تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٣

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي


المحقق: حسين درگاهى
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٠٣

الحليم منهم حيرانا (١).

(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً) ، أي : حظّا وافرا. والتّنكير للتّعظيم.

(مِنَ الْكِتابِ) ، أي : التّوراة ، أو جنس الكتب السّماويّة. ومن للتّبعيض ، أو التّبيين (٢).

(يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ) ، أي : يدعوهم محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ إلى القرآن ليحكم بينهم ، أو التّوراة لمانقل (٣) : انّه ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ دخل مدارسهم فقال له نعيم بن عمرو والحارث بن زيد : على أيّ دين أنت؟

فقال : على دين إبراهيم.

فقال له نعيم (٤) : إنّ إبراهيم كان يهوديّا.

فقال : هلمّوا إلى التّوراة ليحكم (٥) بيننا وبينكم ، فأبيا.

[فنزلت] (٦).

وقيل : نزلت في الرّجم. وقد اختلفوا فيه.

وقرئ ليحكم على البناء للمفعول ، فيكون الاختلاف فيما بينهم (٧).

(ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ) : استبعاد لتولّيهم ، مع علمهم بأنّ الرّجوع إليه واجب.

(وَهُمْ مُعْرِضُونَ) (٢٣) : حال من فريق لتخصيصه بالصّفة ، أي : وهم قوم عادتهم الإعراض عن الحقّ ، وهو نهاية التّقريع (٨).

(ذلِكَ) ، أي : الإعراض.

(بِأَنَّهُمْ قالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ) : بسبب تسهيلهم امر العذاب ، (وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) (٢٤) : من قولهم السّابق ، أو أنّ آباءهم الأنبياء يشفعون لهم ، أو أنّه تعالى وعد يعقوب أن لا يعذّب أولاده إلّا تحلّة القسم. وتكرير الكذب والافتراء ، يصيّره في صورة الصّدق ، عند قائله ومفتريه.

(فَكَيْفَ إِذا جَمَعْناهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ) : تكذيب لقولهم : لن تمسّنا النّار إلَّا أيّاما ، ولغرورهم بما كانوا يفترون.

__________________

(١) المصدر : حيران.

(٢) أ : للتبيين.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ١٥٤.

(٤) المصدر : «فقالا له» بدل «فقال له نعيم».

(٥) المصدر : فانّها.

(٦) من المصدر.

(٧) نفس المصدر والموضع.

(٨) أ : التفريع.

٦١

(وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ) : جزاء ما كسبت.

قال البيضاويّ (١) : وفيه دليل على أنّ العبادة لا تحبط ، وأنّ المؤمن لا يخلّد في النّار ، لأنّ توفية إيمانه وعمله لا يكون (٢) في النّار ولا قبل دخولها ، فإذن هي بعد الخلاص [منها].(٣) ويردّ عليه في الأوّل ، أنّه على تقدير الإحباط ، يصدق على النّفس المحسنة الّتي أحبطت حسنتها (٤) بالسّيِّئة الّتي صدرت عنها أنّها وفيت ما كسبت ، بمعنى أنّها لحسنتها لم تعاقب بالسّيّئة الّتي صدرت عنها. وفي الثّاني ، أنّه يمكن توفية (٥) إيمانه وعمله في النّار ، بأن يخفّف عذابه عن قدر ما ينبغي لسيئته ، لإيمانه وعمله.

والتّحقيق أنّ المؤمن ، يعني ، الموالي للأئمّة ـ عليهم السّلام ـ لا يدخل النّار ، وغيره يدخل ولا يخرج. ومناط الإيمان ما جعله الله ورسوله إيمانا ، لا ما جعله كلّ حزب إيمانا وعدّه عملا صالحا ، فكم ممّن يعدّ نفسه مؤمنا وهو مؤمن بنفسه وهواه ، وكم ممّن يعد نفسه مواليا فهو ممّن يوالي الشّيطان.

(وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (٢٥) :

الضّمير لكلّ نفس على المعنى ، لأنّه في معنى كلّ إنسان.

(قُلِ اللهُمَ) :

الميم عوض عن حرف النّداء ، ولذلك لا يجتمعان ، وقد وقع في الشّعر ضرورة ، وهو من خصائص هذا الاسم كدخولها عليه مع لام التّعريف ، وقطع همزته وتاء القسم.

وقيل (٦) : أصله «يا الله آمنّا بخير» ، مخفّف بحذف حرف النّداء ومتعلّقات الفعل وهمزته.

(مالِكَ الْمُلْكِ) : على الحقيقة ، وهو صفة لله. وعند سيبويه ، نداء ثان ، فإنّ الميم عنده تمنع الوصفيّة.

(تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ) ، أي : تعطي منه (٧) ما تشاء من تشاء ، وتستردّ. فالملك الأوّل عامّ ، والأخيران بعضان منه.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ١٥٤.

(٢) المصدر : لا تكون.

(٣) من المصدر.

(٤) أ ، ر : حسنته.

(٥) أ : توفيته.

(٦) أنوار التنزيل ١ / ١٥٤.

(٧) أ : منها.

٦٢

وقيل (١) : المراد بالملك ، النّبوّة. ونزعها ، نقلها من قوم إلى قوم.

وفي روضة الكافي (٢) : بإسناده إلى عبد الأعلى ـ مولى آل سام ـ عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : قلت له : (قُلِ اللهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ) ، أليس قد أتى الله ـ عزّ وجلّ ـ بني أميّة الملك؟

قال : ليس حيث تذهب (٣) ، إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ أتانا الملك وأخذته بنو أميّة ، بمنزلة الرّجل يكون له الثّوب فيأخذه الآخر ، فليس هو الذي أخذه.

فالمراد بإيتاء الملك بناء على هذا الخبر جعل الملك لأحد وجعله جائز التّصرّف فيه ، لا التسلّط (٤) على الملك كما يتوهّم بعض الأوهام وذهب إليه وهو (٥) مولى آل سام (٦) ، وهو الآن لمن جعل الله الملك له وجعله قائما فيه.

(وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ) : في الدّنيا ، أو في الآخرة ، أو فيهما ، بالنّصر والإدبار ، والتّوفيق والخذلان.

(بِيَدِكَ الْخَيْرُ) ، أي : ما هو فعلك خير ، والشّرّ ممّا يرجع إلينا ، مع كون الشّرّ مقدورا لك أيضا.

(إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (٢٦) : خيرا كان أو شرّا ، لكنّ ما يصدر عن يدك وقدرتك هو الخير ، هذا. وقال البيضاويّ (٧) : ذكر الخير وحده لأنّه المقضى (٨) بالذّات ، والشّرّ مقضي (٩) بالعرض ، إذ لا يوجد شرّ جزئيّ ما لم يتضمّن خيرا كليّا. أو لمراعاة الأدب في الخطاب. أو لأنّ الكلام وقع فيه ، إذ

روي : أنّه ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ لمّا خطّ الخندق ، وقطع لكلّ عشرة أربعين ذراعا ، وأخذوا يحفرون ، فظهر فيه صخرة عظيمة لم يعمل فيها (١٠) المعاول ، فوجّهوا سلمان إلى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يخبره ، فجاء ـ عليه السّلام ـ فأخذ المعول منه ، فضربها ضربة صدّعتها ، وبرق منها برق (١١) أضاء ما بين

__________________

(١) نفس المصدر والموضع.

(٢) الكافي ٨ / ٢٦٦ ، ح ٣٨٩.

(٣) المصدر : تذهب إليه.

(٤) أ : التسليط.

(٥) الأصل ور : هم. وما أثبتناه في المتن موافق أ.

(٦) ر : آل سالم.

(٧) أنوار التنزيل ١ / ١٥٤ ـ ١٥٥.

(٨) أ : المقتضي.

(٩) أ : مقتضي.

(١٠) النسخ : فيه. وما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

(١١) أ : برقا.

٦٣

لابتيها لكأنّ [بها] (١) مصباحا في جوف بيت مظلم (٢) ، فكبّر وكبّر معه المسلمون وقال : أضاءت لي [منها قصور الحيرة كأنّها أنياب الكلاب. ثمّ ضرب الثّانية فقال : أضاءت لي منها القصور الحمر من أرض الرّوم. ثمّ ضرب الثّالثة فقال : أضاءت لي] (٣) [منها] (٤) قصور صنعاء ، وأخبرني جبرئيل أنّ أمّتي ظاهرة على كلّها فأبشروا.

فقال المنافقون : ألا تتعجّبون يمنّيكم ويعدكم الباطل ، ويخبركم أنّه يبصر من يثرب قصور الحيرة [ومدائن كسرى] (٥) وأنّها تفتح (٦) لكم ، وأنتم [إنّما] (٧) تحفرون الخندق من الفرق.

فنزلت ، ونبّه على أنّ الشّرّ أيضا بيده بقوله : [(إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).

انتهى كلامه ، وهذا بناء على زعمه الكاسد ممّا ذهب إليه الأشعريّة ، من أنّ الخير والشّرّ كليهما من أفعال الله ـ تعالى ـ].(٨) تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا ، بل ما يصدر عنه تعالى ممّا ظاهره الشّرّ من التّعذيب والخزي والإماتة والتّحريض وغير ذلك ، فهو خير في الواقع وحسن بالنّظر إلى مصالحه وحكمه ، كيف والشّرّ قبيح يقبح صدروه عنه تعالى.

(تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَتُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ) ، أي : تزيد في النّهار وتنقص من اللّيل وبالعكس ، أو تعقّب أحدهما الآخر. والولوج ، الدّخول في مضيق.

وفي كتاب الإهليلجة (٩) : قال الصّادق ـ عليه السّلام ، بعد أن ذكر اللّيل والنّهار ـ يلج أحدهما في الأخر [حتّى] (١٠) ينتهي كلّ واحد منهما إلى غاية معروفة محدودة (١١) في الطّول والعرض (١٢) ، على مرتبة ومجرى واحد.

(وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِ) : تنشئ الحيوانات من موادّها وتميتها ، أو تخرج الحيوان من النّطفة منه ، أو تخرج المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن.

__________________

(١) من المصدر.

(٢) النسخ : «ليلة» بدل «بيت مظلم».

(٣) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٤) من المصدر.

(٥) من المصدر.

(٦) أ : يفتح.

(٧) من المصدر.

(٨) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٩) بحار الأنوار ٣ / ١٦٥.

(١٠) من المصدر.

(١١) المصدر : «محدودة معروفة» بدل «معروفة محدودة»

(١٢) المصدر : القصر.

٦٤

وفي كتاب معاني الأخبار (١) : وسئل الحسن بن عليّ بن محمّد ـ عليهم السّلام ـ عن الموت ما هو؟

فقال : هو التّصديق بما لا يكون.

حدّثني أبي ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ قال : إنّ المؤمن إذا مات لم يكن ميّتا ، فإنّ الميّت هو الكافر ، إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول (٢) : يخرج الحيّ من الميّت ويخرج الميّت من الحيّ ، [يعني المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن.

وفي مجمع البيان (٣) : تخرج الحّي من الميّت وتخرج الميّت من الحيّ] (٤) قيل : إنّ معناه يخرج (٥) المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن. وروي ذلك عن أبي جعفر وأبي عبد الله ـ عليهما السّلام ـ.

وقرأ ابو عمرو وابن عامر وأبو بكر «الميت» بالتّخفيف (٦).

(وَتَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ) (٢٧) :

في مهج الدّعوات (٧) : عن أسماء بنت زيد قالت : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : اسم الله الأعظم الّذي إذا دعي به فأجاب : (قُلِ اللهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ) ـ إلى ـ (بِغَيْرِ حِسابٍ).

وقد مرّ في أوّل الفاتحة ما يدلّ على فضل هذه الآية أيضا.

(لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ) : نهي عن موالاتهم والاستعانة بهم.

(مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) : في موضع الصّفة لأولياء ، أو الحال إن جوزت عن النّكرة ، والمعنى : أنّهم لا يتّخذوهم أولياء بدل المؤمنين ، فيكون إشارة إلى أنّ المؤمنين أحقّاء بالموالاة ، وفي موالاتهم مندوحة عن موالاة الكفرة ، فإنّ الله وليّ الذين آمنوا.

(وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ) : أي اتّخاذ الكافرين أولياء.

(فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ) : من الولاية ، لأنّه ترك موالاة المؤمنين الّذين وليّهم الله ووالى عدوّ الله.

__________________

(١) معاني الأخبار / ٢٩٠ ـ ٢٩١ ، ح ١٠.

(٢) الروم / ١٨.

(٣) مجمع البيان ١ / ٤٢٨.

(٤) ليس في أ.

(٥) المصدر : تخرج.

(٦) أنوار التنزيل ١ / ١٥٥.

(٧) مهج الدعوات / ٣١٧.

٦٥

(إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً) ، أي : لا يجوز موالاتهم في شيء من الأحوال إلّا في حالة أن تتّقوا منهم ، أي : تخافوا من جهتهم.

وتقاة ، مصدر. إمّا بمعنى ما يجب اتقاؤه فيكون مفعولا به ، أو بمعناه فيكون مفعولا مطلقا. والفعل معدّى بمن ، لأنّه في معنى تحذروا وتخافوا. وقرأ يعقوب : تقيّة.

وفي كتاب الاحتجاج (١) للطّبرسيّ ـ رحمه الله ـ عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ في حديث طويل يقول فيه ـ عليه السّلام ـ لبعض اليونانيّين : وآمرك أن تستعمل التّقيّة (٢) في دينك ، فإنّ الله يقول : (لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً) [..]. وإيّاك ثمّ إيّاك أن تتعرّض للهلاك (٣) ، وان تترك التّقيّة الّتي أمرتك بها ، فإنّك شائط بدمك ودم (٤) إخوانك ، معرّض لنعمك ولنعمهم للزّوال (٥) ، مذلّ لك ولهم (٦) في أيدي أعداء الله (٧) وقد أمرك (٨) بإعزازهم.

وفي تفسير العيّاشيّ (٩) : عن الحسين بن زيد بن عليّ ، عن جعفر بن محمّد [عن أبيه عليهما السّلام] (١٠) قال : كان رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يقول : لا إيمان لمن لا تقيّة له ، ويقول : فإنّ (١١) الله يقول (١٢) : (إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً).

وفي أصول الكافي (١٣) : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن أدينة ، عن إسماعيل الجعفيّ ومعمّر بن يحيى بن سام (١٤) ومحمّد بن مسلم وزرارة قالوا : سمعنا أبا جعفر ـ عليه السّلام ـ يقول : التّقيّة في كلّ شيء يضطرّ إليه ابن آدم ، فقد أحلّه (١٥) الله له.

عليّ بن إبراهيم (١٦) : عن محمّد بن عيسى ، عن يونس (١٧) ، عن ابن مسكان ، عن

__________________

(١) الاحتجاج ١ / ٣٥٤ ـ ٣٥٥.

(٢) النسخ : تقية. وما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

(٣) «أن تتعرّض للهلاك و» ليس في المصدر.

(٤) النسخ : دماء. وما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

(٥) المصدر : «لنعمتك ونعمهم على الزوال» بدل «لنعمك ولنعمهم للزوال».

(٦) النسخ : «مذلّهم». تفسير نور الثقلين : «مذلّ لهم» بدل «مذلّ لك ولهم».

(٧) المصدر : أعداء دين الله. (٨) المصدر : وقد أمرك الله.

(٩) تفسير العياشي ١ / ١٦٦ ، ح ٢٤.

(١٠) من المصدر. (١١) المصدر : قال.

(١٢) ليس في المصدر.

(١٣) الكافي ٢ / ٢٢٠ ، ح ١٨.

(١٤) الأصل : بسام. وما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

(١٥) النسخ : أحلّ. وما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

(١٦) نفس المصدر ٢ / ٢٢٠. (١٧) «عن يونس» ليس في ر.

٦٦

حريز ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : قال : التّقيّة ترس (١) الله بينه وبين خلقه.

(وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ) في موالاة الكفّار من غير ضرورة وترك التّقيّة في حال الضّرورة. وذكر «النفس» ليعلم أنّ المحذّر منه عقاب منه ، وهو تهديد عظيم مشعر بتناهي النّهي عنه في القبح.

(وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ) (٢٨) : تأكيد للتّهديد ، وإتيان الظّاهر موضع الضّمير للمبالغة.

(قُلْ إِنْ تُخْفُوا ما فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللهُ) : يعلم السّرّ منكم والعلن.

(وَيَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) : فيعلم ما تضمرونه وما تخفونه.

(وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (٢٩) : فيقدر على تعذيبكم وخزيكم ان لم تنتهوا عن ما نهيتم عنه.

(يَوْمَ) : منصوب «بتودّ» أو «اذكر» مضاف إلى (تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً) ، أي : تجد صحائف أعمالها ، أو جزاء أعمالها من الخير حاضرا.

(وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ) أي : محضرا ، (تَوَدُّ) : حال ، على تقدير تعلّق «يوم» باذكر من الضّمير في «عملت» أو خبر «لما عملت من سوء» و «تجد» مقصور على «ما عملت من خير» ولا تكون «ما» شرطيّة لارتفاع «تودّ».

وقرئ «ودّت» وعلى هذا يحتمل أن تكون «ما» شرطيّة (٢).

(لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً) : بتأويل المصدر مفعول «تودّ» ، أي : تودّ كون الأمد البعيد بينها وبين عملها.

(وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ) : التّكرير للتّوكيد.

(وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ) (٣٠) : إشارة إلى أنّ النّهي للرّأفة ، رعاية لمصالحهم. وأنّه لذو مغفرة وذو عقاب ، فيجب أن يرجى رحمته ، ويخشى عقابه.

(قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي) :

__________________

(١) أ : أترس.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ١٥٦.

٦٧

المحبّة ، ميل النّفس إلى الشيء ، لكمال أدرك فيه ، بحيث يحملها على ما يقرّبه إليه. ومحبّة العباد لله مجاز عن إرادة نفوسهم اختصاصه بالعبادة دون غيره ، ورغبتهم (١) فيها ، وهي مستلزمة لاتّباع الرّسول في جميع ما جاء به ومن جملته ، بل العمدة فيه اتّباع الأئمّة ـ عليهم السّلام ـ.

(يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) : جواب للأمر ، أي : يرضى عنكم ويتجاوز عن ذنوبكم. عبّر عن ذلك بالمحبّة على طريق الاستعارة ، أو المقابلة.

وفي روضة الكافي (٢) : بإسناده إلى أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في حديث طويل يقول فيه ـ عليه السّلام ـ : ومن سرّه أن يعلم أنّ الله يحبّه فليعمل بطاعة الله وليتّبعنا ، ألم يسمع قول الله ـ عزّ وجلّ ـ لنبيّه ـ صلّى الله عليه وآله : (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ). والله لا يطيع الله عبد أبدا إلّا أدخل الله عليه في طاعته اتّباعنا ، ولا والله لا يتّبعنا عبد أبدا إلّا أحبّه الله [و] (٣) لا والله لا يدع (٤) أحد اتّباعنا أبدا إلا أبغضنا ولا والله لا يبغضنا أحد أبدا إلّا عصى الله ، ومن مات عاصيا لله أخزاه [الله] (٥) وأكبّه على وجهه في النّار ، والحمد لله ربّ العالمين.

وفيها خطبة لأمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ وهي خطبة الوسيلة (٦) ، يقول فيها ـ عليه السّلام ـ بعد أن ذكر النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله : ـ : فقال تبارك وتعالى ـ في التّحريض على اتّباعه والتّرغيب في تصديقه والقبول لدعوته : (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) ، فاتّباعه ـ صلّى الله عليه وآله ـ محبّة الله ، ورضاه غفران الذّنوب وكمال الفوز ووجوب الجنّة.

عليّ بن إبراهيم (٧) ، عن أبيه ، عن القاسم بن محمدّ [وعليّ بن محمّد ، عن القاسم بن محمّد] (٨) عن سليمان بن داود المنقريّ ، عن حفص بن غياث ، عن أبي عبد الله

__________________

(١) ر : رغبته.

(٢) الكافي ٨ / ١٤ ، ذيل حديث ١. وهي رسالة أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ إلى أصحابه.

(٣) من المصدر.

(٤) النسخ : ولا يدع. وما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

(٥) من المصدر.

(٦) نفس المصدر ٨ / ٢٦ ، ضمن حديث ٤.

(٧) نفس المصدر ٨ / ١٢٨ ـ ١٢٩ ، ح ٩٨. والحديث طويل. وله تتمة.

(٨) من المصدر.

٦٨

ـ عليه السّلام ـ قال : قال [..].إنّي لأرجو النّجاة لمن عرف حقّنا من هذه الأمّة إلّا لأحد ثلاثة : صاحب سلطان جائر ، وصاحب هوى ، والفاسق المعلن. ثمّ تلا : (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ). ثمّ قال : يا حفص الحبّ أفضل من الخوف. ثمّ قال : والله ما أحبّ [الله] (١) من أحبّ الدّنيا ووالى غيرنا ، ومن عرف حقّنا وأحبّنا فقد أحبّ الله ـ تبارك وتعالى ـ.

وفي كتاب الخصال (٢) : عن سعيد بن يسار قال : قال [لي] (٣) أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ : هل الدّين إلّا الحبّ ، إنّ الله تعالى يقول : [(قُلْ]) (٤) : (إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ).

وعن يونس بن ظبيان قال : قال الصّادق جعفر بن محمّد ـ عليهما السّلام ـ : إنّ النّاس يعبدون الله تعالى على ثلاثة أوجه : فطبقة يعبدونه رغبة في ثوابه فتلك عبادة الحرصاء وهو الطّمع ، وآخرون يعبدونه (٥) فرقا من النّار فتلك عبادة العبيد وهي الرّهبة ، ولكّني أعبده حبّا له فتلك عبادة الكرام وهو الأمن لقوله تعالى (٦) : (وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ) ولقوله تعالى : (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ).

فمن أحبّ الله أحبّه الله ، ومن أحبّه الله كان من الآمنين.

وفي تفسير العيّاشيّ (٧) : عن زياد ، عن أبي عبيدة الحذّاء قال : دخلت على أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ فقلت : بأبي أنت وامّي ربّما خلا بي الشّيطان فخبثت نفسي ، ثمّ ذكرت حبّي إيّاكم وانقطاعي إليكم فطابت نفسي.

فقال : يا زياد ويحك وما الدّين إلّا الحبّ ألا ترى إلى قول ـ الله تعالى ـ (إِنْ) (٨) (كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ).

وعن بشير الدّهّان (٩) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : [قد] (١٠) عرفتم فيّ منكرين كثيرا (١١) وأحببتم فيّ مبغضين كثيرا ، (١٢) وقد يكون حبّا لله [و] (١٣) في الله ورسوله ،

__________________

(١) من المصدر.

(٢) الخصال / ٢١ ، ح ٧٤.

(٣ و ٤ و ١٠ و ١٣) من المصدر.

(٥) النسخ : يعبدون. وما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

(٦) النمل / ٨٩.

(٧) تفسير العياشي ١ / ١٦٧ ، ح ٢٥.

(٨) أ : قل إن.

(٩) نفس المصدر والموضع ، ح ٢٦.

(١١ و ١٢) النسخ والمصدر : كثير.

٦٩

وحبّا في الدّنيا. فما كان في الله ورسوله فثوابه على الله ، وما كان في الدّنيا فليس [في] (١) شيء. ثمّ نفض يده ، ثمّ قال : إنّ هذه المرجئة وهذه القدريّة وهذه الخوارج ليس منهم أحد إلّا يرى أنّه على الحقّ ، وإنّكم إنّما أحببتمونا في الله ، ثمّ تلا : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) (٢) (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) (٣) ، و (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ) (٤) (إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ) (٥) وعن بريد بن معاوية (٦) [..]. عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : والله لو أحبنا حجر حشره الله معنا ، وهل الدّين إلّا الحبّ إنّ الله يقول : (إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ) ، وقال : يحبّون من هاجر إليهم وهل الدّين إلّا الحبّ.

وعن ربعي بن عبد الله (٧) قال : قيل لأبي عبد الله ـ عليه السّلام : جعلت فداك إنّا نسمّي بأسمائكم وأسماء آبائكم فينفعنا ذلك؟

فقال (٨) : إي والله وهل الدّين إلّا الحب ، قال الله تعالى : (إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ).

(وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٣١) لمن تحبّب إليه بطاعته واتباع رسوله ـ صلّى الله عليه وآله قال البيضاويّ (٩) : روي أنّها نزلت لمّا قالت اليهود : نحن أبناء الله وأحباؤه.

وقيل : نزلت في وفد نجران لمّا قالوا : إنّما نعبد المسيح حبّا لله.

وقيل : في أقوام زعموا على عهده [صلّى الله عليه وآله] أنّهم يحبّون الله فأمروا أن يجعلوا لقولهم تصديقا من العمل.

ولنعم ما قال صاحب الكشّاف هنا (١٠) : وإذا رأيت من يذكر محبّة الله ، ويصفّق بيديه مع ذكرها (١١) ، ويطرب وينعر ويصعق ، فلا تشكّ في أنّه لا يعرف ما الله ولا يدري ما

__________________

(١) من المصدر.

(٢) النساء / ٥٩.

(٣) الحشر / ٧.

(٤) النساء / ٨٠.

(٥) / ٣١.

(٦) نفس المصدر والموضع ، ح ٢٧.

(٧) نفس المصدر والموضع ، ح ٢٨.

(٨) ر : «قال» بدل «ذلك فقال».

(٩) أنوار التنزيل ١ / ١٥٦.

(١٠) تفسير الكشاف ١ / ٤٢٤.

(١١) المصدر : ذكره.

٧٠

محبّة الله ، وما تصفيقه وطربه ونعرته وصعقته إلّا لأنّه تصوّر في نفسه الخبيثة صورة مستملحة معشقة فسمّاها الله بجهله ودعارته ، ثمّ صفّق وطرب ونعر وصعق على تصوّرها ، وربّما رأيت المنيّ قد ملأ إزار ذلك المحبّ عند صعقته ، وحمقى العامّة حواليه قد ملأوا أردانهم بالدّموع لما رقّقهم من حاله. قال :

أحبّ أبا ثروان من حبّ تمره

وأعلم أنّ الرّفق بالجار أرفق

ووالله لو لا تمره ما حببته

ولا كان أدنى من عبيد ومشرق

(قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا) : يحتمل المضيّ والمضارعة ، بمعنى ، فإن تتولّوا ، (فَإِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ) (٣٢) : لا يرضى عنهم ، ولا يغفر لهم. ووضع المظهر موضع المضمر لقصد العموم ، والدّلالة على أنّ التّولّي كفر ، وإنّه ينفي محبّة الله ومحبّته مخصوصة بالمؤمنين. وفي الآية مع ما ذكر من الأخبار في بيانها دلالة صريحة على كفر من تولّى عن الولاية ، فتبصّر.

(إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ) :

لمّا أوجب طاعة الرّسول وأولاده الأوصياء (١) ، وبيّن أنّها الجالبة لمحبّته ، عقّب ذلك ببيان مناقب الرّسل وآلهم ، الّذين أوصياء الرّسول منهم ، تحريضا عليه.

(وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ) : وآله إسماعيل وإسحاق وأولادهما ، ودخل فيهم الرّسول ـ صلّى الله عليه وآله ـ وأولاده الأوصياء ـ عليهم السّلام ـ.

في مجمع البيان (٢) : إنّ آل إبراهيم هم آل محمّد الّذين هم أهله ، ويجب أن يكون الّذين اصطفاهم الله مطهّرين معصومين منزّهين عن القبائح ، لأنّه سبحانه لا يختار ولا يصطفي إلّا من كان كذلك ، ويكون ظاهره مثل باطنه في الطّهارة والعصمة. ثمّ قال (٣) : وهو المرويّ عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ.

وفي تفسير العياشي (٤) : عن حنان بن سدير ، عن أبيه ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَعَلَى الْعالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ)

__________________

(١) الأصل ور : والأوصياء. وما أثبتناه في المتن موافق أ.

(٢) مجمع البيان ١ / ٤٣٣.

(٣) نفس المصدر والموضع. إلا أنه مرتبط بحديث آخر غير هذا الحديث.

(٤) أ : «وروى» بدل «وفي تفسير العياشي». وفيه ١ / ١٦٨ ، ح ٢٩.

٧١

. قال : نحن منهم ونحن بقيّة تلك العترة.

[وفي شرح الآيات الباهرة (١) :] (٢) روى الشّيخ أبو جعفر الطّوسيّ ـ رحمه الله ـ عن روح بن روح (٣) ، عن رجاله ، عن إبراهيم (٤) النّخعيّ (٥) ، عن ابن عبّاس ـ رضي الله عنه ـ قال : دخلت على أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام ـ فقلت : يا أبا الحسن أخبرني بما أوصى اليك رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ.

فقال : سأخبركم (٦) ، إنّ الله اصطفى لكم الدّين وارتضاه وأتمّ عليكم نعمته وكنتم أحقّ بها وأهلها ، وإنّ الله أوحى إلى نبيّه أن يوصي إليّ ، فقال النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ : يا عليّ احفظ وصيّتي وارع (٧) ذمامي وأوف بعهدي وأنجز عداتي واقض دينى وأحيي (٨) سنّتي وقوّمها وادع إلى ملّتي ، لأنّ الله تعالى اصطفاني واختارني ، فذكرت دعوة أخي موسى ـ عليه السّلام ـ فقلت : اللهمّ اجعل لي وزيرا من أهلي كما جعلت هارون من موسى. فأوحى الله ـ عزّ وجلّ ـ إليّ : إنّ (٩) عليّا وزيرك وناصرك والخليفة من بعدك ، ثمّ يا عليّ أنت (١٠) من أئمّة الهدى وأولادي (١١) منك. فأنتم قادة الهدى والتّقى ، والشّجرة الّتي أنا أصلها وأنتم فرعها ، فمن تمسّك بها فقد نجا ، ومن تخلّف عنها فقد هلك وهوى ، وأنتم الّذين أوجب الله تعالى مودّتكم وولايتكم ، والّذين ذكرهم الله في كتابه

__________________

(١) تأويل الآيات الباهرة ، مخطوط / ٣٨.

(٢) ليس في أ.

(٣) النسخ : «رواح» ، وما أثبتناه في المتن موافق المصدر وتفسير البرهان ١ / ٢٧٩.

(٤) أ : إسماعيل.

(٥) المصدر : إبراهيم بن النخعي.

(٦) جاءت بصيغة الجمع والسائل واحد وهو ابن عباس. فإمّا «سأخبرك» ، أو يمكن أن يكون ذكره بصيغة الجمع للاحترام ، أو الخطاب للناس. وهكذا وردت في تفسير البرهان ١ / ٢٧٩.

(٧) الأصل وتفسير البرهان : «ارفع». أور : «ادفع». وما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

(٨) النسخ : «وقوّمها واحيي سنتي» ، تفسير البرهان : «واقض ديني وقوّمها وقوّم سنتي» بدل : «واقض ديني واحيى سنتي وقوّمها». وهي موافق المصدر.

(٩) ر : فانّ.

(١٠) هكذا في الأصل والمصدر. وفي البرهان ور : «أنت يا عليّ» بدل «يا عليّ أنت».

(١١) النسخ والبرهان : أولادك. وما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

٧٢

ووصفهم لعباده ، فقال ـ عزّ وجلّ من قائل ـ : (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَعَلَى الْعالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) ، فأنتم صفوة الله من آدم ونوح وآل إبراهيم و، وأنتم الأسرة من إسماعيل ، والعترة الهادية من محمّد ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ.

وفي عيون الأخبار (١) ، في باب ذكر مجلس الرّضا ـ عليه السّلام ـ مع المأمون في الفرق بين العترة والأمّة في حديث طويل وفيه : فقال المأمون : هل فضّل الله العترة على سائر النّاس؟

فقال أبو الحسن ـ عليه السّلام ـ : إنّ الله تعالى أبان فضل العترة على سائر النّاس في محكم كتابه.

فقال له المأمون : اين ذلك من كتاب الله؟

فقال الرّضا ـ عليه السّلام ـ : في قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَعَلَى الْعالَمِينَ).

(وَ) :

آله موسى وهرون ابنا عمران بن يصهر (٢).

وقيل (٣) : عيسى [ومريم بنت عمران بن ماثان ، وبين العمرانين ألف وثمان مائة سنة.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٤) : قال العالم ـ عليه السّلام ـ :] (٥) نزل آل إبراهيم (٦) ووآل محمّد على العالمين ، فأسقطوا آل محمّد من الكتاب.

وفي مجمع البيان (٧) : وفي قراءة أهل البيت ـ عليه السّلام ـ : وآل محمّد على العالمين.

وفي تفسير العيّاشيّ (٨) : عن هشام بن سالم قال : سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ

__________________

(١) عيون أخبار الرضا ١ / ٢٣٠ ، ضمن حديث ١.

(٢) وهو ابن قاهث بن لاوى بن يعقوب. ر. مجمع البيان ذيل آية (ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ).

(٣) ر. أنوار التنزيل ١ / ١٥٦ ـ ١٥٧.

(٤) تفسير القمي ١ / ١٠٠.

(٥) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٦) «آل إبراهيم» ليس في المصدر.

(٧) مجمع البيان ١ / ٤٣٣.

(٨) تفسير العياشي ١ / ١٦٨ ، ح ٢٩. و «تفسير العياشي» ليس في أ.

٧٣

عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً).

فقال : هو آل إبراهيم وآل محمّد على العالمين فوضعوا اسما مكان اسم.

(عَلَى الْعالَمِينَ) (٣٣) :

قيل (١) : فيه دلالة ظاهرة (٢) على تفضيلهم على الملائكة. [وقد مرّ ما فيه في سورة البقرة].(٣)

وفي كتاب الخصال (٤) : عن أبي الحسن الأوّل ـ عليه السّلام ـ قال : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ اختار من كلّ شيء أربعة ـ إلى أن ـ قال : واختار من البيوتات (٥) أربعة ، فقال ـ تعالى ـ : (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَعَلَى الْعالَمِينَ).

وعن جعفر بن محمّد (٦) ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن عليّ بن أبي طالب ـ عليهم السّلام ـ عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ أنّه قال في وصيّة له : يا عليّ إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ أشرف على الدّنيا فاختارني منها على رجال العالمين ، ثمّ اطّلع الثّانية فاختارك على رجال العالمين بعدي ، ثمّ اطّلع الثّالثة فاختار الأئمّة من ولدك على رجال العالمين بعدك ، ثمّ اطّلع الرّابعة فاختار فاطمة على نساء العالمين.

[وفي عيون الأخبار (٧) في باب مجلس الرّضا ـ عليه السّلام ـ عند المأمون مع أهل الملل والمقالات ، وما أجاب عليّ بن محمّد بن الجهم في عصمة الأنبياء ـ صلوات الله عليهم ـ حديث طويل يقول فيه الرّضا ـ عليه السّلام ـ : أمّا قوله ـ عزّ وجلّ ـ في آدم : (وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى) ، فإنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ خلق آدم حجّة في أرضه وخليفته في بلاده لم يخلقه للجنّة ، وكانت المعصية من آدم ـ عليه السّلام ـ في الجنّة لا في الأرض ، وعصمته تجب أن يكون في الأرض ليتمّ مقادير أمر الله ـ عزّ وجلّ ـ فلمّا أهبط إلى الأرض وجعل حجّة وخليفة عصم بقوله ـ عزّ وجلّ ـ : (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَعَلَى الْعالَمِينَ).

__________________

(١) مجمع البيان ١ / ٤٣٣.

(٢) أ : صريحة.

(٣) ليس في أ.

(٤) الخصال / ٢٢٥ ، ضمن حديث ٥٨.

(٥) النسخ : البيوت. وما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

(٦) نفس المصدر / ٢٠٦ ، ح ٢٥.

(٧) عيون أخبار الرضا ١ / ١٩٢ ـ ١٩٣.

٧٤

وفيه (١) ، في باب مجلس آخر للرّضا ـ عليه السّلام ـ عند المأمون في عصمة الأنبياء ـ عليهم السّلام ـ حديث طويل وفيه يقول ـ عليه السّلام ـ : وكان ذلك من آدم قبل النّبوّة ، ولم يكن ذلك بذنب كبير استحقّ به دخول النّار ، وإنّما كان من الصّغائر الموهوبة الّتي تجوز على الأنبياء قبل نزول الوحي عليهم. فلمّا اجتباه الله تعالى وجعله نبيّا كان معصوما لا يذنب صغيرة ولا كبيرة. قال الله تعالى : (وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى ، ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى) (٢). وقال ـ عزّ وجلّ ـ : (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَعَلَى الْعالَمِينَ)].(٣)

(ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ) : حال ، أو بدل من الآلين ، أو منهما ومن نوح ، أي : أنّهم ذرّيّة واحدة متشعبة بعضها من بعض في الدّين.

والذّرّيّة الولد ، فعليّة من الذّرا ، وفعولة من الذّرء ، أبدلت همزتها ياء ، ثمّ قلبت الواو ياء وأدغمت.

وفي كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة (٤) : بإسناده إلى محمّد بن الفضيل (٥) ، عن أبي حمزة الثّماليّ ، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر ـ عليهما السّلام ـ في حديث طويل يقول فيه ـ عليه السّلام : فلمّا قضى محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ نبوّته واستكملت أيامه أوصى الله ـ عزّ وجلّ ـ إليه : أن يا محمّد قد قضيت نبوّتك واستكملت أيّامك ، فاجعل العلم الّذي عندك والإيمان والاسم الأكبر وميراث العلم وآثار علم النّبوّة عند عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام ـ. فإنّي لم أقطع العلم والإيمان والاسم الأكبر وميراث العلم وآثار علم النّبوّة من العقب من ذرّيّتك ، كما لم أقطعها من بيوتات الأنبياء الّذين كانوا بينك وبين أبيك آدم. وذلك قوله ـ عزّ وجلّ ـ : (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَعَلَى الْعالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).

وفي روضة الكافي (٦) : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن الحسن بن محبوب ، عن محمّد

__________________

(١) نفس المصدر ١ / ١٩٦.

(٢) المصدر : «فهدى». وما أثبتناه في المتن موافق الأصل والقرآن المجيد.

(٣) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٤) كمال الدين وتمام النعمة / ٢١٧.

(٥) النسخ : محمد بن الفضل. وما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

(٦) الكافي ٨ / ١١٧ ، ضمن حديث ٩٢.

٧٥

بن الفضل ، عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ مثله.

وفي أصول الكافي (١) : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن الحسن بن إبراهيم ، عن يونس ، عن هشام بن الحكم (٢) ـ في حديث بريّة لما جاء معه إلى أبي عبد الله عليه السّلام فلقى أبا الحسن موسى بن جعفر عليه السّلام فحكى له هشام الحكاية فلمّا فرغ ـ قال (٣) أبو الحسن لبريّة : يا بريّة كيف علمك بكتابك؟

قال : أنا به عالم.

ثمّ قال : كيف ثقتك بتأويله؟

قال : ما أوثقني بعلمي فيه.

قال : فابتدأ أبو الحسن ـ عليه السّلام ـ يقرأ الإنجيل.

فقال بريّة : إيّاك كنت أطلب منذ خمسين سنة ، أو مثلك.

قال : فآمن (٤) بريّة وحسن إيمانه ، وآمنت المرأة الّتي كانت معه ، فدخل هشام وبريّة والمرأة على أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ. فحكى له هشام الكلام الّذي جرى بين أبي الحسن موسى ـ عليه السّلام ـ وبين بريّة.

فقال أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ : (ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).

فقال بريّة : أنّى لكم التّوراة والإنجيل وكتب الأنبياء؟

قال : هي عندنا وراثة من عندهم ، نقرؤها كما قرؤوها ، ونقولها كما قالوا ، إنّ الله لا يجعل حجّة في أرضه يسأل عن شيء ، فيقول : لا ادري.

وفي تفسير العيّاشيّ (٥) : عن أحمد بن محمّد ، عن الرّضا ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ : من زعم أنّه قد فرغ من الأمر فقد كذب ، لأنّ المشيئة لله في خلقه يريد ما يشاء ويفعل ما يريد. قال الله : (ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ). آخرها من أوّلها. وأوّلها من آخرها. فإذا أخبرتم بشيء منها بعينه أنّه كائن (٦) ، وكان في غيره منه ، فقد وقع الخبر (٧) على ما أخبرتم عنه.

__________________

(١) الكافي ١ / ٢٢٧ ، ح ١.

(٢) «بن الحكم» ليس في أ.

(٣) ر : قال له.

(٤) رو الأصل : «فقال آمن». أ : «وقال وآمن». وما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

(٥) تفسير العياشي ١ / ١٦٩ ، ح ٣٢.

(٦) النسخ : كان. وما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

(٧) النسخ : في الخبر. وما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

٧٦

أبو عمرو الزّبيريّ (١) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : قلت [له :] (٢) ما الحّجة في كتاب الله أنّ آل محمّد هم أهل بيته؟

قال : قول الله ـ تبارك وتعالى ـ : (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ) (٣) (وَ) وآل محمّد ـ هكذا نزلت ـ (عَلَى الْعالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) ولا يكون الذّرّيّة من القوم إلّا نسلهم من أصلابهم. وقال (٤) : (اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ) ووآل محمّد.

وفي كتاب المناقب (٥) لابن شهر آشوب : أنّ عليّا ـ عليه السّلام ـ قال لابنه الحسن ـ عليه السّلام ـ : اجمع النّاس ، فاجتمعوا ، فأقبل فخطب (٦) النّاس ، فحمد الله وأثنى عليه ، وتشهّد ثمّ قال : أيّها النّاس إنّ الله اختارنا لنفسه ، وارتضانا لدينه ، واصطفانا على خلقه ، وأنزل علينا كتابه ووحيه. وأيم الله لا ينقصنا (٧) أحد من حقّنا شيئا إلّا انتقصه (٨) الله من حقّه في عاجل دنياه وآجل (٩) آخرته ، ولا تكون علينا دولة إلّا كانت لنا العاقبة ، ولتعلمنّ نبأه بعد حين ، ثمّ نزل وجمع (١٠) بالنّاس ، وبلغ أباه فقبّل بين عينيه. ثم قال : بأبي وأمّي (ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).

وممّا جاء في معنى الاصطفاء ، ما رواه [في شرح الآيات الباهرة (١١) عن] (١٢) الشّيخ الطّوسيّ ـ قدس الله روحه ـ قال : روى أبو جعفر القلانسيّ قال : حدّثنا الحسين بن الحسن قال : حدّثنا عمرو بن أبي المقدام ، عن يونس بن ضباب (١٣) عن أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر ، عن أبيه ، عن جدّه عن عليّ بن أبي طالب ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ قال : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : ما بال أقوام إذا ذكروا آل إبراهيم وآل

__________________

(١) نفس المصدر والموضع ، ح ٣٥.

(٢) من المصدر.

(٣) «وآل إبراهيم» ليس في أ.

(٤) سبأ / ١٣.

(٥) المناقب ٤ / ١١.

(٦) المصدر : وخطب.

(٧) المصدر : لا ينتقصنا.

(٨) ر : انقصه.

(٩) ليس في المصدر.

(١٠) المصدر : فجمع.

(١١) تأويل الآيات الباهرة ، مخطوط / ٣٨.

(١٢) ليس في أ.

(١٣) النسخ : جناب. تفسير البرهان : ١ / ٢٧٩ : حباب. وما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

٧٧

عمران استبشروا ، وإذا ذكروا آل محمّد اشمأزّت قلوبهم ، والّذي نفس محمّد بيده لو أنّ أحدهم وافى بعمل سبعين نبيّا يوم القيامة ما قبل الله منه حتّى يوافي بولايتي وولاية عليّ بن أبي طالب ـ عليهما السّلام ـ.

[وفي روضة الكافي (١) : عليّ بن محمّد ، عن عليّ بن العبّاس (٢) ، عن عليّ بن حمّاد ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : (يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ) (٣) فأصل الشّجرة (٤) المباركة إبراهيم ـ صلّى الله عليه وآله ـ وهو قول الله ـ عزّ وجلّ (٥) ـ : (رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ) وهو قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَعَلَى الْعالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).

والحديث طويل ، أخذت منه موضع الحاجة.

وفي أمالي الصّدوق (٦) ـ رحمه الله ـ : بإسناده إلى أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : قال محمّد بن أشعث بن قيس الكنديّ للحسين ـ عليه السّلام ـ : يا حسين بن فاطمة أيّة حرمة لك من رسول الله ليست لغيرك؟ فتلا الحسين ـ عليه السّلام ـ هذه الآية : (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَعَلَى الْعالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ) (الآية) [ثمّ] (٧) قال : والله إنّ محمّدا لمن آل إبراهيم و [إنّ] (٨) العترة الهادية لمن آل محمّد.

والحديث طويل ، أخذت منه موضع الحاجة]. (٩) (وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (٣٤) : بأقوال النّاس وأعمالهم ، فيصطفي من له المصلحة في اصطفائه.

قيل (١٠) : أو سميع بقول امرأة عمران ، عليم بنيّتها.

(إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي) : فينتصب به «إذ» أو بإضمار «اذكر» وهذه حنّة بنت فاقودا جدّة عيسى.

__________________

(١) الكافي ٨ / ٣٧٩ ـ ٣٨١ ، ضمن حديث ٥٧٤.

(٢) الأصل : العباد. وما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

(٣) النور / ٣٥.

(٤) الأصل : الشجر. وما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

(٥) هود / ٧٣.

(٦) أمالي الصدوق / ١٣٤.

(٧ و ٨) من المصدر.

(٩) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(١٠) أنوار التنزيل ١ / ١٥٧.

٧٨

وأمّا ما روي في أصول الكافي (١) : «عن أحمد بن مهران وعليّ بن إبراهيم جميعا ، عن محمّد بن عليّ ، عن الحسن (٢) بن راشد ، عن يعقوب بن جعفر بن إبراهيم ، عن أبي الحسن موسى ـ عليه السّلام ـ أنّه قال لرجل نصرانيّ : أمّا أمّ مريم فاسمها مرثا (٣) ، وهي وهيبة.

بالعربيّة»

، فمحمول على تعدّد الاسم ، وسيأتي في الخبر أنّ اسمها حنّة.

وقيل (٤) : كانت لعمران بن يصهر بنت اسمها مريم ، أكبر من هارون وموسى ، وهو المراد وزوجته ، ويرده كفالة زكريا ، فإنّه كان معاصرا لابن ماثان ، وتزوّج ابنته يشاع (٥) ، وكان يحيى وعيسى ابني خالة من الأب.

(مُحَرَّراً) : معتقا لخدمته لا أشغّله بشيء ، أو مخلصا للعبادة. ونصبه على الحال.

نقل (٦) : أنّها كانت عاقرا عجوزا. فبينا هي في ظلّ شجرة إذ رأت طائرا يطعم فرخه ، فحنّت إلى الولد وتمنّته ، فقالت : اللهم إنّ لك عليّ نذرا إن رزقتني ولدا أن أتصّدق به على بيت المقدس فيكون من خدمه. فحملت بمريم ، وهلك عمران ، وكان هذا النّذر مشروعا عندهم في الغلمان (٧) ، فلعلّها بنت الأمر على التقدير أو طلبت ذكرا.

(فَتَقَبَّلْ مِنِّي) : ما نذرته.

(إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ) : لقولي.

(الْعَلِيمُ) (٣٥) : بنيّتي.

(فَلَمَّا وَضَعَتْها قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى) :

الضّمير لما في بطنها أنّثه ، لأنّه كان مؤنّثا. أو لأنّ أنثى حال عنه ، والحال وصاحبها واحد بالذّات. أو على تأويل مؤنّث ، كالنّفس. ولفظه خبر ، ومعناه تحسّر.

(وَاللهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ) : استئناف من الله ، تعظيما لموضوعها.

وقرأ عامر وأبو بكر عن عاصم ويعقوب : «وضعت» على أنّه من كلامها ، تسلية لنفسها ، أي ، ولعلّ لله فيه سرّا ، أو الأنثى كانت خيرا. وقرئ وضعت ، على خطاب الله

__________________

(١) الكافي ١ / ٤٧٨ ـ ٤٧٩ ، ضمن حديث ٤.

(٢) النسخ : الحسين. وما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

(٣) هكذا في المصدر. وفي النسخ : مرتاد.

(٤) أنوار التنزيل ١ / ١٥٧.

(٥) هكذا في المصدر. وفي الأصل : «ايشاع» وفي ر : الايشاع.

(٦) نفس المصدر والموضع.

(٧) المصدر : «في عهدهم للغلمان» بدل «عندهم في الغلمان».

٧٩

ـ تعالى ـ لها (١).

وفي أصول الكافي (٢) : محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد وعليّ بن إبراهيم ، عن أبيه جميعا عن ابن محبوب ، عن ابن رئاب ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : إنّ الله أوحى إلى عمران : إنّي واهب [لك] (٣) ذكرا ، سويّا مباركا ، يبرئ الأكمه والأبرص ، ويحيي الموتى بإذن الله ، وجاعله رسولا إلى بني إسرائيل. فحدّث عمران امرأته حنّة بذلك ، وهي أمّ مريم ، فلمّا حملت كان حملها بها عند نفسها غلام ، فلمّا وضعتها قالت : (رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى ... وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى) (٤) ، ولا تكون البنت رسولا.

يقول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَاللهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ). فلمّا وهب الله [تعالى لمريم] (٥) عيسى كان هو الّذي بشّر به عمران ووعده إيّاه ، فإذا قلنا في الرّجل منّا شيئا فكان (٦) في ولده أو ولد ولده ، فلا تنكروا ذلك.

(وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى) :

واللام فيها للعهد ، أي : ليس الذّكر الّذي طلبت كالأنثى الّتي وهبت. فيكون بيانا لقوله : (وَاللهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ) أو للجنس ، بمعنى ، وليس الذّكر والأنثى سواء فيما نذرت ، فيكون من قولها.

[وفي تفسير العيّاشيّ (٧)] (٨) عن حفص بن البختريّ ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله تعالى : (إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً) ، المحرّر يكون في الكنيسة لا يخرج (٩) منها. فلمّا وضعتها أنثى قالت : (رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى [وَاللهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ]) (١٠) (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى). [إنّ] (١١) الأنثى تحيض فتخرج من المسجد ، والمحرّر لا يخرج من المسجد.

(وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ) : عطف على ما سبق من قولها ، وما بينهما اعتراض. وإنّما ذكرت ذلك لربّها ، تقرّبا إليه ، وطلبا لأن يعصمها ويصلحها ، حتّى يكون فعلها مطابقا

__________________

(١) نفس المصدر والموضع.

(٢) الكافي ١ / ٥٣٥ ، ح ١.

(٣) من المصدر.

(٤) المصدر : «أى» بدل «و».

(٥) من المصدر.

(٦) المصدر : وكان.

(٧) تفسير العياشي ١ / ١٧٠ ، ح ٣٧.

(٨) ليس في أ.

(٩) المصدر : ولا يخرج.

(١٠ و ١١) من المصدر.

٨٠