تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٣

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي


المحقق: حسين درگاهى
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٠٣

(وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (٧٨) : تسجيل (١) عليهم بالكذب على الله ، والتّعمّد فيه.

عن ابن عباس : هم اليهود الّذين قدموا على كعب بن الأشرف ، وغيّروا التّوراة وكتبوا كتابا بدّلوا فيه صفة النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ ثمّ أخذت قريظة ما كتبوه ، فخلطوه بالكتاب الّذي عندهم.

(ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللهُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللهِ) : ردّ لعبدة عيسى.

وفي مجمع البيان (٢) : قيل : إنّ أبا رافع القرظيّ ورئيس وفد نجران قالا (٣) : يا محمّد ، أتريد أن نعبدك ونتّخذك ربّا (٤)؟

فقال : معاذ الله أن يعبد (٥) غير الله أو آمر بعبادة غير الله (٦) ، فما (٧) بذلك بعثني ولا بذلك أمرني. فأنزل الله الآية (٨).

وفي البيضاويّ (٩) ـ وقيل : قال رجل : يا رسول الله نسلّم عليك كما يسلّم بعضنا على بعض (١٠) ، أفلا نسجد لك؟

قال : لا ينبغي أن يسجد لأحد من دون الله ، ولكن أكرموا نبيّكم واعرفوا الحقّ لأهله.

(وَلكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ) ، أي : ولكن يقول ذلك.

والرّبّانيّ ، منسوب إلى الرّبّ ، بزيادة الألف والنون ، كاللّحيانيّ والرّقبانيّ ، وهو الشّديد التّمسّك بدين الله وطاعته.

__________________

(١) أ : يستحيل.

(٢) مجمع البيان ١ / ٤٦٦.

(٣) النسخ : «السيد البحراني قال» بدل «رئيس وفد نجران قالا.» وما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

(٤) المصدر : إلها.

(٥) المصدر : أعبد.

(٦) هكذا في المصدر. وفي النسخ : «وأن نأمر بغير عبادة الله» بدل أو آمر بعبادة غير الله.

(٧) المصدر : ما.

(٨) هكذا في المصدر. وفي النسخ : «فنزلت» بدل «فأنزل الله الآية».

(٩) أنوار التنزيل ١ / ١٦٨.

(١٠) هكذا في المصدر. وفي النسخ : «بعضنا بعضا» بدل «بعضنا على بعض».

١٤١

(بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ وَبِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ) (٧٩) : بسبب كونكم معلّمين الكتاب ودارسين له ، فإنّ فائدة التّعليم والتّعلّم معرفة الحقّ والخير للاعتقاد والعمل.

وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو ويعقوب «تعلمون» بالتّخفيف ، أي ، بسبب كونكم عالمين (١).

وقرئ «تدرسون» من التّدريس ، و «تدرسون» من أدرس ، بمعنى : درس ، كأكرم وكرم. ويجوز أن تكون القراءة المشهورة أيضا بهذا المعنى ، على تقدير : وبما تدرسونه على النّاس (٢).

وفي كتاب عيون الأخبار (٣) : في باب ما جاء عن الرّضا ـ عليه السّلام ـ في وجه دلائل الأئمّة ـ عليهم السّلام ـ والرّدّ على الغلاة والمفوّضة ـ لعنهم الله ـ حديث طويل وفيه : فقال (٤) المأمون : يا أبا الحسن بلغني أنّ قوما يغلون فيكم ويتجاوزون (٥) فيكم الحدّ.

فقال : الرّضا ـ عليه السّلام ـ : حدّثني أبي موسى بن جعفر ، عن أبيه جعفر بن محمّد ، عن أبيه محمّد بن عليّ ، عن أبيه عليّ بن الحسين ، عن أبيه الحسين بن عليّ ، عن أبيه علي بن أبي طالب ـ عليهم السّلام ـ قال : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : لا ترفعوني فوق حقّي ، فإن الله تعالى اتّخذني عبدا قبل أن يتّخذني نبيّا ، قال الله تعالى : (ما كانَ لِبَشَرٍ) ـ إلى آخر الآية (٦) ـ.

وقال (٧) عليّ ـ عليه السّلام ـ : يهلك فيّ اثنان ـ ولا ذنب لي ـ محبّ مفرط ومبغض مفرّط ، وإنّا البرءاء (٨) إلى الله ـ تعالى ـ ممّن يغلو فينا فيرفعنا (٩) فوق حدّنا ، كبراءة عيسى بن مريم ـ عليهما السّلام ـ من النّصارى.

(وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْباباً) :

قرأ ابن عامر وحمزة وعاصم ويعقوب ، بفتح الرّاء ، عطفا على «يقول» ويكون «لا» إمّا مزيدة ، لتأكيد معنى النّفي في قوله : (ما كانَ لِبَشَرٍ) ، أي ، ما كان لبشر أن يستنبئه

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ١٦٩.

(٢) نفس المصدر والموضع.

(٣) عيون أخبار الرضا ١ / ٢٠٠ ـ ٢٠١ ، ضمن حديث ١.

(٤) المصدر : قال له.

(٥) هكذا في المصدر. وفي النسخ : يجاوزون.

(٦) ذكر في المصدر الآية بطولها إلى «أنتم مسلمون».

(٧) رو المصدر : قال.

(٨) المصدر : «أبرء». ولعلّ الصواب : لنبرأ.

(٩) المصدر : ويرفعنا.

١٤٢

الله ، ثمّ يأمر النّاس بعبادة [نفسه ، ويأمر باتّخاذ الملائكة والنّبيّين أربابا. أو غير مزيدة ، على معنى أنّه ليس له أن يأمر بعبادته] (١) ولا يأمر باتّخاذ أكفاءه أربابا ، بل ينهى عنه والباقون ، بالرّفع على الاستئناف. ويحتمل الحال ، بتقدير : وهو يأمركم ، أو لا يأمركم.

وقرأ أبو عمر ، على أصله ، لرواية الدّوديّ ، باختلاس الضّمّ. (٢) [وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٣) : قوله : (و [لا]) (٤) (يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْباباً). قال : كان قوم يعبدون الملائكة ، وقوم من النّصارى زعموا أنّ عيسى ربّ ، واليهود [قالوا :] (٥) عزير بن الله. فقال الله : (لا يَأْمُرَكُمْ) (٦) (أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْباباً)].(٧) (أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ) ، أي : البشر المستنبئ.

وقيل (٨) : أي الله.

(بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (٨٠) :

قال (٩) البيضاويّ : دليل على أنّ الخطاب للمسلمين ، وهم المستأذنون لأن يسجدوا له.

وفيه : أنّه لا دلالة فيه ، لجواز الخطاب «بأنتم مسلمون» لليهود والنّصارى ، بمعنى : أنّكم كنتم مسلمين قبل ادّعاء الرّبوبيّة لهذه الأشياء (١٠).

(وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ) :

قيل (١١) : إنّه على ظاهره ، وإذا كان هذا حكم الأنبياء ، كان الأمم به أولى.

وفي مجمع البيان (١٢) : وروي عن أمير المؤمنين (١٣) ـ عليه السّلام ـ : أنّ الله ـ تعالى ـ

__________________

(١) ما بين المعقوفتين ليس في ر.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ١٦٩.

(٣) تفسير القمي ١ / ١٠٦.

(٤ و ٥) من المصدر.

(٦) هكذا في المصدر. وفي الأصل : أيأمركم.

(٧) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٨) أنوار التنزيل ١ / ١٦٩.

(٩) نفس المصدر والموضع.

(١٠) في نسخة أ ، بعد هذه العبارة يوجد حديث منقول عن تفسير القمي ، ١ / ١٠٦ الذي مرّ آنفا قبل آية (أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ). وحذفناه هنا بدلالة نسخة الأصل.

(١١) أنوار التنزيل ١ / ١٦٩.

(١٢) مجمع البيان ١ / ٤٦٨.

(١٣) المصدر : روى عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ وابن عباس وقتادة.

١٤٣

أخذ الميثاق على الأنبياء [قبل نبيّنا ـ صلّى الله عليه وآله ـ] (١) أن يخبروا أمهم بمبعثه ونعته (٢) ، ويبشّروهم به ، ويأمروهم بتصديقه.

وقيل (٣) : معناه : أنّه تعالى أخذ الميثاق من النّبيّين وأممهم ، واستغنى بذكرهم عن ذكر الأمم.

وقيل : إضافة الميثاق إلى النبيّين ، إضافته (٤) إلى الفاعل ، والمعنى. وإذ أخذ الله الميثاق الّذي واثقه (٥) الأنبياء على أممهم.

وقيل (٦) : المراد أولاد النّبيين ، على حذف المضاف ، وهم بنو إسرائيل (٧). وسمّاهم نبيّين تهكّما ، لأنّهم كانوا يقولون : نحن أولى بالنّبوّة من محمّد ، لأنّا أهل الكتاب ، والنّبيّون كانوا منّا.

وفي تفسير العيّاشيّ (٨) : عن الباقر ـ عليه السّلام ـ : أنّه طرح عنها لفظ الأمم.

وقال الصّادق ـ عليه السّلام (٩) ـ تقديره ، وإذا أخذ الله ميثاق أمم النّبيّين بتصديق نبيّها ، والعمل بما جاءهم به ، وأنّهم خالفوهم فيما بعد.

(لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ) :

«الّلام» موطّئة للقسم ، لأنّ أخذ الميثاق ، بمعنى : الاستحلاف. و «ما» تحتمل الشّرطيّة أو الخبريّة.

وقرأ حمزة «لما» بالكسر على أنّ «ما» مصدريّة ، أي : لأجل إيتائي إيّاكم بعض الكتاب والحكمة ، ثمّ لمجيء رسول مصدّق له أخذ الله الميثاق (١٠).

وقرئ «لما» بمعنى : حين آتيتكم ، أو لمن أجل ما آتيتكم ، على أنّ أصله «لمن ما» بالإدغام ، فحذفت إحدى الميمات الثّلاث استثقالا (١١).

وقرأ نافع «آتيناكم» بالنون ، بصيغة المتكلّم مع الغير (١٢). فإن كان أخذ الميثاق

__________________

(١) ليس في المصدر.

(٢) المصدر : رفعته.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ١٦٩.

(٤) هكذا في المصدر وفي النسخ : إضافة.

(٥) المصدر : وثّقه.

(٦) نفس الموضع والمصدر.

(٧) المصدر : أو.

(٨) تفسير العياشي ١ / ١٨٠.

(٩) مجمع البيان ١ / ٤٦٨.

(١٠) أنوار التنزيل ١ / ١٦٩.

(١١) نفس المصدر والموضع.

(١٢) نفس المصدر والموضع ، مع تفاوت في النقل.

١٤٤

على النّبيّين ، فإيتاء الكتاب والحكمة إليهم أنفسهم. وإن كان على الأمم ، فإيتائهما إلى أنبيائهم ، وهو الإيتاء إليهم.

(ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ) : وهو محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ المصدّق لما معهم من الكتب السّابقة ، لكونه موصوفا بصفات ذكرت فيها لخاتم النّبيّين.

(لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ) : جواب القسم ، وسادّ مسدّ الشّرط على تقدير ، وأحدهما على تقدير آخر ، أي : أخذ الميثاق على النّبيّين ، أو على أممهم ، أو عليهم وعلى أممهم لتؤمننّ بذلك الرّسول ولتنصرنّه. ونصرته ـ صلّى الله عليه وآله ـ من الأنبياء السّابقة ، أن يخبروا أممهم بأن يؤمنوا به وبأوصيائه.

[وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (١) : حدّثني أبي ، عن النّضر بن سويد ، عن يحيى الحلبيّ ، عن ابن سنان قال : قال : ابو عبد الله ـ عليه السّلام ـ : أوّل من سبق رسول الله (٢) ـ صلّى الله عليه وآله ـ إلى أن قال : ثمّ أخذ بعد ذلك ميثاق رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ على الأنبياء له بالأمان (٣) ، وعلى أن (٤) ينصروا أمير المؤمنين ، فقال : (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ) ـ يعني ، رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ (لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ) ـ يعني ، أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ تخبروا (٥) أممكم بخبره وخبر وليّه من الأئمّة.

وفي مجمع البيان (٦) :] (٧) وقد روى عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ أنّه قال : لم يبعث الله نبيّا ، آدم ومن بعده ، إلّا أخذ عليه العهد لئن بعث الله محمّدا ـ صلّى الله عليه وآله ـ وهو حيّ ليؤمننّ به ولينصرنّه ، وأمره أن يأخذ العهد بذلك على قومه.

ومن جملة نصرته ، أن ينصر أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ في الرّجعة.

[وفي تفسير العيّاشيّ (٨) : عن حبيب السّجستانيّ قال : سألت أبا جعفر ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ تعالى ـ : (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ) (٩) (مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ)

__________________

(١) تفسير القمي ١ / ٢٤٦ ـ ٢٤٧.

(٢) المصدر : «من الرسل إلى محمد ـ صلى الله عليه وآله ـ» بدل «رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ».

(٣) المصدر : «به» بدل «له بالأمالي».

(٤) الأصل : ما.

(٥) المصدر : أخبروا.

(٦) مجمع البيان ١ / ٤٦٨.

(٧) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٨) تفسير العياشي ١ / ١٨١ ، ح ٧٥.

(٩) هكذا في المصدر. وفي الأصل : اتيكم.

١٤٥

فكيف يؤمن موسى بعيسى وينصره ولم يدركه ، وكيف يؤمن عيسى بمحمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ وينصره ولم يدركه؟

فقال : يا حبيب ، إنّ القرآن قد طرح منه آي كثيرة ، ولم يزد فيه إلّا حروف أخطأت بها الكتبة وتوهّمتها (١) الرّجال ، وهذا وهم ، فاقرأها : وإذ أخذ الله ميثاق [أمم] (٢) النبيين لما آتيتكم (٣) من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه ، هكذا أنزلها الله يا حبيب ، فو الله ما وفت أمّة من الأمم ، الّتي كانت قبل موسى ، بما أخذ الله عليها من الميثاق لكلّ نبيّ بعثه الله بعد نبيّها ـ عليهم السّلام ـ.

وذكر ـ عليه السّلام ـ كلاما طويلا في تكذيب الأمم أنبيائها ، تركناه خوف الإطالة.

عن بكير (٤) قال : قال أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ : إنّ الله أخذ (٥) ميثاق شيعتنا بالولاية لنا وهم ذرّ ، يوم أخذ الميثاق على الذّرّ بالإقرار له بالرّبوبيّة ، ولمحمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ بالنّبوة ، وعرض الله على محمّد آله (٦) الطّيّبين وهم أظلّة.

قال : وخلقهم من الطّين الّذي (٧) خلق منها آدم.

قال : وخلق أرواح شيعتنا قبل أبدانهم بألفي عام ، وعرض عليهم وعرّفهم رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ [و] (٨) عليّا ـ عليه السّلام ـ ونحن نعرفهم في لحن القول.

عن زرارة (٩) قال : قلت لأبي جعفر ـ عليه السّلام ـ أرأيت حين أخذ الله الميثاق على الذّرّ في صلب آدم ، فعرضهم على نفسه ، كانت معاينة منهم له؟

قال : نعم يا زرارة ، وهم ذرّ بين يديه وأخذ عليهم بذلك الميثاق بالرّبوبيّة [له] (١٠) ولمحمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ بالنّبوّة ، ثمّ كفل لهم بالأرزاق وأنساهم رؤيته (١١) وأثبت في

__________________

(١) المصدر : توهمها.

(٢) من المصدر.

(٣) هكذا في المصدر. وفي الأصل : اتيكم.

(٤) هكذا في المصدر. وفي الأصل : بكر. والحديث في نفس المصدر ١ / ١٨٠ ـ ١٨١ ، ح ٧٤.

(٥) المصدر : إذا أخذ.

(٦) المصدر : أئمته.

(٧) هكذا في المصدر. وفي الأصل : الّتي.

(٨) من المصدر.

(٩) نفس المصدر ١ / ١٨١ ، ح ٧٥.

(١٠) من المصدر.

(١١) الأصل : وديعته. وما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

١٤٦

قلوبهم معرفته ، فلا بدّ من أن يخرج [الله] (١) إلى الدّنيا كلّ من أخذ عليه الميثاق ، فمن جحد ممّا (٢) أخذ عليه الميثاق لمحمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ لم ينفعه إقراره لربّه بالميثاق ، ومن لم يجحد ميثاق محمّد نفعه الميثاق لربّه].(٣)

عن فيض بن أبي شيبة (٤) قال : سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول : ـ وتلا هذه الآية ـ : (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ) (٥) (الآية) قال : لتؤمننّ برسول الله ولتنصرنّ أمير المؤمنين.

قلت : ولتنصرنّ أمير المؤمنين (٦)؟

قال : نعم ، من آدم فهلمّ جرّا ، ولا يبعث الله نبيّا ولا رسولا إلّا ردّ إلى الدّنيا ، حتّى يقاتل بين يدي أمير المؤمنين.

عن سلام بن المستنير (٧) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : لقد تسمّوا باسم ما سمّى الله به أحدا إلّا عليّ بن أبي طالب ، وما جاء تأويله.

قلت : جعلت فداك متى يجيء تأويله؟

قال : إذا [جاء] (٨) جمع الله إمامة النّبيّين والمؤمنين حتّى ينصروه ، وهو قول الله تعالى : (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ) (الآية) (٩) فيومئذ يدفع راية رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ اللواء إلى عليّ بن أبي طالب ، فيكون أمير الخلائق كلّهم أجمعين ، يكون الخلائق كلّهم تحت لوائه ويكون هو أميرهم. [فهذا تأويله].(١٠)

[وفي شرح الآيات الباهرة (١١) : روي عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ أنّه قال : إنّ

__________________

(١) من المصدر.

(٢) هكذا في المصدر. وفي الأصل : «لمن جحدها» بدل «فمن جحد ممّا».

(٣) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٤) نفس المصدر والموضع ، ح ٧٦.

(٥) المصدر : (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ) (إلى آخر)

(٦) «قلت : ولتنصرنّ أمير المؤمنين» ليس في المصدر.

(٧) نفس المصدر والموضع ، ح ٧٧.

(٨) من المصدر ور.

(٩) المصدر : (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ) ـ إلى قوله ـ (وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ) بدل (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ) ـ الآية.

(١٠) من المصدر.

(١١) تأويل الآيات الباهرة ، مخطوط ، ص ٤١ ـ ٤٢.

١٤٧

الله أخذ الميثاق على الأنبياء أن يخبروا أممهم (١) بمبعث رسول الله ، وهو محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ ونعته وصفته ، ويبشّروهم به ويأمروهم بتصديقه ويقولوا : هو (٢) مصدّق لما معكم من كتاب وحكمة ، وإنّما الله أخذ ميثاق الأنبياء ليؤمننّ به ويصدّقوا بكتابه ـ وحكمته ، كما صدّق بكتابهم وحكمتهم.

وقوله : ولتنصرنّه ، يعني ، ولتنصروا وصيّه. (٣)] (٤)

وروى الحسن بن أبي الحسن الدّيلميّ ـ رحمه الله (٥) ـ في كتابه : بإسناده عن فرج ابن أبي شيبة قال : سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول : ـ وقد تلا هذه الآية ـ : (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ) ـ يعني : رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ (وَلَتَنْصُرُنَّهُ) ، يعني : وصيّه أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ ولم يبعث الله نبيّا ولا رسولا ، إلّا وأخذ عليه الميثاق لمحمّد بالنّبوّة ، ولعليّ بالإمامة.

وذكر صاحب (٦) «كتاب الواحدة» (٧) قال : روى أبو محمّد الحسن بن عبد الله الأطروش الكوفيّ قال : حدثنا أبو عبد الله جعفر بن محمّد البجليّ قال : حدّثني أحمد بن محمّد بن خالد البرقيّ قال : حدّثني عبد الرّحمن بن أبي نجران ، عن عاصم بن حميد ، عن أبي حمزة الثّماليّ ، عن أبي جعفر الباقر ـ عليه السّلام ـ قال : قال أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ : إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ أحد واحد تفرد في وحدانيّته ، ثمّ تكلّم بكلمة فصارت نورا ، ثمّ خلق من ذلك النّور محمّدا ـ صلّى الله عليه وآله ـ وخلقني وذرّيّتي ، ثمّ تكلّم بكلمة فصارت روحا ، فأسكنه الله في ذلك النّور وأسكنه في أبداننا.

فنحن روح الله وكلماته فبنا احتجب عن (٨) خلقه ، فما زلنا في ظلّة خضراء حيث لا شمس ولا قمر ولا ليل ولا نهار ولا عين تطرف ، نعبده ونقدّسه ونسبّحه ، وذلك قبل أن يخلق خلقه ، وأخذ ميثاق الأنبياء بالإيمان والنّصرة لنا ، وذلك قوله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ)

__________________

(١) هكذا في المصدر. وفي الأصل : أمتهم.

(٢) «يقولوا هو» ليس في المصدر.

(٣) لهذا الحديث في المصدر تتمة.

(٤) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٥) نفس المصدر والموضع.

(٦) المصدر : «ويؤيده ما ذكره» بدل «وذكر صاحب»

(٧) نفس المصدر والموضع.

(٨) هكذا في المصدر. وفي النسخ : على.

١٤٨

ـ يعني : لتؤمنن بمحمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ ولتنصرنّ وصيّه ـ وسينصرونه (١) جميعا.

وإنّ الله أخذ ميثاقي مع ميثاق محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ بنصرة (٢) بعضنا لبعض ، لقد نصرت محمّدا ـ صلّى الله عليه وآله ـ وجاهدت بين يديه ، وقتلت عدوّه ووفيت الله (٣) بما أخذ عليّ من الميثاق والعهد والنّصرة لمحمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ ولم ينصرني أحد من أنبياء الله (٤) ورسله وذلك لمّا قبضهم الله إليه ، وسوف ينصرونني (٥) ، ويكون لي ما بين مشرقها إلى مغربها ، وليبعثهم الله أحياء من آدم إلى محمّد ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ وكلّ نبيّ مرسل ، يضربون بين يديّ بالسّيف هام الأموات والأحياء والثّقلين جميعا.

فيا عجباه! وكيف لا أعجب من أموات يبعثهم الله أحياء ، يلبّون زمرة زمرة بالتّلبية : لبّيك لبّيك يا داعي الله ، قد أضلّوا بسكك الكوفة ، قد شهروا سيوفهم على عواتقهم ، يضربون بها هام الكفرة وجبابرتهم وأتباعهم من جبابرة الأوّلين والآخرين ، حتى ينجز الله ما وعدهم في قوله ـ عزّ وجلّ (٦) : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً) ، أي : يعبدونني آمنين لا يخافون أحدا في عبادتي ، ليس عندهم تقيّة. وإنّ لي الكرّة بعد الكرّة ، والرّجعة بعد الرّجعة ، وأنا صاحب الرّجعات والكرّات وصاحب الصّولات (٧) والنّقمات والدّولات العجيبات ، وأنا قرن من حديد الحديد (٨).

__________________

(١) المصدر : «فقد آمنوا بمحمّد ولم ينصروا وصيّه وينصرونه» بدل «وسينصرونه».

(٢) المصدر : بالنصرة.

(٣) هكذا في المصدر. وفي النسخ : «و» بدل «الله».

(٤) ر : «الأنبياء» ، المصدر : «أنبيائه» بدل «أنبياء الله».

(٥) المصدر : ينصرني.

وإلى هنا موجود في «تأويل الآيات» ثم قيل هاهنا : «الحديث الطويل وهو يدلّ على الرجعة أخذنا إلى هاهنا». والظاهر أن المفسر ذكر بعده مباشرة.

(٦) النور / ٥٥.

(٧) : القبولات.

(٨) أ : الحديث.

١٤٩

(قالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي) : أي : عهدي. سمي به ، لأنّه يوصر ، أي : يشدّ.

وقرئ ، بالضّمّ. وهو إمّا لغة فيه ، كعبر وعبر. أو جمع إصار ، وهو ما يشدّ به (١).

(قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا) ، أي فليشهد بعضكم لبعض.

وقيل (٢) : الخطاب [فيه] (٣) للملائكة.

(وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ) (٨١) : وأنا أيضا على إقراركم وتشاهدكم شاهد ، وهو تحذير عظيم.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٤) : حدّثني أبي ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن مسكان ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : ما بعث الله نبيّا من لدن آدم فهلمّ جرّا إلّا ويرجع إلى الدّنيا وينصر أمير المؤمنين ، وهو قوله : (لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ) ، يعني : رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ (وَلَتَنْصُرُنَّهُ) ، يعني : أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ ثمّ قال لهم في الذّرّ (٥) : (أَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي)؟ أي عهدي.

(قالُوا : أَقْرَرْنا).

قال الله للملائكة : (فَاشْهَدُوا) (٦) (وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ).

وعن الصّادق (٧) ـ عليه السّلام ـ : ثمّ قال لهم في الذّرّ : (أَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي) ، أي : عهدي؟ قال الله للملائكة : (فَاشْهَدُوا).

وفي مجمع البيان (٨) : عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ قال : أقررتم (٩) وأخذتم العهد بذلك على أممكم؟

قالوا ، أي : قال الأنبياء وأممهم : أقررنا بما أمرتنا بالإقرار به.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ١٦٩.

(٢) نفس الموضع والمصدر.

(٣) من المصدر.

(٤) تفسير القمي ١ / ١٠٦ ـ ١٠٧.

(٥) هكذا في المصدر. وفي النسخ : الدنيا.

(٦) المصدر : فاشهدوا.

(٧) الظاهر أنّه تكرار. فلم نجده لا في القمي ولا في غيره. وممّا يؤيّد أنّه تكرار ، أنّه مطابق لقطعة من الحديث الذي قبله المنقول عن القمي. والله العالم.

(٨) مجمع البيان ١ / ٤٦٨.

(٩) المصدر : «وقيل معناه» بدل «عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ قال : أقررتم.»

١٥٠

قال الله : فاشهدوا بذلك على أممكم ، وأنا معكم من الشاهدين عليكم وعلى أممكم (١).

(فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذلِكَ) : بعد الميثاق والتوّكيد بالإقرار والشّهادة.

(فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) (٨٢) : المتمرّدون من الكفرة (أَفَغَيْرَ دِينِ اللهِ يَبْغُونَ) : عطف على الجملة المتقدّمة ، والهمزة متوسّطة بينهما للإنكار. أو محذوف تقديره : أيتولّون ، أفغير دين الله يبغون؟ وتقديم المفعول لأنّه المقصود بالإنكار.

والفعل بلفظ الغيبة ، عند أبي عمرو وعاصم ، في رواية حفص ويعقوب.

وبالتّاء ، عند الباقين ، على تقدير : وقل لهم (٢).

[وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٣) : ثمّ قال ـ عزّ وجلّ ـ : (أَفَغَيْرَ دِينِ اللهِ يَبْغُونَ). قال : ا فغير هذا الدّين (٤) قلت لكم أن تقرّوا بمحمّد ووصيّه ـ صلّى الله عليه وآله ـ].(٥) (وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً) ، أي : طائعين بالنّظر واتّباع الحجّة ، وكارهين بالسّيف ومعاينة ما يلجئ إلى الإسلام ، كشقّ الجبل وإدراك الغرق والإشراف على الموت. أو مختارين كالملائكة والمؤمنين ، ومسخّرين كالكفرة ، فإنّهم لا يقدرون أن يمتنعوا عمّا قضي عليهم.

وفي مجمع البيان (٦) : (طَوْعاً وَكَرْهاً) [قيل :] (٧) فيه أقوال ـ إلى قوله ـ : وخامسها ، أنّ معناه : أكره أقوام على الإسلام وجاء أقوام طائعين.

وهو المرويّ عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : كرها ، أي : فرقا من السّيف.

(وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ) (٨٣) :

وقرئ بالياء ، على أنّ الضّمير «لمن» (٨).

وفي تفسير العيّاشيّ (٩) : عن عمّار بن [أبي] (١٠) الأحوص ، عن أبي عبد الله

__________________

(١) ذكر في المصدر بعد هذه الكلمة : عن علي عليه السّلام.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ١٦٩.

(٣) تفسير القمي ١ / ١٠٧.

(٤) المصدر : «أغير هذا الذي» بدل «أفغير هذا الدين». وما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

(٥) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٦) مجمع البيان ١ / ٤٧٠.

(٧) من المصدر.

(٨) أنوار التنزيل ١ / ١٧٠.

(٩) تفسير العياشي ١ / ١٨٢ ، ح ٧٨.

(١٠) من المصدر. ر. تنقيح المقال ٢ / ٣١٧ ، رقم ٨٥٧٤.

١٥١

ـ عليه السّلام ـ : أنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ خلق في مبتدأ (١) الخلق بحرين : أحدهما عذب فرات والآخر ملح أجاج ، ثمّ خلق تربة آدم من البحر العذب الفرات ، ثمّ أجراه على البحر الأجاج ، فجعله حمأ مسنونا وهو خلق آدم ، ثمّ قبض قبضة من كتف آدم الأيمن فذرأها في صلب آدم ، فقال : هؤلاء في الجنّة ولا أبالي ـ إلى قوله ـ فاحتجّ يومئذ أصحاب الشّمال ـ وهم ذرّ ـ على خالقهم ، فقالوا : يا ربّنا بم (٢) أوجبت لنا النّار ، وأنت الحكم العدل ، من قبل أن تحتجّ علينا وتبلونا بالرّسل وتعلم طاعتنا لك ومعصيتنا؟

فقال الله ـ تبارك وتعالى : [فأنا أخبركم بالحجة عليكم الآن ، في الطاعة والمعصية والإعذار بعد الإخبار.

قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ : فأوحى الله] (٣) لمالك (٤) خازن النّار : مر النّار تشهق ثمّ تخرج عنقا منها ، فخرجت لهم ، ثمّ قال الله لهم : ادخلوها طائعين.

فقالوا : لا ندخلها (٥) طائعين [ثم] (٦) قال : ادخلوها طائعين ، أو لأعذّبنّكم بها كارهين.

قالوا : إنّما هربنا إليك منها وحاججناك فيها حيث أوجبتها علينا وصيّرتنا من أصحاب الشّمال ، فكيف ندخلها طائعين؟ ولكن ابدأ بأصحاب (٧) اليمين في دخولها ، كي تكون قد عدلت فينا وفيهم.

قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ : فأمر أصحاب اليمين ، وهم ذرّ بين يديه بقوله (٨) ـ تعالى ـ : ادخلوا هذه النّار طائعين.

قال : فطفقوا يتبادرون في دخولها ، فولجوا فيها جميعا ، فصيّرها الله عليهم بردا وسلاما ، ثمّ أخرجهم منها ، ثمّ أنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ نادى في أصحاب اليمين وأصحاب الشّمال : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ)؟

فقال (٩) أصحاب اليمين : بلى يا ربّنا نحن بريّتك وخلقك مقرّين (١٠) طائعين. وقال

__________________

(١) النسخ : مبدأ. المصدر : مبتدئ.

(٢) المصدر : لم.

(٣) ما بين المعقوفتين من المصدر.

(٤) المصدر : إلى مالك.

(٥) أ : لن ندخلها.

(٦) من المصدر.

(٧) النسخ : أصحاب. وما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

(٨) المصدر : «فقال» بدل «بقوله تعالى». وما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

(٩) هكذا في المصدر. وفي النسخ : قال.

(١٠) هكذا في المصدر. وفي النسخ : مقرنين.

١٥٢

أصحاب الشّمال : بلى يا ربّنا ، نحن بريّتك وخلقك كارهين. وذلك قول الله ـ تعالى ـ : (وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ).

قال : توحيدهم لله.

عن عباية الأسديّ (١) أنّه سمع أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ يقول : (وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ) ، أكان ذلك بعد (٢)؟

قلت : نعم ، يا أمير المؤمنين.

قال : كلا والّذي نفسي بيده ، حتّى تدخل المرأة بمن عذب آمنة (٣) ، لا تخاف (٤) حيّة ولا عقربا فما سوى ذلك.

عن صالح بن ميثم (٥) قال : سألت أبا جعفر ـ عليه السّلام ـ عن قول الله : (وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً).

قال : ذلك حين يقول عليّ ـ عليه السّلام ـ : أنا أولى النّاس بهذه الآية (٦) : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ بَلى وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا [وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ)] (٧) ـ الى قوله ـ (كاذِبِينَ).

عن رفاعة بن موسى (٨) قال : سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول : (وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً) ، قال : إذا قام القائم ـ عليه السّلام ـ لا تبقى أرض إلّا نودي فيها بشهادة (٩) أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا رسول الله.

عن ابن بكير (١٠) قال : سألت أبا الحسن ـ عليه السّلام ـ عن قوله : (وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ) (١١).

__________________

(١) نفس المصدر ١ / ١٨٣ ، ح ٧٩. وهكذا فيه وفي النسخ : عناية الأسدي. ر. تنقيح المقال ٢ / ١٣١ ، رقم ٦٢٥٢.

(٢) هكذا في المصدر : وفي الأصل : «بعمل» وهي ليست في أ.

(٣) المصدر : آمنين.

(٤) المصدر : يخاف.

(٥) نفس المصدر والموضع ، ح ٨٠.

(٦) النحل / ٣٨.

(٧) من المصدر.

(٨) نفس المصدر والموضع ، ح ٨١.

(٩) هكذا في المصدر. وفي النسخ : شهادة.

(١٠) نفس المصدر والموضع ، ح ٨٢.

(١١) «وإليه ترجعون» ليس في المصدر.

١٥٣

قال : أنزلت في القائم ـ عليه السّلام ـ إذا خرج باليهود والنّصارى والصّابئين والزّنادقة وأهل الرّدّة والكفّار في شرق الأرض وغربها فعرض عليهم الإسلام ، فمن أسلم طوعا أمره بالصّلاة والزّكاة وما يؤمر به المسلم ويحبّ الله (١) عليه ، ومن لم يسلم ضرب عنقه ، حتّى لا يبقى في المشارق والمغارب أحد إلّا وحّد الله.

قلت له : جعلت فداك ، إنّ الخلق أكثر من ذلك.

فقال : إنّ الله إذا أراد أمرا قلّل الكثير وكثّر القليل.

وفي كتاب التّوحيد (٢) ، أبي ـ رحمه الله ـ قال : حدّثنا سعد بن عبد الله ، عن إبراهيم ابن هاشم ويعقوب بن يزيد جميعا عن ابن فضّال ، عن ابن بكير ، عن زرارة ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : سمعته وهو (٣) يقول في قوله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً).

قال : قال : توحيدهم [لله] (٤) ـ عزّ وجلّ ـ.

وفي أصول الكافي (٥) : محمّد بن يحيى ، عن عبد الله بن جعفر ، عن السّياريّ ، عن محمّد بن بكر ، عن أبي الجارود ، عن الأصبغ بن نباتة ، عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ أنّه قام إليه رجل فقال : يا أمير المؤمنين ، إنّ دابّتي استصعبت عليّ وأنا منها على وجل.

فقال : اقرأ في أذنها اليمنى : (وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ). فقرأها ، فذلّت له دابّته.

والحديث طويل ، أخذنا معه موضع الحاجة.

وفي الكافي (٦) : أحمد بن محمّد ، عن ابن محبوب ، عن ابن رئاب (٧) ، عن أبي عبيدة ، عن أحدهما ـ عليهما السّلام ـ قال : أيّما دابّة استصعبت على صاحبها من لجام ونفار ، فليقرأ في أذنها أو عليها : (أَفَغَيْرَ دِينِ اللهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ).

وفي أمالي شيخ الطّائفة ـ قدّس سرّه (٨) ـ : بإسناده إلى الصّادق ـ عليه السّلام ـ

__________________

(١) المصدر : لله.

(٢) التوحيد / ٤٦ ، ح ٧.

(٣) «وهو» ليس في المصدر.

(٤) من المصدر.

(٥) الكافي ٢ / ٦٢٤ ، ضمن حديث ٢١.

(٦) نفس المصدر ٦ / ٥٣٩ ـ ٥٤٠ ، ح ١٤.

(٧) ر : ابن رباب.

(٨) أمالي الطوسي ١ / ٢٨٨ ، في ذيل حديث.

١٥٤

أنّه قال له أشجع السّلميّ : إنّي (١) كثير الأسفار ، وأحصل في المواضع المفزعة ، فعلّمني ما آمن به على نفسي.

فقال (٢) : إذا (٣) خفت أمرا فاترك يمينك (٤) على أمّ رأسك ، واقرأ برفيع صوتك : (أَفَغَيْرَ دِينِ اللهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ).

قال : أشجع (٥) : فحصلت في واد (٦) تعبث فيه الجنّ فسمعت قائلا يقول : خذوه ، فقرأتها ، فقال قائل : كيف نأخذه وقد احتجب (٧) بآية طيّبة؟

وفي من لا يحضره الفقيه (٨) في وصيّة النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ لعليّ ـ عليه السّلام ـ : يا عليّ ، من استصعب عليه دابّته ، فليقرأ في أذنها اليمنى (٩) : (وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ).

(قُلْ آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ عَلَيْنا وَما أُنْزِلَ عَلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ) : أمر للرسول ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ بأن يخبر عن نفسه ومتابعيه بالإيمان والقرآن ، كما هو منزل عليه منزل عليهم ، بتوسّط تبليغه إليهم ، وأيضا المنسوب إلى واحد من الجمع قد ينسب إليهم ، أو بأن يتكلّم عن نفسه على طريقة الملوك إجلالا له.

والنّزول كما يعدّى «بإلى» لأنّه ينتهي إلى الرّسل يعدّى «بعلى» لأنّه من فوق.

وإنّما قدّم المنزل عليه على المنزل على سائر الرّسل ، لأنّه المعرّف له والمعيار عليه.

(لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ) : بالتّصديق والتّكذيب.

(وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) (٨٤) : منقادون. أو مخلصون في عبادته.

(وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً) : أي : غير التّوحيد ، والانقياد لحكم الله.

[وفي نهج البلاغة (١٠) : أرسله بحجّة كافية ، وموعظة شافية ، ودعوة متلاقية (١١) ، أظهر به

__________________

(١) المصدر : أنا.

(٢) المصدر : قال.

(٣) أ : فإذا.

(٤) هكذا في المصدر. وفي النسخ : بيمينك.

(٥) المصدر : الأشجع.

(٦) المصدر : دار

(٧) المصدر : احتجز

(٨) من لا يحضره الفقيه ٤ / ٢٦٨.

(٩) هكذا في المصدر. وفي النسخ : الأيمن.

(١٠) نهج البلاغة / ٢٣٠ ، ضمن خطبة ١٦١.

(١١) المصدر : متلافيه.

١٥٥

الشّرائع المجهولة ، وقمع به البدع المدخولة ، وبيّن الأحكام المفصولة ، (مَنْ) (١) (يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً) متحقّق (٢) شقوته وتنفصم عروته وتعظم كبوته ، ويكون ما به إلى الحزن (٣) الطّويل والعذاب الوبيل].(٤)

(فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ) (٨٥) : الواقعين في الخسران ، والمعنى : أنّ المعرض عن الإسلام والطّالب لغيره ، فاقد للنّفع ، واقع في الخسران ، بإبطال الفطرة السّليمة الّتي فطر النّاس عليها.

قال البيضاويّ (٥) : واستدلّ به على أنّ الإيمان هو الإسلام ، إذ لو كان غيره لم يقبل.

والجواب : إنّه ينفي قبول كلّ دين يغايره ، لا قبول كلّ ما يغايره ، ولعلّ الدّين أيضا الأعمال (٦).

وفيه : أنّ من قال : بأنّ الإيمان غير الإسلام ، يقول : بأنّه دين غيره. والاستدلال إنّما هو عليه ، والمقصود ، أنّ الإسلام والإيمان واحد يسمّى إسلاما وإن كان قبل رسوخه ودخوله في القلب ، ولا يسمّى إيمانا إلّا بعد دخوله ورسوخه فيه ، والآية تدلّ على اتّحادهما ، والفرق يعلم من موضع آخر.

(كَيْفَ يَهْدِي اللهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجاءَهُمُ الْبَيِّناتُ) : استبعاد لأن يهديهم الله ، فإنّ الحائد عن الحقّ ـ بعد ما وضح له ـ منهمك في الضّلال ، بعيد عن الرّشاد.

وقيل (٧) : نفي وإنكار له. وذلك يقتضي أن لا تقبل توبة المرتدّ ، وهذا حقّ في حقّ الرّجل المولود على الإسلام ، دون المولود على الكفر والمرأة.

ويمكن أن يقال : المتبادر من بعد إيمانهم كونهم مؤمنين بحسب الفطرة ، ومن جاءهم البيّنات الرّجال ، وكذا سياق الآية ، ولفظ «قوما» والضّمائر الرّاجعة إليه قرينة التّخصيص بالرّجال ، وحينئذ يكون استثناء (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا) منقطعا.

__________________

(١) المصدر : فمن.

(٢) المصدر : تتحقّق. نور الثقلين : تحقّق.

(٣) هكذا في المصدر. وفي الأصل : الخوف.

(٤) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٥) أنوار التنزيل ١ / ١٧٠.

(٦) هكذا في المصدر. وفي النسخ : للأعمال.

(٧) نفس المصدر والموضع.

١٥٦

ويجوز أن يكون (قَوْماً كَفَرُوا) على عمومه لقسمي الرّجال ، فيكون الاستثناء منقطعا (١) متّصلا. و «شهدوا» عطف على ما في إيمانهم من معنى الفعل ، أي : آمنوا وشهدوا. أو حال بإضمار «قد» من فاعل «كفروا».

قال البيضاويّ (٢) : وهو على الوجهين ، دليل على أنّ الإقرار باللّسان خارج عن حقيقة الإيمان.

وفيه : أنّه يحتمل أن يكون في العطف أو جعله قيدا ، لكونه أهمّ أجزاء الإيمان ، وأنفع في ترتّب الآثار عليه.

(وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (٨٦) : الّذين وضعوا الكفر موضع الإيمان ، بعد أن جاءهم البيّنات. ووضع المظهر موضع المضمر للإشعار بالعلّيّة.

وقيل (٣) : الّذين ظلموا أنفسهم ، بالإخلال بالنّظر ووضع الكفر موضع الإيمان ، فكيف من جاءه (٤) الحقّ وعرفه ثمّ أعرض عنه؟

(أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) (٨٧) : فيه تصريح بوجوب لعن من كفر بعد الإيمان ، والعلم بحقيّة (٥) الرّسول ومجيء البيّنات ، لأنّه تعالى قال : جزاؤهم هو لعن الله والملائكة والنّاس. وإذا كان جزاؤهم ذلك ، وأخبر الله بأنّ جزاءهم من الملائكة والنّاس ذلك ، لم يجز للملائكة والنّاس ترك ما جعله الله جزاء شيء ، بل يجب عليهم الإتيان به. فهذا وإن لم يكن في صورة الأمر ، لكن يفيد بمادّته الوجوب.

(خالِدِينَ فِيها) ، أي : في اللّعنة.

(لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ) (٨٨) (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) ، أي : بعد الارتداد ، (وَأَصْلَحُوا) : ما أفسدوا ، أو دخلوا في الصّلاح ، (فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ) : يقبل توبته ، (رَحِيمٌ) (٨٩) : يتفضّل عليه.

وفي مجمع البيان (٦) قيل : نزلت الآيات في رجل من الأنصار ، يقال له : الحارث بن

__________________

(١) ليس في أور.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ١٧٠.

(٣) نفس المصدر والموضع.

(٤) المصدر : جاء

(٥) ر : بحقيقة.

(٦) مجمع البيان ١ / ٤٧١.

١٥٧

سويد بن الصّامت ، وكان قتل المحذر بن زياد البلويّ غدرا ، وهرب (١) وارتدّ عن الإسلام ولحق بمكّة ، ثمّ ندم ، فأرسل إلى قومه أن يسألوا رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ هل لي من توبة؟ فسألوا فنزلت [الآية] (٢) إلى قوله : (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا) ، فحملها رجل من قومه اليه ، فقال : إنّي لأعلم أنّك لصدوق ورسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ أصدق منك ، وإنّ الله تعالى أصدق الثلاثة ، ورجع إلى المدينة وتاب وحسن إسلامه. وهو المرويّ عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ.

(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً) ، كاليهود ، كفروا بعيسى والإنجيل بعد الإيمان بموسى والتوراة ، ثمّ ازدادوا كفرا بمحمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ والقرآن. أو كفروا بمحمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ بعد ما آمنوا به قبل مبعثه ، ثمّ ازدادوا كفرا بالإصرار والعناد (٣) والطّعن فيه والصّدّ عن الإيمان به ونقض الميثاق. أو كقوم ارتدّوا ولحقوا بمكّة ، ثمّ ازدادوا كفرا لقولهم : نتربّص بمحمّد ريب المنون أو نرجع إليه وننافقه بإظهاره. أو كقوم كفروا بما نصّ النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ في وصيّه عند شياطينهم ، بعد ما آمنوا به عنده ، ثمّ ازدادوا كفرا بادّعاء الخلافة والوصاية لأنفسهم.

(لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ) : لأنّهم لا يتوبون. أو لا يتوبون ، إلّا عند اليأس ومعاينة الموت.

أو لأنّ توبتهم لا تكون إلّا نفاقا. فعدم قبول توبتهم لعدم كونها توبة حقيقة لا لكفر نعم وازدياد كفرهم. ولذلك لم يدخل الفاء فيه بخلاف الموت على الكفر ، فإنّه سبب لعدم قبول الفدية ، فدخل الفاء فيه.

(وَأُولئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ) (٩٠) : الثّابتون على الضّلال.

(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً) :

مل الشيء ، ما يملأه. وذهبا تمييز.

وقرئ بالرّفع على البدل ، من «مل الأرض» ، أو الخبر المحذوف (٤).

(وَلَوِ افْتَدى بِهِ) : معطوف على مضمر ، أي : فلن يقبل من أحدهم مل الأرض ذهبا لو تقرّب به في الدّنيا ، ولو افتدى به من العذاب في الآخرة. أو محمول على المعنى

__________________

(١) المصدر : «هو» بدل «هرب و».

(٢) من المصدر.

(٣) ر : والعناد والكفر.

(٤) أنوار التنزيل ١ / ١٧١.

١٥٨

كأنّه قيل : فلن يقبل من أحدهم فديه ولو افتدى بملء الأرض ذهبا.

قيل (١) : ويحتمل أن يكون المراد : فلن يقبل من أحدهم [إنفاقه في سبيل الله] (٢) بملء الأرض ذهبا [ولو كان على وجه الافتداء من عذاب الآخرة من دون توقّع ثواب آخر.

والأوجه أن يقال في تقديره : فلن يقبل من أحدهم مل الأرض ذهبا] (٣) ملكه ولو افتدى به.

(أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) : مبالغة في التّحذير وإقناط ، لأنّ من لا يقبل منه الفداء. ربما يعني عنه تكرّما.

(وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ) (٩١) : في دفع العذاب. و «من» مزيدة للاستغراق ، وإيراد الجمع إمّا للتّوزيع أو للمبالغة.

(لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ) ، أي : لن تبلغوا حقيقة البرّ ، وهو كمال الخير. أو البرّ المعهود ، وهو برّ الله.

(حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) : من المال أو ما يعمّه وغيره ، كبذل الجاه في معاونة النّاس ، والبدن في طاعة الله ، والمهجة في سبيل الله.

وقرئ «بعض ما تحبّون» وهو يدلّ على أنّ «من» للتّبعيض ، ويحتمل التّبيين (٤).

وفي روضة الكافي (٥) : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عمر بن عبد العزيز ، عن يونس ابن ظبيان ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ : لن تنالوا البر حتى تنفقوا ما تحبون قال (٦) : هكذا فاقرأها.

وفي مجمع البيان (٧) : وقد روي عن أبي الطّفيل قال : اشترى عليّ ـ عليه السّلام ـ ثوبا فأعجبه فتصدّق به ، وقال : سمعت رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يقول : من آثر على نفسه آثره الله يوم القيامة بالجنّة ، ومن أحبّ شيئا فجعله لله قال الله يوم القيامة : قد كان العباد يكافئون فيما بينهم بالمعروف وأنا أكافئك اليوم بالجنّة.

وفي الكافي (٨) : عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن محمّد بن شعيب ،

__________________

(١) نفس المصدر والموضع.

(٢ و ٣) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٤) نفس المصدر والموضع.

(٥) الكافي ٨ / ١٨٣ ، ح ٢٠٩.

(٦) ليس في المصدر.

(٧) مجمع البيان ١ / ٤٧٣.

(٨) الكافي ٤ / ٦١ ، ح ٣.

١٥٩

عن الحسين بن الحسن ، عن عاصم ، عن يونس ، عمّن ذكره ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ : أنّه كان يتصدّق بالسّكر ، فقيل له : أتتصدّق بالسّكر (١)؟

فقال : نعم ، إنه ليس شيء أحبّ إليّ منه ، فأنا أحبّ أن أتصدّق بأحبّ الأشياء إليّ.

وفي عوالي اللّئالي (٢) : ونقل عن الحسين (٣) ـ عليه السّلام ـ أنّه كان يتصدّق بالسّكر ، فقيل له في ذلك.

فقال : إنّي أحبّه ، وقد قال الله (٤) تعالى : (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ).

وإنفاق أحبّ الأموال على اقرب الأقارب وعلى صلة الإمام أفضل.

في أصول الكافي (٥) : محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى وعليّ بن إبراهيم [، عن أبيه] (٦) جميعا ، عن الحسن بن محبوب ، عن أبي ولّاد الحنّاط قال : سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) ، ما هذا الإحسان؟

فقال : الإحسان ، أن تحسن صحبتهما ، وأن لا تكلّفهما أن يسألاك شيئا ممّا يحتاجان إليه وإن كانا مستغنيين. أليس الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول : (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ)

وفي تفسير العيّاشيّ (٧) : عن مفضّل بن عمر قال : دخلت على أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ [يوما] (٨) ومعي شيء ، فوضعته بين يديه.

فقال : ما هذا؟

فقلت : هذه صلة مواليك وعبيدك.

قال : فقال لي : يا مفضّل ، إنّي لا أقبل ذلك ، وما أقبله عن حاجة بي (٩) إليه ، وما أقبله إلّا ليزكّوا (١٠) به.

__________________

(١) «فقيل له أتتصدّق بالسكّر» ليس في أ.

(٢) عوالي اللئالي ٢ / ٧٤ ، ح ١٩٦.

(٣) المصدر : الحسن ـ عليه السّلام ـ

(٤) ليس في المصدر.

(٥) الكافي ٢ / ١٥٧ ، صدر حديث ١.

(٦) من المصدر.

(٧) تفسير العياشي ١ / ١٨٤ ، ح ٨٥.

(٨) من المصدر.

(٩) المصدر : «حاجتي» بدل «حاجة بي».

(١٠) هكذا في المصدر. وفي النسخ : لتزكّوا.

١٦٠