تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٣

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي


المحقق: حسين درگاهى
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٠٣

في مجمع البيان (١) : قيل : نزلت في شهداء بدر ، كانوا أربعة عشر رجلا ، ثمانية من الأنصار وستّة من المهاجرين.

وقيل : نزلت في شهداء أحد ، وكانوا سبعين رجلا ، أربعة من المهاجرين ، حمزة بن عبد المطّلب ومصعب بن عمير وعثمان بن شماس وعبد الله بن جحش ، وسائرهم من الأنصار.

قال الباقر ـ عليه السّلام ـ وكثير من المفسّرين : إنما تتناول قتلى بدر واحد معا ـ انتهى ـ

والخطاب لرسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ أو لكلّ أحد.

وقرأ هشام ، بالتّاء ، كالباقين. وبالياء ، على إسناده إلى ضمير رسول الله ، أو من يحسب. أو إلى الّذين قتلوا. والمفعول الأوّل محذوف ، لأنّه في الأصل مبتدأ جائز الحذف عند القرينة (٢).

وقرأ ابن عامر : «قتّلوا» بالتّشديد ، لكثرة المقتولين (٣).

(بَلْ أَحْياءٌ) ، أي : بل هم أحياء.

وقرئ بالنّصب ، أي : بل أحسبهم أحياء (٤).

(عِنْدَ رَبِّهِمْ) : ذوو زلفى منه.

وفي تفسير العيّاشيّ (٥) : عن جابر ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : أتى رجل رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فقال : إنّي راغب نشيط في الجهاد.

قال : فجاهد في سبيل الله ، فإنّك إن تقتل كنت حيّا عند الله ترزق ، وإن متّ فقد وقع أجرك على الله ، وإن رجعت خرجت من الذّنوب إلى الله ، هذا تفسير (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً) (الآية).

وفي الكافي (٦) : عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ أنّه قيل له : يروون أنّ أرواح المؤمنين

__________________

بالجهاد الأكبر وكسر النفس وقمع الهوى بالرياضة.» [تفسير الصافي ١ / ٣٦٨] وفي شمول القتل لقمع هوى النفس نظر وإن لم يكن في إطلاق الجهاد على جهاد النفس حقيقة نظر. (فتأمل ، منه سلمه الله.) نقل الفيض ـ رحمه الله ـ القول هذا عن مجمع البيان ، عن الباقر ـ عليه السّلام.

(١) مجمع البيان ١ / ٥٣٥.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ١٩٢.

(٣ و ٤) نفس المصدر والموضع.

(٥) تفسير العيّاشي ١ / ٢٠٦ ، ح ١٥٢.

(٦) الكافي ٣ / ٢٤٤ ، ح ١. وفيه : «عن أبي ولّاد الحفاط عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : قلت له : جعلت فداك» بدل «عن الصادق ـ عليه السّلام ـ أنّه قيل له».

٢٦١

في حواصل طيور (١) خضر حول العرش.

فقال : لا ، المؤمن أكرم على الله من أن يجعل روحه في حوصلة (٢) طير ، ولكن في أبدان كأبدانهم.

(يُرْزَقُونَ) (١٦٩) : من الجنّة. وهو تأكيد لكونهم أحياء.

وفي الكافي (٣) : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن بعض أصحابه ، عن أبي حمزة ، عن عقيل الخزاعيّ ، أنّ أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ إذا حضر الحرب يوصي المسلمين بكلمات فيقول : تعاهدوا الصّلاة إلى أن قال ـ عليه السّلام ـ : ثمّ أنّ الجهاد أشرف الأعمال بعد الإسلام ، وهو قوام الدّين ، والأجر فيه عظيم مع العزّة والمنعة ، وهو الكرّة فيه الحسنات والبشرى بالجنّة بعد الشّهادة ، بالرّزق غدا عند الرّب والكرامة ، يقول الله ـ تعالى ـ : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ). (الآية).

وفي أصوله (٤) : محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ومحمّد بن أبي عبد الله ومحمّد بن الحسن (٥) ، عن سهل بن زياد جميعا ، عن الحسن بن العبّاس بن الجريش (٦) ، عن أبي جعفر الثّاني ـ عليه السّلام ـ أنّ أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ قال يوما لأبي بكر : (لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) وأشهد أنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله (٧) ـ مات شهيدا ، والله ليأتينّك ، فأيقن إذا جاءك فإنّ الشّيطان غير متخيّل به ، فأخذ عليّ ـ عليه السّلام ـ بيد أبي بكر فأراه النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ.

فقال له : يا أبا بكر ، آمن بعليّ وبأحد عشر من ولده ، إنّهم مثلي إلّا النّبوّة ، وتب إلى الله ممّا في يدك فإنّه لا حقّ لك فيه. ثمّ ذهب فلم ير.

__________________

(١) هكذا في المصدر. وفي النسخ : طير.

(٢) هكذا في المصدر. وفي النسخ : حواصل

(٣) نفس المصدر ٥ / ٣٦ ، مقاطع من حديث ١.

(٤) نفس المصدر ١ / ٥٣٢ ، ح ١٣.

(٥) هكذا في المصدر. وفي النسخ : محمد بن أبي الحسن.

(٦) النسخ : «الحسن بن عباس بن الحرث». وما أثبتناه في المتن موافق المصدر. ولعله الصواب «الحريش» بدل «الجريش». ر. تنقيح المقال ١ / ٢٨٦ ، رقم ٢٥٩٠.

(٧) المصدر : وأشهد [أنّ] محمّدا رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله.

٢٦٢

[وفي روضة الكافي (١) : يحيى الحلبيّ ، عن عبد الله بن مسكان ، عن أبي بصير قال : قلت : جعلت فداك [، أرأيت] (٢) الرّادّ عليّ هذا الأمر فهو كالرّادّ عليكم؟

فقال : يا أبا محمّد ، من ردّ عليك هذا الأمر فهو كالرّادّ على رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وعلى الله ـ تبارك وتعالى ـ يا أبا محمّد ، إنّ الميّت على هذا الأمر شهيد.

قال : قلت : وإن مات على فراشه؟

قال : إي والله [وإن مات] (٣) على فراشه ، حيّ عند ربّه يرزق].(٤)

(فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) : وهو شرف الشّهادة ، والفوز بالحياة الأبديّة ، والقرب من الله تعالى والتّمتّع بنعيم الجنّة ، (وَيَسْتَبْشِرُونَ) : يسرّون بالبشارة ، (بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ) ، أي : بإخوانهم المؤمنين الّذين لم يقتلوا فيلحقوا بهم ، (مِنْ خَلْفِهِمْ) ، أي : الّذين من خلفهم ، زمانا أو رتبة ، (أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (١٧٠) : بدل من الّذين ، والمعنى ، أنّهم يستبشرون بما تبيّن (٥) لهم من أمر الآخرة ، وحال من تركوا خلفهم من المؤمنين ، وهو أنّهم إذا ماتوا أو قتلوا كانوا أحياء حياة أبديّة ، لا يكدّرها خوف وقوع محذور وحزن فوات محبوب.

في روضة الكافي (٦) : ابن محبوب ، عن الحارث بن محمّد بن النّعمان (٧) ، عن برير العجليّ قال : سألت أبا جعفر ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ عزّ ذكره ـ : (وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ).

قال : هم والله شيعتنا ، حين صارت أرواحهم في الجنّة واستقبلوا الكرامة من الله ـ عزّ وجلّ ـ علموا واستيقنوا أنّهم كانوا على الحقّ وعلى دين الله ـ عزّ ذكره ـ فاستبشروا بمن لم يلحق بهم من إخوانهم من خلفهم من المؤمنين ، ألّا خوف عليهم ولا هم يحزنون.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٨) : قال حدّثني أبي ، عن الحسن بن محبوب ، عن أبي

__________________

(١) الكافي ٨ / ١٤٦ ، ح ١٢٠.

(٢ و ٣) من المصدر.

(٤) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٥) أ : يتبيّن.

(٦) الكافي ٨ / ١٥٦ ، ح ١٤٦.

(٧) هكذا في المصدر. وفي النسخ : الحرث بن النعمان. وهي خطأ. ر. تنقيح المقال ١ / ٢٤٧ ، رقم ٢١٣٣.

(٨) تفسير القمي ١ / ١٢٧.

٢٦٣

عبيدة الحذّاء ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : هم والله شيعتنا ، إذا دخلوا الجنّة واستقبلوا الكرامة من الله استبشروا بمن لم يلحق بهم من إخوانهم المؤمنين في الدّنيا ، ألّا خوف عليهم ولا هم يحزنون.

(يَسْتَبْشِرُونَ) : كرّره للتّوكيد ، ولتعلّق به ما هو بيان لقوله : «ألّا خوف» ويجوز أن يكون الأوّل بحال إخوانهم ، وهذا بحال أنفسهم ، (بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ) : ثوابا لأعمالهم ، (وَفَضْلٍ) : زيادة عليه ، لقوله تعالى (١) : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ) وتنكيرهما ، للتّعظيم.

(وَأَنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ) (١٧١) : من جملة المستبشر به ، عطف على فضل.

وقرأ الكسائي ، بالكسر ، على أنّه استئناف معترض ، دالّ على أنّ ذلك أجر لهم على إيمانهم ، مشعر بأنّ من لا إيمان له أعماله محبطة وأجوره مضيعة (٢).

(الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ) : صفة للمؤمنين.

أو نصب على المدح. أو مبتدأ ، خبره.

(لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ) (١٧٢) بجملته. و «من» للبيان.

والمقصود من ذكر الوصفين (٣) ، المدح والتّعليل لا التّقييد (٤) ، لأنّ المستجيبين كلّهم محسنون متّقون.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٥) : أنّ النبي ـ صلّى الله عليه وآله ـ لمّا دخل المدينة من وقعة أحد (٦) ، نزل عليه جبرئيل فقال : يا محمّد ، إنّ الله يأمرك أن تخرج في أثر القوم ، ولا يخرج معك إلّا من به جراحة.

فأمر رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ مناديا ينادي : يا معشر المهاجرين

__________________

(١) يونس / ٢٦.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ١٩٢.

(٣) ر : الواصفين.

(٤) أ : لا التقبيل.

(٥) تفسير القمي ١ / ١٢٤ ـ ١٢٦.

(٦) المصدر : «لمّا دخل رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ المدينة» بدل «أنّ النبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ لمّا دخل المدينة من وقعة أحد».

٢٦٤

والأنصار ، من كانت به جراحة فليخرج ، ومن لم يكن به جراحة فليقم. فأقبلوا يضمدون جراحاتهم ويداوونها ، فخرجوا على ما بهم من الألم والجراح.

فلمّا بلغ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ حمراء (١) الأسد ، وقريش قد نزلت الرّوحاء ، قال عكرمة بن أبي جهل والحارث بن هشام وعمرو بن العاص وخالد بن الوليد : نرجع فنغير على المدينة ، فقد قتلنا سراتهم وكبشهم ـ يعنون ، حمزة ـ فوافاهم رجل خرج من المدينة فسألوه الخبر.

فقال : تركت محمّدا وأصحابه بحمراء الأسد يطلبونكم جدّ الطّلب.

فقال أبو سفيان : هذا النّكد والبغي ، فقد ظفرنا بالقوم وبغينا ، والله ما أفلح قوم قطّ بغوا. فوافاهم (٢) نعيم بن مسعود الأشجعيّ.

فقال أبو سفيان : أين تريد؟

قال : المدينة ، لأمتار (٣) لأهلي طعاما.

قال : هل لك أن تمرّ بحمراء الأسد وتلقى أصحاب محمّد وتعلمهم أنّ حلفاءنا وموالينا قد وافونا من الأحابيش ، حتّى يرجعوا عنّا ، ولك عندي عشرة قلائص أملؤها تمرا وزبيبا؟

قال : نعم. فوافى من غد (٤) ذلك اليوم حمراء الأسد.

فقال لأصحاب رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : أين تريدون؟

قالوا : قريشا.

قال : ارجعوا ، فإنّ قريشا قد اجتمعت عليهم (٥) حلفاؤهم ومن كان تخلّف عنهم ، وما أظنّ إلّا وأوائل خيلهم يطلعون (٦) عليكم السّاعة.

فقالوا : حسبنا الله ونعم الوكيل ، ما نبالي.

فنزل (٧) جبرئيل على رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فقال : ارجع يا محمّد ، فإنّ الله قد أرعب (٨) قريشا ومرّوا لا يلوون على شيء. فرجع (٩) رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ

__________________

(١) المصدر : بحمراء.

(٢) أ : خوافاهم.

(٣) أور : لأسار.

(٤) هكذا في المصدر. وفي النسخ : عند.

(٥) المصدر : «قد أجنجت إليهم» بدل «قد اجتمعت عليهم».

(٦) المصدر : «القوم قد طلعوا» بدل «خيلهم يطلعون».

(٧) المصدر : «ونزل» بدل «ما نبالى فنزل».

(٨) المصدر : أرهب.

(٩) المصدر : ورجع.

٢٦٥

إلى المدينة ، وأنزل الله : (الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ) (الآيات) (١).

[وفي تفسير فرات بن إبراهيم (٢) الكوفيّ : قال : حدّثنا الحسين بن الحكم معنعنا ، عن ابن عبّاس ـ رضي الله عنه ـ في يوم أحد في قوله ـ تعالى ـ : (الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ) يعني الجراحة (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ) [قال :] (٣) نزلت في عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام ـ وتسعة نفر (٤) بعثهم رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ في أثر أبي سفيان حين ارتحل ، فاستجابوا لله ولرسوله (٥)].(٦)

(الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ) :

قيل (٧) : يعني ، الرّكب الّذين استقبلوهم (٨) من عبد قيس ، أو نعيم بن مسعود الأشجعيّ.

وفي مجمع البيان (٩) : عنهما ـ عليهما السّلام ـ : أنّ المراد نعيم

، وأطلق عليه النّاس لأنّه من جنسه ، كما قال : فلان يركب الخيل ، وماله إلّا فرس واحد. أو لأنّه انضمّ إليه ناس من المدينة وأذاعوا كلامه.

(إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ) ، يعني أبا سفيان وأصحابه.

في مجمع البيان : في رواية أبي الجارود عن الباقر ـ عليه السّلام ـ : أنّها نزلت في غزوة بدر الصّغرى ، وذلك أنّ أبا سفيان قال يوم أحد حين أراد أن ينصرف : يا محمّد ، موعد ما بيننا وبينك موسم بدر الصّغرى لقابل إن شئت.

فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : ذلك بيننا وبينك.

فلمّا كان العام المقبل ، خرج أبو سفيان في أهل مكّة حتّى نزل مجنة من ناحية

__________________

(١) يوجد في المصدر بدل «الآيات» نص الآية : «من بعد ما أصابهم القرح للّذين أحسنوا منهم واتّقوا أجر عظيم».

(٢) تفسير فرات / ١٩ ـ ٢٠ ، ذيل حديث.

(٣) من المصدر.

(٤) هكذا في المصدر. وفي النسخ : منهم.

(٥) المصدر : للرسول.

(٦) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٧) أنوار التنزيل ١ / ١٩٣.

(٨) هكذا في المصدر. وفي النسخ : استقبلتهم.

(٩) مجمع البيان ١ / ٥٤١. وما في المتن مضمون عبارة المجمع.

٢٦٦

الظهران ، ثمّ ألقى الله عليه الرّعب فبدا له في الرّجوع (١) ، فلقى نعيم بن مسعود الأشجعيّ وقد قدم معتمرا ، فقال له أبو سفيان : إنّي وأعدت محمّدا وأصحابه أن نلتقي بموسم بدر الصغرى ، وإنّ هذه عام جدب ، ولا يصلحنا إلّا عام نرعى فيه الشّجر ونشرب فيه اللّبن ، وقد بدا لي أن لا أخرج إليها ، وأكره أن يخرج محمّد ولا أخرج أنا فيزيدهم ذلك جرأة ، فالحق بالمدينة فثبّطهم ، ولك عندي عشرة من الإبل أضعها على يد سهيل بن عمرو.

فأتى نعيم المدينة ، فوجد النّاس يتجهّزون لميعاد أبي سفيان ، فقال لهم : بئس الرّأي رأيكم (٢) ، أتوكم في دياركم وقراركم فلم يفلت منكم إلّا شريد ، فتريدون أن تخرجوا وقد جمعوا لكم عند الموسم ، فو الله لا يفلت منكم أحد. فكره أصحاب رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ الخروج.

فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : والّذي نفسي بيده لأخرجنّ ولو وحدي ، فأمّا الجبان فإنّه رجع ، وأمّا الشّجاع فإنّه تأهّب للقتال ، وقال : حسبنا الله ونعم الوكيل.

فخرج رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ في أصحابه حتّى وافى (٣) بدر الصّغرى ـ وهو ماء لبني كنانة ، وكانت موضع سوق لهم في الجاهليّة يجتمعون إليها في كلّ عام ثمانية أيّام ـ فأقام ببدر ينتظر أبا سفيان ، وقد انصرف أبو سفيان من مجنة إلى (٤) مكّة ، فسمّاهم أهل مكّة : جيش السّويق ، ويقولون : إنّما خرجتم تشربون السّويق. ولم يلق رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وأصحابه أحدا من المشركين ببدر ، ووافو (٥) السّوق ، وكانت لهم تجارات ، فباعوا وأصابوا للدرهم (٦) درهمين ، وانصرفوا إلى المدينة سالمين غانمين.

(فَزادَهُمْ إِيماناً) :

الضّمير المستكنّ للمقول ، أو لمصدر «قال» أو لفاعله.

والمعنى : أنّهم لم يلتفتوا إليه ، ولم يضعفوا ، بل ثبتت ثقتهم بالله تعالى وازداد إيمانهم ، وأظهروا حميّة الإسلام ، وأخلصوا النّيّة عنده.

وفيه دلالة على أنّ الإيمان يزيد بكثرة التأمّل وتناصر الحج ، وينقص بعروض الشّبه والمعارضات.

__________________

(١) «في الرجوع» ليس في المصدر.

(٢) هكذا في المصدر. وفي النسخ : رأيتم.

(٣) المصدر : وافوا.

(٤) ليس في المصدر.

(٥) المصدر : وافق.

(٦) هكذا في المصدر. وفي النسخ : الدرهم.

٢٦٧

(وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ) :

فحسبنا وكافينا ، من أحسبه ، إذا كفاه. ويدلّ على أنّه بمعنى : المحسب ، أنّه لا يستفيد بالإضافة تعريفا في قولك : هذا رجل حسبك.

(وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) (١٧٣) : ونعم الموكول إليه هو.

في كتاب الخصال (١) : عن الصّادق جعفر بن محمّد ـ عليهما السّلام ـ قال : عجبت [لمن فزع] (٢) من أربع كيف لا يفزع إلى أربع ، عجبت لمن خاف كيف لا يفزع إلى قوله ـ تعالى ـ : (حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) فإني سمعت الله ـ جلّ جلاله ـ يقول بعقبها (٣) : (فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ)

(الحديث).

وفي تهذيب الأحكام (٤) : بإسناده الى الحسن بن عليّ بن عبد الملك الزّيّات ، عن رجل ، عن كرام ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : أربع لأربع ، فواحدة للقتل والهزيمة ، حسبنا الله ونعم الوكيل ، يقول الله : (الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ).

(الحديث).

(فَانْقَلَبُوا) : فرجعوا من بدر ، (بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ) : عافية وثبات على الإيمان ، وزيادة فيه.

(وَفَضْلٍ) : وربح في التّجارة. فإنّهم لمّا أتوا بدرا وافوا بها سوقا ، فاتّجروا وربحوا ، (لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ) : من جراحة ، وكيد عدوّ ، (وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللهِ) : بجرأتهم وخروجهم.

(وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ) (١٧٤) : قد تفضّل عليهم بالتّثبيت ، وزيادة الإيمان ، والتّوفيق للمبادرة إلى الجهاد ، والتّصلّب في الدّين ، وإظهار الجرأة على العدوّ ، وبالحفظ عن كلّ ما يسوؤهم ، وإصابة النّفع مع ضمان الأجر ، حتّى انقلبوا بنعمة منه وفضل.

وفيه تحسير وتخطئة للمتخلّف ، حيث حرم نفسه ما فازوا به.

__________________

(١) الخصال / ٢١٨ ، ح ٤٣.

(٢) من المصدر.

(٣) هكذا في المصدر. وفي النسخ : «سمعت قول الله عقبيها» بدل «سمعت الله ـ جلّ جلاله ـ يقول بعقبها».

(٤) تهذيب الأحكام ٦ / ١٧٠ ، ح ٣٢٩.

٢٦٨

وفي تفسير العيّاشيّ (١) : عن جابر ، عن محمّد بن عليّ ـ عليهما السّلام ـ قال : لمّا وجّه النبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ أمير المؤمنين وعمّار بن ياسر إلى أهل مكّة ، قالوا : بعث هذا الصّبيّ ولو بعث غيره إلى أهل مكّة! وفي مكّة صناديد قريش ورجالها ، والله الكفر أولى بنا (٢) ممّا نحن فيه. فساروا وقالوا وخوّفوهما بأهل مكّة ، وغلّظوا عليهما الأمر.

فقال عليّ ـ عليه السّلام ـ : (حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) ، ومضيا.

فلما دخلا مكّة أخبر (٣) الله نبيّه ـ صلّى الله عليه وآله ـ بقولهم لعليّ وبقول عليّ لهم ، فأنزل الله بأسمائهم في كتابه ، وذلك قوله : «ألم تر إلى (الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللهِ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ) وإنّما أنزلت «ألم تر» إلى فلان وفلان لقوا عليّا وعمّار فقالا : إنّ أبا سفيان وعبد الله بن عامر وأهل مكّة قد جمعوا لكم فاخشوهم ، فزادهم (٤) إيمانا وقالوا : (حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ).

[وفي شرح الآيات الباهرة (٥) : ونقل ابن مردويه ـ من الجمهور ـ عن أبي رافع (٦) أنّ النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ وجّه عليّا ـ عليه السّلام ـ في نفر في طلب أبي سفيان فلقيه أعرابيّ من خزاعة ، فقال له : (إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ) ، يعني ، أبا سفيان وأصحابه.

فقالوا : يعني : عليّا وأصحابه : (حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ). فنزلت هذه الآية إلى قوله : (وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ)].(٧)

وأقول في الجمع بين الخبر الأوّل وهذان الخبران : الآية نزلت أوّلا على الوجه الأوّل كما في الخبر الأوّل ، وجرت من الله في الوجه الثّاني ، وفصّلت في الثّاني بالتصريح بالأسماء ، فأثبت في القرآن على الوجه الأوّل.

__________________

(١) تفسير العياشي ١ / ٢٠٦ ، ح ١٥٤.

(٢) هكذا في المصدر. وفي النسخ : «بنا أولى» بدل «أولى بنا».

(٣) هكذا في المصدر. وفي النسخ : خبر.

(٤) المصدر : وزادهم.

(٥) تأويل الآيات الباهرة ، مخطوط / ٤٥.

(٦) هكذا في المصدر. وفي النسخ : «ابن رافع». وهي خطأ. ر. تنقيح المقال ١ / ٩ ، رقم ٣٨.

(٧) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

٢٦٩

(إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ) : يريد به المثبّط نعيما ، أو أبا سفيان.

و «الشّيطان» خبر «ذلكم» (١) وما بعده بيان لشيطنته. أو صفة ، وما بعده خبر.

ويجوز أن يكون الإشارة إلى قوله على تقدير مضاف ، أي ، إنّما ذلك قول الشّيطان ، أي :

إبليس ، (يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ) : القاعدين عن الخروج مع الرّسول ، أو يخوّفكم أوليائه الّذين هم أبو سفيان وأصحابه.

(فَلا تَخافُوهُمْ) :

الضّمير «للنّاس» الثّانى ، على الأوّل. وإلى «الأولياء» على الثّاني.

(وَخافُونِ) : في مخالفة أمري ، فجاهدوا مع رسولي.

(إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (١٧٥) : فإنّ الإيمان ، يقتضي إيثار خوف الله على خوف النّاس.

في أصول الكافي (٢) : بإسناده إلى الهيثم بن واقد قال : سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول : من خاف الله أخاف الله منه كلّ شيء ومن لم يخف الله أخافه الله من كلّ شيء.

وبإسناده إلى أبي حمزة (٣) قال : قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ : من عرف الله خاف الله ، ومن خاف الله سخت نفسه عن الدّنيا.

وفي كتاب التّوحيد (٤) : بإسناده إلى عليّ بن الحسين ـ عليهما السّلام ـ حديث طويل ، وفيه قال ـ عليه السّلام ـ : خرجت حتّى انتهيت إلى هذا الحائط ، فاتّكيت عليه ، فإذا رجل عليه ثوبان أبيضان ينظر في وجهي ، ثمّ قال [لي :] (٥) يا عليّ بن الحسين (٦) ، مالي أراك كئيبا حزينا ، أعلى الدّنيا حزنك فرزق الله حاضر للبر والفاجرّ؟ إلى أن قال : قلت :

أنا أتخوّف [من] (٧) فتنة ابن الزّبير.

__________________

(١) النسخ : ذلك.

(٢) الكافي ٢ / ٦٨ ، ح ٣.

(٣) نفس المصدر والموضع ، ح ٤.

(٤) التوحيد / ٣٧٤ ، ح ١٧.

(٥) من المصدر وأ.

(٦) يوجد في أبعد هذه العبارة : هل رأيتك أحدا حاف الله فلم ينجه؟ قلت : لا إلى.

(٧) من المصدر.

٢٧٠

فضحك ، ثمّ قال لي : يا عليّ بن الحسين ، هل رأيتك أحدا خاف الله فلم ينجه (١)؟

قلت : لا ـ إلى قوله ـ ثمّ نظرت فإذا ليس قدّامي أحد.

(وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ) : يقعون فيه سريعا ، حرصا عليه ، خوف أن يضرّوك ويعينوا عليك ، وهم المنافقون من المتخلّفين. أو قوم ارتدّوا عن الإسلام.

(إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً) ، أي : أولياءه. و «شيئا» يحتمل المفعول والمصدر.

وقرأ نافع : «يحزنك» بضمّ الياء وكسر الزّاء ، حيث وقع ، ما خلا قوله في الأنبياء (٢) : «لا يحزنهم الفزع الأكبر» فإنّه فتح الياء وضمّ الزّاء فيه. والباقون كذلك في الكلّ (٣).

(يُرِيدُ اللهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ) : نصيبا من الثّواب فيها. وهو يدلّ على تمادي طغيانهم وموتهم على الكفر ، وأنّ كفرهم بلغ الغاية ، حتّى أراد ـ أرحم الرّاحمين ـ أن لا يكون لهم حظّ من رحمته.

(وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) (١٧٦) : مع الحرمان عن الثّواب.

(إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيْمانِ لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (١٧٧) : تكرير للتّأكيد. أو تعميم للكفرة بعد تخصيص ما نافق من المتخلّفين ، أو ممّن ارتدّ من الأعراب.

(وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ) : خطاب للرّسول ـ صلّى الله عليه وآله ـ أو لكلّ من يحسب.

و «الّذين كفروا» مفعول ، و «أنّ» مع اسمها وخبرها (٤) بدل منه ، وإنّما اقتصر على مفعول واحد ، لأنّ التّعويل على البدل ، وهو ممّا ينوب عن المفعولين. أو مفعول ثان على تقدير مضاف ، أي ولا تحسبنّ الّذين كفروا أصحاب أنّ الإملاء خير لأنفسهم ، أو ولا تحسبنّ حال الّذين كفروا أنّ الإملاء خير لأنفسهم.

__________________

(١) المصدر : «هل رأيت أحدا سأل الله فلم يعطه؟» بدل «هل رأيتك أحدا خاف الله فلم ينجه؟».

(٢) هكذا في المصدر. وفي النسخ : «حيث ما وقع خلا ما في الأنبياء» بدل «حيث وقع ما خلا قوله في الأنبياء».

(٣) أنوار التنزيل ١ / ١٩٤.

(٤) النسخ : اسمه وخبره.

٢٧١

و «ما» مصدريّة ، ويحتمل الموصولة بحذف العائد ، وكان حقّها أن تنفصل في الخطّ لكنّها وقعت متّصلة في قرآن عثمان فاتّبع.

وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم والكسائيّ ويعقوب ، بالياء ، على أنّ «الّذين» فاعل وأنّ مع ما في حيّزه مفعول. وفتح سينه ـ في جميع القرآن ـ ابن عامر وعاصم وحمزة (١).

والإملاء ، الإمهال ، وإطالة العمر.

وقيل (٢) : تخليتهم وشأنهم ، من أملى لفرسه ، إذا أرخى له الطّول ليرعى كيف شاء.

(إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً) : استئناف بما هو العلّة للحكم قبلها. و «ما» كآفّة.

واللّام ، للعاقبة ، أي ، يكون عاقبة أمرهم ازدياد الإثم.

وقرئ : «أنّما» بالفتح ، وبكسر الأولى. و «لا يحسبنّ» بالياء ، على معنى : ولا يحسبنّ الّذين كفروا أنّ إملاءنا لهم لازدياد الإثم ، بل للتّوبة والدّخول في الإيمان. و «إنّما نملي لهم» اعتراض ، معناه ، أنّ إملاءنا لهم خير إن انتبهوا وتداركوا فيه ما فرط (٣) منهم.

(وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ) (١٧٨) : على هذا يجوز أن يكون حالا من الواو ، أي : ليزدادوا إثما ، معدّا لهم عذاب مهين.

وفي تفسير العيّاشيّ (٤) : عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : قلت له : أخبرني عن الكافر ، الموت خير له أم الحياة؟

فقال : الموت خير للمؤمن والكافر.

قلت : ولم؟

قال : لأنّ الله يقول : (وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ) ويقول : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ).

وعن يونس (٥) رفعه ـ قال : قلت له : زوّج رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ابنته فلانا.

قال : نعم.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ١٩٤.

(٢) نفس المصدر والموضع.

(٣) نفس المصدر والموضع.

(٤) تفسير العياشي ١ / ٢٠٦ ـ ٢٠٧ ، ح ١٥٥.

(٥) نفس المصدر ١ / ٢٠٧ ، ح ١٥٦.

٢٧٢

قلت : فكيف زوجّه الأخرى؟

قال : قد فعل ، فأنزل الله : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ) ـ إلى ـ (عَذابٌ مُهِينٌ).

(ما كانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) قيل (١) : الخطاب لعامّة المخلصين والمنافقين في عصره.

والمعنى : لا يترككم مختلطين لا يعرّف مخلصكم من منافقكم حتّى يميز المنافقين من المخلصين (٢) بالوحي إلى نبيّه [صلّى الله عليه وآله ـ] بأحوالكم ، أو بالتّكاليف الشّاقّة الّتي لا يصبر عليها ولا يذعن لها إلّا الخلّص المخلصون منكم ، كبذل الأنفس والأموال في سبيل الله ، ليختبر [النبيّ به] (٣) بواطنكم وليستدلّ به على عقائدكم.

وفي تفسير العيّاشيّ (٤) : عن عجلان أبي (٥) صالح قال : سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول : لا تمضي الأيّام واللّيالي حتّى ينادي مناد من السّماء يا أهل الحقّ اعتزلوا ، يا أهل الباطل اعتزلوا ، فيعزل هؤلاء عن هؤلاء [ويعزل هؤلاء من هؤلاء.

قال :] (٦) قلت : أصلحك الله ، يخالط هؤلاء هؤلاء بعد ذلك النّداء؟

قال : كلا [، إنّه] (٧) يقول في الكتاب : (ما كانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ).

وفي كتاب مقتل الحسين ـ عليه السّلام ـ لأبي مخنف (٨) : قال الضّحّاك بن

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ١٩٤ ـ ١٩٥.

(٢) المصدر : «المنافق من المخلص» بدل «المنافقين من المخلصين.»

(٣) من المصدر.

(٤) تفسير العياشي ١ / ٢٠٧ ، ح ١٥٧.

(٥) النسخ : «عجلان بن صالح». وعنونه في جامع الرواة [٢ / ٥٣٧] ونقل رواية أبي يحيى الواسطي عنه ، ثمّ نفى البعد عن كونه «عجلان أبا صالح الواسطي». ر. تنقيح المقال ٢ / ٢٤٩ ـ ٢٥٠ ، ارقام ٧٨٢٠ ، ٧٨٢١ ، ٧٨٢٢ و ٧٨٢٤.

(٦ و ٧) من المصدر.

(٨) ليس في مقتل أبي مخنف المطبوع. ولكن يوجد في سائر المقاتل ، كمقتل المقرّم / ٢٦٣.

٢٧٣

عبد الله (١) : مرّت بنا خيل ابن سعد ـ لعنه الله ـ تحرسنا ، وكان (٢) الحسين ـ عليه السّلام ـ يقرأ : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ ما كانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ).

وقرأ حمزة والكسائيّ : «حتّى يميّز» من التفعيل هنا وفي الأنفال (٣).

(وَما كانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلكِنَّ اللهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ) : ما كان الله ليؤتي أحدكم علم الغيب ، فيطّلع على ما في القلوب من كفر أو إيمان ، ولكنّه يجتبي لرسالته من يشاء فيوحي ويخبره ببعض المغيبات ، أو بنصب ما يدلّ عليها.

(فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ) : بصفة الإخلاص. أو بأن تعلموه وحده مطّلعا على الغيب ، وتعلموهم عبادا مجتبين ، لا يعلمون إلّا ما علّمهم الله ، ولا يقولون إلّا ما أوحي إليهم.

نقل (٤) : أنّ الكفرة قالوا : إن كان محمّد صادقا فليخبرنا من يؤمن منّا ومن يكفر ، فنزلت.

وعن السّديّ أنّه ـ عليه السّلام ـ قال : عرضت عليّ أمّتي وأعلمت من يؤمن ومن يكفر.

فقال المنافقون : إنّه يزعم أنّه يعرف من يؤمن به ومن يكفر ونحن معه ولا يعرفنا ، فنزلت.

(وَإِنْ تُؤْمِنُوا) حقّ الإيمان ، (وَتَتَّقُوا) النّفاق.

(فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ) (١٧٩) : لا يقادر قدره.

(وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ) :

من قرأ ، بالتّاء ، قدّر مضافا ، أي : لا تحسبنّ الّذين يبخلون هو خيرا لهم. وكذا من قرأ ، بالياء ، إن جعل الفاعل ضمير الرّسول أو من «يحسب» ، وإن جعله الموصول كان

__________________

(١) المصدر : «الضّحاك بن عبد الله المشرقي». وهي أيضا خطأ. والظاهر أنّه «الضّحاك بن عبيد الله المشرقي» (ر. تنقيح المقال ٢ / ١٠٤ ، رقم ٥٨٢٧+ جامع الرواة ١ / ٤١٨). وإن كان هكذا فلما ذا عدّه أصحاب التراجم والرجال من أصحاب السّجاد ـ صلوات الله عليه ـ؟

(٢) المصدر : «فسمع رجل منهم» بدل «تحرسنا وكان».

(٣) أنوار التنزيل ١ / ١٩٥.

(٤) نفس المصدر والموضع.

٢٧٤

المفعول الأوّل محذوفا ، أي : لا يحسبنّ البخلاء بخلهم هو خيرا لهم (١).

(بَلْ هُوَ) ، أي : البخل ، (شَرٌّ لَهُمْ) : لاستجلاب العقاب عليهم.

(سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ) : بيان لذلك ، أي : سيلزمون وبال ما بخلوا به إلزام الطّوق. أو يطوّقون بما بخلوا به يوم القيامة.

في الكافي (٢) : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عبد الله بن مسكان ، عن محمّد بن مسلم قال : سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ (سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ).

فقال : يا محمّد ، ما من أحد يمنع من زكاة ماله شيئا إلّا جعل الله ـ عزّ وجلّ ـ ذلك يوم القيامة ثعبانا من نار مطوّقا في عنقه ينهش من لحمه حتّى يفرغ من الحساب.

ثمّ قال : [وهو قول] (٣) الله ـ عزّ وجلّ ـ : (سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ) ، يعني : ما بخلوا به من الزّكاة.

يونس ، عن عبد الله بن سنان (٤) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : ما من ذي زكاة مال أو نخل أو زرع أو كرم يمنع زكاة ماله إلّا قلّده الله تربة أرضه ، يطوّق بها من سبع أرضين إلى يوم القيامة.

عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه (٥) ، عن حمّاد بن عيسى ، عن حريز ، عن عبيد بن زرارة قال : سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول : ما من عبد يمنع درهما في حقّه إلّا أنفق اثنين في غير حقّه ، وما من رجل يمنع حقّا من ماله إلّا طوّقه الله ـ عزّ وجلّ ـ به حيّة من نار يوم القيامة.

محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى (٦) ، عن ابن مهران ، عن ابن مسكان ، عن محمّد بن مسلم قال : سألت أبا جعفر ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ).

قال : ما من عبد يمنع (٧) من زكاة ماله شيئا إلّا جعل الله له ذلك يوم القيامة ثعبانا

__________________

(١) نفس المصدر والموضع.

(٢) الكافي ٣ / ٥٠٢ ، ح ١.

(٣) من المصدر.

(٤) نفس المصدر ٣ / ٥٠٣ ، ح ٤.

(٥) نفس المصدر ٣ / ٥٠٤ ، ح ٧.

(٦) نفس المصدر والموضع ، ح ١٠.

(٧) المصدر : منع.

٢٧٥

من نار ، يطوّق في عنقه ينهش من لحمه حتّى يفرغ من الحساب ، وهو قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ) قال : ما بخلوا به من الزّكاة.

محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد (١) ، عن ابن فضّال ، عن عليّ بن عقبة ، عن أيّوب بن راشد قال : سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول : مانع الزكاة يطوّق بحيّة قرعاء تأكل (٢) من دماغه ، وذلك قوله ـ عزّ وجلّ ـ : (سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ).

عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه (٣) ، عن محمّد بن خالد ، عن خلف بن (٤) حمّاد ، عن حريز قال : قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ : ما من ذي مال ذهب أو فضّة يمنع زكاة ماله إلّا حبسه الله يوم القيامة بقاع قرقر ، وسلّط عليه شجاعا أقرع يريده وهو يحيد عنه ، فإذا رأى أنّه لا مخلص (٥) له [منه] (٦) أمكنه من يده فقضمها كما يقضم الفجل ، ثمّ يصير طوقا في عنقه ، وذلك قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ) وما من ذي مال إبل أو غنم أو بقر يمنع زكاة ماله إلّا حبسه الله يوم القيامة بقاع قرقر ، يطأه كلّ ذات ظلف بظلفها وينهشه كلّ ذات ناب بنابها ، وما من ذي مال نخل أو كرم أو زرع يمنع زكاتها إلّا طوّقه الله ريعة أرضه إلى سبع أرضين إلى يوم القيامة.

(وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) : وله ما فيهما ممّا يتوارث ، فما لهؤلاء يبخلون بماله ولا ينفقونه في سبيله؟ أو أنّه يرث منهم ما يمسكونه ولا ينفقونه في سبيله بهلاكهم ، ويبقى عليهم الحسرة والعقوبة.

(وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ) من المنع ، والإعطاء ، (خَبِيرٌ) (١٨٠) : فيجازيكم.

وقرأ نافع وابن عامر وعاصم وحمزة والكسائيّ ، بالتّاء ، على الالتفات ، وهو أبلغ في الوعيد (٧).

(لَقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ) :

قيل (٨) : قالته اليهود لمّا سمعوا : (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً).

__________________

(١) نفس المصدر ٣ / ٥٠٥ ، ح ١٦.

(٢) المصدر : وتأكل.

(٣) نفس المصدر والموضع ، ح ١٩.

(٤) ر : خلف بن حمّاد عن عليّ بن عقبه.

(٥) هكذا في المصدر. وفي النسخ : لا يخلص.

(٦) من المصدر.

(٧) أنوار التنزيل ١ / ١٩٥.

(٨) نفس المصدر والموضع.

٢٧٦

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (١) : قال : والله ما رأوا الله فيعلموا أنّه فقير ، ولكنّهم رأوا أولياء الله فقراء فقالوا : لو كان الله غنيّا لأغنى أولياءه ، ففخروا على الله في الغناء.

وفي كتاب المناقب لابن شهرآشوب (٢) : عن الباقر ـ عليه السّلام ـ في قوله : (لَقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا) (الآية) قال : هم الّذين يزعمون أنّ الإمام يحتاج إلى ما يحملون إليه.

(سَنَكْتُبُ ما قالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍ) ، أي : سنكتبه في صحائف الكتبة.

أو سنحفظه في علمنا لا نهمله ، لأنّه كلمة عظيمة ، إذ هو كفر بالله أو استهزاء بالقرآن والرّسول ، ولذلك نظمه مع قتل الأنبياء.

وفيه تنبيه ، على أنّه ليس أوّل جريمة ارتكبوها ، وأنّ من اجترأ على قتل الأنبياء ، لم يستبعد منه أمثال هذا القول.

وفي أصول الكافي (٣) : عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن عثمان بن عيسى ، عن سماعة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : و (يَقْتُلُونَ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍ) فقال : أما والله ما قتلوهم (٤) بأسيافهم ، ولكن كانوا أذاعوا أمرهم (٥) وأفشوا عليهم فقتلوا.

وقرأ حمزة : «سيكتب» بالياء وضمّها ، وفتح التّاء. و «قتلهم» بالرّفع. و «يقول» بالياء (٦).

(وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ) (١٨١) ، أي : وننتقم منهم ، بأن نقول : ذوقوا العذاب المحرق. وفيه مبالغات في الوعيد.

والذّوق ، إدراك الطّعوم. وعلى الاتّساع يستعمل لإدراك سائر المحسوسات والحالات ، وذكره هاهنا لأنّ العذاب مرتّب على قولهم النّاشئ عن البخل والتّهالك على المال ، وغالب حاجة الإنسان إليه لتحصيل المطاعم ، ومعظم بخله للخوف من فقدانه ، ولذلك كثّر ذكر الأكل مع المال.

__________________

(١) تفسير القمي ١ / ١٢٧.

(٢) مناقب آل أبي طالب ٢ / ٢٠٧.

(٣) الكافي ٢ / ٣٧١ ، ح ٧.

(٤) ر : قتلوا.

(٥) المصدر : سرّهم.

(٦) أنوار التنزيل ١ / ١٩٦.

٢٧٧

(ذلِكَ) : إشارة إلى العذاب ، (بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ) : من قتل الأنبياء ، وقولهم هذا ، وسائر معاصيهم. عبّر بالأيدي عن الأنفس ، لأنّ أكثر أعمالها بهنّ.

(وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) (١٨٢) : عطف على «ما قدّمت» وسببيّته للعذاب ، من حيث أنّ نفي الظّلم يستلزم العدل المقتضي إثابة المحسن ، ومعاقبة المسيء.

وفي نهج البلاغة (١) : قال ـ عليه السّلام ـ : وأيم الله ما كان قوم قطّ في غضّ نعمة من عيش فزال عنهم ، إلّا بذنوب اجترحوها ، لأنّ الله ليس بظلّام للعبيد.

وفيه إشكال مشهور ، وهو أنّ نفي الظّلام عن الله تعالى لا يستلزم نفي كونه ظالما ، بل يشعر بكونه كذلك ، تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا.

والجواب ، أنّ جواز اتّصافه تعالى بكلّ صفة يستلزم اتّصافه بها على الكمال ، خصوصا صفة الظّلم ، فإنّه لو اتّصف بها اتّصف بما هو في الرّتبة الأعلى منها ، لكمال قدرته وعدم المانع ، فللإشعار بهذا المعنى أورد «الظّلام» مكان «الظالم» والمراد نفى الظّلم مطلقا ، فتأمّل.

(الَّذِينَ قالُوا) : هم كعب بن الأشرف ، ومالك ، وحييّ ، وفنحاص ، ووهب بن يهوذا. (إِنَّ اللهَ عَهِدَ إِلَيْنا) : أمرنا في التّوراة ، وأوصانا.

(أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنا بِقُرْبانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ) : بأن لا نؤمن لرسول حتّى يأتينا بهذه المعجزة الخاصّة ، الّتي كانت لأنبياء بني إسرائيل ، وهو أن يقرّب بقربان فيقوم النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ فيدعو فتنزل نار سماويّة ، أي : تجلبه إلى طبعها بالإحراق.

وهذا من مفترياتهم وأباطيلهم ، لأنّ أكل النّار القربان لا يوجب الإيمان إلّا لكونه معجزة ، فهو وسائر المعجزات شرع في ذلك.

(قُلْ قَدْ جاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّناتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (١٨٣) : تكذيب وإلزام ، بأنّ رسلا قد جاؤوهم قبله ، كزكريّاء ويحيى ، بمعجزات أخر موجبة للتّصديق وبما اقترحوه فقتلوهم ، ولو كان الموجب للتّصديق هو الإتيان ، وكان توقّفهم وامتناعهم عن الإيمان لأجله ، فما لهم لم يؤمنوا بمن جاء به في معجزات أخر ، واجترءوا عليه؟

__________________

(١) نهج البلاغة / ٢٥٧ ، ضمن خطبة ١٧٨.

٢٧٨

وفي أصول الكافي (١) : محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن مروك بن عبيد (٢) ، عن رجل ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : لعن الله القدريّة ، لعن الله الخوارج ، لعن الله المرجئة ، لعن الله المرجئة.

قال : قلت : لعنت هؤلاء مرّة مرّة ، ولعنت هؤلاء مرّتين؟

قال : إنّ هؤلاء يقولون : إنّ قتلتنا مؤمنون ، فدماؤنا (٣) متلطّخة بثيابهم إلى يوم القيامة ، إنّ الله حكى عن قوم (٤) في كتابه : «لن (نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنا بِقُرْبانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّناتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) قال : كان بين القائلين والقاتلين (٥) خمسمائة عام ، فألزمهم الله القتل برضاهم ما فعلوا.

وفي تفسير العيّاشيّ (٦) مثل ما في أصول الكافي ، إلّا أنّ بعد : «إذ كنتم صادقين» قال : فكان بين الّذين خوطبوا بهذا القول وبين القاتلين خمسمائة عام ، فسمّاهم الله قاتلين برضاهم بما صنع أولئك.

عن محمّد بن هاشم (٧) ، عمّن حدّثه ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : لمّا نزلت هذه الآية : (قُلْ قَدْ جاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّناتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) وقد علم أن قالوا : والله ما قتلنا ولا شهدنا. قال : وإنّما قيل لهم : ابرؤوا من قتلتهم ، فأبوا.

عن محمّد بن الأرقط (٨) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال لي : تنزل الكوفة؟

قلت : نعم.

قال : فترون قتلة (٩) الحسين بين أظهركم؟

قال : قلت : جعلت فداك ، ما بقي منهم أحد.

قال : فإذا أنت لا ترى القاتل إلّا من قتل ، أو من ولي القتل ، ألم تسمع إلى

__________________

(١) الكافي ٢ / ٤٠٩ ، ح ١.

(٢) أ : «محروك بن عبيد». ر : «مروك بن عمير». وكلاهما خطأ. ر. تنقيح المقال ٣ / ٢١٠ رقم ١١٦٦٥.

(٣) هكذا في المصدر. وفي النسخ : فدماؤهم.

(٤) أ : قومه.

(٥) المصدر : القاتلين والقائلين.

(٦) تفسير العياشي ١ / ٢٠٨ ، ح ١٦٣.

(٧) نفس المصدر ١ / ٢٠٩ ، ح ١٦٤.

(٨) نفس المصدر والموضع ، ح ١٦٥.

(٩) المصدر : قتلته.

٢٧٩

قول الله : (قَدْ جاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّناتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) فأيّ رسول قبل الّذي (١) كان محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ بين أظهرهم ، ولم يكن بينه وبين عيسى رسول ، إنّما رضوا قتل أولئك فسمّوا قاتلين.

وفي الكافي (٢) : محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين ، عن عثمان بن عيسى ، عن أبي المغرا ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : كانت بنو إسرائيل إذا قرّبت القربان ، تخرج نار تأكل قربان من قبل منه ، وإنّ الله جعل الإحرام مكان القربان.

وفي كتاب الاحتجاج (٣) للطبّرسيّ ـ رحمه الله ـ : عن موسى بن جعفر [، عن أبيه ،] (٤) عن آبائه ، عن الحسين بن عليّ ـ عليهم السّلام ـ عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ حديث طويل ، وفيه قال ـ عزّ وجلّ ـ لنبيّه ـ صلّى الله عليه وآله ـ لمّا أسري به : وكانت الأمم السّالفة تحمل قرابينها على أعناقها إلى بيت المقدس ، فمن قبلت منه أرسلت إليه (٥) نارا فأكلته فرجع مسرورا ، ومن لم أقبل ذلك منه رجع مثبورا ، وقد جعلت قربان أمّتك في بطون فقرائها ومساكينها ، فمن قبلت ذلك منه أضعفت ذلك له أضعافا مضاعفة ، ومن لم أقبل ذلك منه رفعت عنه (٦) عقوبات الدّنيا ، وقد رفعت ذلك عن أمّتك ، وهي من الإصار الّتي كانت على الأمم قبلك (٧).

[(فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ) : تسلية للنّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ في تكذيب الكفّار إيّاه ، بأنّه ليس بأوّل مكذّب من الرّسل ، جاءوا بالبينات ، أي : المعجزات الباهرات.

(وَالزُّبُرِ) : الّتي كتب فيها الحكم ، والزّواجر ، (وَالْكِتابِ الْمُنِيرِ) (١٨٤) :

الّذي ينير الحقّ لمن اشتبه عليه ، والهادي إلى الحقّ.

وقيل (٨) : المراد به التّوراة والإنجيل].(٩)

__________________

(١) هكذا في المصدر. وفي النسخ : «فأتى رسول الله قبل الذين» بدل «فأيّ رسول قبل الّذي».

(٢) الكافي ٤ / ٣٣٥ ، ح ١٦.

(٣) الاحتجاج ١ / ٣٢٨ ـ ٣٢٩.

(٤) من المصدر.

(٥) المصدر : عليه.

(٦) هكذا في المصدر وأ. وفي الأصل ور : «وقعت» بدل «رفعت عنه».

(٧) المصدر : من كان من قبلك.

(٨) مجمع البيان ١ / ٥٥٠.

(٩) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

٢٨٠