رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٦

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٦

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-108-7
الصفحات: ٥١٢

( والجمع بينهما ) أي بين صلاتي المغرب والعشاء ( بأذان واحد وإقامتين ) بإجماعنا ، كما هو ظاهر التذكرة والخلاف (١) ، وفي المنتهى وغيرها (٢) ؛ للصحاح وغيرها (٣).

( و ) على هذا فيستحب ( تأخير نوافل المغرب ) عن وقتها ( حتى يصلي العشاء ) فيصليها قضاءً ، فإنه مع تقديمها ينتفي الجمع المستحب ؛ هذا مضافاً إلى بعض المعتبرة : عن الركعات التي بعد المغرب ليلة المزدلفة ، فقال : « صلّها بعد العشاء الآخرة أربع ركعات » (٤) ونحوه آخر بمعناه (٥).

__________________

(١) التذكرة ١ : ٣٧٤ ، الخلاف ٢ : ٣٣٩.

(٢) المنتهى ٢ : ٧٢٣ ؛ وانظر المدارك ٧ : ٤٢٠ ، وكشف اللثام ١ : ٣٥٧.

(٣) الوسائل ١٤ : ١٤ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٦.

(٤) الكافي ٤ : ٤٦٩ / ٢ ، الوسائل ١٤ : ١٤ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٦ ح ٢.

(٥) التهذيب ٥ : ١٩٠ / ٦٣١ ، الإستبصار ٢ : ٢٥٥ / ٩٠٠ ، الوسائل ١٤ : ١٥ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٦ ح ٤.

٣٦١

( وفي الكيفية واجبات ومندوبات ) ‌

( فالواجبات : النية ) كما مرّ في عرفة وكلّ عبادة ، ولينوي أن وقوفه لحجة الإسلام أو غيرها كما عن التذكرة (١).

وهل تجب مقارنتها اختياراً لطلوع الفجر ، واستدامة حكمها إلى طلوع الشمس ، أم يجوز إيقاعها في أيّ جزء من هذا الزمان أُريد ، وقطعها متى أُريد؟ وجهان مبنيان على وجوب استيعاب هذا الزمان اختياراً بالوقوف وعدمه.

قيل : والوجه العدم كما في السرائر ؛ للأصل من غير معارض ، بل استحباب تأخيره من الصلاة كما سيأتي ، وسيأتي استحباب الإفاضة قبل طلوع الشمس ، وجواز وادي محسِّر قبله ، وظاهر الفخرية والدروس الأول ، وتبعهما عليه جماعة ، وليس بجيّد (٢). انتهى.

وإلى ما استوجهه يميل في الذخيرة (٣) ، لكن احتاط بما ذكره الجماعة ، وهو حسن.

وعليه فيكون حال الوقوف هنا كما مرّ في عرفة من أن الواجب فيه المسمّى.

ثم إن كان الوقوف ليلاً فهل يجب استئناف النية بعد الفجر؟ وجهان ، قيل : مبنيّان على كون الوقوف بالليل اختيارياً وعدمه (٤). وفي الدروس إن‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٣٧٤.

(٢) كشف اللثام ١ : ٣٥٥.

(٣) الذخيرة : ٦٥٦.

(٤) كشف اللثام ١ : ٣٥٦.

٣٦٢

الأولى الاستئناف (١) ، وكذا في الروضة (٢).

( والوقوف به ) أي بالمشعر.

( وحدّه ما بين المَأزمين إلى الحياض إلى وادي محسِّر ) بغير خلاف ظاهر ، مصرِّح به في الذخيرة (٣) ، وفي غيرها الإجماع (٤) ، بل في المنتهى : لا نعلم فيه خلافا (٥) ؛ للصحيح (٦) والمرسل (٧) ، ويوافقهما معتبرة أُخر (٨).

وفي الصحيح : « حدّها » يعني المزدلفة « ما بين المأزمين إلى الجبل إلى حياض محسِّر » (٩).

قيل : وكان الجبل من الحدود الداخلة ، والمأزمان بكسر الزاي والهمزة ، ويجوز التخفيف بالقلب ألفاً : الجبلان بين عرفات والمشعر ، والمأزم في الأصل : المضيّق بين الجبلين (١٠).

وعليه فلو وقف بغير المشعر اختياراً أو اضطراراً لم يجز ( و ) لكن ( يجوز الارتفاع إلى الجبل مع الزحام ) بلا خلاف على الظاهر ، المصرَّح به في جملة من العبائر ، وفي الغنية وغيرها (١١) الإجماع ؛ للموثق : فإذا‌

__________________

(١) الدروس ١ : ٤٢٣.

(٢) الروضة ٢ : ٢٧٥.

(٣) الذخيرة : ٦٥٧.

(٤) انظر التذكرة ١ : ٣٧٥ ، والمدارك ٧ : ٤٢١.

(٥) المنتهى ٢ : ٧٢٦.

(٦) التهذيب ٥ : ١٩٠ / ٦٣٣ ، الوسائل ١٤ : ١٧ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٨ ح ١.

(٧) الفقيه ٢ : ٢٨٠ / ١٣٧٦ ، الوسائل ١٤ : ١٨ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٨ ح ٦.

(٨) الوسائل ١٤ : ١٨ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٨ ح ٣ ، ٤ ، ٥.

(٩) التهذيب ٥ : ١٩٠ / ٦٣٤ ، الوسائل ١٤ : ١٧ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٨ ح ٢.

(١٠) كشف اللثام ١ : ٣٥٥.

(١١) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٠ ؛ وانظر مفاتيح الشرائع ١ : ٣٤٧.

٣٦٣

كثروا بجمع وضاقت عليهم كيف يصنعون؟ قال : « يرتفعون إلى المأزمين » قلت : فإذا كانوا بالموقف وكثروا وضاق عليهم كيف يصنعون؟ فقال : « يرتفعون إلى الجبل » الخبر (١).

ولعلّ السياق مضافاً إلى فهم الأصحاب قرينة على كون « إلى » هنا بمعنى « على » فيكون استثناءً للمأزمين والجبل ، وإرشاداً إلى دخولهما فيما يوقف عليه ولكن ضرورة.

( ويكره لا معه ) كما هنا وفي ظاهر المختلف وصريح الدروس وغيره (٢) ، بل عزي إلى المشهور (٣) ، مع أن ظاهر الأكثر عدم الجواز كما في صريح الغنية وعن القاضي (٤) ، ولعلّه للصحيحة المتقدمة ، حيث جعل فيها الجبل من حدود المشعر الخارجة عن المحدود ، خرج حال الضرورة وبقي حال الاختيار ، فتأمل.

ولا ريب أن عدم الجواز إلاّ مع الضرورة أحوط ، سيّما وفي الغنية الإجماع عليه.

( ووقت الوقوف ) بالمشعر للمختار واحد ، وهو على المشهور ( ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ) من يوم النحر.

( وللمضطر ) اثنان ، أحدهما على الأشهر من طلوع الشمس ( إلى الزوال ) والثاني من أول ليلة النحر إلى الفجر ، وقد يعبّر عنهما بواحد فيقال : من أول ليلة النحر إلى الزوال كما عن المنتهى (٥).

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٧١ / ٧ ، التهذيب ٥ : ١٨٠ / ٦٠٤ ، الوسائل ١٤ : ١٩ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٩ ح ١ ، ٢.

(٢) المختلف : ٢٩٨ ، الدروس ١ : ٤٢٣ ؛ وانظر المدارك ٧ : ٤٢٢.

(٣) انظر المسالك ١ : ١١٣.

(٤) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٠ ، القاضي في المهذب ١ : ٢٥٤.

(٥) المنتهى ٢ : ٧٢٨.

٣٦٤

ويقابل الأشهر في الأول ما قيل من أنه من أول ليلة النحر إلى طلوع الشمس ، إلاّ أن على مقدِّمه على الفجر دم شاة.

وفي الثاني ما عن السيّد من امتداد الاضطراري إلى غروب الشمس يوم النحر (١).

وهذان القولان نادران ، بل على خلافهما الإجماع في المدارك وغيره (٢).

قيل بعد نقل نحو ما قلنا : والمحصَّل أنه لا خلاف في أنه من الفجر إلى طلوع الشمس اختياري ، وأن ما بعد طلوع الشمس اضطراري ، وإنما الكلام فيما قبل الفجر. ففي الدروس إنه اختياري ؛ لإطلاق الصحيح في المتقدم من مزدلفة إلى منى : يرمون الجمار ويصلّون في منازلهم : « لا بأس » (٣).

وإطلاق الحسن : « وإن كان أفاض قبل طلوع الفجر فعليه دم شاة » (٤) مع السكوت عن أمره بالرجوع.

وإطلاق الأخبار بأن من أدرك المشعر قبل طلوع الشمس أدرك الحج (٥).

__________________

(١) حكاه عنه في السرائر ١ : ٦١٩ ، وهو في الانتصار : ٩٠.

(٢) المدارك ٧ : ٤٣١ ؛ وانظر المختلف : ٣٠٠ ، والحدائق ١٦ : ٤٣٥.

(٣) التهذيب ٥ : ١٩٣ / ٦٤٣ ، الإستبصار ٢ : ٢٥٦ / ٩٠٣ ، الوسائل ١٤ : ٣٠ أبواب الوقوف بالمشعر ب ١٧ ح ٨.

(٤) الكافي ٤ : ٤٧٣ / ١ ، التهذيب ٥ : ١٩٣ / ٦٤٢ ، الإستبصار ٢ : ٢٥٦ / ٩٠٢ ، الوسائل ١٤ : ٢٧ أبواب الوقوف بالمشعر ب ١٦ ح ١.

(٥) انظر الوسائل ١٤ : ٣٧ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٢٣ الأحاديث ٣ ، ٤ ، ١٣ ، ٢٠.

٣٦٥

وهو ظاهر الأكثر ؛ لحكمهم بجبره بشاة فقط ، حتى إن في المنتهى : اتّفاق من عدا الحلّي على صحة الحج مع الإفاضة من المشعر قبل الفجر عمداً اختياراً ، وفيه مع ذلك وفي الكافي : إنه اضطراري ، وقد يستظهر من جمل العلم والعمل. وما سمعته من المنتهى قرينة على أنه إنما أراد بالاضطراري ما يأثم باختياره وإن أجزأه ، ويحتمله الجمل والكافي ، ولكن الشيخ في الخلاف والحلّي لم يجتزئا به للمختار ، ونصّ الحلّي على بطلان حجه بناءً على أن الوقوف بعد الفجر ركن فيبطل بتركه الحج ، ومنعه في المختلف والمنتهى ، وقيّد المحقّق اجتزاء المختار به بما إذا أدرك عرفات ، وهو يعطي الاضطرارية ، ويجوز أن يكون إشارة إلى تقييد كلام الأصحاب والأخبار ، وليس بعيداً (١).

أقول : وأشار بتقييد المحقّق اجتزاء المختار به إلى آخره بما ذكره هنا وفي الشرائع (٢) من قوله : ( ولو أفاض قبل الفجر عامداً عالماً جبره بشاة ولم يبطل حجه إن كان وقف بعرفات ) اختياراً.

ثم في كلام القيل : بقي الكلام في أن آخر الاضطراري زوال يوم النحر ، أو غروبه؟ فالمشهور الأول ، وفي المختلف الإجماع عليه ، والأخبار ناطقة به (٣) ، وفي السرائر عن انتصار السيّد الثاني ، ويوافقه المنتهى في نقله عن السيّد ، وليس في الانتصار إلاّ أن من فاته الوقوف بعرفة فأدرك الوقوف بالمشعر يوم النحر فقد أدرك الحج ، وليس نصاً ولا ظاهراً في‌

__________________

(١) كشف اللثام ١ : ٣٥٥.

(٢) الشرائع ١ : ٢٥٦.

(٣) الوسائل ١٤ : ٣٩ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٢٣ ح ٦ ، ٨ ، ٩ ، ١١.

٣٦٦

ذلك ، ولذا ذكر في المختلف أن النقل غير سديد. قلت : وعلى القول به فلعلّ دليله الأخبار المطلقة ، نحو : « من أدرك المشعر فقد أدرك الحج » (١) وضعفه ظاهر ؛ فإنّ الكلام في إدراك المشعر ، فإنه بمعنى إدراك الوقوف به أي ما يكون وقوفاً به شرعاً ، مع المعارضة بالأخبار المقيّدة (٢).

انتهى كلامه عليه الرحمة وإنما نقلناه بطوله لجودة مفاده وحسن محصوله ، مع تكفّله لشرح ما في المتن هنا وسابقاً بتمامه. لكن هنا قول آخر للغنية لم يتعرض له ، وهو أن الاختياري ليلة النحر ، والاضطراري من طلوع فجره إلى شمسه (٣) ، وهو غريب.

واعلم أن ليس في المتن دلالة على وجوب المبيت بالمشعر ، وعن ظاهر الأكثر وجوبه (٤) ، وعن التذكرة العدم (٥). والأول أحوط إن لم يكن أظهر ؛ للتأسي ، والصحيح : « لا تجاوز الحياض ليلة المزدلفة » (٦).

( و ) على القولين لا ( يجوز الإفاضة ) من المشعر ( ليلاً ) إلاّ ( للمرأة ) مطلقاً ( والخائف ) وكلّ ذي عذر فيجوز.

أما الأول فللإخلال بالواجب من الوقوف بعد الفجر.

وأما الثاني فللإجماع الظاهر ، المصرَّح به في عبائر جماعة (٧) ؛ مضافاً‌

__________________

(١) الوسائل ١٤ : ٤١ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٢٣ ح ١٣ ، ١٤ ؛ وب ٢٧ ح ١.

(٢) كشف اللثام ١ : ٣٥٥.

(٣) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٠.

(٤) الذخيرة : ٦٥٦.

(٥) التذكرة ١ : ٣٧٥.

(٦) الكافي ٤ : ٤٦٨ / ١ ، الوسائل ١٤ : ١٨ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٨ ح ٣.

(٧) منهم : صاحب المدارك ٧ : ٤٢٧ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٣٥٦ ، والسبزواري في الذخيرة : ٦٥٧.

٣٦٧

إلى الصحاح المستفيضة وغيرها (١) ؛ وانتفاء الحرج شرعاً ، وفي المنتهى : إنه قول كلّ من يحفظ عنه العلم (٢).

ولا يحتاج إلى جبرٍ بلا خلاف.

قيل : ولا بدّ لهم من الوقوف ولو قليلاً كما نصّت عليه الأخبار ، فعليهم النية. والأولى أن لا يفيضوا إلاّ بعد انتصاف الليل إن أمكنهم كما في الصحيح (٣). انتهى (٤). ولا بأس به.

( والندب : صلاة الغداة قبل الوقوف ) الواجب نيته كما هنا وفي الشرائع وعن المقنع والهداية والكافي والمراسم وجمل العلم والعمل (٥) ؛ للصحيح : « أصبح على طهر بعد ما تصلّي الفجر ، فقف إن شئت قريباً من الجبل وإن شئت حيث تبيت » (٦).

قيل : والمراد بالوقوف هنا القيام للدعاء والذكر ، وأما الوقوف المتعارف بمعنى الكون فهو واجب من أول الفجر ، فلا يجوز تأخيره بنيته إلى أن يصلّي (٧).

__________________

(١) الوسائل ١٤ : ٢٨ أبواب الوقوف بالمشعر ب ١٧.

(٢) المنتهى ٢ : ٧٢٦.

(٣) الكافي ٤ : ٤٧٤ / ٦ ، الفقيه ٢ : ٢٨٣ / ١٣٩٢ ، الوسائل ١٤ : ٣٠ أبواب الوقوف بالمشعر ب ١٧ ح ٧.

(٤) كشف اللثام ١ : ٣٥٦.

(٥) الشرائع ١ : ٢٥٦ ، المقنع : ٨٧ ، الهداية : ٦١ ، الكافي في الفقه : ٢١٤ ، المراسم : ١١٢ ، جمل العلم والعمل ( رسائل المرتضى ٣ ) : ٦٨.

(٦) الكافي ٤ : ٤٦٩ / ٤ ، التهذيب ٥ : ١٩١ / ٦٣٥ ، الوسائل ١٤ : ٢٠ أبواب الوقوف بالمشعر ب ١١ ح ١. في الكافي والوسائل : « وإن شئت حيث شئت » ‌

(٧) المسالك ١ : ١١٤.

٣٦٨

وفيه نظر ؛ لمخالفته لظاهر نحو العبارة ، بل صريح جملة كعبارة المنتهى ، فإنه قال : ويستحب أن يقف بعد أن يصلّي الفجر ، ولو وقف قبل الصلاة إذا كان قد طلع الفجر أجزأه (١). ونحوه عن التذكرة (٢). وفي التحرير : ولو وقف قبل الصلاة جاز إذا كان الفجر طالعاً (٣).

هذا مع عدم وضوح دلالة الأخبار وكلام كثير على ما ذكره من وجوب الوقوف بنيته عند الفجر ، وقد سبق إليه الإشارة.

( والدعاء ) بنحو ما في الصحيح : « فإذا وقفت فاحمد الله عزّ وجلّ وأثن عليه ، واذكر من آلائه وبلائه ما قدرت عليه ، وصلِّ على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم ليكن من قولك : اللهم ربّ المشعر الحرام ، فكّ رقبتي من النار ، وأوسع عليّ من رزقك الحلال ، وادرأ عني شرّ فسقة الجن والإنس ، اللهم أنت خير مطلوب إليه وخير مدعوّ وخير مسؤول ولكل وافد جائزة ، فاجعل لي جائزتي في موطني هذا أن تقيلني عثرتي ، وتقبل معذرتي ، وأن تجاوز عن خطيئتي ، ثم اجعل التقوى من الدنيا زادي » (٤) وغير ذلك من الدعاء المرسوم.

( وأن يطأ الصرورة ) أي الذي لم يحجّ بعد ( المشعر برجله ) كما في الخبر (٥) ، وفي الصحيح : « وأنزل ببطن الوادي عن يمين الطريق قريباً‌

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٧٢٤.

(٢) التذكرة ١ : ٣٧٤.

(٣) التحرير ١ : ١٠٢.

(٤) تقدّم مصدره في ص ٢٩٩١ الهامش (٧).

(٥) الكافي ٤ : ٤٦٩ / ٣ ، التهذيب ٥ : ١٩١ / ٦٣٦ ، الوسائل ١٤ : ١٦ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٧ ح ٢.

٣٦٩

من المشعر ، ويستحب للصرورة أن يقف على المشعر أو يطأه برجله » (١) كما عن التهذيب والمصباح ومختصره (٢).

وظاهر أن المراد بالمشعر هنا ما هو أخص من المزدلفة ، وفسّر بجبل قُزَح في المبسوط والوسيلة والكشّاف والمغرب وغيرها على ما حكاه عنهم بعض الأجلّة (٣) ، قال : وهو ظاهر الآية والأخبار والأصحاب ، فإن وطء المزدلفة واجب ، وظاهر الوقوف عليه غير الوقوف به ، ولا اختصاص للوقوف بالمزدلفة بالصرورة ، وبطن الوادي من المزدلفة ، فلو كانت هي المشعر الحرام لم يكن للقرب منه معنى ، وكان الذكر فيه لا عنده.

وفي الدروس عن الإسكافي أنه يطأ برجله أو بعيره المشعر الحرام قرب المنارة ، قال : والظاهر أنه المسجد الموجود الآن (٤).

وضعّف بأنه لو أُريد المسجد كان الأظهر الوقوف به أو دخوله ، لا وطأه والوقوف عليه.

قيل : ويمكن حمل كلام الإسكافي عليه أي على جبل قُزَح كما يحتمل كلام من قيّد برجله استحباب الوقوف بالمزدلفة راجلاً ، بل حافياً ، لكن ظاهرهم متابعة الصحيح ، وهو كما عرفت ظاهر في الجبل (٥). انتهى.

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٦٨ / ١ ، التهذيب ٥ : ١٨٨ / ٦٢٦ ، الوسائل ١٤ : ١٦ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٧ ح ١ ، وفي الجميع : ويطأه ..

(٢) التهذيب ٥ : ١٩١ ، مصباح المتهجد : ٦٤١ ، وحكاه عن مختصر المصباح في كشف اللثام ١ : ٣٥٦.

(٣) المبسوط ١ : ٣٦٨ ، الوسيلة : ١٧٩ ، الكشاف ١ : ٢٤٦ ، المغرب ١ : ٢٨٣ ؛ وانظر القاموس المحيط ١ : ٢٥٢ ، ومجمع البحرين ٢ : ٤٠٤ ، والصحاح ١ : ٣٩٦ ، حكاه عنهم الفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٣٥٦.

(٤) الدروس ١ : ٤٢٢.

(٥) كشف اللثام ١ : ٣٥٦.

٣٧٠

وهو حسن إلاّ أن المستفاد من بعض الصحاح وكلام أهل اللغة كما قيل أن المشعر هو مزدلفة وجمع (١) ، ولذا قيل : الظاهر اشتراك المشعر بين المعنيين (٢). ولكن الظاهر أن المراد به هنا هو المعنى الأول ؛ لما مرّ.

( وقيل : يستحب الصعود على قُزَح ) زيادةً على مسمى وطئه ( وذكر الله تعالى عليه ) للنبويين العاميين (٣) ، ولضعفهما نسبه إلى القيل مشعراً بتمريضه ، والقائل : الشيخ في المبسوط (٤) ، وتبعه الفاضل في جملة من كتبه (٥) ، ولا بأس به.

ثم كلام الماتن هنا وفي الشرائع والفاضل في الإرشاد والقواعد وغيرهما (٦) نصّ في مغايرة الصعود على قُزَح لوطء المشعر ، وهو ظاهر عبارة المبسوط المحكية (٧) ، بل صريحها أيضاً ، وعن ظاهر الحلبي والدروس (٨) اتحاد المسألتين.

( ويستحب لمن عدا الإمام الإفاضة ) من المشعر ( قبل طلوع الشمس ) بقليل كما في الشرائع والقواعد والتحرير وعن النهاية والمبسوط (٩) ؛

__________________

(١) الذخيرة : ٦٥٨.

(٢) كشف اللثام ١ : ٣٥٦.

(٣) سنن البيهقي ٥ : ١٢٢.

(٤) المبسوط ١ : ٣٦٨.

(٥) التذكرة ١ : ٣٧٤ ، التحرير ١ : ١٠٢ ، المنتهى ٢ : ٧٢٥.

(٦) الشرائع ١ : ٢٥٦ ، الإرشاد ١ : ٣٢٩ ، القواعد ١ : ٨٦ ؛ وانظر السرائر ١ : ٥٨٩ ، والذخيرة : ٦٥٧ ، وكشف اللثام ١ : ٣٥٦.

(٧) المبسوط ١ : ٣٦٨.

(٨) الحلبي في الكافي : ٢١٤ ، الدروس ١ : ٤٢٢.

(٩) الشرائع ١ : ٢٥٨ ، القواعد ١ : ٨٧ ، التحرير ١ : ١٠٢ ، النهاية : ٢٥٢ ، المبسوط ١ : ٣٦٨.

٣٧١

للخبرين (١) ، أحدهما الموثق : أيّ ساعة أحب إليك الإفاضة من جمع؟

فقال : « قبل أن تطلع الشمس بقليل فهي أحبّ الساعات إليّ » قالا : فإن مكثنا حتى تطلع الشمس ، فقال : « ليس به بأس ». وفي المنتهى : لا نعلم خلافاً فيه (٢). وإطلاقهما وإن شمل الإمام أيضاً لكنه مستثنى بما يأتي.

( وأن لا يتجاوز محسِّراً حتى تطلع ) الشمس ؛ للنهي عنه في الصحيح (٣) ، وظاهره التحريم ، كما عن صريح القاضي وظاهر الأكثر (٤).

وهو أحوط.

خلافاً لصريح العبارة والمختلف والمنتهى والتذكرة كما حكي (٥) ، فيستحب ، وبمعناه يكره أن يجوزه إلاّ بعدَه كما عن السرائر (٦) ، قيل : للأصل واحتمال النهي في الخبر الكراهة (٧). وفيه نظر.

( والهرولة ) وهي الإسراع في المشي للماشي ، وتحريك الدابة‌

__________________

(١) الأول : الكافي ٤ : ٤٧٠ / ٥ ، التهذيب ٥ : ١٩٢ / ٦٣٩ ، الإستبصار ٢ : ٢٥٧ / ٩٠٨ ، الوسائل ١٤ : ٢٥ أبواب الوقوف بالمشعر ب ١٥ ح ١. الثاني : التهذيب ٥ : ١٩٢ / ٦٣٨ ، الإستبصار ٢ : ٢٥٧ / ٩٠٧ ، الوسائل ١٤ : ٢٥ أبواب الوقوف بالمشعر ب ١٥ ح ٣.

(٢) المنتهى ٢ : ٧٢٦.

(٣) التهذيب ٥ : ١٧٨ / ٥٩٧ ، الوسائل ١٣ : ٥٢٨ أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب ٧ ح ٤.

(٤) حكاه عنهم في كشف اللثام ١ : ٣٥٩ ، وهو في المهذب ١ : ٢٥٤.

(٥) حكاه عنهم في كشف اللثام ١ : ٣٥٩ ، وهو في المختلف : ٣٠٠ ، والمنتهى ٢ : ٧٢٩ ، والتذكرة ١ : ٤٧٥.

(٦) السرائر ١ : ٥٨٩.

(٧) كشف اللثام ١ : ٣٥٩.

٣٧٢

للراكب ( في الوادي ) أي وادي محسِّر ؛ للصحاح وغيرها (١) ، وفي المنتهى والتذكرة (٢) كما حكي لا نعلم فيه خلافاً ، وفي غيرهما بإجماع العلماء (٣).

مائة خطوة ، كما في الصحيح (٤) ، ومائة ذراع ، كما في غيره (٥).

( داعياً بالمرسوم ) في الصحيح فيقول : « اللهم سلّم لي عهدي ، واقبل توبتي ، وأجب دعوتي ، واخلفني بخير فيما تركت بعدي » (٦).

( ولو نسي الهرولة ) حتى تعدّى الوادي ( رجع فتداركها ) للصحيح (٧) وغيره (٨). وليس فيهما تقييد الترك بالنسيان ، بل مطلق الترك ولو جهلاً ، بل وعمداً ، فتركه كما في عبائر جمع أولى (٩).

( والإمام يتأخّر بجمع ) فلا يفيض منها ( حتى تطلع الشمس ) للمرسل : ينبغي للإمام أن يقف بجمع حتى تطلع الشمس ، وسائر الناس إن شاؤوا عجّلوا وإن شاؤوا أخّروا (١٠).

__________________

(١) الوسائل ١٤ : ٢٢ و٢٤ أبواب الوقوف بالمشعر ب ١٣ ، ١٤.

(٢) المنتهى ٢ : ٧٢٩ ، التذكرة ١ : ٣٧٥.

(٣) المدارك ٧ : ٤٤٥.

(٤) الكافي ٤ : ٤٧١ / ٤ ، الفقيه ٢ : ٢٨٢ / ١٣٨٥ ، الوسائل ١٤ : ٢٣ أبواب الوقوف بالمشعر ب ١٣ ح ٣.

(٥) الفقيه ٢ : ٢٨٢ / ١٣٨٦ ، الوسائل ١٤ : ٢٣ أبواب الوقوف بالمشعر ب ١٣ ح ٤.

(٦) الفقيه ٢ : ٢٨٢ / ١٣٨٤ ، التهذيب ٥ : ١٩٢ / ٦٣٧ ، الوسائل ١٤ : ٢٢ أبواب الوقوف بالمشعر ب ١٣ ح ١.

(٧) الكافي ٤ : ٤٧٠ / ١ ، الوسائل ١٤ : ٢٤ أبواب الوقوف بالمشعر ب ١٤ ح ١.

(٨) الكافي ٤ : ٤٧٠ / ٢ ، الفقيه ٢ : ٢٨٢ / ١٣٨٧ ، التهذيب ٥ : ١٩٥ / ٦٤٩ ، الوسائل ١٤ : ٢٤ أبواب الوقوف بالمشعر ب ١٤ ح ٢.

(٩) منهم : العلامة في التذكرة ١ : ٣٧٥ ، والسبزواري في الذخيرة : ٦٦٢ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٣٥٩.

(١٠) التهذيب ٥ : ١٩٣ / ٦٤١ ، الإستبصار ٢ : ٢٥٨ / ٩٠٩ ، الوسائل ١٤ : ٢٦ أبواب الوقوف بالمشعر ب ١٥ ح ٤.

٣٧٣

وظاهره الاستحباب ، كما هو الظاهر ، وعن صريح السرائر والتذكرة والمنتهى والتحرير والدروس (١).

قيل : وصريح النهاية والمبسوط والوسيلة والمهذّب والاقتصاد الوجوب (٢) ، وهو ظاهر الجمل والعقود والغنية والجامع (٣).

وأوجبه الصدوقان والمفيد وسلاّر والحلبي (٤) مطلقاً ، من غير فرق بين الإمام وغيره ، واستحبه الحلّي والشيخ في المصباح (٥) مطلقاً ؛ لإطلاق الحسن : « ثم أفض حين يشرق لك ثَبير وترى الإبل مواضع أخفافها » (٦).

ويجوز أن يراد بالخبر وبكلامهم تأخير الخروج من المشعر وهو جواز وادي محسِّر وجوباً أو استحباباً.

وأوجب الصدوقان شاة على من قدّم الإضافة على طلوع الشمس (٧).

أقول : وهذه الأقوال بظاهرها خلاف ما يظهر من الجمع بين الأخبار ولا سيّما القول بالوجوب منها في الجملة أو مطلقاً.

__________________

(١) السرائر ١ : ٥٨٦ ، التذكرة ١ : ٣٧٥ ، المنتهى ٢ : ٧٢٦ ، التحرير ١ : ١٠٢ ، الدروس ١ : ٤٢٤.

(٢) كشف اللثام ١ : ٣٥٩.

(٣) الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ٢٣٤ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨١ ، الجامع للشرائع : ٢٠٩.

(٤) الصدوق في الفقيه ٢ : ٣٢٧ ، ونقله عن والده في المختلف : ٣٠٠ ، المفيد في المقنعة : ٤١٧ ، سلاّر في المراسم : ١١٣ ، الحلبي في الكافي في الفقه : ١٩٧.

(٥) الحلبي في السرائر ١ : ٥٨٦ ، مصباح المتهجد : ٦٤١.

(٦) التهذيب ٥ : ١٩٢ / ٦٣٧ ، الوسائل ١٤ : ٢٦ أبواب الوقوف بالمشعر ب ١٥ ح ٥. الثبير كأمير جبل بمكة كأنه من الثبرة وهي الأرض السهلة. مجمع البحرين ٣ : ٢٣٥.

(٧) الصدوق في الفقيه : ٢ : ٣٢٧ ، وقد نقله عن والده في المختلف : ٣٠٠.

٣٧٤

وعن التذكرة والمنتهى (١) : الإجماع على أنه لو دفع قبل الإسفار بعد طلوع الفجر أو بعد طلوع الشمس لم يكن مأثوماً إجماعاً.

( واللواحق ) أُمور ( ثلاثة : )

( الأول : الوقوف بالمشعر ) الحرام ( ركن ) عندنا ( فمن لم يقف به ليلاً ولا بعد الفجر عامداً بطل حجّه ) بإجماعنا وأخبارنا ، منها : « إذا فاتتك المزدلفة فقد فاتك الحج » (٢).

بل هو أعظم من الوقوف بعرفة ؛ لثبوته في نصّ الكتاب (٣) ، كما في المرسل كالموثق : « الوقوف بالمشعر فريضة والوقوف بعرفة سنّة » (٤).

خلافاً للمحكي عن أكثر العامة (٥).

وعن الإسكافي والتهذيب (٦) : أنه إن تعمّد ترك الوقوف به فعليه بدنة.

وفي المختلف : وهذا الكلام يحتمل أمرين :

أحدهما : أن من ترك الوقوف بالمشعر الذي حدّه ما بين المأزمين إلى الحياض وإلى وادي محسِّر وجب عليه بدنة.

__________________

(١) التذكرة ١ : ٣٧٥ ، المنتهى ٢ : ٧٢٦.

(٢) التهذيب ٥ : ٢٩٢ / ٩٩١ ، الإستبصار ٢ : ٣٠٥ / ١٠٨٩ ، الوسائل ١٤ : ٣٨ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٢٣ ح ٢.

(٣) البقرة : ١٩٨.

(٤) الفقيه ٢ : ٢٠٦ / ٩٣٧ ، التهذيب ٥ : ٢٨٧ / ٩٧٧ ، الإستبصار ٢ : ٣٠٢ / ١٠٨٠ ، الوسائل ١٣ : ٥٥٢ أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب ١٩ ح ١٤.

(٥) حكاه عنهم في المنتهى ٢ : ٧٢٥ ، وهو في مغني المحتاج : ٤٩٩ ، وبدائع الصنائع ٢ : ١٣٥.

(٦) نقله عن الإسكافي في المختلف : ٣٠٠ ، التهذيب ٥ : ٢٩٤.

٣٧٥

والثاني : من ترك الوقوف على نفس المشعر الذي هو الجبل فإنه يستحب الوقوف عليه عند أصحابنا وجب عليه بدنة.

وكلا الاحتمالين خلاف لما ذكره علماؤنا ؛ فإن أحداً من علمائنا لم يقل بصحة الحج مع ترك الوقوف بالمشعر عمداً مختاراً ؛ ولم يقل أحد منهم بوجوب الوقوف على نفس المشعر الذي هو الجبل وإن تأكد استحباب الوقوف به.

قال : وحمل كلامه على الثاني أولى ؛ لدلالة سياق كلامه عليه.

قال : ويحتمل ثالث وهو : أن يكون قد دخل المشعر الذي هو الجبل ثم ارتحل متعمداً قبل أن يقف مع الناس مستخفاً (١) ؛ للصحيح : « من أفاض من عرفات فلم يلبث معهم بجمع ومضى إلى منى متعمداً أو مستخفاً فعليه بدنة » (٢).

ويضعّف : بأن المناسب للخبر أن يكون دخل جمعاً لا الجبل.

والأولى حمل الخبر وكلامهما على إدراك مسمّى الوقوف ليلاً والإفاضة قبل وقته إلى طلوع الفجر ، وقد تقدّم أن عليه شاة ولم يبطل حجه ، ولهذا قيّد الماتن البطلان بما إذا لم يقف به ليلاً مؤذناً بصحة الحج مع الوقوف به ليلاً كما مضى ، ولكن يشكل إيجاب البدنة ، والأظهر الأشهر الشاة كما قدّمنا (٣).

( ولا يبطل ) الحج بتركه ( لو كان ناسياً ) إذا كان وقف بعرفات‌

__________________

(١) المختلف : ٣٠٠.

(٢) الكافي ٤ : ٤٧٣ / ٦ ، الفقيه ٢ : ٢٨٣ / ١٣٨٨ ، التهذيب ٥ : ٢٩٤ / ٩٩٦ ، الوسائل ١٤ : ٤٨ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٢٦ ح ١.

(٣) راجع ص ٢٩٨٨.

٣٧٦

اختياراً ، على الأشهر الأقوى كما قدّمنا ، وإذا وقف بها اضطراراً لم يصحّ حجه إجماعاً كما مضى.

وإطلاق العبارة ونحوها يقتضي عدم الفرق في بطلان الحج بتعمد ترك الوقوف بالمشعر بين العالم والجاهل ، وبه صرّح بعض (١) ، وفاقاً للشيخ في التهذيب (٢) ؛ لإطلاق ما مرّ من النص ؛ مضافاً إلى الأصل ، لعدم الإتيان بالمأثور به على وجهه فيبطل.

وهو حسن لولا الصحيح : في رجل لم يقف بالمزدلفة ولم يبت بها حتى أتى منى ، فقال : « ألم ير الناس » إلى أن قال : قلت : فإنه جهل ذلك ، قال : « يرجع » قلت : إنّ ذلك قد فاته ، قال : « لا بأس » (٣) ونحوه المرسل (٤).

إلاّ أن الشيخ رحمه‌الله حملهما على تارك كمال الوقوف جهلاً وقد أتى باليسير منه ، واستشهد عليه بخبرين ضعيفي السند قاصري الدلالة.

( ولو فاته الموقفان ) جميعاً ( بطل ) الحج ( ولو كان ) الفوت ( ناسياً ) بالنص وإجماع العلماء على ما حكاه بعض أصحابنا (٥) ؛ مضافاً إلى الأصل الذي مضى الإشارة إليه قريباً.

( الثاني : من فاته الحج سقطت عنه ) بقية ( أفعاله ) من الهدي والرمي والمبيت بمنى والحلق أو التقصير فيها ، وله المضي من حينه إلى مكة والإتيان بأفعال العمرة والتحلل.

__________________

(١) كالعلامة في التحرير ١ : ١٠٣ ، وصاحب المدارك ٧ : ٤٣٢.

(٢) التهذيب ٥ : ٢٩٢.

(٣) الكافي ٤ : ٤٧٣ / ٥ ، التهذيب ٥ : ٢٩٣ / ٩٩٣ ، الوسائل ١٤ : ٤٥ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٢٥ ح ٦.

(٤) التهذيب ٥ : ٢٩٢ / ٩٩٢ ، الإستبصار ٢ : ٣٠٥ / ١٠٩٠ ، الوسائل ١٤ : ٤٦ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٢٥ ح ٥.

(٥) كصاحب المدارك ٧ : ٤٣٤ ، والفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع ١ : ٣٤٨.

٣٧٧

( و ) لكن ( يستحب له الإقامة بمنى إلى انقضاء أيام التشريق ) كما في الصحيح (١) ( ثم يتحلل بعمرة مفردة ) كما فيه وفي الصحاح المستفيضة ، منها : « أيّما حاجّ سائق للهدي أو مفرد للحج أو متمتع بالعمرة إلى الحج قدم وقد فاته الحج فليجعلها عمرة وعليه الحج من قابل » (٢).

وعن التذكرة والمنتهى وفي غيرهما (٣) الإجماع عليه ، ولذا قطع الفاضل في التحرير وغيره (٤) بأنه لو أراد البقاء على إحرامه إلى القابل ليحج به لم يجزه ، قيل : واستظهره في التذكرة والمنتهى ، وجعله الشهيد أشبه (٥).

وهل عليه نية الاعتمار ، أم ينقلب الإحرام إليه قهراً حتى لو أتى بأفعالها من غير نية الاعتمار لكفى؟ قيل : قطع بالأول في التحرير والتذكرة والمنتهى ، وأسند فيهما خلافه إلى بعض العامة ، ويدلُّ عليه الاستصحاب ، وأن الأعمال بالنيات ، وظاهر الأمر « يجعلها عمرة » في الصحاح ، وجعله الشهيد أحوط (٦).

واحتمل الثاني ؛ للأصل ، وظاهر قولهم عليهم‌السلام في جملة من الأخبار المتضمنة للصحيح وغيره « فهي عمرة مفردة » كما في الثاني (٧) ، أو « يطوف ويسعى بين الصفا والمروة » كما في الأول (٨) ، ووافقه في الذخيرة ، مجيباً‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٢٩٥ / ٩٩٩ ، الإستبصار ٢ : ٣٠٧ / ١٠٩٦ ، الوسائل ١٤ : ٥٠ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٢٧ ح ٣.

(٢) الكافي ٤ : ٤٧٦ / ٢ ، الفقيه ٢ : ٢٨٤ / ١٣٩٤ ، التهذيب ٥ : ٢٩٤ / ٩٩٨ ، الإستبصار ٢ : ٣٠٧ / ١٠٩٥ ، الوسائل ١٤ : ٤٨ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٢٧ ح ١.

(٣) التذكرة ١ : ٣٩٨ ، المنتهى ٢ : ٨٥٢ ؛ وانظر كشف اللثام ١ : ٣٥٨.

(٤) التحرير ١ : ١٢٤ ؛ وانظر الدروس ١ : ٤٢٧ ، والحدائق ١٦ : ٤٧١.

(٥) كشف اللثام ١ : ٣٥٨.

(٦) انظر كشف اللثام ١ : ٣٥٨.

(٧) قرب الإسناد : ١٧٤ ، الوسائل ١٤ : ٥١ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٢٧ ح ٦.

(٨) الفقيه ٢ : ٢٤٣ / ١١٦٠ ، التهذيب ٥ : ٢٩٥ / ١٠٠١ ، الإستبصار ٢ : ٣٠٨ / ١٠٩٨ ، الوسائل ١٤ : ٤٩ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٢٧ ح ٢.

٣٧٨

عن الأمر بجعلها عمرة بأن المفهوم من هذا الأمر الإتيان ببقية أفعال العمرة ، لا الإتيان بالنية (١).

وهو حسن ، لكن دلالة أخبار المقابلة على عدم اعتبار النية أيضاً غير واضحة ، فإذاً المسألة لا تخلو عن ريبة ، والأصل يقتضي اعتبارها بلا شبهة.

( ثم يقضي الحج ) في القابل واجباً ( إن كان واجباً ) عليه وجوباً مستقراً مستمراً ، وإلاّ فندباً ، بلا خلاف أجده في المقامين ، وبه صرّح في الثاني في الذخيرة (٢) ، وغيرها ، وبالإجماع في الأول صُرِّح في كلام جماعة (٣) ؛ وهو الحجة.

مضافاً إلى الأصل في الثاني ، والصحاح المشار إليها في الأول ، لكنها مطلقة بأن عليه الحج من قابل ، ولكن قيّدها الأصحاب بالمقام الأول ، مدّعين الإجماع عليه.

وأما الخبر أو الصحيح كما قيل (٤) في قوم قدموا يوم النحر وقد فاتهم الحج أنه : « يهريق كل واحد منهم دم شاة ويحلّون وعليهم الحج من قابل إن انصرفوا إلى بلادهم ، وإن أقاموا حتى يمضي أيام التشريق بمكة ثم خرجوا إلى بعض مواقيت أهل مكة فأحرموا واعتمروا فليس عليهم الحج من قابل » (٥) ..

__________________

(١) الذخيرة : ٦٦٠.

(٢) الذخيرة : ٦٦٠.

(٣) منهم : الفيض الكاشاني في المفاتيح ١ : ٣٨٥ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٣٥٨.

(٤) كشف اللثام ١ : ٣٥٨.

(٥) الكافي ٤ : ٤٧٥ / ١ ، الفقيه ٢ : ٢٨٤ / ١٣٩٥ ، التهذيب ٥ : ٢٩٥ / ١٠٠٠ ، الإستبصار ٢ : ٣٠٧ / ١٠٩٧ ، الوسائل ١٤ : ٥٠ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٢٧ ح ٥.

٣٧٩

فقال الشيخ : يحتمل أن يكون مختصاً بمن اشترط حال الإحرام ، فإنه إذا كان اشترط لم يلزمه الحج من قابل ، وإن لم يكن قد اشترط لزمه ذلك في العام المقبل (١).

واستشهد له بالصحيح : عن رجل خرج متمتعاً بالعمرة إلى الحج فلم يبلغ مكة إلى يوم النحر ، فقال : « يقيم على إحرامه ويقطع التلبية حين يدخل مكة ، فيطوف ويسعى بين الصفا والمروة ويحلق رأسه وينصرف إلى أهله إن شاء » وقال : « هذا لمن اشترط على ربّه عند إحرامه ، فإن لم يكن اشتراط فإنّ عليه الحجّ من قابل » (٢).

وفيه ما في كلام جماعة ، من أن الفائت إن كان مستحباً لم يجب القضاء وإن لم يشترط ، وكذا إن لم يستقر ولا استمر وجوبه ، وإن كان واجباً وجوباً مستقراً أو مستمراً وجب وإن اشترط ، فالوجه حمل هذا الخبر بعد الإغماض عن سنده على شدة استحباب القضاء إذا لم يشترط وكان مندوباً أو غير مستقرّ الوجوب ولا مستمرّة.

ثم مقتضى الأصل وظاهر الصحاح وغيرها الواردة في بيان الحاجة الساكتة عن إيجاب الهدي عدمه ، كما هو ظاهر الأكثر ، بل المشهور.

خلافاً للمحكي عن نادر فأوجبه (٣) ؛ لما مرّ من الخبر ، ولأنه حلّ قبل تمام إحرامه كالمحصر.

وضعفه ظاهر ؛ فإنه يتمّ الأفعال لكنه يعدل ، والخبر محمول على‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٢٩٥.

(٢) التهذيب ٥ : ٢٩٥ / ١٠٠١ ، الإستبصار ٢ : ٣٠٨ / ١٠٩٨ ، الوسائل ١٤ : ٤٩ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٢٧ ح ٢.

(٣) حكاه الشيخ في الخلاف ٢ : ٣٧٤ عن بعض أصحابنا.

٣٨٠