تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٣

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي


المحقق: حسين درگاهى
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٠٣

سليمان قال : وجد في ذخيرة حواري عيسى رقّ ، فيه مكتوب بالقلم السّريانيّ ، منقول من التّوراة ، وذلك لمّا تشاجر موسى والخضر ـ عليهما السّلام ـ. في قصّة السّفينة والجدار والغلام ، ورجع موسى إلى قومه ، فسأله أخوه هارون عمّا استعمله من الخضر وشاهده من عجائب البحر.

فقال موسى ـ عليه السّلام ـ : بينا أنا والخضر على شاطي البحر ، إذ سقط بين أيدينا طائر ، فأخذ في منقاره قطرة من ماء البحر ورمى بها نحو المشرق ، وأخذ منه ثانية ورمى بها نحو المغرب ، ثمّ أخذ ثالثة ورمى بها نحو السّماء ، ثمّ أخذ رابعة ورمى بها نحو الأرض ، ثمّ أخذ خامسة وألقاها في البحر ، فبهتنا (١) أنا والخضر من ذلك ، وسألته عنه.

فقال : لا أعلم. فبينا نحن كذلك وإذا بصيّاد يصيد في البحر ، فنظر إلينا.

فقال : ما لي أراكما في فكرة من أمر الطّائر؟

فقلنا له : هو ذاك.

فقال : أنا رجل صيّاد وقد علمت إشارته ، وأنتما نبيّان لا تعلمان! فقلنا : لا نعلم إلّا ما علّمنا الله ـ عزّ وجلّ ـ.

فقال : هذا طائر في البحر يسمّى مسلما ، لأنّه إذا صاح يقول في صياحه : مسلم مسلم ، فإشارته برمي الماء من منقاره نحو المشرق والمغرب والسّماء والأرض والبحر يقول : إنّه يأتي في آخر الزّمان نبيّ ، يكون علم أهل المشرق والمغرب وأهل السّماء والأرض عند علمه ، مثل هذه القطرة الملقاة في البحر ، ويرث علمه ابن عمّه ووصيّه. فعند ذلك سكن ما كنّا فيه من المشاجرة ، واستقلّ كلّ واحد منّا علمه بعد أن كنّا معجبين بأنفسنا ، ثمّ غاب عنّا ، فعلمنا أنّه ملك ، بعثه الله إلينا ليعرّفنا نقصنا ، حيث ادّعينا الكمال.

وممّا ذكر في معنى فضلهم ـ عليهم صلوات الله ـ

ما ذكر الشّيخ أبو جعفر

__________________

(١) النسخ والمصدر : فبهتّ. وما أثبتناه في المتن موافق البحار والنسختين ٢١٣٠ و ٢١٤٠ من الأربعين.

٤١

الطّوسيّ ـ رحمه الله ـ في كتابه مصباح الأنوار ، بإسناده إلى رجاله قال : وروي عن جعفر بن محمّد الصّادق ، عن أبيه ، عن جدّه ـ عليهم السّلام ـ قال : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : أنا ميزان العلم ، وعليّ كفّتاه ، والحسن والحسين حباله ، وفاطمة علاقته ، والأئمّة من بعدهم يزنون المحبّين والمبغضين.

وفي كتاب الاحتجاج (١) : روي عن أمير المؤمنين ، في حديث طويل يقول فيه : وقد جعل الله للعلم أهلا ، وفرض على العباد طاعتهم بقوله : (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ).

وفي نهج البلاغة (٢) : قال ـ عليه السّلام ـ : أين الّذين زعموا أنّهم الرّاسخون في العلم دوننا كذبا وبغيا علينا ، أن رفعنا الله ووضعهم ، وأعطانا وحرمهم ، وأدخلنا وأخرجهم.

[وفي روضة الكافي (٣) : ابن محبوب ، عن جميل بن صالح ، عن أبي عبيدة قال : سألت أبا جعفر ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ عزّ ذكره (٤) ـ : (الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ).

قال : فقال : يا أبا عبيدة ، إنّ لهذا تأويلا ، لا يعلمه إلّا الله والرّاسخون في العلم من آل محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ.

والحديث طويل ، أخذت منه موضع الحاجة.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٥) : حدّثني أبي ، عن محمّد بن أبي عمير ، عن جميل ، عن أبي عبيدة ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : سألته عن قول الله : (الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ).

قال : يا أبا عبيدة ، إنّ لهذا تأويلا ، لا يعلمه إلّا الله والرّاسخون في العلم من الأئمّة ـ عليهم السّلام ـ.

والحديث طويل ، أخذت منه موضع الحاجة.

حدّثنا محمّد بن أحمد بن ثابت (٦) قال : حدّثنا الحسن بن محمّد بن سماعة ، عن

__________________

(١) الاحتجاج ١ / ٣٦٩.

(٢) نهج البلاغة / ٢٠١ ، ضمن خطبة ١٤٤.

(٣) الكافي ٨ / ٢٦٩ ، صدر حديث ٣٩٧.

(٤) الروم / ١ ـ ٣.

(٥) تفسير القمي ٢ / ١٥٢.

(٦) نفس المصدر ٢ / ٤٥١.

٤٢

وهيب بن حفص (١) ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : سمعته يقول : إنّ القرآن زاجر وآمر ، يأمر بالجنّة ويزجر عن النّار ، وفيه محكم ومتشابه ، فأمّا المحكم فيؤمن به ويعمل به ، وأمّا المتشابه فيؤمن به ولا يعمل به ، وهو قول الله : (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا) وآل محمّد ـ عليهم السّلام ـ الرّاسخون في العلم.

حدّثني أبي (٢) ، عن ابن أبي عمير ، عن عمر بن أذينة ، عن بريد بن معاوية (٣) ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : إنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ أفضل الرّاسخين في العلم ، قد علم جميع ما أنزل الله عليه من التّنزيل والتّأويل ، وما كان الله لينزل عليه شيئا لم يعلّمه تأويله (٤) ، وأوصياؤه من بعده يعلمونه (٥) كلّه قال : قلت : جعلت فداك إنّ أبا الخطّاب كان يقول فيكم قولا عظيما.

قال : وما كان يقول؟

قلت : قال : إنّكم تعلمون علم الحلال والحرام والقرآن.

[قال : علم الحلال والحرام والقرآن] (٦) يسير (٧) في جنب العلم الّذي يحدث في اللّيل والنّهار (٨).

وفي أصول الكافي (٩) : عليّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس ، عن داود بن فرقد ، عمّن حدّثه ، عن ابن شبرمة قال : ما ذكرت حديثا سمعته من جعفر بن محمّد

__________________

(١) الأصل ور : وهب بن حفص. وما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

(٢) نفس المصدر ١ / ٩٦ ـ ٩٧.

(٣) المصدر : يزيد بن معاوية. وما أثبتناه في المتن موافق الأصل ور.

(٤) الأصل ور : التأويل. وما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

(٥) الأصل ور : يعلمون. وما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

(٦) يوجد في المصدر.

(٧) الأصل ور : لسير. وما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

(٨) الأصل ور : «بالليل» بدل «في الليل النهار».

(٩) الكافي ١ / ٤٣ ، ح ٩.

٤٣

ـ عليه السّلام ـ إلّا كان يتصدّع قلبي.

قال : حدّثني أبي ، عن جدّي ، عن رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ [قال ابن شبرمة : وأقسم بالله ما كذب أبوه على جدّه ولا جدّه على رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ] (١) قال : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : من عمل بالمقاييس فقد هلك وأهلك ، ومن أفتى للنّاس (٢) بغير علم ـ وهو لا يعلم النّاسخ من المنسوخ والمحكم من المتشابه ـ فقد هلك وأهلك.

بعض أصحابنا (٣) رفعه ، عن هشام بن الحكم قال : قال لي أبو الحسن موسى بن جعفر ـ عليه السّلام ـ : يا هشام ، إنّ الله ذكر أولي الألباب بأحسن الذّكر ، وحلاهم بأحسن الحلية ، وقال (٤) : [(وَ]) (٥) (الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ).

أحمد بن محمّد (٦) ، عن محمّد بن أبي عمير ، عن سيف بن عميرة ، عن أبي الصّباح الكنانيّ قال : قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ : نحن الرّاسخون في العلم.

والحديث طويل ، أخذت منه موضع الحاجة.

عدّة من أصحابنا (٧) ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسين بن سعيد ، عن النضّر بن سويد ، عن أيّوب بن الحرّ وعمران بن عليّ ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : نحن الرّاسخون في العلم ، ونحن نعلم تأويله.

عليّ بن محمّد (٨) ، عن عبد الله بن عليّ ، عن إبراهيم بن إسحاق ، عن عبد الله بن حمّاد ، عن بريد بن معاوية ، عن أحدهما ـ عليهما السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ). فرسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ أفضل الرّاسخين في العلم ، وقد علّمه الله ـ عزّ وجلّ ـ جميع ما أنزل عليه من التّنزيل والتّأويل ، وما كان الله لينزل عليه شيئا لم يعلّمه تأويله ، وأوصياؤه من بعده يعلمونه كلّه ، والّذين لا يعلمون تأويله إذا قال العالم فيهم بعلم فأجابهم الله بقوله :

__________________

(١) يوجد في المصدر.

(٢) المصدر : الناس. (ظ.)

(٣) نفس المصدر ١ / ١٥ ، ضمن ح ١١.

(٤) المصدر : فقال وقال.

(٥) يوجد في المصدر.

(٦) نفس المصدر ١ / ١٨٦ ، ضمن ح ٦.

(٧) نفس المصدر ١ / ٢١٣ ، ح ١.

(٨) نفس المصدر والموضع ، ح ٢.

٤٤

(يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا). والقرآن خاصّ وعامّ ومحكم ومتشابه وناسخ ومنسوخ ، فالرّاسخون في العلم يعلمونه.

الحسين بن محمّد (١) ، عن معلّى بن محمّد [عن محمّد] (٢) بن أورمة ، عن عليّ بن حسّان ، عن عبد الرّحمن بن كثير ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ [قال :] (٣) الرّاسخون في العلم أمير المؤمنين والأئمّة من بعده ـ عليهم السّلام ـ.

] (٤)

وبإسناده (٥) إلى أبي جعفر الباقر ـ عليه السّلام ـ في حديث طويل يقول فيه ـ عليه السّلام ـ : فإن قالوا : من الرّاسخون في العلم؟ فقل : من لا يختلف في علمه ، فإن قالوا : فمن هو ذاك؟ فقل : كان رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ صاحب ذلك ، فهل بلّغ أولا؟ فإن قالوا : قد بلّغ ، فقل : هل مات ـ صلّى الله عليه وآله ـ والخليفة من بعده يعلم علما ليس فيه اختلاف؟ فإن قالوا : لا ، فقل : إنّ خليفة رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ مؤيّد ، ولا يستخلف رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ إلّا (٦) من يحكم (٧) بحكمه وإلّا من يكون مثله إلّا النّبوّة ، وإن كان (٨) رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ لم يستخلف في علمه أحدا فقد ضيّع من في أصلاب الرّجال ممّن يكون بعده.

وفي كتاب كمال الدّين (٩) وتمام النّعمة : بإسناده إلى سليم بن قيس الهلاليّ قال : سمعت عليّا ـ عليه السّلام ـ يقول : ما نزلت على رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ آية من القرآن إلّا أقرأنيها ، واملاها عليّ ، وأكتبها (١٠) بخطّي ، وعلّمني تأويلها وتفسيرها وناسخها ومنسوخها ومحكمها ومتشابهها ، ودعا الله ـ عزّ وجلّ (١١) ـ أن يعلّمني فهمها وحفظها. فما نسيت آية من كتاب الله ولا علما أملاه [عليّ] (١٢) فكتبته. وما ترك (١٣) شيئا علّمه الله ـ عزّ وجلّ ـ من حلال ولا حرام ولا أمر ولا نهي وما كان وما يكون من طاعته او

__________________

(١) نفس المصدر والموضع ، ح ٣.

(٢ و ٣) يوجد في المصدر.

(٤) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٥) نفس المصدر / ١ / ٢٤٥ ، ضمن ح ١. وفي أ : وفي أصول الكافي وبإسناده.

(٦) ليس في أور.

(٧) ر : لم يحكم.

(٨) أ : لن كان.

(٩) كمال الدين وتمام النعمة / ٢٨٤ ـ ٢٨٥ ، ح ٣٧.

(١٠) المصدر : كتبتها.

(١١) المصدر : ودعا ـ عزّ وجلّ ـ لي.

(١٢) يوجد في المصدر.

(١٣) النسخ : وما ترك الله. وما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

٤٥

معصيته (١) إلّا علّمنيه وحفظته ، فلم أنس منه حرفا واحدا.

والحديث طويل ، أخذت منه موضع الحاجة.

واعلم أنّ التّفسير بالرّأي للمتشابه (٢) حرام ، ومن فسّره برأيه كافر ، يدلّ عليه ما رواه في كتاب كمال الدّين وتمام النعمة ، (٣) بإسناده إلى عبد الرّحمن بن سمرة ، عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ في حديث طويل يقول فيه ـ عليه السّلام ـ : من (٤) فسّر القرآن برأيه فقد افترى على الله الكذب.

وما رواه في كتاب التّوحيد (٥) ، بإسناده إلى الرّيّان بن الصّلت (٦) ، عن عليّ بن موسى الرّضا ـ عليه السّلام ـ عن أبيه ، عن آبائه ، عن عليّ ـ عليه السّلام ـ قال : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : قال الله ـ جلّ جلاله ـ : ما آمن بى من فسّر برأيه كلامي.

ولا خفاء أنّ المراد تفسير المتشابه ، وتأويل المحكم بالرّأي ، بغير ما يدلّ عليه ظاهره ، وبذلك يظهر عدم إيمان اكثر المفسّرين ، ممّن يفسّرون القرآن برأيهم ويأوّلونه على مذاقهم ، ممّن نقلنا بعض تأويلاتهم في أوائل التّفسير تقدمة لهذا التّصريح ، فإنه لا ربة (٧) ، لأحد في أنّهم لا يردّون المتشابهات إلى الرّاسخين الّذين هم الأئمّة ـ عليهم السّلام ـ ويفسّرون الرّاسخين أيضا برأيهم ، ولا يعنون منه النّبيّ والأئمّة ـ عليهم السّلام ـ. فتبصّر.

(رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا) : من مقالة الرّاسخين.

وقيل (٨) : استئناف ، والمعنى : لا تزغ قلوبنا عن نهج الحقّ ، وهو من الرّاسخين خضوع في مقام العبوديّة.

وقيل : لا تبلنا ببلايا تزيغ فيها قلوبنا.

(بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا) إلى الحقّ و «بعد» نصب على الظّرف و «إذ» في محلّ الجرّ

__________________

(١) أ : من طاعة أو معصية.

(٢) ر : فالمتشابه.

(٣) نفس المصدر / ٢٥٧ ، ضمن ح ١.

(٤) أو المصدر : ومن.

(٥) التوحيد / ٦٨ ، صدر ح ٢٣.

(٦) أ : الريّان بن أبي الصلت.

(٧) أ : «فأديته» بدل فانّه لا ربة.

(٨) أنوار التنزيل ١ / ١٥٠.

٤٦

بإضافته إليه.

وقيل (١) : إنّه بمعنى : إن.

(وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً) : تزلّفنا إليك ونفوز بها عندك ، أو توفيقا للثّبات على الحقّ ، أو مغفرة للذّنوب أو الأعمّ.

(إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) (٨) : لكلّ سؤل.

في تفسير العيّاشيّ (٢) : عن سماعة بن مهران قال : قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ : أكثروا من أن تقولوا : (رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا) ، ولا تأمنوا الزّيغ.

وفي تهذيب الأحكام (٣) : في الدّعاء بعد صلاة الغدير المسند إلى الصّادق ـ عليه السّلام ـ : ربّنا إنّك أمرتنا بطاعة ولاة أمرك ، وأمرتنا أن نكون مع الصّادقين فقلت : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) ، وقلت : (اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) ، فسمعنا وأطعنا ، ربّنا فثبّت أقدامنا وتوفّنا مسلمين مصدّقين لأوليائك ، و (لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ).

وفي هذا الخبر دلالة على أنّ المراد بالدّعاء بعدم الإزاغة ، عدم الإزاغة عن الولاية.

(رَبَّنا إِنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ) : لحساب يوم ، أو جزائه.

(لا رَيْبَ فِيهِ) في وقوعه ، ووقوع ما أخبر بوقوعه فيه.

(إِنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ) (٩) : فإنّ الإلهيّة تنافيه ، وللإشعار به وتعظيم الموعود به لوّن الخطاب.

قال البيضاويّ (٤) : واستدلّ به الوعيديّة ، وأجيب بأنّ وعيد الفسّاق مشروط بعدم العفو لدلائل منفصلة ، كما هو مشروط بعدم التّوبة وفاقا.

ويردّ على هذا الجواب أنّ العفو بالتّوبة موعود بخلاف العفو بدونه ، واشتراط وعيد الفسّاق بعدم العفو لا معنى له ، إذ لا يسمّى أضربك إن لم أعف وعيدا ، كما يسمّى أعطيك إن جئتني وعدا ، فتأمّل يظهر الفرق.

(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) :

الظّاهر أنّه عامّ في الكفرة.

__________________

(١) نفس المصدر والموضع.

(٢) تفسير العيّاشي ١ / ١٦٤ ، ح ٩.

(٣) تهذيب الأحكام ٣ / ١٤٧ ، ضمن ح ٣١٧.

(٤) أنوار التنزيل ١ / ١٥٠.

٤٧

وقيل (١) : المراد وفد نجران ، أو اليهود ، أو مشركو العرب.

(لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً) ، أي : من رحمته ، أو طاعته على معنى البدليّة ، أو من عذابه.

(وَأُولئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ) (١٠) : حطبها.

وقرئ بالضّمّ ، بمعنى : أهل وقودها.

(كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ) : متّصل بما قبله ، أي : لن تغني عنهم أموالهم كما لم تغن عن أولئك ، أو توقّد بهم كما توقّد بأولئك ، أو استئناف مرفوع المحلّ ، وتقديره : إنّ دأب هؤلاء كدأبهم في الكفر والعذاب. وهو مصدر دأب في العمل ، كدح فيه. فنقل إلى معنى الشّأن.

(وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) : عطف على آل فرعون ، أو استئناف.

(كَذَّبُوا بِآياتِنا فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ) : حال بتقدير «قد» أو استئناف بتفسير حالهم على التّقدير الأوّل ، وخبر على التّقدير الثّاني.

(وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقابِ) (١١) : تهويل للمؤاخذة ، وزيادة تخويف (٢) للكفرة. وفي الآية دلالة على أنّ الكفّار طريقتهم واحدة في الكفر والعذاب (٣) والخلود فيه ، سواء فيه الّذين كفروا بعد النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ والّذين كفروا قبله.

ويظهر منه أنّ المنكرين للولاية (٤) المحكوم عليهم بكفرهم دأبهم كدأب آل فرعون في ذلك ، لا يجوز إطلاق اسم الإسلام بالمعنى المقصود منه عليهم كما لا يجوز إطلاقه على آل فرعون ، وإن جاز إطلاقه عليهم بمعنى آخر كما جاز إطلاقه على فرعون أيضا ، بمعنى : أنّه أسلم لإبليس ، أو أسلم لهواه ، أو غير ذلك.

(قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ) :

في مجمع البيان (٥) : روى محمّد بن إسحاق بن يسار ، عن رجاله قال : لمّا أصاب رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ قريشا ببدر وقدم المدينة ، جمع اليهود في سوق بني (٦) قينقاع ، فقال : يا معشر اليهود احذروا من الله مثل ما نزل بقريش يوم بدر ، وأسلموا قبل أن ينزل

__________________

(١) نفس المصدر والموضع.

(٢) أ : تخفيف.

(٣) ر : العقاب.

(٤) «المنكرين للولاية» ليس في أ.

(٥) مجمع البيان ١ / ٤١٣.

(٦) في المصدر ليس «بني»

٤٨

بكم ما أنزل الله بهم ، فقد عرفتم (١) أنّي نبيّ مرسل ، تجدون ذلك في كتابكم.

فقالوا : يا محمّد ، لا يغرّنّك أنّك لقيت قوما أغمارا لا علم لهم بالحرب فأصبت منهم فرصة ، أما (٢) والله لو قاتلتنا (٣) لعرفت إنّا نحن النّاس. فأنزل الله هذه الآية.

وروي أيضا عن عكرمة وسعيد بن جبير (٤) عن ابن عبّاس ، ورواه أصحابنا أيضا.

وقال البيضاويّ (٥) ، أي : قل لمشركي مكّة : ستغلبون ، يعني : يوم بدر.

وقرأ حمزة والكسائيّ بالياء فيهما ، على أن الأمر للنّبيّ (٦) [صلّى الله عليه وآله] بأن يحكي لهم ما أخبره به من وعيدهم بلفظه (٧).

(وَبِئْسَ الْمِهادُ) (١٢) : تمام ما يقال لهم ، أو استئناف ، وتقديره ، بئس المهاد جهنم ، أو ما مهّدوه لأنفسهم.

(قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ) :

قيل (٨) : الخطاب لقريش [أو اليهود] (٩) وقيل : للمؤمنين.

(فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا) : يوم بدر.

في مجمع البيان (١٠) : ان الآية نزلت في قصّة بدر ، وكان المسلمون ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا على عدّة أصحاب طالوت الّذين جاوزوا معه النّهر ، سبعة وسبعون رجلا من المهاجرين ومائتان وستّة وثلاثون من الأنصار. واختلف في عدد المشركين ، فروي عن عليّ وابن مسعود : أنّهم كانوا ألفا.

(فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ) : وهم المؤمنون ، (وَأُخْرى كافِرَةٌ) : وهم مشركو قريش.

(يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ) ، أي : يرى المشركون المؤمنين مثليهم ، أو يرى المؤمنون المشركين مثلي المؤمنين. وكانوا ثلاثة أمثال لهم ، ليثبتوا لهم ويتيقّنوا بالنّصر الّذي وعدهم في قوله :

__________________

(١) المصدر : «نزل بهم وقد عرفتم» بدل «أنزل الله بهم فقد عرفتم».

(٢) المصدر : إنا.

(٣) المصدر : قاتلناك.

(٤) نفس المصدر والموضع.

(٥) أنوار التنزيل ١ / ١٥٠.

(٦) «للنبي» ليس في المصدر.

(٧) نفس المصدر : ١ / ١٥١.

(٨) نفس المصدر والموضع.

(٩) يوجد في المصدر.

(١٠) مجمع البيان ١ / ٤١٥.

٤٩

إن يكن منكم مائة يغلبوا مأتين.

و (١) يؤيّده قراءة نافع ويعقوب بالتاء ، وقرئ بهما بالبناء للمفعول ، أي : يريهم الله ، أو يريكهم ذلك بقدرته. و «فئة» بالجرّ على البدل من فئتين ، والنّصب على الاختصاص ، أو الحال من فاعل «التقتا.» (رَأْيَ الْعَيْنِ) : رؤية ظاهرة معاينة.

(وَاللهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ) : كما أيّد أهل بدر.

(إِنَّ فِي ذلِكَ) : أي : في التّقليل والتّكثير ، أو غلبة القليل ، أو وقوع الأمر على ما أخبر به الرّسول ـ صلّى الله عليه وآله ـ.

(لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ) (١٣) : لعظة لذوي البصائر.

وقيل (٢) : لمن أبصرهم.

(زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ) ، أي : المشهّيات. سمّاها شهوات مبالغة ، وإيماء إلى أنّهم انهمكوا في محبّتها حتّى أحبّوا شهوتها ، كقوله تعالى (٣) : (أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ).

وذهب الأشعريّ إلى أنّ المزيّن هو الله تعالى لأنّه الخالق للأفعال والدّواعي كلّها عندهم ، ويقولون : زينة ابتلاء ، أو لأنّه يكون وسيلة إلى السّعادة الأخرويّة إذا كان على وجه يرتضيه الله ، أو لأنّه من أسباب التّعيّش وبقاء النّوع.

والمعتزلة إلى أنّه الشّيطان ، والجبّائيّ فرّق بين المباح والمحرّم ، وهو الصّواب.

(مِنَ النِّساءِ) :

وفي الكافي (٤) : عدّة من أصحابنا ، عن احمد بن محمّد (٥) عن أبي عبد الله البرقيّ ، عن الحسن بن أبي قتادة ، عن رجل ، عن جميل بن درّاج قال : قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ : ما تلّذذ (٦) النّاس في الدّنيا والآخرة بلذّة أكثر لهم من لذّة النّساء ، وهو قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ) ـ إلى آخر الآية ـ ثمّ قال : وإنّ أهل الجنّة ما يتلذّون بشيء من الجنّة أشهى عندهم من النّكاح ، لا طعام ولا شراب.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ١٥١.

(٢) نفس المصدر والموضع.

(٣) ص / ٣٢.

(٤) الكافي ٥ / ٣٢١ ، ح ١٠.

(٥) «محمد عن» ليس في المصدر.

(٦) النسخ : يتلذذ. وما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

٥٠

(وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ) :

قناطير ، جمع قنطار.

وفي مجمع البيان (١) : اختلف في مقدار القنطار (٢) [..]. قيل : هو ملء مسك ثور ذهبا [..]. وهو المرويّ عن أبي جعفر وأبي عبد الله ـ عليهما السّلام ـ (انتهى.)

واختلف في أنّه فعلال ، أو فنعال. والمقنطرة مأخوذة منه للتّأكيد ، كقولهم : بدرة مبدّرة.

(مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ) : صفة للقناطير ، ويحتمل التّعلّق بالمقنطرة على تضمين معنى المملوءة.

وفي كتاب الخصال (٣) : عن محمّد بن يحيى العطّار ـ رفع الحديث ـ قال الذّهب والفضّة حجران ممسوخان (٤) ، فمن أحبّهما كان معهما.

(وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ) ، أي : المعلّمة ، من السّومة وهي العلامة. أو المرعيّة ، من أسام الدّابّة وسوّمها. أو المطهّمة التّامّة الخلق ، من السّوم في البيع ، لأنّها تسأم كثيرا. أو من السّومة كأنّها علم في الحسن.

(وَالْأَنْعامِ) : الإبل والبقر والغنم.

(وَالْحَرْثِ) :

في أصول الكافي (٥) : عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن نوح بن شعيب ، عن عبد الله الدّهقان ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : إنّ أوّل ما عصي الله به ستّ : حبّ الدّنيا ، وحبّ الرّئاسة ، وحبّ الطّعام ، وحبّ النّوم ، وحبّ الرّاحة ، وحبّ النّساء.

وفي كتاب الخصال (٦) : عن الأصبغ بن نباتة قال : قال أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ : الفتن ثلاث : حبّ النّساء وهو سيف الشّيطان ، وشرب الخمر وهو فخّ

__________________

(١) مجمع البيان ١ / ٤١٧.

(٢) المصدر : «مقداره» بدل «مقدار القنطار».

(٣) الخصال / ٤٣ ، ح ٣٨. وفيه : حدّثنا أبي ـ رضي الله عنه ـ قال : حدثنا محمد بن يحيى العطار ، عن محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران ، يرفع الحديث قال : ...

(٤) ر : مسوخان.

(٥) الكافي ٢ / ٢٨٩ ، ح ٣.

(٦) الخصال / ١١٣ ، ح ٩١ وللحديث تتمة.

٥١

الشّيطان ، وحبّ الدّينار والدّرهم وهو سهم الشّيطان. فمن (١) أحبّ النّساء لم ينتفع بعيشه (٢).

ومن أحبّ الأشربة حرّمت عليه الجنّة. ومن أحبّ الدّينار والدّرهم فهو عبد الدّنيا.

(ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا) : إشارة إلى ما ذكر ، أي ، هو متمتّع في هذه الحياة الدنيا الّتى مدّتها قليلة.

(وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ) (١٤) : أي : المرجع ، وهو تحريض (٣) على استبدال ما عنده من اللّذّات الحقيقيّة الأبديّة بالشّهوات النّاقصة الفانية.

(قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ) : تقرير لما عنده.

(لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها) : استئناف لبيان ما هو عنده.

وقيل (٤) : يجوز أن يتعلّق اللّام. «بخير» ورفع (٥) «جنّات» بتقدير (٦) : هو جنّات.

ويؤيّده قراءة من جرّها ، بدلا من خير.

(وَأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ) : ممّا يستقذر من النّساء.

وفي تفسير العيّاشيّ (٧) : عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ) ، قال : لا يحضن ولا يحدثن.

[وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٨) : قوله : (وَأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ) ، قال : في الجنّة لا يحضن ولا يحدثن.

] (٩).

(وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ) : وهو أكبر.

وقرأ عاصم ـ في رواية أبي بكر ـ في جميع القرآن بضمّ الرّاء ، ما خلا الحرف الثّاني في المائدة ، وهو قوله : رضوانه سبل السّلام ، وهما لغتان (١٠).

(وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ) (١٥) : فيثيب المحسن ، ويعاقب المسيء ، ويعلم استعداد المتّقين لما أعدّلهم.

__________________

(١) النسخ : ومن. وما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

(٢) النسخ : بعيشته. وما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

(٣) النسخ : تحريص. (ر. أنوار التنزيل ١ / ١٥١)

(٤ و ١٠) أنوار التنزيل ١ / ١٥٢.

(٥) المصدر : يرتفع.

(٦) المصدر : «على» بدل «بتقدير».

(٧) تفسير العياشي ١ / ١٦٤ ، ح ١١.

(٨) تفسير القمي ١ / ٩٨.

(٩) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

٥٢

(الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا إِنَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَقِنا عَذابَ النَّارِ) (١٦) : صفة للمتّقين ، أو للعباد ، أو مدح منصوب أو مرفوع ، ويحتمل الاستئناف. رتّب المغفرة والوقاية من النّار على الإيمان بالفاء ، إشعارا بأنّه يستلزمهما وهو كذلك ، لأنّ المراد به الإيمان بالله ورسوله وجميع ما جاء به الرسول ، الّذي [أعظمه الولاية].(١) (الصَّابِرِينَ) : في البأساء والضّرّاء.

(وَالصَّادِقِينَ) : في الأقوال والأعمال.

(وَالْقانِتِينَ) : الخاشعين.

(وَالْمُنْفِقِينَ) : أموالهم في سبيل الله.

(وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ) (١٧) ، أي : المصلّين وقت السّحر.

في مجمع البيان (٢) : رواه الرّضا ـ عليه السّلام ـ عن أبيه عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ.

وروى عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ أنّ من استغفر [الله] (٣) سبعين مرّة في (٤) وقت السّحر فهو من أهل هذه الآية.

وفي كتاب الخصال (٥) : عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ أنّه قال : من قال في وتره إذا أوتر : أستغفر الله [ربّي] (٦) وأتوب إليه ، سبعين مرّة وهو قائم مواظب على ذلك حتّى تمضي (٧) له سنة ، كتبه الله (٨) من المستغفرين بالأسحار ، ووجبت له المغفرة من الله تعالى.

وروى في من لا يحضره الفقيه (٩) : عن عمر بن يزيد ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ مثله.

وفي تفسير العيّاشيّ (١٠) : عن مفضّل بن عمر قال : قلت لأبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ : جعلت فداك تفوتني. صلاة الليل فأصلّي صلاة الفجر ، فلي أن أصلّي بعد صلاة الفجر ما فاتني من الصّلاة (١١) وأنا في صلاة قبل طلوع الشّمس؟

__________________

(١) ليس في أ.

(٢) مجمع البيان ١ / ٤١٩.

(٣) يوجد في المصدر.

(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : من.

(٥) الخصال / ٥٨١ ، ح ٣.

(٦) يوجد في ر.

(٧) المصدر : يمضي.

(٨) المصدر : كتبه الله عنده.

(٩) من لا يحضره الفقيه ١ / ٣٠٩.

(١٠) تفسير العياشي ١ / ١٦٥ ، ح ١٧.

(١١) النسخ : صلاة. وما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

٥٣

فقال : نعم ، ولكن لا تعلم به أهلك فتتّخذه (١) سنّة ، فيبطل قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ).

قال البيضاويّ (٢) حصر لمقامات (٣) السّالك على أحسن ترتيب ، فإنّ معاملته مع الله تعالى إما توسل وإمّا طلب.

والتّوسّل إمّا بالنّفس ، وهو منعها عن الرّذائل وحبسها على الفضائل ، والصّبر يشملهما. وإمّا بالبدن ، وهو إمّا قوليّ وهو الصّدق ، وإمّا فعليّ وهو القنوت الّذي هو ملازمة الطّاعة ، وإمّا بالمال وهو الإنفاق في سبيل الخير.

وأمّا الطّلب وهو الاستغفار (٤) ، لأنّ المغفرة أعظم المطالب بل الجامع لها. وتوسيط الواو بينها للّدلالة على استقلال كلّ واحدة منها وكمالهم فيها ، أو لتغاير الموصوفين بها.

(شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) ، أي : بيّن وحدانيّته بنصب الدّلائل الدّالّة عليها ، أو شهد به لنفسه.

(وَالْمَلائِكَةُ) : بالإقرار ، أو شهدوا كما شهد.

(وَأُولُوا الْعِلْمِ) : وهم الأئمّة (٥) ـ عليهم السّلام ـ بالاحتجاج عليه ، أو شهدوا كما شهد ، وعلى المعنى الأوّل في «شهد» استعارة تبعيّة ، حيث شبّه ذلك في البيان والكشف بشهادة الشّاهد.

(قائِماً بِالْقِسْطِ) : مقيما للعدل في حكمه وقضائه ، وانتصابه على الحال من «الله» وإنّما جاز إفراده بها ولم يجز جاء زيد وعمرو راكبا لعدم اللّبس ، أو من «هو» والعامل فيها معنى الجملة ، أي : تفرّد قائما أو أحقّه ، لأنّها حال مؤكّدة أو على المدح. أو الصّفة للمنفيّ ، وفيه ضعف للفصل ، وهو داخل في المشهود به إذا جعلته صفة أو حالا عن الضّمير.

وقرئ : القائم بالقسط ، على البدل من «هو» أو الخبر المحذوف (٦).

وفي تفسير العيّاشيّ (٧) : عن جابر قال : سألت أبا جعفر ـ عليه السّلام ـ عن هذه الآية : (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

__________________

(١) النسخ : فيتخذه. المصدر : فتتخذونه.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ١٥٢.

(٣) النسخ : مقامات. وما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

(٤) المصدر : «فبالاستغفار» بدل «فهو الاستغفار».

(٥) أ : علماء.

(٦) أنوار التنزيل ١ / ١٥٢.

(٧) تفسير العياشي ١ / ١٦٥ ، ح ١٨.

٥٤

قال أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ : (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) ، فإنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ يشهد بها لنفسه وهو كما قال ، فأمّا قوله : (وَالْمَلائِكَةُ) ، فإنّه أكرم الملائكة بالتّسليم له بهم وصدّقوا وشهدوا كما شهد لنفسه ، وأمّا قوله : (وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ) ، فإنّ أولي العلم الأنبياء والأوصياء وهم قيام بالقسط ، والقسط هو العدل في الظاهر ، والعدل في الباطن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ.

فعلى هذه الرّواية «قائما» حال عن أولي العلم ، وإفراده على تأويل كلّ واحد والإشعار بأنّ كلّ واحد منهم قائم به ، لئلّا يتوهمّ أنّ القسط قائم بمجموعهم من حيث هو مجموع ، وفي ذلك التّفسير (١) عن مرزبان القميّ قال : سألت أبا الحسن ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ تعالى ـ (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ). قال : هو الإمام.

وفي بصائر الدّرجات (٢) : عن عبد الله بن جعفر ، عن محمّد بن عيسى ، عن الحسن (٣) ابن عليّ الوشّاء ، عن أبي الحسن ـ عليه السّلام ـ قال : قلت : (وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ).

قال : الإمام.

(لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) : كرّره للتّأكيد ومزيد الاعتناء ، فيبنى عليه قوله : (الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (١٨) : فيعلم أنّه الموصوف بهما ، وقدّم العزيز لتقدّم العلم بالقدرة على العلم بحكمته ، ورفعهما على البدل من الضّمير أو الصّفة لفاعل «شهد».

وقد ذكر في أوّل الفاتحة ما روي في فضل هذه الآية ، عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ.

وفي كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة (٤) ، بإسناده إلى محمّد بن عثمان العمريّ ـ قدّس سرّه ـ قال : لمّا ولد الخلف المهديّ ـ صلوات الله عليه ـ سطع نور من فوق رأسه

__________________

(١) نفس المصدر ١ / ١٦٦ ، ح ١٩.

(٢) لم نجده في البصائر. ولكن في نور الثقلين ١ / ٣٢٣ ، ح ٦٩ مثله تماما. وفي البرهان ١ / ٢٧٣ ، أورده بنفس السند في ذيل ح ١ نقلا عن البصائر. والحديث منقول في البرهان موجود في البصائر / ٦٣ ، ح ٢٨. إلّا أنّ الذيل المذكور في البرهان غير مذكور في البصائر ويوجد بدلا منه ذيل لمطلب آخر.

(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : الحسين.

(٤) كمال الدين وتمام النعمة / ٤٣٣ ، ح ١٣.

٥٥

إلى عنان (١) السّماء ، ثمّ سقط لوجهه ساجدا لربّه ـ تعالى ذكره ـ ثمّ رفع رأسه وهو يقول : (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ) ـ الى آخر الآية ـ.

وفي أصول الكافي (٢) : عليّ بن محمّد ، عن محمّد بن عبد الله بن إسحاق العلويّ ، عن محمّد بن زيد الزّراميّ ، عن محمّد بن سليمان الدّيلميّ ، عن عليّ بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن (٣) أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في حديث طويل يذكر فيه ـ عليه السّلام ـ مواليد الأئمّة ـ صلوات الله عليهم ـ وفيه يقول ـ عليه السّلام ـ : وإذا وقع من بطن أمّه وقع واضعا يديه على الأرض رافعا رأسه إلى السّماء ، فأمّا وضعه يديه على الأرض فإنّه يقبض كلّ علم الله (٤) أنزله من السّماء إلى الأرض ، وأمّا رفعه (٥) رأسه إلى السّماء فإنّ مناديا ينادي من بطنان العرش من قبل ربّ العزّة من الأفق الأعلى باسمه واسم أبيه يقول : يا فلان بن فلان أثبت تثبت ، فلعظيم ما خلقتك (٦) أنت صفوتي من خلقي ، وموضع سرّي وعيبة علمي ، وأميني على وحيي وخليفتي في أرضي ، لك ولمن تولّاك أوجبت رحمتي ومنحت جناني وأحللت جواري ، ثمّ وعزّتي وجلالي لأصلينّ من عاداك أشدّ عذابي وإن وسّعت عليه في دنياي من سعة رزقي ، فإذا انقضى الصّوت ـ صوت المنادي ـ أجابه وهو واضعا يديه رافعا رأسه إلى السّماء يقول : (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

[قال :] (٧) فإذا قال ذلك أعطاه الله العلم الأوّل والعلم الآخر ، واستحقّ الرّوح زيادة (٨) في ليلة القدر.

(إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ) : جملة مستأنفة مؤكّدة للأولى ، أي : لا دين مرضيّ عند الله إلّا الإسلام ، وهو التّوحيد والتّورّع بالشّرع الّذي جاء به محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ [الّذي لا يتمّ إلّا بالولاية].(٩) يدلّ على ذلك ما رواه الشّيخ الطّوسيّ ـ رحمه الله ـ في أماليه (١٠) قال : حدّثنا (١١)

__________________

(١) المصدر : أعنان.

(٢) الكافي ١ / ٣٨٥ ـ ٣٨٦ ، ضمن ح ١.

(٣) المصدر : «قال حججنا مع» بدل «عن».

(٤) المصدر : لله.

(٥) أ : رفع.

(٦) النسخ : خلقت. وما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

(٧) يوجد في المصدر.

(٨) المصدر : «زيارة الروح» بدل «الروح زيادة».

(٩) ليس في أ.

(١٠) أمالي الطوسي ١ / ٢٠٨.

(١١) المصدر : أخبرنا.

٥٦

أبو عبد الله محمّد بن [محمّد بن] (١) النّعمان ـ رحمه الله ـ قال : حدّثنا الشّيخ (٢) أحمد بن محمّد بن الحسن [بن الوليد قال : حدّثنا أبي قال : حدّثنا محمّد بن الحسن] (٣) الصّفّار ـ رحمه الله ـ عن أحمد بن أبي عبد الله البرقيّ ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن المفضّل بن عمر ، عن الصّادق [جعفر بن محمد] (٤) ـ عليه السّلام ـ قال : قال أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ : أعطيت تسعا لم يعطها أحد قبلي سوى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : لقد فتحت لي السّبل (٥) ، وعلمت المنايا والبلايا ، والأنساب ، وفصل الخطاب ، ولقد نظرت إلى (٦) الملكوت بإذن ربّي ، فما غاب عنّي ما كان قبلي ولا ما يأتي بعدي ، وإنّ (٧) بولايتي أكمل الله لهذه الأمّة دينهم وأتمّ عليهم النّعم ورضى لهم الإسلام (٨) ، إذ يقول يوم الولاية لمحمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ : يا محمّد أخبرهم أنّي أكملت لهم اليوم دينهم وأتممت عليهم النّعم ورضيت إسلامهم ، كلّ ذلك منّ من (٩) الله عليّ (١٠) : فلله الحمد.

ولا فرق بينه وبين الإيمان في المتعلّق ، وإنّما الفرق بأنّه يقال له : الإيمان بعد رسوخه ودخوله في القلب ، وقبل ذلك يسمى إسلاما ، يدلّ على ذلك ما رواه في أصول الكافي (١١) : عن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه عمن ذكره ، عن يونس بن يعقوب ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في حديث طويل يقول فيه ـ عليه السّلام ـ : إنّ الإسلام قبل الإيمان وعليه يتوارثون ويتناكحون ، والإيمان عليه يثابون.

وما رواه ، عن عدّة من أصحابنا (١٢) ، عن سهل بن زياد ومحمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد جميعا ، عن ابن محبوب ، عن عليّ بن رئاب ، عن حمران بن أعين ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : سمعته يقول : الإسلام لا يشرك الإيمان. والإيمان يشرك الإسلام.

وهما في القول والفعل يجتمعان ، كما صارت الكعبة في المسجد والمسجد ليس في الكعبة.

__________________

(١) يوجد في المصدر.

(٢) المصدر : «أخبرنا أبو الحسن» بدل «حدثنا الشيخ».

(٣) يوجد في المصدر.

(٤) يوجد في المصدر.

(٥) النسخ : السّد. وما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

(٦) المصدر : في.

(٧) النسخ : فانّ. وما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

(٨) المصدر : إسلامهم.

(٩) ليس في المصدر.

(١٠) المصدر : به عليّ. ولا داعي لوجود «به» بعد اختيار «منّ من».

(١١) الكافي ١ / ١٧٣ ، ضمن ح ٤.

(١٢) نفس المصدر ٢ / ٢٦ ، ضمن ح ٥.

٥٧

وكذلك الإيمان يشرك الإسلام والإسلام لا يشرك الإيمان. وقد قال الله ـ عزّ وجلّ ـ (١) : (قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ).

فقول الله ـ عزّ وجلّ ـ اصدق القول.

والحديث طويل ، أخذت منه موضع الحاجة.

وفي الآية دلالة على ذلك ، حيث أفادت أن ليس دينا مرضيّا عند الله سوى الإسلام ، ولو كان الإسلام أعمّ ، بمعنى ، أنّ الإسلام كان عبارة عن الإقرار بالتّوحيد والنّبوّة ، والإيمان عبارة عنهما. وعن الإقرار بالولاية ، لكان الإقراران بدون الولاية دينا مرضيّا عنده ، وليس كذلك بالاتّفاق منّا. لا يقال : الآية دلّت على أنّ الدّين المرضيّ ممّا يصدق عليه الإسلام ولم يدلّ على أنّ كلّ إسلام دين مرضيّ ، فلعلّه ذلك باعتبار بعض أفراده.

وأيضا يكفي في كونه مرضيّا كونه ممّا يحقن به الدّم ، وترتّب بعض الأحكام عليه ، ولا يلزم كونه ممّا يثاب عليه ويصير سبب نجاة في الآخرة ، لأنّا نقول في الجواب عن الأوّل : إنّ تعريف جزئي الجملة يفيد انحصار كلّ منهما في صاحبه كما حقّق في موضعه ، فيفيد أنّ الإسلام لا يكون دينا غير مرضيّ أصلا (٢). وعن الثّاني أنّ المتبادر الصّريح من كونه مرضيّا عند الله كونه ممّا يثيب عليه في الآخرة ، وأمّا كونه مرضيّا بالمعنى الّذي ذكرته فيما لا ينقاد له الذّهن أصلا ، فلا يحمل عليه بوجه.

وقرأ الكسائي بالفتح ، على أنه بدل «أنّه». وقرئ «إنّه» بالكسر ، و «أنّ» بالفتح ، على وقوع الفعل على الثّاني واعتراض ما بينهما ، وإجراء «شهد» مجرى «قال» تارة و «علم» أخرى ، لتضمّنه معناهما (٣).

(وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) : في دين الإسلام ، فقال قوم : حقّ ، وقال قوم : مخصوص بالعرب ، ونفاه آخرون مطلقا.

وفي التّوحيد : فثلّث النّصارى. وقالت اليهود : عزير ابن الله. والّذين أوتوا الكتاب ، أصحاب الكتب المتقدّمة. وقيل (٤) : اليهود والنّصارى.

وقيل (٥) : هم قوم موسى اختلفوا بعده. وقيل : هم النّصارى اختلفوا في أمر عيسى.

__________________

(١) الحجرات / ١٤.

(٢) أ : «أو أصلا أو» بدل «أصلا و».

(٣) أنوار التنزيل ١ / ١٥٣.

(٤ و ٥) نفس المصدر والموضع.

٥٨

(إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ) ، أي : من بعد ما جاءتهم (١) الآيات الموجبة للعلم.

(وَمَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللهِ فَإِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ) (١٩) : وعيد لمن كفر منهم. وفي الآية دلالة على كفر من تمكّن من العلم (٢) بدين الحقّ وأنكر وإن لم يحصل له العلم باعتبار تهاونه.

(فَإِنْ حَاجُّوكَ) ، في الدّين بعد إقامة الحجج ، وجادلوك عنادا ، (فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ) : أخلصت له نفسي ، لا أشرك فيها أحدا. وعبّر بالوجه عن النّفس ، لأنّه أشرف الأعضاء الظّاهرة ، ومظهر القوى (٣) المدركة.

(وَمَنِ اتَّبَعَنِ) : عطف على الضّمير المرفوع للفصل (٤) ، أو مفعول معه (٥).

(وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْأُمِّيِّينَ) : الّذين لا كتاب لهم ، كمشركي العرب ، (أَأَسْلَمْتُمْ) ، كما أسلمت بعد إقامة الحجّة ، أم أنتم باقون على كفركم؟ وفيه تعيير لهم بالبلادة والمعاندة.

(فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا) : فقد انتفعوا بالهداية.

(وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ) : فلم يضرّوك ، إذ ما عليك إلّا التّبليغ ، وقد بلّغت.

(وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ) (٢٠) : وعد للنّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ وللمؤمنين ، ووعيد للمتولّين.

(إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) (٢١) : هم أهل الكتاب الّذين في عصره قتل أوّلوهم الأنبياء ومتابعيهم ورضوا به وقصدوا قتل النّبيّ والمؤمنين ولكن الله (٦) عصمهم.

ونقل (٧) : أنّ بني إسرائيل قتلوا ثلاثة وأربعين نبيّا من أوّل النّهار في ساعة واحدة ،

__________________

(١) النسخ : جاءهم.

(٢) ليس في ر.

(٣) ر : القول.

(٤) ر : للفعل.

(٥) ليس في أ.

(٦) ليس في أ.

(٧) مجمع البيان ١ / ٤٢٣ ، نقلا عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ مخاطبا لابي عبيدة.

٥٩

فقام مائة واثنا عشر رجلا من عبّاد بني إسرائيل فأمروا من قتلتهم بالمعروف ونهوهم عن المنكر ، فقتلوا جميعا من آخر النّهار [في ذلك اليوم. وهو الذي ذكره الله تعالى] (١).

وقرأ حمزة «يقاتلون الّذين» فبشّرهم خبر المبتدأ ، ودخول الفاء لتضمّن المبتدأ معنى الشّرط. ويمنع سيبويه دخول الفاء في خبر إنّ ، كليت ولعلّ ، ولذلك قيل : الخبر (٢).

(أُولئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) ، كقولك : زيد فافهم رجل صالح ، وبينه وبينهما فرق فإنّها لا تغيّر معنى الجملة بخلافهما ، وقد دخلت الفاء في خبر إنّ في قوله : إنّ الموت الّذي تفرّون منه فإنّه ملاقيكم.

(وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ) (٢٢) : في الدّنيا يدفع عنهم الخزي واللّعن ، وفي الآخرة يدفع عنهم العذاب. وفي إيراد الجمع إشعار بأنّ خزيهم وعذابهم عظيم ، على تقدير وجود النّاصرين لا يمكن لواحد منهم دفعه.

وفي كتاب الخصال (٣) : عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : لن يعمل ابن آدم عملا أعظم عند الله ـ تبارك وتعالى ـ من رجل قتل نبيّا ، أو إماما ، أو هدم الكعبة الّتي جعلها الله تعالى قبلة لعباده ، أو أفرغ ماءه في امرأة حراما.

وفيه (٤) فيما علّم أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ أصحابه : احذروا السّفلة ، فان السّفلة من لا يخاف الله ، ففيهم (٥) قتلة الأنبياء ، وهم (٦) أعداؤنا.

وفي أصول الكافي (٧) : محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن سنان ، عن إسماعيل بن جابر ، عن يونس بن ظبيان قال : سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول : ويل للّذين يجتلبون (٨) الدّنيا بالدّين [و] (٩) ويل للّذين يقتلون الّذين يأمرون بالقسط من الناس ، وويل للّذين يسير المؤمن فيهم بالتّقيّة. أبي يغترّون أم عليّ يجترءون؟ فبي حلفت لأتيحن لهم فتنة تترك

__________________

(١) من المصدر.

(٢) ر. أنوار التنزيل ١ / ١٥٣.

(٣) الخصال / ١٢٠ ، ح ١٠٩.

(٤) نفس المصدر / ٦٣٥ ، ضمن حديث الأربعمائة.

(٥ و ٦) المصدر : فيهم.

(٧) الكافي ٢ / ٢٩٩ ، ح ١.

(٨) المصدر : «يختلون». ويمكن أن يكون : «يحتلبون». وكلاهما صحيح وصواب أيضا.

(٩) من المصدر.

٦٠