تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٣

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي


المحقق: حسين درگاهى
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٠٣

وفي كتاب الاحتجاج (١) : وروي أنّ نافع بن الأزرق جاء إلى محمّد بن عليّ بن الحسين ـ صلوات الله عليهم ـ فجلس بين يديه يسأله عن مسائل في الحلال والحرام.

فقال له أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ في عرض كلامه : قل لهذه المارقة بما استحللتم فراق أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ وقد سفكتم دماءكم بين يديه في طاعته (٢) والقربة إلى الله بنصرته؟ فسيقولون (٣) لك : إنّه حكم في دين الله. فقل لهم : قد حكم الله في شريعة نبيّه ـ صلّى الله عليه وآله ـ بين رجلين من خلقه ، فقال ـ جلّ اسمه ـ : (فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُما).

والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

(وَاعْبُدُوا اللهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً) : صنما أو غيره ، أو شيئا من الإشراك جليّا أو خفيّا.

(وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً).

وأحسنوا بهما إحسانا.

وفي تفسير العياشيّ (٤) : عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : إنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ أحد الأبوين وعلىّ الآخر.

فقلت : أين موضع ذلك في (٥) كتاب الله؟

قال : اقرأ (وَاعْبُدُوا اللهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً).

عن أبي بصير (٦) ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في قوله : (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) قال : قال : إنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ أحد الوالدين (٧) وعليّ الآخر. وذكر أنّها الآية الّتي في سورة النّساء.

[وفي تفسير فرات بن إبراهيم الكوفيّ (٨) : قال : حدّثني سعيد بن حسن بن مالك

__________________

(١) الاحتجاج ٢ / ٥٧ ـ ٥٨.

(٢) المصدر : وفي طاعته.

(٣) هكذا في المصدر. وفي النسخ : فيقولون.

(٤) هكذا في أوهو الصواب وفي سائر النسخ : «تفسير عليّ بن ابراهيم». والحديث في تفسير العياشي ١ / ٢٤١ ، ح ١٢٨.

(٥) هكذا في المصدر. وفي النسخ : من.

(٦) نفس المصدر والموضع ، ح ١٢٩.

(٧) هكذا في المصدر. وفي النسخ : الأبوين.

(٨) تفسير فرات / ٢٧ ـ ٢٨.

٤٠١

معنعنا ، عن أبي مريم الأنصاريّ قال : كنّا عند جعفر بن محمّد ـ عليهما السّلام ـ فسأله أبان بن تغلب عن قول الله ـ تعالى ـ : (اعْبُدُوا اللهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) قال : هذه الآية الّتي في النّساء ، من الوالدان (١)؟

قال جعفر : رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وعليّ بن أبي طالب (٢) ـ عليه السّلام ـ (٣) وهما الوالدان.] (٤)

(وَبِذِي الْقُرْبى) : وبصاحب القرابة ،

(وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى) : الّذي قرب جواره.

وقيل (٥) : الّذي له مع الجوار قرب واتّصال بنسب أو دين.

وقرئ ، بالنّصب ، على الاختصاص.

(وَالْجارِ الْجُنُبِ) ، أي : البعيد ، أو الّذي لا قرابة له.

في أصول الكافي (٦) : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن معاوية بن عمّار ، عن عمرو بن عكرمة ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : كلّ أربعين دارا جيران من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله.

وفيه (٧) : عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ مثله.

وفي معاني الأخبار (٨) : أبي ـ رحمه الله ـ قال : حدّثنا سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمّد بن أبي عبد الله (٩) ، عن أبيه ، عن محمّد بن أبي عمير ، عن معاوية بن عمّار ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : قلت له : جعلت فداك ، ما حدّ الجار؟

قال : أربعون دارا (١٠) من كلّ جانب.

__________________

(١) هكذا في المصدر. وفي النسخ : الوالدين.

(٢ و ٣) «بن أبي طالب» و «و» ليس في المصدر.

(٤) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٥) أنوار التنزيل ١ / ٢١٩.

(٦) الكافي ٢ / ٦٦٩ ، ح ١.

(٧) نفس المصدر والموضع ، ح ٢.

(٨) معاني الاخبار / ١٦٥ ، ح ١.

(٩) المصدر : «أحمد بن أبي عبد الله.» وعلى أيّ صورة هو أحمد بن محمد بن خالد البرقي. ر. تنقيح المقال ١ / ٨٢ ، رقم ٤٩٦.

(١٠) هكذا في المصدر. وفي النسخ : ذراعا.

٤٠٢

والتّوفيق بين هذا الخبر والخبرين الأوّلين ، أنّ المراد بالجار في هذا الخبر الجار ذي القربى ، وفي الأوّلين الجار الجنب.

وفي من لا يحضره الفقيه (١) : في الحقوق المرويّة عن عليّ بن الحسين ـ عليهما السّلام ـ : وأمّا حقّ جارك ، فحفظه غائبا ، وإكرامه شاهدا ، ونصرته إذا كان مظلوما ، ولا تتّبع له عورة ، وإن علمت عليه سوء سترته عليه ، وإن علمت أنّه يقبل نصيحتك نصحته فيما بينك وبينه ، ولا تسلمه (٢) عند شديدة (٣) ، وتقيل عثرته (٤) ، وتغفر ذنوبه (٥) ، وتعاشره معاشرة كريمة ، ولا قوّة إلّا بالله.

وعن الصّادق ـ عليه السّلام ـ (٦) : حسن الحوار يزيد في الرّزق.

وقال : حسن الجوار (٧) يعمر الدّيار ويزيد في الأعمار.

وعن الكاظم ـ عليه السّلام ـ (٨) : ليس حسن الجوار كفّ الأذى ، ولكن حسن الجوار صبرك على الأذى.

وعن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ : الجيران ثلاثة : فجار له ثلاثة حقوق : حقّ الجوار وحقّ القرابة وحقّ الإسلام. وجار له حقّان : حقّ الجوار وحقّ الإسلام. وجار له حق واحد ، حقّ الجوار ، وهو المشرك من أهل الكتاب. ذكر هذا الخبر البيضاويّ ، والفاضل الكاشي في تفسيره (٩).

(وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ) : الرّفيق في أمر حسن ، كتعلّم وتصرّف وصناعة وسفر وتزوّج ، فإنّه صحبك وحصل بجنبك.

وقيل (١٠) : المرأة.

وفي أصول الكافي (١١) : عليّ بن إبراهيم ، عن هارون بن مسلم ، عن مسعدة بن

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه ٢ / ٣٧٩ ، ضمن حديث ١٦٢٦.

(٢) هكذا في المصدر. وفي النسخ : لا تلمه.

(٣) المصدر : شدائده.

(٤) المصدر : عثراته.

(٥) المصدر : ذنبه.

(٦) بل في الكافي ٢ / ٦٦٦ ، ح ٣.

(٧) بل في نفس المصدر ٢ / ٦٦٧ ، ح ٨.

(٨) أيضا في نفس المصدر والموضع ، ح ٩. وفيه : عن عبد صالح ـ عليه السّلام ـ.

(٩) أنوار التنزيل ١ / ٢١٩ ، تفسير الصافي ١ / ٤١٦.

(١٠) أنوار التنزيل ١ / ٢١٩.

(١١) الكافي ٢ / ٦٧٠ ، ح ٥.

٤٠٣

صدقة ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن آبائه ـ عليهم السّلام ـ : أنّ أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ صاحب رجلا ذمّيّا ، فقال له الذّمّي : أين تريد يا عبد الله؟

فقال : أريد الكوفة. فلمّا عدل الطّريق بالذمّيّ عدل معه أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ.

فقال له الذّمّي : ألست زعمت أنّك تريد الكوفة؟

قال له : بلى.

فقال له الذّمّيّ : فقد تركت الطّريق.

فقال له : قد علمت.

قال : فلم عدلت معي وقد علمت ذلك؟

فقال له أمير المؤمنين : هذا من تمام حسن الصّحبة أن يشيّع الرّجل صاحبه هنيئة إذا فارقه ، وكذلك أمرنا نبيّنا ـ صلّى الله عليه وآله ـ.

فقال له الذّمّي : هكذا؟

[قال :] (١) قال : نعم.

قال الّذّمّي : لا جرم إنّما تبعه من تبعه لأفعاله الكريمة ، فأنا أشهدك (٢) أنّي على دينك.

ورجع الذّمّيّ مع أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ فلمّا عرفه أسلم.

[وفي من لا يحضره الفقيه (٣) : فأمّا حقّ الصّاحب ، فأن تصحبه بالمودّة (٤) والانصاف وتكرمه كما يكرمك ولا تدعه يسبقك إلى مكرمة ، فإن سبق كافأته ، وتودّه كما يودّك ، وتزجره عمّا يهمّ به من معصية ، وكن عليه رحمة ولا تكن عليه عذابا ، ولا قوّة إلّا بالله.

] (٥) (وَابْنِ السَّبِيلِ) : المسافر ، أو الضّيف.

(وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) : العبيد والإماء.

(إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالاً) : متكبّرا ، يأنف عن أقاربه وجيرانه وأصحابه ، ولا يلتفت إليهم.

__________________

(١) من المصدر.

(٢) هكذا في المصدر. وفي النسخ : أشهد.

(٣) من لا يحضره الفقيه ٢ / ٣٧٩.

(٤) المصدر : بالتفضّل.

(٥) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

٤٠٤

(فَخُوراً) (٣٦) : يتفاخر عليهم.

(الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ) : بدل من قوله : «من كان». أو نصب على الذّمّ. أو رفع عليه ، أي : هم الّذين. أو مبتدأ خبره محذوف ، أي : الّذين يبخلون بما منحوا به ويأمرون النّاس بالبخل به أحقّاء بكلّ ملامة.

في كتاب الخصال (١) : عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : ما كان من شيعتنا فلا يكون فيهم ثلاثة أشياء : لا يكون فيهم من يسأل بكفّه ، ولا يكون فيهم بخيل (الحديث).

عن عبد الله بن غالب (٢) ، عن أبي سعيد الخدريّ قال : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : خصلتان لا تجتمعان (٣) في مسلم : البخل وسوء الخلق.

عن أحمد بن سليمان (٤) قال : سأل رجل أبا الحسن ـ عليه السّلام ـ ـ وهو في الطّواف ـ فقال له : أخبرني عن الجواد.

فقال : إنّ لكلامك وجهين : فإن كنت تسأل عن المخلوق (٥) ، فإنّ الجواد الّذي يؤدّي ما افترض الله تعالى عليه ، والبخيل من بخل (٦) بما افترض الله عليه. وإن كنت تعني : الخالق ، فهو الجواد إن أعطى وهو الجواد إن منع ، لأنّه إن أعطى عبدا أعطاه (٧) ما ليس له وإن منع منع ما ليس له.

وفي من لا يحضره الفقيه (٨) : وقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : ليس البخيل من أدّى الزّكاة المفروضة من ماله وأعطى البائنة (٩) في قومه ، إنّما البخيل حقّ البخيل من لم يؤدّ الزّكاة المفروضة من ماله ولم يعط البائنة (١٠) في قومه وهو يبدر (١١) في ما سوى ذلك.

وروي عن المفضّل بن أبي قرّة السّمندي (١٢) أنّه قال : قال لي أبو عبد الله

__________________

(١) الخصال / ١٣١.

(٢) نفس المصدر / ٧٥ ، ح ١١٧.

(٣) هكذا في المصدر. وفي النسخ : يجتمعان.

(٤) نفس المصدر / ٤٣ ، ح ٣٦.

(٥) هكذا في المصدر. وفي النسخ : المخلوقين.

(٦) هكذا في المصدر. وفي النسخ : يبخل.

(٧) هكذا في رو المصدر. وفي النسخ : أعطى.

(٨) من لا يحضره الفقيه ٢ / ٣٤ ، ح ١٤١.

(٩) في هامش الأصل : «البائنة : العطية. سميّت بها لانّها أبينت من المال (منه سلمه الله تعالى).» وفي المصدر : النائبة.

(١٠) المصدر : النائبة.

(١١) المصدر : يبذر.

(١٢) نفس المصدر والموضع ، ح ١٤٢.

٤٠٥

ـ عليه السّلام ـ : أتدري من الشّحيح؟

فقلت : هو البخيل.

فقال : الشّحّ ، أشدّ من البخل ، إنّ البخيل يبخل بما في يده ، والشّحيح يشحّ بما في أيدي النّاس وعلى ما في يديه حتّى لا يرى في أيدي النّاس شيئا إلّا تمنّى أن يكون له بالحلّ والحرام ، ولا يقنع بما رزقه الله ـ عزّ وجلّ ـ.

وقال أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ (١) : إذا لم يكن لله ـ عزّ وجلّ ـ في العبد حاجة ابتلاه بالبخل.

وقرأ حمزة والكسائي هاهنا وفي الحديد : «بالبخل» بفتح الحرفين ، وهي لغة (٢).

(وَيَكْتُمُونَ ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) : من الغنى والعلم ، حيث ينبغي الإظهار.

(وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً) (٣٧) : وضع الظّاهر فيه موضع المضمر ، إشعارا بأنّ من هذا شأنه فهو كافر لنعمة الله ، ومن كان كافرا لنعمة الله فله عذاب يهينه ، كما أهان النّعمة بالبخل والإخفاء.

قيل (٣) : الآية نزلت في طائفة من اليهود [كانوا] (٤) يقولون للأنصار تنصيحا (٥) : لا تنفقوا أموالكم فإنّا نخشى عليكم الفقر.

وقيل : في الّذين كتموا صفة محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ.

(وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ) : عطف على (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ) أو الكافرين شاركهم مع البخل في الذّمّ والوعيد ، لأنّ البخل والسّرف الّذي هو الإنفاق لا على ما ينبغي ، من حيث أنّهما طرفا إفراط وتفريط سواء في القبح واستجلاب الذّمّ.

أو مبتدأ خبره محذوف ، يدلّ عليه ما بعده ، أي : قرينهم الشّيطان.

(وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ) : ليتحرّوا بالإنفاق مراضيه وثوابه.

قيل (٦) : هم مشركوا مكّة.

وقيل : المنافقون.

__________________

(١) نفس المصدر ٢ / ٣٥ ، ح ١٤٤.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٢١٩.

(٣) نفس المصدر والموضع.

(٤) من المصدر.

(٥) هكذا في المصدر. وفي النسخ : تنصّحا.

(٦) نفس المصدر والموضع.

٤٠٦

(وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً فَساءَ قَرِيناً) (٣٨) : تنبيه ، على أنّ الشّيطان قرينهم فحملهم على ذلك وزيّنه لهم ، كقوله : (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ) والمراد إبليس وأعوانه. ويجوز أن يكون وعيدا لهم ، بأن يقرن بهم الشّيطان في النّار.

(وَما ذا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللهُ) ، أي : أيّ تبعة تحيق بهم بالإيمان والإنفاق في سبيل الله.

وهو توبيخ لهم على الجهل بمكان المنفعة والاعتقاد في الشيء على خلاف ما هو عليه ، وتحريض على الفكر لطلب الجواب لعلّه يؤدّي بهم إلى العلم بما فيه من الفوائد الجليلة والفوائد الجميلة ، وتنبيه على أنّ المدعوّ إلى أمر لا ضرر فيه ينبغي أن يجيب إليه احتياطا فكيف إذا تضمّن المنافع.

وإنّما قدّم الإيمان هاهنا وأخّره في الآية السّابقة ، لأنّ القصد بذكره إلى التّخصيص هنا والتّعليل ثمّة. أو لأنّ المقصود في السّابق ذمّهم وفي تأخير عدم الإيمان سلوك مسلك التّرقّي ، والمقصود هاهنا إزالة الأوصاف الذّميمة ، وإزالة الكفر يستحقّ التّقديم ، لأنّ إزالة الإنفاق رئاء موقوفة على إزالته ، ولأنّ إزالة الأقبح أهمّ.

(وَكانَ اللهُ بِهِمْ عَلِيماً) (٣٩) : وعيد لهم.

(إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ) : لا ينقص من الأجر ولا يزيد في العقاب أصغر شيء ، كالذّرّة ، وهي النّملة الصّغيرة. ويقال لكلّ جزء من أجزاء الهباء.

والمثقال ، مفعال ، من الثّقل. وفي ذكره إيماء ، إلى أنّه وإن صغر قدره عظم جزاؤه ، حيث أثبت للذّرّة ثقلا. وإيماء ، إلى أنّ وضع الشيء في غير محلّه وإن كان حقيرا فهو عظيم ثقيل في القبح.

(وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً) : وإن يك مثقال الذّرة حسنة. وأنّث الضّمير لتأنيث الخبر ، أو لإضافة المثقال إلى المؤنّث. وحذف النّون من غير قياس ، تشبيها بحروف العلّة.

وقرأ ابن كثير ونافع : «حسنة» بالرّفع ، على «كان» التّامّة (١).

(يُضاعِفْها) ، أي : ثوابها ، أو الحسنة نفسها ، بناء على تجسّم الأعمال.

وقرأ ابن كثير وابن عامر ويعقوب : «يضعفها» وكلاهما بمعنى (٢).

(وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ) : ويؤت صاحبها من عنده ، على سبيل التّفضّل زيادة على

__________________

(١ و ٢) أنوار التنزيل ١ / ٢٢٠.

٤٠٧

ما وعد في مقابلة العمل.

(أَجْراً عَظِيماً) (٤٠) : عطاء جزيلا. وإنّما سمّاه أجرا ، لأنّه تابع للأجر مزيد عليه.

(فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ) : فكيف حال هؤلاء الكفرة من اليهود وغيرهم إذا جئنا من كلّ أمّة شهيد ، يعني : نبيّهم ليشهد على فساد عقائدهم وقبح أعمالهم.

والفاء في «فكيف» الفصيحة ، أي : إذا عرضت حال هؤلاء. والظّرف ، أعني : «إذا» متعلّق «بكيف» ، أي : كيف حال هؤلاء في هذا الوقت (١).

(وَجِئْنا بِكَ) : يا محمّد ، (عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً) (٤١) : تشهد على صدق هؤلاء الشّهداء لعلمك بعقائدهم ، واستجماع شرعك مجامع قواعدهم.

وقيل (٢) : هؤلاء إشارة إلى الكفرة المستفهم عن حالهم.

وقيل : إلى المؤمنين ، كقوله تعالى : (لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً).

في كتاب التّوحيد (٣) : عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ حديث طويل ، وفيه يقول ـ عليه السّلام ـ وقد ذكر أهل المحشر : ثمّ يجتمعون في مواطن أخر (٤) فيستنطقون فيفرّ بعضهم من بعض ، (فذلك) قوله ـ عزّ وجلّ (٥) ـ (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ) فيستنطقون فلا يتكلّمون إلّا من أذن له الرّحمن وقال صوابا ، فيقوم الرّسل ـ عليهم السّلام ـ فيشهدون في هذه المواطن (٦) ، فذلك قوله : (فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً).

وفي كتاب الاحتجاج (٧) للطبّرسيّ ـ رحمه الله ـ عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ في حديث ، يذكر فيه أحوال أهل الموقف ، وفيه : فيقام الرّسل فيسألون (٨) عن تأدية

__________________

(١) في الهامش الأصل : «ردّ على البيضاوي حيث جعله متعلّقا بمضمون المبتدأ أو الخبر من هول الأمر وتعظيم الشأن. [أنوار التنزيل ١ / ٢٢٠] (منه سلّمه الله تعالى.)

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٢٢٠.

(٣) التوحيد / ٢٦١.

(٤) المصدر : موطن اخر.

(٥) عبس / ٣٤.

(٦) المصدر : هذا المؤطن.

(٧) الاحتجاج ١ / ٣٦٠ ـ ٣٦١.

(٨) المصدر : فيسئلون.

٤٠٨

الرّسالات (١) الّتي حملوها إلى أممهم ، فأخبروا أنّهم قد أدّوا ذلك إلى أممهم ، وتسأل الأمم فيجحدونه (٢) كما قال الله (٣) : (فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ) فيقولون : (ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ) فيستشهد (٤) الرّسل رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فيشهد بصدق الرّسل ويكذّب (٥) من جحدها من الأمم فيقول لكلّ أمّة منهم : بلى (فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) أي : مقتدر (٦) على شهادة جوارحكم عليكم بتبليغ الرّسل إليكم رسالاتهم ، ولذلك (٧) قال الله ـ تعالى ـ لنبيّه : (فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً) فلا يستطيعون ردّ شهادته خوفا من أن يختم الله على أفواههم وأن تشهد عليهم جوارحهم بما كانوا يعملون ، ويشهد على منافقي قومه وأمّته [وكفّارهم بإلحادهم وعنادهم ونقضهم عهوده (٨) وتغييرهم سنّته واعتدائهم على أهل بيته وانقلابهم على أعقابهم] (٩) وارتدادهم على أدبارهم واحتذائهم في ذلك سنّة من تقدّمهم من الأمم الظّالمة الخائنة لأنبيائها ، فيقولون بأجمعهم : (رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا وَكُنَّا قَوْماً ضالِّينَ) (١٠)

وفي أصول الكافي (١١) : عليّ بن محمّد ، عن سهل بن زياد ، عن يعقوب بن يزيد ، عن زياد القنديّ ، عن سماعة قال : قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ في هذه الآية (١٢) ، قال : نزلت في أمّة محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ خاصّة ، في كلّ قرن منهم إمام منّا شاهد عليهم ، ومحمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ شاهد علينا.

[وفي شرح الآيات الباهرات : مثله سواء] (١٣)

أقول : نزول هذه الآية في هذه الأمّه لا ينافي عموم حكمها ، فلا تنافي بين الأخبار.

__________________

(١) المصدر : الرسالة.

(٢) المصدر : «وتسأل الأمم فتجحد» بدل «فأخبروا أنّهم قد أدّوا ذلك إلى أممهم وتسأل الأمم فيجحدونه».

(٣) الأعراف / ٦.

(٤) المصدر : فتشهد.

(٥) المصدر : تكذيب.

(٦) هكذا في المصدر. وفي النسخ : يقتدر.

(٧) المصدر : «كذلك» بدل «ولذلك».

(٨) المصدر : عهده.

(٩) ليس في أ.

(١٠) المصدر : «ظالمين» والآية في سورة المؤمنون / ١٠٦.

(١١) الكافي ١ / ١٩٠ ، ح ١.

(١٢) ذكر في المصدر نفس الآية بدل «هذه الآية».

(١٣) تأويل الآيات الباهرة ، مخطوط / ٤٦. والعبارة ليست في أ.

٤٠٩

وفي مجمع البيان (١) : وروي : أنّ عبد الله بن مسعود قرأ هذه الآية [على النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ] (٢) ففاضت عيناه.

(يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ) : بيان لحالهم حينئذ ، أي : يودّ الّذين كفروا بمعصية الرّسول في ذلك الوقت ، أي : تسوّى بهم الأرض كالموتى ، أو لم يبعثوا ، أو لم يخلقوا وكانوا هم والأرض سواء.

(وَلا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً) (٤٢) : عطف [على يودّ ، أي : يومئذ لا يقدرون على كتمان حديث من الله ، لأنّ جوارحهم تشهد عليهم.

وقيل (٣) : الواو للحال ، أي : يودّون أن تسوّى بهم الأرض ، وحالهم أنّهم لا يكتمون من الله حديثا ولا يكذبونه بقولهم : والله ربّنا ما كنّا مشركين. يشتدّ عليهم الأمر من شهادة جوارحهم فيتمنّون أن تسوّى بهم الأرض.

وفي تفسير العيّاشي (٤) : عن مسعدة بن صدقة ، عن جعفر بن محمّد ـ عليهما السّلام ـ عن جدّه ، (٥) عن أمير المؤمنين ـ عليهم السّلام ـ في خطبة يصف بها (٦) هول يوم القيامة : ختم على الأفواه فلا تكلّم ، وتكلّمت (٧) الأيدي ، وشهدت الأرجل ، ونطقت الجلود بما عملوا ، فلا يكتمون الله حديثا.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٨) : قال : يتمنّى الّذين غصبوا أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ أن تكون الأرض ابتلعتهم في اليوم الّذي اجتمعوا فيه على غصبه ، وأن لم يكتموا (٩) ما قاله رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فيه.

وقرأ نافع وابن عامر : «تسوّى» على أنّ أصله «تستوي» فأدغم التّاء في السّين.

وحمزة والكسائي : «تسوّى» على حذف التّاء الثّانية ، يقال : سوّيته فتسوّى (١٠).

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ) ، أي : لا تقوموا إليها وأنتم سكارى ـ من نحو نوم وكسل وغير ذلك ـ حتّى تعلموا وتفهموا

__________________

(١) مجمع البيان ٢ / ٤٩.

(٢) من المصدر.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٢٢٠.

(٤) تفسير العياشي ١ / ٢٤٢ ، ح ١٣٣.

(٥) المصدر : «قال : قال» بدل «عن».

(٦) ليس في المصدر.

(٧) المصدر : فتكلّمت.

(٨) تفسير القمي ١ / ١٣٩.

(٩) هكذا في المصدر. وفي النسخ : لا يكتموا.

(١٠) أنوار التنزيل ١ / ٢٢٠ ـ ٢٢١.

٤١٠

ما تقولون في صلاتكم.

قال البيضاويّ (١) : روي أنّ عبد الرّحمن بن عوف صنع مأدبة ودعى نفرا من الصّحابة حين كانت الخمر مباحة ، فأكلوا وشربوا حتّى ثملوا ، وجاء وقت صلاة المغرب ، فتقدّم أحدهم ليصلّي بهم ، فقرأ : أعبد ما تعبدون. فنزلت.

قال (٢) : وقيل : أراد بالصّلاة مواضعها ، وهي المساجد ، وليس المراد منه نهي السّكران عن قربان الصّلاة ، وإنّما المراد منه النّهي عن الإفراط في الشّرب والسّكر ، من «السّكر» وهو السّدّ.

ما قاله مبنيّ على أنّ الخمر كان حلالا في أوّل الإسلام ، وقد قدّمنا ما يدلّ على خلافه ، بل المراد منه النّهي عن قربان الصّلاة في حالة سكر النّوم والكسل وغيره.

وفي تفسير العيّاشيّ (٣) : عن الحلبيّ قال : سألته عن هذه الآية؟

قال : لا تقربوا الصّلاة وأنتم سكارى ، يعني : سكر النّوم ، يقول : بكم نعاس يمنعكم أن تعلموا ما تقولون في ركوعكم وسجودكم وتكبيركم ، وليس كما يصف كثير من النّاس يزعمون أنّ المؤمنين يسكرون من الشّراب ، والمؤمن لا يشرب مسكر ولا يسكر.

وفي كتاب علل الشّرائع (٤) : حدّثنا محمّد بن عليّ بن ماجلويه قال : حدّثنا عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حمّاد ، عن حريز ، عن زرارة ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ وذكر حديثا طويلا ، وفيه يقول ـ عليه السّلام ـ : لا تقم إلى الصّلاة متكاسلا ولا متناعسا ولا متثاقلا ، فإنّها من خلال النّفاق ، وقد نهى الله ـ عزّ وجلّ ـ المؤمنين أن يقوموا إلى الصّلاة وهم سكارى ، يعني من النّوم.

وفي الكافي : مثله (٥).

وفيه (٦) : محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن حمّاد بن عيسى ، عن الحسين بن المختار ، عن أبي أسامة زيد الشّحّام قال : قلت لأبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ : قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى).

قال : سكر النّوم.

__________________

(١ و ٢) نفس المصدر ١ / ٢٢١.

(٣) تفسير العياشي ١ / ٢٤٢ ، ح ١٣٧.

(٤) علل الشرائع / ٣٥٨ ، ضمن حديث ١.

(٥) الكافي ٣ / ٢٩٩ ، ضمن حديث ١.

(٦) الكافي ٣ / ٣٧١ ، ح ١٥.

٤١١

وفي من لا يحضره الفقيه (١) : وروى زكريّا النّقّاص عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ).

قال : منه سكر النّوم.

وفي كتاب الخصال (٢) : فيما علّم أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ أصحابه : السّكر أربع سكرات : سكر الشّراب ، وسكر المال ، وسكر النّوم ، وسكر الملك.

وأمّا ما رواه في مجمع البيان (٣) : عن موسى بن جعفر ـ عليهما السّلام ـ : «أنّ المراد به سكر الشّراب» فمحمول على التّقيّة ، لأنّه موافق لمذهب العامّة كما نقلنا عنهم.

وقد روي فيه : عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ : أنّ المراد به سكر النّوم خاصّة.

وقرئ : «سكارى» بالفتح. و «سكرى» على أنّه جمع ، كهلكى ، أو مفرد ، بمعنى : وأنتم قوم سكرى. وسكرى كحبلى ، على أنّه صفة الجماعة (٤).

(وَلا جُنُباً) :

قيل (٥) : عطف على قوله : (وَأَنْتُمْ سُكارى) إذ الجملة في موضع النّصب على الحال.

والجنب ، الّذي أصابته الجنابة. يستوي فيه المذكّر والمؤنّث والواحد والجمع ، لأنّه يجري مجرى المصدر.

(إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ) :

قيل (٦) : متعلّق بقوله (وَلا جُنُباً) استثناء من أعمّ الأحوال ، أي : لا تقربوا الصّلاة جنبا في حال من الأحوال إلّا في حال السّفر ، وذلك إذا لم يجد الماء وتيمّم ، ويدلّ عليه تعقيبه بذكر التّيمّم. أو صفة لقوله : جنبا ، أي : جنبا غير عابري سبيل ، وفيه (دلالة) على أنّ التّيمّم لا يرفع الحدث.

وقيل (٧) : المراد «بالصّلاة» مواضع الصّلاة ، و «بعابري سبيل» المجتازون فيها.

وقيل (٨) : في الآية الكريمة قد استخدم ـ سبحانه ـ بلفظ الصّلاة لمعنيين : أحدهما ، إقامة الصّلاة بقرينة قوله : (حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ). والآخر ، موضع الصّلاة بقرينة قوله

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه ١ / ٣٠٣ ، ح ١٣٨٩.

(٢) الخصال / ٦٣٦.

(٣) مجمع البيان ٢ / ٥١. (٤) أنوار التنزيل ١ / ٢٢١.

(٥ و ٦ و ٧) نفس المصدر والموضع. (٨) تفسير الصافي ١ / ٤١٩ ـ ٤٢٠.

٤١٢

ـ جلّ شأنه ـ : (وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ).

وفيه : أنّ الاستخدام إمّا بذكر لفظ وإرادة معنى وبضميره معنى آخر ، أو بإرجاع الضّميرين إلى شيء والإرادة من كلّ من ضمير به غير ما أريد بالآخر لا ثالث له ، وفي الآية ليس كذلك. والأوجه أن يقال : بحذف «تقربوها» بعد كلمة «لا» معطوفا على الجملة السّابقة والحمل على الاستخدام حتّى لا تلزم مخالفة قاعدة الاستخدام ، ويطابق الأخبار الأوّلة الدّالّة على أنّ المراد بالصّلاة معناها ، والأخبار الدّالّة على أنّ المراد هنا المساجد.

ففي كتاب علل الشّرائع (١) : أبي ـ رحمه الله ـ قال : حدّثنا سعد بن عبد الله قال : حدّثنا يعقوب بن يزيد ، عن حمّاد بن عيسى ، عن حريز ، عن زرارة ومحمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : قلنا (٢) له : الحائض والجنب يدخلان المسجد أم لا؟

قال : الحائض والجنب لا يدخلان المسجد إلّا مجتازين ، إنّ الله ـ تعالى ـ يقول : (وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا).

والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٣) : سئل الصّادق ـ عليه السّلام ـ عن الحائض والجنب يدخلان المسجد أم لا؟

فقال : الحائض والجنب لا يدخلان المسجد إلّا مجتازين ، فإنّ الله ـ تعالى ـ يقول : (وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا) ويضعان فيه الشّيء ولا يأخذان منه.

فقلت : فما بالهما يضعان فيه ولا يأخذان منه؟

فقال : لأنّهما يقدران على وضع الشّيء من غير دخول ، ولا يقدران على أخذ ما فيه حتّى يدخلا.

وقد روي في الكافي (٤) : عن محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن حمّاد بن عيسى ، عن حريز ، عن زرارة ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : سألته ، كيف صارت الحائض تأخذ ما في المسجد ولا تضع فيه؟

فقال : لأنّ الحائض تستطيع أن تضع ما في يدها في غيره ، ولا تستطيع أن تأخذ ما فيه إلّا منه.

__________________

(١) علل الشرائع / ٢٨٨ ، صدر حديث ١.

(٢) هكذا في المصدر. وفي النسخ : قلت.

(٣) تفسير القمي ١ / ١٣٩.

(٤) الكافي ٣ / ١٠٦ ـ ١٠٧ ، ح ١.

٤١٣

ويمكن دفع المنافاة بين الخبرين ، بأنّ المراد أنّ الوضع والأخذ إذا كان كلّ منهما مستلزما للدّخول واللّبث ودعت الضّرورة إلى أخذ ما وضعته سابقا جاز الأخذ دون الوضع ، وإذا لم يكن الوضع مستلزما للدّخول واللّبث وكان الأخذ غير مستلزم لهما جاز الوضع دونه.

(حَتَّى تَغْتَسِلُوا) : غاية النّهي عن القربان حال الجنابة.

(وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى) : مرضا يخاف معه من استعمال الماء ، فإنّ الواجد له فاقده معه. أو مرضا يمنعه عن الوصول إليه. وهذا التّقييد وكذا التّقييد الآتي مفهوم من قوله : «فلم تجدوا» لأنّه متعلّق بالجمل الأربع (١).

وفي مجمع البيان (٢) : (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى) قيل : نزلت في رجل من الأنصار كان مريضا ولم يستطع أن يقوم فيتوضّأ.

فالمرض الّذي يجوز فيه التّيمّم ، مرض الجراح والكسر والقروح إذا خاف صاحبها من مسّ الماء ، عن ابن عبّاس وابن مسعود والسّدي والضّحّاك ومجاهد وقتادة.

وقيل : هو المرض الّذي لا يستطيع معه تناول الماء ولا يكون هناك من يناوله ، عن الحسن وابن زيد ، وكان الحسن لا يرخّص للجريح التّيمّم.

والمرويّ عن السّيّدين الباقر والصّادق ـ عليهما السّلام ـ جواز التّيمّم في جميع ذلك.

(أَوْ عَلى سَفَرٍ) : لا تجدونه فيه.

(أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ) : فأحدث بخروج الخارج من أحد السّبيلين ولم يجد ماء.

__________________

(١) في هامش الأصل : «ردّ على الفاضل الكاشي في ردّه على البيضاوي.» قال البيضاوي في أنوار التنزيل ١ / ٢٢١ بعد ذكر الآية : «مرضا يخاف معه من استعمال الماء. فانّ الواجد له كالفاقد ، أو مرضا يمنعه عن الوصول إليه.» وقال الفيض الكاشاني في الصافي ١ / ٤٢٠ ، بعد ذكر الآية :

«قيل : يعني مريضا يخاف على نفسه باستعمال الماء أو الوصول إليه.

أقول : لا حاجة إلى هذا التقييد لأنّ قوله تعالى (فَلَمْ تَجِدُوا ماءً) متعلّق بالجمل الأربع وهو يشمل عدم التمكّن من استعماله. لأنّ الممنوع منه كالمفقود. وكذلك تقييد السفر بعدم وجدان الماء. وهما مستفادان من النصوص المعصومية ، ايضا.»

(٢) مجمع البيان ٢ / ٥٢.

٤١٤

وأصل الغائط ، المكان المطمئنّ من الأرض.

(أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ) :

قيل (١) : أي : مسستم بشرتهنّ ببشرتكم.

وقرأ حمزة والكسائيّ هنا وفي المائدة : «لمستم» واستعماله الكناية عن الجماع أقلّ من الملامسة (٢). والمراد هنا : جامعتم.

ففي الكافي (٣) : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حمّاد بن عثمان ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : سألته عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ أو لامستم.

قال : هو الجماع ، ولكنّ الله ستير يحب السّتر فلم يسمّ كما تسمّون.

وفي تفسير العيّاشيّ (٤) : عن منصور بن حازم ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : اللّمس ، الجماع.

عن أبي مريم (٥) قال : قلت لأبي جعفر ـ عليه السّلام ـ : ما تقول في الرّجل يتوضّأ ثمّ يدعو بجاريته فتأخذ بيده حتّى ينتهي إلى المسجد ، فإنّ من عندنا يزعمون أنّها الملامسة؟

فقال : لا والله ، ما بذلك بأس ، وربّما فعلته ، وما يعني بهذا ، أي : (لامَسْتُمُ النِّساءَ) إلّا المواقعة دون الفرج.

عن الحلبيّ (٦) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : سأله قيس بن رمّانه قال : أتوضّأ ثمّ أدعو الجارية فتمسك بيدي فأقوم وأصلّي ، أعليّ وضوء؟

فقال : لا.

قال فإنّهم يزعمون أنّه اللّمس.

قال : لا والله ، ما اللّمس إلّا الوقاع ، يعني : الجماع. ثمّ قال : قد كان أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ بعد ما كبر يتوضّأ ثمّ يدعو الجارية فتأخذ (٧) بيده فيقوم ويصلّي.

(فَلَمْ تَجِدُوا ماءً) : بأن تفقدوه ، أو لم تتمكّنوا من استعماله كما سبق ، والعبارة : فلم يوجد ماء. والعدول لإرادة هذا المعنى.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٢٢١. وفيه : أو ماسستم.

(٢) نفس المصدر والموضع.

(٣) الكافي ٥ / ٥٥٥ ، ح ٥.

(٤) تفسير العياشي ١ / ٢٤٣ ، ح ١٤٠.

(٥) نفس المصدر والموضع ، ح ١٣٩.

(٦) نفس المصدر والموضع ، ح ١٤٢.

(٧) هكذا في المصدر. وفي النسخ : ثم يأخذ.

٤١٥

(فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ) : فتعمّدوا ترابا طاهرا ، فامسحوا ببعض الوجوه والأيدي.

وفي تفسير العيّاشيّ (١) : عن أبي أيّوب ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : التّيمّم بالصّعيد لمن لم يجد الماء كمن توضّأ من غدير من ماء ، أليس الله يقول : (فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً).

قال : قلت : فإن أصاب الماء وهو في آخر الوقت؟

قال : فقال : قد مضت صلاته.

قال : قلت له : فيصلّي بالتّيمّم صلاة أخرى.

قال : إذا رأى الماء وكان يقدر عليه انتقض التّيمّم.

وفي كتاب معاني الأخبار (٢) : وقد روي عن الصّادق أنّه قال : الصّعيد ، الموضع المرتفع. والطّيّب ، الموضع الّذي ينحدر منه الماء.

وقيل (٣) : الصّعيد ، وجه الأرض ، ترابا كان أو غيره فيجوز التّيمّم على الحجر الصّلد. ويدفعه من القرآن قوله في المائدة : فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ، أي : من بعضه ، وجعل «من» لابتداء الغاية تعسّف إذ لا يفهم في مثله إلّا التّبعيض.

ومن الحديث قوله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : جعلت لي الأرض مسجدا وترابها طهورا (٤).

فلو كان مطلق الأرض طهورا لكان ذكر التّراب مخلا ، وكان العبارة أن يقول : جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا (٥) كما في الرّواية الأخرى.

والآية دلّت على أنّ المسح ببعض الرّأس واليدين لمكان الباء لا لإفادة الباء التّبعيض ، حتّى يرد أنّ سيبويه صرّح بخلافه بل لمكانه وكونه حيث لم يحتج إليه ، لتعدية الفعل بنفسه إلى المفعول.

(إِنَّ اللهَ كانَ عَفُوًّا غَفُوراً) (٤٣) : فلذلك يسّر الأمر عليكم ، ورخّص لكم.

__________________

(١) نفس المصدر ١ / ٢٤٤ ، ح ١٤٣.

(٢) لم نعثر عليه في معاني الأخبار ولكن نقل في الصافي ، ١ / ٤٥٥ ، عنه.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٢٢٢.

(٤) المعتبر ٢ / ١١٦.

(٥) وسائل الشيعة ، ج ٢ ، باب ٧ من أبواب التيمم ، ص ٩٦٩ ـ ٩٧٠ ، نقلا عن الكافي ، الفقيه ، المجالس ، والخصال.

٤١٦

(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا) : من رؤية البصر ، أي : ألم تنظر إليهم. أو القلب.

وعدّي «بإلى» لتضمين معنى الانتهاء.

(نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ).

قيل (١) : حظّا يسيرا من [علم] (٢) التّوراة ، لأنّ المراد أحبار اليهود.

(يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ) : بالهدى ، يختارونها على الهدى. أو يستبدلونها بعد تمكّنهم منه. أو حصوله لهم.

قيل : بإنكار نبوّة محمّد.

وقيل (٣) : يأخذون الرّشى ويحرّفون التّوراة.

(وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا) : أيّها المؤمنون.

(السَّبِيلَ) (٤٤) : سبيل الحقّ.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٤) : في هذه الآية : و (يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ) ، يعني : ضلّوا في أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ ويريدون أن تضلّوا السّبيل ، يعني : أخرجوا النّاس من ولاية أمير المؤمنين وهو الصّراط المستقيم.

(وَاللهُ أَعْلَمُ) : منكم ، (بِأَعْدائِكُمْ) : وقد أخبركم بعداوة هؤلاء وما يريدون بكم فاحذروهم ، وكفى بالله وليّا يلي أمركم.

(وَكَفى بِاللهِ وَلِيًّا وَكَفى بِاللهِ نَصِيراً) (٤٥) : يعينكم ، فثقوا عليه واكتفوا به عن غيره.

و «الباء» تزاد في فاعل «كفى» ليؤكّد الاتّصال الإسناديّ بالاتّصال الإضافي.

(مِنَ الَّذِينَ هادُوا) : بيان «للّذينَ أوتوا نصيبا» أو «لأعدائكم» أو صلة «لنصيرا» : أي : ينصركم من الّذين هادوا ويحفظكم منهم ، على الاحتمال الأوّل. وخبر مبتدأ محذوف ، بناء عليه أو على ما في تفسير عليّ بن إبراهيم ، وصفة ذلك المبتدأ «يحرّفون الكلم عن مواضعه» ، أي : من الّذين هادوا قوم.

(يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ) ، أي : يميلونه ، (عَنْ مَواضِعِهِ) : الّتي وضعه الله فيها ، بإزالته عنها وإثبات غيره فيها ، كما حرّفوا في

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٢٢٢.

(٢) من المصدر.

(٣) نفس المصدر والموضع.

(٤) تفسير القمي ١ / ١٣٩ ـ ١٤٠.

٤١٧

وصف محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ أسمر ربعة عن موضعه في التّوراة ووضعوا مكانه : آدم طوال. أو يأوّلونه على ما يشتهون ، فيميلونه عمّا أنزل الله فيه.

(وَيَقُولُونَ سَمِعْنا) : قولك.

(وَعَصَيْنا) : أمرك.

(وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ) ، أي : مدعوّا عليك بلا سمعت بصمم أو موت. أو اسمع غير مجاب إلى ما تدعو إليه. أو اسمع غير مسمع كلاما ترضاه. أو اسمع كلاما غير مسمع إيّاك ، لأنّ أذنك تنبو عنه فيكون مفعولا به. أو اسمع غير مسمع مكروها ، من قولهم : أسمعه فلان ، إذا سبّه. وإنّما قالوه نفاقا.

(وَراعِنا) : انظرنا نكلّمك ، أو نفهم كلامك.

(لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ) : فتلا بها وصرفا للكلام إلى ما يشبه السّبّ ، حيث وضعوا «راعنا» المشابه لما يتسابون به في موضع «انظرنا» و «غير مسمع» موضع «لا سمعت مكروها». أو فتلا وضمّا لما يظهرون من الدّعاء والتّوقير ، إلى ما يضمرون من السّبّ والتّحقير نفاقا.

(وَطَعْناً فِي الدِّينِ) : استهزاء به وسخرية.

(وَلَوْ أَنَّهُمْ قالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنا) : ولو ثبت قولهم هذا مكان ما قالوا ، (لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ) : أعدل وأسدد. ويجب حذف الفعل بعد «لو» في مثل ذلك لدلالة أنّ عليه ووقوعه موقعه.

(وَلكِنْ لَعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ) : ولكن أبعدهم الله من الهدى بسبب كفرهم.

(فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلاً) (٤٦) ، أي : إيمانا قليلا لا يعبأ به ، وهو الإيمان ببعض الآيات والرّسل. أو إيمانا ضعيفا لا إخلاص فيه.

ويجوز أن يراد بالقلّة العدم ، كقوله : قليل التّشكّي للمهمّ يصيبه.

أو إلّا قليلا منهم قد آمنوا ، أو سيؤمنون.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها) : الطّمس ، المحو. يقال : طمسته طمسا ، محوته. والشيء ، استأصلت أثره.

قيل (١) : أي : من قبل أن نمحو تخطيط صورها ونجعلها على هيئة أدبارها ، يعني :

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٢٢٣.

٤١٨

الأقفاء. أو ننكسها إلى ورائها في الدّنيا أو في الآخرة.

وقيل (١) : الطّمس يطلق لمطلق التّغيير ، والقلب ، والمعنى : من قبل أن نغيّر وجوها فنسلب وجاهتها وإقبالها ونكسوها الصّغار والأدبار ونردّها إلى حيث جاءت منه ، وهي أذرعات الشّام ، يعني : إجلاء بني النّضير. ويقرب منه قول من قال : إنّ المراد بالوجوه الرّؤساء.

وفي مجمع البيان (٢) : في رواية أبي الجارود عن الباقر ـ عليه السّلام ـ : أنّ المعنى : أن نطمسها عن الهدى فنرّدها على أدبارها في ضلالتها بحيث لا يفلح (٣) أبدا.

وفي تفسير العيّاشيّ (٤) : عن جابر الجعفيّ قال : قال لي أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ في حديث له طويل : يا جابر ، أوّل الأرض المغرب تخرب أرض الشام (٥). يختلفون عند ذلك على ثلاث رايات (٦) : راية الأصهب وراية الأبقع وراية السّفيانيّ ، فيلقى السّفياني الأبقع [فيقتتلون] (٧) فيقتله ومن معه وراية الأصهب ، ثمّ لا يكون لهم همّ إلّا الإقبال نحو العراق [ويمّر (٨) جيشه بقرقيسا. فيقتتلون بها. فيقتل بها من الجبارين مائة ألف].(٩) ويبعث السّفيانيّ جيشا إلى الكوفة وعدّتهم سبعون ألفا فيصيبون من أهل الكوفة قتلا وصلبا وسبيا. (فبينا) (١٠) هم كذلك إذ أقبلت رايات من ناحية خراسان تطوي المنازل [طيّا] (١١) حثيثا ومعهم نفر من أصحاب القائم ـ عليه السّلام ـ يخرج رجل من موالي أهل الكوفة في صنعاء (١٢). فيقتله أمير جيش السّفيانيّ بين الحيرة والكوفة. ويبعث السّفيانيّ بعثا إلى

__________________

(١) نفس المصدر والموضع ، باختلاف لفظي في أوّله.

(٢) مجمع البيان ٢ / ٥٥.

(٣) المصدر : «ذمّا لها بأنّها لا تفلح» بدل «بحيث لا يفلح».

(٤) تفسير العياشي ١ / ٢٤٤ ـ ٢٤٥ ، ح ١٤٧.

(٥) هكذا في المصدر. وفي النسخ : أهل الشام.

(٦) المصدر : رايات ثلاث.

(٧) من البرهان ١ / ٣٧٣ ، نقلا عن المصدر. وهو الصواب. وفي المصدر : فيقتلون

(٨) المصدر : «مرّ».

(٩) من البرهان ١ / ٣٧٣ ، نقلا عن المصدر. وفي النسخ : «ومن جيش قرقيسا فيقتلون بها مائة ألف من الجبارين». وفي المصدر : «ومر جيش قرقيسا فيقتلون بها مائة ألف من الجبارين.» وكلا العبارتين مشوّشة.

(١٠) هكذا في المصدر. وفي النسخ : وبينا.

(١١) من المصدر.

(١٢) المصدر : ضعفاء.

٤١٩

المدينة فيفرّ المهديّ ـ عليه السّلام ـ منها إلى مكّة. فيبلغ أمير جيش السّفياني أنّ المهديّ قد خرج من المدينة. فيبعث جيشا على أثره فلا يدركه حتّى يدخل مكّة خائفا يترقّب على سنّة موسى بن عمران.

[قال :] (١) وينزل جيش أمير السّفيانيّ البيداء. فينادي مناد من السّماء : «يا بيداء بيدي (٢) بالقوم.» فيخسف بهم البيداء ، فلا يفلت منهم إلّا ثلاثة نفر يحوّل الله وجوههم في أقفيتهم. وهم من كلب. وفيهم أنزلت [هذه الآية] (٣) «(يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما) أنزل على عبدنا» ، يعني : القائم ـ عليه السّلام ـ (مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها).

وروى عمرو بن شمر ، عن جابر (٤) قال : قال أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ : نزلت هذه الآية على محمّد هكذا : «يا أيّها الّذين أوتوا الكتاب آمنوا بما أنزلت في عليّ مصدّقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فنردّها على أدبارها أو نلعنهم» إلى [قوله] (٥) «مفعولا» وأمّا قوله : (مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ) يعني : مصدّقا برسول (٦) الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ.

وفي أصول الكافي (٧) : عليّ بن إبراهيم ، عن أحمد بن محمّد البرقيّ ، عن أبيه ، عن محمّد بن سنان ، عن عمّار بن مروان ، عن منخّل ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : نزل جبرئيل على محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ بهذه الآية هكذا : يا أيّها الّذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزّلنا في عليّ ـ عليه السّلام ـ نورا مبينا.

(أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَما لَعَنَّا أَصْحابَ السَّبْتِ) : أو نخزيهم بالمسخ كما أخزينا به أصحاب السّبت ، أو نلعنهم على لسانك كما لعنّاهم على لسان داود. والضّمير لأصحاب الوجوه ، أو للّذين على طريقة الالتفات ، أو للوجوه إن أريد بها الوجهاء.

قيل (٨) : وعطفه على الطّمس بالمعنى الأوّل يدلّ على أنّ المراد به ليس مسخ الصّورة في الدّنيا.

__________________

(١) من المصدر.

(٢) المصدر : أبيدي.

(٣) من المصدر.

(٤) نفس المصدر ١ / ٢٤٥ ، ح ١٤٨.

(٥) من المصدر.

(٦) هكذا في المصدر. وفي النسخ : لرسول.

(٧) الكافي ١ / ٤١٧ ، ح ٢٧.

(٨) أنوار التنزيل ١ / ٢٢٣.

٤٢٠