تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٣

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي


المحقق: حسين درگاهى
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٠٣

فأين صاحبنا؟ وقال بعضهم : الوجه وجه عيسى والبدن بدن صاحبنا. وقال من سمع منه : إنّ الله يرفعني إلى السّماء ، إنّه رفعه إلى السّماء. وقال قوم : صلب النّاسوت وصعد اللّاهوت.

(لَفِي شَكٍّ مِنْهُ) : لفي تردّد.

و «الشّكّ» كما يطلق على ما لا يترجّح أحد طرفيه ، يطلق على مطلق التردّد وعلى ما يقابل العلم. ولذلك أكّده بقوله :

(ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِ) : استثناء منقطع ، أي : ولكنّهم يتّبعون الظّنّ.

ويجوز أن يفسّر «الشّكّ» بالجهل والعلم بالاعتقاد الّذي تسكن إليه النّفس ، جزما كان أو غيره ، فيتّصل الاستثناء.

(وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً) (١٥٧) ، أي : وما قتلوه قتلا يقينا. أو ما قتلوه متيقّنين ، كما ادّعوا ذلك في قولهم : (إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ). أو يجعل يقينا تأكيدا لقوله : (وَما قَتَلُوهُ) كقولك : وما قتلوه حقّا ، أي : حقّ انتفاء قتله حقّا.

وقيل (١) : هو من قولهم : قتلت الشّيء علما ، إذا بالغ فيه علمك.

وفيه تهكّم. لأنّه إذا نفى عنهم العلم نفيا كلّيا بحرف الاستغراق. ثمّ قيل : وما علموه علم يقين وإحاطة ، لم يكن إلّا تهكّما بهم.

(بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ) : ردّ وإنكار لقتله ، وإثبات لرفعه.

وفي من لا يحضره الفقيه (٢) ، عن زيد بن عليّ ، عن أبيه سيّد العابدين ـ عليه السّلام ـ حديث طويل ، وفيه يقول ـ عليه السّلام ـ : وإنّ لله ـ تبارك وتعالى ـ بقاعا في سماواته. فمن عرج به إلى بقعة منها فقد عرج به إليه ، ألا تسمع الله يقول (٣) : (تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ) ويقول ـ عزّ وجلّ ـ في قصّة عيسى بن مريم : (بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ).

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٤) : رفع ، وعليه مدرعه من صوف.

__________________

(١) نفس المصدر والموضع.

(٢) من لا يحضره الفقيه ١ / ١٢٧ ، ح ٦٠٣.

(٣) المعارج / ٤.

(٤) تفسير القمي ١ / ٢٢٤.

٥٨١

وفي تفسير العيّاشي (١) : عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ قال : رفع عيسى بن مريم ـ عليهما السّلام ـ بمدرعة صوف من غزل مريم ومن نسج مريم وخياطة مريم. فلمّا انتهى إلى السّماء نودي : يا عيسى ، ألق عنك زينة الدّنيا.

وفي كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة (٢) ، بإسناده إلى محمّد بن إسماعيل القرشي ، عمّن حدّثه ، عن إسماعيل بن أبي رافع ، عن أبيه قال : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : إنّ جبرئيل ـ عليه السّلام ـ نزل عليّ بكتاب فيه خبر الملوك ملوك الأرض قبلي ، وخبر من بعث قبلي من الأنبياء والرّسل ـ وهو حديث طويل ، قال فيه ـ عليه السّلام ـ : إنّ عيسى بن مريم أتى بيت المقدس. فمكث يدعوهم ويرغّبهم فيما عند الله ثلاث وثلاثين سنة حتّى طلبته اليهود.

وادّعت أنّها عذّبته ودفنته في الأرض حيّا. وادّعى بعضهم أنّهم قتلوه وصلبوه. وما كان الله ليجعل لهم سلطانا عليه. وإنّما شبّه لهم. وما قدروا على عذابه ودفنه ولا على قتله وصلبه. لأنّهم لو قدروا على ذلك لكان تكذيبا لقوله ـ تعالى ـ : (بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ) بعد أن توفّاه ـ عليه السّلام ـ.

[وبإسناده إلى أبان بن تغلب (٣) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ حديث طويل يذكر فيه القائم ، وفيه : فإذا نشر راية رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ انحطّ عليه (٤) ثلاثة عشر ألف ملك وثلاثة عشر ملكا كلّهم ينظرون (٥) القائم ـ عليه السّلام ـ. وهم الّذين كانوا مع نوح ـ عليه السّلام ـ في السّفينة ، والّذين كانوا مع إبراهيم الخليل ـ عليه السّلام ـ حين (٦) ألقي في النّار ، وكانوا مع عيسى حين رفع.

وفي أصول الكافي (٧) : محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد وعليّ بن محمّد ، عن سهل بن زياد جميعا عن ابن محبوب ، عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : لمّا قبض أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ قام الحسن بن عليّ ـ عليهما السّلام ـ في مسجد الكوفة فحمد الله وأثنى عليه وصلّى على النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ ثمّ قال : يا أيّها النّاس ، إنّه قد قبض في هذه اللّيلة رجل ما سبقه الأوّلون ولا يدركه الآخرون. والله لقد

__________________

(١) تفسير العيّاشي ١ / ١٧٥ ، ح ٥٣.

(٢) كمال الدين وتمام النعمة / ٢٢٤ ، ح ٢٠.

(٣) نفس المصدر / ٦٧٢ ، ضمن حديث ٢٢ وأوّله في ص ٦٧١.

(٤) المصدر : إليه.

(٥) المصدر : ينتظر.

(٦) المصدر : حيث.

(٧) الكافي ١ / ٤٥٧ ، صدر وذيل حديث ٨.

٥٨٢

قبض في اللّيلة الّتي قبض فيها وصي موسى يوشع بن نون ، واللّيلة الّتي عرج فيها بعيسى بن مريم (١) ، واللّيلة الّتي ينزل (٢) فيها القرآن.

والحديث طويل ، أخذت منه موضع الحاجة].(٣)

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٤) : حدّثني الحسين بن عبد الله السّكينيّ ، عن أبي سعيد البجليّ ، عن عبد الملك بن هارون ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن الحسن بن عليّ ـ عليهما السّلام ـ ، وذكر حديثا طويلا ، وفيه قال ـ عليه السّلام ـ وقد ذكر عيسى بن مريم ـ عليهما السّلام ـ : وكان عمره ثلاث وثلاثون سنة. ثمّ رفعه الله إلى السّماء. ويهبط إلى الأرض بدمشق. وهو الّذي يقتل الدّجّال.

(وَكانَ اللهُ عَزِيزاً) : لا يغلب على ما يريده.

(حَكِيماً) (١٥٨) : فيما دبّر لعباده.

(وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ) :

قيل (٥) : أي : وما من أهل الكتاب أحد إلّا ليؤمننّ به.

فقوله : (لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ) جملة قسميّة وقعت صفة «لأحد» ويعود الضّمير الثّاني إليه ، والأوّل إلى عيسى ، فالمعنى : ما من اليهود والنّصارى أحد ، إلّا ليؤمننّ بأنّ عيسى عبد الله ورسوله قبل أن يموت ولو حين يزهقه روحه ، ولا ينفعه إيمانه.

ويؤيّد ذلك ، أنّه قرئ : «إلّا ليؤمننّ به قبل موتهم» بضمّ النّون ، لأنّ «أحدا» في معنى الجمع. وهذا كالوعيد لهم ، والتّحريض على معاجلة الإيمان به قبل أن يضطرّوا إليه ولم ينفعهم إيمانهم.

وقيل (٦) : الضّميران لعيسى ، والمعنى : إذا نزل من السّماء آمن به أهل الملل جميعا.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٧) : [حدّثني أبي ، عن القاسم بن محمّد ، عن سليمان بن داود المنقريّ ، عن أبي حمزة ،] (٨) عن شهر بن حوشب قال : قال لي الحجّاج : يا شهر ، آية في كتاب الله قد أعيتني. فقلت : أيّها الأمير ، أيّة آية هي؟

__________________

(١) هكذا في المصدر. وفي النسخ : عيسى بن مريم.

(٢) المصدر : نزل.

(٣) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٤) تفسير القمي ٢ / ٢٧٠.

(٥) أنوار التنزيل ١ / ٢٥٥.

(٦) نفس المصدر والموضع.

(٧) تفسير القمي ١ / ١٥٨.

(٨) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

٥٨٣

فقال : قوله : (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ). والله إنّي لآمر باليهوديّ والنّصرانيّ فيضرب عنقه ثمّ أرمقه بعيني (١) فما أراه يحرّك شفتيه حتّى يخمد.

فقلت : أصلح الله الأمير ليس على ما تأوّلت.

قال : كيف هو؟

قلت : إنّ عيسى ينزل (٢) قبل يوم القيامة إلى الدّنيا ، فلا يبقى أهل ملّة يهوديّ ولا غيره إلّا آمن به قبل موته ، ويصلّي خلف المهديّ.

قال : ويحك ، أنّى لك هذا ، ومن أين جئت به؟

فقلت : حدّثني به محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب ـ عليهم السّلام ـ.

فقال : جئت بها من عين صافية.

وروي فيه (٣) ـ أيضا ـ : أنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ إذا رجع آمن به النّاس كلّهم.

وفي تفسير العيّاشي (٤) : عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في تفسيرها : ليس من أحد من جميع الأديان يموت إلّا رأى رسول الله وأمير المؤمنين ـ عليهما السّلام ـ حقّا من الأوّلين والآخرين.

وفي مجمع البيان (٥) : في أحد معانيها : ليؤمننّ بمحمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ قبل موت الكتابيّ ـ عن عكرمة.

ورواه أصحابنا ـ أيضا ـ قال : وفي هذه الآية دلالة على أنّ كلّ كافر يؤمن عند المعاينة ، وعلى أنّ إيمانه ذلك غير مقبول كما لم يقبل إيمان فرعون في حال اليأس عند زوال التّكليف.

ويقرب من هذا ما رواه الإماميّة : أنّ المحتضرين من جميع الأديان يرون رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وخلفاءه عند الوفاة.

__________________

(١) هكذا في تفسير البرهان ١ / ٤٢٦ نقلا عن المصدر وفي نسخة أو في سائر النسخ والمصدر : نفسي.

(٢) هكذا في تفسير البرهان ١ / ٤٢٦ نقلا عن المصدر وفي نسخة أوفي سائر النسخ والمصدر : نزل.

(٣) نفس المصدر والموضع.

(٤) تفسير العياشي ١ / ٢٨٤ ، ح ٣٠٣.

(٥) مجمع البيان ٢ / ١٣٧ ـ ١٣٨.

٥٨٤

ويروون في ذلك :

عن عليّ ـ عليه السّلام ـ أنّه قال للحارث الهمدانيّ :

يا حار همدان من يمت يرني

من مؤمن أو منافق قبلا

يعرفني طرفه وأعرفه

بعينه واسمه وما فعلا

وفي الجوامع (١) : عنهما ـ عليهما السّلام ـ : حرام على روح أن تفارق جسدها حتّى ترى محمّدا وعليّا.

وفي تفسير العيّاشي (٢) : عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ أنّه سئل عن هذه الآية.

فقال : هذه نزلت فينا خاصّة. أنّه ليس رجل من ولد فاطمة يموت ولا يخرج من الدّنيا حتّى يقرّ للإمام وبإمامته ، كما أقرّ ولد يعقوب ليوسف حين قالوا : (تَاللهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللهُ عَلَيْنا).

[وفي تفسير فرات بن إبراهيم الكوفي (٣) قال : حدّثني عبيد بن كثير معنعنا ، عن جعفر بن محمّد ـ عليهما السّلام ـ قال : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : يا عليّ ، إنّ فيك مثلا من عيسى بن مريم ، قال الله ـ تعالى ـ : (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً). يا عليّ ، إنّه لا يموت رجل يفتري على عيسى بن مريم ـ عليهما السّلام ـ حتّى يؤمن له قبل موته ويقول فيه الحقّ حيث لا ينفعه ذلك شيئا. وإنّك يا عليّ مثله (٤) لا يموت عدوّك حتّى يراك عند الموت ، فتكون عليه غيظا وحزنا حتّى يقرّ بالحقّ من أمرك ويقول فيك الحقّ ويقرّ بولايتك حيث لا ينفعه ذلك شيئا. وأمّا وليّك فإنّه يراك عند الموت فتكون له شفيعا ومبشّرا وقرّة عين] (٥).

(وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً) (١٥٩) : على اليهود بالتّكذيب ، وعلى النّصارى بأنّهم دعوه ابن الله ، ويكون الرّسول والإمام شهيدا على أعمال كلّ واعتقاداتهم.

(فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا) ، أي : فبظلم عظيم منهم.

(حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ) : في الآية الّتي ذكرت في الأنعام (٦) :

(وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا) (الآية).

__________________

(١) جوامع الجامع / ١٠١.

(٢) تفسير العياشي ١ / ٢٨٣ ـ ٢٨٤ ، ح ٣٠٠.

(٣) تفسير فرات / ٣٤.

(٤) المصدر : «على مثاله» بدل «يا عليّ مثله».

(٥) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٦) الأنعام / ١٤٦.

٥٨٥

في تفسير عليّ بن إبراهيم (١) : حدّثني أبي ، عن ابن محبوب ، عن عبد الله بن أبي يعفور قال : سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول : من زرع حنطة في أرض ولم يزكّ زرعه فخرج زرعه كثير الشّعير ، فبظلم عمله في ملك رقبة الأرض ، أو بظلم لمزارعه وأكرته ، لأنّ الله عزّ وجلّ يقول : (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ) ، يعني : لحوم الإبل والبقر والغنم.

وفي الكافي والعيّاشي (٢) ، عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ مثله.

(وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ كَثِيراً) (١٦٠) : أناسا كثيرا ، وصدّا كثيرا.

(وَأَخْذِهِمُ الرِّبَوا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ) : كان الرّبا محرّما عليهم ، كما هو محرّم علينا. وفيه دلالة على دلالة النّهي على التّحريم.

(وَأَكْلِهِمْ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ) : بالرّشوة ، وسائر الوجوه المحرّمة.

(وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً) (١٦١) : دون من تاب وآمن.

(لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ) : كعلمائهم المؤمنين.

(وَالْمُؤْمِنُونَ) ، أي : منهم. وهو من آمن من غير العلماء ، أو من المهاجرين والأنصار.

(يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ) : خبر المبتدأ.

(وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ) : نصب على المدح إن جعل «يؤمنون» الخبر لا «أولئك». و «الواو» اعتراض. أو عطف على «ما أنزل». والمراد بهم ، الأنبياء. وإن جعل الخبر «أولئك» فيكون «يؤمنون» حالا. ويحتمل العطف عليه بإرادة التّنكير.

وقرئ ، بالرّفع ، عطفا على «الرّاسخون». أو الضّمير في «يؤمنون». أو على أنّه مبتدأ ، والخبر «أولئك» (٣).

(وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ) : رفعه لأحد الوجوه المذكورة.

(وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) : قدّم عليه الإيمان بالأنبياء والكتب وما يصدّقه من اتّباع الشّرائع ، لأنّه المقصود بالآية.

__________________

(١) تفسير القمي ١ / ١٥٨.

(٢) الكافي ٥ / ٣٠٦ ، ح ٩ وتفسير العياشي ١ / ٢٨٤ ، ح ٣٠٤.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٢٥٦.

٥٨٦

(أُولئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً) (١٦٢) : على جمعهم بين الإيمان والعمل الصّالح.

وقرأ حمزة : «سيؤتيهم» بالياء (١).

(إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ) :

قيل (٢) : جواب لأهل الكتاب عن اقتراحهم «أن تنزّل عليهم كتابا من السّماء» واحتجاج عليهم بأنّ أمره في الوحي كسائر الأنبياء.

في تفسير العيّاشي (٣) : عن زرارة وحمران ، عن أبي جعفر وأبي عبد الله ـ عليهما السّلام ـ قال : إنّي أوحيت إليك كما أوحيت إلى نوح والنّبيّين من بعده ، فجمع له كلّ وحي هبط.

[وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٤) : حدّثني أبي ، عن أحمد بن النّضر ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ (٥) قال : بينا رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ جالسا وعنده جبرئيل إذ حانت من جبرئيل نظرة قبل السّماء ـ إلى أن قال ـ : قال جبرئيل : إنّ هذا حاجب الرّبّ وأقرب خلق الله منه واللّوح بين عينيه من ياقوتة حمراء ، فإذا تكلّم الرّبّ ـ تبارك وتعالى ـ بالوحي ضرب اللّوح جنبيه ، فينظر (٦) فيه ثمّ ألقاه (٧) إلينا فنسعى به في السّموات والأرض.

وفي أصول الكافي (٨) ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ حديث طويل ، يقول فيه ـ عليه السّلام ـ : فلمّا استجاب الله (٩) لكلّ نبيّ من استجاب له من قومه (١٠) من المؤمنين ، جعل (١١) لكلّ [نبيّ] (١٢) منهم شرعة ومنهاجا. والشّرعة والمنهاج ، سبيل وسنّة. وقال لمحمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ : (إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ). وأمر

__________________

(١) نفس المصدر والموضع.

(٢) نفس المصدر والموضع.

(٣) تفسير العياشي ١ / ٢٨٥ ، ح ٣٠٥.

(٤) تفسير القمي ٢ / ٢٧ و ٢٨ ضمن حديث طويل.

(٥) المصدر : أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ.

(٦) المصدر : فنظر.

(٧) المصدر : يلقيه.

(٨) الكافي ٢ / ٢٩ ، ضمن حديث.

(٩) ليس في المصدر.

(١٠) هكذا في المصدر. وفي النسخ : في قومه.

(١١) هكذا في المصدر. وفي النسخ : يجعل.

(١٢) من المصدر.

٥٨٧

كلّ نبيّ بالأخذ بالسّبيل والسّنّة ، وكان (١) من السّبيل والسّنّة الّتي أمر الله ـ عزّ وجلّ ـ بها موسى ـ عليه السّلام ـ أن جعل عليهم السّبت] (٢).

(وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَعِيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهارُونَ وَسُلَيْمانَ) :

قيل (٣) : خصّصهم بالذّكر مع اشتمال النّبيّين عليهم تعظيما لهم ، فإنّ إبراهيم أوّل أولي العزم منهم ، وعيسى آخرهم ، والباقين أشرف الأنبياء ومشاهيرهم.

وفي كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة (٤) ، بإسناده إلى محمّد بن الفضيل ، عن أبي حمزة الثّمالي ، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر ـ عليهما السّلام ـ حديث طويل ، يقول فيه ـ عليه السّلام ـ : وكان ما بين آدم ونوح من الأنبياء مستخفين ومستعلنين ولذلك خفي ذكرهم في القرآن. فلم يسمّوا كما سمّي من استعلن من الأنبياء. وهو قول الله ـ عزّ وجلّ ـ (وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ) ، يعني : لم نسمّ المستخفين كما نسمّي المستعلنين من الأنبياء.

وفي روضة الكافي (٥) ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ مثله.

(وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً) (١٦٣) :

وقرأ حمزة ، بضمّ الزّاي. وهو جمع زبر ، بمعنى : مزبور (٦).

وفي أصول الكافي (٧) : عليّ بن إبراهيم ، عن صالح بن السّنديّ ، عن جعفر بن بشير ، عن سعد الإسكاف ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : أعطيت السّور الطّوال مكان التّوراة. وأعطيت المئين مكان الإنجيل. وأعطيت المثاني مكان الزّبور. وفضّلت بالمفصّل ثمان وستّون سورة.

وفيه (٨) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ [قال : قال النّبيّ

__________________

(١) هكذا في المصدر. وفي النسخ : كلّ.

(٢) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٢٥٦.

(٤) كمال الدين وتمام النعمة ١ / ٢١٥ ، ح ٢.

(٥) الكافي ٨ / ١١٥ ، ح ٩٢.

(٦) أنوار التنزيل ١ / ٢٥٦.

(٧) الكافي ٢ / ٦٠١ ، ح ١٠.

(٨) نفس المصدر ٢ / ٦٢٩ ، ضمن حديث ٦ وأوله في ص ٦٢٨.

٥٨٨

ـ صلّى الله عليه وآله ـ :] (١) وأنزل الزّبور لثمان عشر خلون من شهر رمضان.

والحديث طويل ، أخذت منه موضع الحاجة.

(وَرُسُلاً) : نصب بمضمر ، دلّ عليه «أوحينا إليك» كأرسلنا. أو فسّره.

(قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً) (١٦٤) :

قيل (٢) : وهو منتهى مراتب الوحي خصّ به موسى من بينهم ، وقد فضّل الله محمّدا ـ صلّى الله عليه وآله ـ بأن أعطاه ما أعطى كلّ واحد منهم.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٣) ، عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ حديث في قصّة الإسراء ، وفيه يقول ـ صلّى الله عليه وآله ـ : ثمّ ركبت فمضينا ما شاء الله ، ثمّ قال لي : انزل فصلّ ، فنزلت وصلّيت.

فقال لي : أتدري أين صلّيت؟

فقلت : لا.

فقال : صلّيت بطور سيناء ، حيث كلّم الله موسى تكليما.

وفي كتاب الاحتجاج (٤) للطّبرسي ـ رحمه الله ـ : عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ حديث طويل في مكالمة بينه وبين اليهود ، وفيه قالت اليهود : موسى خير منك.

قال النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ ولم؟

قالوا : لأنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ كلّمه بأربعة آلاف كلمة ، ولم يكلّمك بشيء.

فقال النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ : لقد أعطيت أنا أفضل من ذلك.

قالوا : وما ذاك؟

قال : قوله ـ عزّ وجلّ ـ : (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى).

(الحديث).

وروي عن صفوان بن يحيى (٥) قال ، سألني أبو قرّة المحدّث ـ صاحب شبرمة ـ أن أدخله إلى أبي الحسن الرّضا ـ عليه السّلام ـ فاستأذنت ، فأذن لي ، فدخل فقال له : أخبرني ـ جعلني الله فداك ـ عن كلام الله لموسى ـ عليه السّلام ـ.

__________________

(١) ليس في أ.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٢٥٦.

(٣) تفسير القمي ٢ / ٣.

(٤) الاحتجاج ١ / ٥٥.

(٥) نفس المصدر ٢ / ١٨٥.

٥٨٩

فقال : الله أعلم ورسوله بأيّ لسان كلّمه ، بالسّريانيّة أم بالعبرانيّة.

فأخذ أبو قرّة بلسانه فقال : إنّما أسألك عن هذا اللّسان.

فقال أبو الحسن ـ عليه السّلام ـ : سبحان الله ممّا تقول ، ومعاذ الله أن يشبه خلقه أو يتكلّم بمثل ما هم به يتكلّمون. ولكنّه ـ تبارك وتعالى ـ ليس كمثله شيء ولا كمثله قائل فاعل.

قال : كيف ذلك؟

قال : كلام الخالق للمخلوق ليس ككلام المخلوق لمخلوق ، ولا يلفظ بشقّ فم ولسان. ولكن يقول له : كن فيكون. فكان بمشيئته ما خاطب به موسى من الأمر والنّهي من غير تردّد في نفس.

وفي أصول الكافي (١) : عليّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن خالد الطّيالسي ، عن صفوان بن يحيى ، عن ابن مسكان ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : قلت له : لم يزل الله متكلّما؟

قال : فقال. إنّ الكلام صفة محدثة ليس بأزليّة. كان الله ـ عزّ وجلّ ـ ولا متكلّم.

وفي كتاب الخصال (٢) ، بإسناده إلى الضّحّاك ، عن ابن عبّاس قال : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : إنّ الله ناجى موسى بن عمران ـ عليه السّلام ـ بمائة ألف كلمة وأربعة وعشرين ألف كلمة في ثلاثة أيّام ولياليهنّ ما طعم فيها موسى ولا شرب فيها ، فلمّا انصرف إلى بني إسرائيل وسمع كلامهم مقتهم لما كان وقع في مسامعه من حلاوة كلام الله ـ عزّ وجلّ ـ.

وفي كتاب التّوحيد (٣) ، بإسناده إلى [عليّ بن] (٤) محمّد بن الجهم ، عن أبي الحسن ـ عليه السّلام ـ (٥) حديث طويل ، وفيه يقول ـ عليه السّلام ـ حاكيا عن موسى ـ عليه السّلام ـ في قومه : فخرج بهم إلى طور سيناء ، فأقامهم في سفح الجبل وصعد

__________________

(١) الكافي ١ / ١٠٧ ، ح ١.

(٢) الخصال ٢ / ٦٤١ ـ ٦٤٢ ، ح ٢٠.

(٣) التوحيد / ١٢١ ، ضمن حديث ٢٤.

(٤) من المصدر. ر. تنقيح المقال ٢ / ٣٠٣ ، رقم ٨٤٥٨.

(٥) المصدر : عن الرضا عليّ بن موسى ـ عليهما السّلام ـ.

٥٩٠

موسى ـ عليه السّلام ـ إلى الطّور وسأل الله ـ تبارك وتعالى ـ أن يكلّمه ويسمعهم كلامه ، فكلّمه الله ـ تعالى ذكره ـ وسمعوا كلامه من فوق وأسفل ويمين وشمال ووراء وأمام ، لأنّ الله ـ تعالى ـ أحدثه في الشّجرة ثمّ جعله منبعثا منها (١) حتّى سمعوه من جميع الوجوه.

وعن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ (٢) : كلّم الله (٣) موسى تكليما بلا جوارح وأدوات وشفة ، ولا لهوات ، سبحانه وتعالى عن الصّفات.

وعنه ـ عليه السّلام ـ (٤) في حديث وقد سأله رجل عمّا اشتبه عليه من الآيات : وكلام الله ـ تعالى ـ ليس بنحو واحد ، منه ما كلّم الله به الرّسل ، ومنه ما قذفه في قلوبهم ، ومنه رؤيا يريها الرّسل ، ومنه وحي وتنزيل يتلى ويقرأ. فهو كلام الله. فاكتف بما وصفت لك من كلام الله. فإنّ كلام الله ليس بنحو واحد. فإنّ منه ما تبلغ رسل السّماء ورسل الأرض.

(رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ) : نصب على المدح. أو بإضمار «أرسلنا». أو على الحال. ويكون «رسلا» موطّئا لما بعده ، كقولك : مررت بزيد رجلا صالحا.

(لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) : فيقولوا : (لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً) فينبّهنا ويعلّمنا ما لم نعلم.

و «اللام» متعلّقة «بأرسلنا» ، أو بقوله : «مبشّرين ومنذرين». و «حجّة» اسم كان وخبره «للنّاس» ، أو «على الله». والآخر حال. ولا يجوز تعلّقه «بحجّة» لأنّه مصدر. و «بعد» ظرف لها ، أو صفة.

[وفي نهج البلاغة (٥) : قال ـ عليه السّلام ـ : فبعث فيهم رسله وواتر إليهم أنبياءه ، ليستأدوهم ميثاق فطرته ويذكّروهم منسي نعمته ويحتجّوا عليهم بالتّبليغ ويثيروا لهم دفائن العقول ويروهم آيات القدرة ، من سقف فوقهم مرفوع ومهاد تحتهم موضوع ومعايش وآجال تفنيهم وأوصاب تهرمهم وأحداث تتابع عليهم. ولم يخل الله ـ سبحانه ـ خلقه من نبيّ مرسل أو كتاب منزل أو حجّة لازمة أو محجّة قائمة ، رسل لم

__________________

(١) أ : ميقاتها.

(٢) نفس المصدر / ٧٩ ، ضمن حديث ٣٤.

(٣) ليس في المصدر.

(٤) نفس المصدر / ٢٦٤ ، ضمن حديث ٥.

(٥) نهج البلاغة / ٤٢ ـ ٤٤ ، ضمن خطبة ١.

٥٩١

تقصر (١) بهم قلّة عدوهم ولا كثرة المكذّبين (٢) لهم ، من سابق سمّى له من بعده أو غابر عرّفه من قبله. على ذلك نسلت القرون ومضت الدّهور وسلفت الآباء وخلفت الأبناء إلى أن بعث [الله ـ سبحانه ـ] (٣) محمّدا [رسول الله ـ] (٤) صلّى الله عليه وآله ـ] (٥).

(وَكانَ اللهُ عَزِيزاً) : لا يغلب فيما يريده.

(حَكِيماً) (١٦٥) : فيما دبّر من أمر النّبوّة ، وخصّ كلّ نبيّ بنوع من الوحي والإعجاز.

(لكِنِ اللهُ يَشْهَدُ) : استدراك من مفهوم ما قبله ، فكأنّه لمّا تعنّتوا عليه بسؤال كتاب ينزل عليهم من السّماء ، واحتج عليهم (إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) قال : إنّهم لا يشهدون ، ولكن الله يشهد. أو أنّهم أنكروه ، ولكنّ الله يبيّنه ويقرّره.

(بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ) : من القرآن المعجز ، الدّالّ على نبوّتك.

نقل أنّه لمّا نزل «إنّا أوحينا إليك» قالوا : ما نشهد لك. فنزلت (٦).

(أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ) : ملتبسا بعلمه الخاصّ به ، وهو العلم بتأليفه على نظم يعجز عنه كلّ بليغ. أو من استعدّ للنّبوّة واستأهل نزول الكتاب عليه. أو بعلمه الّذي يحتاج إليه النّاس في معاشهم ومعادهم.

والجارّ والمجرور ، على الأوّلين حال عن الفاعل. وعلى الثّالث حال عن المفعول. والجملة ، كالتّفسير لما قبلها.

(وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ) : أيضا بنبوّتك.

(وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً) (١٦٦) : وإن لم يشهد غيره أو كفى بما أقام من الحجج على صحّة نبوّتك عن استشهاد (٧) بغيره.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٨) : حدّثني أبي ، عن ابن أبي عمير ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : إنّما أنزلت (لكِنِ اللهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ) في

__________________

(١) المصدر : لا تقصر.

(٢) هكذا في المصدر. وفي النسخ : المكرمين.

(٣ و ٤) من المصدر.

(٥) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٦) أنوار التنزيل ١ / ٢٥٧.

(٧) هكذا في أنوار التنزيل وفي نسخة أ. وفي سائر النسخ : إشهاد.

(٨) تفسير القمي ١ / ١٥٩.

٥٩٢

عليّ (أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً).

(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلالاً بَعِيداً) (١٦٧) :

لأنّهم جمعوا بين الضّلال والإضلال ، ولأنّ المضلّ يكون أعرق في الضّلالة وأبعد من الانقلاع عنه.

(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا) : جمعوا بينهما. والظّلم أعمّ من الظّلم عليه وعلى غيره ، إذا اجتمع مع الكفر.

(لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً) (١٦٨) :

(إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً) : حال مقدّرة.

(وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً) (١٦٩) : لا يصعب عليه.

في تفسير عليّ بن إبراهيم (١) : وقرأ أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ : إنّ الّذين كفروا وظلموا آل محمّد حقّهم. (الآية).

وفي أصول الكافي (٢) : أحمد بن مهران ، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسنيّ ، عن محمّد بن الفضيل ، عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : نزل جبرئيل ـ عليه السّلام ـ بهذه الآية هكذا : إنّ الّذين كفروا وظلموا آل محمّد حقّهم لم يكن الله.

(الآية).

وفي تفسير العيّاشي (٣) ، مثله.

(يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ) :

قيل (٤) : لمّا قرّر أمر النّبوّة وبيّن الطّريق الموصل إلى العلم بها وأوعد من أنكرها ، خاطب النّاس عامّة بالدّعوة وإلزام الحجة والوعد بالإجابة والوعيد على الرّدّ.

(فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ) ، أي : إيمانا خيرا لكم. أو ائتوا أمرا خيرا لكم ممّا أنتم عليه.

وقيل (٥) : تقديره : يكن الإيمان خيرا لكم. ومنعه البصريّون ، لأنّ «كان» لا يحذف مع اسمه إلّا فيما لا بدّ منه ، ولأنّه يؤدّي إلى حذف الشّرط وجوابه.

__________________

(١) نفس المصدر والموضع.

(٢) الكافي ١ / ٤٢٤ ، ح ٥٩.

(٣) تفسير العياشي ١ / ٢٨٥ ، ح ٣٠٧.

(٤) أنوار التنزيل ١ / ٢٥٧.

(٥) نفس المصدر والموضع.

٥٩٣

(وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) : فهو غنيّ عنكم ، لا يتضرّر بكفركم كما لا ينتفع بإيمانكم. ونبّه على غناه بقوله : (فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) وهو ما اشتملتا عليه وما تركّبتا منه.

(وَكانَ اللهُ عَلِيماً) : بأحوالهم.

(حَكِيماً) (١٧٠) : فيما دبّر لهم.

وفي أصول الكافي (١) ، في تتمّة الخبر الأوّل ، وفي تفسير العيّاشي (٢) ، عن الباقر ـ عليه السّلام ـ : قد جاءكم الرّسول بالحقّ من ربّكم في ولاية عليّ فآمنوا خيرا لكم وإن تكفروا بولاية عليّ. (الآية).

(يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ) قيل (٣) : الخطاب للفريقين ، غلت اليهود في حطّ عيسى حتّى رموه بأنّه ولد لغير رشده ، والنّصارى في رفعه حتّى اتّخذوه إلها.

وقيل : للنّصارى خاصّة. وهو أوفق لقوله : (وَلا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَ) ، يعني : تنزيهه عن الشّريك والصّاحبة والولد.

(إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ) :

أوصلها إليها ، وحصلها فيها.

في مجمع البيان (٤) : وعيسى ـ عليه السّلام ـ ممسوح البدن من الأدناس والآثام ، كما روي عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٥) : ثمّ قال : وصوّر ابن مريم في الرّحم دون الصّلب وإن كان مخلوقا في أصلاب الأنبياء ـ عليهم السّلام ـ.

(وَرُوحٌ مِنْهُ) : ذو روح صدر منه ، لا بتوسّط ما يجري مجرى الأصل والمادّة.

وقيل (٦) : سمّي روحا ، لأنّه كان يحيي الأموات والقلوب.

وفي أصول الكافي (٧) : عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن

__________________

(١) الكافي ١ / ٤٢٤ ، ذيل حديث ٥٩.

(٢) تفسير العياشي ١ / ٢٨٥ ، ح ٣٠٧.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٢٥٧ ـ ٢٥٨.

(٤) مجمع البيان ٢ / ١٤٤.

(٥) تفسير القمي ١ / ٢٢٤.

(٦) أنوار التنزيل ١ / ٢٥٨.

(٧) الكافي ١ / ١٣٣ ، ح ٢.

٥٩٤

الحجّال ، عن ثعلبة ، عن حمران قال : سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن قول الله : و (رُوحٌ مِنْهُ). قال : هي روح مخلوقة ، خلقها الله في آدم وعيسى.

وفي كتاب التّوحيد (١) ، بإسناده إلى أبي جعفر الأصمّ قال : سألت أبا جعفر ـ عليه السّلام ـ عن الرّوح الّتي في آدم والّتي في عيسى ، ما هما؟

قال : روحان مخلوقان اختارهما واصطفاهما ، روح آدم وروح عيسى ـ عليهما السّلام ـ.

(فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ) ، أي : الآلهة ثلاثة : الله ، والمسيح ، وأمّه. ويشهد له قوله : (أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ). أو الله ثلاثة ، إن صحّ أنّهم يقولون : الله ثلاثة أقانيم : الأب ، والابن ، وروح القدس.

ويريدون بالأب الذّات ، وبالابن العلم ، وبروح القدس الحياة.

(انْتَهُوا) : عن التّثليث.

(خَيْراً لَكُمْ) : اقصدوا خيرا لكم. وهو التّوحيد.

(إِنَّمَا اللهُ إِلهٌ واحِدٌ) ، أي : واحد بالذّات ، لا تعدّد فيه بوجه.

(سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ) : أسبّحه تسبيحا من أن يكون له ولد. كيف؟

والولد لا بدّ أن يكون مماثلا للوالد. تعالى الله عن أن يكون له مماثل ومعادل.

(لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) : ملكا وخلقا. لا يماثله شيء من ذلك ، فيتّخذه ولدا.

(وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً) (١٧١) : تنبيه على غناه عن الولد. فإنّ الحاجة إلى الولد ليكون وكيلا لأبيه. والله سبحانه قائم بحفظ الأشياء كاف في ذلك مستغن عمّن يخلّفه أو يعينه.

(لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ) : لن يأنف. من نكفت الدمع ، إذا نحّيته بإصبعك كيلا يرى أثره على وجهك.

(أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ) : من أن يكون عبدا له. فإنّ عبوديّته شرف يتباهى به ، وإنّما المذلّة والاستنكاف في عبوديّة غيره.

في مجمع البيان (٢) : روي أنّ وفد نجران قالوا لرسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ :

__________________

(١) التوحيد / ١٧٢ ، ح ٤.

(٢) مجمع البيان ٢ / ١٤٦.

٥٩٥

يا محمّد ، لم تعيب صاحبنا؟

قال ومن صاحبكم؟

قالوا : عيسى.

قال : وأيّ شيء أقول فيه؟

قالوا : تقول إنّه عبد الله ورسوله. فنزلت الآية.

(وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ) : عطف على المسيح ، أي : ولن تستنكف الملائكة المقرّبون أن يكونوا عبيد الله.

في كتاب علل الشّرايع (١) ، بإسناده إلى سلمان الفارسي قال : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ لعليّ ـ عليه السّلام ـ : يا عليّ ، تختّم باليمين تكن من المقرّبين.

قال : يا رسول الله ، وما المقرّبون؟

قال : جبرئيل وميكائيل.

والحديث طويل ، أخذت منه موضع الحاجة.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٢) ، عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ حاكيا عن جبرئيل ـ عليه السّلام ـ : إنّ بين الله وبين خلقه تسعين ألف حجاب. وأقرب الخلق إلى الله أنا وإسرافيل. وبيننا وبينه أربعة حجب : حجاب من نور ، وحجاب من ظلمة ، وحجاب من الغمام ، وحجاب من الماء.

واحتج بالآية من زعم فضل الملائكة على الأنبياء وقال : مساقه لردّ النّصارى في رفع المسيح عن مقام العبوديّة ، وذلك يقتضي أن يكون المعطوف عليه أعلى درجة منه حتّى يكون عدم استنكافهم كالدّليل على عدم استنكافه.

وجوابه ، أنّ الآية للرّدّ على عبدة المسيح والملائكة ، فلا يتّجه ذلك وإن سلم اختصاصها بالنّصارى ، فلعلّه أراد بالعطف المبالغة باعتبار آخر دون التّكبير ، كقولك : أصبح الأمير لا يخالفه رئيس ولا مرؤوس (٣).

وفي كتاب علل الشّرائع (٤) ، بإسناده إلى ابن عبّاس ، عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ حديث طويل ، وفيه يقول ـ عليه السّلام ـ : لمّا عرج بي إلى السّماء الرّابعة أذّن جبرئيل وأقام ميكائيل ، ثمّ قيل : ادن يا محمّد.

__________________

(١) علل الشرائع ١ / ١٥٨ ، ح ٣.

(٢) تفسير القمي ٢ / ١٠.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٢٥٨.

(٤) علل الشرائع / ٦ ، ح ١.

٥٩٦

فقلت : أتقدم وأنت بحضرتي يا جبرئيل؟

قال : نعم ، إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ فضّل أنبياءه المرسلين على ملائكته المقرّبين ، وفضّلت أنت خاصّة. فدنوت وصلّيت بأهل السّماء الرّابعة.

[وفي كتاب الاحتجاج (١) ، للطّبرسيّ ـ رحمه الله ـ عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ حديث طويل ، وفيه قالوا : يا رسول الله ، أخبرنا عن عليّ ، أهو أفضل أم ملائكة الله المقرّبون؟

فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : وهل شرّفت الملائكة إلّا بحبّها لمحمّد وعليّ وقبولها لولايتهما؟ وإنّه لا أحد من محبيّ عليّ ـ عليه السّلام ـ قد نظّف قلبه من قذر الغشّ والدّغل والغلّ (٢) ونجاسة (٣) الذّنوب إلّا كان أطهر وأفضل من الملائكة.

وفي كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة (٤) ، بإسناده إلى المفضّل بن عمر (٥) ، عن الصّادق جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن آبائه ـ عليهم السّلام ـ عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ قال : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : لمّا أسري بي إلى السّماء أوحى إليّ ربّي ـ جلّ جلاله ـ فقال : يا محمّد ، إنّي اطلعت إلى (٦) الأرض اطّلاعة فاخترتك منها فجعلتك نبيّا وشققت لك من اسمي اسما. فأنا المحمود وأنت محمّد. ثمّ اطّلعت الثّانية. فاخترت منها عليّا. وجعلته وصيّك وخليفتك وزوج ابنتك وأبا ذرّيّتك.

وشققت له اسما من أسمائي. فأنا العليّ الأعلى وهو عليّ. وخلقت فاطمة والحسن والحسين من نور كما. ثمّ عرضت ولايتهم على الملائكة. فمن قبلها كان عندي من المقرّبين.

والحديث طويل ، أخذت منه موضع الحاجة.

وفي أمالي الصّدوق (٧) ، بإسناده إلى النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ حديث طويل ، يذكر فيه فاطمة ـ عليها السّلام ـ وفيه : فإنّها تقوم (٨) في محرابها فيسلّم عليها سبعون ألف

__________________

(١) الاحتجاج ١ / ٦٢.

(٢) ليس في المصدر.

(٣) المصدر : نجاسات.

(٤) كمال الدين وتمام النعمة / ٢٥٢ ، صدر حديث ٢.

(٥) هكذا في المصدر. وفي النسخ : فضل بن عمر.

(٦) المصدر : على.

(٧) أمالي الصدوق / ٣٩٤ ، ضمن حديث ١٨ ، وأوله في ص ٣٩٣.

(٨) المصدر : وإنّها لتقوم.

٥٩٧

ملك من الملائكة المقرّبين ، وينادونها بما نادت به الملائكة مريم] (١).

(وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ) : يترفّع عنها.

والاستكبار ، دون الاستنكاف. وإنّما يستعمل حيث لا استحقاق ، بخلاف التّكبر فإنّه قد يكون باستحقاق ، كما هو في الله ـ سبحانه ـ.

(فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً) (١٧٢) : المستنكف والمستكبر والمقرّ بالعبوديّة ، فيجازيهم على حسب أحوالهم.

(فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذاباً أَلِيماً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً) (١٧٣) : تفصيل للمجازاة ، المدلول عليها من فحوى الكلام. وكأنّه قال : فسيحشرهم إليه جميعا يوم يحشر العباد للمجازاة. أو لمجازاة المستنكف والمستكبر.

فإنّ إثابة مقابليهم والإحسان إليهم تعذيب لهم بالغمّ والحسرة.

(يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً) (١٧٤) :

قيل (٢) : المراد بالبرهان ، المعجزات ، وبالنّور ، القرآن ، أي : جاءكم دلائل العقل وشواهد النّقل ، ولم يبق لكم عذر ولا علّة.

وقيل : البرهان ، رسول الله ، والنّور ، القرآن.

وفي مجمع البيان (٣) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ : النّور ، ولاية عليّ ـ عليه السّلام ـ.

(فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ) : ثواب مستحقّ.

(وَفَضْلٍ) : وإحسان زائد عليه.

(وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ) : إلى الله. أو الموعود من الرّحمة والفضل.

(صِراطاً مُسْتَقِيماً) (١٧٥) : قد مرّ تحقيق معنى الصّراط في سورة الفاتحة.

وفي تفسير العيّاشي (٤) : عن عبد الله بن سليمان قال : قلت لأبي عبد الله

__________________

(١) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٢٥٩.

(٣) مجمع البيان ٢ / ١٤٧.

(٤) تفسير العياشي ١ / ٢٨٥ ، ح ٣٠٨.

٥٩٨

ـ عليه السّلام ـ : قوله : (قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ) (الآية) قال : البرهان ، محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ والنّور ، عليّ ـ عليه السّلام ـ.

قال : قلت له : (صِراطاً مُسْتَقِيماً).

قال : الصّراط المستقيم ، عليّ ـ عليه السّلام ـ.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (١) : النّور ، إمامة أمير المؤمنين. والاعتصام ، التّمسّك بولايته وولاية الأئمّة بعده.

(يَسْتَفْتُونَكَ) ، أي : في الكلالة. حذفت لدلالة الجواب عليه.

نقل : أنّ جابر بن عبد الله كان مريضا. فعاوده رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فقال : يا رسول الله ، إنّ لي كلالة ، فكيف أصنع في مالي؟ فنزلت (٢).

وروي في مجمع البيان (٣) ما يقرب من ذلك.

(قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ) : معنى تفسيرها في أوائل السّورة.

[وفي الكافي (٤) : عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر ومحمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى وعليّ بن إبراهيم ، عن أبيه جميعا ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، عن جميل بن درّاج ، عن زرارة قال : إذا ترك الرّجل أمّه أو أباه أو ابنه أو ابنته فإذا ترك واحدا من الأربعة ، فليس بالّذي عنى الله في كتابه : (قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ).

عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد (٥) ومحمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد وعليّ بن إبراهيم ، عن أبيه جميعا ، عن ابن محبوب ، عن أبي أيّوب وعبد الله بن بكير ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : إذا ترك الرّجل أباه أو أمّه أو ابنه أو ابنته إذا ترك واحدا من هؤلاء الأربعة ، فليس هم الّذين عنى الله : (قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ)] (٦).

(إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ) : ارتفع «امرؤ» بفعل يفسّره الظّاهر. وليس «له ولد» صفة له ، أو حال من المستكنّ في «هلك». و

__________________

(١) تفسير القمي ١ / ١٥٩.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٢٥٩ وجوامع الجامع / ١٠٣.

(٣) مجمع البيان ٢ / ١٤٩.

(٤) الكافي ٧ / ٨٣ ، ذيل حديث ١ ، وأوّله في ص ٨٢.

(٥) نفس المصدر ٧ / ٩٩ ، ح ١.

(٦) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

٥٩٩

«الواو» في «له» يحتمل الحال والعطف ، أي : أخت لأب وأمّ. أو أخت لأب. كذا عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ. (١) فللأخت نصف ما ترك الميّت بالفرض ، والباقي يردّ عليها ـ أيضا ـ.

(وَهُوَ يَرِثُها) ، أي : المرء يرث أخته جميع مالها ، إن كانت الأخت هي الميّتة.

(إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ) : ولا والد. لأنّ الكلام في ميراث الكلالة ، ولأنّ السّنّة دلّت على أنّ الإخوة لا يرثون مع الأب. كما تواتر عن أهل البيت ـ عليهم السّلام ـ.

(فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ) : الضّمير لمن يرث بالأخوّة. وتثنيته محمولة على المعنى.

وفائدة الأخبار باثنتين ، التّنبيه على أنّ الحكم باعتبار العدد دون الصّغر والكبر وغيرهما.

(فَلَهُمَا الثُّلُثانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كانُوا إِخْوَةً رِجالاً وَنِساءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) : فيه تغليب وأصله : إن كانوا إخوة وأخوات. فغلّب المذكّر.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٢) : حدّثني أبي ، عن ابن أبي عمير ، عن عمر بن أذينة ، عن بكير ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : إذا مات الرّجل وله أخت تأخذ نصف الميراث بالآية ، كما تأخذ البنت لو كانت والنّصف الآخر يردّ عليها بالرّحم إذا لم يكن للميّت وارث أقرب منها. فإن كان موضع الأخت أخ أخذ الميراث كلّه بالآية لقول الله ـ تعالى ـ : (وَهُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ). فإن كانتا أختين أخذتا الثّلثين بالآية ، والثّلث الباقي بالرّحم. وإن كانوا إخوة رجالا ونساء (فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ). وذلك كلّه إذا لم يكن للميّت ولد أو أبوان أو زوجة.

[وفي الكافي (٣) : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ومحمّد بن عيسى ، عن يونس ، عن عمر بن أذينة ، عن بكير قال : جاء رجل إلى أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ فسأله عن امرأة تركت زوجها وإخوتها لأمّها وأختها لأبيها.

فقال : للزّوج النّصف ثلاثة أسهم ، وللإخوة من الأمّ الثّلث سهمان ، وللأخت من الأب السّدس سهم.

فقال له الرّجل : فإنّ فرائض زيد وفرائض العامّة والقضاة (٤) على غير ذلك يا أبا جعفر ، يقولون : للأخت من الأب ثلاثة أسهم تصير من ستّة وتعول إلى ثمانية.

__________________

(١) ر. الكافي ٧ / ١٠١ ـ ١٠٢ ، ضمن حديث ٣.

(٢) تفسير القمي ١ / ١٥٩.

(٣) الكافي ٧ / ١٠٢ ـ ١٠٣ ، ح ٤.

(٤) هكذا في المصدر. وفي النسخ : القضاء.

٦٠٠