تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٣

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي


المحقق: حسين درگاهى
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٠٣

وفي رواية ابن أبي يعفور ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال صابروا (١) على المصائب] (٢).

وفي مجمع البيان (٣) : (اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا) اختلفوا في معناه إلى قوله ـ : وقيل إنّ معنى رابطوا ، أي ، رابطوا الصّلوات (٤) ، ومعناه ، انتظروها واحدة بعد واحدة لأنّ المرابطة لم تكن حينئذ : روي ذلك عن عليّ ـ عليه السّلام ـ.

[وروي عن أبي جعفر ـ عليه السّلام (٥) ـ أنّه قال : معناه ، اصبروا على المصائب ، وصابروا على عدوّكم ، ورابطوا على عدوّكم].(٦)

[وعن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله (٧) ـ : من الرّباط انتظار الصّلاة بعد الصّلاة].(٨)

[وفي كتاب معاني الأخبار (٩) : حدّثنا أبي ـ رحمه الله ـ قال : حدّثنا سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن أبيه ـ عليه السّلام ـ قال : جاء جبرائيل ـ عليه السّلام ـ إلى النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ فقال له النّبيّ : يا جبرائيل ، ما تفسير الصّبر؟

قال : ويصبر (١٠) في الضّرّاء كما يصبر (١١) في السّرّاء ، وفي الفاقة كما يصبر (١٢) في الغناء ، وفي البلاء كما يصبر (١٣) في العافية ، فلا يشكو (١٤) خالقه عند مخلوق بما يصيبه من البلاء.

والحديث طويل ، أخذت منه موضع الحاجة].(١٥) (وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (٢٠٠) :

قيل (١٦) : واتّقوه بالتّبرّؤ عمّا سواه لكي تفلحوا غاية الفلاح.

__________________

(١) هكذا في المصدر. وفي النسخ : اصبروا.

(٢) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٣) مجمع البيان ١ / ٥٦٢.

(٤) هكذا في المصدر. وفي النسخ : الصلاة.

(٥) نفس المصدر والموضع.

(٦) ما بين المعقوفتين ليس في أور.

(٧) نفس المصدر والموضع.

(٨) ما بين المعقوفتين ليس في الأصل.

(٩) معاني الأخبار / ٢٦١ ، ضمن حديث.

١٠ و ١١ و ١٢ و ١٣ ـ هكذا في المصدر. وفي النسختين الأصل ور : «يصبروا». والصواب. أن تكونوا بصيغة المفرد كما في المصدر. لأنّ الضمير في «خالقه» يعود على مفرد.

(١٤) هكذا في المصدر. وفي النسختين الأصل ور : فلا يشكوا.

(١٥) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(١٦) أنوار التنزيل ١ / ٢٠١.

٣٠١

وفي تفسير العيّاشيّ (١) : عن الصادق ـ عليه السّلام ـ : يعني ، فيما أمركم به وافترض عليكم.

وفي أصول الكافي (٢) : بعض أصحابنا ـ رفعه ـ عن محمّد بن سنان ، عن داود بن كثير الرّقيّ ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ حديث طويل ، يقول فيه ـ عليه السّلام ـ : إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ لمّا خلق نبيّه ووصيّه وابنته وابنيه وجميع الأئمّة ـ عليهم السّلام ـ وخلق شيعتهم ، أخذ عليهم الميثاق أن يصبروا ويصابروا ويرابطوا وأن يتّقوا الله.

وفي تفسير العيّاشيّ (٣) : عن مسعدة بن صدقة ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ تبارك وتعالى ـ : (اصْبِرُوا) يقول : عن المعاصي (وَصابِرُوا) على الفرائض (وَاتَّقُوا اللهَ) يقول : اؤمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر ، ثمّ قال : وأيّ منكر أنكر من ظلم الأمّة لنا وقتلهم إيّانا؟ (وَرابِطُوا) يقول : في سبيل الله ، ونحن السّبيل فيما بين الله وخلقه ، ونحن الرّباط الأدنى ، فمن جاهد عنّا فقد جاهد عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ وما جاء به من عند الله (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) يقول : لعلّ الجنّة توجب لكم إن فعلتم ذلك ، ونظيرها في قول الله ـ تعالى ـ : (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صالِحاً وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) ولو كانت هذه الآية في المؤذنين كما فسّرها المفسّرون ، لفاز القدريّة وأهل البدع معهم.

عن يعقوب السّرّاج (٤) قال : قلت : لأبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ : تبقى الأرض يوما بغير عالم منكم يفزع النّاس إليه؟

قال : فقال لي : إذا لا يعبد الله يا أبا يوسف ، لا تخلوا الأرض من عالم منّا ظاهر يفزع النّاس إليه في حلالهم وحرامهم ، وإنّ ذلك لمبيّن في كتاب الله ، قال الله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا)] (٥) اصبروا على دينكم ، وصابروا عدوّكم ممّن يخالفكم ، ورابطوا إمامكم (وَاتَّقُوا اللهَ) فيما أمركم به وافترض عليكم.

[وفي رواية أخرى (٦) عنه : اصبروا على الأذى فينا.

__________________

(١) تفسير العياشي ١ / ٢١٣ ، ذيل حديث ١٨١. وسيأتي الحديث بتمامه قريبا.

(٢) الكافي ١ / ٤٥١ ، ح ٣٩.

(٣) تفسير العياشي ١ / ٢١٢ ، ح ١٧٩.

(٤) نفس المصدر والموضع ، ح ١٨١.

(٥) ليس في المصدر.

(٦) نفس المصدر ١ / ٢١٣ ، ح ١٨٢.

٣٠٢

قلت : وصابروا؟

قال : على عدوّكم مع وليّكم «ورابطوا» قال : المقام مع إمامكم (وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).

قلت : تنزيل؟

قال : نعم.

وفيه (١) : بإسناده إلى ابن أبي حمزة (٢) ، عن أبي بصير قال : سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا).

فقال : اصبروا على المصائب ، وصابروهم على التّقيّة (٣) ، ورابطوا على من تعتدّون به (٤) ، (وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)].(٥)

وفي شرح الآيات الباهرة (٦) : روى الشّيخ المفيد ـ رحمه الله ـ في كتاب الغيبة ، عن رجاله ـ بإسناده ـ عن بريد بن معاوية العجليّ ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في ـ قوله ـ تعالى ـ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا) قال : اصبروا على أداء الفرائض ، وصابروا عدوّكم ، ورابطوا إمامكم المنتظر.

[وفي تفسير فرات بن إبراهيم (٧) الكوفيّ : قال : حدّثنا الحسين بن الحكم معنعنا ، عن ابن عبّاس ـ رضي الله عنه ـ في يوم أحد [في قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا]) (٨) (اصْبِرُوا) في أنفسكم (وَصابِرُوا) عدوّكم (وَرابِطُوا) في سبيل الله (وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [قال :] (٩) نزلت في رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وعليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام ـ وحمزة بن عبد المطّلب ـ رضي الله عنه ـ] (١٠) وقد سبق ثواب قراءة هذه السّورة.

وفي عيون الأخبار : عن الرّضا ـ عليه السّلام (١١) ـ قال : إذا أراد أحدكم الحاجة

__________________

(١) بل في معاني الأخبار / ٣٦٩ ، ح ١ ، كما مرّ قبل قليل.

(٢) المصدر : أبي حمزة.

(٣) هكذا في المصدر. وفي النسخ : القضية.

(٤) المصدر : تقتدون به.

(٥) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٦) تأويل الآيات الباهرة ، مخطوط / ٣٨.

(٧) تفسير فرات / ٤٢٠ ، ذيل حديث.

(٨) ليس في المصدر.

(٩) من المصدر.

(١٠) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(١١) عيون أخبار الرضا ـ عليه السّلام ـ ٢ / ٤٠ ، ح ١٢٥.

٣٠٣

فليبكّر في طلبها في يوم الخميس ، وليقرأ إذا خرج من منزله ، آخر سورة ، وآية الكرسيّ ، وانّا أنزلناه في ليلة القدر ، وأمّ الكتاب ، فإنّ فيها قضاء حوائج الدّنيا والآخرة.

٣٠٤

سورة النّساء

٣٠٥
٣٠٦

سورة النّساء

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

في كتاب ثواب الأعمال (١) : بإسناده عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ قال : من قرأ سورة النّساء في كلّ جمعة ، أمن من ضغطة القبر.

وفي مصباح الكفعميّ (٢) : عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ : من قرأها فكأنّما تصدّق على كلّ من ورث ميراثا ، وأعطي من الأجر كمن اشترى محرّرا ، وبرئ (٣) من الشّرك ، وكان (٤) في مشيئة الله من الذين يتجاوز عنهم.

(يا أَيُّهَا النَّاسُ) : خطاب يعمّ بني آدم.

(اتَّقُوا رَبَّكُمُ) :

في كتاب المناقب (٥) ـ لابن شهر آشوب ـ : أبو حمزة ، عن جعفر ـ عليه السّلام ـ في هذه (٦) الآية قال : قرابة الرّسول وسيّدهم أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ أمروا بمودّتهم ، فخالفوا ما أمروا به.

(الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ) : هي آدم ـ عليه السّلام ـ.

(وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها) : عطف على خلقكم ، أي : خلقكم من شخص واحد وخلق منها أمّكم حوّاء من فضل طينتها. أو على محذوف ، تقديره : من نفس واحدة خلقها وخلق منها زوجها.

في كتاب علل الشّرائع (٧) : بإسناده إلى زرارة ـ حديث طويل ـ قال : ثمّ سئل

__________________

(١) ثواب الأعمال / ١٣٣.

(٢) مصباح الكفعمي / ٤٣٩.

(٣) المصدر : تبرى.

(٤) المصدر : فكان.

(٥) مناقب آل أبي طالب ٣ / ٣١٤.

(٦) ذكر في المصدر نص الآية بدل «هذه». ـ

(٧) علل الشرائع / ١٧ ـ ١٨ ، ح ١ ، وللحديث صدر.

٣٠٧

ـ عليه السّلام ـ عن خلق حوّاء وقيل له : إنّ أناسا عندنا يقولون : إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ خلق حوّاء من ضلع آدم الأيسر الأقصى.

قال : سبحان الله وتعالى عن ذلك علوّا كبيرا ، يقول (١) من يقول هذا ، إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ لم يكن له من القدرة ما يخلق لآدم زوجته (٢) من غير ضلعه ، وجعل للمتكلّم من أهل التّشنيع سبيلا إلى الكلام ، يقول : إنّ آدم كان ينكح بعضه بعضا ، إذا كانت من ضلعه ما لهؤلاء حكم الله بيننا وبينهم.

ثمّ قال : إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ لمّا خلق آدم من طين ، أمر الملائكة فسجدوا له (٣) ، وألقى عليه السّبات (٤) ، ثمّ ابتدع له حوّاء. فجعلها (٥) في موضع النّقرة الّتي بين وركيه ، وذلك لكي تكون المرأة تبعا للرّجل ، فأقبلت تتحرّك فانتبه لتحرّكها ، فلمّا انتبه نوديت : أن تنحّي عنه. فلمّا نظر إليها ، نظر إلى خلق حسن يشبه (٦) صورته غير أنّه (٧) أنثى ، فكلّمها فكلّمته بلغته.

فقال لها : من أنت؟

فقالت : خلق ، خلقني الله كما ترى.

فقال آدم عند ذلك : يا ربّ ، من هذا الخلق الحسن ، الّذي قد آنسني قربه والنّظر إليه؟

فقال الله : يا آدم ، هذه أمتي حوّاء ، أفتحبّ (٨) أن تكون معك فتؤنسك وتحدّثك وتأتمر لأمرك؟

فقال : نعم يا ربّ ، ولك عليّ بذلك الشّكر والحمد ما بقيت.

فقال الله ـ تبارك وتعالى ـ : فاخطبها إليّ ، فإنّها أمتي ، وقد تصلح لك (٩) ـ أيضا ـ زوجة (١٠) للشهوة ، وألقى الله عليه الشّهوة ، وقد علّمه قبل ذلك المعرفة بكلّ شي (١١).

__________________

(١) المصدر : أيقول.

(٢) النسخ : «زوجة». وما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

(٣) ليس في المصدر.

(٤) هكذا في المصدر. وفي النسخ : الشبات.

(٥) المصدر : «ثم ابتدع له خلقا ثم جعلها» بدل «ثم ابتدع له حواء فجعلها».

(٦) المصدر : تشبه.

(٧) هكذا في ر. وفي المصدر وسائر النسخ : أنّها.

(٨) هكذا في المصدر. وفي النسخ : فتحبّ.

(٩ و ١٠) ليس في المصدر. ـ

(١١) «بكل شيء» ليس في المصدر.

٣٠٨

فقال : يا ربّ ، فإنّي أخطبها إليك ، فما رضاك لذلك؟

فقال : رضائي ، أن تعلّمها معالم ديني.

فقال : ذلك لك يا ربّ إن شئت (١) ذلك لي.

فقال : قد شئت ذلك ، وقد زوّجتكها ، فضمّها إليك.

فقال لها آدم ـ عليه السّلام ـ : إليّ فأقبلي (٢).

فقالت : بل أنت فأقبل إليّ. فأمر الله ـ عزّ وجلّ ـ آدم أن يقوم إليها ، فقام ، ولو لا ذلك لكان (٣) النّساء [هنّ] (٤) يذهبن [إلى الرّجال] (٥) حتّى يخطبن (٦) على أنفسهن. فهذه قصّة حوّاء ـ صلوات الله عليها ـ.

وفي تفسير العيّاشيّ (٧) : عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ قال : خلقت حوّاء من قصيرى جنب آدم. والقصيرى هو الضّلع الأصغر ، وأبدل الله مكانه لحما.

وقيل في الجمع بين الخبرين (٨) : كونها مخلوقة من ضلعه الأيسر ، إشارة إلى أنّ الجهة الجسمانيّة [الحيوانيّة] (٩) في النّساء أقوى منها في الرّجال ، والجهة الرّوحانيّة الملكيّة بالعكس من ذلك. وذلك لأن اليمين ممّا يكنّى به عن عالم الملكوت الرّوحانيّ ، والشّمال ممّا يكنّى به عن عالم الملك الجسمانيّ ، فالطّين عبارة عن مادّة الجسم ، واليمين عبارة عن مادّة الرّوح ، ولا ملك إلّا بملكوت. وهذا هو المعنى بقوله ـ عليه السّلام ـ : وكلتا يديه يمين.

فالضّلع الأيسر المنقوص من آدم ، كناية عن نقص الشّهوات ، الّتي تنشّأ من غلبة الجسميّة ، الّتي هي من عالم الخلق ، وهي فضلة (١٠) طينته المستنبطة من باطنه الّتي صارت مادّة لخلق حوّاء. فنبّه في الحديث ، على أنّ جهة الملكوت والأمر في الرّجال أقوى من جهة الملك والخلق ، وبالعكس منهما في النّساء فإنّ الظّاهر عنوان الباطن. وهذا هو السّرّ في هذا النقص في أبدان الرّجال بالإضافة إلى النّساء ، وأسرار الله لا ينالها إلّا أهل السّرّ ،

__________________

(١) هكذا في المصدر. وفي النسخ : عليّ إن شئت.

(٢) المصدر : «أقبلي» بدل «لها آدم ـ عليه السّلام ـ إليّ فأقبلي».

(٣) هكذا في المصدر. وفي النسخ : لكنّ.

(٤ و ٥) من المصدر.

(٦) المصدر : خطبن.

(٧) تفسير العياشي ١ / ٢١٥ ، ح ٢.

(٨) تفسير الصافي ١ / ٣٨٣ ـ ٣٨٤.

(٩) من المصدر.

(١٠) هكذا في المصدر. وفي النسخ : هو فضل.

٣٠٩

فالتّكذيب في كلام المعصومين ـ صلوات الله عليهم ـ إنّما يرجع إلى ما فهمه العامّة من حمله على الظّاهر ، دون أصل الحديث.

(وَبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً وَنِساءً) : بيان لكيفيّة تولّدهم منهما ، والمعنى : ونشر من تلك النّفس والرّوح المخلوق منهما ، بنين وبنات كثيرة. واكتفى بوصف (١) الرّجال بالكثرة عن وصف النّساء بها ، لكونهم أصلا بالنّسبة إليهنّ ، وتوصيفهم يدلّ على توصيفهنّ.

وذكر «كثيرا» حملا على الجمع ، وترتيب الأمر بالتّقوى على هذه القصّة ، لما فيها من الدّلالة على القدرة القاهرة الّتي من حقّها أن تخشى ، والنّعمة الباهرة الّتي توجب طاعة مولاها. أو لأنّ المراد به ، تمهيد الأمر بالتّقوى فيما يتّصل بحقوق أهل منزله وبني جنسه ، على ما دلّت عليه الآيات الّتي بعدها.

وقرئ : «وخالق وباثّ» على حذف مبتدأ ، تقديره : وهو خالق وباثّ (٢).

وفي كتاب العلل (٣) : عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ أنّه سئل عن بدء النّسل من ذرّيّة آدم ـ عليه السّلام ـ ، وقيل له : إنّ عندنا أناسا يقولون : إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ أوحى إلى آدم أن يزوّج بناته من بنيه ، وإنّ هذا الخلق أصله كلّه من الإخوة والأخوات.

فقال ـ عليه السّلام ـ سبحان الله ، وتعالى عن ذلك علوّا كبيرا ، يقول من يقول هذا ، إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ جعل أصل صفوة خلقه وأحبّائه وأنبيائه ورسله [وحججه] (٤) والمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات من حرام ، ولم يكن له من القدرة ما يخلقهم من الحلال ، وقد أخذ ميثاقهم على الحلال والطّهر الطّاهر الطّيّب ، والله لقد نبّئت (٥) : أنّ بعض البهائم تنكّرت له أخته ، فلما نزا عليها ونزل كشف له عنها ، وعلم أنّها أخته ، أخرج غرموله ، ثمّ قبض عليه بأسنانه ، ثمّ قلعه ، ثمّ خرّ ميّتا.

وأمّا ما رواه فيه (٦) : بإسناده إلى الحسن بن مقاتل ، عمّن سمع زرارة يقول : سئل

__________________

(١) ر : بذكر.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٢٠٢.

(٣) علل الشرائع / ١٧ ، ح ١. وللحديث تتمة قد سبق قبل قليل. وفيه : «سئل أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ كيف بدؤ النسل من ذريّة آدم ـ عليه السّلام ـ وقيل له فإنّ عندنا أناسا» بدل «عن الصادق ـ عليه السّلام ـ (ألى قوله) إنّ عندنا أناسا».

(٤) من المصدر.

(٥) المصدر : نبأت.

(٦) نفس المصدر / ١٨ ، ح ٢.

٣١٠

أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن بدء النّسل من آدم كيف كان؟ وعن بدء النّسل من ذرّيّة آدم ، وذكر الحديث ، وفيه زيادة وهي قوله : وآخر تنكرت له أمّه ففعل هذا بعينه ، فكيف الإنسان وفي نسبه (١) وفضله [وعلمه؟] (٢) غير أنّ جيلا من هذا الخلق الّذي ترون ، رغبوا عن علم أهل بيوتات أنبيائهم وأخذوا من حيث لم يؤمروا بأخذه ، فصاروا إلى ما قد ترون من الضّلال والجهل بالعلم كيف كانت الأشياء الماضية من بدء أن خلق الله ما خلق ، وما هو كائن أبدا.

ثمّ قال : ويح هؤلاء ، أين هم عمّالا يختلف فيه فقهاء أهل الحجاز ولا فقهاء أهل العراق؟ إنّ (٣) الله أمر القلم ، فجرى على اللّوح المحفوظ بما هو كائن إلى يوم القيامة قبل [خلق] (٤) آدم بألفي عام ، وإنّ كتب الله كلّها فيما جرى [فيه] (٥) القلم في كلّها تحريم الأخوات على الإخوة مع ما حرّم ، وهذا نحن قد نرى منها هذه الكتب الأربعة المشهورة في هذا العالم : التّوراة والإنجيل والزّبور والفرقان ، أنزلها الله عن اللّوح المحفوظ على رسله ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ منها التّوراة على موسى ، والزّبور على داود ، والإنجيل على عيسى ، والفرقان (٦) على محمّد ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ وعلى النّبيّين ـ عليهم السّلام ـ ليس فيها تحليل شيء من ذلك ، حقّا أقول ، ما أراد من يقول هذا وشبهه إلّا تقوية حجج المجوس ، فما لهم قاتلهم الله.

[ثم أنشا يحدثّنا كيف كان بدء النّسل من آدم ، وكيف كان بدء النّسل من ذريته ،] (٧) فقال (٨) : إنّ آدم ـ صلوات الله عليه ـ ولد له سبعون بطنا ، في كلّ بطن غلام وجارية إلى أن قتل هابيل ، فلمّا قتل [قابيل] (٩) هابيل جزع آدم على هابيل جزعا قطعه عن إتيان النّساء ، فبقي لا يستطيع أن يغشى حوّاء خمسمائة عام ، ثمّ تجلّى (١٠) ما به من الجزع

__________________

(١) كذا في النسخ. وفي المصدر : «أنسيّته». ولعلّ الأصح : «إنسانيّته».

(٢) من المصدر.

(٣) هكذا في المصدر. وفي النسخ : فانّ.

(٤ و ٥) من المصدر.

(٦) المصدر : القرآن.

(٧) من المصدر.

(٨) هكذا في المصدر. وفي النسخ : قال.

(٩) من المصدر.

(١٠) المصدر : تخلّى.

٣١١

عليه ، فغشى حوّاء ، فوهب الله شيئا (١) وحده ليس معه ثان ، واسم شيث هبة الله ، وهو أوّل وصيّ (٢) أوصي إليه من الآدميّين في الأرض ، ثمّ ولد له من بعد شيث يافث ليس معه ثان.

فلمّا أدركا ، وأراد الله ـ عزّ وجلّ ـ أن يبلغ بالنّسل ما ترون ، وأن يكون ما قد جرى به القلم من تحريم ما حرّم الله ـ عزّ وجلّ ـ من الأخوات على الإخوة أنزل بعد العصر في يوم الخميس حوراء من الجنّة ، اسمها نزلة ، فأمر الله ـ عزّ وجلّ ـ آدم أن يزوّجها من شيث فزّوجها منه ، ثمّ أنزل بعد العصر من الغد حوراء من الجنة ، اسمها منزلة ، فأمر الله ـ عزّ وجلّ ـ آدم أن يزوّجها من يافث فزوّجها منه.

فولد لشيث غلام ، وولد ليافث جارية ، فأمر الله ـ عزّ وجلّ ـ آدم حين أدركا أن يزوّج بنت يافث من ابن شيث ، ففعل ، فولد الصّفوة من النّبيّين والمرسلين من نسلهما ، ومعاذ الله أن يكون ذلك على ما قالوا من أمر الإخوة والأخوات.

[وفيه (٣) : بإسناده الى القاسم بن عروة ، عن بريد بن معاوية العجليّ ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ أنزل حوراء من الجنّة إلى آدم ـ عليه السّلام ـ فزوّجها أحد ابنيه وتزوّج الآخر إلى الجنّ ، فولدتا جميعا ، فما كان من النّاس من جمال وحسن خلق فهو من الحوراء ، وما كان فيهم من سوء الخلق فمن بنت الجانّ. وأنكر أن يكون زوّج بنيه ، من بناته.

وفيه (٤) : بإسناده إلى عبد الله بن يزيد بن سلام أنّه سأل رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : أخبرني عن آدم خلق من حوّاء ، أم خلقت حوّاء من آدم؟

قال : بل حوّاء خلقت من آدم ، ولو كان آدم خلق من حوّاء لكان الطّلاق بيد النّساء ولم يكن بيد الرّجال.

قال : فمن كلّه خلقت ، أو من بعضه؟

قال : بل من بعضه ، ولو خلقت من كلّه لجاز القصاص في النّساء كما يجوز في الرّجال.

قال : فمن ظاهره ، أو من باطنه؟

قال : بل من باطنه ، ولو خلقت من ظاهره لانكشف (٥) النّساء كما ينكشف

__________________

(١) المصدر : شيئا.

(٢) المصدر : من.

(٣) نفس المصدر / ١٠٣ ، باب ٩٢ ، ح ١.

(٤) نفس المصدر / ٤٧١ ، ضمن حديث ٣٣.

(٥) المصدر : لانكشفن.

٣١٢

الرّجال ، فلذلك صار النّساء مستترات.

قال : فمن يمينه ، أو من شماله؟

قال : بل من شماله ، ولو خلقت من يمينه لكان للأنثى مثل حظّ الذّكر من الميراث ، فلذلك صار للأنثى سهم وللذّكر سهمان ، وشهادة امرأتين مثل شهادة رجل واحد.

قال : فمن أين خلقت؟

قال : من الطّينة الّتي فضلت من ضلعه الأيسر.

قال : صدقت يا محمّد.

والحديث طويل ، أخذت منه موضع الحاجة.

وبإسناده إلى الحسن بن محمّد (١) ، عن آبائه ، عن جدّه الحسن بن عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام ـ عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ حديث طويل ، يقول فيه ـ عليه السّلام ـ : خلق الله ـ عزّ وجلّ ـ آدم من طين ، ومن فضلته وبقيّته خلقت حوّاء.

وفي كتاب الاحتجاج (٢) للطبّرسيّ ـ رحمه الله ـ : عن أبي حمزة الثّماليّ قال : سمعت عليّ بن الحسين ـ عليه السّلام ـ يحدّث رجلا من قريش قال : لمّا تاب الله على آدم واقع حوّاء ، ولم يكن غشيها منذ خلق وخلقت إلّا في الأرض ، وذلك بعد ما تاب الله عليه.

قال : وكان آدم يعظّم البيت وما حوله من حرمة البيت ، فكان إذا (٣) أراد أن يغشي حوّاء خرج من الحرم وأخرجها معه ، فإذا جاز الحرم غشيها في الحلّ ، ثمّ يغتسلان إعظاما منه للحرم ، ثمّ يرجع إلى فناء البيت.

[قال :] (٤) فولد لآدم من حوّاء عشرون [ذكرا] (٥) وعشرون أنثى [، فولد له في كلّ بطن ذكر وأنثى. فأوّل بطن] (٦) ولدت حوّاء هابيل ومعه جارية [يقال لها :] (٧) إقليما.

__________________

(١) نفس المصدر / ٥١٢ ، ضمن حديث ١. وفيه : الحسن بن عبد الله.

(٢) الاحتجاج ٢ / ٤٣ ـ ٤٤.

(٣) هكذا في المصدر. وفي الأصل ور : «كان» بدل «فكان إذا».

(٤ و ٥) من المصدر.

(٦) من المصدر. وفي الأصل ور «وقال ولد» بدل منه.

(٧) من المصدر.

٣١٣

قال : وولدت في البطن الثّاني قابيل ومعه جارية يقال لها : لوزا ، وكانت لوزا أجمل بنات آدم.

[قال :] (١) فلمّا أدركوا خاف عليهم آدم من الفتنة ، فدعاهم إليه فقال : [أريد] (٢) أن أنكحك يا هابيل لوزا ، وأنكحك يا قابيل إقليما.

قال قابيل : ما أرضى بهذا ، أتنكحني أخت هابيل القبيحة وتنكح هابيل أختي الجميلة؟

قال : فأنا (٣) أقرع بينكما ، فإن خرج سهمك يا قابيل على لوزا وخرج سهمك يا هابيل على إقليما ، زوّجت كلّ واحد منكما الّتي يخرج (٤) سهمه عليها.

قال : فرضينا بذلك ، فاقترعا.

قال : فخرج سهم هابيل على لوزا أخت قابيل ، وخرج سهم قابيل على إقليما أخت هابيل.

قال : فزوّجهما على ما خرج لهما من عند الله ، قال : ثمّ حرّم الله نكاح الأخوات بعد ذلك.

قال : فقال له القرشيّ : فأولداهما؟

قال : نعم.

فقال له القرشيّ : فهذا فعل المجوس اليوم.

قال : فقال عليّ بن الحسين ـ عليه السّلام ـ : إنّ المجوس إنّما فعلوا [ذلك] (٥) بعد التّحريم من الله ، ثمّ قال له عليّ بن الحسين ـ عليه السّلام ـ : لا تنكر هذا ، إنّما هي شرائع جرت ، أليس الله قد خلق زوجة آدم منه ثمّ أحلّها له؟ فكان ذلك شريعة من شرائعهم ، ثمّ أنزل الله التّحريم بعد ذلك.

وفي كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة (٦) ، بإسناده إلى محمّد بن المفضّل (٧) ، عن أبي حمزة الثّماليّ ، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر ـ عليهما السّلام ـ أنّه قال : فلمّا أكل [آدم] (٨) من الشّجرة أهبط (٩) إلى الأرض ، فولد له هابيل وأخته توأما (١٠) وولد له قابيل وأخته

__________________

(١ و ٢ و ٥ و ٨) من المصدر.

(٣) هكذا في المصدر. وفي الأصل ور : فإذا.

(٤) المصدر : خرج.

(٦) كمال الدين وتمام النعمة / ٢١٣ ، ح ٢.

(٧) المصدر : محمّد بن الفضيل.

(٩) هكذا في المصدر. وفي الأصل ور : هبط.

(١٠) هكذا في المصدر. وفي الأصل ور : توأم.

٣١٤

توأما (١) ، ثمّ أنّ آدم أمر هابيل وقابيل أن يقرّبا قربانا ـ وكان هابيل صاحب غنم وكان قابيل صاحب زرع ـ فقرّب هابيل كبشا وقربّ قابيل من زرعه (٢) ما لم ينقّ (٣) ، وكان كبش هابيل من أفضل (٤) غنمه وكان زرع قابيل غير منقّى ، فتقبّل قربان هابيل ولم يتقبّل قربان قابيل ، وهو قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ) (الآية)].(٥)

[في الكافي (٦) : عن محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسين بن سعيد ، عن صفوان بن يحيى ، عن خالد بن إسماعيل ، عن رجل من أصحابنا من أهل الجبل ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : ذكرت له المجوس ، وأنّهم يقولون : نكاح كنكاح ولد آدم ، وأنّهم يحاجّونا بذلك.

فقال : أمّا أنتم فلا يحاجّونكم به ، لمّا أدرك هبة الله قال آدم : «يا ربّ ، زوّج هبة الله.» فأهبط الله ـ عزّ وجلّ ـ له حوراء ، فولدت له أربعة غلمة ثمّ رفعها الله ـ عزّ وجلّ ـ فلمّا أدرك ولد هبة الله قال : يا ربّ ، زوّج ولد هبة الله. فأوحى الله ـ عزّ وجلّ ـ إليه أن يخطب إلى رجل من الجنّ ـ وكان مسلما ـ أربع بنات له على ولد هبة الله ، فزوّجهنّ ، فمّا كان من جمال وحلم فمن قبل الحوراء والنّبوّة ، وما كان من سفه أو حدّة فمن الجنّ.

من الدّلالة على أنّ آدم يزوّج بناته من بنيه في سبعين بطنا ، ثمّ حرّم ذلك] (٧).

وما رواه في مجمع البيان (٨) عن الباقر ـ عليه السّلام ـ : «أنّ حوّاء امرأة آدم كانت تلد في كلّ بطن غلاما [وجارية ،] (٩) فولدت في أوّل بطن قابيل ـ وقيل : قابين ـ وتوأمته إقليما بنت آدم ، والبطن الثّاني هابيل وتوأمته لبوذا (١٠) ، فلمّا أدركوا جميعا أمر الله ـ تعالى ـ آدم أن ينكح (١١) قابيل أخت هابيل وهابيل أخت قابيل ، فرضي هابيل ، وأبى قابيل لأنّ

__________________

(١) هكذا في المصدر. وفي الأصل ور : توأم.

(٢) هكذا في المصدر. وفي الأصل ور : «مزرعه» بدل «من زرعه».

(٣) هكذا في المصدر. وفي الأصل ور : لم يتق.

(٤) هكذا في المصدر. وفي الأصل ور : فضل.

(٥) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٦) الكافي ٥ / ٥٦٩ ، ح ٥٨.

(٧) ما بين المعقوفتين ليس في الأصل.

(٨) مجمع البيان ٢ / ١٨٣.

(٩) من المصدر.

(١٠) هكذا في المصدر. وفي النسخ : لوذا.

(١١) المصدر : أن ينكح آدم.

٣١٥

أخته كانت أحسنهما ، وقال : ما أمر الله بهذا ولكن هذا من رأيك ، فأمرهما آدم (١) أن يقرّبا قربانا ، فرضيا بذلك.

وسيأتي باقي الحديث.

وما في قرب الإسناد (٢) ، عن الرّضا ـ عليه السّلام ـ حملت حوّاء هابيل وأختا له في بطن ، ثمّ حمل في البطن الثّاني قابيل وأختا له في بطن ، فزوّج هابيل الّتي مع قابيل وتزوّج قابيل الّتي مع هابيل ، ثمّ حدث التّحريم بعد ذلك.

فمحمول على التّقيّة ، لأنّه موافق لمذهب العامّة.

والحقّ ما رواه في الفقيه (٣) ، عن (الباقر) ـ عليه السّلام ـ أنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ أنزل على آدم حوراء من الجنّة فزوّجها أحد ابنيه وتزوّج الآخر ابنة الجانّ ، فما كان في النّاس من جمال كثير (٤) وحسن خلق فهو من الحوراء ، وما كان فيهم من سوء خلق فهو من ابنة الجانّ.

[وما في الخبر الأوّل من هذه الأربعة :] (٥) أنّ الله أنزل الحوراء على هبة الله ، [لا ينافي ما في هذا الخبر ، لإمكان الإنزال أوّلا على أوّل أولاده ، ثمّ إنزالها ثانيا على هبة الله بسؤال آدم. ولا ينافيه ـ أيضا ـ] (٦)

ما رواه العيّاشيّ (٧) ، «عن أبي بكر الحضرميّ عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : إنّ آدم ولد له أربعة ذكور ، فأنزل (٨) الله إليهم أربعة من الحور العين ، فزوّج كلّ واحد منهم واحدة فتوالدوا ، ثمّ أنّ الله رفعهنّ وزوّج هؤلاء الأربعة أربعة من الجنّ ، فصار النّسل فيهم ، فما كان من حلم فمن آدم ، وما كان من جمال فمن قبل (٩) الحور العين ، وما كان من قبح أو سوء خلق فمن الجنّ» ، لاحتمال أن يكون المراد من ولد آدم ولد هبة الله ، لأنّ ولده أولاده.

[وفي الكافي (١٠) : محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن الحسين بن سعيد ، عن صفوان ابن يحيى ، عن خالد بن إسماعيل ، عن رجل من أصحابنا من أهل الجبل ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : ذكرت له المجوس ، وأنّهم يقولون : نكاح كنكاح ولد آدم ، وأنّهم يحاجّونا بذلك.

__________________

(١) هكذا في المصدر. وفي النسخ : الله.

(٢) قرب الاسناد / ١٦١.

(٣) من لا يحضره الفقيه ٣ / ٢٤٠ ، ح ١١٣٧.

(٤) المصدر : أو.

(٥ و ٦) ليس في الأصل.

(٧) تفسير العياشي ١ / ٢١٥ ، ح ٥.

(٨) المصدر : فأهبط.

(٩) المصدر : «من قبال» بدل «فمن قبل».

(١٠) الكافي ٥ / ٥٦٩ ، ح ٥٨.

٣١٦

فقال : أمّا أنتم فلا يحاجّونكم به ، لمّا أدرك هبة الله قال آدم : يا ربّ ، زوّج هبة الله. فأهبط الله ـ عزّ وجلّ ـ له حوراء فولدت له أربعة غلمة ، ثمّ رفعها الله ـ عزّ وجلّ ـ فلمّا أدرك ولد هبة الله قال : يا ربّ ، زوّج ولد هبة الله. فأوحى (١) الله إليه أن يخطب إلى رجل من الجنّ ـ وكان مسلما ـ أربع بنات على ولد هبة الله ، فزوجهّن ، فما كان من جمال وحلم فمن قبل الحوراء والنّبوّة ، وما كان من سفه أو حدّة (٢) فمن الجنّ].(٣)

[وقد سبق في الخبر : أنّ الله أنزل على أولاده أربعة من الحور العين على أربعة من أولاد آدم غير من أنزل له أوّلا ، فلا منافاة] (٤).

(وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ) ، أي : يسأل بعضكم بعضا به ، فيقول : أسألك بالله. وأصله «تتسائلون» فأدغمت التّاء في السّين.

وقرأ عاصم وحمزة والكسائيّ ، بطرحها (٥).

(وَالْأَرْحامَ) : بالنّصب ، عطفا على الله ، أي : اتّقوا الله والأرحام فصلوها ولا تقطعوها.

في مجمع البيان (٦) : و «الأرحام» ، معناه : واتّقوا الأرحام أن تقطعوها. وهو المرويّ عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ.

وقيل (٧) : عطف (٨) على محلّ الجارّ والمجرور ، كقولك : مررت بزيد وعمرو (٩). أي : تتسائلون بالله وبالأرحام ، كقولهم : أسألك بالله وبالرّحم أن تفعل كذا.

وقرئ ، بالجرّ ، عطفا على الضّمير المجرور ، وهو ضعيف ، لأنّه كبعض الكلمة (١٠).

وقرئ ، بالرّفع ، على أنّه مبتدأ محذوف الخبر ، أي : والأرحام كذلك ، أي : ممّا يتّقى. أو يتساءل به. وقد نبّه ـ سبحانه ـ إذ قرن الأرحام باسمه في الاتّقاء ، على أنّ صلتها بمكان منه (١١).

[(إِنَّ اللهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) (١) : حافظا مطّلعا.

__________________

(١) هكذا في المصدر. وفي الأصل : فأنزل.

(٢) هكذا في المصدر. وفي الأصل : خلف.

(٣) ما بين المعقوفتين يوجد في الأصل ، فقط.

(٤) ما بين المعقوفتين يوجد في ر ، فقط.

(٥) أنوار التنزيل ١ / ٢٠٢.

(٦) مجمع البيان ٢ / ٣.

(٧) أنوار التنزيل ١ / ٢٠٢.

(٨) هكذا في المصدر. وفي النسخ : أو.

(٩) المصدر : عمرا.

(١٠ و ١١) نفس المصدر والموضع.

٣١٧

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (١) : وفي رواية أبي الجارود : الرّقيب ، الحفيظ.

وفي تفسير فرات بن إبراهيم الكوفيّ (٢) : قال : حدّثنا الحسن بن الحكم معنعنا ، عن ابن عبّاس ـ رضي الله عنه ـ في قوله ـ تعالى ـ : (وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ) قال : نزلت في رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وذوي أرحامه ، وذلك أنّ كلّ سبب ونسب ينقطع يوم القيامة إلّا من كان من سببه ونسبه ، (إِنَّ اللهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) ، يعني : حفيظا.

وفيه (٣) : قال : حدّثنا جعفر بن محمّد الفزاريّ معنعنا ، عن جعفر بن محمّد قال : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : إنّ الله ـ تعالى ـ خلقني واهل بيتي من طينة (٤) لم يخلق الله منها أحدا غيرنا ومن ضوى إلينا ، فكنّا أول من ابتدأ من خلقه ، فلمّا خلقنا فتق بنورنا كلّ ظلمة (٥) وأحيا بنا كلّ طينة (٦) ثمّ قال الله ـ تعالى ـ هؤلاء خيار خلقي وحملة عرشي وخزّان علمي وسادة أهل السّماء وسادة أهل الأرض ، هؤلاء الهداة (٧) المهتدين والمهتدى بهم ، من جاءني بولايتهم أوجبت لهم (٨) جنّتي ووالجتهم (٩) كرامتي ، ومن جاءني بعداوتهم أوجبت لهم (١٠) ناري وبعثت عليهم عذابي.

ثمّ قال ـ عليه السّلام ـ : نحن أصل الإيمان بالله وملائكته ، وتمامه منّا ، والرّقيب على خلق الله ، وبه إسداد (١١) أعمال الصّالحين ، ونحن قسم الله الّذي يسأل به ، ونحن وصيّة الله في الأوّلين ووصيّته في الآخرين ، وذلك قول الله ـ جلّ جلاله ـ : (اتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ إِنَّ اللهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)].(١٢)

وفي تفسير العيّاشيّ (١٣) : عن الأصبغ بن نباتة قال : سمعت أمير المؤمنين

__________________

(١) تفسير القمي ١ / ١٣٠.

(٢) تفسير فرات / ٣٢.

(٣) نفس المصدر / ٣٥.

(٤) هكذا في المصدر. وفي الأصل ور : من طينة وأهل بيتي.

(٥) المصدر : اطعة.

(٦) المصدر : طينة طيّبة.

(٧) المصدر : هداة.

(٨) المصدر : أوجبتهم.

(٩) المصدر : أبحتهم.

(١٠) المصدر : أوجبتهم.

(١١) المصدر : سداد.

(١٢) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(١٣) تفسير العياشي ١ / ٢١٧ ، ح ٨. وللحديث تتمة.

٣١٨

ـ عليه السّلام ـ يقول : إنّ أحدكم ليغضب فما يرضى حتّى يدخل به النّار ، فأيّما رجل منكم غضب على ذي رحمه فليدن منه ، فإنّ الرّحم إذا مسّها (١) الرّحم استقرّت ، وإنّها متعلّقة بالعرش ينتقضه (٢) انتقاض الحديد ، فتنادي (٣) : اللهمّ صل من وصلني واقطع من قطعني ، وذلك قول الله ـ في كتابه ـ : (وَاتَّقُوا اللهَ) (الآية).

وفي أصول الكافي (٤) : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن جميل بن درّاج قال : سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَاتَّقُوا اللهَ) (الآية.) (٥) فقال : هي أرحام النّاس ، إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ أمر بصلتها وعظّمها ، ألا ترى أنّه جعلها معه (٦)؟

وفي عيون الأخبار (٧) ، بإسناده إلى الرّضا ـ عليه السّلام ـ قال : إنّ الله أمر بثلاثة مقرون بها ثلاثة ـ إلى قوله ـ : وأمر باتّقاء الله وصلة الرّحم ، فمن لم يصل رحمه لم يتّق الله ـ عزّ وجلّ ـ.

وبإسناده إلى الرّضا ـ عليه السّلام (٨) ـ عن أبيه ، عن عليّ ـ عليهم السّلام ـ قال : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : لمّا أسري بي إلى السّماء ، رأيت رحما متعلّقة بالعرش ، تشكو رحما (٩) إلى ربّها.

فقلت لها : كم بينك وبينها من أب؟

فقالت : نلتقي في أربعين أبا.

وفي أصول الكافي (١٠) : بإسناده إلى أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : قال أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ : صلوا أرحامكم ولو بالتّسليم ، يقول الله ـ تبارك وتعالى ـ : (وَاتَّقُوا اللهَ) (الآية) (١١).

وبإسناده إلى الرّضا (١٢) ـ عليه السّلام ـ قال : إنّ رحم آل محمّد الأئمّة

__________________

(١) المصدر : مسّتها.

(٢) هكذا في المصدر. وفي النسخ : منتفضة.

(٣) المصدر : فينادي.

(٤) الكافي ٢ / ١٥٠ ، ح ١.

(٥) ذكر في المصدر بقية الآية الى «عليكم رقيبا».

(٦) المصدر : منه.

(٧) عيون الأخبار ١ / ٢٥٨ ، ح ١٣.

(٨) نفس المصدر ١ / ٢٥٥ ، ح ٥.

(٩) المصدر : رحمها.

(١٠) الكافي ٢ / ١٥٥ ، ح ٢٢.

(١١) ذكر في المصدر نفس الآية بدل «الآية».

(١٢) نفس المصدر ٢ / ١٥٦ ، ح ٢٦.

٣١٩

ـ عليهم السّلام ـ لمعلّقة (١) بالعرش تقول : اللهمّ صل من وصلني واقطع من قطعني ، ثمّ هي جارية [بعدها] (٢) في أرحام المؤمنين ، ثمّ تلا هذه الآية (٣).

(وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ) : إذا بلغوا ، وآنستم منهم رشدا ، كما في الآية الأخرى.

«اليتامى» جمع يتيم ، وهو الّذي مات أبوه من اليتم ، وهو الانفراد. ومنه : الدّرّة اليتيمة ، إمّا لأنّه لما جرى مجرى الأسماء ، كفارس وصاحب ، جمع على يتائم ، ثمّ قلب فقيل : يتامى. أو على أنّه جمع على يتمى ، كأسرى ، لأنّه من باب الآفات ، ثمّ جمع يتمى على يتامى ، كأسرى وأسارى.

ووروده في الآية ، إمّا للبلغ على الأصل ، أو على الاتّساع لقرب عهدهم بالصّغر ، حثّا على أن يدفع إليهم أموالهم أوّل بلوغهم ، قبل أن يزول عنهم هذا الاسم إن أونس منهم الرّشد ، ولذلك أمر بابتلائهم صغارا. أو لغير البلغ ، والحكم مقيّد ، وكأنّه قال : وآتوهم إذا بلغوا.

ويؤيّد الأوّل ما نقل (٤) : أنّ رجلا من غطفان كان معه مال كثير لابن أخ له يتيم ، فلمّا بلغ طلب المال منه فمنعه فنزلت ، فلمّا سمعها العمّ قال : أطعنا الله ورسوله ، نعوذ بالله من الحوب الكبير.

(وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ) :

قيل (٥) : لا تستبدلوا الحرام من أموالهم بالحلال من أموالكم ، أو الأمر الخبيث ، وهو اختزال أموالهم بالأمر الطّيّب ، الّذي هو حفظها.

وقيل (٦) : ولا تأخذوا الرّفيع من أموالهم ، وتعطوا الخسيس مكانها.

والبيضاويّ ، ضعّفه ، بأنّ هذا تبديل وليس بتبدّل (٧).

(وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ) : ولا تأكلوها مضمومة إلى أموالكم ، مسوّين بينهما ، وهذا حلال والآخر حرام ، يعني : فيما زاد على أجره ، لقوله ـ تعالى ـ : (فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ).

(إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً) (٢) : ذنبا عظيما.

__________________

(١) هكذا في المصدر. وفي النسخ : المعلّقة.

(٢) من المصدر.

(٣) ذكر في المصدر نفس الآية بعد هذه العبارة.

(٤) أنوار التنزيل ١ / ٢٠٢.

(٥ و ٦) نفس المصدر والموضع.

(٧) نفس المصدر والموضع.

٣٢٠