تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٣

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي


المحقق: حسين درگاهى
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٠٣

وقرئ : حوبا. وهو مصدر ، حاب يحوب حوبا (١).

وقرئ : حابا (٢) ، كقال [قولا وقالا].(٣) بناء على أنّه «حوب» بفتح الواو.

[وفي تفسير العيّاشيّ (٤) : عن سماعة بن مهران ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ وأبي الحسن ـ عليه السّلام ـ : (إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً) قال : هو ممّا تخرج (٥) الأرض من أثقالها].(٦)

(وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ) :

قيل (٧) : يعني : إن خفتم أن لا تعدلوا في يتامى النّساء إذا تزوّجتم بهنّ ، فتزوّجوا ما طاب [لكم] (٨) من غيرهنّ ، إذ كان الرّجل يجد يتيمة ذات مال وجمال ، فيتزوّجها ضنّا بها ، فربّما يجتمع عنده منهنّ عدد [، و] (٩) لا يقدر على القيام بحقوقهنّ.

أو إن خفتم أن لا تعدلوا في حقوق اليتامى ، فتحرّجتم منها ، فخافوا ـ أيضا ـ أن لا تعدلوا بين النّساء ، فانكحوا مقدارا يمكنكم الوفاء بحقّه ، لأنّ المتحرّج من الذّنب ينبغي أن يتحرّج من الذّنوب كلّها ، على ما روي : أنّه [تعالى ـ] (١٠) لمّا عظّم أمر اليتامى تحرّجوا من ولايتهم ، وما كانوا يتحرّجون من تكثير النّساء وإضاعتهنّ ، فنزلت.

وقيل : كانوا يتحرّجون من ولاية اليتامى ، ولا يتحرّجون من الزّنا ، فقيل لهم : إن خفتم ألّا تعدلوا في أمر اليتامى فخافوا الزّنا ، فانكحوا ما حلّ لكم.

وفي كتاب الاحتجاج (١١) للطبرسيّ ـ رحمه الله ـ عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ حديث طويل ، وفيه يقول – عليه السّلام ـ لبعض الزّنادقة : وأمّا ظهورك على تناكر قوله ـ تعالى ـ : (وَإِنْ) (١٢) (خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ) وليس يشبه القسط في اليتامى نكاح النّساء ، ولا كلّ النّساء يتامى (١٣) ، فهو ممّا قدّمت ذكره من إسقاط المنافقين من القرآن ، وبيّن القول في اليتامى وبيّن نكاح النّساء من الخطاب والقصص أكثر من ثلث القرآن ، وهذا وما أشبهه ممّا ظهرت حوادث المنافقين فيه لأهل

__________________

(١) نفس المصدر والموضع.

(٢) الكشاف ١ / ٤٤٦.

(٣) من أنوار التنزيل.

(٤) تفسير العياشي ١ / ٢١٧ ، ح ١١.

(٥) المصدر : يخرج.

(٦) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٧) أنوار التنزيل ١ / ٢٠٢ ـ ٢٠٣.

(٨ و ٩) من المصدر.

(١٠) من المصدر.

(١١) الاحتجاج ١ / ٣٧٧ ـ ٣٧٨.

(١٢) المصدر : فان.

(١٣) المصدر : أيتام.

٣٢١

النّظر والتّأمّل ، ووجد المعطّلون وأهل الملل المخالفة للإسلام مساغا إلى القدح في القرآن ، ولو شرحت لك كلّ ما أسقط وحرّف وبدّل ممّا يجري هذا المجرى ، لطال وظهر ما تحظر التّقيّة إظهاره من مناقب الأولياء ومثالب الأعداء.

[وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (١) : (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) قال : نزلت مع قوله : (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ فِي يَتامَى النِّساءِ اللَّاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ ما كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَ فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) فنصف الآية في أوّل السّورة ونصفها على رأس المائة وعشرين آية ، وذلك أنّهم كانوا لا يستحلّون أن يتزوّجوا يتيمة قد ربّوها ، فسألوا رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ عن ذلك ، فأنزل الله ـ عزّ وجلّ ـ : (يَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ) ـ إلى قوله ـ : (مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ)].(٢) وإنما عبّر عنهنّ «بما» ذهابا إلى الصّفة ، أو إجراء لهنّ مجرى غير العقلاء لنقصان عقلهنّ.

وقرئ : «تقسطوا» بفتح التاء ، على أنّ «لا» مزيدة ، أي : إن خفتم أن تجوروا (٣).

(مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) ، أي : ثنتين ثنتين (٤) وثلاثا ثلاثا وأربعا أربعا (٥).

منصوبة على الحال من فاعل «طاب» أو «ممّا طاب» بالفتحة ، لأنّها غير متصرّفة للعدل والصّفة ، فإنّها بنيت على صفات وإن لم تبن أصولها لها.

وقيل (٦) : لتكرير العدل ، فإنّها معدولة باعتبار الصّيغة وباعتبار التّكرير ، لأنّها أخرجت عن الأوزان الأصيلة ، وعن التّكرير إلى الوحدة ، ومعناه : التّخيير في العدد لكلّ أحد إلى أربع. وإنّما أتى بهذه الصيغ وبالواو دون كلمة «أو» إذ لو أفرده. وقيل (٧) : اثنتين وثلاثا وأربعا ، كان المعنى تجويز الجمع بين هذه الأعداد دون التّوزيع. ولو ذكره «بأو» لذهب تجويز الاختلاف في العدد. وإنّما لم يذكر الآحاد ، لأنّ المراد نفي الحرج في الزّائد.

__________________

(١) تفسير القمي ١ / ١٣٠.

(٢) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٢٠٣.

(٤) هكذا في أنوار التنزيل. وفي النسخ : اثنين اثنين.

(٥) هكذا في أنوار التنزيل. وفي النسخ : أربع أربع.

(٦) نفس المصدر والموضع.

(٧) نفس المصدر والموضع.

٣٢٢

وفي تفسير العيّاشيّ (١) : عن يونس بن عبد الرّحمن ، عمّن أخبره ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : في كلّ شيء إسراف إلّا في النّساء ، قال الله ـ تعالى ـ (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ).

وفي الكافي (٢) : عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن عثمان بن عيسى ، عن بعض أصحابه (٣) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : ليس الغيرة إلّا للرّجال ، فأمّا (٤) النّساء فإنّما ذلك منهنّ حسد ، والغيرة للرّجال ، ولذلك حرّم [الله] (٥) على النّساء إلّا زوجها وأحلّ للرّجل (٦) أربعا ، فإنّ (٧) الله أكرم من أن يبتليهنّ بالغيرة ويحلّ للرّجل (٨) معها ثلاثا.

والعيّاشيّ (٩) ، عنه ـ عليه السّلام ـ : لا يحلّ لماء الرّجل أن يجزي في أكثر من أربعة أرحام من الحرائر.

وفي كتاب عيون الأخبار (١٠) ، في باب ما كتب به الرّضا ـ عليه السّلام ـ الى محمّد ابن سنان في جواب مسائله في العلل : وعلّة تزويج الرّجل أربع نسوة (١١) وتحريم أن تتزوّج المرأة أكثر من واحد ، لأنّ الرّجل إذا تزوّج أربع نسوة كان الولد منسوبا إليه ، والمرأة لو كان لها زوجان أو (١٢) أكثر من ذلك لم يعرف الولد لمن هو ، إذ هم مشتركون في نكاحها ، وفي ذلك فساد الأنساب والمواريث والمعارف.

(فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا) : بين هذه الأعداد ـ أيضا ـ.

وفي الكافي (١٣) ، عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ : (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا) ، يعني : في النّفقة.

__________________

(١) تفسير العيّاشي ١ / ٢١٨ ، ح ١٣.

(٢) الكافي ٥ / ٥٠٤ ، ح ١.

(٣) هكذا في المصدر. وفي النسخ : أصحابنا.

(٤) المصدر : وأمّا.

(٥) من المصدر.

(٦) المصدر : للرجال.

(٧) المصدر : وإنّ.

(٨) المصدر : للرجال.

(٩) تفسير العياشي ١ / ٢١٨ ، ح ١٤. وفيه : عن منصور بن حازم ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ.

(١٠) عيون أخبار الرضا ـ عليه السّلام ـ ١ / ٩٥.

(١١) المصدر : «علّة التزويج للرجل أربعة نسوة» بدل «علّة تزويج الرجل أربع نسوة».

(١٢) المصدر : و.

(١٣) الكافي : ج ٥ ص ٣٦٣ ضمن ح ١.

٣٢٣

(فَواحِدَةً) ، أي : فاختاروا ، أو فانحكوا واحدة وذروا الجمع.

وقرئ ، بالرّفع ، على أنّه فاعل فعل محذوف ، أو خبر مبتدأ محذوف ، أي : فيكفيكم واحدة ، أو فالكافي واحدة (١).

(أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) : وإن تعدّدت ، لخفّة مؤنهنّ وعدم وجوب القسم بينهنّ.

وفي حكمهنّ المتعة.

ففي الكافي : عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ في غير واحدة من الرّوايات : «أنّها ليست من الأربع ، ولا من السّبعين ، وإنهنّ بمنزلة الإماء ، لأنّها مستأجرة لا تطلّق ولا ترث ولا تورث.» (٢) «وإنّ العبد ليس له أن يتزوّج إلّا حرّتين أو أربع إماء ، وله أن يتسرّى بإذن مولاه ما شاء ذلك (٣)».

(ذلِكَ) ، أي : التّقليل منهنّ ، أو اختيار الواحدة ، أو التّسرّي.

(أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا) (٣) : أقرب من أن لا تميلوا.

يقال : عال الميزان ، إذا مال. وعال الحاكم ، إذا جار.

وعول الفريضة ، الميل عن حدّ السّهام المسمّاة.

وقيل (٤) بأن لا يكثر (٥) عيالكم [، على أنّه] (٦) من عال الرّجل عياله [، يعولهم ،] (٧) إذا مأنهم. فعبّر عن كثرة العيال بكثرة المؤن على الكناية. ويؤيّده قراءة «أن لا تعيلوا» من أعال الرّجل ، إذا كثر عياله.

ولعلّ المراد بالعيال ، الأزواج. وإن أريد الأولاد ، فلأنّ التّسرّي مظنّة قلّة الولد ، بالإضافة إلى التّزوّج لجواز العزل فيه ، كتزوّج الواحدة بالإضافة إلى تزوّج الأربع.

(وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَ) : مهورهنّ.

وقرئ ، بفتح الصّاد ، وسكون الدّال ، على التّخفيف. وبضمّ الصّاد ، وسكون الدّال ، جمع صدقة كغرفة. وبضمّها على التّوحيد ، وهو تثقيل صدقة ، كظلمة في ظلمة.

(نِحْلَةً).

قيل (٨) : عطيّة ، من نحله كذا نحلة ، إذا أعطاه إيّاها (٩) عن طيب نفس ، بلا توقّع

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٢٠٣.

(٢) ر. الكافي ٥ / ٤٥١ ـ ٤٥٢ ، ح ١ ـ ٧.

(٣) ر. نفس المصدر ٥ / ٤٧٦ ـ ٤٧٧ ، ح ١ ـ ٥.

(٤) أنوار التنزيل ١ / ٢٠٣.

(٥) المصدر : لا تكثر.

(٦ و ٧) من المصدر.

(٨) نفس المصدر والموضع.

(٩) المصدر : إيّاه.

٣٢٤

عوض. ونصبها على المصدر ، لأنّها في معنى الإيتاء ، أو الحال من الواو ، أو الصّدقات ، أي : آتوهنّ صدقاتهنّ ناحلين ، أو منحولة. وبعضهم فسّرها بالفريضة ، وهو نظير إلى مفهوم الآية ، لا إلى موضع اللّفظ.

وقيل (١) : تفضّلا من الله عليهنّ ، فتكون حالا من الصّدقات.

وقيل (٢) : ديانة ، من قولهم : انتحل فلان كذا ، إذا دان به ، على أنّه مفعول له أو حال من الصّدقات ، أي : دينا من الله شرّعه.

قيل (٣) الخطاب للأزواج.

وفي مجمع البيان (٤) : اختلف في من خوطب بقوله : (وَآتُوا النِّساءَ) (٥) قيل : هم الأولياء ، لأنّ الرّجل منهم كان إذا زوّج أمة (٦) أخذ صداقها دونها ، فنهاهم الله عن ذلك.

وهو المرويّ عن الباقر ـ عليه السّلام ـ رواه أبو الجارود [عنه] (٧).

(فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً) :

الضّمير ، للصّداق ، حملا على المعنى ، أو للإيتاء.

و «نفسا» تميّز ، لبيان الجنس. ولذلك وحّدوا المعنى فإن وهبن لكم شيئا من الصّداق عن طيب نفس ، لكن جعل العمدة طيب النّفس للمبالغة ، وعدّاه «بعن» ، يعني : لتضمين معنى التّجافي والتّجاوز. وقال : «منه» بعثا لهنّ على تقليل الموهوب ، (فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً) (٤) : فخذوه وأنفقوه حلالا ، بلا تبعة.

والهنيء والمريء ، صفتان ، من هنأ الطّعام ومرأ ، إذا ساغ من غير غصّ. أقيمتا مقام مصدريهما ، أو وصف بهما المصدر ، أو جعلتا حالا من الضّمير. وقد يفرق بينهما ، بأنّ الهنيء ، ما يلده الإنسان. والمريء ، ما يحمد عاقبته. وعلى ما روي سابقا من مجمع البيان (٨) : الخطاب للأولياء.

وقيل (٩) : روي أنّ أناسا يتأثمون أن يقبل أحدهم من زوجته شيئا ممّا ساق إليها ،

__________________

(١ و ٢ و ٣) نفس المصدر والموضع.

(٤) مجمع البيان ٢ / ٦ ـ ٧.

(٥) ذكر في المصدر الآية بطولها.

(٦) المصدر : «تزوّج آيمة» بدل «زوّج أمة».

(٧) من المصدر.

(٨) مجمع البيان ٢ / ٦.

(٩) أنوار التنزيل ١ / ٢٠٤.

٣٢٥

فنزلت.

وفي الكافي (١) : عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسين بن سعيد ، عن عثمان بن عيسى ، عن سعيد بن يسار قال : قلت لأبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ : جعلت فداك ، امرأة دفعت إلى زوجها مالا من مالها ليعمل به ، وقالت له حين دفعته (٢) إليه : أنفق منه ، فإن حدث بك حدث فما أنفقت منه فهو لك (٣) حلالا طيّبا (٤) ، فإن حدث بي حدث فما أنفقت منه فهو حلال طيّب.

فقال : أعد عليّ ـ يا سعيد ـ المسألة.

فلمّا ذهبت أعيد عليه المسألة اعترض فيها صاحبها ـ وكان معي حاضرا ـ فأعاد عليه مثل ذلك.

فلمّا فرغ أشار بإصعبه إلى صاحب المسألة فقال : يا هذا ، إن كنت تعلم أنّها قد أفضت بذلك إليك فيما بينك وبينها وبين الله ، فحلال طيّب ـ ثلاث مرّات ـ ثمّ قال : يقول الله ـ عزّ وجلّ ـ في كتابه : (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً).

عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد (٥) وأحمد بن محمّد ، عن الحسن بن محبوب ، عن عليّ بن رئاب ، عن زرارة ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : لا يرجع الرّجل فيما يهب لامرأته ولا المرأة فيما تهب لزوجها ، حيز أو لم يحز ، أليس الله ـ تبارك وتعالى ـ يقول : (وَلا [يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ]) (٦) (تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً) وقال : (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً) وهذا يدخل في الصّداق والهبة.

وفي تفسير العيّاشيّ (٧) : عن سماعة بن مهران ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ و (٨) أبي الحسن ـ عليه السّلام ـ قال : سألته عن قول الله : (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً).

قال : يعني بذلك : أموالهن الّتي في أيديهنّ ممّا ملكن.

وفي مجمع البيان (٩) ، وفي كتاب العيّاشيّ (١٠) : مرفوعا إلى أمير المؤمنين

__________________

(١) الكافي ٥ / ١٣٦ ، ح ١.

(٢) المصدر : دفعت.

(٣) «فهو لك» ليس في المصدر.

(٤) هكذا في المصدر. وفي النسخ : حلال طيّب.

(٥) نفس المصدر ٧ / ٣٠ ، ذيل حديث ٣.

(٦) ليس في المصدر والنسخ. ولكن الآية هكذا.

(٧) تفسير العياشي ١ / ٢١٩ ، ح ١٦.

(٨) المصدر : أو.

(٩) مجمع البيان ٢ / ٧ ، نقلا عن العياشي.

(١٠) تفسير العياشي ١ / ٢١٩ ، ح ١٨ ، باختلاف في اللفظ.

٣٢٦

ـ عليه السّلام ـ أنّه جاء (١) رجل فقال : يا أمير المؤمنين ، إنّي يوجع (٢) في بطني.

فقال : ألك (٣) زوجة؟

قال : نعم.

قال : استوهب منها شيئا طيّبة به نفسها من مالها ، ثمّ اشتر به عسلا ، ثمّ اسكب عليه من ماء السّماء ، ثمّ اشربه ، فإنّي سمعت الله ـ سبحانه ـ يقول في كتابه (٤) : (وَنَزَّلْنا) (٥) (مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً) وقال (٦) : (يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ) وقال : (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً). فإذا اجتمعت البركة والشّفاء والهنيء والمريء شفيت إن شاء الله ـ تعالى ـ.

قال : ففعل ذلك فشفي.

(وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ) :

قيل (٧) : نهي للأولياء ، عن أن يؤتوا الّذين لا رشد لهم أموالهم فيضيّعوها. وإنّما أضاف المال إلى الأولياء ، لأنّها في تصرّفهم وتحت ولايتهم ، وهو الملائم للآيات المتقدّمة والمتأخّرة.

وقيل (٨) : نهي لكلّ أحد أن يعمد إلى ما خوّله الله من المال ، فيعطي امرأته وأولاده ، ثمّ ينظر إلى أيديهم. وإنّما سمّاهم سفهاء ، استخفافا بعقولهم (٩) ، واستهجانا لجعلهم قوّاما على أنفسهم. وهو أوفق لما بعده ، من قوله : (الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِياماً).

وفي مجمع البيان (١٠) : اختلف في المعنى بالسّفهاء على أقوال : أحدها ، أنّهم النّساء

__________________

(١) مجمع البيان : جاءه.

(٢) هكذا في المجمع. وفي النسخ : «أجد بوجع» بدل «يوجع».

(٣) المجمع : لك.

(٤) ق / ٩.

(٥) هكذا في القرآن المجيد. وفي النسخ والمصدر : أنزلنا.

(٦) النحل / ٦٩.

(٧) أنوار التنزيل ١ / ٢٠٤.

(٨) نفس المصدر والموضع.

(٩) هكذا في المصدر. وفي النسخ : بعقلهم.

(١٠) مجمع البيان ٢ / ٧ و ٨.

٣٢٧

والصّبيان ، ورواه أبو الجارود عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ

وثالثها ، أنّه (١) عامّ في كلّ سفيه ، من صبيّ أو مجنون أو محجور عليه للتّبذير.

وقريب منه ما روي عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ أنّه قال : إنّ السّفيه شارب الخمر ومن جرى مجراه.

وقيل (٢) : عنى بقوله : أموالكم ، أموالهم.

وقد روي أنّه سئل الصّادق ـ عليه السّلام ـ عن هذا فقيل : كيف يكون أموالهم أموالنا؟

فقال : إذا كنت أنت الوارث له (انتهى) فعلى هذا ، يمكن الحمل على عموم النّهي عن إيتاء المال إلى السّفهاء ، وإرادة العموم من إضافة الأموال بإرادة ما يشمل أموالهم أو مالهم الولاية فيه ، وفي الأخبار ما يدلّ عليه.

في تفسير العيّاشيّ (٣) : عن يونس بن يعقوب قال سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله : (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ).

قال : من لا تثق به.

[عن (يونس بن يعقوب (٤) ، قال سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله :) (٥) (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ).

قال : من لا تثق به.

عن إبراهيم بن عبد الحميد (٦) قال : سألت أبا جعفر ـ عليه السّلام ـ عن هذه الآية : (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ).

قال : كلّ من يشرب المسكر ، فهو سفيه.

عن عليّ بن أبي حمزة (٧) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : سألته عن قول الله : (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ).

__________________

(١) المصدر : أنّها.

(٢) نفس المصدر والموضع وفيه : «قد». وتبديل اللفظ في المتن من قبل المفسر ، هو بمقتضى الكلام.

(٣) تفسير العياشي ١ / ٢٢٠ ، ح ٢٠.

(٤) نفس المصدر ١ / ٢٢٠ ، ح ٢٠.

(٥) النسخ : «إبراهيم بن عبد الحميد قال» بدل ما بين المعقوفتين. وما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

(٦) نفس المصدر والموضع ، ح ٢٢.

(٧) نفس المصدر والموضع ، ح ٢١.

٣٢٨

قال : هم اليتامى ، ولا تعطوهم أموالهم حتّى تعرفوا منهم الرّشد.

قلت : فكيف يكون أموالهم أموالنا؟

فقال : إذا كنت أنت الوارث لهم.] (١)

وفي قرب الإسناد (٢) للحميريّ : هارون بن مسلم ، عن مسعدة بن صدقة بن زياد (٣) قال : سمعت أبا الحسن ـ عليه السّلام ـ يقول لأبيه : يا أبة ، إنّ فلانا يريد اليمن ، أفلا أزوّده ببضاعة ليشتري (٤) بها عصب اليمن؟

فقال له : يا بنيّ ، لا تفعل.

قال : ولم؟

قال : لأنّها (٥) إذا ذهبت لم تؤجر عليها ولم تخلف (٦) عليك ، لأنّ الله ـ تعالى ـ يقول : (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِياماً) فأيّ سفيه أسفه بعد النّساء من شارب الخمر؟

وفي من لا يحضره الفقيه (٧) : سئل أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ).

قال : لا تؤتوها شرّاب الخمر (٨) ولا النّساء ، ثمّ قال : وأيّ سفيه أسفه من شارب الخمر؟

في أصول الكافي (٩) : عليّ بن إبراهيم [، عن أبيه ،] (١٠) عن محمّد بن عيسى ، عن يونس ، عن حمّاد ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي الجارود قال : قال أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ : إذا حدثتكم بشيء فاسألوني من كتاب الله ، ثمّ قال في بعض حديثه : إنّ

__________________

(١) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٢) قرب الاسناد / ١٣١ ، وللحديث تتمة.

(٣) المصدر : «مسعدة بن زياد». وبالنسبة إلى «مسعدة بن صدقة» وتعدّده أو اتّحاد بعضه مع بعضه أنظر تنقيح المقال ٣ / ٢١٢ ، رقم ١١٧١١ ، ولا سيّما تذييل صاحب التنقيح بالنسبة إلى «مسعدة بن صدقة بن زياد». ولعله ما في المتن يساعد بتبيين بعض ، المبهمات الموجودة في المسألة إذ قال ـ رحمه الله ـ فيه : «قد تضمّن بعض نسخ منهج الميرزا زيادة «بن زياد» بعد «صدقة» وغلط بلا شبهة». فراجع.

(٤) هكذا في المصدر. وفي النسخ : يشتري.

(٥) هكذا في المصدر. وفي النسخ : فإنّها.

(٦) هكذا في المصدر. وفي النسخ : لم يخلف.

(٧) من لا يحضره الفقيه ٤ / ١٦٨ ، ح ٥٨٦.

(٨) المصدر : شارب الخمر.

(٩) الكافي ١ / ٦٠ ، ح ٥.

(١٠) في المصدر.

٣٢٩

رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ نهى عن القيل والقال وفساد المال وكثرة السّؤال.

فقيل له : يا بن رسول الله ، أين هذا من كتاب الله؟

قال : إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول (١) : (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ) وقال : (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِياماً) وقال (لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ).

[وفي الكافي (٢) : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه (٣) ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس وعدّة من أصحابنا ، عن [أحمد بن] (٤) أبي عبد الله ، عن أبيه جميعا ، عن يونس ، عن عبد الله بن سنان وابن مسكان ، عن أبي الجارود قال : قال أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ : إذا حدّثتكم بشيء فاسألوني من كتاب الله ، وذكر كما في الكافي سواء.

عليّ بن إبراهيم (٥) ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حمّاد بن عيسى ، عن حريز ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ حديث طويل ، يقول فيه ـ عليه السّلام ـ : ولا تأمن بشارب الخمر ، فإنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول في كتابه : (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ). فأيّ (٦) سفيه أسفه من شارب الخمر؟

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٧) : حدّثني أبي ، عن ابن أبي عمير ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله قال : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : شارب الخمر لا تصدّقوه إذا حدّث ، ولا تزوّجوه إذا خطب ، ولا تعودوه إذا مرض ، ولا تحضروه إذا مات ، ولا تأتمنوه على أمانة ، فمن أئتمنه على أمانة واستهلكها (٨) فليس له (٩) على الله أن يخلف عليه ولا أن يؤجره عليها ، لأنّ الله ـ تعالى ـ يقول : (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ) وأيّ سفيه أسفه من شارب الخمر؟

حميد بن زياد ، عن الحسن بن محمّد (١٠) بن سماعة ، عن غير واحد ، عن أبان بن عثمان ، عن حمّاد بن بشير ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : إنّي أردت أن أستبضع

__________________

(١) النساء / ١١٤.

(٢) الكافي ٥ / ٣٠٠ ، ح ٢.

(٣) المصدر : [عن أبيه].

(٤) من المصدر.

(٥) نفس المصدر ٥ / ٢٩٩ ـ ٣٠٠ ، ضمن حديث ١.

(٦) هكذا في المصدر. وفي النسخ : وأيّ.

(٧) تفسير القمي ١ / ١٣١.

(٨) المصدر : فأهلكها.

(٩) ليس في المصدر.

(١٠) الكافي ٦ / ٣٩٧ ـ ٣٩٨ ، ضمن حديث ٩.

٣٣٠

بضاعة إلى اليمن ، فأتيت أبا جعفر ـ عليه السّلام ـ فقلت له : إنّي أريد أن أستبضع فلانا [بضاعة].(١).

فقال : أما علمت أنّه يشرب الخمر ـ إلى أن قال عليه السّلام (٢) ـ : إنّك إن استبضعته فهلكت أو ضاعت فليس لك على الله ـ عزّ وجلّ ـ أن يأجرك ولا يخلف عليك.

فاستبضعته فضيّعها ، فدعوت الله أن يأجرني.

فقال : أي بنيّ ، ليس لك على الله أن يأجرك ولا يخلف عليك.

قال : قلت له : ولم؟

فقال لي : إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول : (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِياماً) فهل تعرف سفيها أسفه من شارب الخمر؟

والحديث طويل ، أخذت منه موضع الحاجة].(٣) (الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِياماً) : تقومون بها وتتعيّشون ، أي ، جنسه. كذلك سمّي ما به القيام قياما للمبالغة.

وقرأ نافع وابن عامر : «قيما» بمعناه ، كعوذ ، بمعنى : عياذ.

وقرئ : «قواما» وهو ما يقام (٤) به.

(وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ) : واجعلوا الأموال مكانا لرزقهم وكسوتهم ، بأن تتّجروا فيها وتحصلوا من نفعها ما يحتاجون.

(وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً) (٥) : عدّة حسنة تطيب بها نفوسهم.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٥) : في رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في هذه الآية قال (٦) : فالسّفهاء ، النّساء والولد. إذا علم الرّجل أنّ امرأته سفيهة مفسدة وولده سفيه مفسد ، لا ينبغي له أن يسلّط واحدا منهما على ماله الّذي جعله الله له (قِياماً) يقول : معاشا ، قال : (وَارْزُقُوهُمْ فِيها) (٧) (وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً) والمعروف ، العدّة.

__________________

(١) من المصدر.

(٢) حذف الكلام من قبل المفسر وهو موجود في المصدر.

(٣) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٤) أنوار التنزيل ١ / ٢٠٤.

(٥) تفسير القمي ١ / ١٣١.

(٦) المصدر : «في قوله : (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ)» بدل «في هذه الآية قال».

(٧) المصدر : فيها.

٣٣١

(وَابْتَلُوا الْيَتامى) : اختبروهم قبل البلوغ ، بتتبّع أحوالهم في صلاح الدّين ، والتّهدّي إلى ضبط المال وحسن التّصرّف.

(حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ) : حدّا يتأتّى منهم النّكاح. وهو كناية عن البلوغ لأنّه يصلح للنّكاح عنده ، وهو أن يحتلم أو يستكمل خمس عشرة (١) سنة في الرّجال ، والحيض واستكمال تسع سنين في النّساء.

(فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً) : فإن أبصرتم منهم رشدا.

وقرئ : أحستم ، بمعنى : أحسستم (٢).

وفي من لا يحضره الفقيه (٣) : عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ : إيناس الرّشد حفظ المال.

وفي مجمع البيان (٤) : عن الباقر ـ عليه السّلام ـ : الرّشد ، العقل وإصلاح المال.

(فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ) : من غير تأخير عن حدّ البلوغ. ونظم الآية «إن» الشّرطيّة ، جواب «إذا» ، المتضمّنة معنى الشّرط. والجملة غاية الابتلاء ، فكأنّه قيل : وابتلوا اليتامى ، إلى وقت بلوغهم ، فاستحقاقهم دفع أموالهم إليهم ، بشرط إيناس الرّشد منهم. وفيه دلالة على أنّه لا يدفع إليهم أموالهم ما لم يؤنس منهم الرّشد.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٥) : عن الباقر ـ عليه السّلام ـ في هذه الآية قال : من كان في يده مال بعض (٦) اليتامى فلا يجوز له أن يعطيه حتّى يبلغ النّكاح ويحتلم (٧) ، فإذا احتلم وجب عليه الحدود وإقامة الفرائض ، ولا يكون مضيّعا ولا شارب خمر ولا زانيا ، فإذا أنس منه الرّشد دفع إليه المال وأشهد عليه ، وإن كانوا لا يعلمون أنّه قد بلغ فإنّه يمتحن بريح إبطه أو نبت عانته ، فإذا كان ذلك فقد بلغ ، فيدفع إليه ماله إذا كان رشيدا ، ولا يجوز له أن

__________________

(١) النسخ : خمسة عشر.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٢٠٤.

(٣) من لا يحضره الفقيه ٤ / ١٦٤ ، ح ٥٧٥. وفيه : أنّه سئل عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ) قال : ...»

(٤) مجمع البيان ٢ / ٩. وفيه : والأقوى أن يحمل على أن المراد به العقل وإصلاح المال ، على ما قاله ابن عباس والحسن وهو المرويّ عن الباقر ـ عليه السّلام ـ.

(٥) تفسير القمي ١ / ١٣١.

(٦ و ٧) ليس في المصدر.

٣٣٢

يحبس عنه (١) ماله ويعتلّ عليه (٢) أنّه لم يكبر بعد.

وفي من لا يحضره الفقيه (٣) : وفي رواية أحمد بن محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين ، عن عبد الله بن المغيرة ، عمّن ذكره ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ أنّه قال : في تفسير هذه الآية : إذا رأيتموهم يحبّون آل محمّد ، فارفعوهم درجة.

(وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا) :

قيل (٤) : أي مسرفين ومبادرين كبرهم ، أو لإسرافكم (٥). ومبادرتكم ، كبرهم.

والأولى مسرفين في المال ومبادرين في الإسراف ، خوف أن يكبروا ويأخذوا المال.

(وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ) : من أكلها.

(وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ) : بقدر حاجته وأجرة سعيه.

وفي تفسير العيّاشيّ (٦) : عن رفاعة ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ [في قوله : (]) (٧) (فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ) قال : كان أبي يقول : إنّها منسوخة.

واعلم ، أنّ من يلي شيئا لليتامى وهو يحتاج ، ليس له ما يقيمه ، وهو يصلح أموالهم بما تحتاج إليه ، فله أجرة عمله مساوية لأجرة مثله ، سواء كان قدر كفايته أم لا. وإن لم يكن قدر كفايته ، وحينئذ فجاز له أن يأخذ قدر الكفاية من مال اليتيم ، على جهة القرض ثمّ يردّ عليه ما أخذ إذا وجد.

يدلّ عليه ما رواه في الكافي (٨) ، عن عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن عثمان بن عيسى ، عن سماعة ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ) قال (٩) : من كان يلي شيئا لليتامى ، وهو محتاج ، ليس له ما يقيمه ، وهو يتقاضى أموالهم ويقوم في ضيعتهم ، فليأكل بقدر ولا يسرف ، فإن كانت ضيعتهم لا تشغله عمّا يعالج لنفسه فلا يرز أنّ من أموالهم شيئا.

__________________

(١) المصدر : عليه.

(٢) المصدر : «يعلّل» بدل «ويعتلّ عليه».

(٣) من لا يحضره الفقيه ٤ / ١٦٥ ، ح ٥٧٦.

(٤) أنوار التنزيل ١ / ٢٠٤.

(٥) المصدر : لأصرافكم.

(٦) تفسير العياشي ١ / ٢٢٢ ، ح ٣٣.

(٧) من المصدر.

(٨) الكافي ٥ / ١٢٩ ، ح ١.

(٩) المصدر : فقال.

٣٣٣

قوله : بقدر ، أي : بقدر عمله. ولا يسرف ، أي : لا يزيد على أجرة عمله.

وما رواه ، عن محمّد بن يحيى (١) ، عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن حنّان بن سدير قال : قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ : سألني عيسى بن موسى عن القيّم للأيتام (٢) في الإبل ، وما يحلّ له منها؟

فقلت : إذا لاط حوضها ، وطلب ضالّتها ، وهنأ جرباها ، فله أن يصيب من لبنها ، من غير نهك لضرع (٣) ولا فساد لنسل.

[وأحمد بن محمّد ، عن محمّد بن الفضيل (٤) ، عن أبي الصّباح الكنانيّ ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ) فقال : ذلك رجل يحبس نفسه عن المعيشة ، فلا بأس من أن يأكل بالمعروف إذا كان يصلح لهم أموالهم ، فإن كان المال قليلا ، فلا يأكل منه شيئا.

والحديث طويل ، أخذت منه موضع الحاجة].(٥) وما رواه في مجمع البيان (٦) ، عن الباقر ـ عليه السّلام ـ : «من كان فقيرا فليأخذ من مال اليتيم قدر الحاجة والكفاية على جهة القرض ، ثمّ يردّ عليه ما أخذ إذا وجد»

والمراد ، ما زاد على أجرة عمله.

وما رواه العيّاشيّ في تفسيره (٧) : عن زرارة ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : سألته عن قول الله : (وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ).

قال : ذلك ، إذا حبس نفسه في أموالهم فلا يحترف (٨) لنفسه ، فليأكل بالمعروف من مالهم.

وما رواه ، عن إسحاق بن عمّار (٩) ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في هذه الآية (١٠) : هذا رجل يحبس نفسه لليتيم على حرث أو ماشية ويشغل فيها نفسه ، فليأكل

__________________

(١) نفس المصدر ٥ / ١٣٠ ، ح ٤.

(٢) المصدر : لليتامى.

(٣) المصدر : بضرع.

(٤) نفس المصدر والموضع ، صدر حديث ٥.

(٥) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٦) مجمع البيان ٢ / ٩.

(٧) تفسير العياشي ١ / ٢٢٢ ، ح ٣٢.

(٨) المصدر : «فلا يحثرث». وكلاهما صحيح.

(٩) نفس المصدر والموضع ، ح ٣١.

(١٠) المصدر : «في قول الله» ثم ذكر نفس الآية ، بدل «في هذه الآية».

٣٣٤

بالمعروف ، وليس له ذلك في الدّنانير والدّراهم الّتي عنده موضوعة.

وأمّا ما رواه في الكافي (١) : عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن الفضل (٢) ، عن أبي الصّباح الكنانيّ ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في هذه الآية (٣) : ذلك رجل يحبس نفسه عن المعيشة ، فلا بأس أن يأكل بالمعروف إذا كان يصلح لهم أموالهم ، فإن كان المال قليلا فلا يأكل منه شيئا.

فالمراد بالمعروف ، أجرة مثل عمله ، وذلك إذا كان في عمله إصلاح لأموالهم.

والمراد بكون أموالهم قليلا ، كونها قدرا لا يزيد بالإصلاح ولا أثر لعمله فيها.

(فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ) : بأنّهم قبضوها ، فإنّه أنفى للتّهمة وأبعد من الخصومة ووجوب الضّمان.

(وَكَفى بِاللهِ حَسِيباً) (٦) : محاسبا ، فلا تخالفوا ما أمرتم به ، ولا تتجاوزوا ما حدّ لكم.

(لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ) : يريد به المتوارثين بالقرابة.

(مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ) : بدل من «ما ترك» بإعادة العامل.

(نَصِيباً مَفْرُوضاً) (٧) : أي واجبا. نصب ، على أنّه مصدر مفيد للنّوع لمحذوف ، أي نصب نصيبا مفروضا. أو حال من الضّمير في الظّرف. أو على الاختصاص ، بمعنى أعني : نصيبا مقطوعا واجبا (٤). وفيه دلالة ، على أنّ بإعراض الوارث لا يسقط من حقّه شيء.

نقل (٥) : أنّ أوس بن صامت الأنصاريّ خلّف زوجته أمّ كحّة وثلاث بنات ، فزوى ابنا عمّه سويد وعرفطة أو قتادة وعرفجة ميراثه عنهنّ على سنّة الجاهليّة ـ فإنّهم ما كانوا يورثون النّساء والأطفال ، ويقولون : إنّما يرث من يحارب ويذبّ عن الحوزة ـ فجاءت أمّ كحّة إلى رسول الله [صلّى الله عليه وآله ـ] (٦) في مسجد الفضيح ، فشكت إليه.

__________________

(١) الكافي ٥ / ١٣٠ ، ح ٥. وله ذيل.

(٢) المصدر : محمد بن فضيل.

(٣) المصدر : «في قول الله عزّ وجلّ» ، ثم ذكر نفس الآية ، بدل «في هذه الآية».

(٤) في هامش الأصل : «ردّ على البيضاوي حيث جعله مصدرا مؤكّدا [أنوار التنزيل ١ / ٢٠٥] (منه سلّمه الله تعالى)».

(٥) أنوار التنزيل ١ / ٢٠٥.

(٦) من ر.

٣٣٥

فقال لها : ارجعي حتّى أنظر ما يحدث الله. فنزلت ، فبعث اليهما : لا تفرّقا من مال أوس شيئا ، فإنّ الله قد جعل لهنّ نصيبا.

(وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى) : ممّن لا يرث ، (وَالْيَتامى وَالْمَساكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ) : فأعطوهم شيئا من المقسوم ، تطيّبا لقلوبهم وتصدّقا عليهم.

والضّمير في «منه» «لما ترك» أو ما دلّ عليه القسمة.

(وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً) (٨) : وهو ، أن تدعوا لهم ، وتستقلّوا ما تعطونهم ، ولا تمنّوا عليهم.

في مجمع البيان (١) : أنّ المرويّ عن الباقر ـ عليه السّلام ـ : أنّها محكمة غير منسوخه.

وفي تفسير العيّاشيّ (٢) : عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ أنّه (٣) قال : نسختها آية الفرائض.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٤) : هي منسوخة (٥) بقوله : (يُوصِيكُمُ اللهُ [فِي أَوْلادِكُمْ)].(٦).

والجمع بين الأخبار ، بأنّها منسوخة بحسب دلالتها على الوجوب ، وغير منسوخة بحسب دلالتها على الاستحباب. فإنّ الوجوب ، الأمر بالفعل مع المنع من النّقيض ، فنسخ باعتبار جزئه الأخير.

(وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ) :

«لو» بما في حيزه صلة الموصول. وفي تعليق الأمر به ، إشارة إلى المقصود منه والعلّة فيه ، وبعث على التّرحم ، وأن يحبّ لأولاد غيره ما يحبّ لأولاده ، وتهديد للمخالف بحال أولاده.

قيل (٧) : أمر للأوصياء ، بأن يخشوا الله ويتّقوه في أمر اليتامى ، فيفعلوا بهم ما يحبّون أن يفعل بذراريّهم الضّعاف (٨) بعد وفاتهم. أو للحاضرين المريض عند الإيصاء ، بأن يخشوا

__________________

(١) مجمع البيان ٢ / ١١.

(٢) تفسير العياشي ١ / ٢٢٢ ، ح ٣٤.

(٣) المصدر : «عن قول الله» ، ثم ذكر نفس الآية ، بدل «أنّه».

(٤) تفسير القمي ١ / ٢٣٢.

(٥) المصدر : «منسوخ» بدل «هي منسوخة».

(٦) من المصدر. والآية في النساء / ١١.

(٧) أنوار التنزيل ١ / ٢٠٥.

(٨) المصدر : الصغار.

٣٣٦

ربّهم ، أو يخشوا على أولاد المريض ويشفقوا عليهم شفقتهم على أولادهم ، فلا يتركوه أن يضرّبهم بصرف المال عنهم. أو للورثة ، بالشّفقة على من حضر القسمة من ضعفاء الأقارب واليتامى والمساكين ، متصوّرين أنّهم لو كانوا أولادهم بقوا خلفهم ضعافا مثلهم هل يجوّزون حرمانهم؟ أو للموصين ، بأن ينظروا للورثة ، فلا يسرفوا في الوصيّة.

(فَلْيَتَّقُوا اللهَ) في أمر اليتامى.

(وَلْيَقُولُوا) : لهم ، أو للمريض ، أو لحاضري القسمة ، أو في الوصيّة ، (قَوْلاً سَدِيداً) (٩) : مثل ما يقولون لأولادهم ، بالشّفقة وحسن الأدب. أو ما يصدّ عن الإسراف في الوصيّة ، وتضييع الورثة ، ويذكّروه التّوبة وكلمة الشّهادة. أو عذرا جميلا ووعدا حسنا. أو في الوصيّة ما لا يؤدّي إلى تضييع الورثة.

[وفي عيون الأخبار (١) : في باب ما كتبه الرّضا ـ عليه السّلام ـ إلى محمّد بن سنان ، في جواب مسائله في العلل : وحرّم أكل مال اليتيم ظلما لعلل كثيرة من وجوه الفساد ، أوّل ذلك أنّه إذا أكل الإنسان مال اليتيم ظلما فقد أعان على قتله ، إذ اليتيم غير مستغن ولا محتمل لنفسه ولا عليم بشأنه ولا له من يقوم عليه ويكفيه كقيام والديه ، فإذا أكل ماله فكأنّه قد قتله وصيّره إلى الفقر والفاقة ، مع ما خوّف الله ـ تعالى ـ وجعل من العقوبة في قوله تعالى : (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللهَ) ولقول (٢) أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ «إنّ الله ـ تعالى ـ وعد في أكل مال اليتيم عقوبتين : عقوبة في الدّنيا وعقوبة في الآخرة». ففي تحريم مال اليتيم ، استبقاء (٣) مال اليتيم واستقلاله بنفسه والسّلامة للعقب أن يصيبه ما أصابه لما وعد الله ـ تعالى ـ فيه من العقوبة ، مع ما في ذلك من طلب اليتيم بثأره إذا أدرك ووقوع الشّحناء والعداوة والبغضاء حتى يتفانوا.

وفي كتاب ثواب الاعمال (٤) : أبي ـ رحمه الله ـ قال : حدّثني سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن أخيه الحسن ، عن زرعة بن محمّد الحضرميّ ، عن سماعة بن مهران قال : سمعته يقول : إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ أوعد في أكل مال اليتيم عقوبتين أمّا أحدهما فعقوبة الآخرة بالنّار ، وأمّا عقوبة الدّنيا فهو قوله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً)

__________________

(١) عيون أخبار الرضا ـ عليه السلام ـ ٢ / ٩٢.

(٢) هكذا في المصدر. وفي الأصل ور : كقول.

(٣) هكذا في المصدر. وفي الأصل ور : استغناء.

(٤) ثواب الأعمال / ٢٧٨ ، ح ٢.

٣٣٧

، يعني بذلك : ليخش إن أخلفه في ذرّيّته كما صنع هو بهؤلاء اليتامى.

حدّثني محمّد بن الحسن (١) قال حدّثني محمّد بن الحسن الصّفّار ، عن أحمد بن محمّد ابن عيسى ، عن عبد الرّحمن بن أبي نجران ، عن عاصم بن حكيم (٢) ، عن المعلّى بن خنيس ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : دخلنا عليه فابتدأ فقال : من أكل مال اليتيم سلّط الله عليه من يظلمه أو على عقبه أو على عقب عقبه (٣) ، فإنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول في كتابه : (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا) (الآية).

وفي أصول الكافي (٤) : عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن ابن أبي نجران ، عن حمّاد بن حكيم (٥) ، عن عبد الأعلى مولى آل سام قال : قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ مبتدئا : من ظلم يتيما (٦) سلّط الله عليه من يظلمه أو على عقبه أو على عقب عقبه.

قال (٧) : قلت : هو يظلم فيسلّط الله على عقبه أو على عقب عقبه؟

فقال : إنّ (٨) الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول : (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً)].(٩)

(إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً) : ظالمين ، أو على وجه الظّلم ، أو بالظّلم.

وفي الكافي (١٠) : عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر قال : سألت أبا الحسن ـ عليه السّلام ـ عن الرّجل يكون في يده مال لأيتام ، فيحتاج إليه ، فيمد يده فيأخذ وينوي أن يردّه.

__________________

(١) نفس المصدر والموضع.

(٢) المصدر : «عامر بن حكيم» ولعلّ الصواب «عاصم بن الحكم». ر. تنقيح المقال ٢ / ١١٤ ، رقم ٦٠٢٢.

(٣) «أو على عقب عقبه» ليس في المصدر.

(٤) الكافي ٢ / ٣٣٢ ، ح ١٣.

(٥) المصدر : «عمّار بن حكيم». والظاهر هي خطأ. ر. تنقيح المقال ١ / ٣٦٣ ، رقم ٣٢٨٤.

(٦) ليس في المصدر.

(٧) «أو على عقب عقبه قال» ليس في المصدر.

(٨) هكذا في المصدر. وفي النسخ : «فانّ» بدل «فقال إنّ».

(٩) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(١٠) نفس المصدر ٥ / ١٢٨ ، ح ٣.

٣٣٨

فقال : لا ينبغي له أن يأكل إلّا القصد لا يسرف ، فإن كان من نيّته أن لا يردّه عليهم فهو بالمنزل الّذي قال الله ـ عزّ وجلّ ـ : (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً).

محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين (١) ، عن ذبيان بن حكيم الأوديّ (٢) ، عن عليّ ابن المغيرة قال : قلت لأبي عبد الله ـ عليه السّلام (٣) ـ : إنّ لي ابنة أخ يتيمة ، فربّما أهدي لها الشيء فآكل منه ثمّ أطعمها بعد ذلك الشيء من مالي ، فأقول : يا ربّ ، هذا بذا.

فقال : لا بأس].(٤)

(إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ) : ملء بطونهم.

(ناراً) : بما يجرّ إلى النّار ، ويؤول إليها.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٥) : حدّثني أبي ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : لمّا أسري بي إلى السّماء رأيت قوما تقذف في أجوافهم النّار وتخرج من أدبارهم ، فقلت : من هؤلاء يا جبرئيل؟

فقال : هؤلاء الّذين يأكلون أموال اليتامى ظلما.

وفي أصول الكافي (٦) : عليّ بن محمّد عن بعض أصحابنا ، عن آدم بن إسحاق ، عن

__________________

(١) نفس المصدر ٥ / ١٢٩ ، ح ٥.

(٢) هذا الضبط ، يعني : «ذبيان بن حكيم الأوديّ» يحلّ مشكل صاحب التنقيح في ترجمة هذا الراوي إذ يقول : «ذبيان بن حكيم أبو عمرو الأزديّ قد مرّ ضبط ذبيان في أحمد بن يحيى بن حكيم الأوديّ ، كما مرّ ضبط الأزديّ في ترجمة إبراهيم بن إسحاق. والموجود في رجال الشيخ والإيضاح «الأزديّ» (بالزاي) ولم يتعرّض له في الخلاصة هنا. وإنّما ذكر في ترجمة أحمد بن يحيى بن حكيم الأوديّ أنّه ابن أخي ذبيان ولازم كون أحمد أوديا كون ذبيان أيضا كذلك ولا يمكن توجيه هذا الاختلاف بإمكان اتّحاد الأزديّ والأوديّ برجوع كلّ من القبيلتين إلى الأخرى. لأنّ ... (إلى آخر كلامه ـ ره ـ ر. تنقيح المقال ١ / ٤١٩ رقم ٣٩٠٥)

(٣) هكذا في المصدر. وفي النسخ : «لابي الحسن ـ عليه السّلام» والظاهر هي خطأ. لأنّ عليّ بن المغيره عدّ في كتب الرجال من أصحاب الصادق ـ عليه السّلام ـ. ر. تنقيح المقال ٧ / ٣١٠+ جامع الرواة ١ / ٦٠٣. وفيه ذكر هذا الاسناد في ترجمة هذا الراويّ.

(٤) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٥) تفسير القمي ١ / ١٣٢.

(٦) الكافي ٢ / ٣١ ـ ٣٢ ، ضمن حديث ١.

٣٣٩

عبد الرّزّاق بن مهران ، عن الحسين بن ميمون ، عن محمّد بن سالم ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ حديث طويل ، يقول فيه ـ عليه السّلام ـ : إن آكل مال اليتيم يجيء يوم القيامة والنّار تلتهب في بطنه حتّى يخرج لهب النّار من فيه [حتّى] (١) يعرفه [كلّ] (٢) أهل الجمع ، أنّه آكل مال اليتيم.

[وفي مجمع البيان (٣) : سئل الرّضا ـ عليه السّلام ـ كم أدنى ما يدخل به آكل مال اليتيم تحت الوعيد في هذه الآية؟

فقال : قليله وكثيره واحد ، إذا كان من نيّته أن لا يردّه إليهم].(٤)

وروي عن الباقر ـ عليه السّلام (٥) ـ أنّه قال : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : سيبعث (٦) ناس من قبورهم يوم القيامة تأجّج أفواههم نارا.

فقيل له : يا رسول الله ، من هؤلاء؟

فقرأ هذه الآية.

وفي تفسير العيّاشيّ (٧) : [عن أبي عبد الله أو أبي الحسن ـ عليهما السّلام ـ قال : سألته عن رجل أكل مال اليتيم ، هل له توبة؟

قال : يردّ به إلى أهله ، قال : ذلك بأنّ الله يقول : (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى) الآية.

عن عبيد بن زرارة (٨) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : سألته عن الكبائر.

فقال : منها ، أكل مال اليتيم ظلما. وليس في هذا بين أصحابنا اختلاف ، والحمد لله.

عن أبي بصير (٩) قال : قلت لأبي جعفر ـ عليه السّلام ـ : أصلحك الله ، ما أيسر

__________________

(١ و ٢) من المصدر.

(٣) مجمع البيان ٢ / ١٣.

(٤) ليس في أ. وورد فيه ، تاليا ، قبل تفسير «وسيصلون سعيرا».

(٥) نفس المصدر والموضع.

(٦) المصدر : يبعث.

(٧) تفسير العياشي ١ / ٢٢٤ ، ح ٤١.

(٨) هكذا في المصدر. وفي النسخ : «عمر عن زرارة». والظاهر هي خطأ. ر. رجال النجاشي / ٢٣٣ ، رقم ٦١٨+ تنقيح المقال ٢ / ٢٣٥ ، رقم ٧٥٨٢.

(٩) نفس المصدر ١ / ٢٢٥ ، ح ٤٦.

٣٤٠