تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٣

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي


المحقق: حسين درگاهى
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٠٣

وقيل (١) : جاء شيخ إلى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وقال : إنّي شيخ منهمك في المعاصي إلّا أنّي لم أشرك بالله شيئا منذ عرفته وآمنت به ، ولم أتّخذ من دونه وليّا ، ولم أوقع المعاصي جرأة ، وما توهّمت طرفة عين أنّي أعجز الله هربا ، وإنّي لنادم تائب.

فما ترى حالي؟ فنزلت.

(وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً) (١١٦) : عن الحقّ. فإنّ الشّرك أعظم أنواع الضّلالة ، وأبعدها عن الصّواب والاستقامة. وإنّما ذكر في الآية الأولى «فقد افترى» لأنّها متّصلة بقصّة أهل الكتاب ، ومنشأ شركهم نوع افتراء ، وهو دعوى التّبنّي على الله ـ تعالى ـ.

[وفي شرح الآيات الباهرة (٢) ، روى بحذف الإسناد مرفوعا عن مولانا عليّ بن الحسين ، عن أبيه الحسين ، عن أبيه أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ قال : المؤمن على أيّ حال مات وفي أيّ ساعة قبض فهو شهيد. ولقد سمعت حبيبي رسول الله يقول : لو أنّ المؤمن خرج من الدّنيا وعليه مثل ذنوب أهل الأرض لكان الموت كفّارة لتلك الذّنوب. ثمّ قال ـ عليه السّلام ـ : من قال : لا إله إلّا الله بالإخلاص فهو بريء من الشّرك ، ومن خرج من الدّنيا لا يشرك بالله شيئا دخل الجنّة. ثمّ تلا هذه الآية : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) وهم شيعتك ومحبّوك يا عليّ.

فقلت : يا رسول الله ، هذا لشيعتي؟ قال : إي وربّي لشيعتك ومحبّيك خاصّة.

وإنّهم ليخرجون من قبورهم وهم يقولون : لا إله إلّا الله ومحمّد رسول الله وعليّ وليّ الله.

فيؤتون بحلل خضر من الجنّة وأكاليل من الجنّة وتيجان من الجنّة. فيلبس كلّ واحد منهم حلّة خضراء وتاج الملك وإكليل الكرامة. ثمّ يركبون النّجائب فيطير بهم إلى الجنّة (لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ).

وفي هذا المعنى ما ذكره الشّيخ في أماليه (٣) ، بإسناده عن محمّد بن عطيّة ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : الموت كفّارة لذنوب المؤمنين] (٤).

(إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِناثاً) ، يعني : اللّات والعزّى ومناة الثّالثة الأخرى

__________________

(١) الكشاف ١ / ٥٦٥ وأنوار التنزيل ١ / ٢٤٤.

(٢) تأويل الآيات الباهرة ، مخطوط ، ص ٥٢.

(٣) نفس المصدر والموضع.

(٤) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

٥٤١

وأساف ونائلة. كان لكلّ حيّ صنم يعبدونه ، ويسمّونه : أنثى بني فلان. وذلك إمّا لتأنيث أسمائها ، أو لأنّها كانت جمادات. والجمادات تؤنّث من حيث أنّها ضاهت الإناث لانفعالها.

قيل (١) : ولعلّه ـ تعالى ـ ذكرها بهذا الاسم ، تنبيها على أنّهم يعبدون ما يسمّونه إناثا. لأنّه ينفعل ولا يفعل. ومن حقّ المعبود أن يكون فاعلا غير منفعل ليكون دليلا على تناهي جهلهم وفرط حماقتهم.

وقيل (٢) : المراد ، الملائكة. لقولهم : «الملائكة بنات الله.» وهو جمع ، أنثى.

كرباب ، وربّى.

وقرئ : «أنثى» على التّوحيد. و «أنثا» على أنّه جمع أنيث. كخبث ، وخبيث. و «وثنا» بالتّخفيف والتّثقيل. وهو جمع وثن. كأسد وأسد. و «أثنا» بهما ، على قلب الواو لضمّها همزة (٣).

وفي مجمع البيان (٤) : عن تفسير أبي حمزة الثّماليّ قال : كان في كلّ واحدة منهنّ شيطانة أنثى تتراءى للسّدنة وتكلّمهم ، وذلك من صنع إبليس. وهو الشّيطان الّذي ذكره الله ولعنه.

(وَإِنْ يَدْعُونَ) : وإن يعبدون بعبادتها.

(إِلَّا شَيْطاناً مَرِيداً) (١١٧) : لأنّه الّذي أمرهم بعبادتها وأغراهم عليها.

فكأنّ طاعته في ذلك عبادة له. والمارد والمريد ، الّذي لا يعلق بخير. وأصل التّركيب ، للملاسة.

ومنه : صرح ممرّد. وغلام أمرد. وشجرة مرداء ، الّذي تناثر ورقها.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٥) : قوله : (إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِناثاً) قال : قالت قريش : إنّ الملائكة هم بنات الله. (وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطاناً مَرِيداً) قال : كانوا يعبدون الجنّ.

(لَعَنَهُ اللهُ) : صفة ثانية للشّيطان.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٢٤٤.

(٢) نفس المصدر والموضع.

(٣) نفس المصدر والموضع.

(٤) مجمع البيان ٢ / ١١٢.

(٥) تفسير القمي ١ / ١٥٢ ـ ١٥٣.

٥٤٢

(وَقالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً) (١١٨) : عطف عليه ، أي : شيطانا مريدا جامعا بين لعنة الله. وهذا القول الدّالّ على فرط عداوته للنّاس.

و «المفروض» المقطوع ، أي : نصيبا قدّر لي وفرض. من قولهم. فرض له في العطاء.

في مجمع البيان (١) : عن تفسير الثّماليّ ، عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ في هذه الآية : من بني آدم تسعة وتسعون في النّار ، وواحد في الجنّة.

وفي رواية أخرى (٢) : من كلّ ألف واحد لله ، وسائرهم للنّار ولإبليس.

قيل (٣) : وقد برهن سبحانه أوّلا ، على أنّ الشّرك ضلال في الغاية على سبيل التّعليل ، بأنّ ما يشركون به ينفعل ولا يفعل فعلا اختياريا. وذلك ينافي الألوهيّة غاية المنافاة. فإنّ الإله ينبغي أن يكون فاعلا غير منفعل. ثمّ استدلّ عليه ، بأنّه عبادة الشّيطان وهي أفظع الضّلال لثلاثة أوجه : الأوّل ، أنّه مريد منهمك في الضّلال لا يعلق بشيء من الخير والهدى ، فتكون طاعته ضلالا بعيدا من الهدى.

والثّاني ، أنّه ملعون لضلاله ، فلا تستجلب مطاوعته سوى الضّلال واللّعن.

والثّالث ، أنّه في غاية العداوة والسّعي في إهلاكهم ، وموالاة من هذا شأنه غاية الضّلال فضلا عن عبادته.

(وَلَأُضِلَّنَّهُمْ) : عن الحقّ.

(وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ) : الأماني الباطلة ، كطول العمر ، وأنّ لا بعث ولا عقاب.

[وفي أمالي الصّدوق ـ رحمه الله (٤) ـ بإسناده إلى الصّادق جعفر بن محمّد ـ عليه السّلام ـ قال : لمّا نزلت هذه الآية : (وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ) صعد إبليس جبلا بمكّة يقال له : ثور. وصرخ بأعلى صوته بعفاريته. فاجتمعوا إليه.

فقالوا : يا سيّدنا ، لم دعوتنا؟

قال : نزلت هذه الآية ، فمن لها؟

__________________

(١) مجمع البيان ٢ / ١١٣.

(٢) نفس المصدر والموضع.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٢٤٤.

(٤) أمالي الصدوق / ٣٧٦ ، ح ٥.

٥٤٣

فقام عفريت من الشّياطين فقال : أنا لها بكذا وكذا.

قال : لست لها.

فقام آخر فقال ، مثل ذلك.

فقال : لست لها.

فقال الوسواس الخنّاس : أنا لها.

قال : بماذا؟

قال : أعدهم وأمنّيهم حتّى يواقعوا الخطيئة ، فإذا واقعوا الخطيئة أنسيتهم الاستغفار.

فقال : أنت لها. فوكّله بها إلى يوم القيامة] (١).

(وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ) :

قيل (٢) : يشقّقونها إذا ولدت. خمسة أبطن والخامس ذكر ، وحرّموا على أنفسهم الانتفاع بها.

وفي مجمع البيان (٣) : عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ : ليقطعنّ الآذان من أصلها.

(وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ) :

في مجمع البيان (٤) : عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ : «يريد دين الله وإمرة وليّه» ويؤيّده قوله ـ سبحانه ـ : (فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ).

ويندرج فيه كلّ تغيير بخلق الله عن وجهه ، صورة أو صفة من دون إذن من الله ، كفقئهم عين الفحل الّذي طال مكثه عندهم وإعفائه عن الرّكوب ، وخصاء العبيد وكلّ مثله. ولا ينافيه التّغيير بالدّين والأمر لأنّ ذلك كلّه داخل فيهما.

(وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللهِ) : بأن يؤثر طاعته على طاعة الله ـ عزّ وجلّ ـ أو يشركه معه في الطّاعة.

(فَقَدْ خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً) (١١٩) : إذ ضيّع رأس ماله ، وبدّل مكانه من الجنّة بمكانه من النّار.

(يَعِدُهُمْ) : ما لا ينجز.

__________________

(١) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٢٤٥.

(٣) مجمع البيان ٢ / ١١٣.

(٤) نفس المصدر والموضع.

٥٤٤

(وَيُمَنِّيهِمْ) : ما لا ينالون.

(وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً) (١٢٠) : وهو إظهار النّفع فيما فيه الضّرر.

وهذا الوعد إمّا بالخواطر الفاسدة ، أو بلسان أوليائه.

وفي تفسير العيّاشي (١) : عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ حديث طويل ، يذكر فيه ما أكرم الله به آدم ـ عليه السّلام ـ وفي آخره فقال إبليس : ربّ ، هذا الّذي كرّمت عليّ وفضّلته ، وإن لم تفضّلني عليه لم أقو عليه.

قال : لا يولد له ولد إلّا ولد لك ولدان.

قال : ربّي زدني.

قال : تجري منه مجرى الدّم في العروق.

قال : ربّي زدني. قال : تتّخذ أنت وذرّيّتك في صدورهم مساكن.

قال : ربّي زدني.

قال : تعدهم وتمنّيهم (وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً).

(أُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَلا يَجِدُونَ عَنْها مَحِيصاً) (١٢١) : معدلا ومهربا.

من حاص يحيص ، إذا عدل. و «عنها» حال منه ، أي : من المحيص. وليس صلة له ، لأنّه اسم مكان. وإن جعل مصدر ، فلا يعمل ـ أيضا ـ فيما قبله.

(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَعْدَ اللهِ حَقًّا) ، أي : وعده وعدا ، وحقّ ذلك حقّا.

فالأوّل ، مؤكّد لنفسه. لأنّه مضمون الجملة الاسميّة الّتي قبلها. والثّاني ، مؤكّد لغيره.

ويجوز أن ينتصب الموصول بفعل يفسّره ما بعده و «وعد الله» بقوله : «سندخلهم» لأنّه بمعنى : نعدهم إدخالهم. و «حقّا» على أنّه حال من المصدر.

(وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلاً) (١٢٢) : جملة مؤكّدة بليغة.

والمقصود من الآية ، معارضة المواعيد الشّيطانيّة الكاذبة لقرنائه بوعد الله الصّادق لأوليائه ، والمبالغة في توكيده ترغيبا للعباد في تحصيله.

(لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ) :

في تفسير عليّ بن إبراهيم (٢) : ليس ما تمنّون أنتم ولا أهل الكتاب ، أي : أن لا

__________________

(١) تفسير العياشي ١ / ٢٧٦ ، ح ٢٧٧.

(٢) تفسير القمي ١ / ١٥٣.

٥٤٥

تعذّبون بأفعالكم.

قيل (١) : روي أنّ المسلمين وأهل الكتاب افتخروا. فقال أهل الكتاب : «نبيّنا قبل نبيّكم. وكتابنا قبل كتابكم. ونحن أولى بالله منكم.» وقال المسلمون : «نحن أولى منكم. نبيّنا خاتم النّبيّين. وكتابنا يقضي على الكتب المتقدّمة.» فنزلت.

وقيل (٢) : الخطاب مع المشركين. ويدلّ عليه ما تقدّم ذكرهم ، أي : ليس الأمر بأماني المشركين. وهو قولهم : لا جنّة ولا نار. وقولهم : إن كان الأمر كما يزعم هؤلاء ، لنكوننّ خيرا منهم وأحسن حالا. ولا أماني أهل الكتاب. وهو قولهم (٣) : (لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى). وقولهم (٤) : (لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً) ..

(مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ) : عاجلا أو آجلا.

وفي عيون الأخبار (٥) : في باب قول الرّضا ـ عليه السّلام ـ لأخيه زيد بن موسى حين افتخر على من في مجلسه ، بإسناده إلى أبي الصّلت الهرويّ قال : سمعت الرّضا ـ عليه السّلام ـ يحدّث عن أبيه أنّ إسماعيل قال للصّادق ـ عليه السّلام ـ : يا أبتاه ، ما تقول في المذنب منّا ومن غيرنا؟

فقال ـ عليه السّلام ـ : (لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ).

وفي مجمع البيان (٦) : عن أبي هريرة قال : لمّا نزلت هذه الآية بكينا وحزنا ، وقلنا : يا رسول الله ، ما أبقت هذه الآية من شيء.

فقال : أما والّذي نفسي بيده ، إنّها لكما أنزلت. ولكن أبشروا وقاربوا وسدّدوا أنّه لا يصيب أحدا منكم مصيبة إلّا كفّر الله بها خطيئة حتّى الشّوكة يشاكها أحدكم في قدمه.

وفي تفسير العيّاشي (٧) : عن الباقر ـ عليه السّلام ـ : لمّا نزلت هذه الآية (مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ) قال بعض أصحاب رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : ما أشدّها من

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٢٤٥.

(٢) نفس المصدر والموضع.

(٣) البقرة / ١١١.

(٤) البقرة / ٨٠.

(٥) عيون أخبار الرضا ـ عليه السّلام ـ ٢ / ٢٣٦ ، ح ٥.

(٦) مجمع البيان ٢ / ١١٥.

(٧) تفسير العياشي ١ / ٢٧٧ ، ح ٢٧٨.

٥٤٦

آية! فقال لهم رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : أما تبتلون في أموالكم وأنفسكم وذراريّكم؟

قالوا : بلى.

قال : هذا ممّا يكتب الله لكم به الحسنات ويمحو به السّيّئات.

وفي الكافي (١) ، عنه ـ عليه السّلام ـ : إنّ الله ـ تعالى ـ إذا كان من أمره أن يكرم عبدا وله ذنب ابتلاه بالسّقم. فإن لم يفعل ذلك به ابتلاه بالحاجة. فإن لم يفعل ذلك به شدّد عليه الموت ليكافئه بذلك الذّنب.

(الحديث).

(وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً) (١٢٣) ، أي : وليّا يواليه ونصيرا ينصره في دفع العذاب عنه.

(وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ) : بعضها أو شيئا منها. فإنّ كلّ أحد لا يتمكّن من كلّها.

(مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى) : في موضع الحال من المستكنّ في «من يعمل» و «من» للبيان. أو «من الصّالحات» ، أي : كائنة من ذكر أو أنثى. و «من» للابتداء.

(وَهُوَ مُؤْمِنٌ) : حال. شرط اقتران العمل بها في استدعاء الثّواب المذكور ، تنبيها على أنّه لا اعتداد به دونه.

(فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً) (١٢٤) : بنقص شيء من الثّواب.

وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وأبو بكر : «يدخلون الجنّة» هنا وفي غافر ومريم ، بضمّ الياء ، وفتح الخاء. والباقون ، بفتح الياء ، وضمّ الخاء (٢).

(وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ) : أخلص نفسه لله ، لا يعرف لها ربّا سواه.

وقيل (٣) : بذل وجهه له في السّجود. وفي الاستفهام ، تنبيه على أنّ ذلك ما تبلغه القوّة البشريّة.

__________________

(١) الكافي ٢ / ٤٤٤ ، ح ١.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٢٤٦.

(٣) نفس المصدر والموضع.

٥٤٧

(وَهُوَ مُحْسِنٌ) : آت بالحسنات. تارك للسّيّئات.

وفي مجمع البيان (١) : وروي أنّ النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ سئل عن الإحسان فقال : أن تعبد الله كأنّك تراه. فإن لم تكن تراه فإنّه يراك.

(وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ) : الموافقة لدين الإسلام ، المتّفق على صحّتها ، يعني : اقتد بدينه وسيرته وطريقته.

(حَنِيفاً) : مائلا عن سائر الأديان. وهو حال ، من المتّبع. أو ، من الملّة.

أو ، إبراهيم.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٢) قال : هي العشرة الّتي جاء بها إبراهيم ، الّتي لم تنسخ إلى يوم القيامة.

(وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً) (١٢٥) : اصطفاه وخصّصه بكرامة الخلّة.

وإنّما ذكره ولم يضمر ، تفخيما له ، وتنصيصا على أنّه الممدوح.

قيل (٣) : و «الخلّة» إمّا من الخلال ، فإنّه ودّ تخلّل النّفس ويخالطها. أو من الخلل ، فإنّ كلّ واحد من الخليلين يسدّ خلل الآخر. أو من الخلّ ، وهو الطّريق في الرّمل. فإنّهما يتوافقان في الطّريقة. أو من الخلّة ، بمعنى : الخصلة ، فإنّهما يتوافقان في الخصال.

والجملة استئناف. جيء بها للتّرغيب في اتّباع ملّته ، والإيذان بانّه نهاية في الحسن وغاية في كمال البشر.

في روضة الكافي (٤) : أبان بن عثمان ، عن محمّد بن مروان ، عمّن رواه ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : لمّا اتّخذ الله ـ عزّ وجلّ ـ إبراهيم خليلا أتاه بشراه بالخلّة.

فجاءه ملك الموت في صورة شاب أبيض عليه ثوبان أبيضان يقطر رأسه ماء ودهنا. فدخل إبراهيم ـ عليه السّلام ـ الدّار. فاستقبله خارجا من الدّار. وكان إبراهيم ـ عليه السّلام ـ رجلا غيورا. وكان إذا خرج في حاجة أغلق بابه وأخذ مفتاحه معه ثمّ رجع ففتح. فإذا هو برجل قائم أحسن ما يكون من الرّجال. فأخذ بيده وقال : يا عبد الله من أدخلك داري؟

فقال : ربّها أدخلنيها.

__________________

(١) مجمع البيان ٢ / ١١٦.

(٢) تفسير القمي ١ / ١٥٣ و ٣٩١.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٢٤٦.

(٤) الكافي ٨ / ٣٩٢ ، ح ٥٨٩.

٥٤٨

فقال : ربّها أحقّ بها منّي ، فمن أنت؟

قال : أنا ملك الموت.

ففزع إبراهيم ـ عليه السّلام ـ وقال : جئتني لتسلبني روحي؟

قال : لا ، ولكن اتّخذ الله عبدا خليلا ، فجئت لبشارته.

قال : فمن هو لعلّي أخدمه حتّى أموت؟

قال : أنت هو. فدخل على سارة فقال لها : إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ اتّخذني خليلا.

وفي كتاب الاحتجاج (١) ، للطّبرسي ـ رحمه الله ـ في حديث طويل للنّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ يقول فيه ـ عليه السّلام ـ : قولنا : «إنّ إبراهيم خليل الله» فإنّما هو مشتقّ من الخلّة. والخلّة إنّما معناها : الفقر والفاقة. فقد كان خليلا إلى ربّه فقيرا ، وإليه منقطعا ، وعن غيره متعفّفا معرضا مستغنيا. وذلك أنّه لمّا أريد قذفه في النّار فرمي به في المنجنيق ، فبعث الله إلى جبرئيل ، فقال له : أدرك عبدي. فجاءه فلقيه في الهواء ، فقال : كلّفني ما بدا لك ، فقد بعثني الله لنصرتك.

فقال : بل حسبي الله ونعم الوكيل ، إنّي لا أسأل غيره ولا حاجة لي إلّا إليه.

فسمّاه خليله ، أي : فقيره ومحتاجه والمنقطع إليه عمّا سواه.

قال : فإذا جعل معنى ذلك من الخلّة. وهو أنّه قد تخلّل معانيه ووقف على أسرار لم يقف عليها غيره كان معناه : العالم به وبأموره. ولا يوجب ذلك تشبيه الله بخلقه. ألا ترون أنّه إذا لم ينقطع إليه لم يكن خليله ، وإذا لم يعلم بأسراره لم يكن خليله؟

وفي عيون الأخبار (٢) ، في باب ما جاء عن الرّضا ـ عليه السّلام ـ من العلل ، بإسناده إلى الحسين بن خالد ، عن أبي الحسن الرّضا ـ عليه السّلام ـ قال : سمعت أبي يحدّث ، عن أبيه ـ عليه السّلام ـ أنّه قال : إنّما اتّخذ الله إبراهيم خليلا ، لأنّه لم يردّ أحدا ولم يسأل أحدا قطّ غير الله.

وفي كتاب علل الشّرائع (٣) ، بإسناده إلى ابن أبي عمير عمّن ذكره قال : قلت

__________________

(١) الاحتجاج ١ / ١٩.

(٢) عيون أخبار الرضا ـ عليه السّلام ـ ٢ / ٧٥ ، ح ٤.

(٣) علل الشرائع ١ / ٣٤ ، ح ١.

٥٤٩

لأبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ : لِمَ اتّخذ الله ـ عزّ وجلّ ـ إبراهيم خليلا؟

قال : لكثرة سجوده على الأرض.

وبإسناده إلى سهل بن زياد الآدمي (١) ، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسنيّ قال : سمعت عليّ بن محمّد العسكريّ ـ عليه السّلام ـ يقول : إنّما اتّخذ الله إبراهيم خليلا [لكثرة صلاته على محمّد وأهل بيته ـ صلوات الله عليهم ـ.

وبإسناده إلى جابر بن عبد الله الأنصاريّ (٢) قال : سمعت رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يقول : ما اتّخذ الله إبراهيم خليلا] (٣) إلّا لإطعام الطّعام وصلاته باللّيل والنّاس نيام.

وبإسناده إلى عبد الله بن الهلال (٤) : عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : لمّا جاء المرسلون إلى إبراهيم ـ عليه السّلام ـ جاءهم بالعجل. فقال : كلوا.

فقالوا : لا نأكل حتّى تخبرنا ما ثمنه؟

فقال : إذا أكلتم فقولوا : باسم الله ، وإذا فرغتم فقولوا : الحمد لله.

فقال : فالتفت جبرئيل إلى أصحابه وكانوا أربعة جبرئيل رئيسهم. فقال : حقّ الله أن يتّخذ هذا خليلا. (٥)

وفي الكافي (٦) : عليّ بن محمّد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمّد ، عن بعض أصحابنا ، عن معاوية بن عمّار ، عن زيد الشّحّام ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : إنّ إبراهيم ـ عليه السّلام ـ كان أبا أضياف ، فكان إذا لم يكونوا عندهم خرج يطلبهم وأغلق بابه وأخذ المفاتيح يطلب الأضياف ، وإنّه رجع إلى داره فإذا هو برجل أو شبه رجل في الدّار.

فقال : يا عبد الله ، بإذن من دخلت هذه الدّار؟

قال : دخلتها بإذن ربّها ـ يردّد ذلك ثلاث مرّات ـ فعرف إبراهيم

__________________

(١) نفس المصدر ١ / ٣٤ ، ح ٣.

(٢) نفس المصدر ١ / ٣٥ ، ح ٤.

(٣) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٤) نفس المصدر والموضع ، ح ٦.

(٥) وفي المصدر للرواية ذيل هكذا : قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ : لمّا ألقي إبراهيم ـ عليه السّلام ـ في النار تلقاه جبرئيل ـ عليه السّلام ـ في الهواء وهو يهوي. فقال : يا إبراهيم ألك حاجة؟ فقال : أمّا إليك فلا.

(٦) الكافي ٤ / ٤٠ ، ح ٦.

٥٥٠

ـ عليه السّلام ـ أنّه جبرئيل ـ عليه السّلام ـ فحمد ربّه. ثمّ قال : أرسلني ربّي إلى عبد من عبيده يتّخذه خليلا.

قال إبراهيم ـ عليه السّلام ـ : فعلّمني من هو ، أخدمه حتّى أموت؟

قال : فأنت. قال : وممّ ذلك؟

قال : لأنّك لم تسأل أحدا شيئا قطّ ، ولم تسأل شيئا قطّ ، فقلت : لا.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (١) : حدّثني أبي ، عن هارون بن مسلم ، عن مسعدة بن صدقة ، عن جعفر بن محمّد ـ عليهما السّلام ـ : أنّ إبراهيم ـ عليه السّلام ـ هو أوّل من حوّل له الرّمل دقيقا. وذلك أنّه قصد صديقا له بمصر في قرض طعام. فلم يجده في منزله.

فكره أن يرجع بالحمار خاليا. فملأ جرابه رملا. فلمّا دخل بمنزله خلا بين الحمار وبين سارة استحياء منها. ودخل البيت ونام. ففتحت سارة عن دقيق أجود ما يكون. فخبزت وقدّمت إليه طعاما طيّبا.

فقال إبراهيم : من أين لك هذا؟

فقالت : من الدّقيق الّذي حملته من عند خليلك المصريّ.

فقال إبراهيم : أما إنّه خليلي ، وليس بمصريّ. فلذلك أعطي الخلّة. فشكر الله وحمده فأكل.

وفي أصول الكافي (٢) : محمّد بن الحسن ، عمّن ذكره ، عن محمّد بن خالد ، عن محمّد بن سنان ، عن زيد الشّحّام قال : سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول : إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ اتّخذ إبراهيم عبدا قبل أن يتّخذه نبيّا. وإنّ الله اتّخذه نبيّا قبل أن يتّخذه رسولا. وإنّ الله اتّخذه رسولا قبل أن يتّخذه خليلا. وإن الله اتّخذه خليلا قبل أن يتّخذه إماما. والحديث طويل ، أخذت منه موضع الحاجة.

وفي كتاب الاحتجاج (٣) ، للطّبرسي ـ رحمه الله ـ ، عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ حديث طويل في مكالمة له بينه وبين اليهود ، وفيه : قالوا : إبراهيم خير منك.

قال ولِمَ ذاك؟

__________________

(١) تفسير القمي ١ / ١٥٣.

(٢) الكافي ١ / ١٧٥ ، ح ٢.

(٣) الاحتجاج ١ / ٥٦.

٥٥١

قالوا : لأنّ الله اتّخذه خليلا.

قال النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ : إن كان إبراهيم ـ عليه السّلام ـ خليلا ، فأنا حبيبه محمّد.

وفي مجمع البيان (١) وقد روي أنّ النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ قال : قد اتّخذ الله صاحبكم خليلا ، يعني : نفسه.

وفي بعض الرّوايات (٢) : أنّ الملائكة قال بعضهم لبعض : اتّخذ ربّنا من نطفة خليلا ، وقد أعطاه ملكا عظيما جزيلا. فأوحى الله إلى الملائكة : اعمدوا على أزهدكم ورئيسكم. فوقع الاتّفاق على جبرئيل وميكائيل فنزلا إلى إبراهيم في يوم جمع غنمه.

وكان لإبراهيم أربعة آلاف راع وأربعة آلاف كلب في عنق كلّ كلب طوق وزن من ذهب أحمر ، وأربعون ألف غنمة حلابة ، وما شاء الله من الخيل والجمال. فوقف الملكان في طرفي الجمع.

فقال أحدهما بلذاذة صوت : سبّوح قدّوس. فجاوبه الثّاني : ربّ الملائكة والرّوح.

فقال : أعيداهما ، ولكما نصف مالي. ثمّ قال : أعيداهما ، ولكما مالي وولدي وجسدي. فنادت ملائكة السّموات : هذا هو الكرم. هذا هو الكرم. فسمعوا مناديا من العرش يقول : الخليل موافق لخليله.

(وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) : خلقا وملكا. يختار منها ما يشاء ، ومن يشاء.

وقيل (٣) : هو متّصل بذكر العمّال (٤) ، مقرّر لوجوب طاعته على أهل السّموات والأرض وكمال قدرته على مجازاتهم على الأعمال.

(وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطاً) (١٢٦) : علما وقدرة. فكان عالما بأعمالهم الخير والشّرّ ، قادرا على جزائهم ، فيجازيهم عليهما ما وعد وأوعد.

(وَيَسْتَفْتُونَكَ) : ويسألونك الفتوى ، أي : تبيين الحكم.

(فِي النِّساءِ) : في ميراثهنّ.

__________________

(١) مجمع البيان ٢ / ١١٧.

(٢) تفسير الصافي ١ / ٤٦٧ ـ ٤٦٨.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٢٤٦.

(٤) ر : الأعمال.

٥٥٢

قيل (١) : إذ سبب نزوله أنّ عيينة بن الحصين أتى النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ فقال : أخبرنا أنّك تعطي الابنة النّصف والأخت النّصف ، إنّما نورث من يشهد القتال ويجوز الغنيمة.

فقال ـ عليه السّلام ـ : كذلك أمرت.

في تفسير عليّ بن إبراهيم (٢) : وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في قوله : (يَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ) فإنّ النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ سئل عن النّساء وما لهنّ من الميراث؟ فأنزل الله الرّبع والثّمن.

(قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَ) : يبيّن لكم حكمه فيهنّ.

و «الإفتاء» تبيين المبهم.

(وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ) : عطف على اسم «الله» أو ضميره المستكنّ في «يفتيكم». وجاز للفصل ، فيكون الإفتاء مستندا إلى الله وإلى ما في القرآن ، من نحو قوله : (يُوصِيكُمُ اللهُ). والفعل الواحد ينسب إلى فاعلين باعتبارين مختلفين ، ونظيره : أغناني زيد وعطاؤه. أو استئناف معرض لتعظيم المتلوّ عليهم ، على أنّ (ما يُتْلى عَلَيْكُمْ) مبتدأ و «في الكتاب» خبره. والمراد به ، اللّوح المحفوظ. ويجوز أن ينتصب ، على معنى : ويبيّن لكم ما يتلى عليكم في الكتاب. أو يخفض ، على القسم. كأنّه قيل (٣) : وأقسم بما يتلى عليكم في الكتاب. ولا يجوز عطفه على المجرور في «فيهنّ» لاختلاله لفظا ومعنى.

(فِي يَتامَى النِّساءِ) : صلة «يتلى» إن عطف الموصول على ما قبله ، أي : يتلى عليكم في شأنهنّ. وإلّا فبدل من «فيهنّ». أو صلة أخرى «ليفتيكم» على معنى : الله يفتيكم فيهنّ بسبب يتامى النّساء. كما تقول : كلّمتك اليوم في زيد. وهذه الإضافة بمعنى : من. لأنّها إضافة الشّيء إلى جنسه.

وقرئ : «ييامى» على أنّه «أيامى» فقلبت همزته ياء (٤).

(اللَّاتِي لا تُؤْتُونَهُنَ) : لا تعطونهنّ.

(ما كُتِبَ لَهُنَ) : ما فرض لهنّ من الميراث.

__________________

(١) نفس المصدر ١ / ٢٤٧.

(٢) تفسير القمّي ١ / ١٥٣ ـ ١٥٦.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٢٤٧.

(٤) نفس المصدر والموضع.

٥٥٣

في مجمع البيان (١) : عن الباقر ـ عليه السّلام ـ : كان أهل الجاهليّة لا يورثون الصّغير ولا المرأة ، ويقولون : لا نورث إلّا من قاتل ودفع عن الحريم. فأنزل الله ـ تعالى ـ آيات الفرائض الّتي في أوّل السّورة. وهو معنى قوله : لا تؤتونهنّ ما كتب لهنّ.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٢) زيادة وهي قوله : وكانوا يرون ذلك حسنا في دينهم.

فلمّا أنزل الله فرائض المواريث وجدوا من ذلك وجدا شديدا ، فقالوا : انطلقوا إلى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فنذكر ذلك لعلّه يدعه أو يغيّره. فأتوه فقالوا : يا رسول الله ، للجارية نصف ما ترك أبوها وأخوها ويعطى الصّبيّ الصّغير الميراث ، وليس واحد منهما يركب الفرس ولا يجوز الغنيمة ولا يقاتل العدوّ.

فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : بذلك أمرت.

(وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَ) :

قيل (٣) : في أن تنكحوهنّ. أو عن أن تنكحوهنّ. فإنّ أولياء اليتامى كانوا يرغبون فيهنّ إن كنّ جميلات ويأكلون ما لهنّ. وإلّا كانوا يعضلونهنّ طمعا في ميراثهنّ.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٤) : إنّ الرّجل كان في حجره اليتيمة ، فتكون دميمة وساقطة ، يعني : حمقاء. فيرغب الرّجل أن يتزوّجها ، ولا يعطيها ما لها فينكحها غيره من أجل مالها ، ويمنعها النّكاح ويتربّص بها الموت ليرثها. فنهى الله عن ذلك.

و «الواو» يحتمل الحال ، على تقدير مبتدأ.

والعطف ، (وَالْمُسْتَضْعَفِينَ) : عطف على «يتامى النّساء».

(مِنَ الْوِلْدانِ) : في موضع الحال من «المستضعفين». أو ضميره. ويحتمل الصّفة. والعرب ما كانوا يورثونهم كما ذكر.

(وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتامى بِالْقِسْطِ) : عطف على «يتامى النّساء». أو «المستضعفين» ، أي : ويفتيكم. أو ما يتلى عليكم في أن تقوموا. هذا إذا جعلت «في يتامى» صلة لأحدهما. وإن جعلته بدلا فالوجه نصبهما ، عطفا على موضع «فيهنّ».

__________________

(١) مجمع البيان ٢ / ١١٨.

(٢) تفسير القمي ١ / ١٥٤.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٢٤٧.

(٤) تفسير القمي ١ / ١٥٤.

٥٥٤

وقيل (١) : ويجوز أن ينتصب.

و «أن تقوموا» بإضمار فعل ، أي : ويأمركم أن تقوموا.

(وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ) : في أمر النّساء ، واليتامى ، وغير ذلك.

(فَإِنَّ اللهَ كانَ بِهِ عَلِيماً) (١٢٧) : وعد لمن أثر الخير في ذلك.

(وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها) : توقّعت منه ، لما ظهر لها من المخايل.

و «امرأة» فاعل فعل ، يفسّره الظّاهر.

(نُشُوزاً) : تجافيا عنها ، وترفّعا عن صحبتها ، وكراهة لها ، ومنعا لحقوقها.

(أَوْ إِعْراضاً) : بأن يقلّ مجالستها ومحادثتها.

(فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً) : أن يتصالحا بأن تحطّ له بعض المهر ، أو القسم ، أو تهب له شيئا تستميله به.

في تفسير عليّ بن إبراهيم (٢) : نزلت في ابنة محمّد بن مسلمة [كانت امرأة رافع بن خديج ، وكانت امرأة قد دخلت في السّنّ ، فتزوّج امرأة شابّة كانت أعجب إليه من ابنة محمّد بن مسلمة. فقالت له بنت محمّد بن مسلمة :] (٣).

ألا أراك معرضا عنّي ، مؤثرا عليّ؟

فقال رافع : هي امرأة شابّة. وهي أعجب إليّ منك. فإن شئت أقررت لها على أنّ لها يومين أو ثلاثة منّي ولك يوم واحد.

فأبت ابنة محمّد بن مسلمة أن ترضاها. فطلّقها تطليقة واحدة ثمّ طلّقها أخرى.

فقالت : لا والله لا أرضى أو تسوّي بيني وبينها. يقول الله : (وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَ) وابنة محمّد لم تطب نفسها بنصيبها وشحّت عليه. فأعرض عليها رافع. إمّا أن ترضى. وإمّا أن يطلّقها الثّالثة. فشحّت على زوجها ورضيت فصالحته على ما ذكرت.

فقال الله ـ عزّ وجلّ ـ : (فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ). فلمّا رضيت واستقرّت لم يستطع أن يعدل بينهما. فنزلت (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ) أن تأتي واحدة وتذر الأخرى لا أيّم ولا ذات بعل.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٢٤٧.

(٢) تفسير القمي ١ / ١٥٤.

(٣) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

٥٥٥

وفي تفسير العيّاشي (١) : عن أحمد بن محمّد ، عن أبي الحسن الرّضا ـ عليه السّلام ـ في قول الله : (وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً) قال : النّشوز ، الرّجل يهمّ بطلاق امرأته ، فتقول له : أدع ما على ظهرك وأعطيك كذا وكذا. وأحلّلك من يومي وليلتي على ما اصطلحا عليه ، فهو جائز.

وفي الكافي (٢) : محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن عليّ بن الحكم ، عن عليّ بن أبي حمزة قال : سألت أبا الحسن ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً).

فقال : إذا كان كذلك فهمّ بطلاقها فقالت له : امسكني وأدع لك بعض ما عليك ، وأحلّلك من يومي وليلتي. حلّ له ذلك ، ولا جناح عليهما.

عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه (٣) ، عن ابن أبي عمير ، عن حمّاد ، عن الحلبيّ ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : سألته عن قول الله ـ تبارك وتعالى ـ : (وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً).

فقال : هي المرأة تكون عند الرّجل فيكرهها ، فيقول لها : إنّي أريد أن أطلّقك.

فتقول له : لا تفعل ، إنّي أكره أن يشمت بي ، ولكن انظر في ليلتي فاصنع بها ما شئت وما كان سوى ذلك من شيء فهو لك ودعني على حالتي. وهو قوله ـ تبارك وتعالى ـ : (فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً). وهو هذا الصّلح.

حميد بن زياد ، عن ابن سماعة (٤) ، عن الحسين بن هاشم ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : سألته عن قول الله ـ جلّ اسمه ـ : (وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً).

قال : هذا يكون عند المرأة لا تعجبه فيريد طلاقها ، فتقول له : أمسكني ولا تطلّقني وأدع لك ما على ظهرك وأعطيك من مالي وأحلّلك من يومي وليلتي. فقد طاب ذلك كلّه.

(وَالصُّلْحُ خَيْرٌ) : من الفرقة. أو سوء العشرة. أو من الخصومة. ولا يجوز أن يكون المراد أنّه من الخيور ، كما أنّ الخصومة من الشّرور. وهو اعتراض. وكذا قوله :

__________________

(١) تفسير العياشي ١ / ٢٧٨ ، ح ٢٨١.

(٢) الكافي ٦ / ١٤٥ ، ح ١.

(٣) نفس المصدر والموضع ، ح ٣.

(٤) نفس المصدر والموضع ، ح ٣.

٥٥٦

(وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَ) : ولذلك اغتفر عدم تجانسهما. والأوّل ، للتّرغيب في المصالحة. والثّاني ، لتمهيد العذر في المماكسة.

ومعنى إحضار الأنفس الشّحّ : جعلها حاضرة له ، مطبوعة عليه ، فلا تكاد المرأة تسمح بالإعراض عنها والتّقصير في حقّها ، ولا الرّجل يسمح بأن يمسكها ويقوم بحقّها على ما ينبغي إذا كرهها أو أحبّ غيرها.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (١) : قال : (وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَ). فمنها من اختارته ، ومنها من لم تختره.

(وَإِنْ تُحْسِنُوا) : في العشرة.

(وَتَتَّقُوا) : النّشوز والإعراض ونقص الحقّ.

(فَإِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ) : من الإحسان والخصومة.

(خَبِيراً) (١٢٨) : عالما به وبالغرض منه ، فيجازيكم عليه. أقام كونه عالما بأعمالهم مقام مجازاته لهم ، الّذي هو في الحقيقة جواب الشّرط ، إقامة السّبب مقام المسبّب.

(وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ) : أن تسوّوا بينهنّ في المحبّة والمودّة بالقلب. لأنّ العدل أن لا يقع ميل ألبتّة. وهو متعذّر ولذلك كان رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يقسم بين نسائه فيعدل ويقول : هذه قسمتي فيما أملك ، فلا تؤاخذني فيما تملك ولا أملك.

على ما نقل (٢).

وفي تفسير العيّاشي (٣) : عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ أنّه قال : يعني : في المودّة.

وكذا في تفسير عليّ بن إبراهيم (٤) عنه ـ عليه السّلام ـ.

وفي مجمع البيان (٥) : عن الصّادق والباقر ـ عليهما السّلام ـ : أنّ معناه : التّسوية في كلّ الأمور من جميع الوجوه ، من النّفقة والكسوة والعطيّة والمسكن والصّحبة والبشر وغير ذلك. والمراد به ، أنّ ذلك لا يخفّف عليكم بل يثقّل ويشقّ لميلكم إلى بعضهنّ.

__________________

(١) تفسير القمي ١ / ١٥٥.

(٢) ر. أنوار التنزيل ١ / ٢٤٨.

(٣) تفسير العياشي ١ / ٢٧٩ ، ح ٢٨٥.

(٤). ١ / ١٥٥.

(٥) مجمع البيان ٢ / ١٢١.

٥٥٧

(وَلَوْ حَرَصْتُمْ) : على تحرّي ذلك ، وبالغتم.

(فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ) : بترك المستطاع ، والجور على المرغوب عنها. فإنّ ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه.

(فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ) : الّتي ليست ذات بعل ، ولا مطلّقة.

وفي مجمع البيان (١) : عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ عن آبائه ـ عليهم السّلام ـ : أنّ النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ كان يقسم بين نسائه في مرضه فيطاف به بينهنّ.

قال : وروي أنّ عليّا ـ عليه السّلام ـ كان له امرأتان. فكان إذا كان يوم واحدة لا يتوضّأ في بيت الأخرى.

(وَإِنْ تُصْلِحُوا) : ما كنتم تفسدون من أمورهنّ.

(وَتَتَّقُوا) : فيما يستقبل.

(فَإِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً) (١٢٩) : يغفر لكم ما مضى من ميلكم.

(وَإِنْ يَتَفَرَّقا) :

وقرئ : وإن يتفارقا ، أي : وإن يفارق كلّ واحد منهما صاحبه (٢).

(يُغْنِ اللهُ كُلًّا) : من الآخر ببدل ، أو سلوة.

(مِنْ سَعَتِهِ) : من غناه وقدرته.

(وَكانَ اللهُ واسِعاً حَكِيماً) (١٣٠) : مقتدرا متقنا في أفعاله وأحكامه.

وفي الكافي (٣) بإسناده إلى ابن أبي ليلى قال : حدّثني عاصم بن حميد قال : كنت عند أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ. فأتاه رجل. فشكى إليه الحاجة. فأمره بالتّزويج.

قال : فاشتدّت الحاجة. فأتى أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ. فسأله عن حاله.

فقال : اشتدّت بي الحاجة.

قال : ففارق. ثمّ أتاه فسأله عن حاله.

فقال : أثريت وحسن حالي.

فقال أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ : إنّي أمرتك بأمرين أمر الله بهما ، قال الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ) إلى قوله : (وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ) وقال :

__________________

(١) نفس المصدر والموضع.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٢٤٨.

(٣) الكافي ٥ / ٣٣١ ، ح ٦.

٥٥٨

(إِنْ يَتَفَرَّقا يُغْنِ اللهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ).

(وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) : تنبيه على كمال قدرته وسعته.

وأنّه لا يتعذّر عليه الإغناء بعد الفرقة والإيناس بعد الوحشة.

(وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ) : من اليهود والنّصارى ومن قبلهم. و «الكتاب» للجنس. و «من» متعلّقة «بوصّينا» أو «بأوتوا».

(وَإِيَّاكُمْ) : عطف على «الّذين أوتوا».

(أَنِ اتَّقُوا اللهَ) : بأن اتّقوا الله. ويجوز أن يكون «أن» مفسّرة. لأنّ التّوصية في معنى القول.

في مصباح الشّريعة (١) : قال الصّادق ـ عليه السّلام ـ. وقد جمع الله ما يتواصى به المتواصون من الأوّلين والآخرين في خصلة واحدة ، وهي التّقوى [يقول الله تعالى : (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللهَ)].(٢) وفيه جماع كلّ عبادة صالحة. وبه وصل من وصل إلى الدّرجات العلى.

(وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) : على إرادة القول ، أي : وقلنا لهم ولكم : إن تكفروا فإنّ الله مالك الملك كلّه. لا يتضرّر بكفركم ومعاصيكم. كما لا ينتفع بشكركم وتقواكم. وإنّما وصّاكم لرحمته لا لحاجته. ثمّ قرّر ذلك بقوله : (وَكانَ اللهُ غَنِيًّا) : عن الخلق وعبادتهم.

(حَمِيداً) (١٣١) : في ذاته ، حمد أو لم يحمد.

(وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) : كلّ مخلوق يدلّ بحاجته على غناه ، وبما فاض عليه من الوجود والكمال على كونه حميدا.

(وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً) (١٣٢) :

قيل (٣) : أي : حافظا للجميع لا يعزب عنه مثقال ذرّة فيهما.

وقيل (٤) : راجع إلى قوله : (يُغْنِ اللهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ) فإنّه يوكل بكفايتهما. وما بينهما تقرير لذلك.

__________________

(١) شرح فارسي مصباح الشريعة ومفتاح الحقيقة / ٤٠٥.

(٢) من المصدر.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٢٤٩.

(٤) نفس المصدر والموضع.

٥٥٩

(إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ) : يفنكم. ومفعول «يشأ» محذوف ، دلّ عليه الجواب.

(وَيَأْتِ بِآخَرِينَ) : ويوجد قوما آخرين مكانكم. أو خلفاء آخرين مكان الإنس.

(وَكانَ اللهُ عَلى ذلِكَ) : من الإعدام والإيجاد.

(قَدِيراً) (١٣٣) : بليغ القدرة ، لا يعجزه مراده.

قيل (١) : وهذا ـ أيضا ـ تقرير لغناه وقدرته ، وتهديد لمن كفر وخالف أمره.

والظّاهر ، أنّه خطاب لمن عادى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ من العرب.

ومعناه معنى قوله : (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ) لما قال في مجمع البيان (٢) : ويروى أنّه لمّا نزلت هذه الآية ضرب النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ يده على ظهر سلمان ـ رضي الله عنه ـ وقال : هم قوم هذا ، يعني : عجم الفرس.

(مَنْ كانَ يُرِيدُ ثَوابَ الدُّنْيا) : كمن يجاهد للغنيمة.

(فَعِنْدَ اللهِ ثَوابُ الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) : فليطلب الثّوابين جميعا عند الله. وما له يكتفي بأخسّهما ويدع أشرفهما؟ على أنّه لو طلب الأشرف لم يخطئه الأخسّ.

في كتاب الخصال (٣) : جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن أمير المؤمنين ـ عليهم السّلام ـ قال : كانت الحكماء والفقهاء إذا كاتب بعضهم بعضا كتبوا بثلاث ليس معهنّ رابعة : من كانت الآخرة همّه ، كفاه الله همّه من الدّنيا. ومن أصلح سريرته ، أصلح الله [علانيته. ومن أصلح فيه ما بينه وبين الله ، أصلح الله] (٤) فيما بينه وبين النّاس.

وفي نوادر من لا يحضره الفقيه (٥) : وروي عن عليّ بن الحكم ، عن هشام بن سالم ، عن الصّادق جعفر بن محمّد ـ عليهما السّلام ـ قال : الدّنيا طالبة ومطلوبة ، فمن طلب الدّنيا طلبه الموت حتّى يخرجه منها. ومن طلب الآخرة ، طلبته الدّنيا حتّى توفيه رزقه.

__________________

(١) نفس المصدر والموضع.

(٢) مجمع البيان ٢ / ١٢٢.

(٣) الخصال ١ / ١٢٩ ، ح ١٣٣.

(٤) ليس في أ.

(٥) من لا يحضره الفقيه ٤ / ٢٩٣ ، ح ٦٣.

٥٦٠