تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٣

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي


المحقق: حسين درگاهى
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٠٣

المعصوم داخلا فيهم فلا نزاع أيضا فيه. وإن أراد إجماع جماعة أيّ جماعة كانوا فلا دلالة في الآية عليه ، إذ لا دلالة فيها على أنّ كلّ جماعة من الأمّة كلّ ما يأمرون به معروف ، إذ كون «اللّام» للاستغراق لا يفيد إلّا أن يأمر به الكلّ معروف وأنّ ما ينهى عنه الكلّ منكر ، ولا يفيد أنّ ما يؤمر به كلّ أحد أو كلّ جماعة معروف وأنّ كلّ ما ينهى عنه كلّ أحد أو كلّ جماعة منكر.

(وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتابِ) : بمحمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ وما جاء به.

(لَكانَ خَيْراً لَهُمْ) : ممّا هم عليه.

(مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ) : كعبد الله بن سلام وأصحابه.

(وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ) (١١٠) : المتمرّدون في الكفر. وهذه الجملة معترضة ، ولذا لم تعطف على الشّرطيّة قبلها.

(لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً) : أي : ضررا يسيرا ، كطعن وتهديد. وهذه أيضا معترضة أخرى ، ولم تعطف على الأولى لبعد بينهما ، وكون كلّ منهما نوعا آخر من الكلام.

(وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ) : ينهزموا ولا يضرّوكم بقتل وأسر ، (ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ) (١١١) : ثمّ لا يكون أحد ينصرهم عليكم ، أو يدفع بأسكم عنهم.

وقرئ «لا ينصروا» عطف على «يولّوا» على أنّ «ثمّ» للتّراخي في المرتبة ، فيكون عدم النّصر مقيّدا بقتالهم (١). وكان الأمر كذلك ، إذ كان كذلك حال قريظة والنّضير وبني قينقاع ويهود خيبر.

(ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ) : تمثيل ، أي : أحاطت بهم إحاطة البيت المضروب على أهله.

والذّلّة ، هدر النّفس والمال والأهل ، أو ذلّة التّمسّك بالباطل والجزية أو كليهما.

(أَيْنَما ثُقِفُوا) : وجدوا.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٢) : (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا) قال : إنّها نزلت في الّذين غصبوا حقوق آل محمّد ـ عليهم السّلام ـ.

(إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ) : استثناء من أعمّ عامّ الأحوال ، أي :

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ١٧٧.

(٢) لم نعثر عليه في تفسير القمي. ولكن في تأويل الآيات الباهرة (مخطوط ، ص ٤٤) نقل عنه.

٢٠١

ضربت عليهم الذّلّة في عامّة الأحوال ، إلّا في حال اعتصامهم أو تلبّسهم بحبل الله وحبل من النّاس.

وفي تفسير العيّاشيّ (١) : عن يونس بن عبد الرّحمن ، عن عدّة من أصحابنا رفعوه إلى أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قوله : (إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ).

قال : الحبل من الله كتاب الله ، والحبل من النّاس [هو] (٢) عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام ـ.

وفي كتاب نهج الإمامة (٣) : روى أبو عبد الله الحسين بن جبير ـ صاحب كتاب النّخب (٤) ـ حديثا مسندا إلى أبي جعفر الباقر ـ عليه السّلام ـ في قوله : (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ).

قال : حبل من الله كتاب الله ، وحبل من النّاس عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام ـ.

(وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ) : رجعوا به ، مستوجبين له.

(وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ) : واليهود في غالب الأمر مساكين فقراء.

(ذلِكَ) ، أي : عدم إيمانهم المشار إليه بقوله : (وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ) ، العلّة لضرب الذّلّة والمسكنة عليهم.

وقيل (٥) : إشارة إلى ما ذكر من ضرب الذّلّة والمسكنة والبوء بالغضب.

__________________

(١) تفسير العياشي ١ / ١٩٦ ، ح ١٣١.

(٢) من المصدر.

(٣) تأويل الآيات الباهرة ، مخطوط / ٤٤.

و «نهج الامامة» هذا هو «نهج الايمان» في الامامة والمناقب ، للشيخ علي بن يوسف الشهير بابن جبير وسبط ابن جبير. رتّبه في ٤٨ فصلا. جمعه المؤلّف من ألف كتاب كما صرّح به في أوّله. وابن جبير هذا حفيد ابن جبير صاحب «نخب المناقب». (ر. الذريعة ٢٤ / ٤١١)

(٤) «نخب المناقب لآل أبي طالب» منتخب من «مناقب آل أبي طالب» تصنيف محمد بن علي بن شهر آشوب. والناخب هو أبو عبد الله الحسين بن جبير تلميذ نجيب الدين علي بن فرج الذي كان تلميذ ابن شهر آشوب المؤلف. وابن جبير هذا هو جدّ علىّ بن يوسف المعروف بسبط ابن جبير ومؤلّف «نهج الإيمان» ، والذي ينقل في عدّة فصول منه عن كتاب جدّه «نخب المناقب» هذا مصرّحا بأنّ مؤلفه جده. (ر. الذريعة ٢٤ / ٨٨)

(٥) أنوار التنزيل ١ / ١٧٧.

٢٠٢

(بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ) ، أي : اعتياد سابقهم صار سببا لذلك الآن.

(وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍ) : والتّقيّد به ، مع أنّه لا يكون إلّا كذلك ، للدّلالة على أنّه لم يكن حقّا بحسب اعتقادهم أيضا. أو للدّلالة على أنّ القتل إنّما يكون قبيحا إذا كان بغير حقّ ، ولو كان بالحقّ وعلى الحقّ فليس بقبيح ، ولو فرض قتل النّبيّ بهذه الصّفة لإزالة ما يختلج في صدورهم من قتل النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ النّاس على اتباع الحقّ.

(ذلِكَ) : أي : الكفر والقتل ، (بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ) (١١٢) : بسبب عصيانهم واعتدائهم حدود الله. فإنّ الإصرار على الصّغائر يقضي إلى الكبائر ، والاستمرار عليها يؤدّي إلى الكفر.

وقيل (١) : إنّ معناه : أنّ ضرب الذّلّة في الدّنيا واستيجاب العذاب (٢) في الآخرة كما هو مسبب (٣) بكفرهم وقتلهم ، فهو مسبّب عن عصيانهم واعتدائهم ، من حيث أنّهم مخاطبون بالفروع ، أيضا.

وفي أصول الكافي (٤) : يونس ، عن ابن سنان ، عن إسحاق بن عمّار ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ وتلا هذه الآية : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ) (الآية (٥)).

قال : والله ما قتلوهم بأيديهم ولا ضربوهم بأسيافهم ، ولكنّهم سمعوا أحاديثهم فأذاعوها ، فأخذوا عليها فقتلوا ، فصار [قتلا و] (٦) اعتداء ومعصية.

(لَيْسُوا سَواءً) : في المساءة والحسنة. والضمير لأهل الكتاب (مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ) : استئناف لبيان نفي الاستواء.

والقائمة : المستقيمة العادلة. من أقمت العود ، فقام. وهم الّذين أسلموا منهم ، ووضع المظهر موضع المضمر تنبيها على أنّ كونهم من أهل الكتاب لا يصير سبب ما صيّروه سببا له ، بل سبب الانقياد والإسلام كما فعله أضرابهم.

(يَتْلُونَ آياتِ اللهِ آناءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ) (١١٣) : يتلون القرآن في تهجّدهم ، عبّر عنه بالتّلاوة في ساعات اللّيل مع السّجود ليكون أبين وأبلغ في المدح.

وقيل (٧) : المراد صلاة العشاء ، لأنّ أهل الكتاب لا يصلّونها.

__________________

(١) نفس المصدر والموضع.

(٢) المصدر : الغضب.

(٣) المصدر : معلّل.

(٤) الكافي ٢ / ٣٧١ ، ح ٦.

(٥) ذكر في المصدر الآية بطولها بدل (الآية)

(٦) من المصدر.

(٧) أنوار التنزيل ١ / ١٧٧.

٢٠٣

وفي كتاب الخصال (١) : عن سالم ، عن أبيه قال : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : لا حسد إلّا في اثنين : رجل أتاه الله مالا فهو ينفق منه آناء اللّيل وأطراف (٢) النّهار ، ورجل أتاه الله القرآن فهو يقوم [به] (٣) آناء اللّيل وآناء النّهار.

(يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ) : صفات أخر «لأمّة» وصفهم بصفات ليست في اليهود. فإنهم منحرفون عن الحقّ ، غير متعبّدين باللّيل ، مشركون بالله ، ملحدون في صفاته ، واصفون اليوم الآخر بخلاف صفته ، مداهنون في الاحتساب ، متباطئون في الخيرات.

(وَأُولئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ) (١١٤) ، أي : الموصوفون بتلك الصّفات ممّن صلحت أحوالهم عند الله ، واستحقّوا رضاه وثناءه.

(وَما يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ) : فلن يضيع ، ولا ينقص ثوابه. سمّي ذلك كفرانا ، كما سمّي توفية الثّواب شكرا. وتعديته إلى المفعولين لتضمّنه معنى الحرمان.

وقرأ حفص وحمزة والكسائيّ (وَما يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ) بالياء ، والباقون بالتّاء (٤).

وفي كتاب علل الشّرائع (٥) ، بإسناده إلى أحمد بن أبي عبد الله البرقيّ ، بإسناده يرفعه إلى أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ أنّه قال : إنّ المؤمن مكفر ، وذلك أنّ معروفه يصعد إلى الله فلا ينتشر في النّاس ، والكافر مشهور وذلك أنّ معروفه للنّاس ينتشر في النّاس ولا يصعد إلى السّماء.

وبإسناده إلى السّكونيّ (٦) ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن آبائه ـ عليهم السّلام ـ قال : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : يد الله ـ عزّ وجلّ ـ فوق رؤوس المكفرين ترفرف بالرّحمة.

أخبرني عليّ بن حاتم (٧) قال : حدّثنا أحمد بن محمّد قال : حدّثنا محمّد بن إسماعيل قال : حدّثني الحسين بن موسى ، عن أبيه ، عن موسى بن جعفر ، عن أبيه ، عن جدّه عن

__________________

(١) الخصال / ٧٦ ، ح ١١٩.

(٢) المصدر : آناء.

(٣) من المصدر.

(٤) أنوار التنزيل ١ / ١٧٨.

(٥) علل الشرائع / ٥٦٠ ، ح ١.

(٦) نفس المصدر والموضع ، ح ٢.

(٧) نفس المصدر والموضع ، ح ٣.

٢٠٤

عليّ بن الحسين ، عن أبيه ، عن على بن أبي طالب ـ عليهم السّلام ـ قال : كان رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ مكفرا لا يشكر معروفه (١) ، ولقد كان معروفه على القرشيّ والعربىّ والعجميّ ، ومن كان أعظم معروفا من رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ على هذا الخلق ، وكذلك نحن أهل [البيت] (٢) مكفرون لا يشكر معروفنا (٣) ، وخيار المؤمنين مكفرون لا يشكر معروفهم.

فما في الآية من أنّ ما تفعلوا من خير فلن تكفروه ، بمعنى ، ترك الجزاء على الخير كما بيّن ، وإلّا فالخير من المؤمنين مكفر كما في الخبر.

(وَاللهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ) (١١٥) : بشارة لهم ، وإشعار بأنّ التّقوى مبدأ الخير وحسن العمل.

(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً) : من النّفع ، أو شيئا من الغناء. وهو بالفتح ، بمعنى : النّفع. فيكون مصدرا.

وقيل (٤) : من العذاب ، وهو يصحّ بتضمين معنى الإبعاد.

(وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ) : ملازموها.

(هُمْ فِيها خالِدُونَ) (١١٦) : وعيد لهم.

(مَثَلُ ما يُنْفِقُونَ) : ما ينفق الكفرة قربة ، أو مفاخرة وسمعة. والمنافقون رياء ، وخوفا.

(فِي هذِهِ الْحَياةِ الدُّنْيا) ، أي : لأجلها ، (كَمَثَلِ رِيحٍ فِيها صِرٌّ) : برد شديد والشّائع إطلاقه للرّيح الباردة كالصّرصر. فهو في الأصل مصدر نعت به ، أو نعت وصف به البرد للمبالغة ، كقولك : برد بارد.

(أَصابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) : بالكفر والمعاصي.

(فَأَهْلَكَتْهُ) : عقوبة لهم ، لأنّ إهلاك من سخط أشدّ. والمراد تشبيه ما أنفقوا في ضياعه ، بحرث كفّار ضربته صرّ فاستأصلته ، ولم يبق لهم منفعة في الدّنيا والآخرة. وهو من التّشبيه المركّب ، ولذلك لم يبال بإيلاء كلمة التّشبيه بالرّيح دون الحرث. ويجوز أن يقدّر ، كمثل مهلك ريح ، وهو الحرث.

__________________

(١) المصدر : معروف.

(٢) من المصدر.

(٣) المصدر : «لا يشكروننا» بدل «لا يشكر معروفنا».

(٤) أنوار التنزيل ١ / ١٧٨.

٢٠٥

(وَما ظَلَمَهُمُ اللهُ وَلكِنْ) ، كانوا ، (أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (١١٧) ، أي : ما ظلم المنفقين بضياع نفقاتهم ، ولكنّهم ظلموا [أنفسهم لمّا لم ينفقوها بحيث يعتدّ بها. أو ما ظلم أصحاب الحرث بإهلاكه ، ولكنّهم ظلموا] (١) أنفسهم بارتكاب ما استحقّوا به العقوبة. أو ما ظلم المنفقين وأصحاب الحرث كليهما ، ولكنّهم ظلموا أنفسهم.

وقرئ : ولكنّ ، أي : ولكنّ أنفسهم يظلمونها. ولا يجوز أن يقدّر ضمير الشّأن ، لأنّه لا يحذف إلّا في الشّعر ، كقوله :

ولكنّ من يبصر جفونك يعشق (٢)

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً) : وليجة ، وهو الّذي يعرّفه الرّجل أسراره ثقة به. شبّه ببطانة الثّوب ، كما شبّه بالشّعار في قوله ـ عليه السّلام ـ : الأنصار والنّاس دثار.

(مِنْ دُونِكُمْ) : من دون المسلمين. وهو متعلّق «بلا تتّخذوا» أو بمحذوف هو صفة بطانة : أي : بطانة كائنة من دونكم. أو حالا عن بطانة إن جوّز تنكير ذي الحال.

(لا يَأْلُونَكُمْ خَبالاً) ، أي : لا يقصّرون لكم في الفساد.

والألو ، التّقصير. وأصله أن يعدّى بالحرف ، ثمّ عدّي إلى مفعولين ، كقوله : لا آلوك نصحا. على تضمين معنى المنع ، أو النّقص.

(وَدُّوا ما عَنِتُّمْ) : تمنّوا عنتكم ، وهو شدّة الضّرّ والمشقّة. و «ما» مصدريّة.

(قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ) ، أي : في كلامهم ، لأنّهم لا يتمالكون أنفسهم لفرط بعضهم.

(وَما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ) مما بدا لأنّ بدوه ليس عن رؤية واختيار (قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ) الدّالّة على وجوب الإخلاص وهو موالاة المؤمنين ومعاداة الكافرين.

(إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) (١١٨) : ما بيّن لكم ، أو كنتم من أهل العقل والفهم.

والجمل الأربع مستأنفات على التّعليل ، ويجوز أن يكون الثّلاث الأوّل صفات «لبطانة». وحينئذ فالأنسب أن تكون الرّابعة حالا من الضّمير المضاف إليه «للأفواه (٣)».

__________________

(١) ما بين المعقوفتين فقط في أ.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ١٧٨.

(٣) كذا في النسخ ولعلّ الصواب : لأفواه.

٢٠٦

(ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ) ، أي : أنتم أولاء الخاطئون (١) في موالاة الكفّار ، وتحبّونهم ولا يحبّونكم. بيان لخطأهم في موالاتهم ، أو هو خبر ثان ، أو خبر «لأولاء» والجملة خبر «أنتم» كقولك : أنت زيد تحبّه. أو صلته ، أو حال والعامل فيها معنى الإشارة.

ويجوز أن ينتصب بفعل يفسّره ما بعده ، وتكون الجملة خبرا.

(وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتابِ) : بجنس الكتاب ، (كُلِّهِ) : كتابكم وكتابهم ، معطوف على ما قبله.

وقيل (٢) : حال من «لا يحبّونكم» والمعنى : أنّهم لا يحبّونكم والحال أنّكم تؤمنون (٣) ، بكتابهم أيضا [فما بالكم تحبّونهم وهم لا يؤمنون بكتابكم؟ وفيه توبيخ ، بأنّهم في باطلهم أصلب منكم في حقّكم. ويحتمل أن يكون المعنى ـ والله أعلم ـ أنّكم تؤمنون بالكتاب كلّه ، وهم ليسوا بمؤمنين بكتابهم أيضا] (٤) فضلا عن كتابكم ، فهذا منشأ العداوة في الدّين لا المحبّة ، فلم تحبّونهم؟

(وَإِذا لَقُوكُمْ قالُوا آمَنَّا) : نفاقا وتغريرا.

(وَإِذا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ) : من أجل الغيظ ، تأسفا وتحسّرا ، حيث رأوا ائتلافكم واجتماع كلمتكم ، ولم يجدوا إلى التّشفّي سبيلا.

[وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٥) : قوله : (عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ).

قال : أطراف الأصابع].(٦) (قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ) : دعاء عليهم بدوام الغيظ وزيادته بتضاعف قوّة الإسلام وأهله ، حتّى يهلكوا به.

(إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) (١١٩) : من خير أو شرّ ، فيعلم ما في صدورهم من البغضاء والحنق. وهو يحتمل أن يكون من المقول ، أي ، وقل لهم : إنّ الله عليم بما هو أخفى ممّا تخفونه من عضّ الأنامل غيظا. وأن يكون خارجا عنه ، بمعنى : قل لهم ذلك ،

__________________

(١) ر : لغطائهم.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ١٧٩.

(٣) يوجد في أبعد هذه الكلمة : بالكتاب كله وهم ليسوا بمؤمنين.

(٤) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٥) تفسير القمي ١ / ١١٠.

(٦) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

٢٠٧

ولا تتعجّب من اطلاعي إيّاك على أسرارهم ، فإنّي عليم بالأخفى من ضمائرهم.

وذات الصّدور ، الصّور العلميّة المتمكّنة في الصّدور. والمراد بالصّدور ، محلّ العلوم.

(إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ) : نعمة ، من إلفة أو ظفر على الأعداء ، (تَسُؤْهُمْ) : والمسّ ، مستعار للإصابة.

(وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ) : محنة ، من فرقة أو إصابة عدو منكم ، (يَفْرَحُوا بِها) : لتناهي عداوتهم.

(وَإِنْ تَصْبِرُوا) : على عداوتهم ، أو على مشاقّ التّكاليف ، (وَتَتَّقُوا) : موالاتهم ، أو ما حرّم الله عليكم ، (لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً) : لما وعد الله الصّابرين والمتّقين الصّبر. وضمة الرّاء ، للاتّباع.

وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو ويعقوب «لا يضركم» من ضاره يضيره (١) (إِنَّ اللهَ بِما يَعْمَلُونَ) : من الصّبر والتّقوى ، وغيرها.

(مُحِيطٌ) (١٢٠) : بعلمه وقدرته ، فمجازيكم بما أنتم أهله.

وقرئ بالياء ، أي : بما يعملون في عداوتكم عالم فيعاقبهم عليه (٢).

(وَإِذْ غَدَوْتَ) ، أي : واذكر إذ غدوت. من غدا عليه ، بكر.

(مِنْ أَهْلِكَ) قيل (٣) : من حجرة عائشة.

(تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ) : تنزلهم ، أو تسوّي وتهيّئ لهم. ويؤيّده القراءة «بالّلام».

(مَقاعِدَ لِلْقِتالِ) : مواقف وأماكن له. وقد يستعمل المقعد والمقام بمعنى ، المكان على الاتّساع. وإذا استعمل في أماكن الحرب ، أريد به الإشارة إلى وجوب الثّبات فيها.

(وَاللهُ سَمِيعٌ) : لأقوالكم ، (عَلِيمٌ) (١٢١) : بنيّاتكم.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٤) : قال : حدّثني أبي ، عن صفوان ، عن ابن مسكان ، عن

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ١٧٩.

(٢ و ٣) نفس المصدر والموضع.

(٤) تفسير القمي ١ / ١١٠.

٢٠٨

أبي بصير ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : سبب نزول هذه الآية ، أن قريشا خرجت من مكّة تريد (١) حرب رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فخرج يبغي (٢) موضعا للقتال.

وفي مجمع البيان (٣) : [عن عليّ بن إبراهيم] (٤) عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ [أنّه] (٥) قال : كان سبب غزاة (٦) أحد ، أنّ قريشا لمّا رجعت من بدر إلى مكّة ، وقد أصابهم ما أصابهم من القتل والأسر ، لأنّه قتل منهم سبعون وأسر منهم (٧) سبعون ، قال أبو سفيان : يا معشر قريش لا تدعوا نساءكم يبكين (٨) على قتلاكم ، فإنّ الدّمعة إذا خرجت أذهبت الحزن والحرقة (٩) والعداوة لمحمّد [ويشمت بنا محمّد وأصحابه].(١٠) فلمّا غزوا رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يوم أحد ، أذنوا لنسائهم بالبكاء والنّوح (١١). وخرجوا من مكّة في ثلاثة آلاف فارس وألفي راجل ، وأخرجوا معهم النّساء [يذكرنهم ويحثثنهم على حرب رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وأخرج أبو سفيان هند بنت عتبة ، وخرجت معهم عمرة بنت علقمة الحارثيّة] (١٢) فلمّا بلغ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ذلك جمع أصحابه وحثّهم على الجهاد.

فقال : عبد الله بن (١٣) أبيّ وقومه : يا رسول الله ، لا نخرج من المدينة حتّى نقاتل في أزقّتها ، فيقاتل (١٤) الرّجل الضّعيف والمرأة والعبد والأمة على أفواه السّكك وعلى السّطوح ، فما أرادنا (١٥) قوم قطّ فظفروا بنا ونحن في حصوننا ودروبنا (١٦) ، وما خرجنا على عدونا (١٧) قطّ إلّا

__________________

(١) هكذا في المصدر. وفي النسخ : يريدون.

(٢) هكذا في المصدر. وفي النسخ : «يبتغي» بدل «فخرج يبغي».

(٣) مجمع البيان ١ / ٤٩٥ ـ ٤٩٧.

(٤) ليس في المصدر.

(٥) من المصدر.

(٦) المصدر : غزوة.

(٧) ليس في المصدر.

(٨) المصدر : تبكين.

(٩ و ١٠) ما بين المعقوفتين ليس في المصدر.

(١١) يوجد في النسخ بعد هذه العبارة : «فلمّا أرادوا أن يغزوا رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ إلى أحد ، ساروا في خلفائهم من كنانة وغيرها وجمعوا المجموع والسلاح». وهي ليست في المصدر. والظاهر هي زائدة.

(١٢) ما بين المعقوفتين ليس في المصدر.

(١٣) المصدر : عبد الله بن أبي سلول.

(١٤) المصدر : فتقاتل.

(١٥) المصدر : أرادها.

(١٦) هكذا في المصدر. وفي النسخ : دورنا.

(١٧) المصدر : «إلى عدوّلنا» بدل «على عدوّنا».

٢٠٩

كان الظّفر لهم علينا.

فقام سعد بن معاذ (١) وغيره من الأوس فقالوا : يا رسول الله ، ما طمع فينا أحد من العرب ونحن مشركون نعبد الأصنام ، فكيف يطمعون (٢) فينا وأنت فينا؟! لا حتّى نخرج إليهم ونقاتلهم ، فمن قتل منّا كان شهيدا ، ومن نجا منّا كان مجاهدا (٣) في سبيل الله. فقبل رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ رأيه ، وخرج مع نفر من أصحابه يتبوّؤن موضع القتال كما قال سبحانه : (وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ) (الآية) وقعد عنه عبد الله بن (٤) أبيّ وجماعة من الخزرج اتّبعوا (٥) رأيه.

ووافت قريش إلى أحد ، وكان رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ عبّا أصحابه ، وكانوا سبعمائة رجل ، فوضع عبد الله بن جبير في خمسين من الرّماة على باب الشّعب ، وأشفق أن يأتيهم (٦) كمينهم من ذلك المكان ، فقال ـ صلّى الله عليه وآله ـ لعبد الله بن جبير وأصحابه : إن رأيتمونا قد هزمنا هم حتّى أدخلناهم مكّة فلا تبرحوا من هذا المكان ، وإن رأيتموهم قد هزمونا حتّى أدخلونا المدينة فلا تبرجوا والزموا مراكزكم.

ووضع أبو سفيان خالد بن الوليد في مأتي فارس كمينا ، وقال [له] (٧) إذا رأيتمونا قد اختلطنا [بهم] (٨) فاخرجوا عليهم من هذا الشّعب حتّى تكونوا وراءهم (٩).

وعبّأ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ أصحابه ، ودفع الرّاية إلى أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ فحمل الأنصار على مشركي قريش فانهزموا هزيمة قبيحة ، ووقع (١٠) اصحاب رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ في سوادهم ، وانحطّ خالد بن الوليد في مأتى فارس على عبد الله بن جبير ، فاستقبلوهم بالسّهام فرجع.

ونظر أصحاب عبد الله بن جبير إلى أصحاب رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ينتهبون (١١) سواد القوم ، فقالوا لعبد الله بن جبير : قد غنم أصحابنا ونبقى نحن بلا غنيمة؟

__________________

(١) المصدر : سعيد بن معاذ.

(٢) أ : يظفرون.

(٣) المصدر : قد جاهد.

(٤) المصدر : عبد الله بن أبي سلول.

(٥) هكذا في المصدر : وفي النسخ : ابتغوا.

(٦) المصدر : أن يأتي.

(٧ و ٨) ليس في المصدر.

(٩) يوجد في النسخ بعد هذه العبارة : فلمّا أقبلت الخيل واصطفوا.

(١٠) المصدر : وضع.

(١١) هكذا في المصدر. وفي النسخ : ينهبون.

٢١٠

فقال عبد الله : اتقوا الله ، فإنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ قد تقدّم إلينا ألّا نبرح ، فلم يقبلوا منه ، وأقبلوا ينسلّ رجل فرجل حتّى أخلوا مراكزهم ، وبقي عبد الله بن جبير في اثني عشر رجلا.

وكانت راية قريش مع طلحة بن أبي طلحة العبديّ من بني عبد الدّار ، فقتله عليّ ـ عليه السّلام ـ فأخذ الرّاية أبو سعيد بن أبي طلحه ، فقتله علي ـ عليه السّلام ـ وسقطت الرّاية ، فأخذها مشافع بن [أبي] (١) طلحة ، فقتله ، حتّى قتل تسعة [نفر] (٢) من بني عبد الدّار ، حتّى صار لواؤهم إلى عبد لهم أسود يقال له : صواب (٣) ، فانتهى إليه عليّ ـ عليه السّلام ـ فقطع يده [اليمنى ،] (٤) فأخذ اللّواء (٥) باليسرى ، فضرب يسراه فقطعها ، فاعتنقها بالجذماوين إلى صدره ، ثمّ التفت إلى أبي سفيان فقال : هل أعذرت (٦) في بني عبد الدّار؟ فضربه عليّ ـ عليه السّلام ـ على رأسه فقتله ، فسقط اللّواء ، فأخذتها عمرة (٧) بنت علقمة الكنانيّة (٨) فرفعتها.

وانحطّ خالد بن الوليد على عبد الله بن جبير ، وقد فرّ (٩) أصحابه وبقي في نفر قليل ، فقتلهم على باب الشّعب ، ثمّ أتى المسلمين من أدبارهم ، ونظرت قريش في هزيمتها إلى الرّاية قد رفعت ، فلاذوا بها ، وانهزم أصحاب رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ هزيمة عظيمة (١٠) ، وأقبلوا يصعدون في الجبال وفي كلّ وجه. فلمّا رأى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ الهزيمة كشف البيضة عن رأسه ، وقال : إليّ ، أنا رسول الله ، إلى أين تفرّون عن الله وعن رسوله؟

قال : وكانت هند بنت عتبة في وسط العسكر ، فكلّما انهزم رجل من قريش دفعت إليه ميلا ومكحلة ، وقالت : إنّما أنت امرأة فاكتحل بهذا.

وكان حمزة بن عبد المطلب يحمل على القوم ، فإذا رأوه انهزموا ولم يثبت له أحد ،

__________________

(١ و ٢) من المصدر.

(٣) المصدر : الثواب.

(٤) من المصدر.

(٥) هكذا في المصدر. وفي النسخ : الرأية.

(٦) المصدر : غدرت.

(٧) المصدر : «غمرة» وهو وهم

(٨) كذا في المصدر والنسخ. وفي بداية الرواية ذكر لقب «عمرة» بالحارثية. وهو الصواب. ر. اعلام النساء لكحالة ٣ / ٣٥٧.

(٩) هكذا في المصدر. وفي النسخ : فرقوا.

(١٠) هكذا في المصدر. وفي النسخ : غريمة.

٢١١

وكانت هند قد أعطت وحشيّا عهدا ، لئن قتلت محمّدا أو عليّا أو حمزة لأعطينّك كذا وكذا ، وكان وحشيّ عبدا لجبير بن مطعم حبشيّا ، فقال وحشيّ : أمّا محمّد فلا أقدر عليه ، وأمّا عليّ فرأيته حذرا كثيرا لالتفات فلا مطمع فيه ، فكمنت لحمزة.

قال : فرأيته يهذّ النّاس هذّا ، فمرّبي فوطئ على جرف نهر فسقط ، فأخذت حربتي فهززتها ورميته بها ، فوقعت في خاصرته وخرجت من ثنّته ، فسقط فأتيته فشققت بطنه ، فأخذت كبده وجئت به إلى هند ، فقلت : هذا كبد حمزة ، فأخذتها [في فمها] (١) فلاكتها ، فجعلها (٢) الله في فمها مثل الدّاغصة ـ وهي عظم رأس الرّكبة ـ فلفظتها ورمت بها.

قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : فبعث الله ملكا فحمله وردّه إلى موضعه.

قال : فجاءت إليه فقطعت مذاكيره وقطعت أذنيه وقطعت يده ورجله ، ولم يبق مع رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ إلّا أبو دجانة سماك بن خرشة وعلي ـ عليه السّلام ـ فكلّما حملت طائفة على رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ استقبلهم عليّ ـ عليه السّلام ـ فدفعهم عنه حتّى تقطّع (٣) سيفه ، فدفع إليه رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ سيفه ذا الفقار وانحاز رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ إلى ناحية أحد فوقف ، وكان القتال من وجه واحد ، فلم يزل عليّ ـ عليه السّلام ـ يقاتلهم حتّى أصابه في وجهه ورأسه ويديه وبطنه ورجليه سبعون جراحة.

قال (٤) : فقال جبرائيل ـ عليه السّلام ـ : إنّ هذه لهي المواساة ، يا محمّد.

فقال له (٥) : إنّه منّي وأنا منه (٦).

وقال الصّادق ـ عليه السّلام ـ : نظر رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ إلى جبرائيل بين السّماء والأرض على كرسيّ من ذهب ، وهو يقول : لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلّا عليّ.

وروي : أنّ سبب انهزامهم نداء إبليس فيهم : إنّ محمّدا قد قتل. وكان النّبيّ

__________________

(١) من المصدر.

(٢) المصدر : فجعله.

(٣) هكذا في المصدر. وفي النسخ : انقطع.

(٤) المصدر : «كذا أورده عليّ بن إبراهيم في تفسيره» بدل «قال»

(٥) المصدر : محمد [صلّى الله عليه وآله].

(٦) يوجد في المصدر بعد هذه العبارة : «فقال جبرائيل. وأنا منكما».

٢١٢

ـ صلّى الله عليه وآله ـ في زحام النّاس وكانوا لا يرونه.

(إِذْ هَمَّتْ) : متعلّق بقوله : سميع عليم. أو بدل من «إذ غدوت.» (طائِفَتانِ مِنْكُمْ) : في تفسير عليّ بن إبراهيم (١) ، يعني : عبد الله بن أبيّ وأصحابه وقومه (٢).

قال البيضاويّ (٣) : هما بنو سلمة من الخزرج وبنو حارثة من الأوس ، وكانا جناحي العسكر.

وفي مجمع البيان (٤) : عنهما ـ عليهما السّلام ـ : هما بنو سلمة وبنو حارثة ، حيّان من الأنصار.

(أَنْ تَفْشَلا) : أن تجبنا وتضعفا.

قيل (٥) : روي أنّه ـ عليه السّلام ـ خرج في زهاء ألف فارس ووعدهم (٦) النّصران صبروا ، فلمّا بلغوا الشّوط انخزل ابن أبيّ في ثلاثمائة وقال : علام نقتل أنفسنا وأولادنا؟

فتبعهم عمرو بن حزم الأنصاريّ وقال : أنشدكم [الله والإسلام] (٧) في نبيّكم وأنفسكم.

فقال ابن أبيّ : لو نعلم قتالا لا تّبعناكم. فهمّ الحيّان باتّباعه فعصمهم الله ، فمضوا مع رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ثمّ قال ذلك القائل : والظّاهر انه ما كانت عزيمة لقوله : (وَاللهُ وَلِيُّهُما) ، أي : عاصمهما من اتّباع تلك الخطرة.

قال : ويجوز أن يراد : والله وليّهما فما لهما يفشلان.

وفي الرّواية الّتي قدّمناها ما ينافي ذلك ، من أنّ عبد الله بن أبيّ قعد عنه وجماعة من الخزرج اتّبعوا رأيه.

(وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) (١٢٢) : فليعتمدوا عليه في الكفاية لا على غيره ، لينصرهم كما نصرهم ببدر.

__________________

(١) تفسير القمي ١ / ١١١.

(٢) «وقومه» ليس في المصدر.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ١٨٠.

(٤) مجمع البيان ١ / ٤٩٥.

(٥) أنوار التنزيل ١ / ١٨٠.

(٦) المصدر : «الف رجل ووعد لهم» بدل «الف فارس ووعدهم».

(٧) من المصدر.

٢١٣

(وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ) : تذكير ببعض ما أفادهم التّوكّل.

وبدر ، اسم ماء ـ بين مكّة والمدينة ـ كان لرجل يسمّى بدرا ، فسمّى به.

(وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ) : حال من المفعول. وإنّما قال : أذلّة ، دون دلائل ، ليدلّ على قلّتهم مع ذلّتهم لضعف الحال وقلّة المراكب والسّلاح.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (١) : قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ : ما كانوا أذلّة وفيهم رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وإنّما نزل : ولقد نصركم الله ببدر وأنتم الضّعفاء.

وفي تفسير العيّاشيّ (٢) : عن أبي بصير قال : قرأت عند أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ : (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ).

فقال : [مه] (٣) ليس هكذا أنزلها الله ، إنّما أنزلت : وأنتم قليل.

[وفيه (٤) : عن ربعي بن حريز ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ أنّه قرأ : «ولقد نصركم الله ببدر وأنتم ضعفاء» وما كانوا أذلّة ورسول الله فيهم عليه وآله السّلام].(٥) وفي رواية (٦) : ما أذلّ الله رسوله قطّ ، وإنّما أنزلت وأنتم قليل.

ومعنى هذه الأخبار ، أنّ الآية ما أنزلها الله بمعنى أنتم أذلّة في الواقع ، بل بهذا المعنى. والأخبار الّتي دلّت على أنّ عدّتهم كانت ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا قد مرّت.

(فَاتَّقُوا اللهَ) : في الثّبات ، (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (١٢٣) : ما أنعم به عليكم ، (إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ) : ظرف لنصركم الله.

وقيل (٧) : بدل ثان من «إذ غدوت» على أنّ قوله لهم ذلك يوم أحد ، وكان مع اشتراط الصّبر والتّقوى عن المخالفة ، فلمّا لم يصبروا عن الغنائم وخالفوا أمر رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ لم تنزل الملائكة.

(أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ) (١٢٤) :

إنكار أن لا يكفيكم ذلك. وإنّما جيء «بلن» إشعارا بأنّهم كانوا كالآئسين من النّصر ،

__________________

(١) تفسير القمي ١ / ١٢٢.

(٢) تفسير العياشي ١ / ١٩٦ ، ح ١٣٣.

(٣) من المصدر.

(٤) نفس المصدر والموضع ، ح ١٣٥.

(٥) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٦) نفس المصدر والموضع ، ح ١٣٤.

(٧) أنوار التنزيل ١ / ١٨٠.

٢١٤

لضعفهم وقلّتهم وقوّة العدوّ وكثرتهم.

وقرأ ابن عامر «منزّلين» بالتّشديد للتّكثير ، أو للتّدريج (١).

قيل (٢) : أمدّهم الله يوم بدر أوّلا بألف من الملائكة ، ثمّ صاروا ثلاثة آلاف ، ثمّ صاروا خمسة آلاف.

(بَلى) : إيجاب لما بعد «لن» أي : بلى يكفيكم. ثمّ وعد لهم الزّيادة على الصّبر والتّقوى ، حثّا عليهما ، وتقوية لقلوبهم فقال : (إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ) : أي : المشركون.

(مِنْ فَوْرِهِمْ هذا) : من ساعتهم هذه. وهو في الأصل مصدر فارت القدر ، إذا غلت. فاستعير للسّرعة ، ثمّ أطلق للحال الّتي لا ريب فيها ولا تراخي ، أي : أن يأتي المشركون في الحال.

(يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ) : بلا تراخ وتأخير ، (مُسَوِّمِينَ) (١٢٥) : معلّمين. من التّسويم الّذي هو إظهار سيماء الشيء. أو مرسلين ، من التّسويم ، بمعنى : الإسامة.

وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم ويعقوب ، بكسر الواو (٣).

وفي تفسير العيّاشيّ (٤) : عن جابر ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : كانت على الملائكة العمائم البيض المرسلة يوم بدر.

وعن ضريس بن عبد الملك (٥) ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : إنّ الملائكة الّذين نصروا محمّدا ـ صلّى الله عليه وآله ـ يوم بدر في الأرض ما صعدوا بعد ، ولا يصعدون حتّى ينصروا صاحب هذا الأمر ، وهم خمسة آلاف.

(وَما جَعَلَهُ اللهُ) : وما جعل إمدادكم بالملائكة ، (إِلَّا بُشْرى لَكُمْ) : إلّا بشارة لكم بالنّصر.

(وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ) : ولتسكن إليه من الخوف.

(وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ) : لا من العدّة والعدّة وفيه تنبيه على أنّه لا حاجة إلى

__________________

(١) نفس المصدر والموضع.

(٢) نفس المصدر والموضع.

(٣) نفس المصدر ١ / ١٨١.

(٤) تفسير العياشي ١ / ١٩٦ ، ح ١٣٦.

(٥) نفس المصدر ١ / ١٩٧ ، ح ١٣٨.

٢١٥

مدد ، إنّما أمدّهم وأعدّ لهم ، بشارة لهم وربطا على قلوبهم من حيث أنّ نظر العامّة إلى الأسباب أكثر ، وحثّا على أن لا يبالوا بمن تأخّر عنهم.

(الْعَزِيزِ) : الّذي لا يغالب في أقضيته.

(الْحَكِيمِ) (١٢٦) : الّذي ينصر ويخذل على مقتضى الحكمة والمصلحة.

(لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) : متعلّق «بنصركم» أو «وما النّصر» إن كان اللام فيه للعهد ، والمعنى : لينقص منهم بقتل سبعين وأسر سبعين من صناديدهم.

(أَوْ يَكْبِتَهُمْ) : أو يخزيهم. والكبت ، شدّة غيظ ، أو وهن يقع في القلب. و «أو» للتّنويع. دون التّرديد.

(فَيَنْقَلِبُوا خائِبِينَ) (١٢٧) : فينهزموا منقطعي الآمال.

(لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ) : جملة معترضة.

(أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ) :

إمّا عطف على «يكبتهم» ، والمعنى : أنّ الله مالك أمرهم ، فإمّا أن يهلكهم أو يكبتهم ، أو يتوب عليهم إن أسلموا ، أو يعذّبهم إن أصرّوا ، وليس لك من أمرهم شيء وإنّما أنت عبد مأمور لإنذارهم وجهادهم.

أو معطوف على «الأمر» أو «شيء» بإضمار «أن» ، أي : ليس لك من أمرهم أو من التّوبة عليهم أو من تعذيبهم ، شيء. أو ليس لك من أمرهم شيء ، أو التّوبة عليهم ، أو تعذيبهم.

ويحتمل أن يكون «أو» بمعنى «الا أن» ، أي : ليس لك من أمرهم شيء إلّا أن يتوب الله عليهم فتسرّ به ، أو يعذّبهم فتتشفّى منهم.

وفي تفسير العيّاشيّ (١) عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ أنّه قرأ : ليس لك من الأمر شيء إن يتب عليهم أو يعذّبهم فإنّهم ظالمون.

وفيه (٢) : عن الباقر ـ عليه السّلام ـ أنّه قرا : أن تتوب عليهم أو تعذّبهم

، بالتاء فيهما.

وعلى هذا يكون «أن» بتأويل المصدر ، بدلا عن شيء (فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ) (١٢٨) : قد استحقّوا العذاب بظلمهم.

وفي تفسير العيّاشيّ (٣) : عن جابر الجعفيّ قال : قرأت عند أبي جعفر

__________________

(١ و ٢) مضمون هذين الحديثين موجود في تفسير العياشي ١ / ١٩٨ ، ح ١٤١.

(٣) نفس المصدر ١ / ١٩٧ ، ح ١٣٩.

٢١٦

ـ عليه السّلام ـ : (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ) قال : بلى والله ، إنّ له من الأمر شيئا وشيئا وشيئا ، وليس حيث ذهبت ، ولكّني أخبرك أنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ لمّا أخبر نبيّه أن يظهر ولاية عليّ ـ عليه السّلام ـ فكّر في عداوة قومه له ، فيما (١) فضّله الله به عليهم في جميع خصاله ، [كان أوّل من آمن برسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وبمن أرسله. وكان أنصر النّاس لله ولرسوله وأقتلهم لعدوّهما وأشدّهم بغضا لمن خالفهما وفضل علمه الّذي لم يساوه أحد ومناقبه التي لا تحصى شرفا. فلمّا فكّر النّبي في عداوة قومه له في هذه الخصال] (٢) وحسدهم له عليها ضاق عن ذلك (٣) ، فأخبر الله : أنّه ليس له من هذا الأمر شيء ، إنّما الأمر فيه إلى الله أن يصيّر عليّا وصيّه ووليّ الأمر بعده. فهذا عنى الله ، وكيف لا يكون له من الأمر شيء وقد فوّض الله إليه أن جعل ما أحلّ فهو حلال وما حرّم فهو حرام؟! قوله (٤) : (ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا).

وعن جابر (٥) قال : قلت لأبي جعفر ـ عليه السّلام ـ : قوله لنبيّه : (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ) ، فسّره لي؟ [قال :] (٦) فقال [أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ لشيء قاله الله ولشيء أراده الله ،] (٧) يا جابر ، إنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ كان حريصا على أن يكون عليّ ـ عليه السّلام ـ من بعده على النّاس ، وكان عند الله خلاف ما أراد [رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ.

قال : قلت : فما معنى ذلك؟

قال نعم ، عنى بذلك قول الله لرسوله ـ صلّى الله عليه وآله ـ] (٨) [فقال له :] (٩) ليس لك من الأمر شيء يا محمّد في عليّ ، الأمر إليّ في عليّ وفي غيره ، ألم أنزل عليك [يا محمّد] (١٠) فيما أنزلت من كتابي إليك : (الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ). (الآيات) (١١)

__________________

(١) المصدر : «ومعرفته بهم وذلك الذي» بدل «فيما».

(٢) من المصدر.

(٣) في المصدر : عن ذلك [صدره].

(٤) الحشر / ٧.

(٥) نفس المصدر ١ / ١٩٧ ـ ١٩٨ ، ح ١٤٠.

(٦ و ٧) من المصدر.

(٨) ليس في أ.

(٩) من المصدر وأ.

(١٠) من المصدر.

(١١) المصدر : «إلى قوله فليعلمنّ» بدل «الآيات». سورة العنكبوت / ١ ـ ٢.

٢١٧

قال : فوّض رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ الأمر إليه ومعنى قوله ـ عليه السّلام ـ : «أن يكون عليّ بعده على النّاس» أن يكون خليفة له عليهم في الظّاهر أيضا ، من غير دافع له.

قال البيضاويّ (١) : روي أنّ عتبة بن أبي وقّاص شجّه يوم أحد وكسر رباعيته ، فجعل ـ صلّى الله عليه وآله ـ يمسح الدّم عن وجهه ويقول : كيف يفلح قوم خضّبوا وجه نبيّهم بالدّم؟ فنزلت.

وقيل : همّ أن يدعو عليهم ، فنهاه الله ـ تعالى ـ لعلمه بأنّ فيهم من يؤمن.

(وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) : خلقا وملكا ، فله الامر كلّه.

(يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ) : فيه دلالة على نفي وجوب التّعذيب.

(وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (١٢٩) : لعباده ، فلا تبادر إلى الدّعاء عليهم.

وفي مجمع البيان (٢) : قيل : إنّما أبهم الله الأمر في التّعذيب (٣) والمغفرة [فلم يبيّن من يغفر له ومن يشاء تعذيبه ،] (٤) ليقف المكلّف بين الخوف والرّجاء [فلا يأمن من عذاب الله ـ تعالى ـ ولا ييأس من روح الله إلّا القوم الكافرون].(٥) ويلتفت إلى هذا

قول الصّادق ـ عليه السّلام ـ : لو وزن رجاء المؤمن وخوفه لاعتدلا.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً) : لا تزيدوا زيادات مكرّرة ولعلّ التّخصيص بحسب الواقع ، إذ كان الرّجل منهم يربي إلى أجل ثمّ يزيد فيه زيادة أخرى ، حتّى يستغرق بالشيء الطّفيف.

[وفي مجمع البيان (٦) : ووجه تحريم الرّبا ، هو المصلحة الّتي علمها الله وذكر فيه وجوه : منها أن يدعو إلى مكارم الأخلاق بالإقراض إنظار المعسر (٧) من غير زيادة. وهو المرويّ عن أبي عبد الله عليه السّلام] (٨) مال المديون.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ١٨١.

(٢) مجمع البيان ١ / ٥٠٢.

(٣) المصدر : بالتعذيب.

(٤ و ٥) من المصدر.

(٦) نفس المصدر والوضع.

(٧) هكذا في المصدر. وفي النسخ : «الانظار المعتبر» بدل «إنظار المعسر».

(٨) ليس في أ.

٢١٨

وقرأ ابن كثير وابن عامر ويعقوب «مضعّفة (١)» (وَاتَّقُوا اللهَ) : فيما نهيتم عنه ، (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (١٣٠) : راجين الفلاح.

(وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ) (١٣١) : بالتّحرّز عن متابعتهم ، وتعاطي أفعالهم.

قال البيضاويّ (٢) : وفيه تنبيه على أنّ النّار بالّذات معدّة للكافرين ، وبالعرض للعصاة.

أقول : فيه تنبيه على أنّ النّار معدّة للكافرين ، وكلّ من عذّب بالنّار من العصاة إنّما يعذّب إذا آل عصيانهم إلى الكفر ، وأمّا إذا لم يؤل اليه فلا يعذّب بالنّار ، لأنّها أعدّت للكافرين فلا يعذّب بها غيرهم ، وإلّا لكان معدّا لهم ولغيرهم ، فلا يصدق (أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ) إلّا أن يقال : المراد بالنّار نار معهودة معدّة لهم ، فلا يعذّب بها غيرهم أيضا.

(وَأَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (١٣٢) : بإطاعتهما.

و «لعلّ وعسى» في أمثال ذلك يدلّ على غرّة التوصّل إلى ما جعل خبرا لهما.

(وَسارِعُوا) : بادروا.

وقرأ ابن عامر ونافع «سارعوا» بلا واو (٣).

(إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) : بارتكاب أسبابها ، كالإسلام والتّوبة والإخلاص.

وفي مجمع البيان (٤) : عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ : إلى أداء الفرائض.

(وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) : أي عرضها كعرضهما.

وفي تفسير العيّاشيّ (٥) : عن داود بن سرحان ، عن رجل ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ [في قول الله : (وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ)].(٦) قال : إذا وضعوهما كذا ، وبسط يديه إحداهما مع الأخرى.

وفي مجمع البيان (٧). عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ [أنّه سئل : إذا كانت الجنة

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ١٨٢.

(٢) نفس المصدر والموضع.

(٣) نفس المصدر والموضع.

(٤) مجمع البيان ١ / ٥٠٣.

(٥) تفسير العياشي ١ / ١٩٨ ، ح ١٤٢.

(٦) من المصدر.

(٧) مجمع البيان ١ / ٥٠٤.

٢١٩

عرضها السّموات والأرض ، فأين تكون النّار؟] (١) فقال : سبحان الله ، إذا جاء النّهار فأين اللّيل.

ومعناه ، أنّ القادر على أن يذهب باللّيل حيث يشاء ، قادر على أن يخلق النّار حيث يشاء.

(أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) (١٣٣) : هيّئت لهم.

وفي كتاب الخصال (٢) : فيما علّم أمير المؤمنين أصحابه ، ممّا يصلح للمسلم في دينه ودنياه : «سابقوا إلى مغفرة من ربّكم وجنّة عرضها السّموات والأرض أعدّت للمتّقين».

فإنّكم لن تنالوها إلّا بالتّقوى.

وفي الآية دلالة على أنّ الجنّة مخلوقة ، خارجة عن هذا العالم.

(الَّذِينَ يُنْفِقُونَ) : صفة مادحة للمتّقين ، أو منصوب ، أو مرفوع على المدح.

(فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ) : في حالتي الرّخاء والشّدّة. أو الأحوال كلّها ، إذ الإنسان لا يخلوا عن مسرّة أو مضرّة ، أي : لا يخلونّ في حال ما عن إنفاق ما من قليل أو كثير.

(وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ) : الممسكين عليه ، الكافّين عن إمضائه مع القدرة. من كظمت القربة ، إذا ملأتها وشددت رأسها.

وفي أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم (٣) ، عن أبيه (٤) ، عن بعض أصحابه ، عن مالك بن حصين السّكونيّ قال : قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ : ما من عبد كظم غيظا إلّا زاده الله ـ عزّ وجلّ ـ عزّا في الدّنيا والآخرة ، وقد قال الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) ، وأثابه الله مكان غيظه ذلك.

عدّة من أصحابنا : عن أحمد بن محمّد (٥) بن خالد ، عن إسماعيل بن مهران عن سيف بن عميرة قال : حدّثني من سمع أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول : من كظم غيظا ـ ولو شاء أن يمضيه أمضاه ـ ملأ الله (٦) قلبه يوم القيامة رضاه.

وفي كتاب الخصال (٧) : عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : ثلاث خصال من

__________________

(١) المصدر : «سئل عن ذلك» بدل ما بين المعقوفتين.

(٢) الخصال / ٦٣٣ ، ضمن حديث الأربعمائة.

(٣) الكافي ٢ / ١١٠ ، ح ٥.

(٤) «عن أبيه» ليس في المصدر.

(٥) نفس المصدر والموضع ، ح ٦.

(٦) المصدر : أملأ. ـ (٧) الخصال / ١٠٤ ، ح ٦٣.

٢٢٠