذا كان بعد أربعة أشواط وإلاّ فالثاني ، أقوال ، ثالثها أشهرها كما في عبائر جماعة (٣). ولا يخلو عن قوة ؛ لصريح الخبرين (٤) وطاهر الآخرين (٥) والرضوي (٦).

خلافاً للحلّي فالثاني (٧) ، وتبعه بعض المتأخرين (٨) ؛ للأصل ،

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٩٥ ، الاستبصار ٢ : ٣١٥.

(٢) حكاه في كشف اللثام ١ : ٢٧٩.

(٣) انظر المدارك ٧ : ١٨١ ، والمفاتيح ١ : ٣٠٨ ، والحدائق ١٤ : ٣٤٧.

(٤) الفقيه ٢ : ٢٤١ / ١١٥٥ ، التهذيب ٥ : ٣٩٣ / ١٣٧١ ، الإستبصار ٢ : ٣١٣ / ١١١١ ، الوسائل ٣ : ٤٥٦ و٤٥٦ أبواب الطواف ب ٨٥ ، ٨٦ ح ٤ ، ١.

(٥) الكافي ٤ : ٤٤٩ / ٤ ، التهذيب ٥ : ٣٩٣ / ١٣٧٠ ، الإستبصار ٢ : ٣١٣ / ١١١١ ، الوسائل ١٣ : ٤٥٦ أبواب الطواف ب ٨٦ ح ٢.

(٦) فقه الرضا (٧) : ٢٣٠ ، المستدرك ٩ : ٤٢٣ أبواب الطواف ب ٥٨ ح ١.

(٧) السرائر ١ : ٦٢٣.

(٨) كصاحب المدارك ٧ : ١٨٢.

١١٩

والصحيح الماضي ، مع ضعف النصوص المقيدة لهما.

وفيه : أنه مجبور بالشهرة والكثرة.

وللصدوق في الفقيه فالأول (١) ؛ للصحيح : عن امرأة طافت ثلاثة أشواط أو أقلّ من ذلك ثم رأت دماً ، قال : « تحفظ مكانها فإذا طهرت طافت نقيّة واعتدّت بما مضى » (٢).

وليس نصّاً في الفريضة ، فليحمل على النافلة ، كما فعله شيخ الطائفة جمعاً بين الأدلة (٣).‌

( و ) النوع الثاني ( الإفراد )

( وهو أن يحرم بالحج أولا ) قبل العمرة ( من ميقاته ) الآتي بيانه ، ثم يمضي إلى عرفات فيقف بها ، ثم يمضي إلى المشعر فيقف بها ( ثم ) يأتي منى ف ( يقضي مناسكه ) ثم يطوف بالبيت ويصلّي ركعتيه ( وعليه عمرة مفردة ) إن وجبت عليه ( بعد ذلك ) أي بعد الحج والإحلال منه.

بلا خلاف في شي‌ء من هذه الأحكام ، بل في المنتهى : إنما مذهب الإمامية (٤) ، وفي غيره الإجماع على وجوب تأخير العمرة (٥) ؛ ويدلُّ على جملة منها أخبار صحيحة سيأتي إلى بعضها الإشارة.

( وهذا القسم ) يعني الإفراد ( والقِران فرض حاضري مكة ) ومَن في حكمهم إجماعاً ؛ لما مضى.

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٢٤١.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٤١ / ١١٥٣ ، التهذيب ٥ : ٣٩٧ / ١٣٨٠ ، الإستبصار ٢ : ٣١٧ / ١١٢١ ، الوسائل ١٣ : ٤٥٤ أبواب الطواف ب ٨٥ ح ٣.

(٣) الاستبصار ٢ : ٣١٧.

(٤) المنتهى ٢ : ٦٦١.

(٥) انظر مفاتيح الشرائع ١ : ٣٠٦.

١٢٠