تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٣

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي


المحقق: حسين درگاهى
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٠٣

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) قال : الأئمّة من ولد عليّ وفاطمة ـ عليهم السّلام ـ إلى أن تقوم السّاعة.] (١)

وفي أصول الكافي (٢) : [أحمد بن محمّد ، عن عليّ بن الحكم ، عن الحسين بن أبي العلاء قال : ذكرت لأبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قولنا في الأوصياء أنّ طاعتهم مفروضة (٣)؟

[قال :] (٤) فقال : نعم [هم] (٥) الّذين قال الله ـ عزّ وجلّ ـ : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) وهم الّذين قال الله ـ عزّ وجلّ ـ (٦) (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا).

محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن (٧) عيسى ، عن محمّد بن الخالد البرقيّ ، عن القاسم بن محمّد الجوهريّ ، عن الحسين بن أبي العلاء قال : قلت لأبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ الأوصياء طاعتهم مفروضة (٨)؟

قال نعم [هم] (٩) الّذين قال الله : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ). وهم الّذين قال الله ـ تعالى (١٠) ـ (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ).] (١١)

عليّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى (١٢) ، عن يونس وعليّ بن محمّد ، عن سهل بن زياد أبي سعيد ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس ، عن ابن مسكان ، عن أبي بصير قال : سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ [عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ)].(١٣) فقال : نزلت في عليّ بن أبي طالب والحسن والحسين ـ عليهم السّلام ـ.

فقلت له : إنّ النّاس يقولون : فما له لم يسمّ عليّا وأهل بيته ـ عليهم السّلام ـ في

__________________

(١) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٢) الكافي ١ / ١٨٧ ، ح ٧.

(٣) المصدر : مفترضة.

(٤ و ٥ و ٩) من المصدر.

(٦) المائدة / ٥٥.

(٧) نفس المصدر ١ / ١٨٩ ، ح ١٦.

(٨) المصدر : مفترضة.

(١٠) المائدة / ٥٥.

(١١) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(١٢) نفس المصدر ١ / ٢٨٦ ، ح ١.

(١٣) أ : «في هذه الآية» بدل ما بين المعقوفتين.

٤٤١

كتاب الله (١) ـ عزّ وجلّ ـ؟

فقال : قولوا لهم : إنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ نزلت عليه الصّلاة ولم يسمّ الله لهم ثلاثا ولا أربعا حتّى كان رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ [هو الّذي] (٢) فسّر ذلك لهم. ونزلت عليه الزّكاة ولم يسمّ لهم من كلّ أربعين درهما درهم حتّى كان رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ هو الّذي فسّر (٣) ذلك لهم. ونزل الحجّ فلم يقل لهم : طوفوا أسبوعا ، حتّى كان رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ هو الّذي فسّر ذلك لهم. ونزلت : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ). ونزلت في عليّ والحسن والحسين. فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ في عليّ : من كنت مولاه فعليّ مولاه. وقال : أوصيكم بكتاب الله وأهل بيتي فإنّي سألت الله أن لا يفرّق بينهما حتّى يوردهما عليّ الحوض فأعطاني ذلك. وقال : لا تعلّموهم فإنّهم أعلم منكم. وقال : إنّهم لن يخرجوكم (٤) من باب هدى ولن يدخلوكم في باب ضلالة. فلو سكت رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ولم يبيّن من أهل بيته لادّعاها آل فلان وآل فلان. ولكنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ أنزله (٥) في كتابه تصديقا لنبيّه ـ صلّى الله عليه وآله (٦) ـ : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً). فكان عليّ والحسن والحسين وفاطمة ـ عليهم السّلام ـ. فأدخلهم رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ تحت الكساء في بيت أمّ سلمة. ثمّ قال : اللهمّ إنّ لكلّ نبيّ أهلا وثقلا وهؤلاء أهل بيتي وثقلي.

فقالت أمّ سلمة : ألست من أهلك؟

فقال : إنّك إلى (٧) خير. ولكنّ هؤلاء أهل بيتي وثقلي.

والحديث طويل ، أخذت منه موضع الحاجة.

محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد (٨) ، عن صفوان بن يحيى ، عن عيسى بن السّريّ أبي اليسع قال : قلت لأبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ : أخبرني بدعائم الإسلام الّتي لا يسع أحدا التّقصير عن معرفة شيء منها ، الّذي من قصّر عن معرفة شيء منها فسد

__________________

(١) هكذا في المصدر. وفي النسخ : كتابه.

(٢) من المصدر.

(٣) ر : يفسّر.

(٤) ر : لا يخرجوكم.

(٥) هكذا في المصدر. وفي النسخ : أنزل.

(٦) الأحزاب / ٣٣.

(٧) أ : على.

(٨) نفس المصدر ٢ / ١٩ ـ ٢١ ، ح ٦.

٤٤٢

عليه (١) دينه ولم يقبل (٢) منه عمله ، ومن عرفها وعمل بها صلح له دينه وقبل منه عمله ولم يضق (٣) به ممّا هو فيه لجهل شيء من الأمور جهله.

فقال : شهادة أن لا إله إلّا الله ، والإيمان بأنّ محمّدا ـ صلّى الله عليه وآله ـ رسول الله ، والإقرار بما جاء به من عند الله ، وحقّ في الأموال الزّكاة ، والولاية الّتي أمر الله ـ عزّ وجلّ ـ بها ولاية آل محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ.

قال : فقلت : فهل (٤) في الولاية شيء دون شيء فضل يعرف لمن أخذ به؟

قال : نعم ، قال الله ـ عزّ وجلّ ـ : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) وقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : من مات ولم يعرف إمامه (٥) مات ميتة جاهليّة. وكان رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وكان عليّا ـ عليه السّلام ـ وقال الآخرون : وكان معاوية ثمّ كان الحسن ثمّ كان الحسين ، [وقال الآخرون : يزيد بن معاوية وحسين بن عليّ ولا سواء ولا سواء.

قال : ثمّ سكت ، ثمّ قال : أزيدك.

فقال له حكم الأعور : نعم جعلت فداك.

قال : ثمّ كان عليّ بن الحسين ثمّ كان محمّد بن عليّ أبا جعفر ، وكانت الشّيعة قبل أن يكون أبو جعفر وهم لا يعرفون مناسك حجّهم وحلالهم وحرامهم حتّى كان أبو جعفر ، ففتح (٦) لهم وبيّن لهم مناسك حجّهم وحلالهم وحرامهم ، حتّى صار النّاس يحتاجون إليهم بعد ما كانوا يحتاجون إلى النّاس. وهكذا يكون الأمر والأرض لا تكون إلّا بإمام. ومن مات لا يعرف إمامه ميتة مات ميتة جاهليّة. وأحوج ما تكون إلى ما أنت عليه إذا بلغت نفسك هذه ـ وأهوى بيده إلى حلقه ـ وانقطعت عنك الدّنيا تقول حينئذ (٧) : لقد كنت على أمر حسن.

وفي كتاب الاحتجاج (٨) ، للطبرسي ـ رحمه الله ـ قال عليّ ـ عليه السّلام ـ في خطبة له : إنّ الله ذو الجلال والإكرام لمّا خلق الخلق واختار خيرة من خلقه واصطفى

__________________

(١) ليس في المصدر.

(٢) المصدر : لم يقبل الله.

(٣) هكذا في المصدر. وفي النسخ : لم يضيق.

(٤) المصدر : فقلت له هل.

(٥) أ : إمام زمانه.

(٦) هكذا في المصدر. وفي النسخ : وفتح.

(٧) ليس في المصدر.

(٨) الاحتجاج ١ / ٢٣٣ ـ ٢٣٤.

٤٤٣

صفوة من عباده وأرسل رسولا منهم وأنزل عليه كتابه وشرع له دينه وفرض فرائضه ، فكانت الجملة قول الله ـ جلّ ذكره ـ حيث أمر فقال : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ). فهو لنا أهل البيت خاصّة دون غيرنا. فانقلبتم على أعقابكم وارتددتم ونقضتم الأمر ونكثتم العهد ولم يضرّ الله (١) شيئا ، وقد أمركم [الله] (٢) أن تردّوا الأمر إلى الله وإلى الرّسول وإلى أولي الأمر منكم المستنبطين فأقررتم ثمّ جحدتم.

وفي كتاب معاني الأخبار (٣) : عن سليم بن قيس الهلاليّ ، عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ أنّه سأله (٤) : ما أدنى ما يكون به الرّجل ضالّا؟ فقال : أن لا يعرف من أمر الله بطاعته وفرض ولايته وجعله حجّته في أرضه وشاهده على خلقه.

قال (٥) : فمن هم يا أمير المؤمنين؟

قال : الّذين قرنهم الله بنفسه وبنبيّه (٦) فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) ..

قال : فقبلت رأسه وقلت : أوضحت لي وفرّجت عنّي وأذهبت كلّ شكّ كان في قلبي (٧).

[و] بإسناده إلى سليم بن قيس (٨) قال : سمعت عليّا ـ عليه السّلام ـ يقول : قال لي رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : قد أخبرني ربّي ـ جلّ جلاله ـ أنّه قد استجاب [لي] (٩) فيك وفي شركائك الّذين يكونون من بعدك.

فقلت : يا رسول الله ، ومن شركائي من بعدي؟

قال : الّذين قرنهم الله ـ عزّ وجلّ ـ بنفسه وبي ، فقال : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) ..

__________________

(١) المصدر : لم تضرّوا الله.

(٢) من المصدر.

(٣) معاني الأخبار / ٣٩٤ ، ح ٤٥.

(٤) المصدر : «قال قلت له» بدل «أنّه سأله».

(٥) المصدر : قلت.

(٦) المصدر : نبيّه.

(٧) هكذا في المصدر. والجملة السابقة هكذا في النسخ : وقلت أوضحت عنّي وفرّجت وأذهبت عنّي كلّ شكّ كان في قلبي.

(٨) بل في كمال الدين وتمام النعمة / ٢٨٥ ، وأوّله في ص ٢٨٤ ، ح ٣٧ ، وقد أسقط صدره.

(٩) من المصدر.

٤٤٤

فقلت : يا رسول الله ، ومن هم؟

قال : الأوصياء من آلي يردون عليّ الحوض ، كلّهم هادين مهديّين (١). لا يضرّهم من خذلهم. هم مع القرآن والقرآن معهم. لا يفارقهم ولا يفارقونه. بهم تنصر أمّتي.

وبهم يمطرون وبهم يدفع عنهم البلاء. وبهم يستجاب دعاؤهم.

قلت : يا رسول الله ، سمّهم لي.

قال : ابني هذا ـ ووضع يده على رأس الحسن ـ ثمّ ابني هذا ـ ووضع يده على رأس الحسين ـ ثمّ ابن له يقال له : عليّ ، وسيولد في حياتك فاقرأه منّي السّلام ، ثمّ تكملة اثني (٢) عشر إماما. فقلت : [بأبي أنت وأمّي] (٣) : يا رسول الله ، سمّهم لي رجلا رجلا فقال : فمنهم (٤) والله يا أخا بني هلال مهديّ أمّة (٥) محمّد الّذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا. والله إنّي لأعرف من يبايعه بين الرّكن والمقام وأعرف أسماء آبائهم وقبائلهم.

وبإسناده إلى سليم بن قيس الهلالي (٦) ، عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ أنّه قال في أثناء كلام له في مجمع من المهاجرين والأنصار أيّام خلافة عثّمان : فأنشدكم الله ـ عزّ وجلّ ـ أتعلمون حيث نزلت (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) وحيث نزلت (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ) (٧) وحيث نزلت (وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللهِ وَلا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً) (٨) قال النّاس : يا رسول الله أهذه خاصّة لبعض المؤمنين أم عامّة لجميعهم؟ فأمر الله ـ عزّ وجلّ ـ نبيّه ـ صلّى الله عليه وآله ـ أن يعلّمهم ولاة أمرهم وأن يفسّر لهم من الولاية ما فسّر لهم من صلاتهم وزكاتهم وصومهم وحجّهم. فنصبني للنّاس بغدير خمّ ثمّ خطب. والحديث طويل ، أخذت منه موضع الحاجة ، الأهمّ في المقام وفي

__________________

(١) المصدر : «هاد مهتد» بدل «هادين مهدين».

(٢) هكذا في المصدر. وفي النسخ : تكلم اثنتي.

(٣) من المصدر.

(٤) المصدر : «[رجلا فرجلا] فسمّاهم رجلا رجلا فيهم» بدل «رجلا رجلا فقال فمنهم». وما في المصدر أظهر من ما في النسخ.

(٥) المصدر : أمّتي.

(٦) بل في المصدر السابق / ٢٧٦ ـ ٢٧٧ ، ضمن حديث.

(٧) المائدة / ٥٥.

(٨) التوبة / ١٦.

٤٤٥

آخره فقالوا [كلّهم :] (١) اللهمّ نعم ، قد سمعنا ذلك كلّه وشهدنا كما قلت سواء. وقال بعضهم : قد حفظنا جلّ ما قلت ولم نحفظه (٢) كله. وهؤلاء الّذين حفظوا أخيارنا وأفاضلنا (٣).

وفيه (٤) : حدّثني أبي ـ رحمه الله ـ قال : حدّثنا عبد الله بن جعفر قال : حدّثنا محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب (٥) ، عن عبد الله [بن] (٦) محمّد الحجّال ، عن حمّاد بن عثمان ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) قال : الأئمّة من ولد علي ـ عليه السّلام ـ وفاطمة ـ عليهما السّلام ـ إلى أن تقوم السّاعة.

وفي كتاب التّوحيد (٧) ، بإسناده إلى الفضل بن السّكن (٨) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : قال أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ : اعرفوا الله بالله والرّسول بالرّسالة وأولي الأمر بالمعروف والعدل والإحسان.

وفي كتاب علل الشّرائع (٩) ، بإسناده إلى عمرو بن شمر : عن جابر بن يزيد الجعفيّ قال : قلت لأبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر ـ عليهما السّلام ـ : لأيّ شيء يحتاج إلى النّبيّ والإمام؟ فقال : لبقاء العالم على صلاحه. وذلك أنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يرفع العذاب عن أهل الأرض إذا كان فيها نبيّ أو إمام. قال الله ـ عزّ وجلّ (١٠) ـ : و (ما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ) وقال النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ : النّجوم أمان لأهل السّماء وأهل بيتي أمان لأهل الأرض. فإذا ذهبت النّجوم أتى أهل السّماء ما يكرهون. وإذا ذهب أهل بيتي أتى أهل الأرض ما يكرهون ، يعني : بأهل بيته الّذين قرن الله عزّ وجلّ طاعتهم بطاعته ، فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ).

__________________

(١) من المصدر.

(٢) هكذا في المصدر. وفي النسخ : لم يحفظ.

(٣) هكذا في المصدر. وفي النسخ : أخبارنا وفضلنا.

(٤) بل في نفس المصدر / ٢٢٢ ، ح ٨.

(٥) هكذا في المصدر. وفي النسخ : «الحسن بن أبي الخطاب». والظاهر أنه وهم. ر. تنقيح المقال ١ / ٣١٦ ، رقم ٢٨١٣.

(٦) من المصدر.

(٧) التوحيد / ٢٨٥ ـ ٢٨٦ ، ح ٣.

(٨) هكذا في المصدر. وفي النسخ : «الفضل بن سكر». ر. تنقيح المقال ٢ / ٨ ، رقم ٩٤٦٧.

(٩) علل الشرائع / ١٢٣ ـ ١٢٤ ، ح ١.

(١٠) الانفال / ٣٣.

٤٤٦

وهم المعصومون المطهّرون الّذين لا يذنبون ولا يعصون. وهم المؤيّدون الموفّقون المسدّدون. بهم يرزق الله عباده. وبهم يعمر (١) بلاده. وبهم ينزل القطر من السّماء.

وبهم تخرج بركات الأرض. وبهم يمهل (٢) أهل المعاصي ولا يعجّل عليهم بالعقوبة والعذاب. لا يفارقهم روح القدس ولا يفارقونه. ولا يفارقون القرآن ولا يفارقهم ـ صلوات الله عليهم أجمعين.

وفي تفسير فرات بن إبراهيم الكوفي (٣) قال : حدّثنا زيد بن الحسن الأنماطيّ قال : سمعت محمّد بن عبد الله بن الحسن (٤) وهو يخطب بالمدينة ويقول : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) قال : الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر.

وقال : حدّثني عبيد بن كثير (٥) معنعنا ، عن عمّي الحسين أنّه سأل جعفر بن محمّد ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ تعالى ـ : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ). قال : فأولي الأمر في هذه الآية آل محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ.

وقال : حدّثني أحمد بن القاسم (٦) معنعنا ، عن أبي مريم قال : سألت جعفر بن محمّد ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ تعالى ـ : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) كانت طاعة عليّ مفترضة؟

قال : كانت طاعة رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ خاصّة مفترضة لقول الله ـ تعالى (٧) ـ : (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ) وكانت طاعة عليّ بن أبي طالب طاعة رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ (٨).

وقال : حدّثني عبيد الله بن كثير (٩) معنعنا ، عن سلمان الفارسي ـ رحمة الله عليه ـ قال : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : يا عليّ ، من بريء من (١٠) ولايتك فقد بريء من (١١) ولايتي. ومن بريء (١٢) من ولايتي فقد بريء من (١٣) ولاية الله. يا عليّ طاعتك

__________________

(١) المصدر : تعمر.

(٢) أ : يمهد.

(٣) تفسير فرات / ٢٧ وفيه : «معنعنا عن زيد بن الحسن» بدل «قال حدّثنا زيد بن الحسن».

(٤) المصدر : محمد بن الحسن.

(٥) لم نعثر على هكذا حديث في تفسير فرات.

(٦) تفسير فرات / ٢٨ ـ ٢٩.

(٧) النساء / ٨٠.

(٨) المصدر : من طاعة الرسول ـ صلّى الله عليه وآله.

(٩) نفس المصدر / ٣٢.

(١٠ و ١١ و ١٢ و ١٣) المصدر : عن.

٤٤٧

طاعتي وطاعتي طاعة الله. فمن أطاعك فقد أطاعني. ومن أطاعني فقد أطاع الله.

والّذي بعثني بالحقّ نبيّا (١) لحبّنا أهل البيت أعزّ من الجوهر ومن الياقوت الأحمر ومن الزّمرّد. وقد أخذ ميثاق محبّينا أهل البيت في أمّ الكتاب. لا يزيد فيهم رجل ، ولا ينقص منهم رجل إلى يوم القيامة. وهو قول الله ـ تعالى ـ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ). فهو عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام ـ.

وقال : حدّثني إبراهيم بن سليمان (٢) معنعنا ، عن عيسى بن السّريّ قال : قلت لأبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ أخبرني عن دعائم الإسلام الّتي لا يسع (٣) أحدا من النّاس التّقصير عن معرفة شيء منها ، الّتي من قصّر عن شيء منها فسد عليه دينه ولم يقبل منه عمله [ومن قام بها صلح دينه وقبل عمله] (٤) ولم يضق ما هو فيه بجهل شيء جهله.

[قال :] (٥) قال : شهادة أن لا إله إلّا الله ، والإيمان برسوله ، والإقرار بما جاء من عند الله ، والصّلاة (٦) والزّكاة ، والولاية الّتي أمر الله بها ولاية آل محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ (٧).

قلت (٨) : هل في الولاية شيء؟

قال : قول الله ـ تعالى ـ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ). فكان أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام ـ.

وقال : حدّثني عليّ بن محمّد بن عمر الزّهريّ (٩) معنعنا ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ تعالى ـ : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) قال : نزلت في عليّ بن أبي طالب (١٠) ـ عليه السّلام ـ.

(فَإِنْ تَنازَعْتُمْ) : أنتم أيّها المؤمنون.

(فِي شَيْءٍ) : من أمور الدّين.

(فَرُدُّوهُ) : فراجعوا فيه.

__________________

(١) ليس في المصدر.

(٢) نفس المصدر / ٣٢ ـ ٣٣.

(٣) المصدر : عليها لا يسع.

(٤) ليس في المصدر.

(٥) من المصدر.

(٦) ليس في المصدر.

(٧) المصدر : ولاية محمد ـ صلّى الله عليه وآله ـ.

(٨) المصدر : قوله قلت.

(٩) نفس المصدر / ٣٤ ، صدر حديث.

(١٠) «ابن أبي طالب» ليس في المصدر.

٤٤٨

(إِلَى اللهِ) : إلى محكم كتابه.

(وَالرَّسُولِ) : بالسّؤال عنه في زمانه ، وبالأخذ بسنّته ، والمراجعة إلى من أمر بالمراجعة إليه بعده. فإنّها ردّ إليه.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (١) : حدّثني أبي ، عن حمّاد ، عن حريز ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : نزلت (٢) : «فإن تنازعتم في شيء فردّوه إلى الله وإلى الرّسول وإلى أولي الأمر منكم.».

وفي أصول الكافي (٣) : الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن الحسن بن عليّ الوشّاء ، عن أحمد بن عائذ ، عن ابن أذينة ، عن بريد العجليّ ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ حديث طويل ، وفي آخره قال ـ عليه السّلام ـ : فإن خفتم تنازعا في أمر فردّوه إلى الله وإلى الرّسول وإلى أولي الأمر منكم. كذا نزلت ، وكيف يأمرهم الله ـ عزّ وجلّ ـ بطاعة ولاة الأمر ويرخّص لهم (٤) في منازعتهم؟! إنّما قيل ذلك للمأمورين الّذين قيل لهم : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) ..

وفي نهج البلاغة (٥) ، في معنى الخوارج لمّا أنكروا تحكيم الرّجال : إنّا لم نحكّم الرّجال وإنّما حكّمنا القرآن. وهذا القرآن إنّما هو خطّ مستور بين الدّفّتين لا ينطق بلسان ولا بدّ له من ترجمان وإنّما ينطق عنه الرّجال. ولمّا دعانا القوم إلى أن يحكم بيننا القرآن لم نكن الفريق المتولّي عن كتاب الله ـ تعالى ـ وقد قال الله ـ سبحانه ـ : (فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ). فردّه (٦) إلى الله ، أن نحكم (٧) بكتابه. وردّه إلى الرّسول ، أن نأخذ (٨) بسنّته. فإذا حكم بالصّدق في كتاب الله فنحن أحقّ النّاس [به].(٩) وإن حكم بسنّة رسول الله فنحن [أحقّ النّاس و] (١٠) أولاهم بها. (١١)

وقال ـ عليه السّلام ـ للأشتر (١٢) : واردد إلى الله ورسوله ما يضلعك من الخطوب

__________________

(١) تفسير القمي ١ / ١٤١.

(٢) هكذا في المصدر. وفي النسخ : نزل.

(٣) الكافي ١ / ٢٧٦ ، ذيل حديث ١.

(٤) ليس في المصدر.

(٥) نهج البلاغة / ١٨٢ ، صدر خطبة ١٢٥. وفيه : في التحكيم وذلك بعد سماعه لأمر الحكمين.

(٦) هكذا في المصدر. وفي النسخ : فردوه.

(٧) هكذا في المصدر. وفي النسخ : يحكم.

(٨) هكذا في المصدر. وفي النسخ : يأخذ.

(٩ و ١٠) من المصدر.

(١١) هكذا في المصدر. وفي النسخ : به.

(١٢) نفس المصدر / ٤٣٤ ، ضمن كتاب ٥٣.

٤٤٩

ويشتبه عليك من الأمور. فقد قال الله ـ سبحانه ـ لقوم أحبّ إرشادهم : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ) فالرّدّ (١) إلى الله ، الأخذ بمحكم كتابه. والرّدّ (٢) إلى الرّسول ، الأخذ بسنّته الجامعة غير المفرّقة (٣).

وفي كتاب الاحتجاج (٤) ، للطّبرسيّ ـ رحمه الله ـ : وعن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ حديث طويل : وقد جعل الله للعلم أهلا ، وفرض على العباد طاعتهم بقوله : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) وبقوله : (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) ..

وفيه (٥) ، وقد ذكر ـ عليه السّلام ـ الحجج ، قال السّائل : من هؤلاء الحجج؟

قال : هم رسول الله ومن حلّ محلّه من أصفياء الله. وهم ولاة الّذين [قرنهم الله بنفسه ورسوله ، وفرض على العباد من طاعتهم مثل الّذي فرض عليهم منها لنفسه. وهم ولاة الأمر الّذين] (٦) قال الله فيهم : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) وقال فيهم : (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) ..

قال السّائل : ما ذاك الأمر؟

قال ـ عليه السّلام ـ : الّذي تنزّل به الملائكة في اللّيلة الّتي يفرق فيها كلّ أمر حكيم ، من خلق ورزق وأجل [وعمل] (٧) وعمر [وحياة] (٨) وموت وعلم غيب السّموات والأرض والمعجزات الّتي لا تنبغي إلّا لله وأصفيائه والسّفرة بينه وبين خلقه.

عن الحسين بن عليّ ـ عليهما السّلام ـ (٩) في خطبة له : وأطيعونا (١٠) ، فإنّ طاعتنا مفروضة إذ كانت (١١) بطاعة الله وطاعة (١٢) رسوله مقرونة. قال الله ـ عزّ وجلّ ـ :

__________________

(١) هكذا في المصدر. وفي النسخ : فالراد.

(٢) هكذا في المصدر. وفي النسخ : الراد.

(٣) هكذا في المصدر. وفي النسخ : الغير المغرقة.

(٤) الاحتجاج ١ / ٣٦٩.

(٥) نفس المصدر ١ / ٣٧٥.

(٦) من المصدر.

(٧ و ٨) من المصدر.

(٩) نفس المصدر ٢ / ٢٣.

(١٠) المصدر : فأطيعونا.

(١١) المصدر : أن كانت.

(١٢) ليس في المصدر.

٤٥٠

(أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ) وقال : (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلَّا قَلِيلاً).

وفي شرح الآيات الباهرة (١) : قال محمّد بن يعقوب ، عن الحسن بن محمّد ـ بإسناده ـ عن رجاله ، عن بريد بن معاوية العجليّ قال : سألت أبا جعفر ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) قال : إيّانا عنى ، أن يؤدّي الإمام الأوّل إلى الإمام الّذي بعده ما عنده من العلم والكتب والسّلاح. وقال (٢) : (إِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) الّذي في أيديكم. ثمّ قال للنّاس : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ). إيانا عنى خاصّة. ثمّ أمر جميع المؤمنين بطاعتنا إلى يوم القيامة إذ يقول : «فإن خفتم تنازعا في أمر فردّوه إلى الله والرّسول وأولي الأمر منكم.» كذا نزلت ، وكيف يأمرهم الله ـ عزّ وجلّ ـ بطاعة ولاة الأمر ويرخّص في منازعتهم؟! إنّما قيل ذلك للمأمورين (٣) الّذين قيل لهم : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) ..

وممّا ورد من أن ولاة الأمر بعد النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ هم الأئمّة الاثنا عشر ـ صلوات الله عليهم ـ

ما نقله الشّيخ أبو عليّ الطّبرسيّ ـ قدّس الله روحه ـ في كتابه اعلام الورى بأعلام الهدى (٤) قال : حدّثنا غير واحد من أصحابنا ، عن محمّد بن همام ، عن جعفر بن محمّد بن مالك الفزاريّ ، عن الحسن بن محمّد بن سماعة ، عن أحمد بن الحارث ، عن المفضّل بن عمر ، عن يونس بن ظبيان ، عن جابر بن يزيد الجعفيّ قال : سمعت جابر بن عبد الله الأنصاريّ يقول : لمّا نزلت (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ)

(مِنْكُمْ) قلت : يا رسول الله ، قد عرفنا الله ورسوله ، فمن أولي الأمر الّذين قرن طاعتهم بطاعتك؟

فقال ـ صلّى الله عليه وآله ـ : هم خلفائي ـ يا جابر ـ وأئمّة المسلمين بعدي.

أوّلهم عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام ـ ثمّ الحسن ، ثمّ الحسين ، ثمّ عليّ بن الحسين ،

__________________

(١) تأويل الآيات الباهرة ، مخطوط / ٤٩.

(٢) النساء / ٥٨.

(٣) المصدر : «المأمورين» بدل «ذلك للمأمورين».

(٤) نفس المصدر والموضع.

٤٥١

ثمّ محمّد بن عليّ المعروف في التّوراة بالباقر وستدركه ـ يا جابر ـ فإذا لقيته فأقرأه منّي السّلام ، ثمّ الصّادق جعفر بن محمّد ، ثمّ موسى بن جعفر ، ثمّ عليّ بن موسى ثمّ محمّد بن عليّ ، ثمّ عليّ بن محمّد ، ثمّ الحسن بن عليّ ، ثمّ سميّي وكنيي حجّة الله في أرضه وبقيّته على عباده ابن الحسن بن عليّ. ذاك الّذي يفتح الله ـ عزّ وجلّ ذكره ـ على يده مشارق الأرض ومغاربها. وذلك الّذي يغيب عن شيعته وأوليائه غيبة لا يثبت فيها على القول بإمامته إلّا من امتحن الله قلبه للإيمان.

قال جابر : فقلت : يا رسول الله ، فهل يقع لشيعته الانتفاع به في غيبته؟ فقال ـ صلّى الله عليه وآله ـ : إي والّذي بعثني بالنّبوّة إنّهم ليستضيئون (١) بنوره وينتفعون بولايته في غيبته كانتفاع النّاس بالشّمس وإن تجلّلها السّحاب ، يا جابر هذا مكنون سرّ الله ومخزون علم الله فاكتمه إلّا عن أهله.

(إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) : فإنّ الإيمان يوجب ذلك.

(ذلِكَ) ، أي : الرّدّ.

(خَيْرٌ) : لكم.

(وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) (٥٩) ، أي : عاقبة من تأويلكم بلا ردّ.

(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ) : في تفسير عليّ بن إبراهيم (٢) : نزلت في الزّبير بن العوّام [فإنّه] (٣) نازع رجلا من اليهود في (حديقة) فقال الزّبير : ترضى با ابن شيبة اليهوديّ؟ وقال اليهوديّ ترضى بمحمّد؟ فأنزل الله (٤).

قال البيضاويّ (٥) : عن ابن عبّاس أنّ منافقا خاصم يهوديّا ، فدعاه (٦) اليهوديّ إلى النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ ودعاه المنافق إلى كعب بن الأشرف. ثمّ أنّهما احتكما إلى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فحكم لليهوديّ ، فلم يرض المنافق [بقضائه] (٧)

__________________

(١) هكذا في المصدر. وفي النسخ : يستضيئون.

(٢) تفسير القمي ١ / ١٤١.

(٣) من المصدر.

(٤) ذكر في المصدر بعد هذه العبارة ، نفس الآية.

(٥) أنوار التنزيل ١ / ٢٢٦.

(٦) هكذا في المصدر. وفي النسخ : فدعى.

(٧) من المصدر.

٤٥٢

وقال : نتحاكم إلى عمر.

فقال اليهوديّ لعمر : قضى لي رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فلم يرض بقضائه ، وخاصم إليك.

فقال عمر للمنافق : أكذلك.

فقال : نعم.

فقال : مكانكما حتّى أخرج إليكما. فدخل فأخذ سيفه ، ثمّ خرج فضرب به عنق المنافق حتّى برد. وقال : هكذا أقضي لمن لم يرض بقضاء الله ورسوله. فنزلت.

وقال جبرئيل ـ عليه السّلام ـ : إنّ عمر فرق بين الحقّ والباطل فسمّي الفاروق (انتهى).

ولا يخفى أنّه لو صحّ هذا النقل ، لدلّ على أنّ من أراد المنافق التحاكم إليه هو الطاغوت ، وهو كعب بن الأشرف.

وفي روضة الكافي (١) : حميد بن زياد ، عن محمّد بن الحسن بن محمّد الكندي (٢) ، عن غير واحد من أصحابه ، عن أبان بن عثمان ، عن أبي جعفر الأحول والفضيل بن يسار ، عن زكريا النّقّاض عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : من رفع راية ضلالة فصاحبها طاغوت والحديث طويل ، أخذت منه موضع الحاجة.

وفي الكافي (٣) : محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين ، عن محمّد بن عيسى ، عن صفوان ، عن داود بن الحصين ، عن عمر بن حنظلة قال : سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن الرّجلين من أصحابنا يكون بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحاكما إلى السّلطان أو [إلى] (٤) القضاة ، أيحلّ ذلك؟

فقال : من تحاكم إلى الطّاغوت فحكم [له] (٥) فإنّما يأخذ سحتا وإن كان حقّه

__________________

(١) الكافي ٨ / ٢٩٧ ، ذيل حديث ٤٥٦ ، وأوّله في ص ٢٩٦.

(٢) المصدر : «الحسن بن محمّد الكنديّ». ولعله الصّواب ، لأنّ في كتب الرجال لا يوجد «محمّد بن الحسن بن محمّد الكنديّ».

والبتة كنية الكنديّ هذا «أبو محمد» ولا يخفى على المطلع على عادة العرب في الكنى أنّ كونه «أبا محمد» لا يستلزم أن يكون له ابن اسمه محمد ، فلا يقال رجل الذي ذكر في المتن يمكن أن يكون ابن المذكور في المصدر.

والله العالم. فراجع رجال النجاشي / ٤٠ ـ ٤٢ ، رقم ٨٤+ تنقيح المقال ١ / ٣٠٧ ـ ٣٠٨ ، رقم ٢٧٣٨.

(٣) نفس المصدر ٧ / ٤١٢ ، ح ٥.

(٤ و ٥) من المصدر.

٤٥٣

ثابتا. لأنّه أخذ بحكم الطّاغوت. وقد أمر الله أن يكفر به.

قلت (١) : كيف يصنعان؟

قال : انظروا إلى من كان منكم قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فارضوا به حكما. فإنّي قد جعلته عليكم حاكما. فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنّما بحكم الله قد استخفّ وعلينا ردّ. والرّادّ علينا الرّادّ على الله. وهو على حدّ الشّرك بالله.

(وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ) : وقرئ : بها. على أنّ الطّاغوت ، جمع.

لقوله : (أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ) (٢).

(وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً) (٦٠) : عن الحقّ ، لا يرجى معه الاهتداء إلى الصّواب.

(وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ) : وقرئ ، بضمّ اللام. على أنّه حذف لام الفعل تخفيفا ، ثمّ ضمّ اللام لواو الضّمير (٣).

(رَأَيْتَ الْمُنافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً) (٦١) : يحتمل رؤية البصر ، فيكون «يصدّون» حالا. ورؤية القلب ، فيكون مفعولا ثانيا. والصّدود ، مصدر. أو اسم للمصدر ، الّذي هو الصّدّ. والفرق بينه وبين السّدّ ، أنّه غير محسوس ، والسّد محسوس.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٤) ، هم أعداء آل محمّد كلّهم ، جرت فيهم هذه الآية.

(فَكَيْفَ) : يكون حالهم.

(إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ) : نالتهم من الله عقوبة.

(بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) : من التّحاكم إلى غيرك ، وعدم الرّضا بحكمك.

(ثُمَّ جاؤُكَ) : عطف على «أصابتهم» ، أو على «يصدّون». وما بينهما اعتراض.

(يَحْلِفُونَ بِاللهِ) : للاعتذار. حال من فاعل «جاء».

(إِنْ أَرَدْنا إِلَّا إِحْساناً) : وهو التّخفيف عنك.

(وَتَوْفِيقاً) (٦٢) : بين الخصمين ، ولم نرد مخالفتك.

__________________

(١) هكذا في المصدر. وفي النسخ : قيل.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٢٢٦.

(٣) نفس المصدر والموضع.

(٤) تفسير القمي ١ / ١٤٢.

٤٥٤

وقيل (١) : جاء أصحاب القتيل طالبين دمه ، وقالوا : ما أردنا بالتّحاكم إلى عمر إلّا أن يحسن إلى صاحبنا ، أو يوفّق بينه وبين خصمه.

(أُولئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللهُ ما فِي قُلُوبِهِمْ) : من النّفاق. فلا يغني عنهم الكتمان والحلف الكاذب من العقاب.

(فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ) ، أي : لا تعاقبهم لمصلحة في استبقائهم.

وفي روضة الكافي (٢) : عليّ بن إبراهيم ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن أبي جنادة الحصين بن مخارق بن عبد الرّحمن بن ورقاء بن حبشيّ بن جنادة السّلوليّ صاحب رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ عن أبي الحسن الأوّل ـ عليه السّلام ـ في قوله ـ عزّ وجلّ ـ : (أُولئِكَ الَّذِينَ) (الآية) (٣) فقد سبقت عليهم كلمة الشّقاء (٤) وسبق لهم (٥) العذاب. [(وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً)].(٦)

(وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ) : في شأن أنفسهم ، أو خاليا بهم. فإنّ النّصيحة في السّرّ أنجع.

(قَوْلاً بَلِيغاً) (٦٣) : يوغر فيهم ، كتخويفهم بالقتل والاستئصال إن ظهر منهم النّفاق ، والتّخويف بعذاب الله للمنافقين ، والوعد بالثّواب على الإخلاص.

والقول البليغ ، هو الّذي يطابق مدلوله المقصود.

وقيل (٧) : الظّرف ، أي : في أنفسهم ، متعلّق «ب بليغا» على معنى : بليغا في أنفسهم مؤثرا فيها. وفيه ضعف ، لأنّ معمول الصّفة لا يتقدم على موصوفها.

(وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللهِ) : بسبب إذنه في طاعته ، وأمر المبعوث إليهم بأن يطيعوه. من لم يرض بحكمه وما نصّ عليه فهو كافر وإن أظهر الإسلام وتكلّف أكثر شعائره ، لأنّه عدم رضا بما أمر الله وحكم به.

(وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) : بالنّفاق.

(جاؤُكَ) : خبر «أنّ» و «إذ» متعلّق به.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٢٢٧.

(٢) الكافي ٨ / ١٨٤ ، ح ٢١١.

(٣) ذكر في المصدر نفس الآية بدل «الآية».

(٤) هكذا في المصدر. وفي النسخ : الأشقياء.

(٥) هكذا في المصدر. وفي النسخ : عليهم.

(٦) من المصدر.

(٧) أنوار التنزيل ١ / ٢٢٧.

٤٥٥

(فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ) : بالتّوبة والإخلاص.

(وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ) : واعتذروا إليك ، حتّى انتصبت لهم شفيعا. وإنّما عدل عن الخطاب تفخيما لشأنه ، وتنبيها على أنّ حقّ الرّسول أن يقبل اعتذار التّائب وإن عظم جرمه ويشفع له ، ومن منصبه أن يشفع في كبائر الذّنوب.

(لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً) (٦٤) : لعلموه قابلا لتوبتهم ، متفضّلا عليهم بالرّحمة. وإن كان «وجد» بمعنى : صادف ، كان «توّابا» حالا و «رحيما» بدلا منه ، أو حالا آخر ، أو من الضّمير فيه.

وفي كتاب المناقب (١) ، لابن شهر آشوب : إسماعيل بن يزيد بإسناده ، عن محمّد بن عليّ ـ عليهما السّلام ـ أنّه قال : أذنب رجل ذنبا في حياة رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فتغيّب حتّى وجد الحسن والحسين ـ عليهما السّلام ـ. في طريق خال. فأخذهما فاحتملهما على عاتقيه (٢) وأتى بهما النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ. فقال : يا رسول الله إنّي مستجير بالله وبهما. فضحك رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ حتّى ردّ يده إلى فيه (٣). ثمّ قال للرّجل : اذهب وأنت طليق (٤). وقال للحسن والحسين : قد شفّعتكما فيه أي فتيان. فأنزل الله ـ تعالى ـ : (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً).

وفي الكافي (٥) : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ومحمّد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن صفوان وابن أبي عمير ، عن معاوية بن عمّار ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : إذا دخلت المدينة فاغتسل قبل أن تدخل أو حين تدخلها ، ثمّ تأتي قبر النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ إلى أن قال ـ عليه السّلام ـ : اللهمّ إنّك قلت : (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً) وإنّي أتيت نبيّك مستغفرا تائبا من ذنوبي ، وإنّي أتوجّه بك إلى الله ربّي وربّك ليغفر لي ذنوبي.

__________________

(١) مناقب آل أبي طالب ٣ / ٤٠٠.

(٢) هكذا في المصدر. وفي النسخ : عاتقه.

(٣) المصدر : فمه.

(٤) هكذا في المصدر. وفي النسخ : فأنت طلبتي.

(٥) الكافي ٤ / ٥٥٠ ـ ٥٥١ ، ح ١.

٤٥٦

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (١) : وقوله (٢) : (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ) ـ يا عليّ ـ (فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً) هكذا نزلت.

(فَلا وَرَبِّكَ) : أي : فو ربّك. و «لا» مزيدة لتأكيد القسم. وقيل (٣) «لا» لتظاهر «لا» في قوله : (لا يُؤْمِنُونَ) : وفيه ضعف. لأنّها تزاد في الإثبات أيضا ، كقوله (٤) : (لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ).

(حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ) : فيما اختلف بينهم واختلط. ومنه الشّجر ، لتداخل أغصانه واختلاطها.

(ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ) : ضيقا ممّا حكمت به. أو من حكمك. أو شكّا من أجله ، فإنّ الشّاكّ في ضيق من أمره.

(وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (٦٥) : وينقادوا لك بظاهرهم وباطنهم.

وفي أصول الكافي (٥) : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن أذينة ، عن زرارة أو بريد ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : لقد خاطب الله أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ في كتابه.

قال : قلت : في أيّ موضع؟

قال : في قوله : (وَلَوْ أَنَّهُمْ) وتلا إلى قوله : (حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ) فيما تعاقدوا عليه : لئن أمات الله محمّدا ـ صلّى الله عليه وآله ـ ألّا يردّوا هذا الأمر في بني هاشم (ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ) عليهم من القتل والعفو (وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً).

عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه (٦) ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، عن عبد الله بن يحيى الكاهليّ قال : قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ : لو أنّ قوما عبدوا الله وحده

__________________

(١) تفسير القمي ١ / ١٤٢.

(٢) يوجد في المصدر بعد «قوله» : (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ) فانّه حدّثني أبي ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن أذينة ، عن زرارة عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : ...

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٢٢٧.

(٤) البلد / ١.

(٥) الكافي ١ / ٣٩٧ ، ح ٧.

(٦) نفس المصدر ٢ / ٣٩٨ ، ح ٦.

٤٥٧

لا شريك له ، وأقاموا الصّلاة ، وآتوا الزّكاة ، وحجّوا البيت ، وصاموا شهر رمضان ، ثمّ قالوا لشيء صنعه الله أو صنعه النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ : ألا صنع خلاف الّذي صنع ، أو وجدوا ذلك في قلوبهم لكانوا بذلك مشركين. ثمّ تلا هذه الآية (١). ثمّ قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ فعليك بالتّسليم.

عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد البرقيّ (٢) ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، عن حمّاد بن عثمان ، عن عبد الله الكاهليّ قال : قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ وذكر مثله سواء.

وفيه (٣) : محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسين بن سعيد ، عن حمّاد بن عيسى ، عن الحسين بن المختار ، عن زيد الشّحّام ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : قلت له : إنّ عندنا رجلا يقال له : كليب. فلا يجيء عنكم شيء إلّا قال : أنا أسلّم ، فسمّيناه كليب تسليم. قال : فترحّم عليه. ثمّ قال : أتدرون ما التّسليم؟

فسكتنا. فقال : هو والله الإخبات. قول الله ـ عزّ وجلّ (٤) ـ : (الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ) ..

وفي كتاب التّوحيد (٥) بإسناده إلى عمرو بن شمر ، عن جابر بن يزيد الجعفيّ ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ حديث طويل ، يقول فيه ـ عليه السّلام ـ : و (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ) ..

قال جابر : يا ابن رسول الله ، وكيف لا يسأل عمّا يفعل؟

قال : لأنّه لا يفعل إلّا ما كان من حكمته صوابا. وهو المتكبّر الجبّار والواحد القهّار. فمن وجد في نفسه حرجا في شيء ممّا قضى الله فقد كفر. ومن أنكر شيئا من أفعاله جحد.

وفي كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة (٦) بإسناده إلى محمّد بن قيس ، عن ثابت الثّماليّ ، عن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام ـ في آخر حديث له :

__________________

(١) ذكر في المصدر ، بعد هذه العبارة ، نفس الآية.

(٢) نفس المصدر ١ / ٣٩٠ ، ح ٢.

(٣) نفس المصدر ١ / ٣٩٠ ـ ٣٩١ ، ح ٣.

(٤) هود / ٢٣.

(٥) التوحيد / ٣٩٧ ، ذيل حديث ١٣.

(٦) كمال الدين وتمام النعمة / ٣٢٣ ـ ٣٢٤ ، ضمن حديث ٨.

٤٥٨

انّ للقائم منّا غيبتين إحداهما أطول من الأخرى. أمّا الأولى فستّة أيّام أو ستّة أشهر أو ستّة سنين. وأمّا الأخرى فيطول أمرها حتّى يرجع عن هذا الأمر أكثر من يقول به.

فلا يثبت عليه إلّا من قوي يقينه وصحّت معرفته ولم يجد في نفسه حرجا ممّا قضينا وسلّم لنا أهل البيت.

وبهذا الإسناد قال (١) : قال عليّ بن الحسين ـ عليهما السّلام ـ أنّه قال (٢) : إنّ دين الله ـ عزّ وجلّ ـ لا يصاب بالعقول النّاقصة والآراء الباطلة والمقائيس الفاسدة. ولا يصاب إلّا بالتّسليم. فمن سلّم لنا سلم. ومن اقتدى بنا هدي. ومن دان بالقياس (٣) والرّأي هلك. ومن وجد في نفسه شيئا ممّا نقوله أو نقضي به حرجا كفر بالّذي أنزل السّبع المثاني والقرآن العظيم وهو لا يعلم.

وفي كتاب الاحتجاج (٤) ، للطّبرسيّ ـ رحمه الله ـ ، عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ حديث طويل ، وفيه : وليس كلّ من أقرّ ـ أيضا ـ من أهل القبلة بالشّهادتين كان مؤمنا. إنّ المنافقين كانوا يشهدون أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا رسول الله ، ويدفعون عهد رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ بما عهد به من دين الله وعزائمه وبراهين نبوّته إلى وصيّه ، ويضمرون من الكراهية (٥) لذاك والنّقض لما أبرمه منه عند إمكان الأمر لهم فيما قد بيّنه الله ـ تعالى ـ لنبيّه بقوله : (فَلا وَرَبِّكَ) وتلا إلى قوله :

(وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً).

(وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) : قيل (٦) : تعرّضوا بها للقتل بالجهاد. أو اقتلوها كما قتل بنو إسرائيل.

و «أن» مصدريّة. أو مفسّرة. لأنّ كتبنا في معنى : أمرنا.

(أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ) خروجهم.

وقرأ أبو عمرو ويعقوب : «أن اقتلوا» بكسر النّون على التّحريك. و «أو اخرجوا» بضمّ الواو للاتّباع ، والتّشبيه بواو الجمع في نحو : ولا تنسوا الفضل.

__________________

(١) نفس المصدر / ٣٢٤ ، ح ٩.

(٢) ليس في المصدر.

(٣) المصدر : «ومن كان يعمل بالقياس» بدل «ومن دان بالقياس».

(٤) الاحتجاج ١ / ٣٦٩.

(٥) المصدر : الكراهة.

(٦) أنوار التنزيل ١ / ٢٢٧.

٤٥٩

وقرأ نافع وحمزة ، بكسرها ، على الأصل. والباقون ، بضمّها ، إجراء لهما مجرى الهمزة المتّصلة بالفعل (١).

(ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ) : توبيخ لهم. والضّمير للمكتوب ، المدلول عليه بقوله : «كتبنا». أو لأحد مصدري الفعلين.

وقرأ ابن عامر ، بالنّصب ، على الاستثناء. أو على إلّا فعلا قليلا (٢).

(وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ) : من مطاوعة الرّسول ، وما يقوله طوعا ورغبة.

(لَكانَ خَيْراً لَهُمْ) : في العاجل والآجل.

(وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً) (٦٦) : لإيمانهم. ونصبه على التّمييز.

قال البيضاوي (٣) : والآية ـ أيضا ـ نزلت في شأن المنافق واليهوديّ.

وقيل (٤) إنّها والّتي قبلها نزلتا في حاطب بن أبي بلتعة ، خاصم زبيرا في شراج من الحرّة كانا يسقيان بها النّخل ، فقال ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ : اسق يا زبير ثمّ أرسل الماء إلى جارك.

فقال حاطب : لأن كان ابن عمّتك.

فقال ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ : اسق يا زبير ثمّ احبس الماء إلى الجدر واستوف حقّك ثمّ أرسله إلى جارك.

وفي روضة الكافي (٥) : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عليّ بن أسباط ، عن عليّ بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ : و (لَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) وسلّموا للإمام تسليما (أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ) رضا له ما فعلوه إلا قليلا منهم ولو أنّ أهل الخلاف فعلوا ما يوعطون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا وفي هذه الآية : (ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ) من أمر الوالي (وَيُسَلِّمُوا) لله الطّاعة (تَسْلِيماً) ..

وفي أصول الكافي (٦) : أحمد بن مهران ، عن عبد العظيم بن بكّار ، عن جابر ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : هكذا نزلت هذه الآية : «ولو أنّهم فعلوا ما يوعظون به في عليّ ـ عليه السّلام ـ لكان خيرا لهم».

__________________

(١) نفس المصدر ١ / ٢٢٧ ـ ٢٢٨.

(٢ و ٣ و ٤) نفس المصدر ١ / ٢٢٨.

(٥) الكافي ٨ / ١٨٤ ، ح ٢١٠.

(٦) نفس المصدر ١ / ٤٢٤ ، ح ٦٠.

٤٦٠