دروس في البلاغة - ج ٤

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في البلاغة - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة البلاغ
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٥٤

إن روعي (١) شرائط الحسن ، ولم تشمّ (٢) رائحة التّشبيه ، وإن لم يراع (٣) فات الحسن ، يقال : ألغز في كلامه إذا عمي مراده ، ومنه اللّغز (٤) ، وجمعه (٥) ألغاز مثل رطب وأرطاب (٦) [كما لو قيل] في التّحقيقيّة (٧) [رأيت أسدا ، وأريد إنسان أبخر (٨)] فوجه الشبّه (٩) بين الطّرفين خفي [و] في التّمثيل [رأيت إبلا مائة لا تجد فهيا راحلة (١٠)

________________________________________________________

(١) أي قوله : «إن روعي» شرط مؤخّر ، وجوابه قوله : «لئلّا تصير الاستعارة إلغازا».

(٢) أي من عطف الخاصّ على العامّ إنّ أريد بشرائط الحسن شرائط حسن الاستعارة أتى به بعد العامّ اهتماما به ، إشارة إلى أنّ المراد من ذلك العامّ ذلك الخاصّ ، لأنّ مناط التّعمية والإلغاز عليه عند خفاء الوجه.

(٣) أي قوله : «إن لم يراع» مقابل لقوله : «إن روعي» ، أي وإن لم تراع شرائط الحسن بأن جيء بوجه الشبّه في أصل التّشبيه الّذي بنيت عليه الاستعارة جليّا ، وكأنّه بحسب أنّ الجلاء أخو الابتذال ، وإذا انتفى عدم إشمام الرّائحة بوجود إشمامها يفوت الحسن.

وبعبارة واضحة : إذا أشمّت الاستعارة رائحة التّشبيه فات حسن التّشبيه ، وبفوات حسنه يفوت حسن الاستعارة.

(٤) أي ومن هذا الاستعمال عند العرب اللّغز بفتح الغين وضمّ اللّام.

(٥) أي جمع اللّغز ، ألغاز بفتح الهمز.

(٦) أي مثل رطب وأرطاب ، في وزن المفرد والجمع.

(٧) أي الّتي خفي فيها وجه الشبّه.

(٨) أي منتن رائحة الفم.

(٩) أي البخر بين الطّرفين ، أي الأسد والرّجل المنتن الفم خفي ، فإنّ صفة البخر في الأسد غير جليّة.

وبعبارة أخرى : إنّ المشبّه وهو الإنسان الأبخر ، والمشبّه به وهو الاسد خفيّ لعدم ظهور كون الأسد أبخر ، وإن كان في نفسه أبخر ، فتكون هذه الاستعارة التّحقيقيّة إلغازا وتعمية ، فلا يظهر أنّ القصد هنا إلى التّشبيه والمجاز ، بل إلى التّحقيقيّة مع أنّ القصد إلى التّشبيه والمجاز دون الحقيقة ، فيفوت إدراك المقصود.

(١٠) أي يحتمل أن تكون جملة استئنافيّة ، أي مائة منها لا تجد فيها راحلة ، فهي جواب

٢٤١

وأريد (١) النّاس] من قوله عليه‌السلام : «النّاس كإبل مائة لا تجد فيها راحلة». وفي الفائق (٢) : الرّاحلة البعير الّذي يرتحله الرّجل جملا كان أو ناقة ، يعني (٣) أنّ المرضى المنتخب (٤) من النّاس في عزّة (٥) وجوده ، كالنّجيبة المنتجبة الّتي لا توجد في كثير من الإبل ، [وبهذا (٦) ظهر أنّ التّشبيه أعم محلا]

________________________________________________________

عن سؤال مقدّر ، كأنّه قيل : على أي حال رأيتهم ، فقيل مائة منها لا تجد فيها راحلة ، ويحتمل أن تكون مائة نعتا للإبل ، وما بعدها وصف للمائة ، أي إبلا معدودة بهذا القدر الكثير الموصوف بأنّك لا تجد فيها راحلة.

(١) أي بالإبل الموصوفة بالأوصاف المذكورة حال النّاس من حيث عزّة وجود الكامل مع كثرة أفراد جنسه ولا شكّ أنّ وجه الشبّه المذكور خفيّ ، إذ لا ينتقل إلى النّاس من الإبل من هذه الحيثيّة ، وإنّما كانت هذه استعارة تمثيليّة ، لأنّ الوجه منتزع من متعدّد لأنّه اعتبر وجود كثرة من جنس ، وكون تلك الكثرة يعزّ فيها وجود ما هو من جنس الكامل.

(٢) أي هو كتاب للزّمخشري ألفاظ الرّواية ، قال الزّمخشري : «الرّاحلة البعير الّذي يرتحله الرّجل» أي يعدّه للرّجل ، وحمل الأثقال لقوّته.

(٣) أي يريد النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أنّ المرضيّ المنتخب» أي المهذّب من القبائح في عزّة وجوده بين النّاس مع كثرتهم ، كالنّجيب من الإبل القويّ على الأحمال والأسفار الّذي لا يوجد في كثير من الإبل ، وهذا الحديث موجود في صحيح مسلم ، كتاب فضائل الصّحابة ، باب قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : النّاس كإبل مائة لا تجد فيها راحلة.

(٤) أي المختار من النّاس لحسن خلقه وزهده.

(٥) أي في قلة وجوده مع كثرة أفراد جنسه ، وهذا هو وجه الشبّه.

(٦) أي بجواز إجراء التّشبيه في كلام يقبح فيه سبك الاستعارة ظهر أنّ التّشبيه أعم محلا ، بمعنى أنّه ليس كلّما يتأتّى فيه التّشبيه تتأتّى فيه الاستعارة ، فقد يقال : زيد كالأسد في البخر ، ولا يقال في الحمام أسد ، ويقصد الرّجل الأبخر لانصرافه بدون ذكر وجه الشبّه إلى الرّجل الشّجاع دون الأبخر ، ونبّه بقوله : «محلا» على أنّ العموم من حيث التّحقّق لا من حيث الصّدق ، إذ لا يصدق التّشبيه على الاستعارة كما أنّ الاستعارة لا تصدق على التّشبيه ، ثمّ النّجيبة في قوله : «كالنّجيبة» ، هي النّاقة الكريمة.

٢٤٢

إذ كلّ ما يتأتّى (١) فيه الاستعارة يتأتّى فيه التّشبيه من غير عكس ، لجواز أن يكون وجه الشّبه غير جليّ ، فتصير الاستعارة إلغازا كما في المثالين المذكورين (٢).

فإن قيل : قد سبق أنّ حسن الاستعارة برعاية جهات حسن التّشبيه ، ومن جملتها أن يكون وجه الشّبه بعيدا غير مبتذل ، فاشتراط جلائه في الاستعارة ينافي ذلك (٣).

قلنا : الجلاء والخفاء ممّا يقبل الشّدّة والضّعف ، فيجب أن يكون (٤) من الجلاء بحيث لا يصير إلغازا ، ومن الغرابة بحيث لا يصير مبتذلا.

________________________________________________________

(١) أي إذ كلّ محلّ تتأتّى فيه الاستعارة ، أي الحسناء يتأتّى فيه التّشبيه ، وذلك حيث لا خفاء في وجه الشّبه ، أي هذه النّسبة بينهما باعتبار الاستعارة الحسنة والتّشبيه مطلقا ، أمّا النّسبة بينها وبين التّشبيه الحسن فالعموم والخصوص من وجه ، لأنّها تنفرد عنه فيما يأتي في قوله : «ويتّصل به أنّه إذا قوي الشّبه بين الطّرفين ...».

(٢) أي في المتن ، وهما رأيت أسدا مريدا به إنسانا أبخر ، ورأيت إبلا ... ، فتمتنع فيها الاستعارة الحسناء ، ويجب أن يؤتى بالتّشبيه في صورة إلحاق النّاس بالابل ، كما في الحديث المذكور ، ويؤتى بالتّشبيه ـ في صورة إلحاق الرّجل بالسّبع في البخر ، ويفرق بأنّ التّشبيه يتصوّر فيه إجمال لما يتعلّق الغرض به في بعض التّراكيب ، والمجاز ليس كذلك وإن كانا مستويين في الامتناع عند الخفاء ، إذا لم يذكر الوجه في التّشبيه ، وذلك عند قصد خصوص الوجه في ذلك التّشبيه ، وإذا صحّ التّشبيه فيما ذكر من المثالين دون الاستعارة كان أعم محلا.

(٣) أي كون وجه الشّبه بعيدا ، لأنّ من لوازم كون وجه الشّبه بعيدا غير مبتذل أن يكون غير جليّ ، فكأنّهم اشترطوا في حسنها كون وجه الشّبه جليّا وكونه غير جليّ وهذا تناف.

(٤) أي أن يكون وجه الشّبه ملتبسا بحالة من الجلاء ، هي أن لا يصير إلغازا ، وأن يكون ملتبسا بحالة من الغرابة ، هي أنّ لا يصير مبتذلا ، فالمطلوب فيه أن يكون متوسّطا بين المبتذل والخفيّ.

٢٤٣

[ويتّصل به (١)] أي بما ذكرنا من أنّه إذا خفي التّشبيه (٢) لم تحسن الاستعارة ، ويتعيّن التّشبيه (٣) [أنّه إذا قوي (٤) الشّبه بين الطّرفين حتّى اتّحدا (٥) كالعلم والنّور (٦) والشّبهة والظّلمة لم يحسن التّشبيه ، وتعيّنت الاستعارة] لئلّا يصير كتشبيه الشّيء بنفسه ، فإذا فهمت مسألة تقول : حصل في قلبي نور (٧) ، ولا تقول : علم كالنّور (٨) ، وإذا وقعت في شبهة (٩) تقول : وقعت في ظلمة ،

________________________________________________________

(١) أي وينبغي أن يذكر متّصلا بما ذكرنا ، وعقّبه «أنّه إذا قوي الشّبه بين الطّرفين ...» ، وذلك للمناسبة بينهما من حيث التّقابل ، لأنّ كلّ منهما يوجب عكس ما يوجبه الآخر ، وذلك لأنّ ما ذكر سابقا من خفاء الوجه يوجب حسن التّشبيه ، وما ذكر هنا يوجب حسن الاستعارة دون التّشبيه.

(٢) أي إذا خفي وجه الشّبه لم تحسن الاستعارة ، وإذا لم تحسن تعيّن التّشبيه.

(٣) أي عند البلغاء ، لأنّهم يحترزون عن غير الحسن ، لا أنّه لا تصحّ الاستعارة ، فيكون منافيا لما تقدّم من أنّ كلّ ما تتأتّى فيه الاستعارة يتأتّى فيه التّشبيه.

(٤) أي وقوّة وجه الشّبه بين الطّرفين تكون بكثرة الاستعمال للتّشبيه بذلك الوجه.

(٥) أي صارا كالمتّحدين في ذلك المعنى بحيث يفهم من أحدهما ما يفهم من الآخر ، وليس المراد أنّهما اتّحدا حقيقة ، والكلام محمول على المبالغة.

(٦) أي فقد كثر تشبيه العلم بالنّور في الاهتداء ، وتشبيه الشّبهة بالظّلمة في التّحير حتّى صار كلّ من المشبّهين يتبادر منه المعنى الموجود في المشبّه بهما ، فصارا كالمتّحدين في ذلك المعنى ، وفي الحقيقة لا يحسن تشبيه أحدهما بالآخر لئلّا يصير كتشبيه الشّيء بنفسه.

(٧) أي مستعيرا للعلم الحاصل في قلبك لفظ النّور.

(٨) أي ولا تقول : علم كالنّور بمعنى حصل في قلبي كالنّور ، مشبّها للعلم بالنّور بجامع الاهتداء في كلّ ، إذ هو كتشبيه الشّيء بنفسه لقوّة الوجه في العلم ، وهو اهتداء به كما في النّور.

(٩) أي وإذا وقع في قلبك شبهة «تقول : وقعت في ظلمة» أي وقع في قلبي ظلمة ، مستعيرا لفظ الظّلمة للشبّهة.

٢٤٤

ولا تقول : في شبهة كالظّلمة (١) [و] ـ الاستعارة [المكنى عنها كالتّحقيقيّة] في أنّ حسنها برعاية جهات حسن التّشبيه (٢) ، لأنّها تشبيه مضمرة (٣). [و] الاستعارة [التّخييليّة حسنها بحسب حسن المكنّى عنها] لأنّها لا تكون إلّا تابعة للمكنّى عنها ، وليس لها (٤) في نفسها تشبيه بل هي حقيقة فحسنها تابع لحسن متبوعها.

[فصل]

في بيان معنى آخر (٥) يطلق عليه لفظ المجاز على سبيل الاشتراك (٦)

________________________________________________________

(١) أي «لا تقول في شبهة كالظّلمة» متشبّها للشّبهة بالظّلمة لقوّة وجه الشّبه في الشّبهة ، وهو عدم الاهتداء والتّحيّر كما في الظّلمة ، فيصير ذلك التّشبيه كتشبيه الشّيء بنفسه.

(٢) أي ترك ذكر قوله : «أن لا تشمّ رائحة التّشبيه لفظا» ، لأنّ المرجوّ من المشبّه به يدلّ على التّشبيه لأنّ من لوازم الاستعارة بالكناية ذكر ما هو من خواصّ المشبّه به ، وذلك يدلّ على التّشبيه.

(٣) أي لأنّ المكنّى عنها تشبيه مضمر هذا على مذهب المصنّف كما مرّ ، لا على مذهب القوم من أنّها لفظ المشبّه به المضمر في النّفس المرموز إليه بذكر لوازمه ، قوله : «والتّخييليّة حسنها بحسب حسن المكنّى عنها» أي بمعنى أنّ حسنها متوقّف على حسن المكنّى عنها.

(٤) أي وليس للتّخيليّة في نفسها تشبيه حتّى يراعي فيها جهات التّشبيه ، أو لا تشمّ رائحته ، بل إنّها عند المصنّف حقيقة مستعملة فيما وضعت له ، وإنّما جيء بها لتكون قرينة على التّشبيه المضمر في النّفس الّذي يسمّى عند المصنّف بالاستعارة بالكناية ، فإن حسنت الاستعارة بالكناية حسنت التّخييليّة من حيث كونها قرينة لها ، وإلّا فلا حسن لها في نفسها.

(٥) أي وهو الكلمة الّتي تغيّر إعرابها الأصلي كقوله تعالى : (وَجاءَ رَبُّكَ)(١) حيث كان الأصل : وجاء أمر ربّك ، فالحكم الأصلي في الكلام لقوله : (ربك) هو الجرّ ، وأمّا الرّفع فمجاز.

(٦) أي الاشتراك اللّفظي ، بأن يقال : إنّ لفظ مجاز وضع بوضعين : أحدهما للكلمة المستعملة في غير ما وضعت له لعلاقة وقرينة ، والثّاني للكلمة الّتي تغيّر حكم إعرابها الأصلي ، فيكون إطلاق المجاز عليها حقيقة على هذا الاحتمال.

__________________

(١) سورة الفجر : ٢٢.

٢٤٥

أو التّشابه (١). [وقد يطلق المجاز على كلمة تغيّر حكم إعرابها] أي حكمها الّذي هو الإعراب على أنّ الإضافة للبيان ، أي ـ تغيّر إعرابها من نوع إلى نوع آخر (٢) [بحذف (٣) لفظ ، أو زيادة لفظ].

فالأوّل (٤) :

________________________________________________________

(١) أي مشابهة الكلمة الّتي تغيّر إعرابها للكلمة المستعملة في غير معناها الأصلي ، وذلك بأنّ شبّهت الكلمة المنتقلة عن إعرابها الأصلي بالكلمة المنتقلة عن معناها الأصلي بجامع الانتقال عن الأصل في كلّ ، واستعير اسم المشبّه به وهو لفظ مجاز للمشبّه ، وعلى هذا الاحتمال فإطلاق لفظ مجاز على الكلمة الّتي تغيّر إعرابها الأصلي مجاز بالاستعارة.

(٢) أي من أنواعه ، وذلك بأن زال النّوع الأصلي الّذي تستحقّه الكلمة ، وحلّ محلّه نوع آخر.

(٣) أي الباء سببيّة متعلّقة بتغيّر ، أي أنّ ذلك التّغيّر يحصل ـ بسبب حذف لفظ لو كان مع تلك الكلمة ، لاستحقّت به نوعا من الإعراب ، فلمّا حذف حدث نوع آخر من الإعراب ، أو بسبب زيادة لفظ كانت الكلمة استحقّت قبله نوعا من الإعراب ، فحدث بزيادته نوع آخر من الإعراب.

وخرج بقوله : «بحذف لفظ ...» ،

تغيّر إعراب غير في : جاءني القوم غير زيد ، فإنّ غيرا كان مرفوعا صفة ، فغيّر إلى النّصب على الاستثناء لا بحذف ولا بزيادة ، بل ينقل ـ غير من الوصفيّة إلى كونها أداة استثناء ، والتّعريف المذكور تعريف بالأعمّ ، إذ يشمل ما ليس بمجاز ، فيكون مبنيّا على القول بجوازه ، إذ قد دخل في التّعريف المذكور نحو : إنّما زيد قائم ، فإنّه تغيّر حكم إعراب زيد ، بزيادة ما الكافّة ، وكان في الأصل إنّ زيدا قائم ، فإنّه تغيّر إعراب زيد من النّصب إلى الرّفع ودخل فيه أيضا نحو : ليس زيد بمنطلق ، وما زيد بقائم ، مع أنّ هذه الأمثلة ليست بمجاز ، كما صرّح به في المفتاح.

(٤) أي التّغير الّذي يكون بنقص ، تسمّى الكلمة بسببه مجازا.

٢٤٦

[كقوله تعالى : (وَجاءَ رَبُّكَ)(١) (١) ، (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ)(٢) (٢)]. والثّاني (٣) : مثل [قوله تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)(٣) (٤) ، أي] جاء [أمر ربّك] لاستحالة (٥) المجيء على الله تعالى ، [و] اسأل [أهل القرية] للقطع (٦) بأنّ المقصود هاهنا سؤال أهل القريّة ، وإن جعلت القريّة مجازا عن أهلها لم يكن من هذا القبيل (٧)

________________________________________________________

(١) والتّقدير : جاء أمر ربّك.

(٢) والتّقدير : واسأل أهل القرية.

(٣) أي التّغير الّذي يكون بزيادة تسمّى الكلمة مجازا.

(٤) والتّقدير : ليس مثله شيء ، بزيادة الكاف.

(٥) أي قوله :

«لاستحالة المجيء» علّة لمحذوف ، أي وإنّما لم يجعل على ظاهره للقطع باستحالة المجيء على الله تعالى ، وذلك لأنّ المجيء عبارة عن الانتقال من حيّز إلى آخر بالرّجل ، وهو مخصوص بالجسم الحيّ الّذي له رجل.

ومن البديهي أنّ الجسمّية مستحيلة على الله تعالى ، فلا بدّ من تقدير المضاف ، وهو الأمر ، ليصحّ هذا الكلام الصّادق ، والقرينة على ذلك هو الامتناع العقليّ.

(٦) أي إنّما حمل على تقدير المضاف للقطع بأنّ المقصود من الآية سؤال أهل القرية لا سؤالها نفسها ، لأنّ القرية عبارة عن الأبنيّة المجتمعة ، وسؤالها وإجابتها خرق للعادة ، وإن كان ممكنا عقلا ، لكن ليس مرادا في الآية ، بل المراد فيها سؤال أهلها للاستشهاد بهم ، فيجيبوا بما يصدق أو يكذب لا سؤالها ، لأنّ الشّاهد لا يكون جمادا.

(٧) أي من قبيل المجاز المطلق على كلمة تغيّر حكم إعرابها بحذف لفظ ، بل من قبيل المجاز المرسل من باب جرى النّهر ، بإطلاق اسم المحلّ على الحال.

والفرق بينهما :

أنّ المضاف في هذا القبيل محذوف ، وفي ذلك القبيل ليس شيء محذوفا.

__________________

(١) سورة الفجر : ٢٢.

(٢) سورة يوسف : ٨٢.

(٣) سورة الشورى : ١١.

٢٤٧

[وليس مثله شيء] لأنّ (١) المقصود نفي أن يكون شيء مثل الله تعالى ، لا نفي أن يكون شيء مثل مثله (٢) ، فالحكم الأصلي لربّك والقرية هو الجرّ ، وقد تغيّر في الأوّل إلى الرّفع ، وفي الثّاني إلى النّصب بسبب حذف المضاف ، والحكم الأصلي في مثله هو النّصب ، لأنّه (٣) خبر ليس ، وقد تغيّر إلى الجرّ بسبب زيادة الكاف (٤) ، فكما وصفت الكلمة بالمجاز (٥) باعتبار نقلها عن معناها الأصلي ، كذلك وصفت به باعتبار نقلها عن إعرابها الأصلي ، وظاهر عبارة المفتاح أنّ الموصوف بهذا النّوع من المجاز هو نفس الإعراب (٦) ، وما ذكره ـ المصنّف (٧) أقرب.

والقول بزيادة الكاف ـ في نحو قوله تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) أخذ بالظّاهر.

________________________________________________________

(١) أي قوله : «لأنّ المقصود ...» علّة المحذوف ، أي ـ وإنّما حمل على زيادة الكاف ، لأنّ المقصود نفي أن يكون شيء مثل الله تعالى ....

(٢) أي لا مثل له تعالى حتّى ينفى مثل ذلك المثل.

(٣) أي لأنّ لفظ مثله ، في قوله : «ليس مثله شيء» خبر ليس ، وشيء اسمها.

(٤) أي لأنّ الكاف في قوله تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) ، أمّا حرف جرّ ، أو اسم بمعنى مثل مضاف إلى ما بعده ، وكلاهما يقتضي الجرّ.

(٥) أي هذا الكلام صريح في أنّ المسمّى بالمجاز هو كلمة (ربك) ، ولفظ (القرية) ولفظ المثل ، وليس المسمّى بالمجاز هو الإعراب المتغيّر ، والأوّل ما قاله المصنّف ، والثّاني ظاهر عبارة المفتاح.

(٦) أي المستعمل في غير محلّه الأصلي ، فالنّصب في (القرية) يوصف عنده بأنّه مجاز لأنّه تجوز فيه بنقله لغير محلّه ، لأنّ القرية بسبب التّقدير محلّ للجرّ ، وقد أوقع فيها النّصب.

(٧) أي من أنّ الموصوف بكونه مجازا في هذا النّوع ، هو الكلمة الّتي تغيّر إعرابها أقرب ممّا ذكره السّكّاكي من أنّ الموصوف بكونه مجازا في هذا النّوع ، هو الاعراب ـ المستعمل في غير محلّه.

وذلك لوجهين أحدهما : أنّ لفظ المجاز مدلوله في الموضعين هو الكلمة بخلاف إطلاقه على الإعراب فإنّه يقتضي تخالف مدلوليه في الموضعين هنا وما تقدّم ، لأنّ مدلوله في أحد الموضعين الكلمة ومدلوله في الموضع الآخر كيفيّة الكلمة ، وهو الاعراب.

٢٤٨

ويحتمل أن لا تكون (١) زائدة بل تكون نفيا للمثل بطريق الكناية الّتي هي أبلغ ، لأنّ الله تعالى وجود ، فإذا نفى مثل مثله (٢) لزم نفى مثله ، ضرورة أنّه لو كان له مثل لكان هو أعني الله تعالى مثل مثله ، فلم يصحّ نفي مثل مثله ، كما تقول (٣) : ليس لأخي زيد أخ ، أي ليس لزيد أخ نفيا للملزوم بنفي لازمه ، والله أعلم.

________________________________________________________

والثّاني : إنّ إطلاق المجاز على الإعراب لكونه قد وقع ـ في غير محلّه الأصلي إنّما يظهر في الحذف ، لأنّ المقدّر كالمذكور في الإعراب ، فانتقل إعراب ـ المقدّر للمذكور.

وأمّا ـ الزّيادة فلا يظهر ـ فيها كون الإعراب واقعا في ـ غير محلّه ، لأنّه ـ ليس هناك لفظ مقدّر كالمذكور.

وبعبارة أخرى : إنّ ما ذكره السّكّاكي إنّما يصحّ في المجاز بالحذف لانتقال إعراب المحذوف فيه للمذكور ، أمّا المجاز بالزّيادة فلا انتقال فيه.

(١) أي الكاف في قوله تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ) زائدة بل تكون الكاف نفيا للمثل بطريق الكناية ، وهي أبلغ من الحقيقة الّتي هي مقتضى زيادتها ، ووجه الأبلغيّة أنّه يشبّه دعوى الشّيء بالبيّنة ، فكأنّه ادّعى نفي المثل بدليل صحّة نفي مثل المثل.

وتوضيح ذلك : أن تقول : إنّ الشّيء إذا كان موجودا متحقّقا فمتى وجد له مثل لزم أن يكون ذلك الشّيء الموجود المتحقّق مثلا لذلك المثل ، لأنّ المثليّة أمر نسبيّ بينهما ، فإذا نفى هذا اللّازم ، وقيل : لا مثل لمثل ذلك المتحقّق لزم نفي الملزوم ، وهو مثل ذلك المتحقّق ، لأنّه يلزم من نفي اللّازم نفي الملزوم ، وإلّا لكان الملزوم موجودا بلا لازم وهو باطل ، فالله تبارك وتعالى متحقّق موجود ، فلو كان له مثل كان الله مثلا لذلك المثل المفروض ، فإذا نفي مثل ذلك المثل الّذي هو لازم كان مقتضيا لنفي الملزوم وهو وجود المثل.

(٢) أي الّذي هو اللّازم «لزم نفي مثله» أي لزم نفي مثل المثل ، ولازم ذلك نفي المثل ، وهو المطلوب.

(٣) أي كما تقول في شأن زيد الّذي لا أخ له قصدا لإفادة نفي أخ له ، ليس لأخي زيد أخ على سبيل الكناية.

توضيح الكناية أنّه إذا فرض أنّ لزيد ـ الموجود أخا لزم أن يكون زيد أخا لذلك ـ الأخ المفروض وجوده ، فلمّا استلزم وجود الأخ وجود الأخ لذلك الأخ ، وهو زيد لم يصحّ نفي

٢٤٩

الكناية

في اللّغة مصدر كنيت بكذا (١) ، أو كنوت إذا تركت التّصريح به (٢) ، وفي الاصطلاح [لفظ (٣) أريد به لازم معناه مع جواز إرادته معه (٤)] ، أي إرادة ذلك المعنى مع لازمه ، كلفظة طويل النّجاد ، المراد به (٥) طول القامة مع جواز أن يراد حقيقة طول النّجاد أيضا.

________________________________________________________

الأخ عن ذلك الأخ المفروض ، وإلّا لزم وجود الملزوم وهو الأخ المفروض بدون لازمه ، وهو ثبوت أخ له.

فظهر أنّ قولنا :

ليس لأخي زيد أخ ، نفي للملزوم ، وهو أخو زيد بنفي لازمه وهو أخو أخيه ، لأنّ نفي الملزوم لازم لنفي لازمه ، فقد أريد باللّفظ لازم معناه ، وهو معنى الكناية فصدق عليه حدّ الكناية أعني ذكر الملزوم وإرادة اللّازم والملزوم في المثال المذكور ، هو أخو زيد ، ولازمه هو أخو أخيه.

(١) أي بكثير الرّماد عن كذا ، أي عن الجود مثلا.

(٢) أي تركت التّصريح بالجود مثلا ، ثمّ «كنيت» إشارة إلى كونه ناقصا يائيّا ، كرمى يرمي ، و «كنوت» إشارة إلى كون الفعل ناقصا واويّا ، ك (دعا يدعو) هذا ، ولكن قولهم في المصدر كناية بالياء ، دون كناوة بالواو يؤيّد الاحتمال الأوّل.

(٣) أي من هذا التّعريف يستفاد أنّ الكناية عند المصنّف ذكر الملزوم وإرادة اللّازم حقيقة أو ادّعاء ف «بالإرادة» خرج لفظ السّاهي والسّكران والنّائم ، وخرج بقول «لازم معناه» الحقيقة الصّرفة ، ثمّ المراد باللزّوم في هذا الفنّ هو التّعلّق والارتباط ، لا اللزّوم المنطقي والعقليّ بمعنى عدم الانفكاك.

(٤) أي إشارة إلى أنّ إرادة اللّازم أصل ، واردة الملزوم تبعيّة ، وقيل : إنّ الكناية مستعملة في المعنى الحقيقي لينقل منه إلى لازمه.

(٥) أي بلفظ طويل النّجاد لازم معناه ، أعني طول القامة مع جواز إرادة طول النّجاد ، أي حمائل السّيف أيضا.

٢٥٠

[فظهر (١) أنّها تخالف المجاز من جهة إرادة المعنى الحقيقي مع إرادة لازمه (٢)] كإرادة طول النّجاد مع إرادة طول القامة ، بخلاف المجاز فإنّه لا يجوز فيه إرادة المعنى الحقيقي ، للزوم القرينة المانعة عن إرادة المعنى الحقيقي (٣). وقوله : من جهة إرادة المعنى ، معناه من جهة جواز إرادة المعنى (٤) ، ليوافق (٥)

________________________________________________________

والحاصل إنّ النّجاد حمائل السّيف ، فطول النّجاد يستلزم طول القامة ، فإذا قيل : فلان طويل النّجاد ، فالمراد أنّه طويل القامة ، فقد استعمل اللّفظ في لازم معناه مع جواز أن يراد بذلك الكلام الإخبار بأنّه طويل حمائل السّيف وطويل القامة ، أي مع جواز أن يراد كلا المعنيين ، أي المعنى الحقيقي وهو طول حمائل السّيف ، والمعنى المجازي ، وهو طول القامة.

(١) أي فظهر ممّا ذكرنا من جواز إرادة المعنى الأصلي أنّ الكناية تخالف المجاز من جهة جواز إرادة المعنى الحقيقي.

(٢) أي هذا القيد إنّما يكون فصلا لإخراج المجاز عند من يمنع الجمع بين الحقيقة والمجاز كالمصنّف.

(٣) أي لأنّ المجاز تلزمه قرينة تمنع عن إرادة الحقيقة مثلا ، لا يجوز في قولنا : رأيت أسدا في الحمّام أن يراد بالأسد الحيوان المفترس ، لأنّ معه قرينة تدلّ على عدم إرادة معناه الحقيقي ، فلو انتفى هذا انتفى المجاز ، لانتفاء الملزوم بانتفاء اللّازم.

والحاصل إنّ الفرق بين المجاز والكناية من وجهين :

أحدهما : إنّ الكناية لا تنافي إرادة الحقيقة بلفظها ، فلا يمتنع في قولنا : فلان طويل النّجاد أن نريد طول نجاده من غير ارتكاب تأويل مع إرادة طول قامته ، والمجاز ينافي ذلك فلا يصحّ في نحو قولك : في الحمّام أسد أن تريد مع الأسد الرّجل الشّجاع من غير تأويل.

والثّاني : إنّ معنى الكناية هو الانتقال من الملزوم إلى اللّازم ، وليس مبنى المجاز كذلك.

(٤) أي هذا الكلام إشارة إلى حذف المضاف ، أعني كلمة جواز.

(٥) أي قوله : «ليوافق ما ذكره ...» تعليل لتقدير لفظ الجواز المضاف إلى إرادة ، إذ كلام المصنّف في تعريف الكناية مشتمل على ذكر لفظ الجواز ، حيث قال : «لفظ ـ أريد به لازم معناه مع جواز إرادته معه».

٢٥١

ما ذكره في تعريف الكناية ، ولأنّ (١) الكناية ـ كثيرا ما تخلو عن إرادة المعنى الحقيقي للقطع بصحّة قولنا : فلان طويل النّجاد ، وجبان ـ الكلب ، ومهزول الفصيل ، وإن لم يكن له نجاد ولا كلب ولا فصيل (٢). ومثل هذا (٣) في الكلام أكثر من أن يحصى ، وههنا بحث (٤) لا بد من التّنبّه له

________________________________________________________

(١) أي قوله : «لأنّ الكناية ...» علّة لحذف المضاف ، وهو الجواز أيضا ، أي لم يشترط في تعريفهما إلّا جواز الإرادة لا وقوعها ، لأنّ الكناية كثيرا ما تخلو عن إرادة المعنى الحقيقي.

(٢) أي صحّت الكناية بنحو هذه الألفاظ مع انتفاء أصل معناها ، فإنّ طويل النّجاد كناية عن طول القامة مع عدم النّجاد ، أي حمائل السّيف وجبان الكلب كناية عن الكرم ، لأنّ جبن الكلب ، أي عدم جرأته على من يمرّ به يستلزم كثرة الواردين ، وكثرة الواردين عليه تستلزم كرم صاحبه مع عدم كلب أصلا ، ومهزول الفصيل كناية عن الكرم أيضا ، لأنّ هزال الفصيل يستلزم عدم وجود لبن من أمّه ، وهو يستلزم الاعتناء بالضّيفان لأخذ اللّبن من أمّه وسقيه لهم ، وكثرة الضّيفان تستلزم الكرم ، فمهزول الفصيل كناية عن الكرم ، وإن لم يكن فصيل أصلا فضلا عن كونه ـ مهزولا.

(٣) أي مثل القول المتقدّم من عدم إرادة المعنى الحقيقي لعدم وجوده كثير في الكلام.

(٤) أي هذا جواب ممّا يقال : إنّ التّعريف غير جامع ، لأنّه لا يشمل الكناية الّتي تمتنع فيها إرادة المعنى الحقيقي.

وحاصل الجواب اعتبار قيد الحقيقة في التّعريف ، فقولهم في تعريف الكناية : لفظ أريد به لازم معناه مع جواز إرادته معه ، أي من حيث إنّ اللّفظ كناية ، وأمّا من حيث خصوص المادّة ، فقد يمتنع إرادة المعنى الحقيقي لاستحالته.

وبعبارة أخرى : إنّ الكناية من حيث إنّها كناية ، أي لفظ أريد به لازم معناه بلا قرينة مانعة من إرادة المعنى الحقيقي ، لأنّنا من جواز إرادة المعنى الحقيقي.

نعم قد تمتنع تلك الإرادة في الكناية من حيث خصوص المادّة لاستحالة المعنى ، فجواز الإرادة من حيث إنّها كناية ، ومنعها من حيث خصوص المادّة بتعريف الكناية صادق على هذه الصّورة أيضا.

٢٥٢

وهو (١) إنّ المراد بجواز إرادة المعنى الحقيقي في الكناية ، هو أنّ الكناية ـ من حيث إنّها كناية (٢) لا تنافي ذلك (٣) كما أنّ المجاز ينافيه (٤) ، لكن يمتنع ذلك (٥) في الكناية بواسطة خصوص المادّة كما ذكره صاحب الكشّاف في قوله تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)(١) (٦) إنّه من باب الكناية (٧) ، كما في قولهم : مثلك لا يبخل ، لأنّهم إذا نفوه عمّن يماثله ، وعمّن يكون على أخصّ أوصافه فقد نفوه عنه ، كما يقولون : بلغت أترابه (٨) ، يريدون بلوغه ، فقولنا : ليس كالله شيء ، وقولنا : ليس كمثله شيء عبارتان

________________________________________________________

(١) أي البحث.

(٢) أي لا من حيث خصوص المادّة.

(٣) أي إرادة المعنى الحقيقي.

(٤) أي إرادة المعنى الحقيقي.

(٥) أي إرادة المعنى الحقيقي ، وكان الأنسب أن يقول : وأمّا من حيث خصوص المادّة فقد يمتنع في الكناية ذلك.

(٦) أي فإنّ المعنى الموضوع له ، وهو نفي مثل وهو ملزوم ، والمثل لازمه ، وهو الله تعالى ، فنفي الملزوم الّذي هو مثل مثله ، وأريد نفي المثل عنه تعالى ، وهذا معنى صحيح بليغ ، لا يجوز في هذه المادّة إرادة المعنى الموضوع له ، أعني نفي مثل مثله تعالى ، لأنّه تعالى على تقدير أن يكون له مثل ، هو مثل مثله فيلزم نفيه تعالى ، وهو باطل قطعا فثبت أنّ من أفراد الكناية ما يمتنع فيه بخصوصيّة المادّة جواز إرادة المعنى الموضوع له.

(٧) أي من نوعها وقبيلها ، كما أنّ قولهم : مثلك لا يبخل ، من قبيلها ، والمثال نظير للآية من حيث إنّ كلا كناية لا من حيث امتناع إرادة المعنى الحقيقي مع لازمه ، ويحتمل أن يكون نظيرها في ذلك أيضا ، لأنّ القصد من قولهم : مثلك لا يبخل ، نفي البخل عن المخاطب لا يصحّ أن يراد نفي البخل عن مثله أيضا ، لأنّ إثبات مثله للمخاطب نقص في المدح وهو خلاف المقصود.

(٨) أي أتراب جمع ترب بكسر التّاء ، أي أقرانه في السّن بأن يكون ابتداء ولادة الجميع في زمان واحد ، فيلزم من بلوغ أقرانه بالسّن بلوغه بالسّن.

__________________

(١) سورة الشورى : ١١.

٢٥٣

متعاقبتان (١) على معنى واحد ، وهو نفي المماثلة عن عن ذاته ، مع أنّه لا فرق بينهما (٢) ـ إلا ما تعطيه (٣) ـ الكناية ـ من المبالغة ، ولا يخفى ههنا (٤) امتناع إرادة ـ الحقيقة وهو نفي المماثلة ـ عمن هو مماثل له وعلى أخصّ أوصافه.

[وفرق (٥)] بين الكناية والمجاز [بأنّ الانتقال فيها أي من الكناية [من اللّازم] إلى الملزوم ، كالانتقال من طول النّجاد إلى طول القامة (٦) ، [وفيه] أي في المجاز الانتقال

________________________________________________________

(١) أي واردتان على معنى واحد على وجه المعاقبة والبدليّة ، فنفي المماثلة عن ذاته تعالى تارة يؤدّي بالعبارة الأولى على وجه الصّراحة ، وأخرى يؤدّي بالعبارة الثّانيّة على وجه الكناية ، وذلك لأنّ مؤدّاها بالمطابقة نفي أن يكون شيء مماثلا لمثله ، ويلزم من نفي كون الشّيء مماثلا نفي كونه مماثلا له تعالى ، إذ لو كان ثمّ مماثل له تعالى ، كان الله مماثلا لمثله ، ضرورة أنّ ما يثبت لأحد المثلين فهو ثابت للآخر ، وإلّا افترقت لوازم المثلين ، فثبت أنّ مفاد العبارتين واحد.

(٢) أي بين العبارتين.

(٣) أي الفرق بينهما أنّ ما تعطيه الكناية ، أي العبارة الثّانية من المبالغة ، أي الكناية تفيد المبالغة لإفادتها المعنى بطريق اللزّوم الّذي هو كادّعاء الشّيء ببيّنة ، ولمّا كانت الكناية أبلغ من الحقيقة كان قوله : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) أوكد في نفي المثل من (ليس كالله شيء).

(٤) أي في الآية ، أعني ليس كمثله شيء امتناع إرادة الحقيقة ، لاستحالة ثبوت مماثل له تعالى ، وإرادة الحقيقة في ذلك تقتضي إثباته له.

(٥) أي قوله :

«فرق» بالبناء للمفعول وهو الاقرب ، وذلك لعدم تقدّم الفاعل فيما مرّ ، ويحتمل أن يكون مبنيّا للفاعل ، والفاعل ضمير عائد على السّكّاكي للعلم به ، فإنّ الكلام في المباحثة غالبا معه ، وذكر المصنّف هذا الفرق ثمّ اعترض عليه بقوله : «وردّ» ، والفرق المرضي عند المصنّف أنّ الكناية فيها جواز إرادة المعنى الحقيقي دون المجاز.

(٦) أي فطول القامة ملزوم لطول النّجاد ، وطول النّجاد لازم لطول القامة ، وكذلك النّبت لازم للمطر بحسب العادة ، والمطر ملزوم له ، وكذلك الشّجاعة لازمة للأسد ، والأسد ملزوم لها.

٢٥٤

[من الملزوم] إلى اللّازم ، كالانتقال من الغيث إلى النّبت ، ومن الأسد إلى الشّجاعة [وردّ] هذا الفرق [بأنّ اللّازم ما لم (١) يكن ملزوما] بنفسه ، أو بانضمام قرينة إليه ، [لم ينتقل منه] إلى الملزوم ، لأنّ اللّازم من حيث إنّه (٢) يجوز أن يكون أعمّ (٣) ، ولا دلالة للعامّ على الخاصّ (٤).

[وحينئذ] أي وحين إذ كان اللّازم ملزوما (٥) [يكون الانتقال من الملزوم] إلى اللّازم كما في المجاز ، فلا يتحقّق الفرق (٦) والسّكّاكي أيضا معترف بأنّ اللّازم ما لم يكن ملزوما امتنع الانتقال منه (٧).

________________________________________________________

(١) أي ما مصدريّة ظرفيّة ، أي مدّة كونه غير ملزوم بأن بقي على لازميّته ، ولم يكن ملزوما لملزومه لكونه أعمّ من ملزومه.

(٢) أي من حيث إنّه يلزم من وجود غيره وجوده.

(٣) أي أعمّ من ملزومه كالحيوان بالنّسبة للإنسان ، فلا يخلو الإنسان من الحيوان ، وقد يخلو الحيوان من الإنسان ، وإذا صحّ أن يكون اللّازم أعمّ فلا ينتقل منه إلى الملزوم ، إذ لا دلالة للأعمّ على الأخصّ حتّى ينتقل منه إليه.

(٤) أي كالحرارة مثلا لا تدلّ على النّار.

(٥) أي الأولى أن يقول : أي وحين إذ كان لا ينتقل من اللّازم مادام لم يكن ملزوما.

(٦) أي فلا يحصل الفرق بين المجاز والكناية ، لأنّ الانتقال في كلّ منهما من الملزوم إلى اللّازم ، لأنّ الانتقال من اللّازم إلى الملزوم لا يحصل إلّا إذا كان اللّازم المنتقل منه ملزوما ، فينتقل منه من حيث إنّه ملزوم لا من حيث إنّه لازم.

(٧) أي فإنّ السّكّاكي قال : مبنى الكناية على الانتقال من اللّازم إلى الملزوم ، وهذا يتوقّف على مساواة اللّازم للملزوم ، وهي إنّما تتحقّق إذا كان اللّازم ملزوما ، وحينئذ يتحقّق التّلازم بين اللّازم والملزوم ، فيصير الانتقال من اللّازم إلى الملزوم بمنزلة الانتقال من الملزوم إلى اللّازم كما في المجاز ، فلم يحصل فرق بين الكناية والمجاز بما ادّعاه من أنّ الانتقال في الكناية من اللّازم إلى الملزوم ، وفي ـ المجاز من الملزوم إلى اللّازم ، إذ ثبت أنّ اللّازم لا ينتقل منه إلّا إذا كان ملزوما ، فاتّحد الكناية والمجاز في المنتقل عنه والمنتقل إليه فأين الفرق؟

٢٥٥

وما يقال (١) : إنّ مراده أنّ اللزّوم من الطّرفين من خواصّ الكناية دون المجاز ، أو شرط لها دونه ممّا لا دليل (٢) عليه.

وقد يجاب (٣) : بأنّ مراده (٤) باللّازم ـ

________________________________________________________

(١) أي ما يقال في الجواب عن اعتراض المصنّف على السّكّاكي «إنّ مراده» أي السّكّاكي من قوله : «بأنّ الانتقال فيها ...».

وحاصل تصحيح فرق السّكّاكي بين الكناية والمجاز : أنّ مراد السّكّاكي بقوله : «الانتقال في الكناية من اللّازم إلى الملزوم» ، هو اللّازم المساوي لملزومه ، لأنّ اللزّوم بين الطّرفين من خواصّ الكناية ، ومراده بقوله : «الانتقال في المجاز من الملزوم إلى اللّازم» مطلقا ، لأنّ اللزّوم بين الطّرفين لا يشترط في المجاز فصحّ ما ذكره من الفرق.

(٢) أي فيقال في ردّ تصحيح الفرق بينهما : أن لا دليل على اختصاص الكناية باللزّوم بين الطّرفين دون المجاز ، بل قد يكون اللزّوم فيها أعمّ كما يكون مساويا كالمجاز ، فحينئذ يكون اعتراض المصنّف على السّكّاكي في محلّه ، إذ لا يشترط فيها التّساوي من الطّرفين ، كما لا يشترط ـ في المجاز.

(٣) أي قد يجاب عن الاعتراض الّذي أورده المصنّف على السّكّاكي «بأنّ مراده» ، أي حاصل الجواب الثّاني أنّ مراد السّكّاكي باللّازم في قوله : «إنّ الكناية ينتقل فيها من اللّازم إلى الملزوم» ما يكون وجوده على سبيل التبعيّة لوجود ـ الغير ، وما يكون اعتباره فرعا عن اعتبار الغير ، كطول النّجاد التّابع وجوده في الغالب لطول القامة ، وليس مراده باللّازم معناه الأخصّ الاصطلاحي وهو ما يمتنع انفكاكه عن الملزوم ، حتّى يرد بعدم الفرق بين الكناية والمجاز.

وكذا مراده بقوله : «إنّ المجاز ينتقل فيه من الملزوم إلى اللّازم» أي من المتبوع في الوجود الخارجي ، أو في الاعتبار إلى التّابع فيه ، فحينئذ صحّت التّفرقة الّتي ذكرها بينهما.

وبعبارة أخرى :

إنّه ليس مراده حقيقة اللّازم والملزوم حتّى يتوجّه عليه الاعتراض ، بل مراده بهما التّابع والمتبوع ، وإن لم يكن بينهما لزوم عقليّ كطول النّجاد لطول القامة.

(٤) أي السّكّاكي ، وقوله : «باللّازم» أي في جانب الكناية ، وفي جانب المجاز.

٢٥٦

ما يكون وجوده (١) على سبيل التبعيّة (٢) كطول النّجاد التّابع لطول القامة ، ولهذا (٣) جوّز كون اللّازم أخصّ كالضّاحك بالفعل للإنسان (٤) ، فالكناية (٥) أن يذكر من المتلازمين (٦) ما هو تابع ورديف ويراد به ما هو متبوع ومردوف ، والمجاز بالعكس (٧). وفيه نظر (٨) ، ولا يخفى (٩) عليك أن ليس المراد باللزّوم ههنا امتناع الانفكاك.

________________________________________________________

(١) أي في الخارج ، أو في الاعتبار.

(٢) أي التبعيّة لوجود الغير ، أو لاعتبار الغير.

(٣) أي لأجل أنّ مراده باللّازم التّابع لا المتعارف ، جوّز السّكّاكي كون اللّازم ـ المنتقل منه للمعنى الكنائي أخصّ ، لأنّ اللّازم بمعنى التّابع في الوجود لوجود غيره ، أو في الاعتبار لاعتبار غيره ، يجوز أن يكون ـ أخصّ ، بخلاف اللّازم المتعارف فإنّه إنّما يكون أعمّ أو مساويا ، ولا يكون ـ أخصّ ، وإلّا لكان الملزوم أعمّ ، فيوجد بدون اللّازم وهو محال.

(٤) أي أنّ الضّاحك بالفعل أخصّ من الإنسان ، بخلاف الضّاحك بالقوّة فإنّه يكون مساويا له.

(٥) أي هذا تصريح بالمراد ، وتفريع على الجواب المذكور ، أي فالكناية على هذا «أن يذكر ...».

(٦) أي المراد بهما ما بينهما لزوم ، ولو في الجملة لا ما بينهما التّلازم الحقيقي فقطّ ، وهو ما كان التّلازم بينهما من الجانبين.

(٧) أي فيقال المجاز هو أن يذكر من المتلازمين ما هو مردوف ومتبوع ، ويراد به الرّديف والتّابع.

(٨) أي في قوله : «والمجاز بالعكس» نظر ، لأنّ المجاز ليس بعكس الكناية في ذلك ، إذ لا يجوز أن ينتقل فيه من التّابع أيضا ، كما في قولك : أمطرت السّماء نباتا ، أي غيثا ، فإنّ إطلاق النّبات على الغيث من إطلاق التّابع ـ في الوجود الخارجي على المتبوع ، فلو اختصّت الكناية بالانتقال من التّابع إلى المتبوع كان مثل ذلك من الكناية مع أنّهم مثّلوا ـ به للمجاز ، ونصّوا على أنّه منه.

(٩) أي قوله : «ولا يخفى» جواب عن سؤال مقدّر ، تقريره أنّه كيف يكون المراد باللّازم ما يكون وجوده على سبيل التبعيّة لغيره مع إمكان ـ انفكاكه عن غيره ، مع أنّ اللّازم لا ينفكّ

٢٥٧

أقسامها [وهي] أي الكناية [ثلاثة أقسام (١) : الأولى (٢)] تأنيثها باعتبار كونها عبارة عن الكناية [المطلوب بها (٣) غير صفة ولا نسبة ، فمنها] أي ـ فنّ الأولى [ما هي معنى واحد (٤)]

________________________________________________________

عن الملزوم ، والتّابع من حيث إنّ تابع لا ينفكّ عن المتبوع.

وحاصل الجواب : إنّ ما قلته إنّما هو في اللزّوم العقليّ ، وهو ليس بمراد ههنا ، بل المراد باللزّوم ههنا هو مطلق الارتباط ولو بقرينة أو عرف ، وإذا كان المراد من اللّازم هذا المعنى يكون المراد من التبعيّة هذا أيضا ، لأنّه مفسّر بها ، وبالجملة إنّ ـ المراد باللزّوم هو مطلق تلاصق واتّصال ينتقل من أحدهما إلى الآخر في الجملة ، وفي بعض الأحيان وهذا متحقّق في كلّ أمرين بينهما علاقة وارتباط عقلا أو ادّعاء أو اعتقادا.

(١) أي حصر الكناية في الثّلاثة بحكم الاستقراء وتتبّع موارد الكنايات ، فيكون الحصر استقرائيّا لا عقليّا ، ومجمل الأقسام :

١. أن يكون ـ المطلوب بها غير صفة وغير نسبة.

٢. أن يكون المطلوب بها صفة.

٣. أن يكون المطلوب بها نسبة.

(٢) أي القسم الأوّل من هذه الأقسام ، وعبّر عنه بصيغة التّأنيث مع أنّ لفظ القسم مذكّر نظرا إلى أنّ المعبّر عنه بهذه الصّيغة هي الكناية ، وهي مؤنّثة ، أو باعتبار القسمة ، أي القسمة الأولى من هذه الأقسام المنسوبة للكناية.

(٣) أي المطلوب بالكناية غير صفة وغير نسبة ، والمراد بالصّفة هي ـ الصّفة المعنويّة لا النّعت النّحوي ، ومعنى كون الكناية يطلب بها ما ذكر أن يقصد الانتقال من المعنى الأصلي إلى الفرع الّذي استعملت هي فيه. والحاصل إنّ المعنى المطلوب بلفظ الكناية إمّا أن يكون صفة كالجود والكرم ، وإمّا أن يكون نسبة صفة لموصوف ، وإمّا أن يكون غير صفة وغير نسبة ، والمصنّف قسّم الأوّل أعني غير صفة وغير نسبة إلى ـ قسمين ، والثّاني إلى أربعة أقسام ، ولم يقسّم الثّالث ، والمرجع في الجميع هو الاستقراء.

(٤) أي القسم الأوّل من هذا القسم لفظ ـ مدلوله معنى واحد ، والمراد بالمعنى الواحد أن لا يكون مركّبا من أشياء مختلفة ، وإن كان متعدّدا كما في الأضغان في البيت الأتي فليس المراد بالوحد ما قابل التّثنية والجمع ، وإلى ذلك ـ أشار بقوله : «مثل أن يتّفق في صفة من الصّفات ...».

٢٥٨

مثل أن يتّفق في صفة من ـ الصّفات اختصاص (١) بموصوف معيّن (٢) ، فتذكر تلك الصّفة (٣) ليتوصّل بها إلى ذلك الموصوف ، [كقوله (٤):]

الضّاربين بكلّ أبيض مخذم (٥)

[والطّاعنين (٦) مجامع الأضغان (٧)

________________________________________________________

(١) أي قوله : «اختصاص» فاعل «يتّفق».

(٢) أي المراد بالموصوف المعيّن في البيت الأتي هي القلوب ، وفي بعض النّسخ (اختصاص بموصوف معيّن عارض) ، ف (عارض) هو صفة (اختصاص) ، يعني يكون اختصاص تلك الصّفة بموصوف معيّن بالعرض ، أي لأسباب خارجة عن مفهومها ، فيكون الاختصاص عارضا ، كما في اختصاص صفة مجامع الأضغان بالقلوب ، لأنّ الأضغان مفرده ضغنة ، بمعنى الحقد ، ومكان ذلك القلب ، ولا شكّ أنّ ـ المجمعيّة للأضغان صفة مختصّة بالقلوب ، فإنّها لا تجتمع في غيرها ، لكن هذا الاختصاص عارض لأنّ في وضع الصّفة سواء كان من المشتقّات أو غيرها ، لم يؤخذ موصوف معيّن خاصّ ، فاختصاص تلك المجمعيّة بالقلوب عارض ومن باب الاتّفاق.

(٣) أي يذكر لفظ تلك الصّفة ليتوصّل بتصوّر معنى ذلك اللّفظ الدالّ على تلك الصّفة إلى ذات ذلك الموصوف لا إلى نسبة من النّسب المتعلّقة به ، فيصدق حينئذ أنّ المطلوب بلفظ تلك الصّفة الّذي جعلناه كناية غير الصّفة وغير النّسبة ، إذ هو ذات الموصوف وإنّما اشترط في الصّفة المكنّى بها الاختصاص ، ولو بأسباب خارجيّة لما علمت من أنّ الأعمّ لا يشعر بالأخصّ ، وإنّما يستلزم المطلوب ما يختصّ به بحيث لا يكون أعمّ لوجوده في غيره.

(٤) أي قول عمرو بن معدي كرب الزّبيدي قال في شرح الشّواهد : لا أعلم قائله.

(٥) أي بكلّ سيف أبيض ، والضّاربين نصب على المدح ، والمعنى أي أمدح الضّاربين بكلّ سيف أبيض مخدم ، أي قاطع المخدم على وزن منبر ، بمعنى السّيف القاطع.

(٦) أي «الطّاعنين» بمعنى الضّاربين بالرّمح ، عطف على «الضّاربين» ، والمعنى أمدح الضّاربين بالرّمح مجامع الأضغان.

(٧) أي مجامع الأضغان كناية عن القلوب ، كأنّه يقول : والطّاعنين قلوب الأقران لأجل إخراج أرواحهم بسرعة ، ومجامع الأضغان معنى واحد ، إذ ليس أجساما ملتئمة من أمور

٢٥٩

المخذم القاطع ، والضّغن الحقد ، ومجامع الأضغان معنى واحد كناية عن القلوب. [ومنها (١) ما هو ـ مجموع معان] بأن تؤخذ صفة (٢) فتضمّ إلى لازم آخر وآخر لتصير جملتها (٣) مختصّة بموصوف ، فيتوصّل بذكرها إليه ، [كقولنا كناية عن الإنسان : حيّ مستوى القامة عريض الأظفار (٤)].

________________________________________________________

مختلفة ، وإن كان جمعا ، وذلك المعنى الواحد صفة معنويّة جعل كناية عن القلوب ، لأنّ تلك الصّفة مختصّة بها ، فالمطلوب بلفظ مجامع الأضغان غير الصّفة ، وغير النّسبة لأنّ المطلوب به القلوب ، وهو ذات غير صفة وغير نسبة.

والشّاهد في أنّ الشّاعر أطلق الصّفة الّتي هي لازم ، وأراد محلّها وهو الموصوف كناية.

(١) أي القسم الثّاني من قسمي هذا ـ القسم من الكناية «ما هو مجموع معان» ، وفي بعض النّسخ ما هي ، أي كناية ـ هي مجموع معان ، أي هي لفظ دالّ على مجموع معان أو مدلوله مجموع معان مختلفة ، بأن تكون تلك المعاني جنسين أو أجناسا متعدّدة.

(٢) أي كحيّ في المثال الآتي ، «فتضمّ» تلك الصّفة «إلى لازم آخر» ، أي ـ إلى صفة ـ أخرى كمستوى القامة وعريض القفا في المثال الآتي ، وتعبيره أوّلا بالصّفة وثانيا باللّازم لمجرّد التّفنّن ، فلو عبّر أوّلا وثانيا ، أو باللّازم كذلك كان صحيحا.

(٣) أي لتصير مجموع الصّفات بعد ضمّ ـ بعضها ببعض «مختصّة بموصوف» خاصّ ، وإن كانت صفة بمفردها غير خاصّة به ، ألا ترى أنّ حيّ في المثال ليس خاصّا بالإنسان ، لوجوده في غيره كالحمار مثلا ، وكذلك مستوى القامة فإنّه موجود في النّخل ، وعريض الأظفار أو القفا موجود ـ في غير الإنسان.

وأمّا جملة الثّلاثة ومجموعها فهي مختصّة بالإنسان ، وحينئذ فيتوصّل بذكر تلك الصّفات المنضمّ بعضها إلى بعض إليه ، أي إلى ذلك الموصوف الخاصّ.

(٤) فإنّ مجموع الصّفات كناية عن الإنسان ، لأنّ كلّ واحد من الثّلاثة لا يختصّ بالإنسان لوجودها في غيره والمجموع خاصّ به. إذ لو كنّي عن الإنسان باستواء القامة وحده شاركه فيه بعض الشّجر ، وكذلك لو كنّي بعرض الأظفار وحده أو بعرض ـ الأظفار مع الحيّ ساواه الجمل مثلا ، هذا بخلاف مجموع الأوصاف الثّلاثة حيث يختصّ بها الإنسان ، فكانت كناية عنه.

٢٦٠