تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٣

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي


المحقق: حسين درگاهى
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٠٣

الإماء إذا أحصن ، ما إحصانهنّ؟

قال : يدخل بهنّ.

قلت : وإن لم يدخل بهنّ ، ما عليهنّ حدّ؟

قال : بلى.

عن عبد الله بن سنان (١) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : سألته عن المحصنات من الإماء.

قال : هنّ المسلمات.

عن حريز (٢) قال : سألته عن المحصن؟

فقال : الّذي عنده ما يغنيه.

] (٣) (ذلِكَ) ، أي : نكاح الإماء.

(لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ) ، لمن خاف الوقوع في الزّنا. وهو في الأصل انكسار العظم بعد الجبر ، مستعار لكلّ مشقّة وضرر ، ولا ضرر أعظم من مواقعة الإثم بأفحش القبائح.

وقيل (٤) : المراد به الحدّ ، وهذا شرط آخر لنكاح الإماء.

[وفي تفسير العيّاشيّ (٥) : عن عبّاد بن صهيب ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : لا ينبغي للرّجل المسلم أن يتزوّج من الإماء إلّا من خشي العنت ، ولا يحلّ له من الإماء إلّا واحدة.

] (٦) (وَأَنْ تَصْبِرُوا) ، أي : وصبركم عن نكاح الإماء متعفّفين.

(خَيْرٌ لَكُمْ) : من نكاح الإماء ، لما فيه من المهانة ونقصان حقّ الزّوج.

(وَاللهُ غَفُورٌ) : لمن لم يصبر ، (رَحِيمٌ) (٢٥) : بأن رخّص لهم.

(يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ) : ما تعبّدكم به من الحلال والحرام ، أو ما خفي عنكم من مصالحكم ومحاسن أعمالكم.

__________________

(١) نفس المصدر والموضع ، ح ٩٢.

(٢) نفس المصدر والموضع ، ح ٩٥.

(٣) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٤) أنوار التنزيل ١ / ٢١٤.

(٥) تفسير العياشي ١ / ٢٣٥ ، ح ٩٧.

(٦) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

٣٨١

و «أن يبيّن» مفعول يريد ، و «اللام» مزيدة لتأكيد معنى الاستقبال اللازم للإرادة.

وقيل (١) : المفعول محذوف ، و «ليبيّن» مفعول له ، أي : يريد الحقّ لأجله.

(وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) : مناهج من تقدّمكم من أهل الرّشد ، لتسلكوا طريقتهم.

وفي أصول الكافي (٢) : محمّد عن أحمد ، عن عليّ بن النعمان ـ رفعه ـ عن أبي جعفر قال : قال أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ : يمصّون الثّماد ويدعون النّهر العظيم.

قيل له : وما النّهر العظيم؟

قال : رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ والعلم الّذي أعطاه الله [، إنّ الله] (٣) ـ عزّ وجلّ ـ جمع لمحمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ سنن النبييّن من آدم وهلمّ جرّا إلى محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ.

قيل له : وما تلك السّنن؟

قال : علم النّبيّين بأسره وإنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ صيّر ذلك كلّه عند أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ.

فقال له رجل : يا بن رسول الله ، فأمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ أعلم أم بعض النّبيين؟

فقال أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ : اسمعوا [ما يقول ،] (٤) إنّ الله يفتح مسامع من يشاء. إنّي حدّثته (٥) : إنّ الله جمع لمحمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ علم النّبيّين وإنّه جمع ذلك كلّه عند أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ وهو يسألني : أهو أعلم أم بعض النّبيّين؟

(وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ) : ويغفر لكم ذنوبكم ، أو يرشدكم إلى ما يمنعكم عن المعاصي ويحثّكم على التّوبة ، أو إلى ما يكون كفّارة لسيّئاتكم.

(وَاللهُ عَلِيمٌ) : بها.

(حَكِيمٌ) (٢٦) : في وضعها.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٢١٥.

(٢) الكافي ١ / ٢٢٢ ، ح ٦.

(٣) من المصدر.

(٤) من المصدر.

(٥) هكذا في المصدر. وفي النسخ : حدّثت.

٣٨٢

(وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ) : كرّره للتّأكيد والمبالغة.

(وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ) ، يعني : الفجرة. فإنّ اتّباع الشّهوات الائتمار لها ، وأمّا المتعاطي لما سوّغه الشّرع منها دون غيره فهو متّبع له في الحقيقة لا لها.

وقيل (١) : المجوس.

وقيل (٢) : اليهود ، فإنّهم يحلّون الأخوات من الأب وبنات الأخ والأخت.

(أَنْ تَمِيلُوا) : عن الحقّ.

(مَيْلاً) : بموافقتهم ، على اتّباع الشّهوات واستحلال المحرّمات.

(عَظِيماً) (٢٧) : بالإضافة إلى من اقترف خطيئة على ندور ، غير مستحلّ لها.

(يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ) : فلذلك شرّع لكم الشّريعة الحنيفيّة السّمحة السّهلة ، ورخّص لكم في المضايق ، كإحلال نكاح الأمة عند الاضطرار.

(وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً) (٢٨) : لا يصبر عن الشّهوات ، ولا يتحمّل مشاقّ الطّاعات.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ) : بما لم يبحه الشّرع.

في تفسير العيّاشيّ (٣) : عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ : عنى بها : القمار ، وكانت قريش تقامر الرّجل بأهله وماله ، فنهاهم الله عن ذلك.

وفي مجمع البيان (٤) : عن الباقر ـ عليه السّلام ـ : الرّبا والقمار والبخس (٥) والظّلم.

(إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ) : استثناء منقطع ، أي : ولكن كون تجارة عن تراض غير منهيّ عنه ، أو اقصدوا كون تجارة. وتخصيص التّجارة من الوجوه الّتي بها يحلّ تناول مال الغير ، لأنّها أغلب وأوفق لذوي المروءات. ويجوز أن يراد بها الانتقال مطلقا.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٦) : يعني بها : الشّراء (٧) والبيع الحلال.

وقيل (٨) : المقصود بالنّهي المنع عن صرف المال فيما لا يرضاه الله ، وبالتّجارة صرفه

__________________

(١ و ٢) أنوار التنزيل ١ / ٢١٥.

(٣) تفسير العياشي ١ / ٢٣٦ ، ح ١٠٣. وله تتمة.

وفيه : عن محمّد بن عليّ عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ) قال : نهى عن القمار ...

(٤) مجمع البيان ٢ / ٣٧.

(٥) المصدر : البخش.

(٦) تفسير القمي ١ / ١٣٦.

(٧) المصدر : الشرى.

(٨) أنوار التنزيل ١ / ٢١٥.

٣٨٣

فيما يرضاه.

وفي الكافي (١) : عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد وأحمد بن محمّد ، عن ابن محبوب ، عن أبي أيّوب ، عن سماعة قال : قلت لأبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ : الرّجل منّا يكون عنده الشيء يتبلّغ به وعليه دين ، أيطعمه عياله حتّى يأتي الله عزّ وجلّ بميسرة فيقضي دينه ، أو يستقرض على ظهره في خبث الزّمان وشدّة المكاسب ، أو يقبل الصّدقة؟

قال : يقضي بما عنده دينه ولا يأكل من أموال النّاس إلّا وعنده ما يؤدّي إليهم حقوقهم ، إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول : (لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ) ولا يستقرض على ظهره إلّا وعنده وفاء ، ولو طاف على أبواب النّاس فردّوه باللّقمة واللّقمتين والتّمرة والتمرتين إلّا أن يكون له وليّ يقضي دينه من بعده ، ليس منّا من ميّت إلّا جعل الله له وليّا يقوم في عدّته ودينه فيقضي عدّته ودينه.

وقرأ الكوفيّون : «تجارة» بالنّصب ، على «كان» النّاقصة وإضمار الاسم ، أي : إلّا أن تكون التّجارة ، أو الجهة تجارة (٢).

(وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) :

قيل (٣) : بالبخع كما يفعله أهل الهند (٤) ، أو بإلقاء النّفس إلى التّهلكة ، أو بارتكاب ما يؤدّي إلى قتلها ، أو باقتراف ما يذلّلها ويرديها ، فإنّه القتل الحقيقيّ للنّفس.

وقيل (٥) : المراد بالأنفس من كان على دينهم ، فإنّ المؤمنين كنفس واحدة.

في تفسير عليّ بن إبراهيم (٦) : كان الرّجل إذا خرج مع رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ في الغزو ، يحمل على العدوّ وحده من غير أن يأمره رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فنهى الله أن يقتل نفسه من غير أمر رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ (٧).

وفي مجمع البيان (٨) : عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ : أنّ معناه : لا تخاطروا بنفوسكم

__________________

(١) الكافي ٥ / ٩٥ ، ح ٢.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٢١٥ ـ ٢١٦.

(٣) نفس المصدر ١ / ٢١٦.

(٤) المصدر : جهلة الهند.

(٥) نفس المصدر والموضع.

(٦) تفسير القمي ١ / ١٣٦.

(٧) هكذا في المصدر. وفي النسخ : أمره.

(٨) مجمع البيان ٢ / ٣٧.

٣٨٤

في القتال ، فتقاتلوا من لا تطيقونه.

وفي تفسير العيّاشيّ (١) : عنه ـ عليه السّلام ـ : كان المسلمون يدخلون على عدوّهم في المغارات فيتمكّن منهم عدوّهم فيقتلهم كيف يشاء ، فنها هم الله تعالى أن يدخلوا عليهم في المغارات.

قيل (٢) : «جمع في التّوصية بين حفظ النّفس والمال الّذي هو شقيقها ، من حيث أنّه سبب قوامها ، استبقاء لهم ريثما تستكمل النّفوس وتستوفي فضائلها ، رأفة بهم ورحمة» ، كما أشار إليه بقوله : (إِنَّ اللهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً) (٢٩) ، أي : أمر ما أمر ونهى عمّا نهى لفرط رحمته عليكم ، معناه : أنّه كان بكم ـ يا أمّة محمّد ـ رحيما لمّا أمر بني إسرائيل بقتل الأنفس ونهاكم عنه.

وفي تفسير العيّاشيّ (٣) : عن (أمير المؤمنين) ـ عليه السّلام ـ قال : سألت رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ عن الجبائر تكون على الكسير ، كيف يتوضّأ صاحبها ، وكيف يغتسل إذا أجنب؟

قال : يجزئه المسح (٤) بالماء عليها في الجنابة والوضوء.

قلت : وإن كان في برد يخاف على نفسه إذا أفرغ الماء على جسده؟

فقرأ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً).

(وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ) : إشارة إلى ما سبق من المنهيّات ، (عُدْواناً وَظُلْماً) : إفراطا في التّجاوز عن الحدّ ، وإتيانا بما لا يستحقّه.

وقيل (٥) : أراد بالعدوان التّعدّي ، وبالظّلم ظلم النّفس بتعريضها للعقاب.

(فَسَوْفَ نُصْلِيهِ ناراً) : ندخله إيّاها.

وقرئ ، بالتّشديد ، من صلّى. وبفتح النّون ، من صلاه يصليه. ومنه : شاة مصلية.

__________________

(١) تفسير العياشي ١ / ٢٣٧ ، ذيل حديث ١٠٣. وقد مرّ صدره آنفا.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٢١٦.

(٣) تفسير العياشي ١ / ٢٣٦ ، ح ١٠٢ ، بإسقاط لأوّل سنده.

(٤) المصدر : المس.

(٥) أنوار التنزيل ١ / ٢١٦.

٣٨٥

ويصليه ، بالياء ، والضّمير لله ، أو لذلك ، من حيث أنّه سبب الصّلي (١).

(وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً) (٣٠) : لا عسر فيه ، ولا صارف.

(إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ) ، أي : كبائر الذّنوب الّتى نهاكم الله عنها.

وقرئ : كبير ، على إرادة الجنس (٢).

(نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ) : نغفر لكم صغائركم ، ونمحها عنكم.

(وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً) (٣١) : الجنّة ، وما وعدتم من الثّواب. أو إدخالا مع كرامة.

وقرأ نافع هنا وفي الحجّ ، بفتح الميم ، وهو ـ أيضا ـ يحتمل المكان والمصدر (٣).

وفي تفسير العيّاشيّ (٤) : عن ميسر ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ (٥) قال : كنت أنا وعلقمة الحضرميّ وأبو حسان العجليّ وعبد الله بن عجلان ننتظر أبا جعفر ـ عليه السّلام ـ فخرج علينا فقال : مرحبا وأهلا ، والله [إنّي] (٦) لأحبّ ريحكم وأرواحكم ، وإنّكم لعلى دين الله.

فقال علقمة : فمن كان على دين الله تشهد أنّه من أهل الجنّة؟

قال : فمكث هنيئة ، قال : ونوّروا أنفسكم فإن لم تكونوا اقترفتم الكبائر ، فأنا أشهد.

قلنا : وما الكبائر؟

قال : هي في كتاب الله على سبع.

قلنا : فعدّها علينا جعلنا [الله] (٧) فداك.

قال : الشّرك بالله العظيم ، وأكل مال اليتيم ، وأكل الرّبا بعد البيّنة ، وعقوق الوالدين ، والفرار من الزّحف ، وقتل المؤمن ، وقذف المحصنة.

قلنا : ما منّا أحد أصاب من هذه شيئا.

قال : فأنتم إذا.

__________________

(١) نفس المصدر والموضع.

(٢) نفس المصدر والموضع.

(٣) نفس المصدر والموضع.

(٤) تفسير العياشي ١ / ٢٣٧ ، ح ١٠٤.

(٥) كذا في المصدر والنسخ. والظاهر أن «عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ» زائدة. تلاحظ.

(٦) من المصدر.

(٧) هكذا في المصدر. وفي النسخ : قال.

٣٨٦

وفي كتاب ثواب الأعمال (١) : أبي ـ رحمه الله ـ قال : حدّثني سعد بن عبد الله ، عن موسى بن جعفر بن وهب البغداديّ ، عن الحسن بن عليّ الوشّاء ، عن أحمد بن عمر الحلبي قال : سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ)؟

قال : من اجتنب ما أوعد (٢) الله عليه النّار إذا كان مؤمنا كفّر الله عنه سيّئاته ويدخله مدخلا كريما ، والكبائر السّبع الموجبات : قتل النّفس الحرام ، وعقوق الوالدين ، وأكل الرّبا ، والتّعرّب بعد الهجرة ، وقذف المحصنة ، وأكل مال اليتيم ، والفرار من الزّحف.

وبإسناده إلى محمّد بن الفضل (٣) ، عن أبي الحسن الرّضا ـ عليه السّلام ـ في هذه الآية (٤) ، قال : من اجتنب ما أوعد الله عليه النّار إذا كان مؤمنا كفّر عنه سيئاته.

وفي كتاب التّوحيد (٥) : حدّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمدانيّ (٦) ـ رضي الله عنه ـ قال : حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن محمّد بن أبي عمير قال : سمعت موسى بن جعفر ـ عليهما السّلام ـ يقول : لا يخلّد الله في النّار إلّا أهل الكفر والجحود وأهل الضّلال والشّرك ، ومن اجتنب الكبائر من المؤمنين لم يسأل عن الصّغائر.

[وفي أصول الكافي (٧) : عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن فضّال ، عن أبي جميلة ، عن الحلبيّ ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً) قال : الكبائر الّتي

__________________

(١) ثواب الأعمال / ١٥٩.

(٢) المصدر : وعد.

(٣) المصدر : «محمد بن الفضيل». وفي أصحاب الرضا ـ صلوات الله عليه ـ يوجد اثنان «محمد بن الفضل» ، الأوّل محمد بن الفضل الأزديّ الكوفيّ (ر. تنقيح المقال ٣ / ١٧١ ، رقم ١١٢٣٠) والثاني محمد بن الفضل بن عمر (ر. نفس المصدر والموضع ، رقم ١١٢٣٦). وأمّا بالنسبة إلى محمد بن الفضيل بن كثير الأزدي الكوفي فيه اختلاف. عدّه تارة من اصحاب الصادق ـ عليه السّلام ـ وتارة من أصحاب الكاظم ـ عليه السّلام ـ وأخرى من أصحاب الرضا ـ عليه السّلام ـ والله العالم. (ر. نفس المصدر ٣ / ١٧٢ ، رقم ١١٢٤٧)

(٤) ذكر في المصدر نفس الآية بدل «هذه الآية».

(٥) التوحيد / ٤٠٧ ، ح ٦. وله تتمة.

(٦) هكذا في المصدر. وفي النسخ : «أحمد بن زياد بن حفص الهمداني» والظاهر هي خطأ. ر. تنقيح المقال ١ / ٦١ ، رقم ٣٦٥.

(٧) الكافي ٢ / ٢٧٦ ، ح ١.

٣٨٧

أوجب الله ـ عزّ وجلّ ـ عليها النّار.

وفي نهج البلاغة (١) : قال ـ عليه السّلام ـ : ومباين بين محارمه من كبير أوعد عليه نيرانه (٢) أو صغير أرصد [له] (٣) غفرانه.

وفي روضة الكافي (٤) : عليّ بن محمّد ، عن عليّ بن عبّاس ، عن الحسن بن عبد الرّحمن (٥) ، عن منصور ، عن حريز بن عبد الله (٦) ، عن الفضيل ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ أنّه قال : أما والله ـ يا فضيل ـ ما لله ـ عزّ وجلّ ـ حاجّ غيركم ، ولا يغفر الذّنوب إلّا لكم ، ولا يقبل إلّا منكم ، وإنكم لأهل هذه الآية : (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً).

والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

وفي من لا يحضره الفقيه (٧) : وقال الصّادق ـ عليه السّلام ـ : من اجتنب الكبائر كفّر الله عنه جميع ذنوبه ، وفي ذلك قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً).] (٨)

وفي الكافي (٩) : عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ أنّه سأله [عبيد بن] (١٠) زرارة عن الكبائر؟

فقال : هنّ في كتاب عليّ ـ عليه السّلام ـ سبع : الكفر بالله ، وقتل النّفس ، وعقوق الوالدين ، وأكل الرّبا بعد البيّنة ، وأكل مال اليتيم ظلما ، والفرار من الزّحف ، والتّعرّب بعد الهجرة.

قال : قلت : فهذا أكبر المعاصي؟

قال : نعم.

قلت : فأكل درهم من مال يتيم ظلما أكبر أم ترك الصّلاة؟

__________________

(١) نهج البلاغة / ٤٥ ، ذيل خطبة ١.

(٢) هكذا في المصدر. وفي النسخ : نيران.

(٣) من المصدر.

(٤) الكافي ٨ / ٢٨٨ ـ ٢٨٩ ، ضمن حديث ٤٣٤.

(٥) المصدر : «عليّ بن الحسن» بدل «عليّ بن عباس عن الحسن بن عبد الرحمن».

(٦) هكذا في المصدر. وفي النسخ : «حريز عن عبد الله». والظاهر هي خطأ.

(٧) من لا يحضره الفقيه ٣ / ٣٧٦ ، ح ١٧٨١.

(٨) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٩) الكافي ٢ / ٢٧٨ ، ح ٨. وفيه بإسناده إلى عبيد بن زرارة قال : سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ ...

(١٠) بدلالة المصدر ، كما مرّ.

٣٨٨

قال : ترك الصّلاة.

قلت : فما عدّدت ترك الصّلاة في الكبائر.

فقال : أيّ شيء أوّل ما قلت لك؟

[قال :] (١) قلت : الكفر.

قال : فإنّ تارك الصّلاة كافر ، يعني : من غير علّة.

وفي معاني الأخبار (٢) : عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ : المتعرّب بعد الهجرة ، التّارك لهذا الأمر بعد معرفته.

وفي بعض الأخبار عُدّت أشياء أخر غير ما ذكر من الكبائر ، كالإشراك بالله ، واليأس من روح الله ، والأمن من مكر الله ، والسّحر ، والزّنا ، واليمين الغموس الفاجر ، والغلول ، وشهادة الزّور ، وكتمان الشّهادة ، وشرب الخمر ، وترك الصّلاة والزّكاة المفروضتين ، ونقض العهد ، وقطيعة الرّحم ، واللّواط ، والسّرقة ، إلى غير ذلك (٣).

وعن ابن عبّاس (٤) : إنّ الكبائر إلى السّبعمائة أقرب منها إلى السّبع.

وفي مجمع البيان (٥) : نسب إلى أصحابنا ، أنّ المعاصي كلّها كبيرة [من حيث كانت قبائح ،] (٦) لكنّ بعضها أكبر من بعض ، وليس في الذّنوب صغيرة وإنما يكون صغيرا بالإضافة إلى ما هو أكبر (٧) ، واستحقاق (٨) العقاب عليه أكثر.

قيل (٩) : وتوفيقه مع الآية أن يقال : من عنّ له أمران ، ودعت نفسه إليهما ، بحيث لا يتمالك ، فكفّها عن أكبرهما ، كفّر عنه ما ارتكبه ، لما استحقّ من الثّواب على اجتناب الأكبر ، كما إذا تيسّر له النّظر بشهوة والتّقبيل ، فاكتفى بالنّظر عن التّقبيل. ولعلّ هذا ممّا يتفاوت ـ أيضا ـ باعتبار الأشخاص والأحوال ، فإنّ حسنات الأبرار سيّئات المقرّبين ،

__________________

(١) من المصدر.

(٢) معاني الأخبار / ٢٦٥ ، باب معنى التعرب بعد الهجرة ، ح ١ ، بإسناده إلى حذيفة بن منصور قال : سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول : ...

(٣) كلّها مذكورة في من لا يحضره الفقيه ٣ / ٣٦٦ ـ ٣٧٦.

(٤) أنوار التنزيل ١ / ٢١٦.

(٥) مجمع البيان ٢ / ٣٨.

(٦) من المصدر.

(٧) المصدر : اكبر منه.

(٨) المصدر : يستحقّ.

(٩) تفسير الصافي ١ / ٤١٢.

٣٨٩

ويؤاخذ المختار بما يعفى عن المضطرّين.

ويردّ على هذا التّوفيق (١) : أنّ من قدر على قتل أحد ، فقطع أطرافه ، كان قطع أطرافه مكفّرا. وما نسبه في مجمع البيان إلى أصحابنا لا مستند له ، وظاهر الآية والأخبار الواردة في تفسيرها وتفسير الكبائر ، يعطي تمايز كلّ من الصّغائر والكبائر عن صاحبها.

[وفي تفسير فرات بن إبراهيم الكوفيّ (٢) : قال : حدّثني جعفر بن محمّد الفزاريّ معنعنا ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : أكبر الكبائر سبع : الشّرك بالله العظيم ، وقتل النّفس الّتي حرّم الله ، وأكل أموال اليتامى ، وعقوق الوالدين ، وقذف المحصنات ، والفرار من الزّحف ، وإنكار ما أنزل الله.

فأمّا الشّرك بالله ـ عزّ وجلّ ـ العظيم ، فقد بلغكم ما أنزل الله فينا وما قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فردّوا على الله وعلى رسوله.

وأمّا قتل النّفس الحرام ، فقتل الحسين بن عليّ ـ عليهما السّلام ـ وأصحابه ـ رحمهم الله تعالى ـ وأمّا أكل أموال اليتامى ، فقد ظلموا فيئنا وذهبوا به.

وأمّا عقوق الوالدين ، فقد قال الله ـ تعالى ـ في كتابه : (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ) فهو أب لهم ، فعقّوه (٣) في ذرّيّته وفي قرابته.

وأمّا قذف المحصنة ، فقد قذفوا فاطمة الزّهراء بنت النّبيّ وزوجة الوليّ ـ عليهم السّلام والتّحيّة والإكرام (٤) ـ على منابرهم.

وأمّا الفرار من الزّحف ، فقد أعطوا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام ـ البيعة طائعين غير كارهين ثمّ فرّوا عنه وخذلوه.

وأمّا إنكار ما أنزل الله ، فقد أنكروا حقّنا وجحدوا به ، هذا ما لا يتعاجم فيه أحد ، إنّ الله ـ تعالى ـ يقول في كتابه : (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً).] (٥).

__________________

(١) نفس المصدر. وفيه تقديم وتأخير بين المطالب.

(٢) تفسير فرات / ٣٣.

(٣) هكذا في المصدر. وفي النسخ : فعقوا.

(٤) المصدر : «فقد قذفوا فاطمة بنت رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ» بدل «فقد قذفوا فاطمة الزهراء بنت النبيّ وزوجة الوليّ ـ عليهم السّلام والتحيّة والإكرام ـ.»

(٥) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

٣٩٠

(وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ) : من الأمور الدّنيويّة كالجاه والمال ، لأنّه حسد يورث التّعادي والتّباغض.

في مجمع البيان (١) : عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ ، أي : لا يقل أحد (٢) : ليت ما أعطي فلان من المال والنّعمة والمرأة الحسناء كان لي ، فإنّ ذلك حسد (٣) ، ولكن يجوز أن يقول : اللهمّ أعطني مثله.

وفي كتاب الخصال (٤) : عن أبي عبد الله ـ عليهما السّلام ـ قال : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : من تمنّى شيئا وهو لله ـ تعالى ـ رضى لم يخرج من الدّنيا حتّى يعطاه.

وفيما علّم أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ أصحابه (٥) : في كلّ امرئ واحدة من ثلاث : الكبر والطّيرة والتّمنّي ، فإذا تطيّر أحدكم فليمض على طيرته وليذكر الله ـ عزّ وجلّ ـ وإذا خشي الكبر فليأكل مع عبده وخادمه وليحلب الشّاة ، وإذا تمنّى فليسأل الله ـ عزّ وجلّ ـ وليبتهل (٦) إليه ولا تنازعه (٧) نفسه إلى الإثم.

(لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ) بيان لذلك ، أي : لكلّ من الرّجال والنّساء فضل ونصيب بسبب ما اكتسب ومن أجله ، فاطلبوا الفضل بالعمل لا بالحسد والتّمنّي.

وقيل (٨) : المراد ، نصيب الميراث ، وتفضيل الورثة بعضهم على بعض فيه ، وجعل ما قسّم لكلّ منهم على حسب ما عرف من حاله الموجب للزّيادة والنّقص ، كالمكتسب له.

(وَسْئَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ) ، أي : لا تتمنّوا ما للنّاس ، واسألوا الله مثله من خزائنه الّتي لا تنفد.

قيل (٩) : أو لا تتمنّوا ، واسألوا الله من فضله بما يقرّبه ويسوقه إليكم.

__________________

(١) مجمع البيان ٢ / ٤٠.

(٢) المصدر : أحدكم.

(٣) المصدر : حسدا.

(٤) الخصال / ٤ ، ح ٧. وفيه بإسناده إلى أبي عبد الله جعفر بن محمد ـ عليهما السّلام ـ عن آبائه ، عن عليّ ـ عليهم السّلام ـ قال : ...

(٥) نفس المصدر / ٦٢٤.

(٦) المصدر : يبتهل.

(٧) المصدر : لا ينازعه.

(٨) أنوار التنزيل ١ / ٢١٧.

(٩) نفس المصدر والموضع.

٣٩١

وفي الحديث السّالف ما يردّ هذا الأخير.

وفي أصول الكافي (١) : حميد بن زياد ، عن الخشّاب ، عن ابن بقّاح ، عن معاذ ، عن عمرو بن جميع ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : من لم يسأل الله من فضله افتقر (٢).

أبو عليّ الأشعريّ ، عن محمد بن عبد الجبّار (٣) ، عن صفوان ، عن ميسّر بن عبد العزيز ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : قال لي : يا ميسّر ، ادع ولا تقل : «إنّ الأمر قد فرغ منه.» إنّ عند الله ـ عزّ وجلّ ـ منزلة لا تنال إلّا بمسألة ، ولو أنّ عبدا سدّ فاه ولم يسأل لم يعط شيئا. فسل تعط يا ميسّر ليس من باب يقرع إلّا يوشك أن يفتح لصاحبه.

وفي فروعه (٤) : عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن إبراهيم بن أبي البلاد ، عن أبيه ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : ليس من نفس إلّا وقد فرض الله ـ عزّ وجلّ ـ لها رزقا (٥) حلالا يأتيها في عافية وعرّض لها بالحرام من وجه آخر ، فإن هي تناولت شيئا من الحرام قاصّها به من الحلال الّذي فرض لها ، وعند الله سواها فضل كثير ، وهو قوله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَسْئَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ).

وفي من لا يحضره الفقيه (٦) : وقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ أحبّ شيئا لنفسه وأبغضه لخلقه ، أبغض ـ عزّ وجلّ ـ لخلقه المسألة وأحبّ لنفسه أن يسأل. وليس شيء أحب إليه من أن يسأل. فلا يستحي أحدكم أن يسأل الله ـ عزّ وجلّ ـ من فضله ولو شسع نعل.

وفي تفسير العيّاشيّ (٧) : عن إسماعيل بن كثير ، رفع الحديث إلى النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ قال : لمّا نزلت هذه الآية : (وَسْئَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ) قال : فقال أصحاب النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ : ما هذا الفضل ، أيّكم يسأل رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ عن ذلك؟

قال : فقال عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام ـ : أنا أسأله عنه.

فسأله عن ذلك الفضل ما هو؟

__________________

(١) الكافي ٢ / ٤٦٧ ، ح ٤.

(٢) المصدر : [فقد] افتقر.

(٣) نفس المصدر ٢ / ٤٦٦ ، ح ٣.

(٤) نفس المصدر ٥ / ٨٠ ، ح ٢.

(٥) المصدر : رزقها.

(٦) من لا يحضره الفقيه ٢ / ٤٠ ، ح ١٨١.

(٧) تفسير العياشي ١ / ٢٣٩ ، ح ١١٦.

٣٩٢

فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : إنّ الله خلق خلقه ، وقسّم لهم أرزاقهم من حلّها ، وعرّض لهم بالحرام ، فمن انتهك حراما نقص له من الحلال بقدر ما انتهك من الحرام ، وحوسب به.

عن أبي الهذيل (١) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : إنّ الله قسّم الأرزاق بين عباده ، وأفضل فضلا كثيرا لم يقسّمه بين أحد ، قال الله : (وَسْئَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ).

عن الحسين بن مسلم (٢) ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : قلت له : جعلت فداك ، إنّهم يقولون : إنّ النّوم بعد الفجر مكروه ، لأنّ الأرزاق تقسّم (٣) في ذلك الوقت.

فقال : الأرزاق مضمونة (٤) مقسومة ، ولله فضل يقسّمه من طلوع الفجر إلى طلوع الشّمس ، وذلك قوله : (وَسْئَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ) ثمّ قال : وذكر الله بعد طلوع الفجر أبلغ في طلب الرّزق من الضّرب في الأرض.

(إِنَّ اللهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) (٣٢) : فهو يعلم ما يستحقّه كلّ إنسان فيفضل ، أو هو يعلم ما يسأله أحد من فضله فيسأل.

ونقل في سبب نزول هذه الآية (٥) : أنّ أمّ سلمة قالت : يا رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يغزو الرّجال ولا نغزو وإنّما لنا نصف الميراث ، ليتنا كنّا رجالا.

فنزلت.

(وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ) ، أي : لكلّ تركة جعلنا وارثا يلونها ويحرزونها. و «ممّا ترك» بيان «لكلّ» مع الفصل بالعامل.

أو لكلّ ميّت جعلنا وارثا ممّا ترك ، على أنّ «من» صلة «موالي» لأنّه في معنى الوارث ، وفي «ترك» ضمير «كلّ» و «الوالدان والأقربون» مفسّر «للموالي» وفيه خروج الأولاد ، فإنّ الأقربون لا يتناولهم كما لا يتناول الوالدين.

أو لكلّ قوم جعلناهم موالي حظّ ممّا ترك الوالدان والأقربون ، على أن «جعلنا موالي» صفة «كلّ» والرّاجع إليه محذوف ، وعلى هذا فالجملة من مبتدأ وخبر.

__________________

(١) نفس المصدر والموضع ، ح ١١٧. وفيه : «عن ابن الهذيل». والظاهر هي خطأ. ر. تنقيح المقال ، فصل الكنى ٣ / ٣٨.

(٢) نفس المصدر ١ / ٢٤٠ ، ح ١١٩.

(٣) المصدر : يقسّم.

(٤) المصدر : موظوفة.

(٥) أنوار التنزيل ١ / ٢١٧.

٣٩٣

وفي الكافي (١) : عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن محبوب قال : أخبرني ابن بكير عن زرارة قال : سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول : (وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ).

قال : إنّما عنى بذلك أولي الأرحام في المواريث ، ولم يعن أولياء النّعمة ، فأولاهم بالميّت أقربهم إليه من الرّحم الّتي تجرّه إليها.

(وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ) : موالي الموالاة.

قيل (٢) : إنّ الرّجل في الجاهليّة (٣) يعاقد الرّجل فيقول : «دمي دمك ، (وهدمي هدمك) (٤) ، وحربي حربك ، وسلمي سلمك ، وترثني وأرثك ، وتعقل عنّي وأعقل عنك» فيكون للحليف السّدس من ميراث الحليف. فنسخ بقوله (٥) : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ).

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٦) ـ أيضا ـ أنّها منسوخة بقوله : (أُولُوا الْأَرْحامِ).

وفي مجمع البيان (٧) : عن مجاهد أنّ معناه : (فأعطوهم) (٨) نصيبهم من النّصر والعقل والرّفد ولا ميراث. فعلى هذا تكون الآية غير منسوخة. ويؤيّده قوله ـ تعالى ـ : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)

وقول النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ في خطبة يوم فتح مكّة : ما كان من حلف في الجاهليّة فتمسّكوا به فإنّه لم يزده الإسلام إلّا شدّة ، ولا تحدثوا حلفا في الإسلام.

وروى عبد الرّحمن بن عوف (٩) أنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ قال : شهدت حلف المطيّبين وأنا غلام مع عمومتي ، فما أحبّ أنّ لي حمر النّعم وأنّي أنكثه.

وفي الكافي (١٠) : عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ : إذا والى الرّجل الرّجل فله ميراثه ، وعليه معقلته ، يعني : دية جناية خطائه.

وقيل : المراد الأزواج على أنّ العقد عقد النّكاح.

__________________

(١) الكافي ٧ / ٧٦ ، ح ٢.

(٢) مجمع البيان ٢ / ٤٢.

(٣) هكذا في المصدر. وفي النسخ : «كان الرجل» بدل «إنّ الرجل في الجاهلية».

(٤) «وهدمي هدمك» ليس في المصدر.

(٥) الأنفال / ٧٥.

(٦) تفسير القمي ١ / ١٣٧ ، باختلاف لفظي.

(٧) مجمع البيان ٢ / ٤٢.

(٨) المصدر : فآتوهم.

(٩) نفس المصدر والموضع.

(١٠) الكافي ٧ / ١٧١.

٣٩٤

وفي أصول الكافي (١) : محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب قال : سألت أبا الحسن [الرضا] (٢) ـ عليه السّلام ـ عن قوله ـ عزّ وجلّ ـ (وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ)؟

قال : إنّما عنى بذلك الأئمّة. ـ عليهم السّلام ـ بهم عقد الله ـ عزّ وجلّ ـ أيمانكم.

وتوجيه هذا التّأويل ، أن قوله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ) ولكلّ أمّة من الأمم جعلنا موالي أولياء أنبياء وأوصياء ، لقول النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله (٣) ـ : ألست أولى بكم من أنفسكم؟

قالوا : بلى.

فقال : من كنت مولاه فعليّ مولاه.

وقوله : (مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ) من العلوم والشّريعة ، والوالدان هم النّبيّ والوصيّ ـ صلوات الله عليهما ـ

لقوله ـ صلّى الله عليه وآله (٤) ـ : يا عليّ ، أنا وأنت أبوا هذه الأمّة.

وقوله : (وَالْأَقْرَبُونَ). ، أي : إليهما في النّسب والعلوم والعصمة.

وقوله : (وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ) وهم الأئمّة ، أي : والّذين عقدت ولايتهم أيمانكم ، وهو أيمان الدّين ، لا أيمان جمع يمين ليصحّ التّأويل.

وقوله : (فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ) المفروض لهم من الولاية والطّاعة.

وعلى كلّ تقدير ، هو مبتدأ ضمن معنى الشّرط ، خبره.

(فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ) :

أو منصوب بمضمر ، يفسّره ما بعده ، كقولك : زيدا فاضربه.

أو معطوف على «الوالدان» وقوله : «فآتوهم» جملة مسبّبة عن الجملة المتقدمة مؤكّدة لها ، والضّمير «للموالي».

وقرأ الكوفيّون : «عقّدت» بالتّشديد والتّخفيف ، بمعنى : عقدت عهودهم أيمانكم ،

__________________

(١) نفس المصدر ١ / ٢١٦ ، ح ١.

(٢) من المصدر.

(٣) ر. خلاصة عبقات الأنوار في امامة الأئمة الأطهار لمؤلفه العلامة السيد حامد حسين الكهنوى ج ٦ و ٧ و ٨ ، والغدير في الكتاب والسنة والأدب ، للعلامة عبد الحسين الاميني ، ج ١.

(٤) ر. إحقاق الحق ، للعلامة القاضي السيد نور الله التستري ٧ / ٢١٦.

٣٩٥

فحذف العهود وأقيم الضّمير المضاف إليه مقامه ، ثمّ حذف كما حذف في القراءة الأخرى. (١) (إِنَّ اللهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً) (٣٣) : تهديد على منع نصيبهم.

(الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ) : يقومون عليهنّ قيام الولاة على الرّعيّة ، وعلّل ذلك بأمرين : موهبيّ وكسبيّ ، فقال : (بِما فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ) : بسبب تفضيله الرّجال على النّساء ، بكمال العقل وحسن التّدبير ومزيد القوّة في الأعمال والطّاعات. ولذلك خصّوا بالنّبوّة والإمامة ، وإقامة الشّعائر ، والشّهادة في مجامع القضايا ، ووجوب الجهاد ، والجمعة ، وزيادة سهمهم في الميراث.

(وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ) : في نكاحهنّ ، كالمهر والنّفقة.

وفي كتاب علل الشّرائع (٢) : حدّثنا محمّد بن عليّ ما جيلويه ، عن عمّه ، عن أحمد ابن أبي عبد الله ، عن أبي الحسن البرقيّ ، عن عبد الله بن جبلة ، عن معاوية بن عمّار ، عن الحسن بن عبد الله ، عن آبائه ، عن جدّه الحسن بن عليّ بن أبي طالب ـ عليهم السّلام ـ : قال جاء نفر من اليهود إلى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فسأله أعلمهم عن مسائل ، فكان فيما سأله أن قال : ما فضل الرّجال على النّساء؟

فقال النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ كفضل السّماء على الأرض وكفضل الماء على الأرض ، فالماء يحيي (٣) الأرض وبالرّجال يحيى النّساء ، ولولا الرّجال ما خلقت (٤) النّساء ، يقول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ).

قال اليهوديّ : لأيّ شيء كان هكذا؟

فقال النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ : خلق الله ـ عزّ وجلّ ـ آدم من طين ، ومن فضلته وبقيّته خلقت حوّاء ، وأوّل من أطاع النّساء آدم ، فأنزله الله ـ عزّ وجلّ ـ من الجنّة ، وقد بيّن فضل الرّجال على النّساء في الدّنيا ، ألا ترى إلى النّساء كيف يحضن ولا يمكنهنّ العبادة من القذارة والرّجال لا يصيبهم شيء من الطّمث.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٢١٧.

(٢) علل الشرائع / ٥١٢ ، ح ١.

(٣) المصدر : يحيى.

(٤) هكذا في المصدر. وفي النسخ : ما خلقوا.

٣٩٦

فقال اليهوديّ : صدقت يا محمّد.

قال البيضاويّ (١) : روي أنّ سعد بن الرّبيع ـ أحد نقباء الأنصار ـ نشزت عليه امرأته حبيبة بنت زيد بن أبي زهير ، فلطمها ، فانطلق بها أبوها إلى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فشكى.

فقال ـ عليه السّلام ـ لتقصّ منه. فنزلت ، فقال ـ عليه السّلام ـ : أردنا أمرا وأراد الله أمرا ، والّذي أراد الله خير.

ويدلّ على كذب ما نقله ما تواتر من أخبارنا ، على أنّ النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ ، لم يكن يقدم على أمر لم يوح إليه. وفي هذا الخبر ، أنّه حكم برأيه ثمّ نزلت الآية على خلاف رأيه. وهو خلاف ما يجب أن يكون ـ عليه السّلام ـ.

(فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ) مطيعات لله ، قائمات بحقوق الأزواج.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٢) : في رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في قوله : (قانِتاتٌ) يقول مطيعات.

(حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ) ، أي : لمواجب الغيب ، أي : يحفظن في غيبة الأزواج ما يجب حفظه في النّفس والمال.

وقيل (٣) : لأسرارهم.

وفي تهذيب الأحكام (٤) : محمّد بن يعقوب ، عن عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن جعفر بن محمّد الأشعريّ ، عن عبد الله بن ميمون القدّاح ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن آبائه ـ عليهم السّلام ـ قال : قال النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ : ما استفاد امرؤ مسلم فائدة بعد الإسلام أفضل من زوجة مسلمة تسرّه إذا نظر إليها ، وتطيعه إذا أمرها ، وتحفظه إذا غاب عنها في نفسها وماله.

(بِما حَفِظَ اللهُ) : بحفظ الله إيّاهنّ بالأمر على حفظ الغيب ، والحثّ عليه بالوعد والوعيد ، والتّوفيق له. أو بالّذي حفظ الله لهنّ عليهم من المهر والنّفقة ، والقيام بحفظهنّ ، والذّبّ عنهنّ.

وقرئ ، بالنّصب ، على أنّ «ما» موصولة. فإنّها لو كانت مصدريّة لم يكن «لحفظ»

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٢١٨.

(٢) تفسير القمي ١ / ١٣٧.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٢١٨.

(٤) تهذيب الأحكام ٧ / ٢٤٠ ، ح ١٠٤٧.

٣٩٧

فاعل (١) ، والمعنى : بالأمر الّذي حفظ حقّ الله ، أو طاعته وهو التّعفّف والشّفقة على الرّجال.

(وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَ) ، أي : عصيانهنّ وترفعهنّ عن مطاوعتكم. من النّشز ، وهو الارتفاع في مكان.

(فَعِظُوهُنَ) : بالقول.

(وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ) : إن لم ينجع القول.

قيل (٢) : فلا تدخلوهنّ تحت اللّحف ، أو لا تباشروهنّ ، فيكون كناية عن الجماع.

وقيل (٣) : المضاجع ، المبايت ، أي : لا تبايتوهنّ.

وفي مجمع البيان (٤) : عن (الباقر ـ عليه السّلام ـ :) يحوّل ظهره إليها.

(وَاضْرِبُوهُنَ) : إن لم تنفع الهجرة ، ضربا غير شديد ، لا يقطع لحما ولا يكسر عظما.

وفي مجمع البيان (٥) : عن (الباقر) ـ عليه السّلام ـ : أنّه الضّرب بالسّواك.

(فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً) : بالتّوبيخ والإيذاء.

(إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً) (٣٤) : فاحذروه ، فإنّه أقدر عليكم منكم على من تحت أيديكم. أو أنّه على علو شأنه يتجاوز عن سيّئاتكم ويتوب عليكم ، فأنتم أحقّ بالعفو عن أزواجكم. أو أنّه يتعالى ويتكبّر أن يظلم أحدا أو ينقص حقّه.

(وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما) : خلافا ونزاعا بين المرء وزوجه ، لا يرجى معه الاجتماع على رأي ، كأنّ كلّ واحد في شقّ ، أي : جانب. وأضمرهما وإن لم يسبق ذكرهما ، لسبق ما يدلّ عليهما. وأضاف الشّقاق إلى الظّرف ، إمّا لإجرائه مجرى المفعول به ، كقوله : يا سارق اللّيلة. أو الفاعل ، كقولهم : نهارك صائم ، مجازا عقليّا في الإضافة.

(فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها) :

قيل (٦) : الخطاب للحكّام.

وقيل (٧) : للأزواج والزّوجات.

وفي مجمع البيان (٨) : واختلف في المخاطب بإنفاذ الحكمين من هو؟

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٢١٨.

(٢) نفس المصدر والموضع.

(٣) نفس المصدر والموضع.

(٤ و ٥) مجمع البيان ٢ / ٤٤.

(٦ و ٧) أنوار التنزيل ١ / ٢١٨.

(٨) مجمع البيان ٢ / ٤٤.

٣٩٨

فقيل : هو السّلطان الّذي يترافع الزّوجان إليه ، وهو الظّاهر في الأخبار عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ.

والبعث ، قيل (١) : لتبيين الأمر.

والأظهر ، أنّه لإصلاح ذات البين ، وكونه من أهلهما على سبيل الوجوب ، فإنّ الأقارب أعرف ببواطن الأحوال وأطلب للصّلاح.

(إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُما) :

أمّا الضّمير الأوّل للحكمين ، والثّاني للزّوجين ، أي : إن قصدا الإصلاح أوقع الله بحسن سعيهما الموافقة بين الزّوجين.

أو كلاهما للحكمين ، أي : إن قصدا الإصلاح يوفّق الله بينهما لتتّفق كلمتهما ويحصل مقصودهما.

أو للزّوجين ، أي : إن أرادا الإصلاح وزوال الشّقاق أوقع الله بينهما الالفة والوفاق.

وفي الكافي (٢) : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حمّاد ، عن الحلبيّ ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : سألته عن هذه الآية (٣)؟

قال : ليس للحكمين أن يفرّقا حتّى يستأمرا الرّجل والمرأة ويشترطا عليهما إن شئنا جمعنا وإن شئنا فرّقنا ، فإن جمعا فجائز وإن فرّقا فجائز.

محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد (٤) ، عن ابن محبوب ، عن أبي أيّوب ، عن سماعة قال : سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن (هذه الآية) (٥) ، أرأيت ان استأذن الحكمان فقالا للرّجل والمرأة : أليس قد جعلتما أمركما إلينا في الإصلاح والتّفريق؟ فقال الرّجل والمرأة : نعم ، فأشهدا بذلك شهودا عليهما ، أيجوز تفريقهما عليهما؟

قال : نعم ، ولكن لا يكون إلّا على طهر من المرأة من غير جماع من الرّجل (٦).

قيل له : أرأيت ان قال أحد الحكمين : قد فرّقت بينهما ، وقال الآخر : لم أفرّق بينهما؟

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٢١٨.

(٢) الكافي ٦ / ١٤٦ ، ح ٢.

(٣) ذكر في المصدر نفس الآية بدل «هذه الآية».

(٤) نفس المصدر والموضع ، ح ٤.

(٥) ذكر في المصدر نفس الآية بدل «هذه الآية».

(٦) المصدر : الزوج.

٣٩٩

فقال لا يكون تفريق حتّى يجتمعا جميعا على التّفريق ، فإذا اجتمعا على التّفريق جاز تفريقهما.

[وفيه (١) : محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن عليّ بن الحكم ، عن عليّ بن أبي حمزة قال : سألت العبد الصّالح ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ تبارك وتعالى ـ : (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها).

فقال : يشترط الحكمان إن شاءا فرّقا وإن شاءا جمعا ، ففرّقا أو جمعا جاز.

حميد بن زياد ، عن ابن سماعة (٢) ، عن عبد الله بن جبلة ، عن عليّ بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها).

قال : الحكمان يشترطان إن شاءا فرّقا وإن شاءا جمعا ، فإن جمعا فجائز وإن فرّقا فجائز.

محمّد بن يحيى ، عن عبد الله بن جبلة (٣) وغيره ، عن العلا ، عن محمّد بن مسلم ، عن أحدهما ـ عليهما السّلام ـ قال : سألته عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها).

قال : ليس للحكمين أن يفرّقا حتّى يستأمرا.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٤). قال : وأتى عليّ بن أبي طالب رجل وامرأته على هذه الحال. فبعث حكما من أهله وحكما من أهلها وقال للحكمين : هل تدريان ما تحكمان (٥)؟

احكما (٦) ، إن شئتما فرّقتما وإن شئتما جمعتما.

فقال الزّوج : لا أرضى بحكم فرقة ولا أطلّقها ، فأوجب عليه نفقتها ومنعه أن يدخل عليها.

] (٧) (إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً خَبِيراً) (٣٥) : بالظّواهر والبواطن ، فيعلم كيف يرفع الشّقاق ويوقع الوفاق.

__________________

(١) نفس المصدر والموضع ، ح ١.

(٢) نفس المصدر والموضع ، ح ٣.

(٣) نفس المصدر ٦ / ١٤٧ ، ح ٥.

(٤) تفسير القمي ١ / ١٣٨.

(٥) هكذا في المصدر. وفي النسخ : لحكمان.

(٦) ليس في المصدر.

(٧) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

٤٠٠