تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٣

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي


المحقق: حسين درگاهى
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٠٣

عن زرارة (١) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : ليس الخطأ أن تعمده ولا تريد قتله بما لا يقتل مثله ، والخطأ ليس فيه شكّ أن يعمد شيئا آخر فيصيبه.

عن عبد الرّحمن بن الحجّاج (٢) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : إنّما الخطأ ، أن يريد شيئا فيصيب غيره ، فأمّا كلّ شيء قصدت إليه فأصبته فهو العمد.

عن الفضل بن عبد الملك (٣) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : سألته عن الخطأ الّذي فيه الدّية والكفّارة ، وهو الرّجل يضرب الرّجل ولا يتعمّد قتله؟

قال : نعم.

قلت : فإذا رمى شيئا فأصاب رجلا؟

قال : ذلك الخطأ الّذي لا شكّ فيه ، وعليه الكفّارة والدّية.

وقرئ : «خطاء» بالمدّ. و «خطا» كعصا ، بتخفيف الهمزة (٤).

وفي مجمع البيان (٥) : عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ : نزلت في عيّاش بن أبي ربيعة المخزوميّ ، أخي أبي جهل لأمّه. كان أسلم وقتل بعد إسلامه رجلا مسلما وهو لا يعلم بإسلامه. وكان المقتول الحارث بن يزيد بن أبي نبيشة العامريّ. قتله بالحرّة.

وكان أحد من ردّه عن الهجرة. وكان يعذّب عيّاشا مع أبي جهل.

وفي البيضاويّ (٦) : لقيه في طريق. وكان قد أسلم ولم يشعر به عيّاش. فقتله.

(وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) ، أي : فعليه. أو فواجبه تحرير رقبة.

والتّحرير ، الإعتاق. والحرّ ، كالعتيق للكريم من الشّيء. ومنه : حرّ الوجه ، لأكرم موضع منه ، سمّي به لأنّ الكرم في الأحرار. والرّقبة عبّر بها عن النّسمة ، كما عبّر بها عن الرّأس.

(مُؤْمِنَةٍ) ، مقرّة بالإسلام ، قد بلغت الحنث.

في تفسير العيّاشي (٧) : عن كردويه الهمدانيّ ، عن أبي الحسن ـ عليه السّلام ـ في قول الله : (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) كيف تعرف المؤمنة؟ قال : على الفطرة.

__________________

(١) نفس المصدر والموضع ، ح ٢٢٤.

(٢) نفس المصدر والموضع ، ح ٢٢٥.

(٣) نفس المصدر ١ / ٢٦٦ ، ح ٢٢٩.

(٤) أنوار التنزيل ١ / ٢٣٦.

(٥) مجمع البيان ٢ / ٩٠.

(٦) أنوار التنزيل ١ / ٢٣٦.

(٧) تفسير العياشي ١ / ٢٦٣ ، ح ٢٢٠.

٥٠١

عن السّكونيّ ، (١) عن جعفر ، عن أبيه ، عن عليّ ـ عليهما السّلام ـ قال : الرّقبة المؤمنة الّتي ذكر الله إذا عقلت ، والنّسمة الّتي لا تعلم إلّا ما قلته وهي صغيرة.

وفي الكافي (٢). [عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر وابن أبي عمير جميعا ، عن معمّر بن يحيى ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : سألته عن الرّجل يظاهر من امرأته ، يجوز عتق المولود في الكفّارة؟

فقال :] (٣) كلّ العتق يجوز فيه المولود إلّا في كفّارة القتل. فإنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول : (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) ، يعني : بذلك مقرّة قد بلغت الحنث.

وهذا ، أي : التّحرير ، يجب عليه فيما بينه وبين الله. كما رواه العيّاشيّ ، عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ. (٤)

وأمّا ما يجب عليه ، فيما بينه وبين أولياء المقتول ، فالدّية. كما يقول : (وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ) : مؤدّاة إلى أولياء المقتول.

(إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا) : يتصدّقوا عليه بالدّية. سمّى العفو عنها صدقة ، حثّا عليه ، وتنبيها على فضله.

وفي الحديث ، عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله (٥) ـ : كلّ معروف صدقة.

وهو متعلّق «بعليه» ، أي : يجب الدّية عليه. أو «بمسلّمة» ، أي : يسلّمها إلى أهله إلّا حال تصدّقهم عليه. أو زمانه ، فهو في محلّ النّصب على الحال من القاتل ، أو الأهل ، أو على الظّرف.

(فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) ، أي : إن كان المقتول خطأ من قوم كفّار وهو مؤمن ، فيجب عتق رقبة مؤمنة وليس دية ، إذ لا وراثة بينه وبينهم لأنّهم محاربون.

وفي من لا يحضره الفقيه (٦) : روى ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في رجل مسلم كان في أرض الشّرك فقتله المسلمون ثمّ علم به الإمام بعد؟

__________________

(١) نفس المصدر والموضع ، ح ٢٢١.

(٢) الكافي ٧ / ٤٦٢ ، ح ١٥.

(٣) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٤) تفسير العياشي ١ / ٢٦٣ ، ح ٢١٨.

(٥) الكافي ٤ / ٢٦ ، ح ١+ أنوار التنزيل ١ / ٢٣٦.

(٦) من لا يحضره الفقيه ٤ / ١١٠ ، ح ٣٧٣.

٥٠٢

فقال : يعتق مكانه رقبة مؤمنة ، وذلك قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : و (فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ).

وروى العيّاشيّ (١) في هذا المعنى ما يدلّ صريحا ، على أنّ التّحرير على القاتل وليس عليه دية. كما سيجيء.

(وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) : وإن كان المؤمن المقتول خطأ من قوم كفرة معاهدين أو أهل الذّمّة ، فيجب دية مسلّمة إلى أهله ـ وهو وارثه المسلم ، الّذي عليه سبيل بالإرث. أو الإمام إن لم يكن وارث مسلم ، فإنّه أهل من لا وارث له ـ وتحرير رقبة مؤمنة ، كفّارة لقتله المؤمن خطأ.

[وفي تفسير العيّاشي (٢) : عن مسعدة بن صدقة قال : سئل جعفر بن محمّد ـ عليهما السّلام ـ عن قول الله : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً]) (٣) (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ).

قال : أمّا تحرير رقبة مؤمنة ففيما بينه وبين الله ، وأمّا الدّية المسلّمة إلى أولياء المقتول (فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ) قال : وإن كان من أهل الشّرك الّذين ليس لهم في الصّلح (وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) فيما بينه وبين الله ، وليس عليه الدّية (وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ) وهو مؤمن ، فتحرير رقبة مؤمنة فيما بينه وبين الله ودية مسلّمة إلى أهله.

عن حفص (٤) بن البختريّ ، عمّن ذكره ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قوله : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً) إلى قوله : (فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ).

قال : إذا كان من أهل الشّرك فتحرير رقبة مؤمنة فيما بينه وبين الله ، وليس عليه دية (وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) قال : تحرير رقبة مؤمنة فيما بينه وبين الله ، ودية مسلّمة إلى أوليائه.

وفي مجمع البيان (٥) : واختلف في صفة هذا القتيل ، أهو مؤمن أم كافر؟ قيل : بل

__________________

(١) تفسير العياشي ١ / ٢٦٢ ـ ٢٦٣ ، ح ٢١٧ و ٢٦٣ و ٢١٨.

(٢) تفسير العياشي ١ / ٢٦٢ ، ح ٢١٧.

(٣) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٤) نفس المصدر ١ / ٢٦٣ ، ح ٢١٨.

(٥) مجمع البيان ٢ / ٩١.

٥٠٣

هو مؤمن ، تلزم قاتله الدّية ، يؤدّيها إلى قومه المشركين ، لأنّهم أهل ذمّة.

ورواه أصحابنا ـ أيضا ـ إلّا أنّهم قالوا : تعطى ديته ورثته المسلمين ، دون الكفّار.

(فَمَنْ لَمْ يَجِدْ) : رقبة ، بأن لا يملكها ، ولا ما يتوصّل به إليها.

(فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ) : فعليه ، أو فالواجب عليه صوم شهرين.

[وفي من لا يحضره الفقيه (١) ، عن الزّهريّ ، عن عليّ بن الحسين ـ عليهما السّلام ـ حديث طويل ، يذكر فيه وجوه الصّوم وفيه : وصيام شهرين متتابعين في قتل الخطأ لمن لم يجد العتق ، واجب لقول الله ـ عزّ وجلّ ـ : و (مَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ) إلى قوله ـ عزّ وجلّ ـ : (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ)] (٢).

(تَوْبَةً) : نصب على المفعول له ، أي : شرّع ذلك توبة من تاب عليه إذا قبل توبته. أو على المصدر ، أي : تاب عليكم توبة. أو حال بحذف مضاف ، أي : فعليه صيام شهرين ذا توبة.

(مِنَ اللهِ) : صفتها.

(وَكانَ اللهُ عَلِيماً) : بحاله.

(حَكِيماً) (٩٢) : فيما أمر في شأنه.

وفي عيون الأخبار (٣) ، في باب العلل الّتي ذكر الفضل بن شاذان أنّه سمعها عن الرّضا ـ عليه السّلام ـ : فإن قال : فلم وجب في الكفّارة على من لم يجد تحرير رقبة الصّيام ، دون الحجّ والصّلاة وغيرهما؟ قيل : لأنّ الصّلاة والحجّ وسائر الفرائض مانعة للإنسان من التّقلّب في أمر دنياه.

فإن قال : فلم وجب عليه صوم شهرين متتابعين ، دون أن يجب عليه شهر واحد وثلاثة أشهر؟

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه ٢ / ٤٦ ـ ٤٧ ، ضمن حديث ٢٠٨.

(٢) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٣) عيون أخبار الرضا ـ عليه السّلام ـ ٢ / ١١٧ ، ح ١.

٥٠٤

قيل : لأنّ الفرض الّذي فرضه الله ـ عزّ وجلّ ـ على الخلق هو شهر واحد ، فضوعف في هذا الشّهر في الكفّارة توكيدا وتغليظا عليه.

فإن قال : فلم جعلت متتابعين؟

قيل : لئّلا يهون عليه الأداء فيستخفّ به ، لأنّه إذا قضاه متفرّقا هان عليه القضاء.

وفي الكافي (١) : عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسن بن سعيد ، عن القاسم بن محمّد ، عن عليّ بن أبي حمزة ، عن أبي بصير قال : سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن قطع صوم كفّارة اليمين وكفّارة الظّهار وكفّارة القتل؟

فقال : إن كان على رجل صيام شهرين متتابعين فأفطر أو مرض في الشّهر الأوّل فإنّ عليه أن يعيد الصّيام ، وإن صام الشّهر الأوّل وصام من الشّهر الثّاني شيئا ثمّ عرض له ما له فيه عذر فإنّ عليه أن يقضي.

عليّ بن محمّد ، عن بعض أصحابه (٢) ، عن محمّد بن سليمان ، عن أبيه قال : قلت لأبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ : ما تقول في الرّجل يصوم شعبان وشهر رمضان؟

قال : هما الشّهران اللّذان قال الله ـ تبارك وتعالى ـ : (شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللهِ).

قلت : فلا يفصل بينهما؟

قال : إذا أفطر من اللّيل فهو فصل. وإنّما قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : لا وصال في صيام ، يعني : لا يصوم الرّجل يومين متواليين من غير إفطار.

عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد (٣) ، عن الحسن بن محبوب ، عن عليّ بن رئاب (٤) ، عن زرارة ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : سألته عن رجل قتل رجلا خطأ في الشّهر الحرام؟

قال : تغلّظ عليه الدّية ، وعليه عتق رقبة ، أو صيام شهرين متتابعين من أشهر الحرم.

قلت : فإنّه يدخل في هذا شيء؟

__________________

(١) الكافي ٤ / ١٣٩ ، ح ٧.

(٢) نفس المصدر ٤ / ٦٢ ، ح ٥.

(٣) نفس المصدر ٤ / ١٣٩ ، ح ٨.

(٤) ر : عليّ بن رباب.

٥٠٥

فقال : ما هو؟

قلت : هو يوم العيد وأيّام التّشريق.

قال : يصومه ، فإنّه حقّ يلزمه.

(وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً) (٩٣) : في أصول الكافي (١) : عليّ بن محمّد ، عن بعض أصحابه ، عن آدم بن إسحاق ، عن عبد الرّزّاق بن مهران ، عن الحسن بن ميمون ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ حديث طويل ، يقول فيه ـ عليه السّلام ـ : فلمّا أذن الله لمحمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ في الخروج من مكّة إلى المدينة ، بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلّا الله ، وأنّ محمّدا ـ صلّى الله عليه وآله ـ عبده ورسوله ، وإقام الصّلاة ، وإيتاء الزّكاة ، وحجّ البيت ، وصيام شهر رمضان.

وأنزل عليه الحدود وقسمة الفرائض ، وأخبره بالمعاصي الّتي أوجب الله عليها وبها النّار لمن عمل بها ، وأنزل عليه في بيان القاتل : (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً) ولا يلعن الله مؤمنا ، قال الله ـ عزّ وجلّ ـ : (إِنَّ اللهَ لَعَنَ الْكافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً ، خالِدِينَ فِيها أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً) وكيف تكون في المشيئة وقد ألحق به حين جزاه جهنّم الغضب واللّعنة ، وقد بيّن ذلك من الملعونين في كتابه.

وفي كتاب علل الشّرائع (٢) : حدّثنا محمّد بن موسى قال : حدّثنا عليّ بن الحسين السّعدآباديّ ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن عبد العظيم بن عبد الله قال : حدّثني محمّد بن عليّ ، عن أبيه ، عن جدّه قال : سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول : قتل النّفس من الكبائر ، لأنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول : (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً) إلى قوله : (وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً) ..

وفي كتاب معاني الأخبار (٣) : عن الحسين بن سعيد ، عن عثمان بن عيسى ، عن سماعة قال : سألته عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ).

__________________

(١) الكافي ٢ / ٣١ ، ح ١.

(٢) علل الشرائع ٢ / ٤٧٨ ، ح ٢.

(٣) معاني الأخبار / ٣٨٠ ، ح ٤.

٥٠٦

قال : من قتل مؤمنا على دينه فذلك المتعمّد ، الّذي قال الله ـ عزّ وجلّ ـ في كتابه : (وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً).

قلت : فالرّجل يقع بين الرّجل وبينه شيء فيضربه بالسّيف فيقتله؟

قال : ليس ذلك المتعمّد ، الّذي قال الله ـ عزّ وجلّ ـ.

وفي الكافي (١) : عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن عثمان بن عيسى ، عن سماعة ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : سألته عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ ونقل مثل ما في معاني الأخبار سواء.

وفي كتاب معاني الأخبار (٢) : حدّثنا محمّد بن الحسن قال : حدّثنا الحسين بن الحسن بن أبان ، عن الحسين بن سعيد ، عن حمّاد بن عيسى ، عن أبي السّفاتج ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ).

قال : إن جازاه.

وفي الكافي (٣) : عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ومحمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد جميعا ، عن ابن محبوب ، عن عبد الله بن سنان وابن بكير ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : سئل عن المؤمن يقتل المؤمن متعمّدا ، أله توبة؟

فقال : إن كان قتله لإيمانه فلا توبة له. وإن كان لغضب أو بسبب شيء من أشياء الدّنيا فإنّ توبته أن يقاد منه ، وإن يكن علم به انطلق إلى أولياء المقتول فأقرّ عندهم بقتل صاحبهم. فإن عفوا عنه فلم يقتلوه أعطاهم الدّية وأعتق نسمة وصام شهرين متتابعين وأطعم ستّين مسكينا ، توبة إلى الله ـ عزّ وجلّ ـ.

محمّد بن يحيى (٤) ، عن عبد الله بن محمّد ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما. وقال لا يوفّق قاتل المؤمن متعمّدا للتّوبة.

[وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٥) قال : من قتل مؤمنا على دينه لم تقبل (٦) توبته. ومن

__________________

(١) الكافي ٧ / ٢٧٥ ، ح ١.

(٢) نفس المصدر / ٣٦١ ، باب نوادر المعاني.

(٣) الكافي ٧ / ٢٧٦ ، ح ٢.

(٤) نفس المصدر ٧ / ٢٧٢ ، ح ٧.

(٥) تفسير القمي ١ / ١٤٨.

(٦) هكذا في المصدر. وفي النسخ : لم يقبل.

٥٠٧

قتل نبيّا أو وصيّ نبيّ فلا توبة له ، لأنّه لا يكون له مثله فيقاد به] (١).

وقيل (٢) : إنّ الآية نزلت في مقيس بن ضبابة ، وجد أخاه هشاما [قتيلا] (٣) في بني النّجّار ولم يظهر قاتله. فأمرهم رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ أن يدفعوا إليه ديته.

فدفعوا إليه. ثمّ حمل على مسلم فقتله ورجع إلى مكّة مرتدّا.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ) : سافرتم وذهبتم للغزو.

(فَتَبَيَّنُوا) : فاطلبوا بيان الأمر وثباته ، وميّزوا بين الكافر والمؤمن.

وقرأ حمزة والكسائيّ : «فتثبّتوا» من التّثبّت. هنا ، وفي الحجرات (٤).

(وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ) : لمن حيّاكم بتحيّة الإسلام.

وقرأ نافع وابن عامر وحمزة : «السّلم» بغير ألف ، أي : الاستسلام والانقياد.

وفسّر به السّلام ـ أيضا ـ (٥).

وفي تفسير العيّاشي (٦) : عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ : ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السّلم لست مؤمنا.

(لَسْتَ مُؤْمِناً) : وإنّما فعلت ذلك من الخوف.

وقرئ : «مؤمنا» بالفتح ، أي : مبذولا له الأمان (٧).

(تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا) : تطلبون ماله ، الّذي هو حطام سريع النّفاد.

وهو حال من الضّمير في «تقولوا» وهو مشعر بما هو الحامل لهم على العجلة وترك التّثبّت.

(فَعِنْدَ اللهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ) : تغنيكم عن قتل أمثاله لما له.

(كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ) ، أي : أوّل ما دخلتم في الإسلام تفوّهتم بكلمتي الشّهادة فحصنت بها دماؤكم وأموالكم ، من غير أن يعلم مواطأة قلوبكم ألسنتكم.

(فَمَنَّ اللهُ عَلَيْكُمْ) : بالاشتهار بالإيمان ، والاستقامة في الدّين.

(فَتَبَيَّنُوا) : فافعلوا بالدّاخلين كما فعل الله بكم ، ولا تبادروا إلى قتلهم ظنّا بأنّهم دخلوا فيه اتّقاء وخوفا. فإنّ إبقاء الكافر أهون عند الله من قتل امرئ مسلم.

__________________

(١) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٢٣٧.

(٣) من المصدر.

(٤ و ٥) نفس المصدر والموضع.

(٦) تفسير العياشي ١ / ٢٦٨ ، ح ٢٤٢.

(٧) أنوار التنزيل ١ / ٢٣٧.

٥٠٨

وتكريره ، تأكيد لتعظيم الأمر ، وترتيب الحكم على ما ذكر من حالهم.

(إِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً) (٩٤) : عالما به وبالغرض منه ، فلا تتهافتوا في القتل واحتاطوا فيه.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (١) : أنّها نزلت لمّا رجع رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ من غزوة خيبر ، وبعث أسامة بن زيد في خيل إلى بعض قرى اليهود في ناحية فدك ليدعوهم إلى الإسلام. وكان رجل من اليهود يقال له : مرادس بن نهيك الفدكيّ ، في بعض القرى. فلمّا أحسّ بخيل رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ جمع أهله وماله وصار في ناحية الجبل. فأقبل يقول : أشهد أن لا إله إلّا الله وأشهد أنّ محمّدا رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ. فمرّ به أسامة بن زيد فقتله. فلمّا رجع إلى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ أخبره بذلك.

فقال له رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : قتلت رجلا شهد أن لا إله إلّا الله وأنّي رسول الله.

فقال : يا رسول الله [إنّما] (٢) قالها (٣) تعوّذا من القتل.

فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : أفلا شققت الغطاء عن قلبه ، لا ما قال بلسانه قبلت ، ولا ما كان في نفسه علمت؟

فحلف أسامة بعد ذلك ، أنّه لا يقاتل أحدا [قال :] (٤) أشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ. فتخلّف عن أمير المؤمنين في حروبه. وأنزل الله في ذلك : (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ). (الآية).

وفي رواية العامّة (٥) : أنّ مرادس أضاف إلى الكلمتين : السّلام عليكم.

وهي تؤيّد قراءة السّلام ، وتفسيره بتحيّة السّلام (٦).

(لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ) : عن الحرب.

(مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) : في موضع الحال من «القاعدون» أو من الضّمير الّذي فيه.

ويحتمل الصّفة.

__________________

(١) تفسير القمي ١ / ١٤٨.

(٢) من المصدر.

(٣) المصدر : قال.

(٤) من أور.

(٥) التفسير الكبير للفخر الرازي ١١ / ٣.

(٦) هكذا في جميع النسخ ولعل الصّواب : الإسلام.

٥٠٩

(غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ) : الأصحّاء. بالرّفع صفة «للقاعدون» لأنّه لم يقصد قوم بأعيانهم. أو بدل منه.

وقرأ نافع وابن عامر والكسائيّ ، بالنّصب ، على الحال. أو الاستثناء.

وقرئ ، بالجرّ ، على أنّه صفة للمؤمنين. أو بدل منه (١).

في مجمع البيان (٢) : نزلت في كعب بن مالك من بني سلمة ومرارة بن الرّبيع من بني عمرو بن عوف وهلال بن أميّة من بني واقف ، تخلّفوا عن رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يوم تبوك ، وعذر الله أولي الضّرر وهو عبد الله بن أمّ مكتوم. قال : رواه أبو حمزة الثّماليّ في تفسيره.

وفي عوالي اللّئالي (٣) : روى زيد بن ثابت أنّه لم يكن في آية نفي المساواة بين المجاهدين والقاعدين استثناء (غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ). فجاء ابن أمّ مكتوم ، وكان أعمى ، وهو يبكي فقال : يا رسول الله ، كيف لمن لا يستطيع الجهاد؟ فغشيه الوحي ثانيا ، ثمّ أسري (٤) عنه فقال : اقرأ : (غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ) فألحقتها. والّذي نفسي بيده ، لكأنّي أنظر الى ملحقها عند صدع في الكتف.

(وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ) ، أي : لا مساواة بينهم وبين من قعد عن الجهاد ، من غير علّة. وفائدته تذكير ما بينهما من التّفاوت ، ليرغب القاعد في الجهاد رفعا لرتبته ، وأنفة عن انحطاط منزلته.

(فَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً) : جملة موضّحة لمّا نفى الاستواء فيه. و «القاعدون» على التّقييد السّابق. و «درجة» نصبه بنزع الخافض. أو على المصدر ، لأنّه تضمّن معنى التّفضيل ووقع موقع المرّة منه. أو الحال ، بمعنى : ذوي درجة.

(وَكُلًّا) : من القاعدين والمجاهدين.

(وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى) : المثوبة الحسنى ، وهي الجنّة ، لحسن عقيدتهم وخلوص نيّتهم. وإنّما التّفاوت في زيادة العمل ، المقتضي لمزيد الثّواب.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٢٣٨.

(٢) مجمع البيان ٢ / ٩٦.

(٣) عوالي اللّئالي ٢ / ٩٩ ، رقم ٢٧٢.

(٤) هكذا في المصدر. وفي النسخ : سرى.

٥١٠

وفي الجوامع (١) : عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ : لقد خلّفتم في المدينة أقواما ما سرتم مسيرا ولا قطعتم واديا إلّا كانوا معكم. وهم الّذين صحّت نيّاتهم ونصحت جيوبهم وهوت أفئدتهم إلى الجهاد. وقد منعهم من المسير ضرر أو غيره.

(وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً) (٩٥) : نصب على المصدر ، لأنّ فضّل ، بمعنى : أجر. أو المفعول الثّاني له ، لتضمّنه معنى الإعطاء ، كأنّه قيل (٢) : وأعطاهم زيادة على القاعدين أجرا عظيما.

(دَرَجاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً) : كلّ واحدة منها بدل من «أجرا». ويجوز أن ينتصب «درجات» على المصدر ، كقولك : ضربته أسواطا. و «أجرا» على الحال عنها تقدّمت عليها. لأنّها نكرة. و «رحمة ومغفرة» على المصدر بإضمار فعليهما.

وفي مجمع البيان (٣) : وجاء في الحديث : إنّ الله ـ سبحانه ـ فضّل المجاهدين على القاعدين سبعين درجة ، بين كلّ درجتين مسيرة سبعين خريفا للفرس الجواد المضمر.

كرّر تفضيل المجاهدين وبالغ فيه إجمالا وتفصيلا ، تعظيما [للجهاد] (٤) وترغيبا فيه.

وقيل (٥) : الأوّل ، ما حقّ لهم في الدّنيا من الغنيمة والظّفر وجميل الذّكر.

والثّاني ، ما جعل لهم في الآخرة.

وقيل (٦) : المراد «بالدّرجة» الأولى ، ارتفاع منزلتهم عند الله ـ تعالى ـ و «الدّرجات» منازلهم في الجنّة.

وقيل (٧) : «القاعدون» الأوّل ، هم الأضرّاء. و «القاعدون» الثّاني ، هم الّذين أذن لهم في التّخلّف ، اكتفاء بغيرهم.

وقيل (٨) : «المجاهدون» الأوّلون ، من جاهد الكفّار. والآخرون ، من جاهد نفسه ، كما ورد في الحديث : رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر.

وقيل : (٩) يحتمل أن يكون المراد بالأوّل قوما ، وبالآخر آخرين ، فإنّ ما بين القاعد والمجاهد كما بين السّماء والأرض.

__________________

(١) جوامع الجامع / ٩٤.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٢٣٨.

(٣) مجمع البيان ٢ / ٩٧.

(٤) من أنوار التنزيل.

(٥) أنوار التنزيل ١ / ٢٣٨ ـ ٢٣٩.

(٦) نفس المصدر والموضع.

(٧ و ٨) نفس المصدر والموضع.

(٩) تفسير الصافي ١ / ٤٥١.

٥١١

(وَكانَ اللهُ غَفُوراً) : لما عسى يفرط منهم.

(رَحِيماً) (٩٦) : يرحمهم بإعطاء الثّواب.

(إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ) : يحتمل الماضي والمضارع.

وقرئ : «توفّتهم» و «توفّاهم» على مضارع وفيت ، بمعنى : أنّ الله يوفّي الملائكة أنفسهم فيتوفّونها ، أي : يمكّنهم من استيفائها فيتوفّونها (١).

(ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ) : في حال ظلمهم أنفسهم ، بترك الهجرة وموافقة الكفرة.

في كتاب الاحتجاج (٢) : عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ أنّه سئل عن قول الله ـ تعالى (٣) ـ : (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها) وقوله (٤) : (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ) وقوله ـ جلّ وعزّ (٥) ـ : (تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا) وقوله (٦) : (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ) فمرّة يجعل الفعل لنفسه ، ومرّة لملك الموت ، ومرة للرّسل ، ومرّة للملائكة؟ فقال : إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ أجلّ وأعظم من أن يتولّى ذلك بنفسه ، وفعل رسله وملائكته فعله. لأنّهم بأمره يعملون.

فاصطفى من الملائكة رسلا وسفرة بينه وبين خلقه. وهم الّذين قال الله فيهم (٧) : (اللهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ) فمن كان من أهل الطّاعة تولّت قبض روحه ملائكة الرّحمة. ومن كان من أهل المعصية تولّت قبض روحه ملائكة النّقمة. ولملك الموت أعوان من ملائكة الرّحمة والنّقمة يصدرون عن أمره. وفعلهم فعله. وكلّ ما يأتونه منسوب إليه. وإذا كان فعلهم فعل ملك الموت ، ففعل ملك الموت فعل الله. لأنّه يتوفّى الأنفس على يد من يشاء. ويعطي ويمنع ويثبت ويعاقب على يد من يشاء. وإنّ فعل أمنائه فعله ، كما قال (٨) : (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ).

وفي من لا يحضره الفقيه (٩) : عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ أنّه سئل عن ذلك فقال : إنّ الله ـ تعالى ـ جعل لملك الموت أعوانا من الملائكة يقبضون الأرواح ، بمنزلة صاحب الشّرطة له أعوان من الإنس يبعثهم في حوائجه ، فيتوفّاهم الملائكة ويتوفّاهم ملك

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٢٣٩.

(٢) الاحتجاج ١ / ٣٦٤ ـ ٣٦٧.

(٣) الزمر / ٤٢.

(٤) السجدة / ١١.

(٥) الأنعام / ٦١.

(٦) النحل / ٢٨.

(٧) الحج / ٧٥.

(٨) الإنسان / ٣٠.

(٩) من لا يحضره الفقيه ١ / ٨٢ ، ح ٣٧١.

٥١٢

الموت من الملائكة مع ما يقبض هو ، ويتوفّاها الله من ملك الموت.

وفي كتاب التوحيد (١) : سئل أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ عن ذلك فقال : إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ يدبّر الأمر كيف يشاء ويوكّل من خلقه من يشاء بما يشاء. أمّا ملك الموت فإنّ الله يوكّله بخاصّة من يشاء. ويوكّل رسله من الملائكة خاصّة بمن يشاء من خلقه. والملائكة الّذين سمّاهم الله ـ عزّ ذكره ـ وكلّهم بخاصة من يشاء من خلقه.

والله (٢) ـ تبارك وتعالى ـ يدبّر الأمور كيف يشاء. وليس كلّ العلم يستطيع صاحب العلم أن يفسّره لكلّ النّاس. لأنّ منهم القويّ والضّعيف. ولأنّ منه ما يطاق حمله ، ومنه ما لا يطيق حمله إلّا من يسهّل الله له حمله وأعانه عليه من خاصّة أوليائه. وإنّما يكفيك أن تعلم أنّ الله المحيي والمميت ، وأنّه يتوفّى الأنفس على يدي من يشاء من خلقه من ملائكة وغيرهم.

(قالُوا) ، أي : الملائكة. توبيخا لهم.

(فِيمَ كُنْتُمْ) في أيّ شيء كنتم من أمر دينكم.

(قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ) : اعتذار عمّا وبّخوا به ، بضعفهم عن إظهار الدّين وإعلاء كلمته لقلّة العدد وكثرة العدوّ.

(قالُوا) ، أي : الملائكة. تكذيبا لهم.

(أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها) : إلى قطر آخر ، كما فعل المهاجرون إلى المدينة والحبشة.

(فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ) : لتركهم الواجب ، ومساعدتهم الكفّار ، وكفرهم. وهو خبر «إنّ» و «الفاء» فيه لتضمّن الاسم معنى الشّرط. و «قال فيم كنتم» حال من الملائكة ، بإضمار قد. أو الخبر «قالوا» والعائد محذوف ، أي : قالوا لهم.

وهو جملة معطوفة على الجملة التي قبلها ، مستنتجة منها.

(وَساءَتْ مَصِيراً) (٩٧) ، أي : مصيرهم. أو جهنّم.

وقيل (٣) : الآية نزلت في ناس من مكّة ، أسلموا ولم يهاجروا حين كانت الهجرة واجبة. والظّاهر ، أنّها في الكفرة.

__________________

(١) التوحيد / ٢٦٨ ، قطعه من حديث ٥ الذي أوّله في ص ٢٥٤.

(٢) المصدر : إنّه.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٢٣٩.

٥١٣

وفي مجمع البيان (١) : عن الباقر ـ عليه السّلام ـ : هم قيس بن الفاكه بن المغيرة ، والحارث بن زمعة بن الأسود ، وقيس بن الوليد بن المغيرة ، وأبو العاص بن منبه بن الحجّاج ، وعليّ بن أميّة بن خلف.

وفي نهج البلاغة (٢) : قال ـ عليه السّلام ـ : ولا يقع استضعاف على من بلغته الحجّة فسمعتها أذنه ووعاها قلبه.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٣) : نزلت فيمن اعتزل أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ ولم يقاتلوا معه ، فقال الملائكة لهم عند الموت : (فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ) ، أي : لم نعلم مع من الحقّ. فقال الله : (أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها) ، أي : دين الله وكتابه واسع فتنظروا فيه.

والجمع بينه وبين الأوّل ، أنّها نزلت في الأوّل وجرت في الثّاني. وفي الآية دلالة على وجوب الهجرة من موضع لا يتمكّن الرّجل فيه من إقامة دينه.

[وفي مجمع البيان (٤) : وروى الحسن عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ أنّه قال : من فرّ بدينه من أرض إلى أرض وإن كان شبرا من الأرض ، استوجب الجنّة وكان رفيق إبراهيم ومحمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ].(٥).

وفي مصباح الشّريعة (٦) : قال الصّادق ـ عليه السّلام ـ بعد أن أمر بالكلام بما ينفع ولا يضرّ : فإن لم تجد السّبيل إليه ، فالانقلاب والسّفر (٧) من بلد إلى بلد ، وطرح النّفس في بوادي التّلف بسرّ صاف وقلب خاشع وبدن صابر ، قال الله ـ تعالى ـ : (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها).

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٨) : حدّثني أبي ، عن الحسن بن محبوب ، عن عبد الله بن يسار ، عن معروف بن خربوذ ، عن الحكم بن المستنير ، عن عليّ بن الحسين

__________________

(١) مجمع البيان ٢ / ٩٨.

(٢) نهج البلاغة / ٢٨٠ ، ضمن خطبة ١٩٠.

(٣) تفسير القمي ١ / ١٤٩.

(٤) مجمع البيان ٢ / ١٠٠.

(٥) ما بين المعقوفتين يوجد في أ ، فقط.

(٦) شرح فارسي مصباح الشريعة ومفتاح الحقيقة / ١٥٣ ـ ١٥٤.

(٧) المصدر : «في الأسفار» بدل «والسفر».

(٨) تفسير القمي ٢ / ١٧.

٥١٤

ـ عليهما السّلام ـ قال : قال أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ : الأرض مسيرة خمسمائة عام ، الخراب منها مسيرة أربعمائة والعمران منها مسيرة مائة عام.

والحديث طويل ، أخذت منه موضع الحاجة.

(إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ) : استثناء منقطع ، لعدم دخولهم في الموصول يظلموا (١) ، ولا في ضميره ، ولا في الإشارة إليه.

وذكر «الولدان» إن أريد به المماليك ، فظاهر. وإن أريد به الصّبيان ، فللمبالغة في الأمر ، والإشعار بأنّهم على صدد وجوب الهجرة ، فإنّهم إذا بلغوا وقدروا على الهجرة فلا محيص لهم عنها ، وأنّ قوّامهم يجب عليهم أن يهاجروا بهم متى أمكنت.

(لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً) (٩٨) : صفة للمستضعفين ، إذ لا توقيت فيه. أو حال عنه ، أو عن المستكن فيه. واستطاعة الحيلة ، قدرة ووجدان أسباب دفع الكفر. واهتداء السّبيل ، وجدان سبيل الإيمان بنفسه أو بدليل.

في كتاب معاني الأخبار (٢) : حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد قال : حدّثنا الحسين بن الحسن بن أبان ، عن الحسين بن سعيد ، عن النّضر بن سويد وفضالة بن أيّوب جميعا ، عن موسى بن بكر ، عن زرارة ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : سألته عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ).

فقال : هو الّذي لا يستطيع الكفر فيكفر ، ولا يهتدي سبيل الإيمان فيؤمن.

والصّبيان ومن كان من الرّجال والنّساء على مثل عقول الصّبيان ، مرفوع عنهم القلم.

قوله ـ عليه السّلام ـ : «هو الّذي لا يستطيع الكفر (٣)»

، يعني : ليس له من العقل ما به يطّلع على الكفر فيكفر ، أو يدفعه عن نفسه.

وبإسناده إلى سالم بن مكرم الجمّال (٤) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن قوله ـ عزّ وجلّ ـ : (إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ) إلى قوله : (سَبِيلاً) فقال : لا يستطيعون حيلة إلى النّصب فينصبون ، ولا يهتدون سبيلا. إلى الحقّ (٥) فيدخلون فيه. وهؤلاء يدخلون الجنّة

__________________

(١) كذا في النسخ والظاهر أنّها زائدة.

(٢) معاني الأخبار / ٢٠١ ، ح ٤.

(٣) يوجد في أبعد هذه العبارة : فيكفر ولا يهتدي.

(٤) نفس المصدر والموضع ، ح ٥.

(٥) المصدر : «سبيل أهل الحقّ» بدل «سبيلا إلى الحق». وهو مذكور في هامش الأصل بدلا من «سبيلا» وليس أيضا في ر ونسخة المجلس ويوجد في أ ، فقط.

٥١٥

بأعمال حسنة وباجتناب المحارم الّتي نهى الله ـ عزّ وجلّ ـ عنها ، ولا ينالون منازل الأبرار.

حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ـ رحمه الله (١) ـ قال : حدّثنا الحسين بن الحسن بن أبان ، عن الحسين بن سعيد ، عن صفوان بن يحيى ، عن حجر بن زائدة عن حمران قال : سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ) (الآية) قال : هم أهل الولاية.

قلت : وأيّ ولاية؟

فقال : أما إنّها ليست بولاية في الدّين. لكنّها الولاية في المناكحة والموارثة والمخالطة. وهم ليسوا بالمؤمنين ولا بالكفّار. وهم المرجون لأمر الله.

حدّثنا المظفّر بن جعفر بن المظفّر العلويّ (٢) قال : حدّثنا جعفر بن محمّد بن مسعود ، عن أبيه ، عن عليّ بن محمّد ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسن بن عليّ ، عن عبد الكريم بن عمرو الخثعميّ ، عن سليمان بن خالد قال : سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ) (الآية).

قال : يا سليمان ، في هؤلاء المستضعفين من هو أثخن رقبة (٣) منك. المستضعفون قوم يصومون ويصلّون (٤) ، تعفّ بطونهم وفروجهم ، لا يرون أنّ الحقّ في غيرنا ، آخذين بأغصان الشّجرة. فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم إذا كانوا آخذين بالأغصان ، وإن لم يعرفوا أولئك فإن عفا عنهم فبرحمته وإن عذّبهم فبضلالتهم عمّا عرّفهم.

أبي ـ رحمه الله ـ قال (٥) : حدّثنا سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن عليّ بن الحكم ، عن سيف بن عميرة ، عن أبي الصّباح ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ أنّه قال في المستضعفين الّذين لا يجدون حيلة ولا يهتدون سبيلا : لا يستطيعون حيلة فيدخلوا في الكفر ، ولم يهتدوا فيدخلوا في الإيمان. فليس هم من الكفر والإيمان في شيء.

__________________

(١) نفس المصدر / ٢٢٠ ، ح ٨.

(٢) نفس المصدر والموضع ، ح ٩.

(٣) يوجد في أبعد هذه العبارة : «بالاغصان وإن لم يعرفوا أولئك فان عفى عنهم» والأظهر أنّها زائدة وسيأتي بعد قليل.

(٤) ليس في أ.

(٥) نفس المصدر / ٢٠٣ ، ح ١١.

٥١٦

وفي أصول الكافي (١) : عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن عليّ بن أسباط ، عن سليم مولى طربال قال : حدّثني هشام ، عن حمزة بن طيّار قال : قال لي أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ : [النّاس على ستّة أصناف] (٢).

قال : قلت : أتأذن لي أن أكتبها؟

قال نعم.

قلت : ما أكتب؟

قال : اكتب (إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً) (٣) إلى الكفر (وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً) إلى الإيمان (فَأُولئِكَ عَسَى اللهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ).

عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه (٤) ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن زرارة قال : دخلت أنا وحمران ، أو أنا وبكير على أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : قلت له : إنّا نمدّ المطمار (٥).

قال : وما المطمار (٦)؟

قلت : التّرّ (٧). فمن وافقنا (٨) من علويّ أو غيره (٩) تولّيناه. ومن خالفنا من علويّ أو غيره (١٠) برئنا منه.

فقال لي : يا زرارة ، قول الله أصدق من قولك ، فأين الّذين قال الله ـ عزّ وجلّ ـ : (إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً) أين المرجون لأمر الله؟ والحديثان طويلان ، أخذنا منهما موضع الحاجة.

عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه (١١) ، عن ابن أبي عمير ، عن جميل ، عن زرارة ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : المستضعفون الّذين (لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً) قال : لا يستطيعون حيلة إلى الإيمان ولا يكفرون ، الصّبيان وأشباه عقول الصّبيان من

__________________

(١) الكافي ٢ / ٣٨١ ، ضمن حديث ١.

(٢) ليس في الأصل.

(٣) يوجد في المصدر بعد هذه العبارة : ولا يهتدون سبيلا لا يستطيعون حيلة.

(٤) نفس المصدر ٢ / ٣٨٢ ـ ٣٨٣ ، صدر حديث ٣.

(٥ و ٦) هكذا في المصدر. وفي النسخ : المضمار.

(٧) هكذا في المصدر. وفي النسخ : النز.

(٨) هكذا في المصدر ور ، وفي سائر النسخ : واقفنا.

(٩) هكذا في المصدر. وفي النسخ : وغيره.

(١٠) هكذا في المصدر. وفي النسخ : وغيره.

(١١) نفس المصدر ٢ / ٤٠٤ ، ح ٢+ تفسير القمي ١ / ١٤٩.

٥١٧

الرّجال والنّساء.

عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد (١) ، عن ابن محبوب ، عن ابن رئاب ، عن زرارة قال : سألت أبا جعفر ـ عليه السّلام ـ عن المستضعف؟ فقال : هو الّذي لا يستطيع حيلة يدفع بها عنه الكفر ، ولا يهتدي بها إلى سبيل الإيمان (٢) ، لا يستطيع أن يؤمن ولا يكفر.

قال : والصّبيان ، ومن كان من الرّجال والنّساء على مثل عقول الصّبيان.

محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى (٣) ، عن عليّ بن الحكم ، عن عبد الله بن جندب ، عن سفيان بن السّمط البجليّ قال : قلت لأبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ : ما تقول في المستضعفين؟

فقال لي شبيها بالفزع : فتركتم أحدا يكون مستضعفا ، وأين المستضعفون؟ فو الله لقد مشى بأمركم هذا العواتق إلى العواتق في خدورهنّ ، وتحدّث به السّقّايات في طريق المدينة.

الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد (٤) ، عن الوشّاء ، عن مثنى ، عن إسماعيل الجعفيّ قال : قلت لأبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في حديث طويل : فهل سلم أحد لا يعرف هذا الأمر؟

فقال : لا ، إلّا المستضعفين. قلت : من هم؟

قال : نساؤكم وأولادكم. ثمّ قال : أرأيت أمّ أيمن ، فإنّي أشهد أنّها من أهل الجنّة ، وما كانت تعرف ما أنتم عليه.

وبإسناده إلى أيّوب بن الحرّ (٥) قال : قال رجل لأبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ ونحن عنده : جعلت فداك إنّا نخاف أن ننزل بذنوبنا منازل المستضعفين.

قال : فقال : لا والله لا يفعل الله ذلك بكم أبدا.

عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن إسماعيل بن مهران ، عن محمّد بن منصور الخزاعيّ ، عن عليّ بن سويد ، عن أبي الحسن موسى ـ عليه السّلام ـ قال : سألته

__________________

(١) الكافي ٢ / ٤٠٤ ، ح ٣.

(٢) هكذا في أوالمصدر. وفي سائر النسخ : «سبيلا إلى الايمان» بدل «إلى سبيل الايمان».

(٣) نفس المصدر والموضع ، ح ٤.

(٤) نفس المصدر ٢ / ٤٠٥ ، ح ٦.

(٥) نفس المصدر ٢ / ٤٠٦ ، ح ٩.

٥١٨

عن الضّعفاء؟ فكتب إليّ : الضّعيف ، من لم يرفع إليه حجّة ولم يعرف الاختلاف ، فإذا عرف الاختلاف فليس بضعيف.

وفي الكافي (١) : أبو عليّ الأشعريّ ، عن محمّد بن عبد الجبّار عن صفوان بن يحيى ، عن عبد الله بن مسكان ، عن يحيى الحلبيّ ، عن عبد الحميد الطّائيّ ، عن زرارة بن أعين قال : قلت لأبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ : أتزوّج بمرجئة أو حروريّة؟

قال : لا ، عليك بالبله من النّساء.

قال زرارة : فقلت : والله ما هي إلّا مؤمنة أو كافرة.

فقال أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ : وأين أهل ثنوي الله ـ عزّ وجلّ ـ قول الله أصدق من قولك : (إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً).

وفي تفسير العيّاشيّ (٢) ـ : عن سليمان بن خالد ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال سألته : عن المستضعفين. فقال : البلهاء في خدرها ، والخادمة تقول لها : صلّي. فتصلّي لا تدري إلّا ما قلت لها ، والجليب الّذي لا يدري إلّا ما قلت له ، والكبير الفاني ، والصّبيّ ، والصّغير ، هؤلاء المستضعفين.

(فَأُولئِكَ عَسَى اللهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ) : ذكر بكلمة الإطماع. ولفظ «العفو» إيذانا بأنّ ترك الهجرة أمر خطير ، حتّى المضطرّ من حقّه أن لا يأمن ويترصّد الفرصة ويعلّق بها قلبه.

(وَكانَ اللهُ عَفُوًّا غَفُوراً) (٩٩) : ذا صفح عن ذنوب عباده ، ساتر عليهم ذنوبهم.

(وَمَنْ يُهاجِرْ) : يفارق أهل الشّرك ، ويهرب بدينه من وطنه إلى أرض الإسلام.

(فِي سَبِيلِ اللهِ) : في منهاج دينه (٣).

(يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً كَثِيراً) : متحوّلا. من الرّغام ، وهو التّراب.

__________________

(١) نفس المصدر ٥ / ٣٤٨ ، ح ٢.

(٢) تفسير العياشي ١ / ٢٧٠ ، ح ٢٥١.

(٣) يوجد في أبعد هذه العبارة : من وطنه إلى أرض الإسلام.

٥١٩

وقيل (١) : طريقا يراغم قومه بسلوكه ، أي : يفارقهم على رغم أنوفهم. وهو أيضا من الرّغام (وَسَعَةً) : في الرّزق وإظهار الدّين ، فيرغم بذلك أنوف قومه في من ضيّق عليه.

(وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ) :

وقرئ : «يدركه» بالرّفع ، على أنّه خبر مبتدأ محذوف ، أي : ثمّ هو يدركه. وبالنّصب ، على إضمار «أن» كقوله : وألحق بالحجاز فاستريحا (٢).

(فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ) :

الوقوع والوجوب ، متقاربان. وفي لفظ الوقوع زيادة مبالغة ، لإشعاره (٣) بأنّ أجره وقع.

(وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) (١٠٠) :

في مجمع البيان (٤) : عن أبي حمزة الثّماليّ : لمّا نزلت آية الهجرة ، سمعها رجل من المسلمين وهو جندع أو جندب بن ضمرة (٥) وكان بمكّة. فقال : والله ما أنا ممّن استثنى الله ، إنّي لأجد قوّة وإنّي لعالم بالطّريق. وكان مريضا شديد المرض. فقال لبنيه : والله لا أبيت بمكّة حتّى أخرج منها. فإنّي أخاف أن أموت فيها. فخرجوا يحملونه على سرير حتّى إذا بلغ التّنعيم مات. فنزلت الآية.

[وممّا جاء في معنى الآية من الحديث ما رواه الحسن ، عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله (٦) ـ قال : من فرّ بدينه من أرض إلى أرض وإن كان شبرا من الأرض استوجب الجنّة ، وكان رفيق إبراهيم ومحمّد ـ عليهما السّلام ـ.

وفي أصول الكافي (٧) : عليّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس بن عبد الرّحمن قال : حدّثنا حمّاد ، عن عبد الأعلى قال : سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن قول العامّة أنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ قال : من مات وليس له إمام مات ميتة جاهليّة؟

قال : الحقّ والله.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٢٣٩.

(٢) نفس المصدر والموضع.

(٣) ر : باشعاره.

(٤) مجمع البيان ٢ / ١٠٠.

(٥) هكذا في المصدر. وفي النسخ : جندب بن حمزة.

(٦) نفس المصدر والموضع.

(٧) الكافي ١ / ٣٧٨ ، صدر حديث ١.

٥٢٠