تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٣

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي


المحقق: حسين درگاهى
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٠٣

ما يدخل به العبد النّار؟

قال : من أكل من مال اليتيم درهما ، ونحن اليتيم.

عن أبي إبراهيم (١) قال : سألته عن الرّجل يكون للرّجل عنده مال إمّا ببيع (٢) أو بقرض (٣) فيموت ولم يقضه (٤) إيّاه ، ويترك أيتاما صغارا فيبقى لهم عليه فلا يقضيهم ، أيكون ممّن يأكل مال اليتيم ظلما؟

قال : إذا كان ينوي أن يؤدّي اليهم فلا].(٥)

عن محمّد بن مسلم (٦) ، عن أحدهما ـ عليهما السّلام ـ قال : قلت : في كم يجب لآكل مال اليتيم النّار؟

قال : في درهمين.

والمراد من ذكر درهمين ، المبالغة في القلّة لا التّحديد بهما.

(وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً) (١٠) : سيدخلون نارا أيّ نار.

وقرأ ابن عيّاش عن عاصم ، بضمّ الياء ، مخفّفا. وقرئ به مشدّدا. تقول : صلي النّار ، قاسى حرّها. وصليته ، شويته وصليته ، ألقيته فيها (٧).

والسّعير ، فعيل ، بمعنى : مفعول. من سعرت النّار ، إذا لهبتها.

[في كتاب ثواب الأعمال (٨) : أبي ـ رحمه الله ـ قال : حدّثني سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد عن أخيه الحسن ، عن زرعة بن محمّد الحضرميّ ، عن سماعة بن مهران قال : سمعته يقول : إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ أوعد (٩) في [آكل] (١٠) مال اليتيم عقوبتين ، أمّا أحدهما فعقوبة الآخرة النّار ، وأمّا عقوبة الدّنيا فهو قوله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَلْيَخْشَ) ـ إلى قوله (١١) ـ (قَوْلاً سَدِيداً) ، يعني بذلك : ليخش إن أخلفه في ذرّيّته كما صنع هو بهؤلاء اليتامى.

__________________

(١) نفس المصدر والموضع ، ح ٤٥.

(٢) هكذا في المصدر. وفي النسخ : يبيع.

(٣) هكذا في المصدر. وفي النسخ : يقرض.

(٤) هكذا في المصدر. وفي النسخ : يقبضه.

(٥) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٦) نفس المصدر ١ / ٢٢٣ ، ح ٤٠.

(٧) أنوار التنزيل ١ / ٢٠٦.

(٨) ثواب الأعمال / ٢٧٧.

(٩) المصدر : وعد.

(١٠) من المصدر.

(١١) ذكر في المصدر نفس الآية بدل «إلى قوله».

٣٤١

وفي تفسير العيّاشيّ (١) : عن أبي بصير قال : قلت لأبي جعفر ـ عليه السّلام ـ : أصلحك الله ، ما أيسر ما يدخل به العبد النّار؟

قال : من أكل مال اليتيم درهما ، ونحن اليتيم] (٢)

وفي كتاب الاحتجاج (٣) : بإسناده إلى الإمام محمّد بن عليّ الباقر ـ عليهما السّلام ـ عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ حديث طويل ، وفيه خطبة الغدير ، وفيها قال ـ صلّى الله عليه وآله ـ بعد أن ذكر عليّا وأولاده ـ عليهم السّلام ـ : ألا إنّ أعداءهم الّذين (٤) يصلون سعيرا.

[وفي كتاب ثواب الأعمال (٥) : أبي (رحمه الله) قال : حدّثني عبد الله بن جعفر الحميريّ ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن عليّ بن رئاب ، عن الحلبيّ ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : إنّ في كتاب عليّ ـ عليه السّلام ـ أنّ آكل مال اليتيم (٦) سيدركه وبال ذلك في عقبه من بعده في الدّنيا ويلحقه وبال ذلك في الآخرة ، أمّا في الدّنيا فإنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول : (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً) وأمّا في الآخرة فإنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول : (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً).

وفي من لا يحضره الفقيه (٧) : وقال الصّادق ـ عليه السّلام ـ : إنّ آكل مال اليتيم سيلحقه وبال ذلك في الدّنيا والآخرة ، أمّا في الدّنيا فإنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول : (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللهَ) وأمّا في الآخرة فإنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول : (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً).

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٨) : حدّثني أبي ، عن صفوان ، عن عبد الله بن مسكان ،

__________________

(١) تفسير العياشي ١ / ٢٢٥ ، ح ٤٨.

(٢) ما بين المعقوفتين يوجد في أ ، فقط.

(٣) الاحتجاج ١ / ٧٩.

(٤) ليس في المصدر.

(٥) ثواب الأعمال / ٢٧٧ ـ ٢٧٨ ، ح ١.

(٦) المصدر : «مال اليتامى ظلما» بدل «مال اليتيم».

(٧) من لا يحضره الفقيه ٣ / ١٠٦ ، ح ٤٣٩.

(٨) تفسير القمي ١ / ٧٢.

٣٤٢

عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ أنّه لمّا نزلت (١) (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً) خرج (٢) كلّ من كان عنده يتيم وسألوا رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ في إخراجهم فأنزل الله ـ تبارك وتعالى ـ (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ).

وفي أصول الكافي (٣) : عليّ بن محمّد ، عن بعض أصحابه ، عن آدم بن إسحاق ، عن عبد الرّزاق بن مهران ، عن الحسين بن ميمون ، عن محمّد بن سالم ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ حديث طويل ، يقول فيه ـ عليه السّلام ـ : وأنزل في مال اليتيم من أكله ظلما (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً) وذلك أنّ آكل مال اليتيم يجيء يوم القيامة والنّار تلتهب في بطنه حتّى يخرج لهب النّار من فيه [، حتّى] (٤) يعرفه [كلّ] (٥) أهل الجمع ، أنّه آكل مال اليتيم.

الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد (٦) ، عن الحسن بن عليّ الوشّاء ، عن عليّ بن أبي حمزة ، عن أبي بصير قال : سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول : من أكل مال أخيه ظلما ولم يردّه إليه أكل جذوة من النّار يوم القيامة.

وفي الكافي (٧) : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن عجلان أبي صالح (٨) قال سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن آكل مال اليتيم.

فقال : هو كما قال الله ـ عزّ وجلّ ـ (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً) ثمّ قال ـ من غير أن أسأله ـ : من عال يتيما حتّى ينقطع يتمه أو يستغني بنفسه أوجب الله ـ عزّ وجلّ ـ له الجنّة ، كما أوجب النّار لمن أكل مال اليتيم].(٩)

(يُوصِيكُمُ اللهُ) : يأمركم ، ويعرض عليكم (فِي أَوْلادِكُمْ) : في شأن ميراثهم.

__________________

(١) المصدر : أنزلت.

(٢) المصدر : أخرج.

(٣) الكافي ٢ / ٣١ ـ ٣٢ ، ضمن حديث ١.

(٤ و ٥) من المصدر.

(٦) نفس المصدر ٢ / ٣٣٣ ، ح ١٥.

(٧) نفس المصدر ٥ / ١٢٨ ، ح ٢.

(٨) النسخ : «عجلان عن أبي صالح». وهي خطأ. ر. تنقيح المقال ٢ / ٢٤٩ ـ ٢٥٠.

(٩) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

٣٤٣

(لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) ، أي : يعدّ كلّ ذكر بأنثيين إذا اجتمع الصّنفان فيضعف نصيبه ، والمعنى : للذّكر منهم ، فحذف للعلم به.

وتخصيص «الذّكر» بالتّنصيص على حظّه ، لأنّ القصد إلى بيان فضله ، والتّنبيه على أنّ التّضعيف كان للتّفضيل ، فلا يحرمنّ بالكلّيّة ، وقد اشتركا في الجهة والعلّة في التّفضيل ، أنهنّ يرجعن عيالا عليهم ولما جعل لها من الصّداق ، ولأنّه ليس عليهنّ جهاد ولا نفقة ولا معقلة وغيرها.

وفي الكافي (١) : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن إسماعيل بن مرّار ، عن يونس بن عبد الرّحمن ، عن أبي الحسن الرّضا ـ عليه السّلام ـ قال : قلت له : جعلت فداك ، كيف صار الرّجل إذا مات وولده من القرابة سواء ترث النّساء نصف ميراث الرّجال ، وهنّ أضعف من الرّجال وأقلّ حيلة؟

فقال : لأنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ فضّل الرّجال على النّساء بدرجة ، ولأنّ النّساء يرجعن عيالا على الرّجال.

وفي من لا يحضره الفقيه (٢) : وفي رواية احمد بن الحسين (٣) ، عن الحسين بن الوليد ، عن ابن بكير ، عن عبد الله بن سنان قال : قلت لابي عبد الله ـ عليه السّلام ـ : لأيّ علّة صار الميراث للذّكر مثل حظّ الأنثيين؟

فقال : لما جعل الله لها من الصّداق.

وروى ابن أبي عمير (٤) ، عن هشام ، أنّ ابن أبي العوجاء قال لمحمّد بن النّعمان الأحول : ما بال المرأة الضّعيفة لها سهم واحد وللرّجل (٥) القوي الموسر سهمان؟

قال : فذكرت ذلك لأبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ فقال : إنّ المرأة ليس لها عاقلة ، وليس عليها نفقة ولا جهاد ـ وعدد أشياء غير هذا ـ وهذا على الرّجل (٦) ، فجعل له سهمان ولها سهم (٧).

وروى محمّد بن أبي عبد الله الكوفيّ (٨) ، عن موسى بن عمران النّخعيّ ، عن

__________________

(١) الكافي ٧ / ٨٤ ، ح ١.

(٢) من لا يحضره الفقيه ٤ / ٢٥٣ ، ح ٨١٥.

(٣) المصدر : حمدان بن الحسين.

(٤) نفس المصدر والموضع ، ح ٨١٦.

(٥) المصدر : للرجال.

(٦) المصدر : الرجال.

(٧) المصدر : سهم واحد.

(٨) نفس المصدر والموضع ، ح ٨١٧.

٣٤٤

عمّه الحسين بن يزيد ، عن عليّ بن سالم ، عن أبيه قال : سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ فقلت له : كيف صار الميراث للذّكر مثل حظّ الأنثيين؟

قال : لأنّ الحبّات الّتي أكلها آدم وحوّاء في الجنّة كانت ثمان عشرة حبّة ، أكل آدم منها اثنتي عشرة حبّة وأكلت حوّاء ستّا ، فلذلك صار الميراث للذّكر مثل حظّ الأنثيين.

[وفي كتاب الاحتجاج (١) للطّبرسيّ ـ رحمه الله ـ : وروى أبو عبد الله بن الحسين (٢) بإسناده عن آبائه ـ عليهم السّلام ـ : أنّه لمّا أجمع أبو بكر على منع فاطمة فدك وبلغها ذلك جاءت إليه وقالت له : يا بن أبي قحافة أفي كتاب الله أن ترث أباك ولا أرث أبي؟

لقد جئت شيئا فريّا ، أفعلى عمد تركتم كتاب الله نبذ تموه وراء ظهوركم إذ يقول : (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ)؟

والحديث طويل ، أخذت منه موضع الحاجة.

وفي تفسير العيّاشيّ (٣) : عن أبي جميلة المفضّل بن صالح ، عن بعض أصحابه ، عن أحدهما قال : إنّ فاطمة ـ صلوات الله عليها ـ انطلقت [إلى أبي بكر] (٤) فطلبت ميراثها من نبيّ الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فقال : إنّ نبيّ الله لا يورث.

فقالت : أكفرت بالله وكذّبت بكتابه؟ قال [الله :] (٥) (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ)].(٦)

وفي عيون الأخبار (٧) : في باب ما جاء عن الرّضا ـ عليه السّلام ـ من خبر الشّاميّ ، وما سأل عنه أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ في جامع الكوفة ، في حديث طويل ، وفيه : «وسأله : لم صار (٨) الميراث للذّكر مثل حظّ الأنثيين؟

فقال : من قبل السّنبلة ، كان (٩) عليها ثلاث حبّات ، فبادرت إليها حوّاء فأكلت منها حبّة وأطعمت آدم حبّتين»

فلا ينافي ما قدّمناه ، لأنّ المراد بالحبّة جنس الحبّة ، والتّاء فيه للوحدة الجنسيّة ، والقرينة علّيّة أنّ السّنبلة يندر كونها ذات ثلاث حبّات ، والغرض من توصيفها بالوحدة اتّحاد جنسها ، فيحمل كلّ حبّة على ستّ حبّات فيوافق ما روي أوّلا ،

__________________

(١) الاحتجاج ١ / ١٣٨. وأوّله في ص ١٣١.

(٢) المصدر : أبو عبد الله بن الحسن.

(٣) تفسير العياشي ١ / ٢٢٥ ، ح ٤٩.

(٤ و ٥) من المصدر

(٦) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٧) عيون أخبار الرضا ـ عليه السّلام ـ ١ / ٢٤٢.

(٨) المصدر : لم صارت.

(٩) المصدر : كانت.

٣٤٥

ولا تناقض بين الأخبار.

(فَإِنْ كُنَّ نِساءً) ، أي : كان الأولاد نساء خلّصا ليس معهنّ ذكر. فأنّث الضّمير باعتبار الخبر ، أو على تأويل المولودات.

(فَوْقَ اثْنَتَيْنِ) : خبر ثان ، أو صفة النّساء ، أي : نساء زائدات على اثنتين.

(فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ) : المتوفّى منكم ، ويدلّ عليه المعنى.

(وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ) ، أي : وإن كانت المولودة واحدة.

وقرأ نافع ، بالرّفع ، على «كان» التّامّة. واختلف في الثنتين (١) فقال ابن عبّاس : حكمهما حكم الواحدة ، لأنّه ـ تعالى ـ جعل الثّلثين لما فوقهما.

وقال الباقون : حكمهما حكم ما فوقهما ، لأنّه ـ تعالى ـ لمّا بيّن أنّ حظّ الذّكر مثل حظّ الأنثيين ـ إذا كان معه أنثى وهو الثّلثان ـ اقتضى ذلك أنّ حظّهما الثّلثان. ثمّ لمّا أوهم ذلك أن يزداد النّصيب بزيادة العدد ردّ ذلك بقوله : (فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ) ويؤيّد ذلك ، أنّ البنت الواحدة لمّا استحقّت الثّلث مع أخيها فبالحريّ أن تستحقّه مع أخت مثلها ، وأنّ البنتين أمسّ رحما من الأختين ، وقد فرض لهما الثّلثين بقوله : ولهما الثّلثان ممّا ترك (٢).

قال محمّد بن يعقوب في الكافي (٣) : وقد تكلّم النّاس في أمر البنتين (٤) من أين جعل لهما الثّلثان والله ـ عزّ ذكره ـ إنّما جعل الثّلثين لما فوق اثنتين ، فقال قوم بإجماع ، وقال قوم قياسا ، كما أن كان للواحدة النّصف كان ذلك دليلا على أنّ المال (٥) لما فوق الواحدة الثّلثان. وقال قوم بالتّقليد والرّواية ، ولم يصب واحد منهم الوجه في ذلك. فقلنا : إنّ الله ـ جلّ ذكره ـ جعل حظّ الأنثيين الثّلثين بقوله : (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) وذلك أنّه إذا ترك الرّجل بنتين (٦) وابنا ، فللذّكر مثل حظّ الأنثيين ، وهو الثّلثان ، فحظّ الأنثيين الثّلثان ، واكتفى بهذا لبيان أن يكون ذكر الأنثيين بالثلثين ، وهذا بيان قد جهله كلّهم والحمد لله كثيرا.

(وَلِأَبَوَيْهِ) ، أي : لأبوي الميّت.

__________________

(١) المصدر : الثلثين.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٢٠٦.

(٣) الكافي ٧ / ٧٢ ـ ٧٣.

(٤) المصدر : الابنتين.

(٥) ليس في المصدر.

(٦) المصدر : بنتا.

٣٤٦

(لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا) : بدل منه ، بتكرير العامل. وفائدته التّنصيص على استحقاق كلّ واحد منهما السدس ، والتّفضيل بعد الإجمال تأكيد.

(السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ) ، أي : للميّت.

(وَلَدٌ) : ذكر أو أنثى ، واحد أو متعدّد. فالولد ـ مطلقا ـ يحجب الأمّ عن الثّلث إلى السّدس.

(فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ) : ممّا ترك وإنّما لم يذكر حصّة الأب ، لأنّه ذكر سابقا ممّا فرض لكلّ منهما. ولمّا لم يكن للأب فرض آخر وكان للأمّ ، صرّح بالفرض الآخر للأمّ ، ليعلم أنّ الفرض للأب واحد وما أخذ زائدا فليس بالفرض بل بالقرابة.

وفي الآية تصريح ، بأنّ ثلث الأمّ ممّا ترك ، وهو أصل التّركة ـ كما ذهب إليه ابن عبّاس وجمهور فقهائنا ـ لا ثلث ما بقي ـ كما ذهب إليه جمهور العامّة ـ فعلى هذا ما قاله البيضاويّ (١) ، من أنّه : «على هذا ينبغي أن يكون لها حيث كان معهما أحد الزّوجين ثلث ما بقي من فرضه ـ كما قاله الجمهور ـ لا ثلث المال ـ كما قاله ابن عباس ـ فإنّه يفضي إلى تفضيل الأنثى على الذّكر المساوي لها في الجهة والقرب ، وهو خلاف وضع الشّرع» دفع للنّصّ بالقياس.

وفي من لا يحضره الفقيه (٢) : وروى محمّد بن أبي عمير ، عن ابن أذينة ، عن محمّد بن مسلم قال : أقرأني أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ صحيفة الفرائض الّتي هي إملاء رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وخطّ عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام ـ بيده فقرأت فيها : امرأة ماتت وتركت زوجها وأبويها ، فللزّوج النّصف ثلاثة أسهم ، وللأمّ الثّلث سهمان ، وللأب السّدس سهم.

(فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ) :

وقرأ حمزة والكسائيّ : «فلأمّه» بكسر الهمزة ، اتباعا للكسرة الّتي قبلها (٣).

و «الإخوة» يقع على الاثنين فصاعدا. والأختان ، بمنزلة أخ واحد. ولهذا ورد في أخبارنا : أنّه لا يحجب الأمّ عن الثّلث إلّا إخوان ، أو أخ ، أو أختان ، أو أربع أخوات. والمراد بالإخوة ، الإخوة من أب وأمّ ، أو من أب. فإنّ الإخوة من أمّ لا يحجب الأمّ عن الثّلث ، لأنّ

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٢٠٧.

(٢) من لا يحضره الفقيه ٤ / ١٩٥ ، ح ٦٧٠.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٢٠٧.

٣٤٧

الوجه فيه أنّ الأب ينفق عليهم فوفّر نصيبه ، والأب لا ينفق على الإخوة من الأمّ.

في الكافي (١) : أبو عليّ الأشعريّ ، عن محمّد بن عبد الجبّار ، عن صفوان بن يحيى ، عن أبي أيّوب الخزّاز ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : لا تحجب (٢) الأمّ عن الثّلث إذا لم يكن ولد إلّا إخوان أو أربع أخوات.

وفي تفسير العيّاشيّ (٣) : عن أبي العبّاس قال : سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول : لا يحجب عن الثّلث الأخ والأخت حتّى يكونا أخوين أو أخ أو أختين ، فإنّ الله ـ تعالى ـ يقول : (فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ).

وعن زرارة (٤) ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ : في قول الله ـ تعالى ـ : (فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ) ، يعني : إخوة لأب وأمّ ، أو إخوة لأب.

وفي الكافي (٥) : عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن عبد الله بن بحر ، عن حريز ، عن زرارة قال : قال لي أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ :

يا زرارة ، ما تقول في رجل ترك أبويه وإخوته من أمّه.

قال : قلت : السّدس لأمّه ، وما بقي فللأب.

فقال : من أين [قلت] (٦) هذا؟

قلت : سمعت الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول في كتابه : (فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ).

فقال لي : ويحك يا زرارة ، أولئك الإخوة من الأب ، فإذا (٧) كان الإخوة من الأمّ لم يحجبوا الأمّ عن الثّلث.

عليّ بن إبراهيم (٨) [، عن أبيه ،] (٩) عن ابن أبي عمير ومحمّد بن عيسى ، عن يونس جميعا ، عن عمر بن أذينة قال : قلت لزرارة : إنّ أناسا حدّثوني عنه ، يعني : أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ وعن أبيه ـ عليه السّلام ـ بأشياء في الفرائض فأعرضها عليك ، فما كان منها باطلا فقل : هذا باطل ، وما كان منها حقّا فقل : هذا حقّ ، ولا تروه واسكت ، وقلت

__________________

(١) الكافي ٧ / ٩٧ ، ح ٤.

(٢) هكذا في المصدر. وفي النسخ : لا يحجب.

(٣) تفسير العياشي ١ / ٢٢٦ ، ح ٥٢.

(٤) نفس المصدر والموضع ، ح ٥٤.

(٥) الكافي ٧ / ٩٣ ، ح ٧.

(٦) من المصدر.

(٧) هكذا في المصدر. وفي النسخ : فان.

(٨) نفس المصدر ٧ / ٩١ ، ح ١. وله ذيل.

(٩) من المصدر.

٣٤٨

[له :] (١) حدّثني رجل عن أحدهما ـ عليهما السّلام ـ في أبوين وإخوة لأمّ أنّهم يحجبون ولا يرثون.

فقال : هذا والله هو الباطل ، ولكنّي سأخبرك (٢) ولا أروي لك شيئا ، والّذي أقول لك هو والله الحقّ : إنّ الرّجل إذا ترك أبويه فلأمّه (٣) الثّلث وللأب الثّلثان في كتاب الله ـ عزّ وجلّ ـ (فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ) ، يعني : للميّت ، يعني : إخوة لأب وأمّ ، أو إخوة لأب (فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ) وللأب خمسة أسداس ، وإنّما وفّر للأب من أجل عياله ، وأمّا الإخوة لأمّ ليسوا لأب فإنّهم لا يحجبون الأمّ عن الثّلث ولا يرثون.

(مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ) : متعلّق بما تقدّمه من قسمة المواريث كلّها ، أي : هذه الأنصباء للورثة من بعد وصيّة أو دين إن كانا.

قيل (٤) : وإنّما قال «بأو» الّتي للإباحة دون الواو ، لدلالة على أنّهما متساويان في الوجوب مقدّمان على القسمة مجموعين ومفردين. وقدّم الوصيّة على الدّين وهي متأخّرة في الحكم ، لأنّها مشبّهة بالميراث شاقّة على الورثة مندوب إليه الجميع ، والدّين إنّما يكون على النّذور.

وقرأ ابن عامر وأبو بكر ، بفتح الصّاد.

وفي مجمع البيان (٥) : عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ [أنّه قال :] (٦) إنكم تقرءون في هذه الآية الوصيّة قبل الدّين ، وإنّ رسول ـ صلّى الله عليه وآله ـ قضى بالدّين قبل الوصيّة.

وفي تفسير العيّاشيّ (٧) : عن محمّد بن قيس قال : سمعت أبا جعفر ـ عليه السّلام ـ يقول في الدّين والوصيّة فقال : إنّ الدّين قبل الوصيّة ، ثمّ الوصيّة على أثر الدّين ، ثمّ الميراث ولا وصيّة للوارث.

قوله : «ولا وصيّة للوارث» نفي للاستحباب ، لا للجواز.

(آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً) ، أي : لا تعلمون من أنفع

__________________

(١) من المصدر

(٢) هكذا في المصدر. وفي النسخ : أخبرك.

(٣) المصدر : فللأمّ.

(٤) أنوار التنزيل ١ / ٢٠٧.

(٥) مجمع البيان ٢ / ١٥.

(٦) من المصدر.

(٧) تفسير العياشي ١ / ٢٢٦ ، ح ٥٥.

٣٤٩

لكم ، ممن يرثكم من أصولكم وفروعكم في عاجلكم وآجلكم ، فتحرّوا فيه ما وصّاكم الله به ولا تعمدوا إلى تفضيل بعض وحرمانه. أو من مورثيكم منهم ، أمّن أوصى منهم فعرّضكم للثّواب بإمضائه وصيّته ، أم من لم يوص فوفّر عليكم ماله ، أو من أوصيتم له فوفّرتم عليه ، أم من لم توصوا له فحرمتموه. وهو اعتراض مؤكّد لأمر القسمة ، وتنفيذ الوصيّة.

وفي الكافي (١) : عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع ، عن إبراهيم بن مهزم ، عن إبراهيم الكرخيّ ، عن ثقة حدّثه من أصحابنا قال : تزوّجت بالمدينة ، فقال أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ : كيف رأيت؟

فقلت : ما رأى (٢) رجل من خير في امرأة إلّا وقد رأيته فيها ، ولكن خانتني.

فقال : وما هو؟

قلت : ولدت جارية.

فقال : لعلّك كرهتها ، إنّ الله ـ جلّ ثناؤه ـ يقول : (آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً).

[(فَرِيضَةً مِنَ اللهِ) : مصدر ، حذف عامله ، أي : يوصيكم الله ، لأنّه في معنى : يأمركم ، ويفرض عليكم.

(إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً) : بالمصالح والرّتب.

(حَكِيماً) (١١) فيما قضى وقدّر].(٣) (وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ) : أيّ ولد وارث من بطنها ، أو من صلب بنيها ، أو بطن بناتها وإن سفل ، ذكرا كان أو أنثى ، منكم. أو من غيركم.

(مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِها أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها أَوْ دَيْنٍ) : فرض للرّجل بحقّ الزّواج ضعف ما للمرأة كما في النّسب ، والعلّة هنا هي العلّة هناك ، وتستوي الواحدة والعدد منهنّ في الرّبع والثّمن.

(وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ) : صفة رجل ، بالبناء للمفعول ، أي : يورث منه ، أي :

__________________

(١) الكافي ٦ / ٤ ـ ٥ ، ح ١.

(٢) أ : أري.

(٣) ما بين المعقوفتين مقدّم على حديث الكافي الذي قبله ، في أ.

٣٥٠

الميّت.

(كَلالَةً) : خبر كان. أو «يورث» خبره ، و «كلالة» حال من الضّمير فيه ، والكلالة ـ حينئذ ـ من لم يخلّف ولدا ولا والدا. أو مفعول له ، والمراد بها قرابة ليست من جهة الوالد والولد. ويجوز أن يكون «الوارث» و «يورث» من أورث ، وكلالة من ليس بوالد ولا ولد.

وقرئ : «يورث» على البناء للفاعل ، فالرّجل الميّت وكلالة تحتمل المعاني الثّلاثة ، وعلى الأوّل خبر أو حال ، وعلى الثّاني مفعول له ، وعلى الثّالث مفعول به. وهي في الأصل مصدر ، بمعنى : الكلال (١) ، فاستعير لقرابة ليست بالبعضيّة ، لأنّها كالّة بالإضافة إليها ، ثمّ وصف بها المورث والوارث ، بمعنى : ذي كلالة.

وفي كتاب معاني الأخبار (٢) : حدّثنا أبي ـ رحمه الله ـ قال : حدّثنا سعد بن عبد الله ، عن يعقوب بن يزيد ، عن محمّد بن أبي عمير ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : الكلالة ما لم يكن والد ولا ولد.

وفي الكافي (٣) ، بسند آخر ، عنه ـ عليه السّلام ـ مثله.

(أَوِ امْرَأَةٌ) : عطف على رجل.

(وَلَهُ) ، أي : وللرّجل. واكتفى بحكمه عن حكم المرأة لدلالة العطف على تشاركهما فيه ، أو لكلّ واحد منهما.

(أَخٌ أَوْ أُخْتٌ) ، أي : من الأمّ.

(فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ) : سواء بين الذّكر والأنثى هاهنا ، لأنّ الانتساب بمحض الأنوثة.

في الكافي (٤) : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ومحمّد بن عيسى ، عن يونس جميعا عن عمر بن أذينة ، عن بكير بن أعين قال : قلت لأبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ : امرأة تركت زوجها وإخوتها لأمّها وإخوتها وأخواتها لأبيها.

فقال : للزّوج النّصف ثلاثة أسهم ، وللإخوة والأخوات (٥) من الأمّ الثّلث ، الذّكر

__________________

(١) البيضاوي ١ / ٢٠٨.

(٢) معاني الأخبار / ٢٧٢ ، ح ١.

(٣) الكافي ٧ / ٩٩ ، ح ٢ و ٣.

(٤) نفس المصدر ٧ / ١٠١ ، ح ٣. وللحديث ذيل.

(٥) «والأخوات» ليس في المصدر.

٣٥١

والأنثى فيه سواء ، وبقي سهم فهو للإخوة والأخوات من الأب (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) لأنّ السّهام لا تعول. ولا ينقص الزّوج من النّصف ولا الإخوة من الأمّ من ثلثهم ، لأنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول : «(فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ) وإن كانت واحدة فلها السّدس (١)» والّذي عنى الله في قوله : (وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ) إنّما عنى بذلك الإخوة والأخوات من الأمّ خاصّة.

وبطريق آخر (٢) ، عن الباقر ـ عليه السّلام ـ مثله بأدنى تغيير غير مغيّر للمعنى.

(مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بِها أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ) : لورثته بالزّيادة على الثّلث ، أو قصد المضارّة بالوصيّة دون القربة والإقرار بدين لا يلزمه. وهو حال من فاعل «يوصى» المذكور في هذه القراءة ، والمدلول عليه بقوله : «يوصى» على البناء للمفعول ، في قراءة ابن عامر وابن كثير وابن عيّاش عن عاصم (٣).

(وَصِيَّةً مِنَ اللهِ) : مصدر مؤكّد. أو منصوب «بغير مضارّ» على المفعول به ، أي : لا يضارّ وصيّة من الله وهو الثّلث فما دونه بالزّيادة. أو وصيّة من الله بالأولاد بالإسراف في الوصيّة والإقرار الكاذب.

وقرئ بإضافة «مضارّ» إلى الوصيّة (٤).

(وَاللهُ عَلِيمٌ) : بالمضارّ وغيره.

(حَلِيمٌ) (١٢) : لا يعاجل بعقوبته.

(تِلْكَ) : إشارة إلى الأحكام الّتي تقدّمت في أمر اليتامى والوصايا والمواريث (حُدُودُ اللهِ) : شرائعه الّتي كالحدود المحدودة ، الّتي لا يجوز مجاوزتها.

(وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (١٣) (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها وَلَهُ عَذابٌ مُهِينٌ) (١٤) :

توحيد الضّمير في يدخله للّفظ ، وجمع خالدين للمعنى.

وقرأ نافع وابن عامر : «ندخله» بالنّون.

__________________

(١) ر : الثلث.

(٢) نفس المصدر ٧ / ١٠٢ ، ح ٤.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٢٠٨.

(٤) نفس الموضع والمصدر.

٣٥٢

و «خالدين» حال مقدّرة ، كقولك : مررت برجل معه صقر صائد به غدا. وكذلك «خالدا» وليستا صفة لجنّات ونارا ، والّا لوجب إبراز الضّمير ، لأنّهما جرتا على غير من هما له (١).

(وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ) : أي يفعلنها ، يقال : أتى الفاحشة وجاءها وغشيها ورهقها ، إذا فعلها. وهي الزّنا ، لزيادة قبحها وشناعتها.

(فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ) : فاطلبوا ممّن قذفهنّ أربعة من الرّجال المؤمنين يشهدون عليهنّ.

(فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ) : فاحبسوهنّ فيها.

(حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ) ، أي : حتّى يستوفي أرواحهنّ الموت ، أو يتوفّاهن ملائكة الموت. كان ذلك عقوبتهم في أوائل الإسلام فنسخ بالحدّ.

في مجمع البيان (٢) : عن الباقر والصّادق ـ عليهما السّلام ـ : أنّ هذه الآية منسوخة.

(أَوْ يَجْعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلاً) (١٥) : كتعيين الحدّ المخلّص عن الحبس.

وفي تفسير العيّاشيّ (٣) : عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : سألته عن هذه الآية : (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ) إلى (سَبِيلاً).

قال : هذه منسوخة.

قال : قلت : كيف كانت؟

قال : كانت المرأة إذا فجرت ، فقام عليها أربعة شهود أدخلت بيتا ولم تحدّث ولم تكلّم ولم تجالس ، وأوتيت فيه بطعامها وشرابها حتّى تموت.

قلت : فقوله : أو يجعل الله لهنّ سبيلا؟

قال : جعل السّبيل الجلد والرّجم.

(وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ) ، يعني : الزّانية والزّاني.

وقرأ ابن كثير ، بتشديد النّون ، وتمكين مدّ الألف. والباقون ، بالتّخفيف ، من غير تمكين (٤).

(فَآذُوهُما فَإِنْ تابا وَأَصْلَحا فَأَعْرِضُوا عَنْهُما) : فاقطعوا عنهما الأذى ، وأعرضوا عنهما

__________________

(١) نفس المصدر ١ / ٢٠٩.

(٢) مجمع البيان ٢ / ٢١.

(٣) تفسير العياشي ١ / ٢٢٧ ، ح ٦١. وللحديث تتمة.

(٤) أنوار التنزيل ١ / ٢٠٩.

٣٥٣

بالإغماض والسّتر.

قيل (١) : هذه الآية سابقا. على الأولى نزولا ، وكان عقوبة الزّناة الأذى ثمّ الحبس ثمّ الجلد.

وقيل (٢) : الأولى في السّحّاقات ، وهذه في اللّوّاطين ، والزّانية والزّاني في الزّناة.

وكلا القولين مخالف لما نقل عن الأئمّة ـ عليهم السّلام ـ لما ثبت عنهم ـ عليهم السّلام ـ أنّ الآية الأولى منسوخة.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٣) : كان (٤) في الجاهليّة إذا زنى الرّجل يؤذى و (٥) المرأة تحبس في بيت (٦) إلى أن تموت ، ثمّ نسخ ذلك بقوله ـ تعالى ـ : (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا) (الآية) (٧) انتهى.

وفي تفسير العيّاشيّ (٨) : عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ ما يؤيّده (٩).

(إِنَّ اللهَ كانَ تَوَّاباً رَحِيماً) (١٦) : علّة للأمر بالإعراض ، وترك المذمّة.

(إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ) ، أي : قبول التّوبة الّذي أوجبه الله على نفسه بمقتضى وعده ، أنّه من تاب عليه قبل توبته.

(لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ) : متلبّسين بها سفها ، فإنّ ارتكاب الذّنب سفه وتجاهل.

وفي مجمع البيان (١٠) : روي عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ أنّه قال : كلّ ذنب عمله العبد وإن كان عالما ، فهو جاهل حين خاطر بنفسه في معصية ربّه ، فقد حكى الله سبحانه قول يوسف لإخوته : (هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ) فنسبهم

__________________

(١) نفس المصدر والموضع.

(٢) نفس المصدر والموضع.

(٣) تفسير القمي ١ / ١٣٣.

(٤) المصدر : فانّه.

(٥) «يؤذى و» ليس في المصدر.

(٦) هكذا في المصدر. وفي النسخ : البيت.

(٧) ذكر في المصدر تتمة الآية بدل «الآية».

(٨) تفسير العياشي ١ / ٢٢٧ ، ح ٦١.

(٩) ذكر في هامش الأصل : لأنّه قال ـ عليه السّلام ـ : «قوله (وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ) قال : يعني البكر إذا أتت الفاحشة التي أتتها هذه الثيب (فَآذُوهُما) قال : تحبس.» فانّ قوله هذا يدلّ على أنّها منسوخة. فانّ الحكم في البكر الآن غير هذا. (منه سلمه الله تعالى)

(١٠) مجمع البيان ٢ / ٢٢.

٣٥٤

إلى الجهل ، لمخاطرتهم بأنفسهم في معصية الله.

وروي عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ أنّه (١) قيل له فإن عاد وتاب مرارا.

قال : يغفر الله له.

قيل : إلى متى؟

قال : حتّى يكون الشّيطان هو المحسور.

(ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ) ، أي : من زمان قريب ، أي : قبل حضور الموت ، لقوله ـ تعالى ـ : (حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ) سمّاه قريبا ، لأنّ أمد الحياة قريب لقوله ـ تعالى ـ : (قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ) أو قبل أن يشرب في قلوبهم حبّه ، فيطبع عليها فيتعذّر عليهم الرّجوع.

و «من» للتّبعيض ، أي : يتوبون في أيّ جزء من الزّمان القريب ، الّذي هو ما قبل أن ينزل بهم سلطان الموت أو يزيّن السّوء.

في من لا يحضره الفقيه (٢) : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ في آخر خطبة خطبها : من تاب قبل موته بسنة تاب الله عليه ، ثمّ قال : وإنّ السّنة لكثيرة ، من تاب قبل موته بشهر تاب الله عليه ، ثمّ قال : وإنّ الشّهر لكثير (٣) ، من تاب قبل موته بيوم تاب الله عليه. ثمّ قال : وإنّ اليوم (٤) لكثير ، من تاب قبل موته بساعة تاب الله عليه. ثمّ قال : وإنّ السّاعة لكثيرة ، من تاب [قبل موته] (٥) وقد بلغت نفسه هذه ـ وأهوى بيده إلى حلقة ـ تاب الله عليه.

وروى الثّعلبيّ (٦) : بإسناده إلى عبادة بن الصّامت ، عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ هذا الخبر بعينه ، إلّا أنّه قال في آخره : وإنّ السّاعة لكثيرة ، من تاب قبل أن يغرغر بها تاب الله عليه.

وروى ـ أيضا (٧) ـ بإسناده ، عن الحسن قال : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : لمّا هبط إبليس قال : وعزّتك وعظمتك لا أفارق ابن آدم حتّى

__________________

(١) المصدر : أنّه قال.

(٢) من لا يحضره الفقيه ١ / ٧٩ ، ح ٣٥٤.

(٣) يوجد في المصدر بعد هذه العبارة : «من مات قبل موته بجمعة تاب الله عليه. ثم قال : إنّ الجمعة لكثير».

(٤) المصدر : يوما.

(٥) من المصدر.

(٦) عنه في مجمع البيان ٢ / ٢٢.

(٧) نفس المصدر والموضع.

٣٥٥

تفارق روحه جسده.

فقال الله سبحانه : وعزّتي وعظمتي لا أحجب التّوبة عن عبدي حتّى يغرغر بها.

وفي الكافي (١) : عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ : إذا بلغت النّفس هاهنا ـ وأشار بيده إلى حلقه ـ لم يكن للعالم توبة ، ثمّ قرأ هذه الآية (٢).

وفي تفسير العيّاشيّ (٣) : عن الباقر ـ عليه السّلام ـ مثله ، وزاد : وكانت للجاهل توبة.

ولا يخفى المنافاة بينه وبين الأخبار الأوّلة. وقيل في الجمع (٤) : لعلّ السّبب في عدم قبول التّوبة من العالم في ذلك الوقت ، حصول يأسه من الحياة بأمارات الموت ، بخلاف الجاهل فإنّه لا ييأس إلّا بمعاينة الغيب.

وأقول في الجميع : يمكن أن يكون المراد بذنب العالم الّذي ليس له فيه توبة ، ذنب صدر عنه بإضلال النّاس ، عالما بإضلالهم للأغراض الدّنيويّة ، فلا تقبل توبته ـ حينئذ ـ لأنّ محض النّدم في ذلك لا ينفع ، لأنّ جمعا كثيرا قد عملوا بعلمه وضلّوا ، فلا يجدي ندمه في ذلك الآن ، فلا تقبل توبته. والمؤيّد لهذا الجمع ، أنّه رتّب الحكم في الآية على العمل ، وقال : (لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ) وفي الخبر على صفة العلم ، فيعلم أنّ منشأ العصيان إذا كان العمل ، فهو قابل للتّوبة وقبولها. وإذا كان منشأه العلم ، ليس بهذه المثابة.

قيل (٥) : ومن لطف الله بالعباد ، أن أمر قابض الأرواح بالابتداء في نزعها من أصابع الرّجلين ، ثمّ يصعد شيئا فشيئا إلى أن يصل إلى الصّدر ، ثمّ ينتهي إلى الحلق ، ليتمكّن في هذه المهلة من الإقبال بالقلب على الله ـ تعالى ـ والوصيّة والتّوبة ما لم يعاين ، والاستحلال وذكر الله ـ سبحانه ـ فيخرج روحه وذكر الله على لسانه ، فيرجى بذلك حسن خاتمته. رزقنا الله ذلك ، بمنّه وكرمه.

(فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ) : وعد بالوفاء ، بما وعد به وكتب على نفسه من قبول التّوبة.

__________________

(١) الكافي ١ / ٤٧ ، ح ٣. وفيه ذكر سند الرواية إلى جميل بن درّاج قال : سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول : ...

(٢) ذكر في المصدر نفس الآية بدل «هذه الآية».

(٣) تفسير العياشي ١ / ٢٢٨ ، ح ٦٤.

(٤) تفسير الصافي ١ / ٣٩٩.

(٥) نفس المصدر ١ / ٣٩٩ ـ ٤٠٠.

٣٥٦

(وَكانَ اللهُ عَلِيماً) : يعلم إخلاصهم في التّوبة.

(حَكِيماً) (١٧) : لا يعاقب التّائب.

(وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ) : في من لا يحضره الفقيه (١) : عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ أنّه سئل عن هذه الآية.

فقال : ذلك إذا عاين أمر الآخرة.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٢) : حدّثني أبي ، عن ابن فضّال ، عن عليّ بن عقبة ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : نزلت (٣) في القرآن أنّ زعلون تاب حيث لم تنفعه التّوبة ، ولم تقبل منه.

[وفي تفسير العيّاشيّ (٤) : عن الحلبيّ ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله : (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ) قال : هو الفرّار تاب حين لم ينفعه التّوبة ، ولم يقبل منه] (٥).

(وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ) : سوّى بين من سوّف التّوبة إلى حضور الموت ، من الفسقة والكفّار ، وبين من تاب على الكفر في نفي التّوبة ، للمبالغة في عدم الاعتداد بها في تلك الحالة ، وكأنّه قال : توبة هؤلاء وعدم توبة هؤلاء سواء.

وقيل (٦) : المراد بالّذين يعملون السّوء عصاة المؤمنين ، وبالّذين يعملون السّيّئات المنافقون لتضاعف كفرهم وسوء أعمالهم ، وبالّذين يموتون الكفّار.

(أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً) (١٨) : تأكيد لعدم قبول توبتهم ، وبيان لتهيئة عذابهم ، وأنّه يعذّبهم متى شاء.

والأعتاد ، من العتاد ، وهو العدّة.

وقيل (٧) : أصله ، أعددنا ، فأبدلت الدّال الأولى.

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه ١ / ٧٩ ، ح ٣٥٥.

وفيه : وسئل الصادق ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ (لَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ) فقال ...

(٢) تفسير القمي ١ / ١٣٣.

(٣) المصدر : نزل.

(٤) تفسير العياشي ١ / ٢٢٨ ، ح ٦٣.

(٥) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٦) أنوار التنزيل ١ / ٢١٠.

(٧) نفس المصدر والموضع.

٣٥٧

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً) :

في تفسير عليّ بن إبراهيم (١) : في رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في هذه الآية : أنّه (٢) كان في الجاهليّة في أوّل ما أسلموا في قبائل العرب (٣) ، إذا مات حميم الرّجل وله امرأة ألقى الرّجل ثوبه عليها فورث (٤) نكاحها بصداق حميمه الّذي كان أصدقها [فكان] (٥) يرث نكاحها كما يرث ماله ، فلمّا مات أبو قيس بن الأسلت (٦) ، ألقى محصن بن أبي قيس ثوبه على امرأة أبيه وهي كبيشة (٧) ابنة (٨) معمّر بن سعيد (٩) ، فورث نكاحها ، ثمّ تركها لا يدخل بها ولا ينفق عليها ، فأتت رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فقالت : يا رسول الله ، مات أبو قيس بن الأسلت (١٠) فورث ابنه محصن نكاحي ، فلا يدخل عليّ ولا ينفق عليّ ولا يخلّي سبيلي فألحق بأهلي.

فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : ارجعي إلى بيتك فإن يحدث الله في شأنك شيئا فأعلمتك به. فنزل : (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقْتاً وَساءَ سَبِيلاً) فلحقت بأهلها ، وكان نسوة (١١) في المدينة قد ورث نكاحهنّ كما ورث نكاح كبيشة (١٢) غير أنّه ورثهنّ عن (١٣) الأبناء ، فأنزل [الله :] (١٤) (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً).

وفي تفسير العيّاشيّ (١٥) : عن إبراهيم بن ميمون ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : سألته عن (هذه الآية) (١٦).

__________________

(١) تفسير القمي ١ / ١٣٤.

(٢) ذكر في المصدر نفس الآية بدل «هذه الآية» و «فانّه» بدل «أنّه».

(٣) المصدر : من قبائل العرب.

(٤) هكذا في المصدر. وفي النسخ : وورث.

(٥) من المصدر.

(٦) المصدر : أبو قبيس بن الأسلب.

(٧) المصدر : كبيثة.

(٨) المصدر : بنت.

(٩) أو المصدر : معمّر بن معبد.

(١٠) المصدر : أبو قبيس بن الأسلب.

(١١) المصدر : «كانت نساء» بدل «كان نسوة».

(١٢) المصدر : كبيثه.

(١٣) هكذا في المصدر. وفي النسخ : غير الأبناء.

(١٤) من المصدر.

(١٥) تفسير العياشي ١ / ٢٢٨ ، ح ٦٥. وللحديث تتمة.

(١٦) المصدر : «قول الله ـ ثم ذكر نفس الآية ـ» بدل «هذه الآية».

٣٥٨

قال : الرّجل يكون في حجره اليتيمة ، فيمنعها من التّزويج يضرّ بها تكون قريبة له.

وفي مجمع البيان (١) : عن الباقر ـ عليه السّلام ـ : إنّها نزلت في الرّجل يحبس المرأة عنده لا حاجة له إليها ، وينتظر موتها حتّى يرثها.

و «كرها» في موضع الحال ، أي : لا تأخذوهنّ على سبيل الإرث فتزوجوهنّ كارهات لذلك ، أو مكرهات عليه.

وقرأ حمزة والكسائيّ : «كرها» بالضّمّ في مواضعه ، وهما لغتان.

وقيل : بالضّمّ ، المشقّة. وبالفتح ، ما يكره عليه (٢).

(وَلا تَعْضُلُوهُنَ) : ولا تحبسوهنّ ، ضرارا لهنّ.

(لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَ) :

في تفسير العيّاشيّ (٣) : عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ قال : الرّجل يكون له المرأة فيضربها حتّى تفتدي منه ، فنهى الله عن ذلك.

وفي مجمع البيان (٤) : (عنه ـ عليه السّلام ـ : أنّ المراد بها) الزّوج ، أمره الله ـ سبحانه ـ بتخلية سبيلها إذا لم يكن له فيها حاجة ، وأن لا يمسكها إضرارا بها حتّى تفتدي ببعض مالها.

وأصل العضل ، التّضييق. يقال : عضلت الدّجاجة بيضها.

وقيل (٥) : في توجيه عطفه ، أنّه عطف على «أن ترثوا» و «لا» لتأكيد النّفي. أو المراد «بلا يحلّ لكم» النّهي عن «أن ترثوا» فلا يلزم عطف الإنشاء على الإخبار.

(إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) : كالنّشوز ، وسوء العشرة ، وعدم التّعفّف.

والاستثناء من أعمّ عامّ الظّرف ، أو المفعول له ، تقديره : ولا تعضلوهنّ للافتداء إلّا وقت أن يأتين بفاحشة. أولا تعضلوهنّ لعلّة إلّا لأن يأتين بفاحشة.

وقرأ ابن كثير وأبو بكر «بفاحشة مبيّنة» هنا وفي الأحزاب والطّلاق ، بفتح الياء.

والباقون ، بكسرها فيهنّ (٦).

__________________

(١) مجمع البيان ٢ / ٢٤.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٢١٠.

(٣) تفسير العياشي ١ / ٢٢٩ ، ذيل حديث ٦٥. وهو تتمة حديث إبراهيم بن ميمون الذي مرّ آنفا.

(٤) مجمع البيان ٢ / ٢٤.

(٥) أنوار التنزيل ١ / ٢١٠.

(٦) نفس الموضع والمصدر.

٣٥٩

في مجمع البيان (١) : عن الباقر ـ عليه السّلام ـ : كلّ معصية.

وفي الكافي (٢) : عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ : إذا قالت له : لا أغتسل لك من جنابة ولا أبرّ لك قسما ولأوطئنّ فراشك من تكرهه ، حلّ له أن يخلعها ويحلّ له ما أخذ منها.

(وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) : بالإنصاف في الفعل ، والإجمال في القول.

(فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً) (١٩) ، أي : فلا تفارقوهنّ لكراهة النّفس ، فإنّها قد تكره ما هو أصلح دينا وأكثر خيرا ، وقد تحبّ ما هو بخلافه ، وليكن نظركم إلى ما هو أصلح للدّين وأدنى إلى الخير.

و «عسى» في الأصل ، علّة الجزاء ، فأقيم مقامه ، والمعنى : فإن كرهتموهنّ فاصبروا عليهنّ ، فعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم.

(وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ) : تطليق امرأة ، وتزوّج أخرى.

(وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَ) :

جمع الضّمير ، لأنّه أراد «بالزّوج» الجنس.

(قِنْطاراً) : مالا كثيرا.

في مجمع البيان (٣) : عن الباقر والصّادق ـ عليهما السّلام ـ : القنطار ، ملء مسك ثور ذهبا.

(فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ) ، أي : من القنطار.

(شَيْئاً) ، أي : شيئا قليلا.

(أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً) (٢٠) : استفهام إنكار وتوبيخ ، أي : تأخذونه باهتين وآثمين. ويحتمل النّصب على العلة ، كما في قولك : قعدّت من الحرب جبنا. لأنّ الأخذ بسبب بهتانهم واقترافهم المآثم.

قيل (٤) : كان الرّجل منهم ، إذا أراد [امرأة] (٥) جديدة بهت الّتي تحته بفاحشة حتّى يلجئها إلى الافتداء منه بما أعطاها ، ليصرفه إلى تزوّج الجديدة ، فنهوا عن ذلك.

__________________

(١) مجمع البيان ٢ / ٢٤.

(٢) هذا الكلام هو خلاصة للأحاديث الموجودة في الكافي ٧ / ١٣٩ ـ ١٤١.

(٣) مجمع البيان ١ / ٤١٧.

(٤) أنوار التنزيل ١ / ٢١١.

(٥) من المصدر.

٣٦٠