تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٣

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي


المحقق: حسين درگاهى
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٠٣

(كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ) : وعد ووعيد ، للمصدّق والمكذّب.

وقرئ : «ذائقة الموت» بالنّصب مع التّنوين ، وعدمه (١).

وفي تفسير العيّاشيّ (٢) : عن زرارة ، عن الباقر ـ عليه السّلام ـ أنّه قال : قلت : فإنّ الله يقول (٣) : (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ) من قتل لم يذق الموت (٤).

قال : لا بدّ أن يرجع حتّى يذوق الموت.

عن محمّد بن يونس (٥) ، عن بعض أصحابنا قال : قال لي أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ : «كلّ نفس ذائقة الموت أو منشورة» نزل بها على محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ أنّه ليس أحد من هذه الأمّة إلّا وينشرون (٦) ، فاما المؤمنون فينشرون إلى قرّة عين ، وأمّا الفجّار فينشرون إلى خزي الله إيّاهم.

وفي الكافي (٧) : محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة بن أيّوب ، عن أبي المغرا قال : حدّثني يعقوب الأحمر قال : دخلنا على أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ نعزّيه بإسماعيل ، فترحّم عليه.

ثمّ قال : إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ نعى إلى نبيّه نفسه ، فقال (٨) : (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) و [قال :] (٩) (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ) [ثمّ أنشأ يحدّث] (١٠) فقال : إنّه يموت أهل الأرض حتّى لا يبقى أحد [، ثم يموت أهل السّماء حتّى لا يبقى أحد ،] (١١) إلّا ملك الموت وحملة العرش وجبرئيل وميكائيل ـ عليهم السّلام ـ.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ١٩٦.

(٢) تفسير العياشي ١ / ٢١٠ ، ح ١٧٠.

(٣) المصدر : «قال : قال لي أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ» بدل «عن الباقر ـ عليه السّلام ـ أنّه قال : قلت : فانّ الله يقول».

(٤) المصدر : «لم يذق الموت من قتل و» بدل «من قتل لم يذق الموت». في عبارات المصدر ، قائل القولين أبو جعفر ـ صلوات الله عليه ـ وفي عبارات النسخ ، قائل القول الأوّل زرارة والثاني أبو جعفر ـ عليه السّلام. والله العالم.

(٥) هكذا في المصدر. وفي النسخ : محمّد عن يونس. والحديث في نفس المصدر والموضع ، رقم ١٦٩.

(٦) المصدر : سينشرون.

(٧) الكافي ٣ / ٢٥٦ ، ح ٢٥.

(٨) الزمر / ٣٠.

(٩ و ١٠ و ١١) من المصدر.

٢٨١

قال : فيجيء ملك الموت حتّى يقوم بين يدي الله ـ عزّ وجلّ ـ فيقال له : من بقي؟

وهو أعلم.

فيقول : يا ربّ ، لم يبق إلّا ملك الموت وحملة العرش وجبرئيل وميكائيل.

فيقال له : قل لجبرئيل وميكائيل : فليموتا.

فيقول الملائكة عند ذلك : يا ربّ ، رسولاك (١) وأميناك (٢).

فيقول : إنّي قل قضيت على كلّ نفس فيها الرّوح الموت.

ثمّ يجيء ملك الموت حتّى يقف بين يدي الله ـ عزّ وجلّ ـ فيقال له : من بقي؟ وهو أعلم.

فيقول : يا ربّ ، لم يبق إلّا ملك الموت وحملة العرش.

فيقول : [قل] (٣) لحملة العرش : فليموتوا.

قال : ثمّ يجيء كئيبا حزينا لا يرفع طرفه ، فيقال : من بقي؟ وهو أعلم (٤).

فيقول : يا رب ، لم يبق إلّا ملك الموت.

فيقال له : مت ، يا ملك الموت.

ثمّ يأخذ الأرض بيمينه ، والسّموات بيمينه ، ويقول : أين الّذين كانوا يدعون معي شريكا؟ أين الّذين كانوا يجعلون معي إلها آخر؟

(وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ) : تعطون جزاء أعمالكم خيرا كان أو شرّا ، تامّا وافيا ، (يَوْمَ الْقِيامَةِ) : يوم قيامكم عن القبور. ولفظ التّوفية ، يشعر بأنّه قد يكون قبلها بعض الأجور ، كما يدلّ عليه أخبار ثواب القبر وعذابه.

(فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ) : بعد عنها.

والزّحزحة في الأصل ، تكرير الزّحّ ، وهو الجذب بعجلة.

(وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ) : بالنّجاة ، ونيل المراد.

والفوز ، الظّفر بالبغية.

في أمالي الصّدوق (٥) : بإسناده إلى النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ قال حاكيا عن

__________________

(١) المصدر : رسوليك.

(٢) المصدر : أمينيك.

(٣) من المصدر.

(٤) «وهو أعلم» ليس في المصدر.

(٥) أمالي الصدوق / ١٨٣ و ١٨٤ ، ضمن حديث ١٠.

٢٨٢

الله ـ جلّ جلاله ـ فبعزتي حلفت ، وبجلالي أقسمت ، إنّه لا يتولّى عليّا عبد من عبادي إلّا زحزحته عن النّار وأدخلته الجنّة ، ولا يبغضه عبد من عبادي ويعدل عن ولايته إلّا أبغضته وأدخلته النّار وبئس المصير.

[والحديث طويل ، أخذت منه موضع الحاجة] (١).

وفي الكافي (٢) : سهل بن زياد ، عمّن حدّثه ، عن جميل بن درّاج قال : سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول : خياركم سمحاؤكم ، وشراركم بخلاؤكم ، ومن خالص الإيمان البرّ بالإخوان والسّعي في حوائجهم ، وإنّ البارّ بالإخوان ليحبّه الرّحمن ، وفي ذلك مرغمة للشّيطان ، وتزحزح عن النّيران (٣) ودخول الجنان.

والحديث طويل ، أخذت منه موضع الحاجة.

[وفيه (٤) : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : لمّا مات النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ سمعوا أصواتا ولم يروا (٥) شخصا ، يقول : (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ).

وقال (٦) : إنّ في الله خلفا من كلّ هالك ، وعزاء من كلّ مصيبه ، ودركا ممّا فات ، فبالله فثقوا ، وإيّاه فأرجوا ، وانّما المحروم من حرم الثّواب].(٧)

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٨) : حدّثني أبي ، عن سليمان الدّيلميّ ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : إذا كان يوم القيامة يدعى محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ فيكسى حلّة ورديّة ثمّ يقام عن يمين العرش ، ثمّ يدعى بإبراهيم ـ عليه السّلام ـ فيكسى حلّة بيضاء فيقام عن يسار العرش ، ثمّ يدعى بعليّ [أمير المؤمنين] (٩) ـ عليه السّلام ـ فيكسى حلّة ورديّة فيقام عن (١٠) يمين النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ ثمّ يدعى بإسماعيل

__________________

(١) ليس في أ.

(٢) الكافي ٤ / ٤١ ، ح ١٥.

(٣) هكذا في المصدر. وفي النسخ : «رغمه الشيطان ومن زحزح عن النيران» بدل «مرغمة للشّيطان وتزحزح عن النيران».

(٤) نفس المصدر ٣ / ٢٢١ ، ح ٤.

(٥) هكذا في المصدر. وفي الأصل : لم ير.

(٦) هكذا في المصدر. وفي الأصل : فقال.

(٧) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٨) تفسير القمي ١ / ١٢٨.

(٩) من المصدر.

(١٠) المصدر : على.

٢٨٣

فيكسى حلّة بيضاء فيقام عن (١) يسار إبراهيم ، ثمّ يدعى بالحسن (٢) فيكسى حلّة ورديّة فيقام عن (٣) يمين أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ ثمّ يدعى بالحسين ـ عليه السّلام ـ فيكسى حلّة ورديّة فيقام عن (٤) يمين الحسن ، ثمّ يدعى بالأئمّة فيكسون حللا (٥) ورديّة فيقام (٦) كلّ واحد عن (٧) يمين صاحبه ، ثمّ يدعى بالشّيعة فيقومون أمامهم ، ثمّ يدعى بفاطمة ـ صلوات الله عليها ـ ونسائها من ذرّيّتها وشيعتها فيدخلون الجنّة بغير حساب.

[ثمّ] (٨) ينادي مناد ـ من بطنان العرش من قبل ربّ العزّة والأفق الأعلى ـ : نعم الأب أبوك يا محمّد وهو إبراهيم ، ونعم الأخ أخوك وهو عليّ بن أبي طالب ، ونعم السّبطان سبطاك وهما الحسن والحسين ، ونعم الجنين جنينك وهو محسن ، ونعم الأئمّة الرّاشدون [من] (٩) ذرّيّتك وهم فلان وفلان ، ونعم الشّيعة شيعتك ، ألا إنّ محمّدا ووصيّه وسبطيه والأئمّة من ذرّيّته هم الفائزون. ثمّ يؤمر بهم إلى الجنّة ، وذلك قوله : فمن زحزح عن النّار وادخل الجنّة فقد فاز.

(وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا) ، أي : لذّاتها وزخارفها ، (إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ) (١٨٥) : مصدر ، أو جمع غار. شبّهها بالمتاع الّذي يدلّ به على المستام ويغرّ حتّى يشتريه.

[وفي الكافي (١٠) : محمّد بن يحيى ، عن سلمة بن الخطّاب ، عن سليمان بن سماعة ، عن الحسين بن المختار ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : لمّا قبض رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ جاءهم جبريل ـ عليه السّلام ـ والنّبيّ مسجّى ، وفي البيت [عليّ و] (١١) فاطمة والحسن والحسين ـ عليهم السّلام ـ فقال : السّلام عليكم يا أهل بيت الرّحمة (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ) إنّ في الله ـ عزّ وجلّ ـ عزاء من كلّ مصيبّة ، وخلفا من كلّ هالك ، ودركا لما فات ، فبالله فثقوا ، وإيّاه فأرجو ، فإنّ المصاب من حرم

__________________

(١) المصدر : على.

(٢) هكذا في المصدر. وفي النسخ : الحسن.

(٣ و ٤) المصدر : على.

(٥) هكذا في المصدر. وفي النسخ : حلالا.

(٦) المصدر : ويقام.

(٧) المصدر : على.

(٨) من المصدر.

(٩) من المصدر.

(١٠) الكافي ٣ / ٢٢١ ، ح ٥.

(١١) من المصدر.

٢٨٤

الثّواب ، هذا آخر وطء من الدّنيا.

قالوا : فسمعنا الصّوت ولم نر الشّخص.

عنه (١) ، عن سلمة ، عن عليّ بن سيف ، عن أبيه ، عن أبي أسامة زيد الشّحّام ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : لمّا قبض رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ جاءت التّعزية ، أتاهم آت يسمعون حسّه ولا يرون شخصه ، فقال : السّلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ) إنّ (٢) في الله ـ عزّ وجلّ ـ عزاء من كلّ مصيبة ، وخلفا (٣) من كلّ هالك ، ودركا (٤) لما فات ، فبالله فثقوا ، وإيّاه فارجوا ، فإنّ المحروم من حرم الثّواب ، والسّلام عليكم.

عنه (٥) ، عن سلمة ، عن محمّد بن عيسى الأرمنيّ ، عن الحسين بن علوان ، عن عبد الله بن الوليد ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : لمّا قبض رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ أتاهم آت فوقف بباب البيت فسلّم عليهم ، ثمّ قال : السّلام عليكم يا آل محمّد (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ) في الله خلف من كلّ هالك ، وعزاء من كلّ مصيبة ، ودرك لما فات ، فبالله فثقوا ، وعليه فتوكّلوا ، وبنصره لكم عند المصيبة فارضوا ، فانّما (٦) المصاب من حرم الثّواب ، والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، ولم يروا أحدا.

فقال بعض من في البيت : هذا ملك من السّماء بعثه الله ـ عزّ وجلّ ـ إليكم ليعزّيكم.

وقال بعضهم : هذا الخضر ـ عليه السّلام ـ جاءكم يعزّيكم بنبيّكم ـ صلّى الله عليه وآله ـ].(٧)

(لَتُبْلَوُنَ) ، أي : والله لتختبرنّ ، (فِي أَمْوالِكُمْ) : بتكليف الإنفاق ، وما يصيبها من الآفات ،

__________________

(١) نفس المصدر ٣ / ٢٢١ ـ ٢٢٢ ، ح ٦.

(٢) ليس في المصدر.

(٣) المصدر : خلف.

(٤) المصدر : درك.

(٥) نفس المصدر ٣ / ٢٢٢ ، ح ٨.

(٦) النسخ : فانّ.

(٧) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

٢٨٥

(وَأَنْفُسِكُمْ) : بالجهاد والقتل والأسر والجراح ، وما يرد عليها من المخاوف والأمراض والمتاعب.

وفي عيون الأخبار (١) : في باب ما كتب به الرّضا ـ عليه السّلام ـ إلى محمّد بن سنان ، في جواب مسائله في العلل : وعلّة الزّكاة من أجل قوت الفقراء وتحصين أموال الأغنياء ، لأنّ الله ـ تعالى ـ كلّف أهل الصّحّة القيام بشأن أهل الزّمانة والبلوى ، كما قال ـ عزّ وجلّ ـ : (لَتُبْلَوُنَّ [فِي أَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ)] (٢) في أموالكم بإخراج الزّكاة ، وفي أنفسكم بتوطين الأنفس على الصّبر.

(وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً) :

من هجاء الرّسول ، والطّعن في الدّين ، وإغراء الكفرة على المسلمين. أخبرهم بذلك قبل وقوعها ، ليوطّنوا أنفسهم على الصّبر والاحتمال ، ويستعدّوا للقائها ، حتّى لا يرهقهم نزولها.

[وفي تفسير فرات بن إبراهيم (٣) الكوفيّ : قال حدّثنا الحسين بن الحكم معنعنا ، عن ابن عبّاس ـ رضى الله عنه في يوم أحد في قوله : (وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً) نزلت في رسول الله خاصّة ، (وفي أهل بيته خاصة) (٤)].(٥) (وَإِنْ تَصْبِرُوا) : على ذلك ، (وَتَتَّقُوا) : مخالفة أمر الله ، (فَإِنَّ ذلِكَ) ، يعني : الصّبر والتّقوى ، (مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) (١٨٦) : من معزومات الأمور ، الّتي يجب العزم عليها. أو ممّا عزم الله عليه ، أي : أمر به وبالغ فيه.

و «العزم» في الأصل ، ثبات الرّأي على الشيء نحو إمضائه.

وفي تفسير العيّاشيّ (٦) : عن أبي خالد الكابليّ قال : قال عليّ بن الحسين ـ عليه السّلام ـ : لوددت أنّه أذن لي فكلّمت النّاس ثلاثا ، ثمّ صنع الله بي ما أحبّ

__________________

(١) عيون أخبار الرضا ٢ / ٨٩.

(٢) من المصدر.

(٣) تفسير فرات / ١٩ ، ضمن حديث.

(٤) من المصدر ، مع ضعف الأسلوب بتكرار كلمة «خاصّة».

(٥) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٦) تفسير العياشي ١ / ٢١٠ ، ح ١٧١.

٢٨٦

ـ قال بيده على صدره ـ ثمّ قال : ولكنّها عزمة من الله أن نصبر ، ثمّ تلا هذه الآية : [(وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ)] (١) وأقبل يرفع يده ويضعها على صدره.

(وَإِذْ أَخَذَ اللهُ) : أي ، اذكر وقت أخذه ، (مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) : يريد به العلماء ، (لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ) : حكاية لمخاطبتهم.

وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم ـ في رواية ابن عيّاش ـ بالياء ، لأنّهم غيّب.

و «اللّام» جواب القسم ، الّذي ناب عنه قوله : (أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ الَّذِينَ) والضّمير ، للكتاب (٢). والمراد بيان ما فيه من نعت محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ.

(فَنَبَذُوهُ) ، أي : الميثاق ، (وَراءَ ظُهُورِهِمْ) : فلم يراعوه ، ولم يلتفتوا إليه.

والنّبذ وراء الظّهر ، مثل في ترك الاعتداد وعدم الالتفات. ونقيضه ، جعله نصب عينيه ، وإلقاؤه بين عينيه.

(وَاشْتَرَوْا بِهِ) : وأخذوا بدله.

(ثَمَناً قَلِيلاً) : من حطام الدّنيا ، وأعراضها.

(فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ) (١٨٧) : ما يختارون لأنفسهم.

في تفسير عليّ بن إبراهيم (٣) : وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في قوله : (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ [مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ) و] (٤) ذلك [أنّ الله أخذ ميثاق الذين أوتوا الكتاب] (٥) في محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ إذا خرج [(لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ]) (٦) ([وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ) يقول : نبذوا عهد الله وراء ظهورهم (وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ)] (٧)

وفي مجمع البيان (٨) : عن عليّ ـ عليه السّلام ـ قال : ما أخذ الله على أهل الجهل أن يتعلّموا ، حتّى أخذ على أهل العلم أن يعلّموا.

__________________

(١) من المصدر.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ١٩٧.

(٣) تفسير القمي ١ / ١٢٨.

(٤ و ٥ و ٦) من المصدر.

(٧) ليس في أ.

(٨) مجمع البيان ١ / ٥٥٢.

٢٨٧

وفي كتاب الاحتجاج (١) : عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ حديث طويل ، يقول فيه ـ وقد ذكر أعداء رسول الله الملحدين في آيات الله ـ : ولقد أحضروا الكتاب كملا ، مشتملا على التّأويل والتّنزيل ، والمحكم والمتّشابه ، والنّاسخ والمنسوخ ، ولم يسقط منه حرف لا الألف ولا لام ، فلمّا وقفوا على ما بيّنه الله من أسماء أهل الحقّ والباطل ، وأنّ ذلك إن ظهر نقض (٢) ما عقدوه قالوا : لا حاجة لنافيه ، نحن مستغنون عنه بما عندنا. ولذلك (٣) قال : (فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ).

ثمّ دفعهم الاضطرار بورود المسائل عليهم ، ممّا (٤) لا يعلمون تأويله إلى جمعه.

وتأويله وتعظيمه من تلقائهم ما يقيمون به دعائم (٥) كفرهم ، فصرخ مناديهم : من كان عنده شيء من القرآن ، فليأتنا به. ووكّلوا تأليفه ونظمه (٦) إلى بعض من وافقهم على معاداة أولياء الله ، فألّفه على اختيارهم [وما يدلّ للمتأمّل له على اختلال تمييزهم وافترائهم ،] (٧) وتركوا منه ما قدّروا أنّه لهم وهو عليهم ، وزادوا [فيه] (٨) ما ظهر تناكره وتنافره [، وعلم الله أنّ ذلك يظهر ويبيّن فقال : (ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ)] (٩) وانكشف لأهل الاستبصار عوارهم (١٠) وافتراؤهم.

(لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا) : يعجبون بما فعلوا من التّدليس ، وكتمان الحقّ. أو من الطّاعات والحسنات. والخطاب للرسول. ومن ضمّ الباء ، جعل الخطاب له وللمؤمنين. والمفعول الأوّل «الّذين يفرحون».

وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر ، بالياء وفتح الباء فيه ، وضمّ الباء في الآتي ، على أنّ «الّذين» فاعل ، ومفعولاه محذوفان ، يدلّ عليهما مفعولا مؤكّده وهو «يحسبهم» الثّاني ، والمفعول الأوّل محذوف ، والثّاني تأكيد للفعل وفاعله ومفعوله الأوّل (١١).

(وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا) من الوفاء بالميثاق ، وإظهار الحقّ ، والإخبار

__________________

(١) الاحتجاج ١ / ٣٨٣.

(٢) المصدر : نقص.

(٣) المصدر : كذلك.

(٤) المصدر : عمّا.

(٥) هكذا في المصدر. وفي النسخ : ادّعائهم.

(٦) هكذا في المصدر. وفي النسخ : تنظيمه.

(٧ و ٨ و ٩) من المصدر.

(١٠) هكذا في المصدر. وفي الأصل وأ : «إغواءهم» وفي ر : «اغراءهم».

(١١) أنوار التنزيل ١ / ١٩٨.

٢٨٨

بالصّدق. أو كلّ خير ، (فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ) ، أي فائزين بفوز ونجاة منه.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (١) : عن أبي الجارود ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ أنّه (٢) يقول : ببعيد من العذاب.

وهو حاصل المعنى.

(وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (١٨٨) : بكفرهم وتدليسهم.

قيل (٣) : إنّه ـ عليه السّلام ـ سأل اليهود عن شيء ممّا في التّوراة ، فأخبروه بخلاف ما كان فيه وأروه أنّهم قد صدقوا (٤) وفرحوا بما فعلوا. فنزلت.

وقيل (٥) : نزلت في قوم تخلّفوا عن الغزو ، ثمّ اعتذروا بأنّهم رأوا المصلحة في التّخلّف واستحمدوا به.

وقيل (٦) : نزلت في المنافقين ، فإنّهم يفرحون بمنافقتهم ، ويستحمدون إلى المسلمين بإيمان (٧) لم يفعلوه على الحقيقة.

والصّواب ، أنّ الآية نزلت فيما رواه أبو الجارود ، عن الباقر ـ عليه السّلام (٨) ـ وجرت في غيرهم.

(وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) : فهو يملك أمرهم.

(وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (١٨٩) : فيقدر على عقابهم.

وقيل (٩) : هو ردّ لقولهم : إنّ الله فقير.

(إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ) (١٩٠) : لدلائل واضحة على وجود الصّانع ووحدته ، وكمال علمه وقدرته لذوي ، العقول المجلوّة الخالصة عن شوائب الحسّ والوهم.

__________________

(١) تفسير القمي ١ / ١٢٩.

(٢) المصدر : «قوله : ولا تحسبنّهم بمفازة من العذاب» بدل «أنّه».

(٣) أنوار التنزيل ١ / ١٩٨.

(٤) المصدر : صدقوه.

(٥) نفس المصدر والموضع.

(٦) نفس المصدر والموضع.

(٧) المصدر : بالإيمان

(٨) تفسير القمي ١ / ١٢٩.

(٩) أنوار التنزيل ١ / ١٩٨.

٢٨٩

وفي مجمع البيان (١) : وقد اشتهرت الرّواية عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ لمّا نزلت هذه الآية (٢) قال : ويل لمن لاكها بين فكّيه ، ولم يتأمّل ما فيها.

قيل (٣) : ولعلّ الاقتصار على [هذه] (٤) الثّلاثة في [هذه] (٥) الآية ، لأنّ مناط الاستدلال [هو] (٦) التغيّر ، وهذه متعرّضه لجملة (٧) أنواعه ، فإنّه إمّا أن يكون في ذات الشيء كتغيّر اللّيل والنّهار ، أو جزئه كتغيّر العناصر بتبدّل (٨) صورها ، أو الخارج عنه كتغيّر (٩) الأفلاك بتبدّل أوضاعها.

[وفي تهذيب الأحكام (١٠) : محمّد بن عليّ بن محبوب ، عن العبّاس بن معروف ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن معاوية بن وهب قال : سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول ـ وذكر صلاة النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ قال : كان يؤتى بطهور فيخمر عند رأسه ويوضع سواكه تحت فراشه ثمّ ينام ما شاء الله ، فإذا استيقظ جلس ، ثمّ قلّب بصره في السّماء ، ثمّ تلا الآيات من : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ)] (١١) (الآية) ثمّ يستنّ ويتطهّر ، ثمّ يقوم إلى المسجد فيركع أربع ركعات على قدر قراءته ركوعه ، وسجوده على قدر ركوعه ، يركع حتّى يقال : متى يرفع رأسه ، ويسجد حتّى يقال : متى يرفع رأسه ، ثمّ يعود إلى فراشه فينام ما شاء الله ، ثمّ يستيقظ فيجلس فيتلوا الآيات من ويقلّب (١٢) بصره في السّماء ، ثمّ يستنّ ويتطهّر ويقوم إلى المسجد فيصلّي أربع ركعات كما ركع قبل ذلك ، ثمّ يعود إلى فراشه فينام ما شاء الله ، ثمّ يستيقظ فيجلس فيتلو الآيات من ويقلّب بصره في السّماء ، ثمّ يستنّ ويتطهّر ويقوم إلى المسجد فيوتر ويصلّي الرّكعتين ، ثمّ يخرج إلى الصّلاة].(١٣)

(الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ) ، أي : يذكرون الله على جميع

__________________

(١) مجمع البيان ١ / ٥٥٤.

(٢) المصدر : الآيات.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ١٩٨.

(٤ و ٥ و ٦) من المصدر.

(٧) هكذا في المصدر. وفي النسخ : بجملة.

(٨) هكذا في المصدر. وفي النسخ : تبدل.

(٩) هكذا في المصدر. وفي النسخ : كتبدل.

(١٠) تهذيب الأحكام ٢ / ٣٣٤ ، ح ١٣٧٧.

(١١) من المصدر.

(١٢) هكذا في المصدر. وفي النسخ : «فيقلّب» بدل «من ويقلّب».

(١٣) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

٢٩٠

الأحوال ، قائمين وقاعدين ومضطجعين.

وفي الكافي (١) : عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ قال : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : من أكثر ذكر الله أحبّه الله.

وفي كتاب معاني الأخبار (٢) : خطبة لعليّ ـ عليه السّلام ـ يذكر فيها نعم الله يقول فيها : وأنا الذّاكر ، يقول الله ـ عزّ وجلّ ـ (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ).

أو يصلّون على الهيئات الثّلاث حسب طاقتهم.

وفي الكافي (٣) : عليّ ، عن أبيه ، عن ابن محبوب ، عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ (الآية) (٤) قال : الصّحيح يصلّي قائما وقعودا ، المريض يصلي جالسا ، (وَعَلى جُنُوبِهِمْ) الّذي يكون أضعف من المريض الّذي يصلّي جالسا.

وفي أمالي شيخ الطّائفة (٥) : بإسناده إلى الباقر ـ عليه السّلام ـ قال : لا يزال المؤمن في صلاة ما كان في ذكر الله ، قائما كان أو جالسا أو مضطجعا ، إنّ الله ـ تعالى ـ يقول : الّذين (الآية) (٦).

(وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) : استدلالا واعتبارا ، وهو أفضل العبادات.

في الكافي (٧) : عن (الصّادق) ـ عليه السّلام ـ : أفضل العبادة إدمان التّفكّر في الله ، وفي قدرته.

وعنه ـ عليه السّلام (٨) ـ قال : كان أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ يقول : نبّه بالتّفكّر قلبك ، وجاف عن اللّيل جنبك ، واتّق الله ربّك.

وعن الرّضا ـ عليه السّلام (٩) ـ : ليس العبادة كثرة الصّلاة والصّوم ، إنّما العبادة

__________________

(١) الكافي ٢ / ٤٩٩ ، ح ٣. وللحديث ذيل. وفيه : عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام.

(٢) معاني الأخبار / ٥٩ ، ضمن حديث ٩.

(٣) الكافي ٣ / ٤١١ ، ح ١١.

(٤) ذكر في المصدر بدل «الآية» نصّها : (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ).

(٥) أمالي الطوسي ١ / ٧٧.

(٦) ذكر في المصدر الآية إلى آخرها.

(٧) الكافي ٢ / ٥٥ ، ح ٣. وفيه عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام.

(٨) نفس المصدر ٢ / ٥٤ ، ح ١. ـ

(٩) نفس المصدر ٢ / ٥٥ ، ح ٤. وفيه : عن معمّر بن خلاد ، قال : سمعت أبا الحسن الرضا ـ عليه السّلام ـ يقول : ...

٢٩١

التّفكّر في أمر الله.

وعن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله (١) ـ : تفكّر ساعة خير من قيام ليلة.

وفي رواية : من عبادة سنة (٢).

وفي أخرى ستيّن سنة (٣).

وإنّما اختلفت لاختلاف مراتب التّفكّر ، ودرجات المتفكّرين ، وأنواع المتفكّر فيه.

وفي عيون الأخبار (٤) : في باب ما جاء عن الرّضا ـ عليه السّلام ـ من الأخبار في التّوحيد ، حديث طويل ، يقول فيه ـ عليه السّلام ـ لمّا نظرت إلى جسدي ، فلم يمكّنني (٥) فيه (٦) زيادة ولا نقصان في العرض والطّول (٧) ودفع المكاره عنه وجرّ المنفعة إليه ، علمت أنّ لهذا البنيان بانيا ، فأقررت به ، مع ما أرى من دوران الفلك بقدرته ، وإنشاء السّحاب ، وتصريف الرّياح ، ومجرى الشّمس والقمر والنّجوم ، وغير ذلك من الآيات العجيبات المتقنات ، علمت أنّ لهذا مقدّرا ومنشئا.

(رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً) : على إرادة القول ، أي : يتفكّرون قائلين ذلك.

والمشار إليه «بهذا» المتفكّر فيه. أو الخلق ، على أنّه أريد به المخلوق من السّموات والأرض.

أو إليهما ، لأنّهما في معنى المخلوق.

والمعنى ، ما خلقته عبثا ضائعا من غير حكمة ، بل خلقته لحكم عظيمة.

(سُبْحانَكَ) تنزيها لك عن العبث ، وخلق الباطل. وهو اعتراض.

(فَقِنا عَذابَ النَّارِ) (١٩١) : للإخلال بالنّظر فيه ، والقيام بما يقتضيه. وفائدة

__________________

(١) المحاسن / ٢٦ ، ضمن حديث ٥.

(٢) تفسير العياشي ٢ / ٢٠٨ ، ح ٢٦ ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام.

(٣) كذا أوردها في الصافي ١ / ٤٠٩ ولكن لم نعثر على مصدر لها.

(٤) عيون أخبار الرضا ـ عليه السّلام ـ ١ / ١٣٢ ، ضمن حديث ٢٨.

(٥) المصدر : يمكنّي (يمكنن خ ل)

(٦) ليس في المصدر.

(٧) المصدر : طول.

٢٩٢

الفاء ، هي الدّلالة على أنّ علمهم بما لأجله خلقت السّموات والأرض حملهم على الاستعاذة.

[وفي مجمع البيان (١) : روى الثّعلبيّ في تفسيره ـ بإسناده ـ عن محمّد بن الحنفيّة ، عن أبيه (٢) عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام ـ : أن رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ كان إذا قام من اللّيل استاك (٣) ، ثمّ ينظر إلى السّماء ، ثمّ يقول : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ـ إلى قوله ـ : (فَقِنا عَذابَ النَّارِ)].(٤)

(رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ) : غاية الإخزاء. ونظيره قولهم : من أدرك مرعى الضّمان فقد أدرك. والمراد تهويل المستعاذ منه ، تنبيها على شدّة خوفهم وطلبهم الوقاية منه.

(وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ) (١٩٢) : أراد بهم ، المدخلين. ووضع المظهر موضع المضمر ، للدّلالة على أنّ ظلمهم سبب لإدخالهم النّار.

وفي تفسير العيّاشيّ (٥) : عن يونس بن ظبيان قال : سألت أبا جعفر ـ عليه السّلام ـ عن قول الله : (وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ).

قال : ما لهم من أئمّة يسمّونهم بأسمائهم.

ومعناه : ما لهم ، أي ، للظّالمين من أئمّة. يسمّون الأئمّة ، بأسماء الأنصار ، أي ، يعدّونهم أنصارهم ، أي : أئمّة الجور ، وأئمّة الجور لا يمكن لهم الشّفاعة.

فالحاصل ، أنّ الظّالم وهو الّذي تدخله النّار وهو تارك الولاية ، ليس له مخلّص من النّار ، لأنّ أئمّتهم أئمّة الجور يستحيل منهم الشّفاعة والنّصرة ، أمّا الشّفاعة فلأنّهم ليسوا أهلا لها ، وأمّا النّصرة فلأنّ المخزي هو الله سبحانه. فما قاله البيضاويّ (٦) ، من أنّه لا يلزم من نفي الشّفاعة ، لأنّ النّصرة دفع بقهر ، جهل منه ارتكبه ، لاحتياط الاستمداد منه بشفاعة أئمّته.

(رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ) :

أوقع الفعل على المسمع لا المسموع ، لدلالة وصفه عليه ، وفيه مبالغة ليس في

__________________

(١) مجمع البيان ١ / ٥٥٤.

(٢) ليس في المصدر.

(٣) هكذا في المصدر. وفي النسخ : تسوّك.

(٤) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٥) تفسير العياشي ١ / ٢١١ ، ح ١٧٥.

(٦) أنوار التنزيل ١ / ١٩٩.

٢٩٣

إيقاعه على نفس المسموع. وفي تنكير المنادي وإطلاقه ثمّ تقييده بالوصف ، تعظيم لشأنه ، والمراد به الرّسول.

وقيل (١) : القرآن.

وفي تهذيب الأحكام (٢) : في الدّعاء بعد صلاة يوم الغدير المسند إلى الصّادق ـ عليه السّلام ـ : وليكن من دعائك في دبر هاتين الرّكعتين أن تقول : (رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا) ـ إلى قوله (٣) ـ (إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ) إلى أن قال : ربّنا إنّنا سمعنا بالنّداء ، وصدّقنا المنادي رسول الله ، إذ نادى بنداء عنك بالّذي أمرته به أن يبلّغ ما أنزلت إليه من ولاية وليّ أمرك.

فعلى هذا معنى (أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ) : آمنوا به فيما ناداكم له رسوله ، وهو الإيمان بوصيّ رسوله.

(فَآمَنَّا) ، أي : آمنّا بالله ورسوله ووصيّ رسوله.

(رَبَّنا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا) : كبائرنا ، فإنّها ذات تبعات وأذناب.

(وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئاتِنا) : صغائرنا ، فإنّها مستقبحة ، ولكنّها مكفّرة عن مجتنب الكبائر.

(وَتَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ) (١٩٣) : مخصوصين بصحبتهم ، معدودين في زمرتهم.

و «الأبرار» جمع برّ ، وبارّ ، كأرباب ، وأصحاب.

(رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ) ، أي : على تصديق رسلك من الثّواب ، أو على ألسنة رسلك ، أو منزلا على رسلك ، أو محمولا عليهم.

(وَلا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ) : بأن تعصمنا عمّا يقتضيه.

(إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ) (١٩٤) : بإثابة المؤمن ، وإجابة الدّاعي. وتكرير «ربّنا» للمبالغة في الابتهال ، والدّلالة على استقلال المطالب وعلو شأنها.

(فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ) ، أي : طلبتهم. وهو أخصّ من الإجابة ، لجواز أن تكون الإجابة بالرّدّ. وتعدّى بنفسه ، وباللّام.

(أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ) : بأنّي لا أضيّع.

__________________

(١) نفس المصدر والموضع.

(٢) تهذيب الأحكام ٣ / ١٤٤ ، ضمن حديث ٣١٧.

(٣) ذكر في المصدر ، نفس الآية بدل «إلى قوله».

٢٩٤

وقرئ ، بالكسر ، على إرادة القول (١).

(مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى) : بيان عامل.

(بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ) : لأنّ الذّكر من الأنثى والأنثى من الذّكر ، أو لأنّهما من أصل واحد ، أو لفرط الاتّصال والاتّحاد ، أو للاجتماع ، أو الاتّفاق في الدّين. وهي جملة معترضة ، بيّن بها شركة النّساء مع الرّجال فيما وعد للعمّال.

وفي عيون الأخبار (٢) ، بإسناده إلى محمّد بن يعقوب النّهشليّ قال : حدّثنا عليّ بن موسى الرّضا ـ عليه السّلام ـ عن أبيه موسى بن جعفر ، عن أبيه جعفر بن محمّد ، عن أبيه محمّد بن عليّ ، عن أبيه عليّ بن الحسين ، عن أبيه الحسين بن عليّ ، عن أبيه عليّ بن أبي طالب ـ عليهم السّلام ـ عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ عن جبرئيل ، عن ميكائيل ، عن إسرافيل ـ عليهم السّلام ـ عن الله ـ جلّ جلاله ـ أنّه قال : أنا الله ، لا إله إلّا أنا ، خلقت الخلق بقدرتي ، فاخترت منهم من شئت من أنبيائي ، واخترت من جميعهم محمّدا حبيبا وخليلا وصفيّا فبعثته رسولا إلى خلقي ، واصطفيت له عليّا فجعلته (٣) له أخا ووصيّا ووزيرا ومؤدّيا عنه من بعده إلى خلقي وخليفتي إلى عبادي ـ إلى قوله جلّ ثناؤه ـ : وحجّتي في السّموات والأرضين (٤) على جميع من فيهنّ من خلقي ، لا أقبل عمل عامل منهم إلّا بالإقرار بولايته مع نبوّة أحمد (٥) رسولي.

(فَالَّذِينَ هاجَرُوا) الأوطان والعشائر للدّين ، (وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي) : بسبب إيمانهم بالله ، ومن أجله ، (وَقاتَلُوا) الكفّار.

(وَقُتِلُوا) في الجهاد.

وقرأ حمزة والكسائيّ بالعكس (٦).

والمراد ، أنّه لمّا قتل منهم قوم قاتل الباقون ولم يضعفوا.

وشدّد ابن كثير وابن عامر «قتّلوا» للتّكثير (٧).

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ١٩٩.

(٢) عيون أخبار الرضا ـ عليه السّلام ـ ٢ / ٤٩ ، وللحديث تتمة.

(٣) المصدر : فجعلت.

(٤) المصدر : الأرض.

(٥) المصدر : محمّد.

(٦) أنوار التنزيل ١ / ٢٠٠.

(٧) نفس المصدر والموضع.

٢٩٥

(لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ثَواباً مِنْ عِنْدِ اللهِ) ، أي : أثيبهم بذلك ثوابا من عند الله ، أي : عظيما. فهو مصدر للنّوع (١).

(وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ) (١٩٥) : على الطّاعات.

وفي أمالي شيخ (٢) الطّائفة : بإسناده إلى أبي عبيدة ، عن أبيه وابن أبي رافع ـ يحكيان ذهاب عليّ ـ عليه السّلام ـ من مكّة إلى المدينة ملتحقا بالنّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ حين هاجر من مكّة إلى المدينة ، وقد قارع الفرسان من قريش ، ومعه فاطمة بنت أسد ، وفاطمة بنت رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وفاطمة بنت الزبير ـ : ثمّ سار (٣) ظاهرا قاهرا حتّى نزل ضجنان ، فلبث بها قدر يومه وليلته ، (٤) ولحق به نفر من المستضعفين (٥) من المؤمنين ، وفيهم أمّ أيمن مولاة رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فصلى (٦) ليلته تلك هو والفواطم ، [طورا يصلّون وطورا] (٧) يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ، فلم يزالوا كذلك حتّى طلع الفجر ، فصلّى ـ عليه السّلام ـ بهم صلاة الفجر ، ثمّ سار لوجهه يجوب (٨) منزلا بعد منزل. لا يفتر عن ذكر الله والفواطم كذلك وغيرهم ممن صحبه حتّى قدموا المدينة (٩) ، وقد نزل الوحي بما كان من شأنهم قبل قدومهم [بقوله ـ تعالى ـ :] (١٠)

__________________

(١) يوجد في هامش الأصل : رد على البيضاوي حيث جعل مصدرا مؤكدا مع أنه لا يحذف عامل المؤكد. (منه سلمه الله). [ر. أنوار التنزيل ١ / ٢٠٠]

(٢) أمالي الطوسي ٢ / ٨٤ ـ ٨٦ ، مع اختصار وتلخيص في أوائله وهو الظاهر من عبارات المفسر.

(٣) هكذا في المصدر. وفي النسخ : «فصار» بدل «ثم سار».

(٤) هكذا في المصدر. وفي النسخ : «فلزم بها يوما وليلة» بدل «فلبث بها قدر يومه وليلته».

(٥) هكذا في المصدر. وفي النسخ : «ضعفاء» بدل «المستضعفين من».

(٦) هكذا في المصدر. وفي النسخ : «ويصلي» بدل «فصلى».

(٧) من المصدر. وفي النسخ : «و» بدل منه.

(٨) هكذا في المصدر. وفي النسخ : «فجعل وهن يضعون ذلك» بدل «يجوب».

(٩) هكذا في المصدر. وفي النسخ : «يعبدون الله ـ عز وجل ـ ويرغبون إليه كذلك حتى قدم المدينة» بدل «لا يفتر عن ذكر الله والفواطم كذلك وغيرهم ممن صحبه حتى قدموا المدينة».

(١٠) من المصدر.

٢٩٦

(الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً) (الآيات [إلى] قوله) (١) (مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى). الذّكر عليّ ، والأنثى الفواطم (٢) (بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ) يعني ، عليّ من فاطمة ، أو قال : الفواطم ، وهنّ من عليّ (٣).

وذكر عليّ بن عيسى ـ رحمه الله ـ في كشف الغمّة (٤) : أنّ هذه الآيات نزلت في أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ في توجّهه إلى المدينة ، وذكر الحكاية كما في الأمالي.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٥) : ثمّ ذكر أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ وأصحابه المؤمنين فقال : (فَالَّذِينَ هاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ) يعني ، أمير المؤمنين ، وسلمان ، وأبا ذرّ حين أخرج ، وعمّار (٦) ، الّذين أوذوا ـ إلى آخر الآية ـ.

(لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ) (١٩٦) :

الخطاب للنّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ والمراد أمّته ، أو تثبيته على ما كان عليه ، أو لكلّ أحد.

والمعنى : لا تنظر إلى ما الكفرة عليه من السّعة والحظّ ، ولا تغترّ بظاهر ما ترى من تبسّطهم في مكاسبهم ومتاجرهم ومزارعهم.

نقل (٧) : أنّ بعض المؤمنين كانوا يرون المشركين في رخاء ولين عيش فيقولون : إنّ أعداء الله فيما نرى من الخير وقد هلكنا من الجوع والجهد ، فنزلت.

(مَتاعٌ قَلِيلٌ) : خبر مبتدأ محذوف ، أي : ذلك التّقلّب متاع قليل ، لقصر مدّته وفي جنب ما أعدّ الله للمؤمنين.

وفي الحديث النّبويّ (٨) : ما الدّنيا في الآخرة إلّا مثل ما يجعل أحدكم (٩) إصبعه في اليمّ ، فلينظر بم يرجع.

(ثُمَّ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ) (١٩٧) : ما مهّدوا لأنفسهم.

__________________

(١) ذكر في المصدر نفس الآيات بدل قول المفسر : الآيات [إلى] قوله.

(٢) المصدر : الفواطم المتقدم ذكر هنّ وهنّ فاطمة بنت رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وفاطمة بنت أسد وفاطمة بنت الزبير.

(٣) «أو قال الفواطم وهنّ من عليّ» ليس في المصدر.

(٤) كشف الغمة في معرفة الأئمة ١ / ٤٠٦.

(٥) تفسير القمي ١ / ١٢٩.

(٦) «وعمّار» ليس في المصدر.

(٧) أنوار التنزيل ١ / ٢٠٠. وفيه : روى.

(٨) نفس المصدر والموضع.

(٩) هكذا في المصدر. وفي النسخ : أحدهم.

٢٩٧

(لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها نُزُلاً مِنْ عِنْدِ اللهِ) : النَّزَل والنُّزُل ، ما يعدّ للنّازل من طعام وشراب وصلة. وانتصابه على الحال من «جنّات» والعامل فيها الظّرف.

وقيل (١) : إنّه مصدر مؤكّد ، والتّقدير : أنزلوه نزلا.

(وَما عِنْدَ اللهِ) : لكثرته ، ودوامه ، (خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ) (١٩٨) : ممّا يتقلّب فيه الفجّار ، لقلّته وسرعة زواله وامتزاجه بالآلام.

وفي تفسير العيّاشيّ (٢) : عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : الموت خير للمؤمن ، لأنّ الله يقول : (وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ).

[عن الأصبغ بن نباتة (٣) ، عن عليّ ـ عليه السّلام ـ في قوله : «ثوابا من عند الله خير للأبرار»] (٤) قال : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله (٥) ـ : أنت الثّواب ، وأصحابك (٦) الأبرار.

(وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ) :

قيل (٧) : نزلت في ابن سلام (٨) وأصحابه.

وقيل : في أربعين من نجران ، واثنين وثلاثين من الحبشة ، وثمانية من الروم ، كانوا نصارى فأسلموا.

وقيل (٩) : في أصحمة النّجاشيّ لمّا نعاه جبرئيل إلى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فخرج فصلّى عليه ، فقال المنافقون : انظروا إلى هذا يصلّي على علج نصرانيّ لم يره قطّ.

وإنّما دخلت اللّام على الاسم ، للفصل بينه وبين «إنّ» بالخبر.

__________________

(١) نفس المصدر والموضع.

(٢) تفسير العياشي ١ / ٢١٢ ، ح ١٧٨.

(٣) نفس المصدر والموضع ، ح ١٧٧.

(٤) من المصدر.

(٥) هكذا في المصدر. وفي النسخ : قال : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ لعليّ.

(٦) المصدر : أنصارك (أصحابك ـ خ ل.)

(٧) أنوار التنزيل ١ / ٢٠٠ ـ ٢٠١.

(٨) المصدر : عبد الله بن سلام.

(٩) نفس الموضع والمصدر.

٢٩٨

(وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ) ، من القرآن ، (وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ) من الكتابين ، (خاشِعِينَ لِلَّهِ) : حال ، من فاعل «يؤمن». وجمعه باعتبار المعنى.

(لا يَشْتَرُونَ بِآياتِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً) ، كما يفعله المحرّفون من أحبارهم.

(أُولئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ) : ويؤتون أجرهم مرّتين ، كما وعدوه في آية أخرى.

(إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ) (١٩٩) : لعلمه بالأعمال ، وما يستوجبه كلّ عامل من الجزاء ، واستغنائه عن التّأمّل والاحتياط.

والمراد ، أنّ الأجر الموعود سريع الوصول ، فإنّ سرعة الحساب يستدعي سرعة الجزاء.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا) ، على المصائب ، (وَصابِرُوا) ، على الفرائض ، (وَرابِطُوا) : على الأئمّة (١).

[وفي الكافي (٢) : عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ : «اصبروا» على الفرائض «وصابروا» على المصائب].(٣)

وفي كتاب معاني الأخبار (٤) : بإسناده إلى أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : «اصبروا» على المصائب و «صابروهم» على الفتنة (٥) «ورابطوا» على من تعتدّون (٦) به.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٧) : قوله : (اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا) فإنّه حدّثني أبي ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن مسكان ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : «اصبروا»

__________________

(١) كافّة الأحاديث الواردة في تفسير هذه الآية في نسخة «ر» و «أ» فيها تقديم وتأخير.

ولكن اعتمدنا على نسخة الأصل ولم نشر إلى ذلك كما أنّه يوجد اختلافات ونقص في نفس الحديث في ـ النسختين المشار إليهما.

(٢) الكافي ٢ / ٨١ ، ح ٣. وسيأتي بسنده وتمام الحديث قريبا.

(٣) ما بين المعقوفتين ليس في ر.

(٤) معاني الأخبار / ٣٦٩ ، ح ١. وسيأتي بتمامه قريبا.

(٥) المصدر : التقيّة.

(٦) المصدر : تقتدون.

(٧) تفسير القمي ١ / ١٢٩.

٢٩٩

على المصائب «وصابروا» على الفرائض و «رابطوا» على الأئمّة.

[وحدّثني أبي (١) ، عن الحسن بن خالد ، عن الرّضا ـ عليه السّلام ـ : إذا كان يوم القيامة ينادي مناد : أين الصّابرون؟ فيقوم فئام من النّاس ، ثمّ ينادي : أين المتصبّرون؟

فيقوم فئام من النّاس.

قلت : جعلت فداك ، وما الصّابرون؟

قال : على أداء الفرائض ، والمتصبّرون على اجتناب المحارم].(٢)

حدّثني أبي (٣) ، عن حمّاد بن عيسى ، عن إبراهيم بن عمر اليمانيّ ، عن أبي الطّفيل ، عن أبي جعفر ، عن أبيه عليّ بن الحسين ـ عليهما السّلام ـ أنّه قال ـ وقد ذكر عنده عبد الله بن عبّاس ـ : وأمّا قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا) (الآية) ففي أبيه نزلت وفينا ، ولم يكن الرّباط الّذي أمرنا به وسيكون ذلك ، من نسلنا المرابط ومن نسله المرابط والحديث طويل أخذت ، منه موضع الحاجة.

[وفي أصول الكافي (٤) : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حمّاد بن عيسى عن الحسين بن مختار ، عن عبد الله بن أبي يعفور ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا) قال : اصبروا على الفرائض.

عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد (٥) ، عن عبد الرّحمن بن أبي نجران ، عن حمّاد بن عيسى ، عن أبي السّفاتج ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا) قال : اصبروا على الفرائض ، وصابروا على المصائب ، ورابطوا على الأئمّة.

عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه (٦) ومحمّد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان جميعا عن ابن أبي عمير ، عن إبراهيم بن عبد الحميد ، عن [أبان] (٧) ابن أبي مسافر ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله عزّ وجلّ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا) قال : اصبروا على المصائب.

__________________

(١) نفس المصدر والموضع.

(٢) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٣) نفس المصدر ٢ / ٢٣.

(٤) الكافي ٢ / ٨١ ، ح ٢.

(٥) نفس المصدر والموضع ، ح ٣.

(٦) نفس المصدر ٢ / ٩٢ ، ح ١٩.

(٧) من المصدر.

٣٠٠