ثمّ [قال :] (١) سمعت أبي يقول : من مضت له سنة لم يصلنا من ماله قلّ أو كثر ، لم ينظر الله إليه يوم القيامة إلّا أن يعفو الله عنه.
ثمّ قال : يا مفضّل ، إنّها فريضة فرضها الله على شيعتنا في كتابه ، إذ يقول : (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ). فنحن البرّ والتّقوى ، وسبيل الهدى ، وباب التّقوى.
لا يحجب (٢) دعاؤنا عن الله. اقتصروا على حلالكم وحرامكم ، فاسألوا عنه. وإيّاكم أن تسألوا أحدا من الفقهاء عمّا لا يعنيكم وعما ستر الله عنكم.
(وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ) : محبوب ، أو غيره. و «من» للبيان.
(فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ) (٩٢) : فيجازيكم بحسبه.
(كُلُّ الطَّعامِ) ، أي : المطعومات ، والمراد : أكلها. ويشعر به الطّعام لقبا.
(كانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرائِيلَ) : حلالا لهم. مصدر نعت به ، ولذلك يستوي فيه الواحد والجمع والمذكّر والمؤنّت ، كقوله : (لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ).
(إِلَّا ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ) : يعقوب ـ عليه السّلام ـ (عَلى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ) : كلحوم الإبل ، كان إذا أكل لحم الإبل هيج عليه وجع الخاصرة ، فحرّم على نفسه لحم الإبل قبل إنزال التّوراة ، وبعده لم يأكله لأجل إضراره بمرضه ، ولم يحكم بتحريمه على نفسه.
في الكافي (٣) : محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد أو غيره ، عن ابن محبوب ، عن عبد العزيز العبديّ ، عن عبد الله بن أبي يعفور قال : سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول [..].(٤) إنّ إسرائيل كان إذا أكل من لحم الإبل هيج عليه وجع الخاصرة ، فحرّم على نفسه لحم الإبل ، وذلك قبل أن تنزل التّوراة. فلمّا نزلت التّوراة لم يحرّمه ولم يأكله.
وهذا ردّ على اليهود ، حيث أرادوا براءة ساحتهم ممّا نطق به القرآن من تحريم الطّيّبات عليهم ، لبغيهم وظلمهم ، في قوله : (ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ) وقوله :
__________________
(١) من المصدر.
(٢) المصدر : ولا يحجب.
(٣) الكافي ٥ / ٣٠٦ ، ح ٩.
(٤) المصدر : من زرع حنطة في ارض فلم يزك زرعه أو خرج زرعه كثير الشعير فبظلم عمله في ملك رقبة الأرض أو بظلم لمزارعيه وأكرته لأنّ الله عزّ وجلّ يقول : (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ) [النّساء / ١٦٠] يعني لحوم الإبل والبقر والغنم. وقال
(فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ) فقالوا : لسنا بأوّل من حرّمت عليه ، وقد كانت محرّمة على نوح وإبراهيم ومن بعده من بني إسرائيل إلى أن انتهى التّحريم إلينا. فكذّبهم الله.
(قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (٩٣) : أمر بمحاجّتهم بكتابهم ، وتبكيتهم بما فيه ، حتّى يتبيّن أنّه تحريم حادث بسبب ظلمهم وبغيهم ، لا تحريم قديم كما زعموا ، فلم يجسروا على إخراج التوراة وبهتوا ، وفيه دليل على نبوّته ـ عليه السّلام ـ.
[وفي تفسير العيّاشيّ (١) : عن عمر بن يزيد قال : كتبت إلى أبي الحسن ـ عليه السّلام ـ أسأله عن رجل دبرّ مملوكه ، هل له أن يبيع عنقه (٢) قال : كتب : كلّ الطّعام كان حلا لنبي إسرائيل إلّا ما حرّم إسرائيل على نفسه.
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٣) : وأمّا قوله : (كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرائِيلَ إِلَّا ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ).
قال : إنّ يعقوب كان (٤) يصيبه عرق النّساء ، فحرّم على نفسه لحم الجمل.
فقالت (٥) اليهود : إنّ [لحم] (٦) الجمل محرّم في التّوراة.
فقال الله (٧) ـ عزّ وجلّ ـ لهم (فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) ، إنّما حرّم هذا إسرائيل على نفسه ولم يحرّمه على النّاس].(٨) (فَمَنِ افْتَرى عَلَى اللهِ الْكَذِبَ) بزعمه أنّ ذلك كان محرّما على الأنبياء ، وعلى بني إسرائيل قبل إنزال التّوراة ، (مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) ، أي : لزوم الحجّة ، (فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (٩٤) لأنفسهم ، ومكابرتهم الحقّ بعد وضوحه.
(قُلْ صَدَقَ اللهُ) : تعريض بكذبهم ، أي : ثبت أنّ الله صادق فيما أنزله ، وأنتم
__________________
(١) تفسير العياشي ١ / ١٨٥ ، ح ٨٧.
(٢) المصدر : عتقه.
(٣) تفسير القمي ١ / ١٠٧ ـ ١٠٨.
(٤) هكذا في المصدر. وفي الأصل : «كان يعقوب» بدل «إنّ يعقوب كان».
(٥) المصدر : فقال.
(٦) من المصدر.
(٧) ليس في المصدر.
(٨) ما بين المعقوفتين ليس في أ.
الكاذبون.
(فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً) ، أي : ملّة الإسلام الّتي عليها محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ ومن آمن معه ، الّتي هي في الأصل ملّة إبراهيم. أو مثل ملّته ، حتّى تتخلّصوا من اليهوديّة الّتي اضطرّتكم إلى التّحريف والمكابرة للأغراض الدّنيويّة ، وألزمتكم تحريم طيّبات أحلّها لإبراهيم ومن تبعه.
وفي تفسير العيّاشيّ (١) : عن حبابة الوالبيّة قالت (٢) : سمعت الحسين بن عليّ ـ عليه السّلام ـ يقول : ما أعلم أحدا على ملّة إبراهيم إلّا نحن وشيعتنا.
قال صالح : ما أحد على ملّة إبراهيم.
قال جابر : ما أعلم أحدا على ملّة إبراهيم.
(وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (٩٥) : تبرئة ممّا كان ينسبه اليهود والنّصارى من كونه على دينهم.
(إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ) ، أي : جعل متعبّدا لهم ، والواضع هو الله.
وقرئ ، بالبناء للفاعل (٣) (لَلَّذِي بِبَكَّةَ) : وهي لغة في مكّة ، كالنّبيط والنّميط ، وأمر «راتب وراتم» ، و «لازب ولازم».
وفي كتاب الخصال (٤) : عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : اسماء مكّة خمسة : أمّ القرى ، ومكّة ، وبكّة ، والبساسة ، كانوا إذا ظلموا بسّتهم ، أي : أخرجتهم وأهلكتهم. وأمّ رحم ، كانوا إذا لزموها رحموا وقيل (٥) : هي موضع المسجد ، ومكّة البلد.
روي عن جابر (٦) ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام (٧) ـ : أنّ بكّة موضع البيت ، وأنّ مكّة الحرم ، وذلك قوله : ([وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ]) (٨) (آمِناً).
__________________
(١) تفسير العياشي ١ / ١٨٥ ، ح ٨٨.
(٢) النسخ : «حبابة الوابلية قال» بدل «حبابة الوالبية قالت». وما أثبتناه في المتن موافق المصدر.
(٣) أنوار التنزيل ١٧٢ / ١.
(٤) الخصال / ٢٧٨ ، ح ٢٢.
(٥) أنوار التنزيل ١ / ١٧٢.
(٦) تفسير العياشي ١ / ١٨٧ ، ح ٩٤.
(٧) هكذا في المصدر. وفي النسخ : أبي عبد الله ـ عليه السّلام.
(٨) من المصدر.
من بكّه ، إذا رحمه. أو من بكّه إذا دقّه ، لأنّها تبكّ أعناق الجبابرة.
وفي كتاب علل الشّرائع (١) : بإسناده إلى عبيد الله بن عليّ الحلبيّ قال : سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ : لم سمّيت مكّة بكّة؟
قال : لأنّ النّاس يبكّ بعضهم بعضا [فيها] (٢) بالأيدي.
وأمّا ما رواه : بإسناده إلى «عبد الله بن سنان (٣) قال : سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ : لم سمّيت الكعبة بكّة؟
فقال : لبكاء النّاس حولها [وفيها»] (٤) فمحمول على أنّ النّاس يجتمعون حوله للبكاء والعبادة ، فيبكّ بعضهم بعضا.
[حدّثنا محمّد بن الحسن (٥) قال :] (٦) حدّثنا محمّد بن الحسن الصّفّار ، عن العبّاس بن معروف ، عن عليّ بن مهزيار ، عن فضالة ، عن أبان ، عن الفضيل ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : إنّما سمّيت مكّة بكّة ، لأنّه يبكّ بها الرّجال والنّساء ، والمرأة تصلّي بين يديك وعن يمينك وعن شمالك ومعك ، ولا بأس بذلك ، إنّما يكره في سائر البلدان.
[وبإسناده إلى عبيد الله بن عليّ الحلبيّ (٧) قال : سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ : لم سمّيت مكّة بكّة؟
قال : لأنّ النّاس يبكّ بعضهم بعضا فيها بالأيدي].(٨)
وفي الكافي (٩) : عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن بعض أصحابنا عن أبي الحسن الأوّل ـ عليه السّلام ـ قال : [..].(١٠) في خمسة وعشرين من ذى القعدة (١١) وضع البيت ، وهو أوّل رحمة وضعت على وجه الأرض ، فجعله [الله ـ عزّ وجلّ ـ] (١٢) مثابة
__________________
(١) علل الشرائع / ٣٩٨ ، ح ٥.
(٢) من المصدر.
(٣) نفس المصدر / ٣٩٧ ، ح ٢.
(٤) من المصدر.
(٥) نفس المصدر والموضع ، ح ٤.
(٦) من المصدر.
(٧) نفس المصدر / ٣٩٨ ، ح ٥.
(٨) ما بين المعقوفتين ليس في أ.
(٩) الكافي ٤ / ١٤٩ ، ضمن حديث ٢.
(١٠) المصدر : بعث الله ـ عزّ وجلّ ـ محمّدا ـ صلّى الله عليه وآله ـ رحمة للعالمين في سبع وعشرين من رجب. فمن صام ذلك اليوم كتب الله له صيام ستّين شهرا.
(١١) ر : ذى الحجة.
(١٢) من المصدر.
للنّاس وأمنا.
والحديث طويل ، أخذت منه موضع الحاجة.
عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد (١) ، عن عليّ بن الحكم ، عن سيف بن عميرة ، عن أبي زرارة التّميميّ ، عن أبي حسّان ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : لمّا أراد الله أن يخلق الأرض أمر الرّياح فضربن (٢) وجه الماء (٣) حتّى صار موجا ، ثمّ أزبد فصار زبدا واحدا فجمعه في موضع البيت ، ثمّ جعله جبلا من زبد ، ثمّ دحا الأرض من تحته ، وهو قول الله تعالى : (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً).
وروى أيضا : عن سيف بن عميرة (٤) ، عن أبي بكر الحضرميّ ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ مثله.
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٥) : حدّثني أبي ، عن عليّ بن الحكم ، عن سيف بن عميرة ، عن أبي بكر الحضرميّ ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ أنّه قال للأبرش : يا أبرش ، هو كما وصف نفسه ، وكان عرشه على الماء ، والماء على الهواء ، والهواء لا يحدّ (٦) ، ولم يكن يومئذ خلق غيرهما ، والماء يومئذ عذب فرات ، فلمّا أراد الله (٧) أن يخلق الأرض ، (وذكر إلى آخر ما نقلناه عن الكافي.)
[وفي تفسير العيّاشيّ (٨) : عن عبد الصّمد بن سعد قال : طلب أبو جعفر أن يشتري من أهل مكّة بيوتهم أن يزيد (٩) في المسجد ، فأبوا عليه ، فأرغبهم فامتنعوا ، فضاق بذلك ، فأتى أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ فقال له : إنّي سألت هؤلاء شيئا من منازلهم وأفنيتهم لنزيد (١٠) في المسجد ، وقد منعوني ذلك ، فقد غمّني غمّا شديدا.
فقال : أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ لم يغمّك (١١) ذلك ، وحجّتك عليهم فيه ظاهرة؟
__________________
(١) نفس المصدر ٤ / ١٨٩ ـ ١٩٠ ، ح ٧.
(٢) هكذا في المصدر. وفي النسخ : فضربت.
(٣) هكذا في المصدر. وفي النسخ : الأرض.
(٤) نفس المصدر ٤ / ١٩٠. وفيه : «ورواه» بدل «وروى»
(٥) تفسير القمي ٢ / ٦٩. ضمن حديث.
(٦) هكذا في النسخ. وفي المصدر : «والهوى لم يحد أ» بدل «والهواء لا يحدّ».
(٧) ليس في المصدر.
(٨) العياشي ١ / ١٨٧ ، ح ٩٤.
(٩) المصدر : يزيده.
(١٠) الأصل : «أزيد». وما أثبتناه في المتن موافق المصدر.
(١١) المصدر : أيغمك.
قال (١) : وبما أحتجّ عليهم؟
فقال : بكتاب الله.
فقال لي : في أيّ موضع؟
فقال : قول الله (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ) قد أخبرك الله أنّ أوّل بيت وضع [للنّاس] (٢) هو الّذي ببكّة ، فإن كانوا هم نزلوا (٣) قبل البيت فلهم أفنيتهم ، وإن كان البيت قديما قبلهم فله فناؤه.
فدعاهم أبو جعفر فاحتجّ عليهم بهذا ، فقالوا [له :] (٤) اصنع ما أحببت.
عن عبد الله بن سنان (٥) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : مكّة جملة القرية ، وبكّة جملة موضع الحجر الّذي يبكّ (٦) النّاس بعضهم بعضا.
عن جابر (٧) ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : إنّ بكّة موضع البيت ، وإنّ مكّة الحرم ، وذلك قوله : [(وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ]) (٨) (آمِناً)].(٩)
وفي كتاب عيون الأخبار (١٠) ، في باب ما كتبه الرّضا إلى محمّد بن سنان في جواب مسائله في العلل : وعلّة وضع البيت وسط الأرض أنّه الموضع الّذي من تحته دحيت الأرض. وكلّ ريح تهبّ (١١) في الدّنيا فإنّها تخرج من تحت الرّكن الشّاميّ. وهي أوّل بقعة وضعت في الأرض ، لأنّها الوسط ليكون الغرض (١٢) لأهل المشرق والمغرب (١٣) في ذلك سواء.
فالمراد بأوّل بيت ، أوّل موضع جعل مستقرّا للعباد على وجه الماء ، لا البيت المصنوع من اللّبن والمدر والخشب ، حتّى يحتاج في تصحيحه إلى ارتكاب أمور متكلّفه.
(مُبارَكاً) : حال من المستكنّ في الظّرف ، أي : كثير الخير والنّفع لمن حجّه
__________________
(١) المصدر : فقال.
(٢) من المصدر.
(٣) المصدر : تولّوا.
(٤) من المصدر.
(٥) نفس المصدر ١ / ١٨٧ ، ح ٩٣.
(٦) المصدر : تبك.
(٧) نفس المصدر والموضع ، ح ٩٤.
(٨) من المصدر.
(٩) ما بين المعقوفتين ليس في أ.
(١٠) عيون أخبار الرضا ٢ / ٩٠.
(١١) المصدر : تحب.
(١٢) المصدر : الفرض.
(١٣) المصدر : «الشرق والغرب» بدل «المشرق والمغرب».
واعتمره واعتكف عنده وطاف حوله وقصد نحوه ، من مضاعفة الثّواب وتكفير الذّنوب ونفي الفقر وكثرة الرّزق.
وفي من لا يحضره الفقيه (١) : عنه ـ عليه السّلام ـ قال : وجد في حجر : إنّي أنا الله دو بكّة ، صنعتها يوم خلقت السّموات والأرض ، يوم خلقت الشّمس والقمر ، وحففتها بسبعة أملاك حفا ، مبارك (٢) لأهلها في الماء واللّبن يأتيها رزقها من ثلاثة سبل : من أعلاها وأسفلها والثّنية بعده.
(وَهُدىً لِلْعالَمِينَ) (٩٦) : لأنّه قبلتهم ومتعبدهم ، ولأنّ فيه آيات عجيبة ، كما قال الله تعالى (فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ) : كانحراف الطّيور عن مؤازاة البيت على مدى الأعصار ، وأنّ ضواري (٣) السّبع تخالط الطّيور في الحرم ولا تتعرّض لها ، وأنّ كلّ جبّار قصده بسوء قهره كأصحاب الفيل.
والجملة مفسّرة «للهدى (٤)» أو حال أخرى.
(مَقامُ إِبْراهِيمَ) : مبتدأ محذوف الخبر ، أي : منها. أو بدل من «آيات» بدل البعض من الكلّ.
وقيل (٥) : عطف بيان. على أنّ المراد بالآيات أثر القدم في الصّخرة الصّمّاء ، وغوصها فيها إلى الكعبين ، وتخصيصها بهذه الإلانة من بين الصّخار ، وإبقاؤه دون سائر آثار الأنبياء ، وحفظه مع كثرة أعدائه ألوف سنة (٦). ويؤيّده أنّه قرئ آية بيّنة ، على التّوحيد (٧)
وفي الكافي (٨) : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن الحسن بن محبوب ، عن ابن سنان
__________________
(١) من لا يحضره الفقيه ٢ / ١٥٨ ، ح ٦٨٤ ، عن حريز عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام.
(٢) المصدر : «حفيفا مبارك» أ : «حقا مباركا» ر : حفا مبارك بدل «حقا مبارك». وما أثبتناه في المتن موافق المصدر.
(٣) أ : متواري.
(٤) كذا في النسخ وأنوار التنزيل. ولعلّ الصواب : لهدى.
(٥) أنوار التنزيل ١ / ١٧٣.
(٦) كذا في النسخ والمصدر. ولعل الصواب : السنين.
(٧) أنوار التنزيل ١ / ١٧٣.
(٨) الكافي ٤ / ٢٢٣ ، ح ١.
قال : سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن قول الله تعالى : (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ) ـ إلى قوله (١) ـ (آياتٌ بَيِّناتٌ) ، ما هذه الآيات البيّنات؟
قال : مقام إبراهيم حيث قام على الحجر فأثّرت فيه قدماه ، والحجر الأسود. ومنزل إسماعيل ـ عليه السّلام ـ.
أقول : أمّا كون المقام آية ، فلما ذكروا لارتفاعه بإبراهيم ـ عليه السّلام ـ حين كان أطول من الجبال ، كما يأتي ذكره.
وأمّا كون الحجر الأسود آية ، فلما ظهر منه للأولياء والأوصياء ـ عليهم السّلام ـ من العجائب ، إذ كان جوهرة جعلها الله مع آدم في الجنّة ، وإذ كان ملكا من عظماء الملائكة ألقمه الله الميثاق وأودعه عنده ، ويأتي يوم القيامة وله لسان ناطق وعينان يعرفه الخلق ، يشهد لمن وافاه بالموافاة ولمن أدّى إليه الميثاق بالأداء وعلى من جحده بالإنكار ، إلى غير ذلك كما ورد في الأخبار عن الأئمّة ـ عليهم السّلام ـ ولما ظهر لطائفه من تنطّقه لبعض المعصومين ـ عليهم السّلام ـ كالسّجّاد ـ عليه السّلام ـ حيث نازعه عمّه محمّد بن الحنفيّة في أمر الإمامة كما ورد في الرّوايات (٢) ، ومن عدم طاعته لغير المعصوم في نصبه في موضعه كما جرّب غير مرّة.
وأمّا كون منزل إسماعيل آية ، فلأنّه أنزل من غير ماء فنبع له الماء ، وإنّما خصّ المقام بالذّكر في القرآن وطوى ذكر غيره لأنّه أظهر آياته اليوم للنّاس.
قيل (٣) : سبب هذا الأثر ، أنّه لمّا ارتفع بنيان الكعبة قام على هذا الحجر ليتمكّن من رفع الحجارة ، فغاصت فيه قدماه.
وقيل (٤) : إنّه لمّا جاء زائرا من الشّام ، فقالت له امرأة إسماعيل : انزل حتّى تغسل (٥) رأسك ، فلم ينزل ، فجاءته بهذا الحجر فوضعته على شقّه الأيمن ، فوضع قدمه عليه حتّى غسلت شقّ رأسه ، ثمّ حولته إلى شقّه الأيسر حتّى غسلت الشّقّ الأيسر ، فبقي أثر قدمه عليه.
وفي الكافي : محمّد (٦) بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد عن ابن فضّال ، عن ابن بكير ،
__________________
(١) نقل الآية في المصدر بدل «إلى قوله».
(٢) هذا البحث بطوله موجود في غيبة الطوسي / ١٦.
(٣) أنوار التنزيل ١ / ١٧٣.
(٤) الكشاف ١ / ٤٤٨.
(٥) المصدر : يغسل أ : تغتسل.
(٦) الكافي ٤ / ٢٢٣ ، ح ٢.
عن زرارة قال : قلت لأبي جعفر ـ عليه السّلام ـ : [قد] (١) أدركت الحسين ـ صلوات الله عليه ـ؟
قال : نعم ، أذكر وأنا معه في المسجد الحرام ، وقد دخل فيه السّيل والنّاس يقومون على المقام ، يخرج الخارج يقول : قد ذهب به السّيل ، ويخرج منه الخارج فيقول : هو مكانه.
قال : فقال لي : يا فلان ما صنع هؤلاء؟
فقلت : أصلحك الله ، يخافون أن يكون السّيل قد ذهب بالمقام.
فقال : ناد ، إنّ الله قد جعله (٢) علما لم يكن ليذهب به ، فاستقرّوا ، وكان موضع المقام الّذي وضعه إبراهيم ـ عليه السّلام ـ عند جدار البيت ، فلم يزل هناك حتّى حوّله أهل الجاهليّة إلى المكان الّذي هو فيه اليوم ، فلمّا فتح النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ مكّة ردّه إلى الموضع الّذي وضعه إبراهيم ـ عليه السّلام ـ فلم يزل هناك إلى أن وليّ عمر بن الخطّاب ، فسأل النّاس : من منكم يعرف المكان الّذي كان فيه المقام؟
فقال رجل. أنا قد كنت أخذت مقداره بنسع (٣) ، فهو عندي.
فقال : ائتني (٤) به ، فأتاه به ، فقاسه ثمّ ردّه إلى ذلك المكان.
(وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً) : جملة ابتدائية أو شرطيّة ، معطوفة من حيث المعنى على «مقام» لأنّه في معنى «وأمن من دخله» ، أي : منها أمن من دخله ، أو فيه آيات بيّنات مقام إبراهيم وأمن من دخله. واقتصر بذكرهما من الآيات الكثيرة ، لأنّ فيهما غنية عن غيرهما في الدّارين ، بقاء الأثر مدى الدّهر ، والأمن من العذاب يوم القيامة.
في كتاب علل الشّرائع (٥) ، بإسناده إلى أبي زهرة شبيب بن أنس (٦) ، عن بعض
__________________
(١) من المصدر.
(٢) النسخ : «جعل». وما أثبتناه في المتن موافق المصدر
(٣) النّسع : حبل من أدم يكون عريضا على هيئة أعنّة النّعال تشدّ به الرحال.
(٤) هكذا في المصدر. وفي النسخ : ياتيني.
(٥) علل الشرائع / ٨٩٠ ـ ٩١ ، مقطعين من حديث ٥.
(٦) هكذا في الأصل. وفي المصدر : «أبي زهير شبيب بن أنس». وفي أ : «أبي زهرة بن شبيب بن أنس».
وعلى أي حال لم نعثر عليهم أو عليهما في كتب التراجم والرجال. ويوجد في تنقيح المقال ، في فصل الكنى ، ٣ / ١٧ راوي يسمّى بأبو زهير النهدي ، الّذي «روى الشيخ ـ رحمه الله ـ في باب كيفية الصلوة من التهذيب عن محمد بن يحيى عنه عن آدم بن إسحاق ولم يذكر اسمه.» والله العالم.
أصحاب أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ لأبي حنيفة : يا أبا حنيفة ، تعرف كتاب الله حقّ معرفته وتعرف النّاسخ والمنسوخ؟
قال : نعم.
قال : يا أبا حنيفة ، لقد ادّعيت علما ويلك ما جعل الله ذلك إلّا عند أهل الكتاب الّذين أنزل عليهم ، ويلك ولا هو إلّا عند الخاصّ من ذرّيّة نبيّنا محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ وما أدريك (١) الله من كتابه حرفا ، فإن كنت كما تقول ولست كما تقول ، فأخبرني عن قول الله ـ عزّ وجلّ (٢) ـ : (سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ) أين ذلك من الأرض؟
قال : أحسبه ما بين مكّة والمدينة.
فالتفت أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ إلى أصحابه فقال : تعلمون أنّ النّاس يقطع عليهم بين المدينة ومكّة ، فتؤخذ أموالهم ، ولا يؤمنون على أنفسهم ، ويقتلون.
قالوا : نعم.
قال : فسكت أبو حنيفة.
فقال : يا أبا حنيفة ، أخبرني عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً) أين ذلك من الأرض؟
قال : الكعبة.
فقال : أفتعلم أنّ الحجّاج بن يوسف حين وضع المنجنيق على ابن الزّبير في الكعبة فقتله ، كان آمنا فيها؟
قال : فسكت.
فقال : أبو بكر الحضرميّ : جعلت فداك ، ما الجواب في المسألتين الأوّلتين (٣)؟
فقال : يا أبا بكر ، (سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ) ، فقال : مع قائمنا أهل البيت.
وأما قوله : (وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً) ، فمن بايعه ودخل معه ومسح على يده ودخل في عقدة أصحابه ، كان آمنا.
والحديث طويل ، أخذت منه موضع الحاجة.
__________________
(١) هكذا في الأصل. وفي المصدر : ورثك.
(٢) سبأ / ١٨.
(٣) المصدر : الأوليين.
وفي تفسير العيّاشيّ (١) : عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : سألته عن قوله : (وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً)؟
قال : يأمن فيه كلّ خائف ، ما لم يكن عليه حدّ من حدود الله ينبغي أن يؤخذ به.
قال : وسألته عن طائر يدخل الحرم.
قال : لا يؤخذ ولا يمسّ ، لأنّ الله يقول : (وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً).
وقال عبد الله بن سنان (٢) : سمعته يقول ـ فيما أدخل الحرم ممّا صيد في الحلّ ، قال : إذا دخل الحرم فلا يذبح ، إنّ الله يقول : (وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً).
وعن عليّ به عبد العزيز (٣) قال : قلت لأبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ : جعلت فداك ، قول الله : (فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً) وقد يدخله المرجئ والقدريّ والحرورىّ والزّنديق الّذي لا يؤمن بالله.
قال : لا ، ولا كرامة.
قلت : فمه (٤) جعلت فداك؟
قال : ومن دخله وهو عارف بحقّنا كما هو عارف به (٥) ، خرج من ذنوبه وكفي همّ الدّنيا والآخرة.
وفي أمالي الصّدوق ـ رحمه الله (٦) ـ : بإسناده إلى النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ ، عن جبرئيل ، عن ميكائيل ، عن إسرافيل ، عن الله ـ جلّ جلاله ـ في حديث طويل ، وفيه يقول ـ جلّ جلاله ـ في حقّ عليّ ـ عليه السّلام ـ : وجعلته العلم الهادي من الضّلالة ، وبابي الّذي أوتى به منه ، وبيتي الّذي من دخله كان آمنا من ناري.
وفي الكافي : محمّد (٧) بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن فضّال والحجّال ، عن ثعلبة ، عن أبي خالد القمّاط عن عبد الخالق الصّيقل قال : سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً).
فقال : لقد سألتني عن شيء ما سألني أحد إلّا من شاء الله ، قال : من أمّ هذا
__________________
(١) تفسير العياشي ١ / ١٨٨ ، ح ١٠٠ مع حذف قطعة منه.
(٢) نفس المصدر ١ / ١٨٩ ، ح ١٠٤.
(٣) نفس المصدر ١ / ١٩٠ ، ح ١٠٧.
(٤) المصدر : فمن أ : قد.
(٥) المصدر : له.
(٦) أمالي الصدوق / ١٨٤.
(٧) الكافي ٤ / ٥٤٥ ، ح ٢٥.
البيت ، وهو يعلم أنّه البيت الّذي أمره الله ـ عزّ وجلّ ـ به ، وعرفنا أهل البيت حقّ معرفتنا ، كان آمنا في الدّنيا والآخرة.
وفي مجمع البيان (١) : عن الباقر ـ عليه السّلام ـ : أنّ من دخله (٢) عارفا بجميع ما أوجبه الله عليه ، كان آمنا في الآخرة من العذاب الدّائم.
وفي الكافي (٣) : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ومحمّد بن إسماعيل (٤) ، عن الفضل بن شاذان ، عن صفوان وابن أبي عمير ، عن معاوية بن عمّار ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : إذا أردت دخول الكعبة فاغتسل قبل أن تدخلها ، ولا تدخلها (٥) بحذاء ، وتقول إذا دخلت : اللهمّ ، إنّك قلت : (وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً) ، فآمنّي من عذاب النّار.
والحديث طويل ، أخذت منه موضع الحاجة.
عليّ بن إبراهيم (٦) ، عن أبيه ، عن ابن محبوب ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : سألته عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً) البيت عنى أم الحرم؟
قال : من دخل الحرم من النّاس مستجيرا به فهو آمن به من سخط الله ، ومن دخله من الوحش والطّير كان آمنا من أن يهاج أو يؤذى حتّى يخرج من الحرم.
عليّ بن إبراهيم (٧) ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حمّاد ، عن الحلبيّ ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : سألته عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً) قال : إذ أحدث العبد في غير الحرم جناية ثمّ فرّ إلى الحرم لم يسع (٨) لأحد أن يأخذه في الحرم ، ولكن يمنع من السّوق ولا يبايع ولا يطعم ولا يسقى ولا يكلّم ، فإنّه إذا فعل ذلك [به] (٩) يوشك أن يخرج فيؤخذ [وإذا جنى في الحرم جناية أقيم عليه الحدّ في الحرم ،
__________________
(١) مجمع البيان ١ / ٤٧٨. وفيه : «أنّ معناه من دخل عارفا ... من العذاب الدائم. وهو المروي عن أبي جعفر ـ عليه السّلام.»
(٢) المصدر : دخل.
(٣) الكافي ٤ / ٨٢٥ ، صدر حديث ٣.
(٤) ر : عليّ بن إسماعيل.
(٥) «ولا تدخلها» ليس في ر.
(٦) نفس المصدر ٤ / ٢٢٦ ، ح ١.
(٧) نفس المصدر والموضع ، ح ٢.
(٨) هكذا في المصدر. وفي الأصل : «لم يسغ» وفي أ : «لم يسمع».
(٩) من المصدر.
لأنّه لم ير (١) للحرم حرمة.
وبإسناده إلى عليّ بن أبي حمزة (٢) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : سألته عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً).
قال : إن سرق سارق بغير مكّة أو جنى جناية].(٣) على نفسه ففرّ إلى مكّة لم يؤخذ ما دام في الحرم حتّى يخرج منه ، ولكن يمنع من السّوق فلا يبايع (٤) ولا يجالس حتّى يخرج منه فيؤخذ ، وإن أحدث في الحرم ذلك الحدث أخذ فيه.
وفي كتاب علل الشّرائع (٥) : حدّثنا أبي ـ رضي الله عنه ـ قال : حدّثنا سعد بن عبد الله ، عن أيّوب بن نوح ، عن صفوان بن يحيى ، عن معاويه بن عمّار ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ : أنّه سئل عن طير أهليّ أقبل فدخل الحرم.
قال : لا يمسّ ، لأنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول : (وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً).
وفي من لا يحضره الفقيه (٦) : وسأل محمّد بن مسلم أحدهما ـ عليهما السّلام ـ عن الظّبي يدخل الحرم.
فقال : لا يؤخذ ولا يمسّ ، لأنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول : (وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً).
وفي الكافي (٧) : عدّة من أصحابنا ، عن أحمد من محمّد ، عن شاذان بن الخليل أبي الفضل ، عن سماعة بن مهران ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : سألته عن رجل لي عليه مال ، فغاب عنّي زمانا ، فرأيته يطوف حول الكعبة ، أفأتقاضاه مالي؟
قال : لا ، لا تسلّم عليه ولا تروّعه حتّى يخرج من الحرم.
محمّد بن يحيى (٨) ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن أبي إسماعيل السّرّاج (٩) ، البرّاج عن هارون بن خارجة قال : سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ
__________________
(١) المصدر : لم يدع.
(٢) نفس المصدر ٤ / ٢٢٧ ، والظاهر أنّه حديث ٣. لأنّه بدون رقم. والحديث الذي قبله تحت رقم ٢.
(٣) ما بين المعقوفتين ليس في أ.
(٤) المصدر : ولا يبايع.
(٥) علل الشرائع / ٤٥١ ، ح ١.
(٦) من لا يحضره الفقيه ٢ / ١٧٠ ، ح ٧٤٤.
(٧) الكافي ٤ / ٢٤١ ، ح ١.
(٨) نفس المصدر ٤ / ٢٥٨ ، ح ٢٦.
(٩) النسخ : أبي إسماعيل البرّاج. وما أثبتناه في المتن موافق المصدر. وهو الصواب. ر. تنقيح المقال ، فصل الكنى ، ٣ / ٢.
يقول : من دفن في الحرم ، أمن من الفزع الأكبر.
فقلت [له :] (١) من برّ النّاس وفاجرهم؟
قال : من برّ النّاس وفاجرهم.
وفي من لا يحضره الفقيه (٢) : من مات في أحد الحرمين بعثه الله من الآمنين. ومن مات بين الحرمين لم ينشر له ديوان. ومن دفن في الحرم أمن من الفزع الأكبر.
(وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ) : قصده للزّيارة ، على الوجه المخصوص.
والحجّ في الأصل ، القصد.
وقرأ حمزة والكسائيّ وعاصم ، في رواية حفص ، حجّ ، بالكسر ، وهي لغة [نجد] (٣)
وفي الكافي (٤) : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عمر بن أذينة قال : كتبت إلى أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ بمسائل ، بعضها مع ابن بكير وبعضها مع أبي العبّاس ، فجاء الجواب بإملائه : سألت عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) ، يعني به الحجّ والعمرة جميعا ، لأنّهما مفروضان.
والحديث طويل ، أخذت منه موضع الحاجة.
وفي عيون الأخبار (٥) : في باب ذكر ما كتب به الرّضا ـ عليه السّلام ـ إلى محمّد بن سنان في جواب مسائله في العلل : وعلّة الحجّ ، الوفادة إلى الله ـ عزّ وجلّ ـ وطلب الزّيادة والخروج من كلّ ما اقترف ، وليكون تائبا ممّا (٦) مضى مستأنفا لما يستقبل ، وما فيه من استخراج الأموال ، وتعب الأبدان وحظرها عن الشّهوات واللّذّات ، والتقرّب (٧) بالعبادة إلى الله ـ عزّ وجلّ ـ والخضوع والاستكانة والذّلّ ، شاخصا [إليه] (٨) في لحرّ والبرد والأمن والخوف ، دائبا (٩) في ذلك دائما (١٠) ، وما في ذلك لجميع الخلق من المنافع والرّغبة
__________________
(١) من المصدر ور.
(٢) من لا يحضره الفقيه ١ / ١٤٧ ، ضمن حديث ٦٥٠.
(٣) أنوار التنزيل ١ / ١٧٣. والزيادة من المصدر.
(٤) الكافي ٤ / ٢٦٤ ، ح ١.
(٥) عيون الأخبار ٢ / ٩٠.
(٦) هكذا في المصدر. وفي الأصل : «فيما». وفي ر : «ممّا له فيما.»
(٧) النسخ : «التقريب». وما أثبتناه في المتن موافق المصدر.
(٨) من المصدر.
(٩) هكذا في المصدر. وفي النسخ : دائب.
(١٠) هكذا في المصدر. وفي النسخ : دائم.
والرّهبة إلى الله ـ تعالى ـ.
ومنه ، ترك قساوة القلب ، وجسارة الأنفس ، ونسيان الذّكر ، وانقطاع الرّجاء والأمل ، وتجديد الحقوق ، وحظر النّفس عن الفساد ، ومنفعة من في شرق الأرض وغربها ومن في البرّ والبحر ، ممّن يحجّ وممّن لا يحجّ ، من تاجر وجالب وبائع ومشتر وكاسب ومسكين ، وقضاء حوائج أهل الاطراف (١) والمواضع الممكن لهم الاجتماع فيها ، كذلك ليشهدوا منافع لهم.
(مَنِ اسْتَطاعَ) : بدل من النّاس ، بدل البعض من الكّل.
(إِلَيْهِ سَبِيلاً) : تمييز ، من نسبة الفعل إلى المفعول بالواسطة.
وفي عيون الأخبار (٢) : فيما كتبه الرّضا ـ عليه السّلام ـ للمأمون من محض الإسلام وشرائع الدّين : وحجّ البيت فريضة على من استطاع إليه سبيلا ، والسّبيل الزّاد والرّاحلة مع الصّحّة.
وفي كتاب الخصال (٣) : عن الأعمش عن جعفر بن محمّد ـ عليهما السّلام ـ قال : هذه شرائع الدّين ـ إلى أن قال ـ : وحجّ البيت واجب على من (٤) استطاع إليه سبيلا ، وهو الزّاد والرّاحلة مع صحّة البدن ، وأن يكون للإنسان ما يخلّفه على عياله وما يرجع إليه بعد حجّه (٥)
وفي الكافي (٦) : عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن محبوب ، عن خالد بن جرير ، عن أبي الرّبيع الشّاميّ قال : سئل أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ تعالى ـ : (مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً).
فقال : ما يقول النّاس؟
قال : فقيل له : الزّاد والرّاحلة.
قال : فقال أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ : قد سئل أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ عن هذا؟
فقال : هلك النّاس إذا ، لإن (٧) من كان له زاد وراحلة قدر ما يقوت عياله و
__________________
(١) أ : أهل الأرض.
(٢) نفس المصدر ٢ / ١٢٤.
(٣) الخصال / ٦٠٣ و ٦٠٦ ، ضمن حديث ٩.
(٤) المصدر : «لمن» بدل «على من».
(٥) هكذا في المصدر. وفي النسخ : من حجّه.
(٦) الكافي ٤ / ٢٦٧ ، ح ٣.
(٧) المصدر : لئن كان.
يستغنى به عن النّاس ينطلق إليه فيسلبهم إيّاه ، لقد هلكوا.
فقيل له : فما السّبيل؟
قال : فقال : السّعة في المال إذا كان يحجّ ببعض ويبقي بعضا يقوت به عياله ، أليس قد فرض الله الزّكاة فلم يجعلها الّا على من يملك مائتي درهم؟
محمّد بن أبي عبد الله (١) ، عن موسى بن عمران ، عن الحسين بن يزيد النّوفليّ ، عن السّكونيّ ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : سأل رجل من أهل القدر ، فقال : يا بن رسول الله ، أخبرني عن قول الله تعالى : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) أليس قد جعل الله الاستطاعة؟
فقال : ويحك ، إنّما يعني بالاستطاعة الزّاد والرّاحلة ، ليس استطاعة البدن.
فقال الرّجل : أفليس إذا كان الزّاد والرّاحلة ، فهو مستطيع للحجّ؟
فقال : ويحك ، ليس كما تظنّ ، قد ترى الرّجل عنده المال الكثير أكثر من الزّاد والرّاحلة ، فهو لا يحجّ حتّى يأدن الله ـ تعالى ـ في ذلك.
عليّ بن إبراهيم (٢) ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حمّاد بن عثمان ، عن الحلبيّ ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ تعالى ـ : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) قال : ما السّبيل؟
قال : أن يكون له ما يحجّ به.
قال : قلت : من عرض عليه ما يحجّ به فاستحيا من ذلك ، أهو ممّن يستطيع إليه سبيلا؟
قال : نعم ، ما شأنه [أن] (٣) يستحيي ولو يحجّ على حمار أجدع أبتر ، فإن كان يطيق أن يمشي بعضا ويركب بعضا فليحجّ.
وفي رواية (٤) : أنّه يخرج ويمشي إن لم يكن عنده.
قيل : لا يقدر على المشي.
__________________
(١) نفس المصدر ٤ / ٢٦٨ ، ح ٥.
(٢) نفس المصدر ٤ / ٢٦٦ ، ح ١.
(٣) من المصدر.
(٤) من لا يحضره الفقيه ٢ / ١٩٤ ، ح ٤+ التهذيب ٥ / ١٠ ، ح ٢٦ و ٥ / ٤٥٩ ، ح ٢٤٠+ الاستبصار ٢ / ١٤٠ ، ح ٥
قال : يمشي ويركب.
قيل : لا يقدر على ذلك.
قال : يخدم القوم ويخرج معهم.
واعلم ، أنّه ينبغي أن يحمل اختلاف الرّوايات على اختلاف النّاس في جهات الاستطاعة ، فإنّ بعضهم يجب لهم الزّاد والرّاحلة ولا يجب لهم الرّجوع إلى مال لقدرتهم على تحصيل ما يموّنون به بتجارة وكسب ، وبعضهم يجب لهم الرّجوع إلى ما يموّنون به لعدم قدرتهم على التّحصيل ، وبعضهم عادتهم الخدمة والتّعيّش بأي وجه اتّفق لهم مع قدرتهم على ذلك ، فإذا حصل لهم تلك الاستطاعة وجب الحجّ.
[وفي كتاب التّوحيد (١) : حدّثنا أبي ومحمّد بن موسى بن المتوكّل ـ رضي الله عنهما ـ قالا : حدّثنا سعد بن عبد الله وعبد الله بن جعفر الحميريّ جميعا ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن العلاء بن رزين ، عن محمّد بن مسلم قال : سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً).
قال : يكون له ما يحجّ به.
قلت : فمن عرض عليه الحجّ فاستحيا؟
قال : [هو] (٢) ممّن يستطيع.
حدّثنا أبي ـ رضي الله عنه (٣) ـ قال : حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن محمّد بن أبي عمير ، عن هشام بن الحكم ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) ما يعني بذلك؟
قال : من كان صحيحا في بدنه ، مخلّى سربه ، له زاد وراحلة.
وفي كتاب علل الشرائع (٤) : أبي ـ رحمه الله ـ قال : حدّثنا سعد بن عبد الله قال : حدّثنا أحمد بن محمّد ، عن الحسين بن سعيد ، عن ابن أبي عمير ، عن عمر بن أذينة قال : سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) ، يعني به : الحج دون العمرة؟
__________________
(١) التوحيد / ٣٤٩ ـ ٣٥٠ ، ح ١٠.
(٢) من المصدر.
(٣) نفس المصدر / ٣٥٠ ـ ٣٥١ ، ح ١٤.
(٤) علل الشرائع / ٤٥٣ ، ح ٢.
فقال : لا ، ولكّنه يعني : الحجّ والعمرة جميعا ، لأنّهما مفروضان.
وفي مصباح الشّريعة (١) : قال الصّادق ـ عليه السّلام ـ : واعلم ، بأنّ الله تعالى لم يفرض (٢) الحجّ ولم يخصّه من جميع الطّاعات [، إلّا] (٣) بالإضافة إلى نفسه بقوله ـ تعالى ـ : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً). ولا شرع (٤) نبيّه ـ صلّى الله عليه وآله ـ سنّته في خلال المناسك على ترتيب ما شرعه (٥) ، إلا للاستعداد والاشارة إلى الموت والقبر والبعث والقيامة ، وفضل (٦) بيان السّابقة من الدّخول في الجنّة أهلها ودخول النّار أهلها بمشاهدة مناسك الحجّ من أوّلها إلى آخرها لأولي الألباب وأولي النّهى].(٧)
(وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ) (٩٧) :
وضع «كفر» موضع لم يحجّ ، تأكيدا لوجوبه ، وتغليظا على تاركه. وقد أكّد أمر الحجّ في هذه الآية من وجوه الدّلالة على وجوبه بصيغة الخبر ، وإبرازه في الصّورة الاسميّة ، وإيراده على وجه يفيد أنّه حقّ واجب لله في رقاب النّاس. وتعميم الحكم أوّلا وتخصيصه ثانيا ، فإنّه كإيضاح بعد إبهام وتنبيه وتكرير للمراد. وتسمية ترك الحجّ كفرا من حيث أنّه فعل الكفرة. وذكر الاستغناء ، فإنّه في هذا الموضع ممّا يدلّ على المقت والخذلان ، وإيراد «عن العالمين» بدل عنه ، لما فيه من التّعميم ، والدّلالة على الاستغناء عنه بالبرهان ، والإشعار بعظم السّخط ، وذلك لأنّه تكليف شاقّ جامع بين كسر النّفس وإتعاب البدن وصرف المال والتّجرّد عن الشّهوات والإقبال على الله.
وفي من لا يحضره الفقيه (٨) : في وصيّة النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ لعليّ ـ عليه السّلام ـ : يا علي ، تارك الحجّ وهو مستطيع كافر ، قال الله ـ تبارك وتعالى ـ :
__________________
(١) شرح فارسى مصباح الشريعة / ١٤٩ ـ ١٥٠.
(٢) المصدر : لم يفترض.
(٣) من المصدر.
(٤) المصدر : لا سنّ.
(٥) المصدر : «في حلال وحرام ومناسك» بدل «سنّته في خلال المناسك على ترتيب ما شرعه». وأشار المصحح ـ رحمه الله ـ في هامش المصدر بقوله : كذا في النسخة المشروحة. ولكن في البحار والمحجّة والمستدرك ونسخة مصطفوى : «ولا شرع نبيّه ـ صلّى الله عليه وآله ـ سنّته في خلال المناسك على ترتيب ما شرعه». فليلاحظ.
(٦) المصدر : فصل.
(٧) ما بين المعقوفتين ليس في أ.
(٨) في من لا يحضره الفقيه ٤ / ٢٦٦.
(وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ). يا عليّ ، من سوّف الحّج حتّى يموت بعثه الله يوم القيامة يهوديّا أو نصرانيّا.
وفي الكافي (١) : عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن موسى بن القاسم البجليّ ومحمّد بن يحيى ، عن العمركيّ بن عليّ جميعا ، عن عليّ بن جعفر ، عن أخيه موسى ـ عليه السّلام ـ قال : إنّ الله ـ تعالى ـ فرض الحجّ على أهل الجدّة (٢) في كلّ عام ، وذلك قوله ـ تعالى ـ : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ).
قال : قلت : فمن لم يحجّ فقد كفر؟
قال : لا ، ولكن من قال : ليس هذا هكذا ، فقد كفر.
وفي تفسير العيّاشيّ (٣) : عن أبي أسامة زيد الشّحّام (٤) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ [..]. قال : قلت : أرأيت قول الله : (وَمَنْ كَفَرَ) أهو في الحجّ؟
قال : نعم (٥) ، قال : هو كفر النّعم. وقال : من ترك في خبر آخر قيل (٦) : وروي أنّه نزل صدر الآية ، جمع رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ أرباب الملل فخطبهم ، وقال : إنّ الله كتب عليكم الحجّ فحجّوا ، فآمنت به ملّة واحدة وكفرت به خمس ملل ، فنزل : (وَمَنْ كَفَرَ).
وفي أصول الكافي (٧) : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه (٨) وعبد الله بن الصّلت جميعا ، عن حمّاد بن عيسى ، عن حريز بن عبد الله ، عن زرارة ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : بني الإسلام على خمسة أشياء : على الصّلاة ، والزّكاة ، والحجّ ، والصّوم ، والولاية.
قال زرارة : فقلت : وأيّ [شيء] (٩) من ذلك أفضل؟
__________________
(١) الكافي ٤ / ٢٦٥ ، ح ٥.
(٢) الجدة : الغنى والثّروة.
(٣) تفسير العياشي ١ / ١٩٣ ، ذيل حديث ١١٥.
(٤) النسخ : «ابن أسامة بن زيد». وما أثبتناه في المتن موافق المصدر. وهكذا في تفسير البرهان ١ / ٣٠٤.
وأيضا ر. تنقيح المقال ، فصل الكنى ، ٣ / ١.
(٥) هكذا في المصدر. وفي النسخ : (فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ) بدل «أهو في الحجّ؟ قال : نعم».
(٦) أنوار التنزيل ١ / ١٧٣.
(٧) الكافي ١ / ١٨ ـ ١٩ ، صدر حديث ٥.
(٨) هكذا في المصدر. وفي الأصل : «عن» بدل «و».
(٩) من المصدر.
فقال : الولاية أفضل ، لأنّها مفتاحهنّ ، والوالي هو الدّليل عليهنّ.
قلت : ثمّ الّذي يلي ذلك في الفضل؟
فقال : الصّلاة ، إنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ قال : الصلاة عمود دينكم.
قال : قلت : ثمّ الّذي يليها في الفضل؟
قال : الزّكاة ، لأنّه (١) قرنها [بها] (٢) وبدأ بالصّلاة قبلها ، وقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : الزّكاة تذهب الذّنوب.
قال : قلت : والّذي يليها في الفضل؟
قال : الحجّ ، قال الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ). (٣) وقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : لحجّة مقبولة خير من عشرين صلاة نافلة ، ومن طاف بهذا البيت طوافا أحصى فيه أسبوعه وأحسن ركعته غفر [الله] (٤) له ، وقال : في يوم عرفة ويوم المزدلفة ما قال.
والحديث طويل ، أخذت منه موضع الحاجة.
وفي نهج البلاغة (٥) : قال ـ عليه السّلام ـ : جعله ـ سبحانه وتعالى ـ للإسلام علما ، وللعائذين (٦) حرما ، فرض حجّه ، وأوجب حقّه (٧) ، وكتب عليكم وفادته ، فقال ـ سبحانه ـ : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ)] (٨)
(قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ) : السّمعيّة والعقليّة ، الدّالّة على صدق محمّد فيما جاء به ، من وجوب الحجّ وغيره.
وتخصيص أهل الكتاب بالخطاب يدلّ على أنّ كفرهم أقبح ، وأنّهم وإن زعموا أنّهم مؤمنون بالتّوراة والإنجيل فهم كافرون بهما ، وإن الكفر ببعض كتاب كفر بكلّه ، فالكفر بولاية عليّ ـ عليه السّلام ـ كفر بجميع آيات الله. فافهم.
__________________
(١) هكذا في المصدر. وفي الأصل : لأنها.
(٢) من المصدر.
(٣) هكذا في المصدر. وفي الأصل : «قال» بدل «و».
(٤) من المصدر.
(٥) نهج البلاغة / ٤٥ ، ذيل خطبة ١.
(٦) هكذا في المصدر. وفي الأصل : للعابدين.
(٧) هكذا في الأصل. وفي المصدر : «فرض حقّه وأوجب حجّه» بدل «فرض حجّه وأوجب حقّه».
(٨) ما بين المعقوفتين ليس في أ.