دروس في البلاغة - ج ٤

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في البلاغة - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة البلاغ
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٥٤

كقولها (١) : هم كالحلقة المفرغة (٢) لا يدرى أين طرفاها. [ومنه ما ذكر فيه وصفهما] أي المشبّه والمشبّه به كليهما [كقوله (١) (٣) : صدفت عنه] أي أعرضت عنه [ولم تصدف مواهبه عنّي وعاوده ظنّي ، فلم يخب كالغيث إن جئته وافاك] أي أتاك [ريقه] يقال : فعله في روق شبابه ، وريّقه أي أوّله ، وأصابه ريّق المطر ، وريّق كلّ شيء أفضله ، [وإن ترحّلت عنه لجّ في الطّلب] وصف المشبّه ، أعني الممدوح بأنّ عطاياه فائضة عليه أعرض (٤)

________________________________________________________

(١) أي فاطمة الأنماريّة.

(٢) أي فإنّ وصف الحلقة بكونها مفرغة غير معلومة الطّرفين مشعر بوجه التّشبيه ، كما عرفت.

(٣) شرح مفردات البيت :

«صدفت» بالصّاد والدّال المهملتين والفاء ، متكلّم بمعنى انصرفت وأعرضت ، أي انصرفت عنه تجريبا لشأنه ، أو خطأ منّي ، وقلّة وفاء بحقّه «لم تصدف» مضارع من صدف «عاود» ماض من المعاودة ، وهو بالعين والدّال المهملتين بينهما واو ، بمعنى الرّجوع إلى الأمر الأوّل «الظّنّ» خلاف اليقين وإسناد عاود إليه تجوّز ، وحقيقته عاودت لمواصلته طلبا للطفه ظنّا منّي أنّي أجد فيه المراد «فلم يخب» ، أي ظنّي ، والمقصود أنّه لم يرد أحدا من بابه مع كونه معرضا عنه ، فلا يردّ أحدا عند عدم الإعراض بطريق أولى «الغيث» ، هو المطر الواسع المقبل الّذي يرتجيه أهل الأرض ، قوله : «إن جئته» في مقابل قوله : «وعاوده ظنّي» ، وقوله : «إن ترحّلت» في مقابل قوله :

«صدفت عنه» ، «الرّيّق» بمعنى أفضل الشّيء وخالصه ، فروق الشّباب ، وريّقه أفضله وأحسنه «إن ترحّلت عنه» أي إن ارتحلت وفررت وتباعدت عن الغيث ، «لجّ» أي كثر اللّجّ بالجيم من اللّجاج ، وهو الخصومة ، أو بالحاء المهملة من الإلحاح ، وهو في الأصل كثرة الكلام أريد به هنا مجرّد الكثرة ، والمعنى على كلّ حال بالغ.

والشّاهد :

في البيت كونه مشتملا على تشبيه مجمل قد ذكر فيه وصف المشبّه ووصف المشبّه به المشعرين بوجه الشّبه ، كما بيّنه الشّارح.

(٤) أي أعرض الشّاعر ، وهو معنى صدفت عنه.

__________________

(١) ـ أي كقول أبي تمّام في مدح الحسن بن سهل.

٤١

أو لم يعرض ، وكذا (١) وصف المشبّه به أعني الغيث ، بأنّه يصبك إن جئته أو ترحّلت عنه ، والوصفان (٢) مشعران بوجه الشّبه ، أعني الإفاضة في حالتيّ الطّلب وعدمه ، وحالتيّ الإقبال عليه ، والإعراض عنه. [وإمّا مفصّل] عطف (٣) على إمّا مجمل [وهو ما ذكر فيه وجهه (٤) كقوله : وثغره في صفاء ، وأدمعي كاللآلئ (٥) ، وقد يتسامح (٦) بذكر ما يستتبعه مكانه] أي بأن يذكر مكان وجه الشّبه ما يستلزمه (٧) أي يكون وجه الشّبه تابعا له لازما في الجملة.

________________________________________________________

(١) أي كالمشبّه.

(٢) أي الوصفان الخاصّان ، وهما كون الممدوح فائضة أعرضت عنه أو لا ، وكون الغيث يصبك جئته أو ترحّلت عنه.

(٣) أي معطوف على قوله : «إمّا مجمل» والعاطف هو إمّا على قول ، والواو على قول آخر ، وإمّا لمجرّد التّفصيل.

(٤) أي وجه التّشبيه.

(٥) أي فإنّ هذا البيت قد ذكر فيه وجه الشّبه ، وهو الصّفاء ، وقد تقدّم التّمثيل به لتشبيه التّسوية ، ولا بعد في كون كلام واحد مثالا لشيئين مع تعدّد الجهة كالبيت ، فإنّه لاشتماله على تعدّد الطّرف الأوّل يصلح أن يكون مثالا لتشبيه التّسوية ، وباعتبار التّصريح بوجه الشّبه يصلح أن يكون مثالا للتّشبيه المفصّل ، ثمّ إنّ وصف الدّموع بالصّفاء للإشعار إلى كثرتها ، فإنّ الكثرة تقتضي غسل المنبع وتنقيته من الأوساخ الّتي تمتزج بالماء ، بخلاف ما إذا جرى أحيانا ، فإنّه يكون متلبّسا بكدرات المنبع ، فسقط من أفاد أنّ وصف الدّمع بالصّفاء لا يناسب كون البيت مسوقا لبيان كثرة الحزن ، لأنّ الدّمع الصّافي لا يدلّ عليها ، وإنّما الدّالّ عليه الدمع المشوب بالدّم.

وكيف كان فالشّاهد في البيت : كونه مشتملا على ذكر وجه الشّبه مفصّلا ، لأنّ وجه الشّبه وهو الصّفاء مذكور مفصّلا.

(٦) أي قد يتساهل البيانيّون في تسمية ما يستتبع وجه الشّبه وجه شبه بسبب ذكر أهل المحاورة ما يستلزمه مكانه.

(٧) أي تفسير الشّارح ، «أي بأن يذكر ...» إشارة إلى أنّ قول المصنّف مكانه ظرف لغو متعلّق بذكر لا أنّه ظرف مستقرّ حال من ما الموصولة ، فإنّه تكلّف مستغنى عنه ،

٤٢

[كقولهم (١) للكلام الفصيح ، هو كالعسل في الحلاوة ، فإنّ الجامع (٢) فيه لازمها] أي وجه الشّبه في هذا التّشبيه لازم الحلاوة [وهو ميل الطّبع] لأنّه المشترك بين العسل والكلام لا الحلاوة الّتي هي من خواصّ المطعومات. [وأيضا] تقسيم ثالث للتّشبيه باعتبار وجهه وهو (٣) أنّه (٤) [إمّا قريب مبتذل (٥) ، وهو (٦) ما ينتقل فيه من المشبّه إلى المشبّه به من غير تدقيق نظر ، لظهور وجهه في بادئ الرّأي]

________________________________________________________

وأنّ الاستتباع معناه الاستلزام ، فإنّ الاستتباع أعمّ من استتباع الملزوم للازمه.

توضيح ذلك كما في المفصّل : إنّ الاستتباع قد يطلق على إيجاب العلّة التّامّة وجود معلولها في الخارج ، فإنّه يقال : جزّ الرقبة مستتبع للقتل ، وإجراء العقد مستتبع للملكيّة ، أي إنّهما موجبان لهما ، وقد يطلق على اقتضاء المقتضي الّذي هو جزء للعلّة التّامّة وجود مقتضاه في الخارج ، فيقال : الجماع مستتبع للحمل ، أي أنّه مقتضي له ومؤثّر فيه ، لو لم يمنع عنه مانع ، وكانت الشّرائط موجودة ، وقد يطلق على استلزام الملزوم للازمه ، فيقال : الأربعة مستتبعة للزّوجيّة ، أي مستلزمة لها ، والمراد به هنا المعنى الأخير ، حيث إنّ الحلاوة عادة مستلزمة لميل الطّبع وإن لم تكن كذلك عقلا إلّا أنّه لا ضير فيه ، فإنّ المراد من الاستلزام ما هو الأعمّ من العقليّ والعاديّ.

(١) أي كقولهم في وصف الكلام الفصيح أو البليغ : هو كالعسل في الحلاوة.

(٢) أي وجه الشّبه المشترك بين الطّرفين هو لازم الحلاوة ، وهو ميل الطّبع ، فوجه الشّبه في الحقيقة بين العسل والكلام الفصيح هو ميل الطّبع.

(٣) أي التّقسيم الثّالث.

(٤) أي وجه الشّبه.

(٥) أي مستعمل للعامّة وغيرهم ، ومتداول عند الجميع كما إذا أريد تشبيه الهندي بالفحم في السّواد ، فإنّه ينتقل من تصوّر الهنديّ بلا تأمّل إلى تصوّر الفحم ، فتشبيه الهندي بالفحم مبتذل ، لأنّ المراد بالابتذال هنا هو التّداول وكثرة الاستعمال.

(٦) أي القريب «ما» أي التّشبيه الّذي «ينتقل فيه من المشبّه إلى المشبّه به من غير تدقيق نظر» ، بيان ذلك : إنّ التّشبيه لمّا كان مسوقا حال المشبّه ، وجعله كالمشبّه به كان فيه انتقال ذهن من يريده من المشبّه إلى المشبّه به على النّحو المذكور ، فإذا نقول : إن كان ذلك الانتقال

٤٣

أي في ظاهره إذا جعلته (١) من بدا الأمر يبدو ، أي ظهر ، وإن جعلته مهموزا من بدأ فمعناه في أوّل الرّأي ، وظهور وجهه (٢) في بادي الرّأي يكون لأمرين : إمّا [لكونه (٣) أمرا جمليّا] لا تفصيل فيه (٤) [فإنّ (٥) الجملة أسبق إلى النّفس] من التّفصيل ألا ترى أنّ إدراك الإنسان من حيث إنّه شيء أو جسم أو حيوان (٦) أسهل وأقدم ـ من إدراكه

________________________________________________________

حاصلا من غير تدقيق نظر ، لظهور وجه الشّبه كان التّشبيه مبتذلا كما في تشبيه الرّجل الشّجاع بالأسد ، وإن كان ذلك الانتقال بعد التّأملّ لعدم ظهور وجه الشّبه ، كما في قوله : «والشّمس كالمرآة في كفّ الأشلّ» كان التّشبيه غريبا حسنا.

(١) بيان لتفسيره «بادي الرّأي» بقوله : «أي في ظاهره» ثمّ إضافة البادي إلى الرّأي على هذا التّقدير من إضافة الصّفة إلى الموصوف ، فالمعنى أي في الرّأي الظّاهر ، يعني لا حاجة إلى الرّأي العميق والفكر الدّقيق ، بل يكفي فيه رأي ظاهر يحصل لكلّ من تصدّى له.

(٢) أي وجه التّشبيه.

(٣) أي وجه التّشبيه أمرا جمليّا ، قوله : «جمليّا» نسبة إلى الجملة بحذف التّاء ، كما في بصري وكوفي ، على ما قرّر في موضعه.

(٤) أي أتى الشّارح بذلك للإشارة إلى أنّ المجمل في المقام مقابل للمفصّل لا للمبيّن ، كي يكون بمعنى ما لم تتّضح دلالته ، وحاصل كلام المصنّف ومراده أنّ أحد سببيّ ، ظهور وجه الشّبه في بادي الرّأي كونه مجملا لا تفصيل فيه ، سواء كان بسيطا لا تركيب فيه أصلا كقولك : زيد كعمرو في النّطق ، وزيد كالشّمس في الضّياء ، أو مركّبا لم ينظر إلى أجزائه نحو زيد كعمرو في الإنسانيّة.

(٥) علّة للعلّة ، فيكون المعنى إنّ الأمر الجملي أظهر من التّفصيليّ ، لأنّ الأمر المجمل أسبق إلى إدراك النّفس وفهمه من الأمر المفصّل ، والسّرّ في ذلك إنّ المجمل يحتاج إلى ملاحظة واحدة ، بخلاف المفصّل ، فإنّه محتاج إلى تعدّد الملاحظة بحسب ما فيه من الأجزاء ، ولازم ذلك كون المجمل أسبق إلى إدراك النّفس من المفصّل لكونه قليل المؤنة بالإضافة إليه ، سيّما إذا كان التّفصيل بتحليل المجمل لا بجمع أمور.

(٦) أي هذه الثّلاثة أعني كون الإنسان شيئا أو جسما أو حيوانا متفاوتة الرّتب في العموم والأعرفيّة ، فإنّ العامّ أعرف من الخاصّ ، وليست متفاوتة في الإجمال المقابل

٤٤

من حيث إنّه جسم نام حسّاس متحرّك بالإرادة ناطق (١).

[أو] لكون وجه الشّبه [قليل التّفصيل (٢) مع غلبة حضور المشبّه به في الذّهن إمّا عند حضور المشبّه لقرب المناسبة] بين المشبّه والمشبّه به ، إذ لا يخفى أنّ الشّيء (٣) مع ما (٤) يناسبه أسهل حضورا منه مع ما لا يناسبه (٥) [كتشبيه الجرّة الصّغيرة (٦) بالكوز في المقدار والشّكل] فإنّه قد اعتبر في وجه الشّبه تفصيل ما

________________________________________________________

للتّفصيل ، فإنّها متساوية الأقدام في ذلك حيث إنّه لم يلاحظ في شيء منها ما لها من الأجزاء ، فكلّها على منوال واحد من هذه النّاحية.

(١) أي فقولنا : الإنسان كالبياض في الشّيئيّة ، أو كالحجر في الجسميّة أو كالغنم في الحيوانيّة تشبيه مبتذل ، وقولنا : الرّوميّ كالزّنجيّ في أنّ كلّا منهما جسم حسّاس متحرّك بالإرادة تشبيه غريب ، وكذلك قولنا : زيد كعمرو في الإنسانيّة ، وشرف الحسب وكرم الطّبع وحسن المعاشرة ، ودقّة النّظر في الأمور ، هذا هو التّفصيل الجمعيّ ، كما أنّ الأوّل هو التّفصيل التّحليلي.

(٢) أي هذا هو الأمر الثّاني من الأمرين الموجبين لظهور وجه الشّبه في بادي الرّأي ، يعني أنّ ظهور الوجه إمّا لكونه أمرا جمليّا ، وإمّا لكونه قليل التّفصيل ، وإن لم جمليّا ، قوله : «مع غلبة» أي كون وجه الشّبه قليل التّفصيل مع غلبة ، أي حال كون قلّة التّفصيل مصاحبة لغلبة «حضور المشبّه به في الذّهن» ثمّ قوله : «عند حضور المشبّه» ظرف لغلبة حضور المشبّه به ، قوله : «لقرب المناسبة» علّة لغلبة حضور المشبّه به عند حضور المشبّه.

(٣) أي المشبّه به.

(٤) أي مع المشبّه الّذي يناسبه ، بأن كانا من واد واحد ، كالأواني والإظهار.

(٥) أي أسهل حضورا من نفسه مع المشبّه الّذي لا يناسبه ، والسّرّ في ذلك : أنّ المتناسبين مقترنان في الخيال بخلاف غير المتناسبين ، ولازم ذلك كون أحد المتناسبين أسهل حضورا في النّفس مع مناسبه الآخر من حضوره مع ما لا يناسبه.

(٦) أي من التّشبيه المبتذل لظهور وجه الشّبه بواسطة كونه قليل التّفصيل مع غلبة حضور المشبّه به في الذّهن عند حضور المشبّه ، هو تشبيه الجرّة الصّغيرة بالكوز في المقدار والشّكل حيث إنّ شكل كلّ منهما كرويّ مع استطالة ، وإنّما قيّد الجرّة بالصّغيرة ، إذ لا مناسبة في

٤٥

أعني المقدار والشّكل (١) ، إلّا أنّ الكوز غالب الحضور عند حضور الجرّة [أو مطلقا] عطف على قوله : عند حضور المشبّه (٢) ، ثمّ غلبة حضور المشبّه به في الذّهن مطلقا تكون [لتكرّره] أي المشبّه به [على الحسّ] فإنّ (٣) المتكرّر على الحسّ كصورة القمر غير منخسف أسهل حضورا ممّا لا يتكرّر على الحسّ كصورة القمر منخسفا (٤) [كالشّمس] أي كتشبيه الشّمس [بالمرآة المجلوّة (٥) في الاستدارة والاستنارة] فإنّ في وجه الشّبه تفصيلا ما (٦) ، لكن المشبّه به أعني المرآة غالب الحضور في الذّهن مطلقا (٧) [لمعارضة كلّ من القرب

________________________________________________________

الشّكل بين الكوز والجرّة الكبيرة «الجرّة» هي إناء خزف له بطن كبير وفم واسع.

(١) أي وجه الشّبه هو المقدار والشّكل ، فيكون قليل التّفصيل لاشتماله على أمرين فقط ، وحضور الكوز في الذّهن عند حضور الجرّة الصّغيرة غالب لقرب المناسبة بينهما ، ولعادة بعض النّاس يصبّون الماء من الجرّة في الكوز ويشربون منه ، وحينئذ فإذا حضرت الجرّة في الذّهن حضر الكوز فيه لحصول تقارن في الخيال بين الصّورتين.

(٢) أي لمعنى حينئذ أو لكون وجه الشّبه قليل التّفصيل مصاحبا لغلبة حضور المشبّه به في الذّهن غلبة مطلقة ، وغلبة حضور المشبّه به في الذّهن مطلقا يكون «لتكرّره» أي لتكّرر المشبّه به «على الحسّ» أي حسّ من الحواسّ الخمس ، وكان عليه أن يقول : أو لكونه لازما لما يتكرّر على الحسّ ، فإنّه أيضا يوجب غلبة حضوره في الذّهن مطلقا.

(٣) تعليل لكون التّكرّر على الحسّ علّة لغلبة حضور المشبّه به في الذّهن مطلقا.

(٤) فتشبيه وجه هنديّ بالقمر المنخسف في الاستدارة واللّون تشبيه غريب ، وتشبيه وجه امرأة جميلة بالقمر المنير في الاستدارة والضّياء تشبيه مبتذل.

(٥) أي بصيغة اسم المفعول ، أي المصقولة ، قوله : «في الاستدارة» راجع إلى الشّكل ، وقوله : «في الاستنارة» راجع إلى الكيف.

(٦) حيث اعتبر ما يرجع إلى الشّكل ، وما يرجع إلى الكيف من الاستدارة والاستنارة.

(٧) أي عند حضور المشبّه وعند غيره ، لكثرة شهود المرآة وتكرّرها على الحسّ.

٤٦

والتّكرّر التّفصيل (١)] أي وإنّما كانت قلّة التّفصيل في وجه الشّبه مع غلبة حضور المشبّه به بسبب قرب المناسبة (٢) أو التّكرّر على الحسّ (٣) سببا (٤) لظهوره المؤدّي إلى الابتذال مع أنّ التّفصيل (٥) من أسباب الغرابة لأنّ قرب المناسبة في الصّورة الأولى (٦) والتّكرّر على الحسّ في الثّانية (٧) يعارض كلّ منهما التّفصيل بواسطة اقتضائهما سرعة الانتقال من المشبّه إلى المشبّه به ، فيصير وجه الشّبه كأنّه أمر جمليّ

________________________________________________________

(١) أي لمعارضة مقتضى كلّ منهما لمقتضى التّفصيل ، حيث إنّ مقتضاهما ظهور وجه الشّبه ، وابتذاله لسرعة الانتقال معهما من المشبّه إلى المشبّه به ، ومقتضى التّفصيل عدم ظهور وجه الشّبه للاحتياج معه إلى التّأمّل ، فبعد التّساقط يصبح الوجه كأنّه أمر جمليّ لا تفصيل فيه ، وقد عرفت أنّ هذا موجب لكونه ظاهرا ، وهو موجب لكونه مبتذلا ، قوله : «لمعارضة ...» علّة لمحذوف ، وهو جواب عمّا يقال : كيف جعل التّفصيل القليل علّة لظهور وجه الشّبه ، مع أنّ التّفصيل يقتضي عدم الظّهور.

وحاصل الجواب : أنّه جعلت قلّة التّفصيل سببا للظّهور مع أنّه من أسباب الغرابة ، لمعارضة كلّ من مقتضى القرب والتّكرّر مقتضى التّفصيل ، فيصبح التّفصيل ، كأنّه غير موجود ، وأنّ الوجه أمر جمليّ لا تفصيل فيه ، وقد عرفت أنّ هذا أقرب إلى الذّهن ، ويورث ابتذال التّشبيه ، فظهر من هذا البيان أنّ لفظ مقتضى مقدّر قبل التّفصيل ، وقبل قوله : «القرب والتّكرّر» ، وأنّ التّفصيل القليل يوجب غرابة التّشبيه لو لم يعارضه القرب والتّكرّر المذكوران ، وأنّ نسبة ظهور الوجه إلى التّفصيل مسامحة ، فإنّه لا يقتضي الظّهور ، بل إنّما يقتضيه الإجمال الادّعائي بعد سقوط مقتضاه بالمعارضة.

(٢) أي كما في التّشبيه الأوّل.

(٣) أي كما في التّشبيه الثّاني.

(٤) خبر لكان في قوله : «إنّما كانت» أي إنّما كانت قلّة التّفصيل في وجه الشّبه ... سببا لظهور وجه الشّبه «المؤدّى إلى الابتذال» أي ـ ابتذال التّشبيه وامتهانه.

(٥) أي مطلقا ، وإن كان قليلا «من أسباب الغرابة».

(٦) وهي غلبة حضور المشبّه به في الذّهن عند حضور المشبّه.

(٧) وهي غلبة حضور المشبّه به مطلقا.

٤٧

لا تفصيل فيه ، فيصير سببا للابتذال. [وإمّا بعيد غريب] عطف (١) على قوله : إمّا قريب مبتذل [وهو (٢) بخلافه] أي ما لا ينتقل فيه من المشبّه إلى المشبّه به إلّا بعد فكر وتدقيق نظر [لعدم (٣) الظّهور] أي لخفاء وجهه في بادي الرّأي ، وذلك أعني عدم الظّهور (٤) [إمّا لكثرة التّفصيل كقوله : والشّمس كالمرآة] في كفّ الأشلّ ، فإنّ وجه الشّبه فيه من التّفصيل ما سبق (٥) ، ولذا (٦) لا يقع في نفس الرّائي للمرآة الدّائمة الاضطراب إلّا بعد أن يستأنف تأمّلا ويكون في نظره متمهّلا [أو ندور] أي (٧) لندور [حضور المشبّه به

________________________________________________________

(١) أي والعاطف هو الواو لا إمّا على الصّحيح ، كما بيّن في النّحو.

(٢) أي البعيد ، بخلاف القريب المبتذل في المفهوم وهو التّشبيه الّذي لا ينتقل الذّهن في التّشبيه من المشبّه إلى المشبّه به إلّا بعد فكر وتدقيق نظر ، فعطف «تدقيق نظر» على «فكر» عطف تفسير.

(٣) علّة لمخالفته للقريب.

(٤) أي عدم الظّهور ، يكون لأمرين :

الأوّل : ما أشار إليه بقوله : «إمّا لكثرة التّفصيل».

والثّاني : ما أشار إليه «أو ندور».

(٥) وحاصل ما سبق من التّفصيل أنّ وجه الشّبه في المثال هيئة قد انتزعت من الأمور الكثيرة ، كالاستدارة والإشراق والحركة السّريعة على الكيفيّة المخصوصة الّتي يراها النّاظر إذا أحدّ نظره ليرى جرم الشّمس ، فهذا التّفصيل أوجب كون وجه الشّبه خفيّا ، وهو أوجب غرابة التّشبيه.

(٦) أي لأجل كثرة التّفصيل في وجه تشبيه الشّمس بالمرآة الموصوفة «لا يقع» أي لا يحصل ذلك الوجه ، وهو الهيئة المعتبر فيها التّفصيل المذكور فيما سبق «في نفس الرّائي للمرآة الدّائمة الاضطراب» أتى بهذا القيد لأنّ وجه الشّبه المذكور سابقا من الهيئة الموصوفة لا يتأتّى إلّا مع دوام الحركة واضطرابها ، «إلّا بعد أن يستأنف تأمّلا» أي يجدّده ويستقلّه «ويكون في نظره متمهّلا» أي متداوما.

(٧) أي أتى الشّارح بهذا التّفسير للإشارة إلى أنّ قوله : «أو لندور» عطف على قوله : «كثرة» فالمعنى أنّ عدم الظّهور إمّا لكثرة التّفصيل أو لندور حضور المشبّه به ، أي لقلّة التّفصيل مع ندور حضور المشبّه به.

٤٨

إمّا عند حضور المشبّه (١) لبعد المناسبة (٢) كما مرّ] في تشبيه البنفسج بنار الكبريت (٣) [وإمّا مطلقا (٤)] وندور حضور المشبّه به مطلقا يكون [إمّا لكونه (٥) وهميّا] كأنياب الأغوال [أو مركّبا خياليّا] كأعلام ياقوت نشرن على رماح من زبرجد.

________________________________________________________

(١) أي عند حضور المشبّه فقطّ.

(٢) أي هذا علّة للعلّة ، أي وإنّما ندر حضور المشبّه به عند حضور المشبّه لبعد مناسبة بينهما.

(٣) فإنّ نار الكبريت وإن كانت بنفسها غير نادرة الحضور في الذّهن إلّا أنّها نادرة الحضور عند حضور صورة البنفسج فيه ، حيث إنّ هيئة البنفسج تجذب الذّهن إليها وتجعله ذاهلا عن غيرها ، لمكان كونها ملائمة للطّبع غاية الملائمة.

(٤) أي وإمّا أن يكون ندوره مطلقا ، أي سواء كان المشبّه حاضرا في الذّهن أو غير حاضر فيه.

(٥) أي إمّا لكون المشبّه به وهميّا ، أي لكونه مدركا بالوهم لا بإحدى الحواسّ الظّاهرة ، كما إذا كان نفسه ومادّته غير موجودين في الخارج ، ومعلوم أنّ المشبّه به إذا كان كذلك لا يدركه إلّا الوهم ، والمراد بالوهم ليس ما يدرك المعنى الجزئيّ كما مرّ في باب الفصل والوصل ، بل المراد بالوهميّ ما لا يكون للحسّ مدخل فيه ، بأن لا يكون نفسه ، ولا مادّته مدركا به ، لكنّه بمثابة لو أدرك لكان مدركا به كأنياب الأغوال ، فإنّها لم تدرك بالحسّ ، لعدم وجودها خارجا ، لكنّها بنحو : لو أدركت لأدركت به كأنياب الأغوال ، ثمّ المراد بالخياليّ في قوله : «أو مركّبا خياليّا» أيضا ليس المعنى الّذي ذكر في باب الفصل والوصل ، من أنّ الخياليّ ما هو مخزون في الخيال من الصّور بعد غيبوبتها عن الحسّ المشترك ، بل المراد به ما مرّ في أوائل هذا البحث من أنّ الخياليّ هو المعدوم الّذي فرض مجتمعا من أمور كلّ واحد منها ممّا يدرك بالحسّ ، وبهذا يفترق عن الوهميّ ، حيث إنّه معدوم فرض مجتمعا من أمور لا يكون كلّ واحد منها مدركا بالحسّ ، كما أنّها مجتمعة كذلك ، وحيث إنّ الخياليّ عبارة عن المعدوم المذكور لا يدركه إلّا المتّسع في المدارك ، فيستحضره في بعض الأحيان ليشبّه شيئا به ، ولازم ذلك أن يكون وجه الشّبه خفيّا ، وهو يوجب غرابة التّشبيه كأعلام ياقوت منشورة على رماح من زبرجد.

٤٩

[أو] مركّبا (١) [عقليّا](كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً) (٢) ، وقوله : [كما مرّ (٣)] إشارة إلى الأمثلة الّتي ذكرناها آنفا [أو لقلّة تكرّره (٤)] أي المشبّه به [على الحسّ ، كقوله (٥) : والشّمس كالمرآة] في كفّ الأشلّ ،

________________________________________________________

(١) أي أتى الشّارح بقوله : «مركّبا» للإشارة إلى أنّه عطف على قوله : «أو خياليّا» لا على قوله : «أو مركّبا خياليّا» وإلّا لاكتفى به ولم يذكر «وهميّا» ، لأنّ الوهميّ هنا مندرج في العقليّ ، كما عرفت ، فلا بدّ في المقام من الالتزام بكونه عطفا على «خياليّا» حتّى يعود قوله : «مركّبا» عليه بالعطف ، ويصبح جعل قوله : «وهميّا» قسيما له صحيحا.

(٢) أي في قوله تعالى : (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً) فإنّ المشبّه به مركّب من الحمار وحمل الأسفار ، وكلاهما مفهومان كلّيّان ، إذ لا قصد إلى الحمار المعيّن ، فيكونان عقليّين ، فكان المركّب منهما أيضا عقليّا ، فحيث إنّه ليس بمحسوس كان نادر الحضور في الذّهن مطلقا ، وهو يوجب خفاء الوجه لغرابة التّشبيه.

وبعبارة أخرى :

إنّ المشبّه به هي الصّفة المنتزعة من كون الحمار حاملا لشيء ، وكون المحمول أبلغ ما ينتفع به ، وكونه مع ذلك محروم الانتفاع به ، وكون الحمل بمشقّة وتعب ، ولا ريب أنّ هذه الأمور أمور كلّيّة فما انتزعت منها أيضا كلّيّة عقليّة ، وحيث إنّها ليست بمحسوسة مع أنّها ـ لمكان كونها مركّبة ـ محتاجة إلى الاعتبارات المذكورة تصبح نادرة الحضور في الذّهن ، بحيث لا يكاد يستحضرها مجموعة إلّا الخواصّ ، وهذا يوجب خفاء الوجه الموجب لغرابة التّشبيه.

(٣) إشارة إلى ما ذكرنا من الأمثلة المذكورة ، وقد ذكرنا كلّ منها في مورده.

(٤) عطف على قوله : «لكونه وهميّا» أي من موجبات ندرة حضور المشبّه به في الذّهن قلّة تكرّره في الحسّ لوضوح أنّه إذا كان كذلك كصورة القمر منخسفا يكون نادر الحضور في الذّهن مطلقا ، وإن كان محسوسا.

(٥) أي كندرة حضور المشبّه به مطلقا من جهة قلّة التّكرّر في التّشبيه الواقع في ـ قوله «والشّمس كالمرآة في كفّ الأشلّ» فإنّ المرآة في كفّ الأشلّ ليست ممّا يتكرّر على الحسّ.

٥٠

فإنّ الرّجل (١) ربّما ينقضي عمره ولا يتّفق له أن يرى مرآة في يد الأشلّ. [فالغرابة فيه] أي في تشبيه الشّمس بالمرآة في كفّ الأشلّ [من وجهين] أحدهما كثرة التّفصيل في وجه الشّبه (٢) ، والثّاني قلّة التّكرّر (٣) على الحسّ. فإن قلت (٤) : كيف تكون ندرة حضور المشبّه به سببا لعدم ظهور وجه الشّبه. قلت (٥) : لأنّه فرع الطّرفين ، والجامع المشترك الّذي بينهما إنّما يطلب بعد حضور الطّرفين ، فإذا ندر حضورهما ندر التفات الذّهن إلى ما يجمعهما ، ويصلح سببا للتّشبيه بينهما. ـ [والمراد بالتّفصيل (٦) أن ينظر في أكثر من وصف] واحد لشيء واحد ، أو أكثر (٧)

________________________________________________________

(١) قوله : «فإنّ الرّجل» علّة لقلّة التّكرّر أي ربّما لا يرى أحد مرآة في يد الأشلّ ، وعلى تقدير رؤيتها في يده ، ـ فلا يتكرّر ، وعلى تقدير التّكرّر فلا يكثر ، فالمحقّق هو قلّة التّكرّر.

(٢) أي وقد صرّح به سابقا بقوله : «إمّا لكثرة التّفصيل».

(٣) أي قلّة تكرّر المشبّه به على الحسّ.

(٤) وحاصل السّؤال : إنّ وجه الشّبه يغاير المشبّه به ، فندرة أحدهما لا توجب ندرة الآخر ، حتّى يقال : إنّ ندرة حضور المشبّه به تكون سببا لعدم ظهور وجه الشّبه ، وكذا ظهور أحدهما لا يقتضي ظهور الآخر ، فلا يلزم من ندرة أحدهما ندرة الآخر.

(٥) وحاصل الجواب : إنّ وجه الشّبه من حيث إنّه مشترك بين الطّرفين فرع عنهما ، فلا يتعقّل إلّا بعد تعقّلهما ، ومنهما ينتقل إليه لكونه المشترك والجامع بينهما ، فلا بدّ وأن يخطر الطّرفان أوّلا ثمّ يطلب ما يشتركان فيه فحينئذ إذا كان أحد الطّرفين نادرا كان الوجه نادرا لكونه فرعا عن الطّرفين من حيث إنّه وجد بينهما ، وأمّا تعليل عدم ظهور وجه الشّبه بندرة حضور المشبّه به دون المشبّه مع أنّ مقتضى ما تقدّم من الجواب أنّ ندرة كلّ من المشبّه والمشبّه به تقتضي عدم ظهور وجه الشّبه ، فلأنّ المشبّه به هو العمدة في التّشبيه الحاصل بين الطّرفين ، فظهور وجه الشّبه وعدمه إنّما يسند إليه ، لكونه عمدة في التّشبيه.

(٦) أي التّفصيل في وجه الشّبه الّذي هو سبب في غرابة التّشبيه ، فاللّام في التّفصيل للعهد الذّكري.

(٧) أي أكثر من وصف واحد ، ثابت لموصوف واحد أو اثنين أو ثلاثة أو أكثر ، فالوصف في التّفصيل لا بدّ أن يكون أكثر منه ، وأمّا الموصوف فقد يكون واحدا ، وقد يكون أكثر منه ، ثمّ إنّه لم يقصد من قوله : «أكثر» التّفصيل لعدم كون الواحد كثيرا ، ليكون الاثنان فصاعدا أكثر منه.

٥١

بمعنى أن يعتبر (٢) في الأوصاف وجودها أو عدمها (٣) أو وجود البعض وعدم البعض (٤) ، كلّ من ذلك (٥) في أمر واحد أو أمرين أو ثلاثة أو أكثر. فلذا (٦) قال : [ويقع] أي التّفصيل [على وجوه] كثيرة [أعرفها (٧) أن تأخذ بعضا]

________________________________________________________

(٢) أي يلاحظ «في الأوصاف وجود» تلك الأوصاف ، كما في قول الشّاعر : الشّمس كالمرآة في كفّ الأشلّ ، فإنّه قد اعتبر في وجه الشّبه وجود أوصاف المرآة والشّمس من الاستدارة والإشراق والحركة السّريعة على جهات مختلفة.

(٣) أي يعتبر عدم الأوصاف كتشبيه الشّخص العديم النّفع بالعدم في نفي كلّ وصف نافع ، فإنّه قد اعتبر في وجه هذا التّشبيه عدم وجود الأوصاف الفاضلة من السّخاوة والشّجاعة والعلم والعدالة ، وغيرها من الأوصاف.

(٤) أي بأن يعتبر في وجه الشّبه التّركيب من وجود بعض أوصاف ، وعدم بعض أوصاف ، كما في قول امرئ القيس الآتي ، فإنّه قد اعتبر في وجه التّشبيه الكائن فيه وجود الضّوء والشّكل المخروطي في اللهب وعدم الدّخّان فيه.

(٥) أي كلّ واحد ممّا ذكر من الأمور الثّلاثة :

إمّا ثابت لموصوف واحد كما في تشبيه مفرد بمفرد مقيّدين أو غير ـ مقيّدين ، أو تشبيه مفرد بمركّب أو بالعكس ، أو لموصوفين أو لثلاث موصوفات أو لأربع موصوفات فصاعدا ، كما في تشبيه مركّب بمركّب ، أو تشبيه مركّب بمفرد أو بالعكس ، فمجموع الأقسام (١٢) قسما ، يحصل من ضرب الثّلاثة في الأربعة.

(٦) أي لأجل ما ذكرناه من الصّور المتصوّرة في المقام ، قال المصنّف : «ويقع» أي التّفصيل «على وجوه».

(٧) أي أشهر الوجوه وأشدّها قبولا عند أهل المعرفة لحسنه وجودته من جهة اشتماله على الدّقائق والأسرار هو وجهان :

الأوّل : ما أشار إليه بقوله :

«أن تأخذ بعضا» أي يعتبر بعض الأوصاف دون البعض.

والثّاني : ما أشار إليه بقوله :

«وأن تعتبر الجميع ...» فانتظر توضيح ذلك.

٥٢

من الأوصاف [وتدع بعضا] أي (١) تعتبر وجود بعضها وعدم بعضها [كما في قوله ((١)) : حملت (٢) ردينيا] يعني رمحا منسوبا إلى ردينة [كأنّ سنانه سنا لهب لم يتّصل بدخّان]

________________________________________________________

(١) أي أتى بهذا التّفسير للإشارة إلى أنّ مراد المصنّف من قوله : «وتدع بعضا» اعتبار عدمه لا عدم اعتباره ، وإن كان التّرك يصدق عليه أيضا ، والوجه في ذلك ظاهر ، فإنّ عدم اعتبار الأوصاف لا يعتبر في تشبيه من التّشبيهات ، ثمّ إنّ مراده من ترك بعض الأوصاف التّرك الّذي فيه دقّة ولطافة ، كما في البيت الآتي ، لظهور أنّ قولك : زيد كعمرو في الجبن ، وعدم الكرم ، ليس من جملة الأعرف ، إلّا أن نلتزم بأنّ مجرّد اجتماع الوجود والعدم ممّا فيه دقّة ولطافة ، حيث إنّ المأنوس اجتماع الوجودات أو العدمات لا الوجود والعدم ، ولكن دون إثباته خرط القتاد.

(٢) شرح مفردات البيت «حملت» متكلّم من الحمل ، «الرّديني» نسبة إلى ردينيّة ، وهي بالرّاء والدّال المهملتين ، والياء والنون ، كرميثة موضع في اليمامة ، وقيل : اسم امرأة كانت تقوّم الرّماح وتعدلها ، أي هي امرأة كانت تحسن صنعة الرّماح. «السّنان» بالسّين المهملة والنّون ككتاب حديدة الرّمح ، «السّنا» بالسّين المهملة كعصا الضّوء ، اللهب اشتعال النّار.

والشّاهد في البيت :

كونه مشتملا على التّشبيه المفصّل ، حيث إنّ امرء القيس قد اعتبر في اللهب بعض أوصافه من لونه الزّرقة الصّافية ، وشكله المخروطيّ ، ونفى بعضه الآخر ، وهو اتّصاله بالدّخان ، إذ لو لم يعتبر عدمه ، لا ختلّ ما قصده من التّشبيه ، وهو بيان حال القناة بأنّ حديدتها مجلوّة اللّون والشّكل والمقدار على ما فصّل سابقا.

ثمّ إنّ المتحصّل من كلام المصنّف أنّ صور الأعرف (٨) حاصلة من ضرب الصّورتين ، أي صورة اعتبار وجود البعض وعدم البعض ، وصورة اعتبار الجميع على أحوال الموصوف الأربع ، أعني كون الموصوف واحدا أو اثنين أو ثلاثة أو أكثر ، فغير الأعرف أربعة ، وهي أن تعتبر جميع الأوصاف من حيث عدمها كان الموصوف بتلك الأمور واحدا أو اثنين أو ثلاثة أو أكثر.

__________________

(١) ـ أي قول امرئ القيس.

٥٣

فاعتبر في اللهب (١) الشّكل واللّون واللّمعان وترك الاتّصال بالدّخّان ونفاه (٢) [وأن تعتبر (٣) الجميع كما مرّ من تشبيه الثّريّا] بعنقود الملاحيّة المنوّرة باعتبار اللّون (٤) والشّكل وغير ذلك (٥) [وكلّما (٦) كان

________________________________________________________

(١) أي وهو واحد ، وأشار بذلك إلى أنّ المشبّه به هو اللهب كما أنّ المشبّه سنان الرّمح وحينئذ فقوله : «سنا لهب» بمعنى لهب ذو سنا ، فإضافة «سنا» للهب إضافة الصّفة للموصوف ، والتّشبيه المذكور باعتبار الشّكل واللّون وعدم الاتّصال بالسّواد ، ولو كان المقصود تشبيه سنان الرّمح بسنا اللهب ، فات اعتبار هذه الأوصاف إلّا أن تكون تبعا ، ومع ذلك يحتاج إلى تقدير المضاف أي كأنّ إشراق سنانه سنا لهب ، ثمّ المراد بالشّكل هو الشّكل المخروطيّ الذّي طرفه دقيق ، والمراد باللّون هي الزّرقة الصّافية.

(٢) عطف على قوله : «ترك» أي لمّا كان التّرك صادقا بالتّرك قصدا ، وبالتّرك بدون قصد بيّن أنّ المراد التّرك قصدا بقوله : «ونفاه» فهو عطف تفسيريّ أي اعتبر عدمه ، لأنّ اعتباره يقدح في التّشبيه المقصود ، ولا يتمّ التّشبيه بدون اعتبار عدمه.

(٣) عطف على قوله : «أن تأخذ بعضا» وهذا هو الوجه الثّاني من أشهر الوجوه عند أهل المعرفة ، أي تعتبر وجود جميع الأوصاف الّتي لوحظت في وجه الشّبه إثباتا ولها دخل فيه كالاستدارة والإشراق وتموّجه والحركة السّريعة على الجهات المختلفة ، بالإضافة إلى المرآة الّتي تكون في كفّ الأشلّ لا جميع الأوصاف الموجودة في المشبّه به بحيث لا يبقى منها شيء ، وعليه فلا يرد أنّ جميع أوصاف الشّيء من الظّاهريّة والباطنيّة لا يمكن أن يطّلع عليها أحد فكيف أن يعتبرها في مرحلة التّشبيه.

(٤) أي فإنّ المعتبر في تشبيه الثّريّا بالعنقود وجود اللّون والشّكل والمقدار في الأجزاء ، واجتماعها على المسافة المخصوصة في القرب ، وأي اعتبر ما ذكر في المشبّه والمشبّه به.

(٥) أي كاجتماعهما على مسافة مخصوصة من القرب ، وكالوضع لأجزائها من كون المجموع على مقدار مخصوص كما تقدّم.

(٦) أي ما في كلّما مصدريّة ظرفيّة ، أي كلّ وقت من أوقات كون التّركيب في وجه الشّبه خياليّا كان أو عقليّا ، أي كان المركّب خياليّا بأن كان هيئة معدومة انتزعت من أمور كلّ واحد منها يدرك بالحسّ ، كما في قوله : وكأنّ محمرّ الشقيق ... «أو عقليّا» بأن كان وجه الشّبه هيئة

٥٤

التّركيب] خياليّا كان أو عقليّا [من أمور (١) أكثر كان التّشبيه أبعد (٢)] لكون تفاصيله أكثر (٣).

[و] التّشبيه [البليغ ما كان من هذا الضّرب (٤)] أي من البعيد الغريب دون القريب المبتذل [لغرابته (٥)] أي لكون هذا الضّرب غريبا غير مبتذل.

________________________________________________________

منتزعة من أمور ليست مدركة بالحسّ ، وكذلك مادّتها كما في قوله : ومسنونة زرق كأنياب أغوال.

(١) أي قوله : «من أمور» خبر كان في قوله : «كان التّركيب».

(٢) أي عن الابتذال والامتهان.

(٣) أي فيبعد تناوله لعامّة النّاس ، وإنّما يتناوله حينئذ الأذكياء.

(٤) أي التّشبيه الحسن هو التّشبيه الّذي يكون فرده من أفراد هذا القسم أي البعيد الغريب كانت غرابته لكثرة التّفصيل أو لقلّة التّكرّر على الحسّ أو لندور حضور المشبّه به في الذّهن ، فكلّ تشبيه تحقّق في الخارج وكان بليغا حسنا ، فهو غريب بعيد ، وكذلك العكس ، أي كلّ تشبيه تحقّق في الخارج ، وكان غريبا فهو بليغ ، لمكان قوله : «لغرابته» فإنّ مقتضاه أنّ المناط في كون التّشبيه البليغ غريبا هو غرابته ، ولازم ذلك أن يكون كلّ غريب بليغا ، ضرورة أنّ السّبب يقتضي ترتّب مسبّبه عليه ، فالنّسبة بينهما هو التّساوي ، ثمّ إنّ المراد بالبليغ المذكور في المتن هو الحسن فهو مأخوذ من البلاغة بمعنى الحسن واللّطف لا من البلاغة المصطلح عليها ، لأنّ البلاغة المصطلح عليها ما يطابق مقتضى الحال ، ولا وجه لتخصيصه بالغريب ، لأنّ المبتذل قد يكون مطابقا لمقتضى الحال دون الغريب ، كما إذا كان المخاطب ممّن يقتضي حاله تشبيها مبتذلا ، لكونه بليدا.

(٥) أي قوله :

«لغرابته» علّة لكينونة التّشبيه البليغ من هذا الضّرب ، والمستفاد من مجموع كلامه أنّ المناط في كون التّشبيه بليغا هو كونه غريبا ، سواء ذكرت الأداة ، أو حذفت ، وكان وجه الشّبه مركّبا من أمور كثيرة أم لم يكن كذلك ، بل كان غريبا لقلّة التّكرّر في الحسّ أو لسبب آخر ، وعليه فتسمية نحو : زيد أسد ، تشبيها بليغا ، كما في كلام بعضهم ، ليس بمصطلح عند الجمهور ، وإنّما هو مسمّى عندهم بعنوان التّشبيه المؤكّد كما سيأتي عن قريب.

٥٥

[ولأنّ نيل الشّيء (١) بعد طلبه ألذّ] وموقعه (٢) في النّفس ألطف ، وإنّما (٣) يكون البعيد الغريب بليغا حسنا إذا كان سببه لطف المعنى ودقّته أو ترتيب بعض المعاني على بعض (٤) ، وبناء ثان (٥) على أوّل ، وردّ تال إلى سابق ، فيحتاج إلى نظر وتأمّل (٦).

________________________________________________________

(١) أي حصول الشّيء بعد طلبه ألذّ من حصوله بلا طلب ، إذ حصول ما يحرّك الشّوق إليه فيه لذّتان ، أي لذّة حصوله لحسنه لذاته ، ولذّة دفع ألم الشّوق إليه بخلاف ما يحصل بلا طلب ، وحيث إنّ المعنى الغريب المذكور لا يحصل عادة إلّا بعد الطّلب والشّوق إليه فيكون ألذّ.

(٢) أي مكانته ومنزلته في النّفس ألطف ، أي أحسن وأحلى.

(٣) جواب عن سؤال مقدّر ، وهو أنّ الغرابة تقتضي عدم الظّهور وخفاء المراد لاقتضائها قلّة الوجود المقتضية لعدم إدراك كلّ أحد ، فيحتاج إلى مزيد التّأمّل والنّظر ، ولا شكّ أنّ عدم الظّهور وخفاء المراد يوجب التّعقيد ، وقد تقدّم في أوّل الكتاب أنّه مخلّ بالفصاحة ، والإخلال بالفصاحة يخلّ بالبلاغة ، وحينئذ فلا تكون الغرابة موجبة لبلاغة التّشبيه ، فبطل قول المصنّف والتّشبيه البليغ ما كان من هذا الضّرب.

وحاصل الجواب : إنّ الخفاء ، وعدم الظّهور تارة ينشأ عن لطف المعنى ودقّته ، وهذا محقّق للبلاغة ، وهو المراد هنا ، تارة ينشأ عن سوء تركيب الألفاظ ، وعن اختلال الانتقال من المعنى الأوّل إلى المعنى الثّاني ، وهذا هو المحقّق للتّعقيد المخلّ بالفصاحة ، كما في قوله :

وما مثله في النّاس إلّا مملّكا

أبو أمّه حيّ أبوه يقاربه

على ما تقدّم تقريره في محلّه.

(٤) أي كالتّرتيب في قوله تعالى : (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ)(١) الآية ، فإنّ خضرة النّبات مرتّبة على الماء ، واليبس مرتّب على الخضرة.

(٥) قوله : «وبناء ثان» عطف على «ترتيب بعض المعاني على بعض» عطف تفسير ، أو عطف لازم على ملزوم ، وكذا قوله : «ردّ تال إلى سابق».

(٦) أي فيحتاج إلى نظر ، وتأمّل ثان حتّى يصادف ما فيه من الخصوصيّات والمزايا ،

__________________

(١) سورة الكهف : ٤٥.

٥٦

[وقد يتصرّف في] التّشبيه [القريب] المبتذل [بما (١) يجعله غريبا] ويخرجه عن الابتذال [كقوله (١) :

لم تلق هذا الوجه شمس نهارنا

إلّا بوجه ليس فيه حياء (٢)]

فتشبيه الوجه بالشّمس (٣) مبتذل إلّا أنّ حديث الحياء وما فيه من الدّقّة والخفاء أخرجه إلى الغرابة (٤) وقوله : لم تلق ، إن كان من لقيته ، بمعنى أبصرته (٥)

________________________________________________________

وحسن النّظم والتّرتيب.

(١) أي بالتّصرّف الّذي يجعله غريبا ، وذلك بأن يعتبر في أحد طرفي التّشبيه أو فيهما معا وجود وصف لا يكون موجودا أو انتفاء وصف موجود ، ولو بحسب الادّعاء.

(٢) أي إنّ الشّمس دائما في حياء وخجل من الممدوح لمكان أنّ نور وجهه أتمّ من نورها ، فلا يمكن أن تلاقي وجهه ، أو تقابله إلّا إذا انتفى عنها الحياء إمّا عند وجوده ، كما هو حقّ الأدب ، منها فلا يمكن أن تلقاه.

والشّاهد في البيت :

كونه مشتملا على تشبيه كان مبتذلا ، ولكن خرج عن الابتذال باعتبار وصف عدميّ في جانب المشبّه به أعني عدم الحياء.

(٣) أي فتشبيه الوجه الحسن بالشّمس قريب مبتذل ، أي محتقر بكثرة عروضه للأسماع ، وشيوع استعماله عند أبناء المحاورة ، فإنّهم غالبا يشبّهون الوجه الحسن بالشّمس في الاستدارة والبهاء ، ثمّ إنّه اعترض في المقام أنّ المستفاد من البيت تشبيه الشّمس بالوجه الحسن لمكان حديث نفي الحياء ، فإنّه يقتضي كون الوجه الحسن أتمّ في الضّياء والإشراق ، وما هذا شأنه هو المشبّه به ، فيصبح التّشبيه مقلوبا ، وهو من التّشبيهات الغريبة لا المبتذلة ، وأجيب عن ذلك إنّ جعل الشّارح الشّمس مشبّها به بالنظر إلى مقصود الشّاعر ، يعني أنّ المستفاد من البيت وإن كان تشبيه الشّمس بالوجه ، لكنّ المقصود للشّاعر تشبيه الوجه بالشّمس.

(٤) أي لإفادته المبالغة في تجليل الممدوح ، وأنّ وجهه أعظم إشراقا وضياء من الشّمس.

(٥) أي والمعنى حينئذ لم تبصر هذا الوجه شمس نهارنا ، والإسناد حينئذ مجازيّ ، لأنّ

__________________

(١) أي قول أبي الطّيّب.

٥٧

فالتّشبيه مكنّى (١) غير مصرّح به ، وإن كان من لقيته بمعنى قابلته (٢) وعارضته فهو فعل ينبئ عن التّشبيه ، أي لم يقابله في الحسن والبهاء إلّا بوجه ليس فيه حياء [وقوله (١) : عزماته مثل النّجوم ثواقبا] أي لوامعا [لو لم يكن للثّاقبات أفول (٣)] فتشبيه العزم بالنّجم مبتذل (٤) إلّا أنّ اشتراط عدم الأفول أخرجه إلى الغرابة.

________________________________________________________

الشّمس لا تبصر حقيقة.

(١) أي لأنّ قوله : «ليس فيه حياء» يدلّ على أنّ وجه الممدوح أعظم منها إشراقا وضياء ، وهذا يستلزم اشتراكهما في أصل الإشراق والضّياء ، فيثبت التّشبيه ضمنا لا صريحا ، فقول الشّارح غير مصرّح به تفسير لمكنّى ، وليس المراد الكناية بالمعنى المشهور ، لأنّ المذكور في البيت ملزوم التّشبيه ، وهو نفي الحياء المستلزم لكون الوجه أعظم إشراقا.

(٢) أي ماثلته «فهو» أي تلق «فعل ينبئ عن التّشبيه ، أي لم يقابله في الحسن والبهاء إلّا بوجه ليس فيه حياء». فيكون التّشبيه مصرّحا به ، حيث إنّ المعنى عندئذ إنّ الشّمس لا تماثل ولا تعارض وجه الممدوح في المشابهة إلّا بوجه ليس له حياء.

(٣) شرح مفردات البيت : «العزمات» كعرصات جمع عزم ، وهو بالزّاء المعجمة ، بمعنى القصد و «النّجوم» جمع نجم ، وهو الكوكب «الثّواقب» جمع ثاقب بالمثلّثة والقاف والموحّدة ، بمعنى اللّامع «الأفول» بضمّ الألف والفاء وسكون الواو ، بمعنى الغروب.

والشّاهد في البيت : كونه مشتملا على تشبيه مبتذل طبعا ، ولكن أخرجه عن الابتذال تقييد المشبّه به بقوله : لو لم يكن للثّاقبات أفول.

(٤) لأنّ أبناء المحاورة يشبّهون العزم بالنّجم كثيرا في النّفوذ الّذي هو في كلّ منهما تخييليّ ، فيكون مبتذلا لظهور وجه الشّبه وعدم توقّفه على نظر وتأمّل ، ولكنّ الشّرط المذكور أخرجه إلى الغرابة.

وتوضيح ذلك :

إنّ وجه الشّبه في هذا التّشبيه ليس دقيقا ، لأنّ كلّ أحد ينتقل منه إلى أنّه النّفوذ والثّقوب على نحو التّخييل ، حيث إنّه في العزم بلوغه المراد ، وفي النّجم نفوذه في الظّلمات بإشراقها ورفعها به ، لكن اعتبر في جانب المشبّه وصفا زائدا على

__________________

(١) أي قول الوطواط من شعراء الدّولة العبّاسيّة.

٥٨

[ويسمّى] مثل [هذا] التّشبيه (١) [التّشبيه المشروط (٢)] لتقييد المشبّه أو المشبّه به أو كليهما (٣) بشرط (٤) وجوديّ أو عدميّ يدلّ (٥) عليه بصريح اللّفظ أو بسياق الكلام (٦).

________________________________________________________

الثّقوب ، وهو عدم الأفول ، فأوجب ذلك الغرابة والدّقّة ، فكأنّه قال : هذا التّشبيه بين الطّرفين تامّ لو لا أنّ المشبّه اختصّ بشيء آخر زائدا على ما هو المشترك بينه وبين المشبّه به.

(١) أي الّذي يتصرّف فيه بما يجعله غريبا.

(٢) أي يسمّى بالتّشبيه المقيّد ، إذ ليس المراد خصوص الشّرط النّحوي ، بل ما هو أعمّ.

(٣) أي نحو : زيد في علمه بالأمور إذا كان غافلا كعمرو إذا كان يقظان.

(٤) أي بقيد فرضيّ ، وذلك لأنّ المعتبر في هذا القيد وجوديّا كان أو عدميّا أن يكون غير ثابت للمشبّه به واقعا ، وإنّما المتكلّم يفرض تحقّقه لأحدهما أو لكلّ منهما على سبيل فرض ما ليس بواقع واقعا لداع كالهزل وقصد المبالغة ، ويظهر ذلك من التّأمّل في الأمثلة ، ألا ترى أنّ عدم الأفول وعدم الحباء وصفان فرضيان للثّواقب والشّمس.

(٥) مبنيّ للمفعول.

(٦) قال المرحوم العلّامة البامياني في المفصّل ما هذا لفظه :

أقول : الّذي يظهر بعد التّأمّل إنّ أقسام التّشبيه المشروط تبلغ (١٢) قسما ، وبيان ذلك : إنّ المقيّد إمّا أن يكون المشبّه ، وإمّا أن يكون المشبّه به ، وإمّا أن يكون كلّ منهما ، وعلى التّقادير الثّلاثة ، فالقيد إمّا وجوديّ ، وإمّا عدميّ ، فالحاصل من ضرب (٢) في (٣) يكون (٦). وعلى التّقادير السّنّة فالقيد إمّا مصرّح به أو مفهوم من سياق الكلام ، فالحاصل من ضرب (٦) في (٢) يكون (١٢) قسما.

وينبغي أن نذكر أمثلة الأقسام فنقول :

مثال كون المشبّه مقيّدا بقيد وجوديّ مصرّح في اللّفظ نحو قولك : زيد إن كان في السّماء لكان مثل بدر.

ومثال كونه مقيّدا بقيد عدميّ مصرّح في اللّفظ نحو قولك : زيد لو لم يكن في الأرض لكان مثل بدر.

ومثال كونه مقيّدا بقيد وجوديّ لم يصرّح في اللّفظ نحو قولك : زيد الفاسق مثل عمرو العادل في جواز الاقتداء بكلّ منهما ، فإنّ التّقدير زيد الفاسق لو كان عادلا لكان مثل

٥٩

عمرو في جواز الاقتداء.

ومثال كونه مقيّدا بقيد عدميّ كذلك نحو قولك : زيد العادل كان مثل عمرو الفاسق في عدم جواز الاقتداء بكلّ منهما ، فإنّ المفهوم من سياق الكلام زيد لو لم يكن عادلا كان مثل عمرو الفاسق في عدم جواز الاقتداء بكلّ منهما.

ومثال كون المشبّه به مقيّدا بقيد وجوديّ مصرّح في اللّفظ نحو : زيد مثل بدر لو كان البدر يسكن الأرض.

ومثال كونه مقيّدا بقيد عدميّ غير مصرّح في اللّفظ نحو : زيد مثل بدر لو لم يكن البدر في السّماء.

ومثال كونه مقيّدا بقيد عدميّ غير مصرّح في اللّفظ نحو : زيد العادل مثل عمرو الفاسق في جواز الاقتداء بكلّ منهما ، فإنّ التّقدير مثل عمرو الفاسق لو كان عادلا.

ومثال كونه مقيّدا بقيد عدميّ غير مصرّح نحو : زيد الفاسق كعمرو العادل في عدم جواز الاقتداء بكلّ منهما ، فإنّ التّقدير كعمرو العادل لو لم يكن عادلا.

ومثال كون كلّ منهما مقيّدا بقيد وجوديّ مصرّح في اللّفظ نحو قولك : كان زيد الفاسق لو كان عادلا مثل عمرو الفاسق لو كان عادلا في جواز الاقتداء بكلّ منهما.

ومثال كون كلّ منهما مقيّدا بقيد عدميّ مصرّح في اللّفظ نحو قولك : كان زيد لو لم يكن عادلا مثل عمرو ، لو لم يكن عادلا في عدم جواز الاقتداء بكلّ منهما.

ومثال كون كلّ منهما مقيّدا بقيد وجوديّ غير مصرّح في اللّفظ نحو قولك : كان زيد الفاسق مثل عمرو الفاسق في جواز الاقتداء ، فإنّ التّقدير كان زيد الفاسق لو كان عادلا مثل عمرو الفاسق لو كان عادلا في جواز الاقتداء بكلّ منهما.

ولا يصحّ عدّ هذا المثال وأضرابه مثالا لكون كلّ منهما مقيّدا بقيد عدميّ يستفاد من سوق الكلام بدعوى أنّ التّقدير كان زيد لو لم يكن فاسقا مثل عمرو لو لم يكن فاسقا في جواز الاقتداء بكلّ منهما ، وذلك للزوم إحراز العدالة عندنا في جواز الائتمام بطريق قرّره الشّارع ، فلا تجوز الصّلاة خلف من يكون حاله مجهولا ، وعليه فالمقدّر في المثال هو القيد الوجوديّ ، كما أنّه لا يصحّ عدّه مثالا لما قيّد بالقيد الوجوديّ ، باعتبار الفاسق لكونه ثابتا لهما في الواقع ،

٦٠