الأخرى ألفا كما أبدلت من «طائي (١).» (مِنْ نَبِيٍ) : بيان له.
(قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ) : ربّانيّون علماء أتقياء.
وقيل (٢) جماعات.
والرّبّيّ ، منسوب إلى الرّبّة (٣) ، وهي الجماعة ، للمبالغة.
وفي مجمع البيان (٤) : عن الباقر ـ عليه السّلام ـ : الرّبّيّون ، عشرة آلاف.
وفي تفسير العيّاشيّ (٥) : عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ أنّه قرأ : «وكأيّن من نبيّ قتل معه ربّيّون كثير» قال : ألوف وألوف.
ثمّ قال : إي والله يقتلون.
وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو ويعقوب : «قتل» وإسناده إلى «ربّيّون» أو ضمير النّبيّ. و «معه ربّيّون» حال عنه. ويؤيّد الأوّل أنّه قرئ بالتّشديد ، وقرئ : «ربّيّون» بالفتح على الأصل ، وبالضّمّ. وهي من تغييرات النّسب كالكسر (٦).
(فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ) : فما فتروا ولم ينكسر جدّهم ، لما أصابهم من قتل النّبيّ أو بعضهم.
(وَما ضَعُفُوا) : عن العدوّ أو في الدّين ، (وَمَا اسْتَكانُوا) : وما خضعوا للعدوّ. وأصل استكن ، من السّكون ، لأنّ الخاضع يسكن لصاحبه ليفعل به ما يريده ، والألف من إشباع الفتحة. أو استكون ، من الكون ، لأنّه يطلب من نفسه أن يكون لمن يخضع له. وهذا تعريض بما أصابهم عند الإرجاف بقتله ـ عليه السّلام.
(وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ) (١٤٦) : فينصرهم ، ويعظّم قدرهم.
(وَما كانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَإِسْرافَنا فِي أَمْرِنا وَثَبِّتْ أَقْدامَنا
__________________
(١) نفس المصدر والموضع.
(٢) نفس المصدر والموضع.
(٣) المصدر : ربية.
(٤) مجمع البيان ١ / ٥١٧.
(٥) تفسير العياشي ١ / ٢٠١ ، ح ١٥٤. وفيه : عن منصور بن الوليد الصيقل أنّه سمع أبا عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام ـ قرأ ....
(٦) أنوار التنزيل ١ / ١٨٥.
وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ) (١٤٧) : أي : وما كان قولهم من ثباتهم وقوّتهم في الدّين وكونهم ربّانيّين إلّا هذا القول ، وهو إضافة الذّنوب والإسراف إلى أنفسهم ، هضما لها ، وإضافة لما أصابهم إلى سوء أعمالهم والاستغفار عنها. ثمّ طلب التّثبيت في مواطن الحرب والنّفرة على العدوّ ، ليكون عن خضوع وطهارة ، فيكون أقرب إلى الإجابة. وإنّما جعل قولهم خبرا ، لأنّ «أن قالوا» أعرف لدلالته على جهة النّسبة وزمان الحدث.
(فَآتاهُمُ اللهُ ثَوابَ الدُّنْيا وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (١٤٨) :
فآتاهم الله ـ بسبب الاستغفار واللّجأ إلى الله ـ النّصر ، والغنيمة ، والعزّ ، وحسن الذّكر في الدّنيا ، والجنّة والنّعيم في الآخرة. وخصّ ثوابها بالحسن ، إشعارا بفضله ، وأنّه المعتدّ به عنده.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ) (١٤٩) :
في مجمع البيان (١) : عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام : نزلت في المنافقين ، إذ قالوا للمؤمنين يوم أحد عند الهزيمة : ارجعوا إلى إخوانكم وارجعوا إلى دينهم.
وقيل (٢) : عامّ في مطاوعة الكفرة والنّزول على حكمهم ، فإنه سيجر (٣) الى موافقتهم.
(بَلِ اللهُ مَوْلاكُمْ) : ناصركم.
وقرئ ، بالنصب ، على تقدير : بل أطيعوا الله مولاكم (٤).
(وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ) (١٥٠) : فاستغنوا به عن ولاية غيره ، ونصره.
(سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ) : يريد ما قذف في قلوبهم من الخوف يوم أحد ، حتى تركوا القتال ورجعوا من غير سبب.
ونادى أبو سفيان : يا محمّد ، موعدنا موسم بدر لقابل إن شئت.
فقال ـ عليه السّلام ـ : إن شاء الله.
وقيل (٥) : لمّا رجعوا وكانوا ببعض الطّريق ، ندموا وعزموا أن يعودوا عليهم
__________________
(١) مجمع البيان ١ / ٥١٨.
(٢) أنوار التنزيل ١ / ١٨٦.
(٣) المصدر : يستجرّ.
(٤) نفس المصدر والموضع.
(٥) نفس المصدر والموضع.
ليستأصلوهم ، فألقى الله الرّعب في قلوبهم.
في مجمع البيان (١) : عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ : نصرت بالرّعب مسيرة شهر.
وفي كتاب الخصال (٢) : عن أبي أمامة قال : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : فضّلت بأربع ، نصرت بالرّعب مسيرة شهر يسير بين يدي.
عن سعيد بن جبير (٣) ، عن ابن عبّاس قال : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : أعطيت خمسا لم يعطها أحد قبلي ، جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ونصرت بالرّعب.
عن جابر بن عبد الله ، عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ حديث طويل (٤) ، يقول ـ عليه السّلام ـ فيه : قال لي الله ـ جلّ جلاله ـ : ونصرتك بالرّعب الّذي لم أنصر به أحدا قبلك (٥).
وقرأ ابن عامر والكسائيّ ويعقوب : «الرّعب» بضمّتين على الأصل في كلّ القرآن (٦).
(بِما أَشْرَكُوا بِاللهِ) : بسبب إشراكهم به ، (ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ) : عليهم ، (سُلْطاناً) أي : آلهة ليس على اشتراكها حجّة ، ولم ينزل به عليهم سلطانا ، وهو كقوله (٧) :
ولا ترى الضّبّ بها ينجحر.
وأصل السّلطنة ، القوّة. ومنه : السّليط ، لقوّة اشتعاله. والسّلاطة ، لحدّة اللّسان.
(وَمَأْواهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ) (١٥١) ، أي : مثواهم. الظّاهر فوضع المضمر ، للتّغليظ والتّعليل.
(وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ) : أي : وعده إيّاهم بالنّصر ، بشرط التّقوى والصّبر.
__________________
(١) مجمع البيان ١ / ٥١٩.
(٢) الخصال / ٢٠١ ، ضمن حديث ١٤.
(٣) نفس المصدر / ٢٩٢ ، ح ٥٦. وله تتمة.
(٤) نفس المصدر / ٤٢٥ ، ضمن حديث ١.
(٥) ليس في المصدر.
(٦) أنوار التنزيل ١ / ١٨٦.
(٧) أنوار التنزيل ١ / ١٨٦.
وكان كذلك حتّى خالف الرّماة ، فإنّ المشركين لمّا أقبلوا جعل الرّماة يرشقونهم والباقون يضربونهم بالسّيف ، حتّى انهزموا والمسلمين على آثارهم.
(إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ) : تقتلونهم. من حسّه ، إذا أبطل حسه.
(حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ) : جبنتم ، وضعف رأيكم. أو ملتم إلى الغنيمة ، فإنّ الحرص من ضعف العقل.
(وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ) ، يعني : اختلاف الرّماة حين انهزم المشركون ، فقال بعضهم : فما موقفنا هاهنا. وقال الآخرون : لا نخالف أمر الرّسول. فثبت مكانه أميرهم في نفر دون العشرة ، ونفر الباقون للنّهب. وهو المعنى بقوله : (وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ) : من الظّفر والغنيمة ، وانهزام العدوّ.
وجواب «إذا» محذوف ، وهو «امتحنكم».
(مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا) : وهم التّاركون المركز للغنيمة.
(وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ) : وهم الثّابتون (١) ، محافظة على أمر الرّسول.
[وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٢) : قوله : (حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا) يعني ، أصحاب عبد الله بن جبير ، الّذين تركوا مراكزهم (٣) وفرّوا (٤) للغنيمة. قوله : (وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ) يعني ، عبد الله بن جبير وأصحابه ، الّذين بقوا حتّى قتلوا].(٥) (ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ) : ثمّ كفّكم عنهم ، حتّى خالف الحال ، فغلبوكم (٦) ، (لِيَبْتَلِيَكُمْ) : على المصائب ، ويمتحن ثباتكم على الإيمان عندها.
(وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ) : تفضّلا ، ولما علم من ندمكم على المخالفة.
(وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) (١٥٢) : بتفضّله عليهم بالعفو ، أو في الأحوال كلّها ، سواء أديل لهم أو عليهم ، إذ الابتلاء أيضا رحمة ، (إِذْ تُصْعِدُونَ) : متعلّق «بصرفكم» أو «بيبتليكم» أو بمقدّر كما ذكروا.
والإصعاد ، الذّهاب والإبعاد في الأرض. يقال : أصعدنا من مكّة إلى المدينة.
__________________
(١) أ : التائبون.
(٢) تفسير القمي ١ / ١٢٠.
(٣) المصدر : مركزهم.
(٤) المصدر : مرّوا.
(٥) ما بين المعقوفتين ليس في أ.
(٦) ر : فقلبوكم.
(وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ) : لا يقف أحد لأحد ، ولا ينتظره ، (وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ) : كان يقول : إليّ عباد الله ، أنا رسول الله ، من يكرّ فله الجنّة ، (فِي أُخْراكُمْ) : في ساقتكم وجماعتكم الأخرى ، (فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍ) : فجازاكم الله عن فشلكم وعصيانكم ، غمّا متّصلا بغمّ.
في تفسير عليّ بن إبراهيم (١) : وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ [في قوله : (فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍ)] (٢) فأمّا الغمّ الأوّل فالهزيمة والقتل ، والغمّ الآخر فإشراف خالد بن الوليد عليهم.
(لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ) : من الغنيمة ، (وَلا) : على (ما أَصابَكُمْ) : من قتل إخوانكم.
وقيل (٣) : «لا» مزيدة ، والمعنى : لتأسفوا على ما فاتكم من الظّفر والغنيمة ، وعلى ما أصابكم في الجرح والهزيمة عقوبة لكم.
وقيل : الضّمير في «أثابكم» للرّسول ، أي : فآساكم في الاغتمام ، فاغتمّ بما نزل عليكم كما اغتممتم بما نزل عليه ، ولم يثربكم على عصيانكم تسلية لكم ، لكيلا تحزنوا على ما فاتكم من النّصر ، ولا على ما أصابكم من الهزيمة.
(وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) (١٥٣) عالم بأعمالكم ، وبما قصدتم بها.
[وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٤) : وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ (لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ) من الغنيمة ، ولا على (ما أَصابَكُمْ) ، يعني ، قتل إخوانهم. (وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ)].(٥)
(ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً) : أنزل الله عليكم الأمن حتّى أخذكم النّعاس.
وعن أبي طلحة (٦) : غشينا النّعاس في المصافّ حتّى كان السّيف يسقط من
__________________
(١) تفسير القمي ١ / ١٢٠.
(٢) من المصدر.
(٣) أنوار التنزيل ١ / ١٨٧.
(٤) نفس المصدر والموضع.
(٥) ما بين المعقوفتين ليس في أ.
(٦) أنوار التنزيل ١ / ١٨٧.
يد أحدنا ، فيأخذه ثمّ يسقط ، فيأخذه.
والأمنة ، الأمن. نصب ، على المفعول. ونعاسا ، بدل منها. أو هو المفعول ، و «أمنة» حال منه متقدّمة. أو مفعول له. أو حال من المخاطبين ، بمعنى ، ذوي أمنة. أو على أنّه ، جمع آمن ، كبارّ وبررة.
وقرئ : أمنة ، بسكون الميم ، كأنّها المرّة من الأمن.
[وفي تفسير العيّاشيّ (١) : عن الحسين بن أبي العلا ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ وذكر يوم أحد ـ : أنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ كسرت رباعيّته ، وأنّ النّاس ولّوا مصعدين في الوادي والرّسول يدعوهم في أخراهم فأثابهم غمّا بغمّ ، ثمّ أنزل عليهم النّعاس.
فقلت : النّعاس ما هو؟
قال : الهمّ ، فلمّا استيقظوا قالوا : كفرنا.
والحديث طويل ، أخذت منه موضع الحاجة].(٢) (يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ) ، أي : النّعاسّ.
وقرأ حمزة والكسائيّ ، بالتّاء ، ردّا على الأمنة. والطّائفة ، المؤمنون حقّا (٣).
(وَطائِفَةٌ) : هم المنافقون ، (قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ) : أوقعتهم (٤) أنفسهم في الهموم ، أو ما بهم إلّا هم أنفسهم وطلب خلاصها ، (يَظُنُّونَ بِاللهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ) : صفة أخرى «لطائفة» أو حال. أو استئناف ، على وجه البيان لما قبله.
و «غير الحقّ» نصب على المصدر ، أي : يظنّون بالله غير الظّنّ الحقّ الّذي يحقّ أن يظنّ به.
و «ظنّ الجاهليّة» بدل ، وهو الظّنّ المختصّ بالملّة الجاهليّة وأهلها.
(يَقُولُونَ) ، أي : لرسول الله. وهو بدل من «يظنّون».
(هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ) : ممّا أمر الله ، ووعده من النّصر والظّفر نصيب
__________________
(١) تفسير العيّاشيّ ١ / ٢٠١ ، صدر حديث ١٥٥.
(٢) ما بين المعقوفتين ليس في أ.
(٣) أنوار التنزيل ١ / ١٨٧.
(٤) أ : أوثقهم.
قطّ.
وقيل (١) : أخبر ابن أبيّ بقتل بني الخزرج ، فقال ذلك.
والمعنى : إنّا منعنا تدبير أنفسنا وتصريفها باختيارنا ، فلم يبق لنا من الأمر شيء أوهل يزول عنّا هذا القهر ، فيكون لنا من الأمر شيء (قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ) ، أي : الغلبة الحقيقيّة لله وأوليائه ، فإنّ حزب الله هم الغالبون. أو القضاء له ، يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد. وهو اعتراض.
وقرأ ابو عمرو ويعقوب «كلّه» بالرّفع ، على الابتداء (٢).
(يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ما لا يُبْدُونَ لَكَ) : حال ، من ضمير «يقولون» ، أي : يقولون مظهرين أنّهم مسترشدون طالبون للنّصر ، مبطنين الإنكار والتّكذيب.
(يَقُولُونَ) ، أي : في أنفسهم ، أو إذا خلا بعضهم إلى بعض. وهو بدل من «يخفون.» أو استئناف ، على وجه البيان له.
(لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ) : كما وعد محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ وزعم ، متوصّلا أنّ الأمر كلّه لله ـ تعالى ـ ولأوليائه. أولو كان لنا اختيار وتدبير لم نبرح ، كما كان ابن أبيّ وغيره.
(ما قُتِلْنا هاهُنا) : لما غلبنا ، ولما قتل من قتل منّا في هذه المعركة.
(قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ) ، أي : لخرج الّذين قدّر الله عليهم القتل وكتب في اللّوح المحفوظ إلى مصارعهم ، ولم ينفع الإقامة بالمدينة ، ولم ينج منه أحد ، فإنّه قدّر الأمور ودبّرها في سابق قضائه ، لا معقّب لحكمه.
(وَلِيَبْتَلِيَ اللهُ ما فِي صُدُورِكُمْ) : ليمتحن ما في صدوركم ، ويظهر سرائرها من الإخلاص والنّفاق. وهو علّة فعل محذوف ، أي : وفعل ذلك ليبتلي. أو عطف على محذوف ، أي ، لبرز لنفاذ القضاء ، أو لمصالح جمّة وللابتلاء. أو على قوله : لكيلا تحزنوا.
(وَلِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ) : وليكشفه ويميّزه ، أو يخلّصه عن الوساوس.
(وَاللهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) (١٥٤) : بخفيّاتها قبل إظهارها. وفيه وعد ووعيد ، وتنبيه على أنّه غنيّ عن الابتلاء ، وإنّما فعل ذلك لتمرين المؤمنين وإظهار حال المنافقين.
(إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ) : انهزموا يوم أحد.
__________________
(١) نفس المصدر والموضع.
(٢) نفس المصدر ١ / ١٨٨.
والجمعان ، جمع المسلمين وجمع المشركين.
(إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ) : حملهم على الزّلة ، (بِبَعْضِ ما كَسَبُوا) : من معصيتهم النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ بترك المركز والحرص على الغنيمة وغير ذلك ، فمنعوا التّأييد وقوّة القلب.
[وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (١) : قوله : (إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ) أي ، خدعهم (٢) حتّى طلبوا الغنيمة. (بِبَعْضِ ما كَسَبُوا) قال : بذنوبهم.
وفي تفسير العيّاشيّ (٣) عن زرارة وحمران ومحمّد بن مسلم ، عن أحدهما ـ عليهما السّلام ـ في قوله : (إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا) فهو عقبة بن عثمان ، وعثمان بن سعد.] (٤)
عن عبد الرّحمن (٥) بن كثير ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ [في قوله (إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا)] (٦) قال : هم أصحاب العقبة.
(وَلَقَدْ عَفَا اللهُ عَنْهُمْ) : لتوبتهم واعتذارهم.
(إِنَّ اللهَ غَفُورٌ) : للذّنوب.
(حَلِيمٌ) (١٥٥) : لا يعاجل بعقوبة المذنب ، كي يتوب.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا) ، يعني : المنافقين.
(وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ) : لأجلهم وفيهم. ومعنى إخوتهم ، اتّفاقهم في النّسب ، أو المذهب.
(إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ) : إذا سافروا فيها وأبعدوا للتّجارة ، أو غيرها. وكان حقّه «إذ» لقوله : «قالوا» لكنّه جاء على حكاية الحال الماضية.
(أَوْ كانُوا غُزًّى) : جمع ، غاز كعاف ، وعفّى.
(لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَما قُتِلُوا) : مفعول «قالوا» وهو يدلّ على أنّ إخوانهم ، لم يكونوا مخاطبين به.
(لِيَجْعَلَ اللهُ ذلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ) : متعلّق «بقالوا» على أنّ اللّام ، لام
__________________
(١) تفسير القمي ١ / ١٢١.
(٢) هكذا في المصدر. وفي الأصل ور : خزلهم.
(٣) تفسير العياشي ١ / ٢٠١ ، ح ١٥٦.
(٤) ما بين المعقوفتين ليس في أ.
(٥) نفس المصدر والموضع ، ح ١٥٨.
(٦) من المصدر.
العاقبة ، مثلها في (لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً). أولا تكونوا مثلهم في النّطق بذلك القول والاعتقاد ، ليجعله حسرة في قلوبهم خاصّة.
[«فذلك» إشارة إلى ما دلّ عليه قولهم من الاعتقاد.
وقيل (١) : إلى ما دلّ عليه النّهي ، أي ، لا تكونوا مثلهم ، ليجعل الله انتفاء كونكم مثلهم حسرة في قلوبهم ،] (٢) فإنّ مخالفتهم ومضادّتهم (٣) مما يغمّهم.
(وَاللهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ) : ردّ لقولهم ، أي : هو المؤثّر في الحياة والممات ، لا الإقامة والسّفر ، فإنّه ـ تعالى ـ قد يحيي المسافر والغازي ويميت المقيم والقاعد.
(وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (١٥٦) : تهديد للمؤمنين على أن يماثلوهم.
وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائيّ ، بالياء ، على أنّه وعيد للذين كفروا (٤).
(وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوْ مُتُّمْ) : في سبيله.
وقرأ نافع وحمزة والكسائيّ ، بكسر الميم ، من مات يمات (٥).
(لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) (١٥٧) : جواب القسم. وهو سادّ ، مسدّ الجزاء ، والمعنى : أنّ السّفر والغزو ليس ممّا يجلب الموت ويقدّم الأجل ، وإن وقع ذلك في سبيل الله ، فما تنالون من المغفرة والرّحمة بالموت خير ممّا تجمعون من الدّنيا ومنافعها لو لم تموتوا.
وفي تفسير العيّاشيّ (٦) : عن عبد الله بن المغيرة [، عمّن حدّثه ، عن جابر ،] (٧) عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : سئل عن قول الله : (وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوْ مُتُّمْ).
قال : أتدري يا جابر ما سبيل الله؟
فقلت : لا والله إلّا أن أسمعه منك.
قال : سبيل الله عليّ ـ عليه السّلام ـ وذرّيّته ، فمن (٨) قتل في ولايته قتل في سبيل الله ، ومن مات في ولايته مات في سبيل الله.
__________________
(١) أنوار التنزيل ١ / ١٨٩.
(٢) ما بين المعقوفتين ليس في ر.
(٣) أ : مضارعتهم.
(٤) نفس المصدر والموضع.
(٥) نفس المصدر والموضع.
(٦) تفسير العياشي ١ / ٢٠٢ ، ح ١٦٢. وله ذيل.
(٧) من المصدر.
(٨) هكذا في المصدر. وفي النسخ : من.
وفي كتاب معاني الأخبار (١) : أبي ـ رحمه الله ـ قال : حدّثنا سعد بن عبد الله ، عن محمّد بن الحسين ، عن محمّد بن سنان ، عن عمّار بن مروان ، عن المنخل ، عن جابر ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : سألته عن هذه الآية في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوْ مُتُّمْ).
قال : فقال : أتدري ما سبيل الله؟
قال : لا والله إلّا أن أسمعه منك.
قال : سبيل الله عليّ ـ عليه السّلام (٢) ـ وذرّيّته ، و «سبيل الله (٣)» من قتل في ولايته قتل في سبيل الله ، ومن مات في ولايته مات في سبيل الله.
وقرأ حفص ، بالياء (٤).
(وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ) : على أي وجه اتّفق هلاكهم ، (لَإِلَى اللهِ تُحْشَرُونَ) (١٥٨) لإلى معبودكم الّذي توجّهتم إليه وبذلتم مهجكم لأجله لا إلى غيره ، لا محالة تحشرون فيوفيّ جزاءكم ويعظّم ثوابكم.
وقرأ نافع وحمزة والكسائيّ : «متّم» بالكسر (٥).
(فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ) ، أي : فبرحمة. و «ما» مزيدة للتّأكيد. والدّلالة على أنّ لينه لهم ما كان إلّا برحمة من الله ، وهو ربطه على جأشه وتوفيقه للرّفق بهم ، حتّى اغتمّ لهم بعد (٦) أن خالفوه.
(وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا) : سيّء الخلق ، جافيا ، (غَلِيظَ الْقَلْبِ) : قاسيه ، (لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) : لتفرّقوا عنك ، ولم يسكنوا إليك.
(فَاعْفُ عَنْهُمْ) : فيما يختصّ بك ، (وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ) : فيما لله.
وفي تفسير العيّاشيّ (٧) : عن صفوان قال : استأذنت لمحمّد بن خالد على (٨) الرّضا
__________________
(١) معاني الأخبار / ١٦٧ ، ح ١.
(٢) المصدر : [هو] عليّ ـ عليه السّلام.
(٣) «وسبيل الله» في المصدر ، بين المعقوفتين.
(٤) أنوار التنزيل ١ / ١٨٩.
(٥) نفس المصدر والموضع.
(٦) النسخ : «بعده» بدل «لهم بعد». وما أثبتناه في المتن موافق أنوار التنزيل ١ / ١٨٩.
(٧) تفسير العياشي ١ / ٢٠٣ ، ح ١٦٣.
(٨) هكذا في المصدر. وفي النسخ : عن.
أبي الحسن ـ عليه السّلام ـ وأخبرته أنّه ليس يقول بهذا القول ، وأنّه قال : والله لا أريد بلقائه إلّا لأنتهي إلى قوله.
فقال أدخله ، فدخل.
فقال له : جعلت فداك ، أنّه كان فرط منّي شيء وأسرفت على نفسي ، وكان فيما يزعمون أنّه كان بعينه (١) ، فقال (٢) : وأنا (٣) أستغفر الله ممّا كان منّى ، فأحبّ أن تقبل عذري وتغفر لي ما كان منّي.
فقال : نعم أقبل ، إن لم أقبل كان إبطال ما يقول (٤) هذا وأصحابه ـ وأشار إليّ بيده ـ ومصداق ما يقول الآخرون ، يعني ، المخالفين. قال الله لنبيّه ـ عليه وآله السّلام ـ : (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ). ثمّ سأله عن أبيه ، فأخبره أنّه قد مضى ، واستغفر له.
(وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) : في أمر الحرب ، إذا الكلام فيه. أو فيما يصحّ أن يشاور فيه ، استظهارا برأيهم ، وتطيّبا لنفوسهم ، وتمهيدا لسنّة المشاورة للأمّة.
وفي نهج البلاغة (٥) : قال ـ عليه السّلام ـ من استبدّ برأيه هلك ، ومن شاور الرّجال شاركها في عقولها.
وفيه (٦) : قال ـ عليه السّلام ـ : والاستشارة عين (٧) الهداية ، فقد خاطر من استغنى برأيه.
وفي كتاب التّوحيد (٨) ، بإسناده إلى أبي البختريّ ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن عليّ ـ عليه السّلام ـ عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ حديث طويل ، وفيه : لا وحدة أوحش من العجب ، ولا مظاهرة أوثق من المشاورة.
وفي كتاب الخصال (٩). عن محمّد بن آدم ، عن أبيه ـ بإسناده ـ قال : قال
__________________
(١) المصدر : يعيبه (بعينه ـ خ ل)
(٢) هكذا في أو المصدر. وفي رو الأصل : فقأ.
(٣) هكذا في المصدر. وفي النسخ : أن.
(٤) ر : أقول.
(٥) نهج البلاغة / ٥٠٠ ، حكمة ١٦١.
(٦) نفس المصدر / ٥٠٦ ، ضمن حكمة ٢١١.
(٧) هكذا في المصدر. وفي النسخ : عن.
(٨) التوحيد / ٣٧٦ ، ضمن حديث ٢٠.
(٩) الخصال / ١٠١ ـ ١٠٢ ، ح ٥٧.
رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : يا عليّ ، لا تشاورنّ جبانا فإنه يضيق عليك المخرج ، ولا تشاورنّ البخيل فإنّه يقصر بك عن غايتك ، ولا تشاورنّ حريصا فإنّه يزيّن لك شرّها (١).
وفيه (٢) ، في الحقوق المرويّة ، عن عليّ بن الحسين ـ عليه السّلام ـ وحقّ المستشير إن علمت له رأيا أشرت عليه ، وإن لم تعلم أرشدته إلى من يعلم. وحقّ المشير عليك (٣) أن لا تتّهمه فيما لا يوافقك من رأيه ، فإن وافقك حمدت الله.
وعن سفيان الثّوريّ (٤) قال : لقيت الصّادق [بن الصّادق] (٥) جعفر بن محمّد ـ عليهما السّلام ـ فقلت له : يا بن رسول الله أوصني.
فقال لي : يا سفيان ، لا مرؤة لكذوب (٦) ـ إلى قوله ـ : وشاور في أمرك الّذين يخشون الله.
[(فَإِذا عَزَمْتَ) : فإذا وطّنت نفسك على شيء بعد الشّورى.
(فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) : في إمضاء أمرك على ما هو أصلح لك ، فإنه لا يعلم سواه.
وقرئ : فإذا عزمت على التّكلّم ، أي : فإذا عزمت لك على شيء وعيّنته لك ، فتوكّل عليّ ولا تشاور فيه (٧) أحدا.
(إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) (١٥٩) : فينصرهم ويهديهم إلى الصّلاح].(٨)
في تفسير العيّاشيّ (٩) : أحمد بن محمّد ، عن عليّ بن مهزيار قال : كتب إليّ أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ أن سل فلانا أن يشير عليّ ويتخيّر لنفسه ، فهو يعلم ما يجوز في بلده ، وكيف يعامل السّلاطين ، فإنّ المشورة مباركة ، قال الله لنبيّه ـ صلّى الله عليه وآله ـ في محكم كتابه : (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ، فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) فإن كان ما يقول ممّا يجوز كنت أصوّب رأيه (١٠) ، وإن كان غير ذلك رجوت أن أضعه على الطّريق الواضح ـ إن شاء الله ـ (وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) قال : يعني :
__________________
(١) هكذا في المصدر. وفي النسخ : ثرها.
(٢) نفس المصدر / ٥١٠ ، ضمن حديث ١.
(٣) هكذا في المصدر. وفي النسخ : «المستشير» بدل «المشير عليك».
(٤) نفس المصدر / ١٦٩ ، ضمن حديث ٢٢٢.
(٥) من المصدر.
(٦) هكذا في المصدر. وفي النسخ : للكذوب.
(٧) أنوار التنزيل ١ / ١٨٩.
(٨) ما بين المعقوفتين ليس في أ.
(٩) تفسير العياشي ١ / ٢٠٤ ـ ٢٠٥ ، ح ١٤٧.
(١٠) هكذا في المصدر. وفي النسخ : لرأيه.
الاستخارة.
(إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ) : فلا أحد يغلبكم.
(وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ) ، كما خذلكم يوم أحد ، (فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ) : من بعد خذلانه ، أو من بعد الله ، بمعنى : إذا جاوزتموه فلا ناصر لكم. وهذا تنبيه ، على المقتضي للتّوكّل. وتحريض ، على ما يستحقّ به النّصر من الله. وتحذير ، عمّا يستجلب بخذلانه.
وفي كتاب التّوحيد (١) : بإسناده إلى عبد الله بن الفضل الهاشميّ ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ حديث طويل ، يقول فيه : فقلت : قوله ـ عزّ وجلّ ـ : و (ما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللهِ) وقوله ـ عزّ وجلّ ـ : (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ).
فقال : إذا فعل العبد ما أمره الله ـ عزّ وجلّ ـ به من الطّاعة كان فعله وفقا لأمر الله ـ عزّ وجلّ ـ وسمّي العبد به موفّقا ، وإذا أراد العبد أن يدخل (٢) في شيء من معاصي الله فحال الله ـ تبارك وتعالى ـ بينه وبين تلك المعصية فتركها كان تركه لها (٣) بتوفيق الله ـ تعالى ذكره ـ ومتى خلّى بينه وبين المعصية فلم يحل بينه وبينها حتّى يرتكبها فقد خذله ولم ينصره ولم يوفّقه.
(وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) (١٦٠) فليخصّوه بالتّوكّل عليه ، لمّا علموا أن لا ناصر سواه وآمنوا به.
(وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَ) : وما صحّ لنبيّ أن يخون في الغنائم ، فإنّ النّبوّة تنافي الخيانة.
يقال : غلّ شيئا من المغنم ، يغلّ غلولا ، وأغلّ إغلالا ، إذا أخذه في خفية.
والمراد منه براءة الرّسول ـ صلّى الله عليه وآله ـ عمّا اتّهم به.
وقرأ نافع وابن عامر وحمزة والكسائيّ ويعقوب : «أن يغلّ» على البناء للمفعول ، والمعنى : وما صحّ له أن يوجد غالّا ، أو أن ينسب إلى الغلول (٤).
__________________
(١) التوحيد / ٢٤٢ ، ذيل حديث ١.
(٢) أ : «لن يدخل» بدل «أن يدخل».
(٣) هكذا في المصدر. وفي النسخ : «تركها» بدل «تركه لها».
(٤) أنوار التنزيل ١ / ١٩٠.
في تفسير عليّ بن إبراهيم (١) : أنّ سبب نزولها ، أنّه كان في الغنيمة الّتي أصابوها يوم بدر قطيفة حمراء ، ففقدت ، فقال رجل من أصحاب رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : مالنا لا نرى القطيفة ، لا أظنّ إلّا أنّ رسول الله أخذها. فأنزل الله في ذلك : (وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَ) (الآية) فجاء رجل إلى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فقال : إنّ فلانا غلّ قطيفة فأخبأها (٢) هنالك. فأمر رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ بحفر ذلك الموضع ، فأخرج القطيفة.
(وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ) ، أي : يأتي بما غلّ من النّار يوم القيامة ، أي : يجعل ما غلّ في النّار ويكلّف بأن يخرجه منها ، كما رواه عليّ بن إبراهيم في تفسيره (٣) : عن أبي الجارود ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في قوله : (وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَ) قال : فصدق (٤) الله لم يكن الله ليجعل نبيّا غالا ، ومن يغلل يأت بما غلّ يوم القيامة ، ومن غلّ شيئا رآه يوم القيامة في النّار ، ثمّ يكلّف أن يدخل إليه فيخرجه من النّار.
وفي أمالى الصّدوق ـ رحمه الله (٥) ـ : بإسناده إلى الصّادق ـ عليه السّلام ـ حديث طويل ، يقول فيه : إنّ رضا النّاس لا يملك وألسنتهم لا تضبط [..].ألم ينسبوه (٦) يوم بدر إلى أنّه أخذ لنفسه من المغنم قطيفة حمراء ، حتّى أظهره الله على القطيفة ، وبرّأ نبيّه ـ صلّى الله عليه وآله ـ من الخيانة وأنزل بذلك في كتابه : (وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ).
(ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ) : تعطي جزاء ما كسبت وافيا. وكان الظّاهر أن يقال : ثمّ توفّى ما كسبت ، لكنّه عمّم الحكم ليكون كالبرهان على المقصود والمبالغة فيه ، فإنّه إذا كان كاسب مجزئا بعمله ، فالغالّ مع عظم جرمه أولى.
(وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (١٦١) : فلا ينقص ثواب مطيعهم ، ولا يزاد عقاب عاصيهم.
(أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللهِ) : بالطّاعة ، إنكار للتّسوية ، (كَمَنْ باءَ) : رجع ،
__________________
(١) تفسير القمي ١ / ١٢٦ ـ ١٢٧.
(٢) هكذا في المصدر. وفي النسخ : فأحضرها.
(٣) نفس المصدر ١ / ١٢٢.
(٤) المصدر : «ومن يغلل يأت بما غلّ يوم القيامة. وصدق» بدل «قال فصدق».
(٥) أمالي الصدوق / ٩١ و ٩٢ ، ضمن حديث ٣.
(٦) أ : بينوه.
(بِسَخَطٍ مِنَ اللهِ) : سبب المعاصي ،
(وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) (١٦٢) :
والفرق بينه وبين المرجع ، أنّ المصير يجب أن يخالف الحالة الأولى ولا كذلك المرجع.
(هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللهِ) :
قيل (١) : شبّهوا بالدّرجات لما بينهم من التّفاوت في الثّواب والعقاب ، أو هم ذوو درجات.
وقيل : يحتمل أن يكون تشبّههم بالدّرجات في أنّهم وسائل الصّعود إلى الله ، والهبوط من قربه إلى أسفل السّافلين.
ولا يخفى ما في هذه التّوجيهات من التّكلّف ، والصّواب أنّ ضميرهم راجع إلى «من اتّبع» والمراد منهم الأئمّة ، وهم درجات عند الله لمن اتّبعهم من المؤمنين ، وأسباب لرفعتهم عند الله.
وفي تفسير العيّاشيّ (٢) : عن عمّار بن مروان (٣) قال : سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن قوله الله : (أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللهِ كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ).
فقال : الذين اتبعوا رضوان الله (٤) ، هم الأئمّة ، وهم (٥) والله [يا عمّار ـ] (٦) درجات عند الله للمؤمنين ، وبولايتهم (٧) ومعرفتهم إيّانا يضاعف الله لهم أعمالهم (٨) ويرفع الله [لهم] (٩) الدّرجات العلى. وأمّا قوله : ـ يا عمّار ـ كمن باء بسخط من الله (إلى [قوله] (١٠)) المصير ،
__________________
(١) أنوار التنزيل ١ / ١٩٠.
(٢) تفسير العياشي ١ / ٢٠٥ ، ح ١٤٩.
(٣) الأصل وأ : «عمران بن مروان». وفي ر : «عمران». وما أثبتناه في المتن موافق المصدر. والظاهر أنّ الراويّ هو «عمّار بن مروان اليشكري مولاهم الخزّاز الكوفي». ر. تنقيح المقال ٢ / ٣١٨ ، رقم ٨٥٩٢.
(٤) «الذين اتّبعوا رضوان الله» ليس في المصدر.
(٥) «وهم» ليس في المصدر.
(٦) من المصدر.
(٧) المصدر : وبموالاتهم.
(٨) المصدر : «وهم ، والله يا عمّار! درجات للمؤمنين عند الله. وبموالاتهم ومعرفتهم إيّانا فيضاعف الله للمؤمنين حسناتهم» بدل «وهم ، والله يا عمّار! درجات عند الله للمؤمنين. وبولايتهم ومعرفتهم إيّانا يضاعف الله لهم أعمالهم».
٩ و ١٠ ـ من المصدر.
فهم والله الّذين جحدوا حقّ عليّ بن أبي طالب وحقّ الأئمّة منّا أهل البيت ، فباؤوا بذلك بسخط (١) من الله.
عن أبي الحسن الرّضا ـ عليه السّلام (٢) ـ أنّه ذكر قول الله : (هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللهِ) قال الدّرجات (٣) ما بين السّماء والأرض.
وفي أصول الكافي (٤) : عليّ بن محمّد ، عن سهل بن زياد ، عن ابن محبوب ، عن هشام [بن سالم ،] (٥) عن عمّار السّاباطيّ قال : سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ عن هذه الآية (٦).
فقال : الّذين اتّبعوا رضوان الله ، هم الائمّة ، وهم والله ـ يا عمّار ـ درجات للمؤمنين ، وبولايتهم ومعرفتهم إيّانا يضاعف الله لهم أعمالهم ، ويرفع الله (٧) لهم (٨) الدّرجات العلى.
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٩) : حدّثنا أحمد بن محمّد ، عن المعلى بن محمّد ، عن عليّ بن محمّد ، عن بكر بن صالح ، عن جعفر بن يحيى ، عن عليّ بن النّضر ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ حديث طويل ، يذكر فيه لقمان ووعظه لابنه ، وفيه : من اتّبع أمره استوجب جنّته ومرضاته ، ومن لم يتّبع رضوان الله فقد هان عليه سخطه (١٠) ، نعوذ بالله من سخط الله.
(وَاللهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ) (١٦٣) : عالم بأعمالهم ، فيجازيهم على حسبها.
(لَقَدْ مَنَّ اللهُ) : أنعم الله. واللّام ، موطّئة للقسم.
__________________
(١) المصدر : «لذلك سخطا» بدل «بذلك بسخط».
(٢) نفس المصدر والموضع ، ح ١٥٠.
(٣) المصدر : الدرجة.
(٤) الكافي ١ / ٤٣٠ ، ح ٨٤.
(٥) من المصدر.
(٦) ذكر في المصدر نفس الآية بطولها بدل «عن هذه الآية».
(٧) المصدر : [الله].
(٨) ليس في المصدر.
(٩) تفسير القمي ٢ / ١٦٥. والسند المذكور هنا هو في المصدر سند لحديث آخر (ص ١٦١ ـ ١٦٢). فراجع.
وسند هذا الحديث هاهنا ، هكذا : حدّثنى أبي ، عن القاسم بن محمّد ، عن سليمان بن داود المنقريّ ، عن حمّاد ، قال : سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن لقمان وحكمته الّتي ذكرها الله ـ عزّ وجلّ ـ فقال : ...
(١٠) النسخ : لسخطه.
وقرئ بمن الجارّة ، على أنّه خبر مبتدأ محذوف ، أي : منه ، أو بعثه (١).
(عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) : على الّذين آمنوا مع الرّسول. وتخصيصهم ـ مع أنّ نعمة البعثة عامّة ـ لزيادة انتفاعهم بها.
(إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ) : من نسبهم ، أو من صنفهم ، عربيّا مثلهم ، ليفهموا كلامه بسهولة ، ويكونوا واقفين على حاله في الصّدق والأمانة ، مفتخرين به.
وقرئ : من أنفسهم ، أي : من أشرفهم ، لأنّه ـ عليه السّلام ـ كان من أشرف قبائل العرب وبطونهم (٢).
(يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ) ، أي : القرآن ، بعد ما كانوا جهّالا لم يسمعوا الوحي.
(وَيُزَكِّيهِمْ) : ويطهّرهم من دنس الطّبائع ، وسوء العقائد والأعمال ، (وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ) : القرآن ، والسّنّة.
(وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (١٦٤) :
«إن» هي المخفّفة. واللّام ، هي الفارقة ، والمعنى : وإنّ الشّأن كانوا من قبل بعثة الرّسول في ضلال ظاهر.
(أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها) :
الهمزة ، للتّقرير والتّقريع. والواو ، عاطفة للجملة على ما سبق من قصّة أحد ، أو على محذوف ، أي : فعلتم كذا وقلتم كذا. «لمّا» وهو ظرفه المضاف إلى أصابتكم ، أي : حين أصابتكم مصيبة ، وهي قتل سبعين منكم يوم أحد ، والحال أنّكم نلتم ضعفها يوم بدر من قتل سبعين وأسر سبعين.
(قُلْتُمْ أَنَّى هذا) ، أي : من أين أصابنا هذا؟ وقد وعدنا الله النّصر.
وفي تفسير العيّاشيّ (٣) : محمّد بن أبي حمزة ، عمّن ذكره ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ (٤) قال : كان المسلمون قد أصابوا ببدر مائة وأربعين رجلا ، قتلوا سبعين رجلا وأسروا سبعين ، فلمّا كان يوم أحد أصيب من المسلمين سبعون رجلا ، قال : فاغتمّوا لذلك فأنزل الله ـ تبارك وتعالى ـ : أولمّا (الآية) (٥)
__________________
(١) أنوار التنزيل ١ / ١٩٠.
(٢) نفس المصدر والموضع.
(٣) تفسير العياشي ١ / ٢٠٥ ، ح ١٥١.
(٤) يوجد في المصدر بعد هذه العبارة : في قول الله : (أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها).
(٥) ذكر في المصدر الآية بدل «الآية».
(قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ) :
باختياركم الفداء يوم بدر ، كذا عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ رواه في مجمع البيان (١).
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٢) : أنّ يوم بدر قتل من قريش سبعون وأسر منهم سبعون ، وكان الحكم في الأسارى يوم بدر (٣) القتل ، فقامت الأنصار [إلى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ] (٤) فقالوا : يا رسول الله ، هبهم لنا ولا تقتلهم حتّى نفاديهم.
فنزل جبرائيل ـ عليه السّلام ـ فقال : إنّ الله قد أباح لهم (٥) الفداء أن يأخذوا من هؤلاء القوم ويطلقوهم على أن يستشهد منهم في عام قابل بقدر من يأخذون (٦) منه الفداء (٧).
فأخبرهم رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ بهذا الشّرط.
فقالوا : قد رضينا به ، نأخذ العام الفداء عن هؤلاء ونتقوى به ، ويقتل منّا في عام قابل بعدد من (٨) نأخذ منهم (٩) الفداء ، وندخل الجنّة. فأخذوا منهم الفداء وأطلقوهم.
فلمّا كان يوم أحد (١٠) قتل (١١) من اصحاب رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ سبعون ، فقالوا : يا رسول الله ، ما هذا الّذي أصابنا وقد كنت تعدنا النّصر (١٢)؟ فأنزل الله : (أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ) (الآية) (١٣) (قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ) بما اشترطتم يوم بدر.
قال البيضاويّ (١٤) : أي ، ممّا قد اقترفته أنفسكم من مخالفة الأمر بترك المركز ، فإنّ الوعد كان مشروطا بالثّبات والمطاوعة ، أو اختيار الخروج من المدينة.
والأوّل مخالف للنّصّ ، والثّاني لعدم الرّدّ على اختيار الرّسول ـ صلّى الله عليه وآله ـ.
__________________
(١) بل في أنوار التنزيل ١ / ١٩١.
(٢) تفسير القمي.
(٣) «يوم بدر» ليس في المصدر.
(٤) من المصدر.
(٥) أ : لكم.
(٦) المصدر : يأخذوا.
(٧) يوجد في المصدر بعد هذه الكلمة : من هؤلاء.
(٨) المصدر : ما.
(٩) هكذا في المصدر. وفي النسخ : منه.
(١٠) المصدر : «فلمّا كان في هذا اليوم وهو يوم أحد» بدل «فلمّا كان يوم أحد».
(١١) ر : قتلوا.
(١٢) المصدر : بالنصر.
(١٣) المصدر : «مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنّى هذا» بدل «الآية».
(١٤) أنوار التنزيل ١ / ١٩١.
(إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (١٦٥) : فيقدر على النّصر ومنعه ، وعلى أن يصيب بكم ويصيب منكم.
(وَما أَصابَكُمْ) : من القتل.
(يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ) : يوم أحد. والجمعان ، جمع المسلمين وجمع المشركين ، (فَبِإِذْنِ اللهِ) : فهو كائن بتخلية الكفّار. وسمّاها إذنا ، مجازا مرسلا ، لأنّها من لوازمه ، ليفي بما شرطتم يوم بدر حين اختياركم ، (وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ) (١٦٦) (وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نافَقُوا) : وليتميّز المؤمنون والمنافقون ، فيظهر إيمان هؤلاء بالصّبر ، ونفاق هؤلاء بإظهار طلب وعد النّصر والإعراض عن الاشتراط. وفي إيراد أحد المفعولين ما يدلّ على الحدوث دون الآخر ، مدح للمؤمنين بالثّبات على الإيمان والمنافقين بعدمه ، (وَقِيلَ لَهُمْ) : عطف على «نافقوا» داخل في الصّلة ، أو لكلام مبتدأ ، (تَعالَوْا قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَوِ ادْفَعُوا) : تقسيم للأمر عليهم ، وتخيير بين أن يقاتلوا للآخرة أو للدّفع عن الأنفس والأموال. أو معناه : قاتلوا الكفرة. أو ادفعوهم بتكثير سواد المجاهدين ، فإنّ كثرة السّواد ممّا يروّع العدوّ ويكسر منه.
(قالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتالاً لَاتَّبَعْناكُمْ) ، أي : لو نعلم ما يصحّ أن يسمّى قتالا لاتّبعناكم فيه ، لكن ما أنتم عليه ليس بقتال بل إلقاء بالأنفس إلى التّهلكة. أو لو نحسن قتالا لاتّبعناكم ، قالوا ذلك دغلا واستهزاء.
(هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ) ، أي : يوم إذ قالوا ذلك. أو يوم إذ قام القتال ، وأحسّوا به.
(أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ) :
قيل (١) : لانخزالهم وكلامهم هذا ، فإنّهما أوّل أمارات ظهرت منهم مؤذنة بكفرهم.
وقيل : هم لأهل الكفر أقرب نصرة منهم لأهل الإيمان ، إذ كان انخزالهم ومقالهم تقوية للمشركين وتخذيلا (٢) للمؤمنين.
والأولى ، الحمل على ما يشمل المعنيين ، أي هم لتقوية الكفر ، أي : كفرهم وكفر من شاركهم فيه أقرب منهم لتقوية الإيمان ، لأنّ ما ظهر منهم يدلّ على كفرهم وتقوية للكافرين وتخذيل للمؤمنين.
__________________
(١) نفس المصدر والموضع.
(٢) المصدر : تخزيلا.
(يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ) : يظهرون خلاف ما يضمرونه. وإضافة القول إلى «أفواههم» تأكيد.
(وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يَكْتُمُونَ) (١٦٧) : من النّفاق ، ما يخلوا به بعضهم إلى بعض ، فإنّه يعلمه مفصّلا بعلم واجب ، وأنتم تعلمونه مجملا بأمارات.
في مصباح الشّريعة (١) : عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ في كلام له : ومن ضعف يقينه تعلّق بالأسباب ورخّص لنفسه بذلك ، واتّبع العادات وأقاويل النّاس بغير حقيقة ، والسّعي في أمور الدّنيا وجمعها وإمساكها ، يقرّبا للّسان ، أنّه لا مانع ولا معطي إلّا الله وأنّ العبد لا يصيب إلّا ما رزق وقسم له والجهد لا يزيد في الرّزق ، وينكسر ذلك بفعله وقلبه ، قال الله تعالى : (يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يَكْتُمُونَ).
(الَّذِينَ قالُوا) : مرفوع ، بدل من واو «يكتمون.». أو منصوب على الذّمّ أو الوصف «للّذين نافقوا». أو مجرور ، بدل من الضّمير في «بأفواههم» أو «قلوبهم» ، (لِإِخْوانِهِمْ) : لأجلهم. يريد من قتل بأحد من أقاربهم ، أو من جنسهم ، (وَقَعَدُوا) : حال مقدّر بقد ، أي : قالوا : قاعدين عن القتال ، (لَوْ أَطاعُونا) : في القعود ، (ما قُتِلُوا) : كما لم نقتل.
وقرأ هشام : ما قتّلوا ، بالتّشديد (٢).
(قُلْ فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (١٦٨) : في أنّكم تقدرون على دفع القتل وأسبابه ممّن كتب عليه ، فادفعوا عن أنفسكم الموت وأسبابه ، فإنّه أحرى بكم.
والمعنى : أنّ القعود غير مغن ، فإنّ أسباب الموت كثيرة ، كما أنّ القتال يكون سببا للهلاك والقعود سببا للنّجاة ، قد يكون الأمر بالعكس ، فإنّه قد يدفع بالقتال العدوّ فينجو ، وبالقعود يصير العدوّ جريئا فيغلب عليه فيهلك.
(وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً) (٣) :
__________________
(١) شرح فارسى مصباح الشريعة ٢ / ١٨٨ ـ ١٨٩.
(٢) أنوار التنزيل ١ / ١٩١.
(٣) ورد في حاشية الأصل عند تفسير هذه الآية هكذا : قال الفاضل الكاشي في تفسيره : والآية «تشتمل كل من قتل في سبيل [من سبل] الله [عزّ وجلّ] سواء كان قتله بالجهاد الأصغر وبدل النفس طلبا لرضا الله أو ـ