رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٦

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٦

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-108-7
الصفحات: ٥١٢

( وإن اضطرّ ) إلى اللبس ( جاز ) إجماعاً ، كما في السرائر والمختلف (١) ، وفي المنتهى : لا نعلم فيه خلافاً (٢) ؛ للأصل ، والصحاح السابقة ، مضافاً إلى الخبر ، بل الصحيح كما قيل (٣) : في المحرم يلبس الخف إذا لم يكن له نعل؟ قال : « نعم لكن يشقّ ظهر القدم » (٤) ونحوه آخر (٥).

( و ) لأجلهما ( قل : يشقّ عن ظهر القدم ) والقائل الشيخ وأتباعه كما قيل (٦).

وظاهر المتن والتحرير (٧) التردد فيه ؛ ولعلّه لقصور سند الخبرين ، بل ضعف ثانيهما جدّاً ، وقوة احتمال ورودهما مورد التقية ، لموافقتهما لمذهب أكثر العامة ومنهم أبو حنيفة على ما في الخلاف وغيره (٨) ، فلا يصلحان لتخصيص الأصل وإطلاق ما مرّ من الصحاح ، سيّما مع ورودها في مقام البيان.

فالأقوى عدم وجوب الشق ، بل عدم جوازه ؛ فإن فيه إتلافاً للمال المحترم ، فتأمّل.

وعليه جماعة من الأصحاب ، ومنهم الحلّي ، مدعياً الإجماع عليه (٩) ،

__________________

(١) السرائر ١ : ٥٤٣ ، المختلف : ٢٧٠.

(٢) المنتهى ٢ : ٧٨٢.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان ٦ : ٣٠٤ ، الذخيرة : ٥٩٤.

(٤) الفقيه ٢ : ٢١٨ / ٩٩٧ ، الوسائل ١٢ : ٥٠١ أبواب تروك الإحرام ب ٥١ ح ٥.

(٥) الكافي ٤ : ٣٤٦ / ١ ، الوسائل ١٢ : ٥٠١ أبواب تروك الإحرام ب ٥١ ح ٣.

(٦) الذخيرة : ٥٩٤ ، الحدائق ١٥ : ٤٤٣.

(٧) التحرير ١ : ١١٤.

(٨) الخلاف ٢ : ٢٩٥ ؛ وانظر السرائر ١ : ٥٤٣ ، والمنتهى ٢ : ٧٨٢ ، والتذكرة ١ : ٣٣٢.

(٩) السرائر ١ : ٢٥٠.

٢٨١

ويشعر به أيضاً عبارة الشرائع (١).

وهل يجب الفدية؟ قيل : نعم (٢). وفي المسالك : لا ، عند علمائنا ، قال : نصّ عليه في التذكرة (٣).

( و ) منها : ( الفسوق ) بالكتاب (٤) والسّنة (٥) والإجماع ، وهو محرّم على كل حال ، وإنما عدّ من محرّمات الإحرام لخصوص نهي المحرم عنه في الثلاثة ، ولذا كان فيه آكد ، كما ذكره جماعة (٦).

( وهو الكذب ) مطلقاً كما عليه الأكثر ، بل لا خلاف فيه يظهر إلاّ من الغنية (٧) ، والمحكي عن المهذّب والمصباح والإشارة (٨) ، حيث خصّوه بالكذب على الله تعالى ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو أحد من الأئمة عليهم‌السلام.

وعن الجمل والعقود ، فجعله الكذب على الله سبحانه خاصة (٩).

وحجتهم غير واضحة ، عدا ظاهر دعوى الإجماع في الغنية ، وهو مع وهنه بمصير معظم الأصحاب على خلافه معارض بأجود منه ، وهو المعتبرة المستفيضة وإن اختلفت من وجه آخر ، وهو الاقتصار على الكذب المطلق‌

__________________

(١) الشرائع ١ : ٢٥٠.

(٢) كشف اللثام ١ : ٣٢٩.

(٣) المسالك ١ : ١١٠.

(٤) البقرة : ١٩٧.

(٥) الوسائل ١٢ : ٤٦٣ أبواب تروك الإحرام ب ٣٢.

(٦) منهم الشهيد الثاني في المسالك ١ : ١١٠.

(٧) الغنية ( الجامع الفقهية ) : ٥٧٥.

(٨) حكاه عنهم في كشف اللثام ١ : ٣٢٧ وفيه بدل المصباح : الإصباح ، وهو في المهذب ١ : ٢٢١ ، والإشارة : ١٢٨.

(٩) الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ٢٢٨.

٢٨٢

كما عليه جماعة (١) ، وهي النصوص المروية في معاني الأخبار وتفسير العياشي (٢) ( وعن التبيان ) (٣) ومجمع البيان وروض الجنان (٤) : أنه رواية الأصحاب ، مشعرين بدعوى الإجماع ، فينجبر به ضعف السند أو قصوره حيث كان.

أو زيادة السباب كما في الصحيح (٥) ، وعليه المرتضى والإسكافي وجماعة من المتأخرين (٦) ، ولكن جعل في رواية المعاني من جملة الجدال.

أو المفاخرة بدله ، كما في آخر (٧).

وجمع بينهما في المختلف بأن المفاخرة لا تنفك عن السباب ؛ لأنها إنما تتم بذكر فضائل له وسلبها عن خصمه ، أو سلب رذائل عن نفسه وإثباتها لخصمه (٨).

وفيه : أنها جعلت في الصحيح لراوي الأوّل مأموراً بها على حدة بعد تفسير الفسوق بالكذب والسباب خاصة (٩) ، مشعراً بالتغاير بينهما.

__________________

(١) منهم الشيخ في المبسوط ١ : ٣٢٠ والمحقق في الشرائع ١ : ٢٥٠ والعلاّمة في الإرشاد ١ : ٣١٧.

(٢) معاني الأخبار : ٢٩٤ / ١ ، تفسير العياشي ١ : ٩٥ / ٢٥٦ ، الوسائل ١٢ : ٤٦٧ أبواب تروك الإحرام ب ٣٢ ح ٨ ، ٩.

(٣) ما بين القوسين ليست في « ح » و« ك‍ ».

(٤) التبيان ٢ : ١٦٤ ، مجمع البيان ١ : ٢٩٤ ، روض الجنان ( تفسير أبي الفتوح ) ١ : ٣٢٢.

(٥) التهذيب ٥ : ٢٩٦ / ١٠٠٣ ، الوسائل ١٢ : ٤٦٣ أبواب تروك الإحرام ب ٣٢ ح ١.

(٦) المرتضى في الجمل ( رسائل الشريف المرتضى ٣ ) : ٦٥ ، وحكاه عن الإسكافي في المختلف : ٢٧٠ ؛ وانظر الدروس ١ : ٣٨٧ ، والمفاتيح ١ : ٣٤١.

(٧) التهذيب ٥ : ٢٩٧ / ١٠٠٥ ، الوسائل ١٢ : ٤٦٥ أبواب تروك الإحرام ب ٣٢ ح ٤.

(٨) المختلف : ٢٧٠.

(٩) الكافي ٤ : ٣٣٧ / ٣ ، الوسائل ١٢ : ٤٦٥ أبواب تروك الإحرام ب ٣٢ ح ٥.

٢٨٣

والتفسير بها خاصة مع عدم ظهور قائله وعدم معلوميته وإن حكاه الشهيد في بعض حواشيه كما قيل (١) لا ريب في ضعفه.

ونحوه في الضعف تفسيره بالكذب والبذاء واللفظ القبيح (٢) ؛ لجعل القبيح في الصحيح المزبور من جملة التفث ، لا الفسوق ، بعد أن فسّر بالكذب والسباب خاصة.

وعن التبيان الأولى حمله على جميع المعاصي التي نهي المحرم عنها (٣). قيل : وتبعه الراوندي (٤).

ولا ثمرة معنوية هنا بعد القطع بحرمة الجميع وعدم وجوب الكفارة فيه سوى الاستغفار كما في الصحيح (٥).

نعم ربما تظهر في نحو النذر ، أو إذا قلنا بإفساده الإحرام كما عن المفيدة (٦) ولكنهما نادران وإن كان ربما يستأنس للمفيد بملاحظة الصحيح : عن قول الله عزّ وجل : ( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ ) قال : « إتمامها أن لا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج » (٧) ونحوه آخر (٨) ، فتأمّل.

( و ) منها : ( الجدال ) بالأدلة الثلاثة المتقدمة.

( وهو ) قول : لا والله ، وبلى والله ، خاصة عند الأكثر ، وفي الغنية الإجماع عليه (٩). ولكن يحتمل رجوعه إلى تفسير الجدال بالخصومة‌

__________________

(١) الذخيرة : ٥٩٣.

(٢) نقله عن العماني في المختلف : ٢٧٠.

(٣) التبيان ٢ : ١٦٤.

(٤) كما في كشف اللثام ١ : ٣٢٧.

(٥) الكافي ٤ : ٣٣٧ / ١ ، الوسائل ١٣ : ١٤٨ أبواب بقية كفارات الإحرام ب ٢ ح ٢.

(٦) المقنعة : ٤٣٢.

(٧) الكافي ٤ : ٣٣٧ / ٢ ، الوسائل ١٢ : ٤٦٦ أبواب تروك الإحرام ب ٣٢ ح ٦.

(٨) التهذيب ٥ : ٢٩٦ / ٣. ١ ، الوسائل ١٢ : ٤٦٣ أبواب تروك الإحرام ب ٣٢ ح ١.

(٩) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٥.

٢٨٤

المؤكدة باليمين بمثل الصيغتين ، لا إليهما ، ونقل عن المرتضى الإجماع عليه أيضاً (١).

وبمثل ذلك يمكن الجواب عن الصحاح المستفيضة وغيرها المفسِّرة للجدال بهما (٢) ، بإرادة الردّ بذلك على من جعل الجدال مطلق الخصومة ، لا الخصومة المؤكدة باليمين ولو مطلقها.

وربما يستفاد ذلك من الصحيح : عن المحرم يريد العمل فيقول له صاحبه : والله لا تعمله ، فيقول : والله لأعملنّه ، فيحالفه مراراً ، يلزم ما يلزم الجدال؟ قال : « لا ، إنما أراد بهذا إكرام أخيه ، إنما كان ذلك ما كان فيه معصية » (٣).

فإن تعليل نفي الجدال بذلك دون فقد الصيغتين أوضح شاهد على أنه لولا إرادة الإكرام لثبت الجدال بمطلق « والله » كما هو فرض السؤال.

وعلى هذا فيقوّى القول بأنه مطلق ( الحلف ) بالله تعالى وما يسمى يميناً كما عليه الماتن هنا والشهيد في الدروس (٤) ، وفاقاً للانتصار وجمل العلم والعمل على ما نقل (٥).

وأما الاستدلال لهذا القول بالصحيح : « إذا حلف الرجل بثلاثة أيمان ولاءً في مقام واحد وهو محرم فقد جادل وعليه دم يهريقه ويتصدّق به ،

__________________

(١) حكاه عنه في كشف اللثام ١ : ٣٢٧ وهو في الانتصار : ٩٥.

(٢) انظر الوسائل ١٢ : ٤٦٣ أبواب تروك الإحرام ب ٣٢.

(٣) الكافي ٤ : ٣٣٨ / ٥ ، الفقيه ٢ : ٢١٤ / ٩٧٣ ، علل الشرائع : ٤٥٧ / ١ ، مستطرفات السرائر : ٣٢ / ٣٠ ، الوسائل ١٢ : ٤٦٦ أبواب تروك الإحرام ب ٣٢ ح ٧.

(٤) الدروس ١ : ٣٨٦.

(٥) الانتصار : ٩٥ ، جمل العلم والعمل ( رسائل الشريف المرتضى ٣ ) : ٦٦ ، نقله عنهما في كشف اللثام ١ : ٣٢٨.

٢٨٥

وإذا حلف يميناً واحدة كاذبة فقد جادل وعليه دم يهريقه ويتصدّق به » (١).

ففيه أنه مطلق يحتمل التقييد بما في الصحاح ، وإنما أُطلق لأن المقصود فيه بيان ما يوجب الكفارة منها والفصل بين الصادقة والكاذبة.

بل الأجود الاستدلال بما عرفته من الصحيح.

وربما يستأنس به لما يحكى عن الإسكافي من العفو عن اليمين في طاعة الله تعالى وصلة الرحم ما لم يدأب في ذلك (٢) ، وحكاه في الدروس عن الفاضل والجعفي (٣) ، ولا بأس به.

وفي جواز دفع الدعوى الكاذبة بالصيغتين أو الحلف مطلقاً قول قوي ، وفاقاً للشهيدين وغيرهما من المتأخرين (٤) ؛ عملاً بأدلة نفي الضرر ، وحملاً لعموم الآية والأخبار على صورة الاختيار دون الاضطرار.

وعلى الجواز ففي سقوط الكفارة أو ثبوتها إشكال. والأوّل لعلّه أقوى ، وفاقاً للشهيدين وسبط ثانيهما (٥).

( و ) منها : ( قتل هوامّ الجسد ) بالتشديد جمع هامّة ، وهي دوابّه كالقمل. والمنع عن قتلها مطلقاً في الثوب كانت أو في البدن مشهور بين الأصحاب ، كما صرَّح به جمع (٦) ؛ للصحيح : « يحكّ رأسه ما لم يتعمّد قتل‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٣٧ / ٣ ، الوسائل ١٣ : ١٤٦ أبواب بقية كفارات الإحرام ب ١ ح ٣.

(٢) نقله عن الإسكافي في المختلف : ٢٧١.

(٣) الدروس ١ : ٣٨٧.

(٤) الشهيد الأوّل في الدروس ١ : ٣٨٧ ، الشهيد الثاني في المسالك ١ : ١١٠ ؛ وانظر المدارك ٧ : ٣٤٢.

(٥) المدارك ٧ : ٣٤٢.

(٦) منهم : صاحب المدارك ٧ : ٣٤٣ ، والفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع ١ : ٣٤٠ ، وصاحب الحدائق ١٥ : ٥٠٥.

٢٨٦

دابة » (١).

وقريب منه آخر : « إذا أحرمت فاتّق قتل الدواب كلّها إلاّ الأفعى والعقرب والفأرة » (٢).

وهما وإن لم ينصّا على العنوان إلاّ أنه داخل في عمومها ، ولم أعرف عليه نصّاً بالخصوص ، فالتعبير بما فيهما كما عن جماعة من القدماء أولى (٣).

وعن الأكثر التنصيص على خصوص القمل ؛ لورود النصوص الكثيرة المتضمنة للصحاح وغيرها فيها بالخصوص (٤).

إلاّ أن الصريح منها في حرمة قتله للتعبير فيه عنها بعد أن سئل عنه ب « بئس ما صنع » (٥) ضعيف السند ، معارض بالصحيح : في محرم قتل قملة ، قال : « لا شي‌ء عليه في القملة ، ولا ينبغي أن يتعمّد قتلها » (٦) ولفظة « لا ينبغي » وعموم الشي‌ء المنفي وشموله للعقاب ظاهران في عدم التحريم (٧).

ونحوه في العموم الصحيح : « لا بأس بقتل القمل في الحرم وغيره » (٨).

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٦٦ / ٧ ، الفقيه ٢ : ٢٣٠ / ١٠٩٢ ، المقنع : ٧٥ ، الوسائل ١٢ : ٥٣٤ أبواب تروك الإحرام ب ٧٣ ح ٤.

(٢) التهذيب ٥ : ١٢٧٣ / ٣٦٥ ، الوسائل ١٢ : ٥٤٥ أبواب تروك الإحرام ب ٨١ ح ٢.

(٣) منهم : الصدوق في المقنع : ٧٧ ، والشيخ في النهاية : ٢١٩.

(٤) الوسائل ١٢ : ٥٣٩ أبواب تروك الإحرام ب ٧٨.

(٥) الكافي ٤ : ٣٦٢ / ١ ، الوسائل ١٢ : ٥٣٩ أبواب تروك الإحرام ب ٧٨ ح ١.

(٦) الكافي ٤ : ٣٦٢ / ٢ ، الوسائل ١٢ : ٥٣٩ أبواب تروك الإحرام ب ٧٨ ح ٢.

(٧) إلاّ أن الخبر السابق نصّ بالإضافة إليهما ، فيحملان عليه بحمل لفظة « لا ينبغي » على التحريم ، كما شاع استعمالها فيه في الأخبار ، وتخصيص الشي‌ء بالكفارة لاستحبابها على الأقوى وإن قلنا بتحريم إلقاء النملة وقتلها. ( منه رحمه الله ).

(٨) الفقيه ٢ : ١٧٢ / ٧٦١ ، الوسائل ١٢ : ٥٥١ أبواب تروك الإحرام. ب ٨٤ ح ٣.

٢٨٧

والمرسل : « لا بأس بقتل البرغوث والقملة والبقة في الحرم » (١) وهما يعمّان المحرم وغيره (٢).

وما عداه من الصحاح لم تنصّ بتحريم القتل ، بل هي ما بين مانعة عن النزع وعن الإلقاء ، وموجبة للكفارة بهما ، وهما غير المدّعى وإن قيل يستفاد من الأوّل بطريق أولى (٣) ؛ لعدم وضوحه ، سيّما وقد حكي عن ابن حمزة أنه حكم بحرمة الإلقاء وجواز القتل على البدن (٤) ، وعن جماعة من القدماء (٥) أنهم لم يذكروا إلاّ الإزالة عن نفسه والإلقاء دون قتله.

وعلى تقدير وضوحه يعارض ما دلّ منها على حرمة الإلقاء بما دلّ من الصحاح المتقدمة وغيرها من جواز قتله ؛ لاستلزامه جواز الإلقاء بطريق أولى.

مضافاً إلى صريح بعض الأخبار : عن المحرم يلقي القملة ، فقال : « ألقوها أبعدها الله تعالى غير محمودة ولا مفقودة » (٦).

وما دلّ منها على وجوب الكفارة بمثلها ممّا دلّ على عدم وجوبها (٧) ، والجمع بينها يقتضي استحبابها ، كما عليه جماعة من المحققين (٨).

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٦٤ / ١١ ، الوسائل ١٢ : ٥٥١ أبواب تروك الإحرام ب ٨٤ ح ٤.

(٢) لكن الخبر السابق نصّ في المحرم ، فينبغي حملهما على غيره ، جمعاً وحملاً للعام على الخاص ( منه رحمه الله ).

(٣) كشف اللثام ١ : ٣٢٨.

(٤) حكاه عنه في كشف اللثام ١ : ٣٢٨ ، وهو في الوسيلة : ١٦٢ و١٦٣.

(٥) منهم : الشيخ في الاقتصار : ٣٠٢ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٥ ، القاضي في المهذب ١ : ٢٢١.

(٦) التهذيب ٥ : ٣٣٧ / ١١٦٤ ، الإستبصار ٢ : ١٩٧ / ٦٦٢ ، الوسائل ١٢ : ٥٤٠ أبواب تروك الإحرام ب ٧٨ ح ٦.

(٧) الوسائل ١٣ : ١٦٨ أبواب بقية الكفارات ب ١٥.

(٨) منهم : المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة ٦ : ٣٠١ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٣٢٨.

٢٨٨

وبالجملة : التمسك بهذه النصوص لإثبات حرمة قتل القملة فضلاً عن غيرها من هوامّ الجسد لا وجه له ، سيّما والأخبار المجوّزة مع موافقتها للأصل مخالفة للعامة كما قيل (١) ، بخلاف المانعة.

بل العمدة في إثبات الحرمة ما قدّمناه من الصحيحين.

مع إمكان التأمل في ثانيهما بظهور الاستثناء فيه في كون الدواب الممنوع عن قتلها من قبيل المستثنى ، كما صرَّح به بعض المحدّثين ، ويعضده ورود النصوص بالرخصة في قتل البقّ والبرغوث.

وكونِ المتبادر من الدابة في أوّلهما خصوص القملة لا غير ، فيعارضه أيضاً ما دلّ على جواز قتلها ، ولذا صرّح بعض المحدّثين بالكراهة في القملة قتلاً وإلقاءً ، بل وغيرها ، لكن فيها أشدّ كراهة.

ولا يخلو عن قوة لولا اتّفاق الأصحاب ظاهراً على حرمة إلقاء القملة ، وعن ابن زهرة أنه نفى الخلاف عنه في الغنية (٢). وأما قتلها فهو وإن قال به ابن حمزة ، لكنه شرط وقوعه على البدن ، لا مطلقاً (٣) ، كما هو ظاهر الأخبار المجوزة ، فهي إذاً شاذة لا عامل بها ، وبشذوذ قول ابن حمزة أيضاً صرَّح بعض أصحابنا (٤).

وحينئذٍ فيتعين في القملة القول بالحرمة قتلاً وإلقاءً ، ويشكل في غيرها من سائر هوامّ الجسد ، خصوصاً الإلقاء. بل الظاهر جوازه ؛ لما سيأتي من النص الصحيح بجوازه عموماً في الدواب ، وخصوصاً في بعضها ، وأما القتل فالأحوط التجنب عنه.

( ويجوز نقله ) من مكان إلى آخر من الجسد بلا خلاف ؛ للصحيح :‌

__________________

(١) الحدائق ١٥ : ٥٠٨.

(٢) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٥.

(٣) انظر الوسيلة : ١٦٣.

(٤) الفيض الكاشاني في المفاتيح ١ : ٣٤٠.

٢٨٩

« المحرم يلقي عنه الدواب كلّها إلاّ القملة فإنها من جسده ، فإذا أراد أن يحوّله من مكان إلى مكان فلا يضرّه » (١).

وإطلاقه كالفتوى يقتضي عدم اشتراط كون المنقول إليه مساوياً أو أحرز. فالقول به كما يحكى عن بعضهم (٢) تقييد للنصّ من غير وجه ، إلاّ أن يريد به عدم كونه معرضاً للسقوط قطعاً أو غالباً ، فلا بأس به فإنه في معنى الإلقاء.

( ولا بأس بإلقاء القُراد والحَلَم ) بفتح الحاء واللام جمع حَلَمة كذلك ، وهي القُراد العظيم كما عن الجوهري (٣) ، بلا خلاف إذا كان عن نفسه ؛ للصحيح الآتي.

وكذا عن بعيره في القُراد ، وفي الحملة عنه قولان ، أجودهما المنع ، وفاقاً للتهذيب وجمع (٤) ؛ للصحيحين (٥) وغيرهما (٦) ، المصرّحة بالفرق بينها‌

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٢٣٠ / ١٠٩١ ، التهذيب ٥ : ٣٣٦ / ١١٦١ ، الوسائل ١٢ : ٥٤٠ أبواب تروك الإحرام ب ٧٨ ح ٥.

(٢) اختاره في المسالك ١ : ١١٠.

(٣) الصحاح ٥ : ١٩٠٣. والقرُاد : ما يتعلّق بالبعير ونحوه ، وهو كالقمل للإنسان. المصباح المنير : ٤٩٦.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٣٨ ؛ وانظر المدارك ٧ : ٣٤٥ ، ومفاتيح الشرائع ١ : ٣٤١ ، والوسائل ١٢ : ٥٤٢ الباب ٨٠ ، وكشف اللثام ١ : ٣٢٨.

(٥) الأوّل : الفقيه ٢ : ٢٣٢ / ١١٠٦ ، التهذيب ٥ : ٣٣٨ / ١١٦٧ ، الوسائل ١٢ : ٥٤٢ أبواب تروك الإحرام ب ٨٠ ح ١. الثاني : الكافي ٤ : ٣٦٤ / ٨ ، الفقيه ٢ : ٢٣٢ / ١١٠٧ ، الوسائل ١٢ : ٥٤٣ أبواب تروك الإحرام ب ٨٠ ح ٢.

(٦) التهذيب ٥ : ٣٣٨ / ١١٦٨ ، الوسائل ١٢ : ٥٤٣ أبواب تروك الإحرام ب ٨٠ ح ٤.

٢٩٠

وبين القُراد في حقه.

خلافاً للمحكي عن الأثر فالجواز (١) ، ومستندهم غير واضح عدا ما يقال من الصحيح : أرأيت إن وجدت عليّ قُراداً أو حَلَمة أطرحهما؟ قال : « نعم وصغار لهما ، إنهما رقيا في غير مرقاهما » (٢).

وهو كما ترى ؛ فإن مورده النفس ، بل ظاهر التعليل يدل على المنع في البعير ، فتدبر.

وربما يستفاد منه المنع عن إلقاء كل ما يرقى في الجسد من نحو البرغوث ، ولعلّه المراد من هوامّ الجسد من نحو المتن ، فيتّضح له المستند. ولا يضرّ تخالف المتن والنصّ في الاطراح والقتل ؛ لاحتمال التعدي من أحدهما إلى الآخر بفحوى الخطاب ، كما صرّح به جمع (٣).

ولكنه على تقدير وضوحه معارض بصريح ما دلّ من النصوص على جواز قتل المحرم البقّ والبرغوث ، منها زيادة على ما مرّ الصحيح المروي في آخر السرائر : عن المحرم يقتل البقة والبرغوث إذا أذاه قال : « نعم » (٤).

ونحوه الخبر مبدلاً فيه الشرط ب « إذا رآه » في نسخة ، وب « إذا أراده » في أُخرى (٥).

__________________

(١) كما في المدارك ٧ : ٣٤٤.

(٢) الكافي ٤ : ٣٦٢ / ٤ ، الفقيه ٢ : ٢٢٩ / ١٠٨٥ ، التهذيب ٥ : ٣٣٧ / ١١٦٢ ، المقنع : ٥٧ ، علل الشرائع : ٤٥٧ / ١ ، الوسائل ١٢ : ٥٤١ أبواب تروك الإحرام ب ٧٩ ح ١.

(٣) منهم الفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٣٢٨.

(٤) مستطرفات السرائر : ٣٢ / ٣٣ ، الوسائل ١٢ : ٥٤٠ أبواب تروك الإحرام ب ٧٨ ح ٧.

(٥) الكافي ٤ : ٣٦٤ / ٦ ، الوسائل ١٢ : ٥٤٢ أبواب تروك الإحرام ب ٧٩ ح ٣.

٢٩١

وهو أحد القولين وأجودهما ، وفاقاً لجماعة (١) ، خلافاً لآخرين فالمنع (٢) ، وهو أحوطهما.

( ويحرم ) عليه ( استعمال دهن فيه طيب ) بلا خلاف ظاهر ولا محكي إلاّ عن الشيخ في الجمل فكرهه (٣). وهو نادر ، بل على خلافه الإجماع في صريح التحرير (٤) ، وفي المنتهى : إنه قول عامة أهل العلم (٥).

وتجب به الفدية إجماعاً ؛ وهو الحجة ، مضافاً إلى الأخبار المستفيضة عموماً وخصوصاً.

ففي الصحيح (٦) وغيره (٧) : « لا تدهن حين تريد أن تحرم بدهن فيه مسك ولا عنبر ، من أجل أن رائحته تبقى في رأسك بعد ما تحرم وادّهن بما شئت من الدهن حين تريد أن تحرم ، فإذا أحرمت فقد حرم عليك الدهن حتى تحلّ ».

ومقتضاهما حرمة استعماله قبل الإحرام إذا كانت رائحته تبقى إلى‌

__________________

(١) منهم : القاضي في المهذب ١ : ٢٢١ ، وابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٥ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ١١٠.

(٢) منهم : الشيخ في المبسوط ١ : ٣٢٠ ، ويحيى بن سعيد في الجامع للشرائع : ١٩٣ وصاحب المدارك ٧ : ٣٤٣.

(٣) الموجود في الجمل وجوب الاجتناب عن الأدهان الطيّبة ، نعم قال بكراهة استعمالها قبل الإحرام إذا كانت رائحتها تبقى إلى وقت الإحرام. راجع ( الرسائل العشر ) : ٢٢٨ ، ٢٢٩.

(٤) التحرير ١ : ١١٥.

(٥) المنتهى ٢ : ٧٨٧.

(٦) الكافي ٤ : ٣٢٩ / ٢ ، التهذيب ٥ : ٣٠٣ / ١٠٣٢ ، الاستبصار ٢ : ١٨١ / ٦٠٣ ، علل الشرائع : ٤٥١ / ١ ، الوسائل ١٢ : ٤٥٨ أبواب تروك الإحرام ب ٢٩ ح ١.

(٧) الفقيه ٢ : ٢٠٢ / ٩٢١ ، الوسائل ١٢ : ٤٥٨ أبواب تروك الإحرام ب ٢٩ ذيل الحديث ١.

٢٩٢

وقت الإحرام ، وجواز الدهن بغير المطيب قبله.

ولا خلاف في الثاني ، بل عن التذكرة والمنتهى (١) الإجماع عليه ، والصحاح به مع ذلك مستفيضة (٢).

وليس في شي‌ء منها اشتراط عدم بقاء عينه بعد الإحرام ، مع مخالفته الأصل.

وقيل باشتراطه (٣) ، ولا وجه له.

نعم ، في الصحيح : « لا بأس بأن يدهن الرجل قبل أن يغتسل للإحرام وبعده ، وكان يكره الدهن الخاثر الذي يبقى » (٤).

ومراعاته أحوط وإن كان في دلالته على التحريم نظر.

وأما الأوّل فعليه الأكثر ، وبه أخبار أُخر بعضها أيضاً صحيح السند (٥).

خلافاً للمحكي عن ابن حمزة وجماعة فالكراهة (٦) ؛ للأصل ، وإطلاق جملة من الصحاح بجواز الادّهان قبل الإحرام (٧).

ويجب الخروج عنهما بما مرّ ، بحملها على الادّهان بما ليس بمطيب ، أو صورة عدم بقاء الأثر ، حملَ المطلق على المقيد.

( ولا بأس بـ ) استعمال ( ما ليس بطيب عند الضرورة ) بالنص‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٣٣٥ ، المنتهى ٢ : ٧٨٧.

(٢) الوسائل ١٢ : ٤٦٠ أبواب تروك الإحرام ب ٣٠.

(٣) المسالك ١ : ١١٠.

(٤) الكافي ٤ : ٣٢٩ / ٤ ، الوسائل ١٢ : ٤٦٠ أبواب تروك الإحرام ب ٣٠ ح ٣.

(٥) الوسائل ١٢ : ٤٥٨ أبواب تروك الإحرام ب ٢٩.

(٦) حكاه عن ابن حمزة في المدارك ٧ : ٣٤٨ ، وهو في الوسيلة : ١٦٤ ؛ وانظر الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ٢٢٩ ، والمهذب ١ : ٢٢١.

(٧) انظر الوسائل ١٢ : ٤٦٠ أبواب تروك الإحرام ب ٣٠.

٢٩٣

والإجماع الظاهر ، المصرَّح به في عبائر جماعة (١).

وفيه بدونها خلاف ، وظاهر المتن المنع ، وعليه الأكثر. وهو الأظهر ؛ للصحيح المتقدم ، ونحوه آخر : « لا تمسّ شيئاً من الطيب ولا من الدهن في إحرامك (٢).

والمراد بالمسّ فيه الادّهان ، لا مطلقة ؛ لجوازه في نحو الأكل إجماعاً كما في الروضة (٣) ، وعن التذكرة وعن الخلاف والدروس (٤) نفي الخلاف عنه.

خلافاً للمحكي عن صريح المفيد وظاهر جماعة (٥) ، فجوّزوه على كراهية ؛ جمعاً بين الأخبار المانعة والناصّة على جواز الادّهان بعد الغسل قبل الإحرام ، فإن الظاهر بقاؤه عليه إلى الإحرام ، وتساوي الابتداء والاستدامة.

وفيهما منع. وعلى تقديرهما فالمانعة أوضح دلالةً على المنع من هذه على الجواز.

وأما الاستدلال لهم بالأخبار المرخّصة لاستعماله حال الضرورة فليس‌

__________________

(١) منهم : العلاّمة في المنتهى ٢ : ٧٨٧ ، وصاحب المدارك ٧ : ٣٥٠.

(٢) التهذيب ٥ : ٢٩٧ / ١٠٠٦ ، الإستبصار ٢ : ١٧٨ / ٥٩٠ ، الوسائل ١٢ : ٤٥٩ أبواب تروك الإحرام ب ٢٩ ح ٣.

(٣) الروضة ٢ : ٢٤٠.

(٤) التذكرة ١ : ٣٣٥ ، الخلاف ١ : ٣٠٣ ، الدروس ١ : ٣٧٥ ، وحكاه عنهم في كشف اللثام ١ : ٣٢٦.

(٥) حكاه عنهم في كشف اللثام ١ : ٣٢٦ ؛ وانظر المقنعة : ٣٩٧ ، والجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ٢٢٨ ، والكافي في المقنعة : ٢٠٣.

٢٩٤

في محلّه ، لخروجها عن مفروض المسألة.

( ويحرم ) أيضاً ( إزالة الشعر قليله وكثيره ) عن الرأس واللحية وسائر البدن ، بحلق أو نتف أو غيرهما مع الاختيار ، بإجماع العلماء ، كما عن التذكرة والمنتهى (١) ، وفي غيرهما إجماعاً (٢).

للآية (٣) ؛ والصحاح المستفيضة ، منها : « من حلق أو نتف إبطه ناسياً أو ساهياً أو جاهلاً فلا شي‌ء عليه ، ومن فعله متعمداً فعليه دم » (٤) وقصورها عن إفادة تمام المدّعى مجبور بفهم العلماء.

والرواية ناصّة بأنه لا شي‌ء على الجاهل ولناسي ، كما في الدروس ، وفيه عن الفاضل أنه أوجب الكفارة على الناسي في الحلق والقلم ؛ لأن [ الإتلاف (٥) ] يتساوى فيه العمد والخطأ كالمال. قال : وهو بعيد ؛ لصحيح زرارة ، ثم ساق الرواية وقال بعدها : ونقلِ الشيخ الإجماع على عدم وجوب الفدية على الناسي ، والقياس عندنا باطل ، خصوصاً مع معارضة النص. انتهى. وهو جيد.

( ولا بأس به مع الضرورة ) كما لو آذاه القمل أو القروح ، أو نبت الشعر في عينه ، أو نزل شعر حاجبه فغطّى عينه ، أو احتاج إلى الحجامة المفتقرة إلى الإزالة ، بإجماع العلماء كما في المدارك (٦) ، وفي غيره‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٣٣٨ ، المنتهى ٢ : ٧٩٣.

(٢) كما في مفاتيح الشرائع ١ : ٣٣٨.

(٣) البقرة : ١٩٦.

(٤) الكافي ٤ : ٣٦١ / ٨ ، التهذيب ٥ : ٣٣٩ / ١١٧٤ ، الإستبصار ٢ : ١٩٩ / ٦٧٢ ، الوسائل ١٣ : ١٥٩ أبواب بقية كفارات الإحرام ب ١٠ ح ١.

(٥) في النسخ والدروس ١ : ٣٨٣ : الإطلاق. والصحيح : الإتلاف ، كما في التذكرة ١ : ٣٣٨ والدروس المطبوع بالطبع الحجري : ١٠٩.

(٦) المدارك ٧ : ٣٥١.

٢٩٥

إجماعاً (١) ؛ للآية (٢) ، وللصحيح في سبب نزولها (٣).

ولكن لا يسقط بشي‌ء من ذلك الفدية ؛ للنصوص (٤) ، إلاّ في الشعر النابت في العين والحاجب الذي طال فغطّى العين ، ففي المنتهى والتحرير التذكرة (٥) : أنه لا فدية فيهما ، لأن الضرر بنفس الشعر فهو كالصيد الصائل.

وفيه نظر ، بل المتّجه لزوم الفدية إذا كانت الإزالة بسبب المرض أو الأذى الحاصل في الرأس ؛ لإطلاق الآية. دون ما عداه ؛ لأن الضرورة مسوّغة للإزالة ، والفدية بالأصل منتفية ، كذا في المدارك (٦). وهو حسن.

وأما ما يقال عليه من أن مورد الأخبار الموجبة لجواز الحلق مع الضرورة إنما هو التضرر بالقمل أو الصداع كما في رواية المحصَر (٧) ، وعليه يحمل إطلاق الآية ، ويبقى ما عداه خارجاً عن محل البحث (٨).

ففيه نظر ؛ لأن أخصية المورد لا توجب تقييد المطلق ، لعدم التعارض بينهما بوجه.

نعم ، يمكن الجواب عن الإطلاق بعدم عموم فيه يشمل غير المورد ، لعدم انصرافه بحكم الغلبة إليه ، فتدبّر.

__________________

(١) كما في المفاتيح ١ : ٣٣٨ والذخيرة : ٥٩٥.

(٢) البقرة : ١٩٦.

(٣) الكافي ٤ : ٣٥٨ / ٢ مرسلاً ، التهذيب ٥ : ٣٣٣ / ١١٤٧ ، الاستبصار ٢ : ١٩٥ / ٦٥٦ ، المقنع : ٧٥ ، الوسائل ١٣ : ١٦٥ أبواب بقية كفارات الإحرام ب ١٤ ح ١.

(٤) الوسائل ١٣ : ١٦٥ أبواب بقية كفارات الإحرام ب ١٤.

(٥) المنتهى ٢ : ٧٩٣ ، التحرير ١ : ١١٤ ، التذكرة ١ : ٣٣٨.

(٦) المدارك ٧ : ٣٥٣.

(٧) الوسائل ١٣ : ١٨٥ أبواب الإحصار والصدّ ب ٥.

(٨) الحدائق ١٥ : ٥١٨.

٢٩٦

واعلم أن هذا وما سبقه أحد التروك المشار إليها في صدر البحث ، فالأولى عطفهما على ما سبقهما وحذف « يحرم » فيهما ، كما فعل في قوله : ( وتغطية الرأس للرجل دون المرأة ) بإجماع العلماء ، كما عن المنتهى والتذكرة (١) ، وفي غيرهما بالإجماع (٢) ؛ والصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة.

ويستفاد من جملة منها عدم الفرق بين الكل والبعض ، كما صرّح به جمع (٣) ، ففي الصحيح : ترى أن أستتر بطرف ثوبي؟ فقال عليه‌السلام : « لا بأس بذلك ما لم يصب رأسك » (٤).

وفيه : عن المحرم يجد البرد في أُذنيه ، يغطّيهما؟ قال : « لا » (٥).

ويستفاد منه كون الأُذنين [ يحرم (٦) ] سترهما. وهو الأظهر ، وفاقاً لجمع ومنهم الفاضل في التحرير (٧) ، خلافاً له في التذكرة والمنتهى (٨) ، فتردّد في ذلك. ولا وجه له بعد ذلك.

ورخّص في عصابتي القِربة والصداع ؛ للصحيحين (٩) ، قيل : وعمل‌

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٧٨٩ ، التذكرة ١ : ٣٣٦.

(٢) كما في المفاتيح ١ : ٣٣٢.

(٣) منهم : العلاّمة في التحرير ١ : ١١٤ ، والشهيد الأوّل في الدروس ١ : ٣٧٩ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٣٣٠.

(٤) الفقيه ٢ : ٢٢٧ / ١٠٦٨ ، الوسائل ١٢ : ٥٢٥ أبواب تروك الإحرام ب ٦٧ ح ٤.

(٥) الكافي ٤ : ٣٤٩ / ٤ ، الوسائل ١٢ : ٥٠٥ أبواب تروك الإحرام ب ٥٥ ح ١.

(٦) في النسخ : يجب. وهو سهو.

(٧) التحرير ١ : ١١٤ ، وانظر المدارك ٧ : ٣٥٥.

(٨) التذكرة ١ : ٣٣٧ ، المنتهى ٢ : ٧٨٩.

(٩) الأوّل : الفقيه ٢ : ٢٢١ / ١٠٢٤ ، الوسائل ١٢ : ٥٠٨ ، أبواب تروك الإحرام ب ٥٧ ح ١.

٢٩٧

بهما الأصحاب (١).

وكذا ستره بيده وبعض أعضائه على الأظهر ، وفاقاً للمنتهى وجمع (٢) ؛ للأصل ، وما سيأتي من الصحيح على جواز الحكّ ، والصحيح : « لا بأس أن يستر بعض جسده ببعض » (٣).

أما الوجه فالأشهر الأظهر جواز تغطيته له اختياراً ؛ للأصل ، والصحاح المستفيضة ، منها : الرجل المحرم يريد أن ينام ، يغطّي وجهه من الذباب؟

قال : « نعم ، ولا يخمّر رأسه » (٤) ». مضافاً إلى نقل الإجماع عليه عن الخلاف والمنتهى والتذكرة (٥).

خلافاً للمحكي عن العماني ، فأوجب به إطعام مسكين في يده (٦) ؛ للصحيح (٧) ، ووافقه في التهذيب على إيجاب الكفارة ، لكن جوّزه اختياراً مع نيتها (٨).

وحمل الكفارة على الاستحباب كما عليه الأكثر لعلّه أولى ، جمعاً بين النصوص ، إذ لو وجبت لذكرت في مقام البيان في سائرها ، فهي لذلك‌

__________________

الثاني : الكافي ٤ : ٣٥٩ / ١٠ ، التهذيب ٥ : ٣٠٨ / ١٠٥٦ ، الوسائل ١٢ : ٥٣٠ أبواب تروك الإحرام ب ٧٠ ح ٤.

(١) كشف اللثام ١ : ٣٣٠.

(٢) المنتهى ٢ : ٧٩٠ ؛ وانظر المدارك ٧ : ٣٥٤ ، والروضة ٢ : ٢٤٢ ، والمفاتيح ١ : ٣٣٤.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٠٨ / ١٠٥٥ ، الوسائل ١٢ : ٥٢٤ أبواب تروك الإحرام ب ٦٧ ح ٣.

(٤) الكافي ٤ : ٣٤٩ / ١ ، التهذيب ٥ : ٣٠٧ / ١٠٥١ ، الإستبصار ٢ : ١٨٤ / ٦١٤ ، الوسائل ١٢ : ٥١٠ أبواب تروك الإحرام ب ٥٩ ح ١.

(٥) الخلاف ٢ : ٢٩٨ ، المنتهى ٢ : ٧٩٠ ، التذكرة ١ : ٣٣٧.

(٦) كما حكاه عنه في الدروس ١ : ٣٨٠.

(٧) التهذيب ٥ : ٣٠٨ / ١٠٥٤ ، الوسائل ١٢ : ٥٠٥ أبواب تروك الإحرام ب ٥٥ ح ٤.

(٨) التهذيب ٥ : ٣٠٨.

٢٩٨

ظاهرة في عدم الوجوب ، وللرجحان بالشهرة قدّمت على الصحيح ، ولولاها لكان الجمع بالوجوب مقتضى الأُصول ، وهو مع ذلك أحوط.

( وفي معناه الارتماس ) وإدخال الرأس في الماء ؛ بالإجماع والصحاح (١). دون غسله وإفاضة الماء عليه ، فيجوز بالإجماع ، كما عن صريح التذكرة وظاهر المنتهى (٢) ؛ للصحاح ، منها : هل يحكّ رأسه أو يغتسل بالماء؟ فقال : « يحكّ رأسه ما لم يتعمد قتل دابة ، ولا بأس بأن يغتسل بالماء ويصبّ على رأسه ما لم يكن ملبِّداً ، فإن كان ملبِّداً فلا يفيض على رأسه الماء إلاّ من احتلام » (٣).

قيل : ومضمونه فتوى المقنع والدروس ، قلت : ولعلّ منع الملبِّد من الصبّ للاحتراز عن سقوط الشعر ، ولا يدل الخبر على جواز التلبيد مطلقاً ، فضلاً عنه اختياراً ، وفي التذكرة والدروس القطع بجواز التوسد ، لأنه يصدق عرفاً أنه مكشوف الرأس (٤). انتهى.

وهو جيّد.

وهل التغطية محرّمة بأيّ شي‌ء كان حتى ينحو من الطين والحِنّاء وحمل الطبق والمتاع ونحو ذلك ، أم يختص بالمعتاد ، كالستر بالثوب ووضع القناع؟ إشكال ، إلاّ أن الأصل مع اختصاص النواهي بالثاني يقتضيه وإن كان الأوّل أحوط ؛ لإطلاق نحو الصحيح : « إحرام المرأة في وجهها ،

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٥٠٨ أبواب تروك الإحرام ب ٥٨.

(٢) التذكرة ١ : ٣٣٦ ، المنتهى ٢ : ٧٩٠.

(٣) الكافي ٤ : ٣٦٦ / ٧ ، الفقيه ٢ : ٢٣ / ١٠٩٢ ، المقنع : ٧٥ ، الوسائل ١٢ : ٥٣٤ أبواب تروك الإحرام ب ٧٣ ح ٤.

(٤) كشف اللثام ١ : ٣٣٠.

٢٩٩

وإحرام الرجل في رأسه » (١) مؤيداً بأخبار الارتماس ، سيّما وظاهر بعض الأفاضل أنه لا خلاف فيه إلاّ من العامة (٢) ، وعن المبسوط أن من خضب رأسه أو طيّنه لزمه الفداء كمن غطّاه بثوب بلا خلاف (٣) (٤).

( ولو غطّى ناسياً ألقاه ) أي الغطاء المدلول عليه بالمقام ( وجوباً ) اتفاقاً على الظاهر ، المصرَّح به في بعض العبائر (٥) ( وجدّد التلبية ) للصحيحين (٦) في الحكمين ، إلاّ أن ظاهرهما وجوب التجديد ؛ للأمر به فيهما.

فقوله : ( استحباباً ) لا وجه له ، إلاّ ما في كلام جماعة (٧) من الأصل وعدم قائل بالوجوب.

وفيه نظر ؛ لوجوب الخروج عن الأصل بالأمر ، ومنع عدم القائل ، فقد‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٤٥ / ٧ ، الفقيه ٢ : ٢١٩ / ١٠٠٩ ، الوسائل ١٢ : ٥٠٥ أبواب تروك الإحرام ب ٥٥ ح ٢.

(٢) كشف اللثام ١ : ٣٣٠.

(٣) المبسوط ١ : ٣٥١ وفيه : أو طيّبه.

(٤) ويعضده ما ورد في بعض الأخبار من منع المرأة من ستر الوجه بالمروحة ، بعد ملاحظة ما ورد من أن الإحرام للرجل في رأسه والمرأة في وجهها ، فيكون منعها من المروحة إنما هو لمنافاة الستر بها للإحرام ، فينبغي أن يكون ستر الرأس بها في الرجل كذلك. فتدبّر. ( منه رحمه الله ).

(٥) كشف اللثام ١ : ٣٣٠.

(٦) الأوّل : الفقيه ٢ : ٢٢٧ / ١٠٧١ ، التهذيب ٥ : ٣٠٧ / ١٠٥٠ ، الإستبصار ٢ : ١٨٤ / ٦١٣ ، الوسائل ١٢ : ٥٠٥ أبواب تروك الإحرام ب ٥٥ ح ٣.

الثاني : الفقيه ٢ : ٢٢٧ / ١٠٧٠ ، الوسائل ١٢ : ٥٠٦ أبواب تروك الإحرام ب ٥٥ ح ٦.

(٧) منهم : صاحب المدارك ٧ : ٣٥٩ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ١ : ٣٣٢ ، والسبزواري في الذخيرة : ٥٩٩ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٣٣٠.

٣٠٠