دروس في البلاغة - ج ٤

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في البلاغة - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة البلاغ
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٥٤

واعترض (١) أيضا على تعريف المجاز بأنّه يتناول الغلط ، لأنّ الفرس في : خذ هذا الفرس ، مشيرا إلى كتاب بين يديه مستعمل في غير ما وضع له ، والإشارة إلى الكتاب قرينة على أنّه لم يرد بالفرس معناه الحقيقي. ـ [وقسّم] السّكّاكي [المجاز اللّغوي (٢)] الرّاجع إلى معنى الكلمة المتضمّن للفائدة [إلى الاستعارة (٣) وغيرها] بأنّه إن تضمّن المبالغة في التّشبيه (٤) فاستعارة ، وإلّا فغير استعارة.

________________________________________________________

العهد إنّما يكون إشارة إلى معهود بينك وبين مخاطبك لفظا أو حكما ، وههنا ليس الأمر كذلك.

(١) قوله :

«واعترض أيضا .. والمعترض هو المصنّف في الإيضاح وحاصل الاعتراض أنّ تعريف السّكّاكي للمجاز غير مانع لأنّه يتناول الغلط والتّعريف يجب أن يكون مانعا كما يجب أنّ يكون جامعا فكان على السّكّاكي أن يزيد بعد قوله : مع قرينته مانعة عن إرادته ـ على وجه يصحّ أن تكون القرينة ملاحظة لأجل إخراج ذلك وأجيب عنه بأنّ قوله : قرينة على حذف مضاف أي مع نصب قرينة ولا شك أنّ نصب المتكلّم قرينة يستدعي اختياره في المنصوب والشّعور به ، لأنّ النّصب فعل اختياري مسبوق بالقصد والإرادة وذلك مفقود في الغلط لأنّ الغالطّ لا يقصد نصب قرينة تدلّ على عدم إرادته معنى الفرس في المثال المذكور.

(٢) أي احترز بقوله :

اللّغوي عن العقليّ وبقوله : الرّاجع إلى معنى الكلمة عن المجاز اللّغوي الرّاجع إلى حكم الكلمة وإعرابها كما في قوله تعالى : (وَجاءَ رَبُّكَ)(١) أي جاء أمر ربّك ، فالحكم الأصلي هو جرّ ربّك ، وأمّا الرّفع فمجاز.

واحترز بقوله : المتضمّن للفائدة عن المجاز اللّغوي الرّاجع إلى معنى الكلمة الغير المتضمّن للفائدة نحو قولك : قطعت مرسنه أي أنفه فإنّ المرسن موضوع للأنف المقيّد فإطلاقه على الأنف المطلق مجاز من قبيل الإطلاق المقيّد على المطلق خال عن الفائدة.

(٣) أي إلى مطلق الاستعارة أعمّ من التّصريحيّة والمكنيّة.

(٤) أي كالأسد في الرّجل الشّجاع حيث يكون استعماله فيه استعارة.

__________________

(١) سورة الفجر : ٢٢.

٢٠١

[وعرّف] السّكّاكي [الاستعارة (١) بأن تذكر (٢) أحد طرفي التّشبيه وتريد به] أي بالطّرف (٣) المذكور [الآخر] أي الطّرف المتروك (٤) [مدّعيا (٥) دخول المشبّه في جنس المشبّه به] كما تقول : في الحمّام أسد ، وأنت تريد به الرّجل الشّجاع مدّعيا أنّه من جنس الأسد ، فتثبت له ما يخصّ المشبّه به (٦) ، وهو اسم جنسه ، وكما تقول : أنشبت المنيّة (٧)

________________________________________________________

(١) أي الّتي هي أحد قسمي المجاز اللّغوي المتضمّن للفائدة.

(٢) أي بأن تذكر أنت أحد طرفي التّشبيه ، وفي الكلام حذف مضاف ، أي بأن تذكر اسم أحد طرفي التّشبيه ، لأنّ أحد طرفي التّشبيه في الحقيقة هو المعنى وأنّ الموصوف بالذّكر ليس إلّا اللّفظ.

(٣) أي باسم الطّرف المذكور.

(٤) أي المتروك اسمه ، وحاصل ما في المقام أن تذكر اسم أحد طرفي التّشبيه وتريد باسم ذلك الطّرف المذكور الطّرف الآخر المتروك اسمه.

(٥) أي قوله : «مدّعيا» حال من فاعل «تذكر» ، فالمعنى حينئذ أن تذكر اسم أحد الطّرفين ، وتريد به الطّرف الآخر حالة كونك مدّعيا دخول المشبّه في جنس ذلك المشبّه به ، أي في حقيقته وبتلك الدّعوى صحّ إطلاق اسم المشبّه به على المشبّه في المصرّحة ، وصحّ إطلاق اسم المشبّه على المشبّه به في المكنيّة لاشتراكهما في الجنس بالدّعوى ، فلذا أتى الشّارح بمثالين الأوّل للمصرّحة والثّاني للمكنيّة.

(٦) أي فلمّا ادّعيت دخول المشبّه ، وهو الرّجل الشّجاع في جنس المشبّه به وهو الأسد أثبتّ ما يخصّ المشبّه به وهو اسم جنسه ، أي اسم حقيقته وهو لفظ الأسد فإنّه اسم لجنسه وحقيقته الّذي هو الحيوان المفترس.

(٧) أي فأنت لم ترد بالمنيّة الّتي هي اسم المشبّه معناها الحقيقي الّذي هو الموت المجرّد عن السّبعيّة الادّعائيّة ، بل أردت بها معنى السّبع الّذي هو المشبّه به ، لكن لم ترد بها السّبع الحقيقي ، بل السّبع الادّعائي ، وهو الموت الّذي ادعيت سبعيته ، ولمّا أطلق لفظ المنيّة على السّبع الادّعائي ، وهو الموت المدّعى له السّبعيّة أثبت لها ما يخصّ السّبع المشبّه به ، وهو الأظفار وأنت خبير بأنّ هذا لا يلائمه قول المصنّف ، أعني «وتريد به الآخر» لأنّه لم يرد بالمنيّة هنا الطّرف الآخر الّذي هو السّبع الحقيقي إلّا أن يقال : إنّ قول السّكّاكي أن تذكر أحد

٢٠٢

أظفارها ، وأنت تريد بالمنيّة السّبع بادّعاء السّبعيّة لها ، فتثبت لها ما يخصّ السّبع المشبّه به وهو الأظفار ، ويسمّى (١) المشبّه به سواء كان هو المذكور (٢) أو المتروك (٣) مستعارا منه ، ويسمّى اسم المشبّه به مستعارا (٤) ، ويسمّى المشبّه مستعارا له. [وقسّمها] أي الاستعارة [إلى المصرّح بها والمكنيّ عنها (٥) وعنى بالمصرّح بها أن يكون] الطّرف [المذكور] من طرفي التّشبيه [وهو المشبّه به (٦) ، وجعل منها] أي من الاستعارة المصرّح بها [تحقيقيّة وتخييليّة (٧)]

________________________________________________________

الطّرفين وتريد الآخر معناه ، وتريد الآخر حقيقة أو ادّعاء.

وحاصل تقرير الاستعارة بالكناية في «أنشبت المنيّة أظفارها بفلان» على مذهب السّكّاكي أن تقول : شبّهت المنيّة ، وهي الموت بالسّبع ، وادّعينا أنّها فرد من أفراده ، وأنّ له فردين ؛ الفرد المعلوم وهو السّبع الحقيقي أعني الحيوان المفترس ، والفرد الادّعائي وهو الموت المدّعى سبعيّته ، ثمّ أطلقنا لفظ المنيّة على السّبع الادّعائي وأثبتنا له ما يخصّ السّبع وهو الأظفار.

(١) أي قوله : «يسمّى» بالبناء للفاعل وفاعله ضمير عائد على السّكّاكي ، وكذا يقال فيما بعد.

(٢) أي كما في المثال الأوّل.

(٣) أي كما في المثال الثّاني ، والمراد سواء كان مذكورا اسمه أو متروكا كذلك.

(٤) أي سواء كان اسم المشبّه به هو المذكور كما في المثال الأوّل ، أو المتروك كما في المثال الثّاني ، ومعنى كونه مستعارا مع أنّه متروك أنّه يستحقّ الاستعارة اللّفظيّة لكنّها تركت مكنيّا عنها بلوازم المشبّه به.

(٥) أي يستفاد منه أنّهما لا يجتمعان ، وهو كذلك من حيث المفهوم.

(٦) أي في كلام المصنّف تسامح واضح ، لأنّ كون الطّرف المذكور اسمه مشبّها أو مشبّها به ليس هو المصرّح بها والمكنيّ عنها ، لأنّ المصرّح بها والمكني عنها هو اللّفظ لا الكون المذكور.

(٧) أي لم يجعل مثل ذلك في المكنيّة ، ولعلّ ذلك أنّ المشبّه به في التّحقيقيّة لا يكون إلّا ثابتا في الحسّ أو العقل والمشبّه به في التّخييليّة لم يكن ثابتا إلّا في الوهم والمكنيّة عند السّكّاكي لا يكون المشبّه به فيها إلّا تخييليا كالسّبع الادّعائي في «أنشبت المنيّة أظفارها بفلان» فإنّ المشبّه عنده هو المنيّة ، والمشبّه به هو السّبع الادّعائي وهو الموت المدّعى سبعيّته ، فامتناع تقسيمها إليهما ظاهر.

٢٠٣

وإنّما لم يقل (١) قسّمها إليهما ، لأنّ المتبادر إلى الفهم من التّحقيقيّة والتّخييليّة ما يكون على الجزم وهو (٢) قد ذكر قسما آخر سمّاه المحتملة للتحقيق والتّخييل كما ذكر في بيت زهير (٣) [وفسّر التّحقيقيّة بما مرّ] أي بما يكون المشبّه المتروك متحقّقا حسّا (٤) أو عقلا (٥) [وعدّ التّمثيل (٦)] على سبيل الاستعارة ،

________________________________________________________

(١) أي إنّما لم يقل المصنّف :

«وقسّمها إليهما» المشعر بانحصارها في القسمين ، بل عدل إلى قوله : «جعل منها تحقيقيّة وتخييليّة» ، المشعر ببقاء شيء آخر وراء التّحقيقيّة والتّخييليّة ، لأنّ المتبادر إلى الفهم من إطلاق لفظ التّحقيقيّة وإطلاق لفظ التّخييليّة ما يكون على الجزم ، أي ما يكون استعارة تحقيقيّة جزما وما يكون استعارة تخييليّة جزما ، لا على سبيل الاحتمال ، وإنّما كان المتبادر إلى الفهم ما ذكر لأنّ الأصل إطلاق اللّفظ على ما يوجد فيه معناه فتكون تسميته به جزما ، وإطلاقه على يحتمل أن يوجد فيه معناه ، فتكون التسمية به احتمالا خلاف المتبادر.

(٢) أي السّكّاكي ذكر للمصرّحة قسما آخر ، فلو قيل قسّمها إليهما لأوهم الحصر.

(٣) أي وهو قوله سابقا : «صحا القلب عن سلمى وأقصر باطله ...» فقد وجّه فيه وجهين كما تقدّم ؛ أحدهما أن يكون شبّه الصّبا بالجهة فتكون الاستعارة تخييليّة ، والآخر أن يكون شبّه أسباب استيفاء اللّذّة أوان الصّبا بالأفراس والرّواحل ، فتكون الاستعارة تحقيقيّة ، وقد تقدّم تفصيلهما سابقا فراجع.

(٤) أي كلفظ أسد المنقول للرّجل الشّجاع ، في قولك رأيت أسدا في الحمّام.

(٥) أي كلفظ الصّراط المستقيم المنقول للدّين القيّم بمعنى الأحكام الشّرعيّة في قوله تعالى : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ)(١).

(٦) أي الاستعارة التّمثيليّة أو تمثيلا مطلقا أو على وجه الاستعارة ، فللتّمثيل ثلاثة أسماء وفسرّه الشّارح بقوله :

«على سبيل الاستعارة» لأنّه أشرف وأوضح أسماء التّمثيل.

__________________

(١) سورة الفاتحة : ٦.

٢٠٤

كما في قولك : أراك تقدّم رجلا وتؤخّر أخرى (١).

[منها] أي من التّحقيقيّة مع القطع (٢) ، قال (٣) ومن الأمثلة استعارة وصف إحدى صورتين منتزعتين من أمور لوصف صورة أخرى [وردّ] ذلك (٤) [بأنّه] أي التّمثيل

________________________________________________________

(١) أي قد تقدّم بيان ذلك سابقا فراجع.

(٢) أي من التّحقيقيّة مع القطع دون التّحقيقيّة ، مع الاحتمال أي لا المحتملة للتّحقيق والتّخييل.

(٣) أي قال السّكّاكي :

«ومن الأمثلة» ، أي من أمثلة التّحقيقيّة «استعارة وصف إحدى صورتين منتزعتين من أمور لوصف صورة أخرى» أي المراد بالوصف الأوّل اللّفظ الدالّ على صورة المشبّهة بها ، فإنّ المستعار إنّما هو اللّفظ أبدا ، وإنّما عبّر عنه بالوصف ، لأنّ اللّفظ بمنزلة الوصف للمعنى ، والمراد بالوصف الثّاني معنى البيان ، أي بيان صورة المعنى ، فكأنّه قال استعارة اللّفظ الأوّل لبيان الصّورة الأخرى ، فالبيان هو المستعار له.

وحاصله كما تقدّم سابقا أن يشبّه إحدى الصّورتين المنتزعتين من متعدّد بالأخرى ، ثمّ يدّعى أنّ الصّورة المشبّهة من جنس الصّورة المشبّهة بها ، فيطلق على الصّورة المشبّهة اللّفظ الدالّ بالمطابقة على الصّورة المشبّهة بها ، كما فعل الوليد بن يزيد فإنّه شبّه صورة تردّد مروان في البيعة بصورة تردّد من قام ليذهب في أمر ؛ فتارة يريد الذّهاب فيقدّم رجلا ، وأخرى لا يريد الذّهاب فيؤخّر تلك الرّجل تارة أخرى ، فاستعار اللّفظ الدالّ على الصّورة المشبّهة بها لبيان الصّورة المشبّهة أعني التّردّد في البيعة كما في (المدرّس الأفضل).

(٤) أي عدّ التّمثيل من الاستعارة التّحقيقيّة الّتي هي قسم من المجاز المفرد.

وحاصل الرّد :

أنّ التّمثيل مستلزم للتّركيب ، لأنّه كما تقدّم أن ينقل اللّفظ المركّب من حالة تركيبيّة وضع لها إلى حالة أخرى ، ثمّ التّركيب مناف للأفراد الّذي هو لازم للاستعارة التّحقيقيّة ، وذلك لأنّ الاستعارة من أقسام المجاز المفرد فهي مستلزمة للأفراد إذ هو وصف غير مفارق لها ، كما أنّ التّركيب وصف لازم للتّمثيل لا يفارقه ، فالاستعارة لا يجتمع مع التّمثيل.

٢٠٥

[مستلزم للتّركيب المنافي للأفراد] فلا يصحّ عدّه من الاستعارة الّتي هي من أقسام المجاز المفرد ، لأنّ تنافي اللّوازم (١) يدلّ على تنافي الملزومات (٢) ، وإلّا (٣) لزم اجتماع المتنافيين ضرورة وجود اللّازم عند وجود الملزوم.

والجواب (٤) أنّه عدّ التّمثيل قسما من مطلق الاستعارة التّصريحيّة التّحقيقيّة لا من الاستعارة الّتي هي مجاز مفرد ، وقسمة (٥) المجاز المفرد إلى الاستعارة وغيرها لا توجب كون كلّ استعارة مجازا مفردا ، كقولنا : الأبيض إمّا حيوان أو غيره ، والحيوان

________________________________________________________

(١) أي كالإفراد والتّركيب ههنا.

(٢) أي كالتّمثيل والاستعارة.

(٣) أي وإن لم يدلّ تنافي اللّوازم على تنافي الملزمات لزم اجتماع المتنافيين ، أي التّركيب والإفراد ، وهو باطل بالضّرورة لأدائه إلى اجتماع النّقيضين وهو الإفراد واللّا إفراد أو التّركيب واللّا تركيب.

(٤) أي هذا شروع في أجوبة خمسة أتى بها الشّارح انتصارا للسّكّاكي.

وحاصل الجواب الأوّل أنّ السّكّاكي عدّ التّمثيل قسما من مطلق الاستعارة التّصريحيّة التّحقيقيّة الشّاملة للإفراديّة والتّركيبيّة لا من الاستعارة الّتي هي مجاز مفرد ، فلا مانع من كون مطلق الاستعارة التّحقيقيّة تمثيلا مستلزما للتّركيب ، ولا يلزم من ذلك الجمع بين المتنافيين ، بل يلزم الجمع بين المقسم والقسم ، ولا مانع منه بل ذلك واجب.

(٥) أي قوله : «وقسمة المجاز المفرد ...» جواب عمّا يقال إنّ الاستعارة يجب أن تكون مفردا كلّيا ، لأنّها قسم من المجاز المفرد ، وإفراد المقسم يستلزم إفراد قسمه ويوجبه ، فكيف يصحّ قولك : إنّ السّكّاكي عدّ التّمثيل قسما من مطلق الاستعارة التّصريحيّة التّحقيقيّة لا من الاستعارة الّتي هي مجاز مفرد! بل الاستعارة هي مجاز مفرد حسب السّؤال فلا يصحّ عدّ التّمثيل قسما منها للزّوم اجتماع المتنافيين.

وحاصل الجواب إنّ قسمة المجاز المفرد إلى الاستعارة وغيرها لا توجب كلّ استعارة مجازا مفردا فيما إذا كانت النّسبة بين القسم والمقسم عموما من وجه ، كما في تقسيم المجاز المفرد إلى الاستعارة وغيرها ، فإنّ المجاز والاستعارة يجتمعان في نحو : الأسد يطلق على الرّجل الشّجاع بواسطة المبالغة في التّشبيه ، وينفرد المجاز المفرد في نحو : العين تطلق على

٢٠٦

قد يكون أبيض وقد لا يكون ، على أنّ لفظ (١) المفتاح صريح في أنّ المجاز الّذي جعله منقسما إلى أقسام ليس هو المجاز المفرد المفسّر بالكلمة المستعملة في غير ما وضعت له ، لأنّه قال بعد تعريف المجاز : إنّ المجاز عند السّلف قسمان : لغوي ، وعقليّ (٢) ، واللّغوي قسمان : راجع إلى معنى (٣) الكلمة ،

________________________________________________________

الرّبيئة مجازا مرسلا ، وتنفرد الاستعارة عن المجاز المفرد في نحو : أراك تقدّم رجلا وتؤخّر أخرى ، وكما في تقسيم الأبيض إلى حيوان وغيره ، فإنّ النّسبة بين الحيوان والأبيض هي عموم وخصوص من وجه ، يجتمعان في الحيوان الأبيض ، وينفرد الأبيض في الثّلج والجصّ ، وينفرد الحيوان في الزّنجي.

(١) أي هذا جواب ثان يمنع كون المقسم الّذي قسّمه السّكّاكي للاستعارة وغيرها المجاز المفرد ، وحاصله : لا نسلّم أنّ المقسم في كلامه هو المجاز المفرد حتّى يقال كيف يجعل التّمثيل الّذي هو مركّب من أقسام المفرد بل المقسم في كلامه مطلق المجاز ، فقسّمه إلى الاستعارة وغيرها ، ثمّ قسّم الاستعارة إلى التّمثيليّة وغيرها ، وحينئذ فالمقسم صادق بالمركّب الّذي هو بعض الاستعارة ، فلا يلزم اجتماع الإفراد والتّركيب من حيث كون المقسم مركّبا ، والدّليل على أنّ المقسم في كلامه مطلق المجاز لا المجاز المفرد ، أنّه «قال بعد تعريف المجاز إنّ المجاز عند السّلف قسمان ...».

وحاصل الكلام في المقام أنّ الجواب الأوّل يرجع إلى تسليم أنّ المقسم في كلامه هو المجاز المفرد ، ولكن منع كون القسم أخصّ من المقسم مطلقا ، بل قد يكون القسم أعمّ من المقسم ، وذلك فيما إذا كانت النّسبة بينهما هي عموم وخصوص من وجه ، فلا مانع من كون قسم الشّيء كالاستعارة أعمّ منه ، وحيث كان الجواب الأوّل بالتّسليم ، والثّاني بالمنع فكان الواجب تقديم الجواب الثّاني على الأوّل ، لأنّ الجواب بالمنع يجب تقديمه صناعة في مقام المناظرة على الجواب بالتّسليم ، قوله : «إنّ المجاز عند السّلف» ، يعني مطلق المجاز لا المجاز المفرد «قسمان».

(٢) أي تقدّم بيان المجاز العقليّ في بحث الإسناد المجازي في أوّل الكتاب.

(٣) أي وهو أن تنقل الكلمة عن معناها الحقيقي إلى غيره ، كلفظ الأسد المستعمل في الرّجل الشّجاع ، وكلفظ المرسن المستعمل في الأنف.

٢٠٧

وراجع إلى حكم (١) الكلمة ، والرّاجع إلى المعنى قسمان : خال عن الفائدة (٢) ، ومتضمّن لها ، والمتضمّن للفائدة قسمان : استعارة (٣) ، وغير استعارة ، وظاهر أنّ المجاز العقليّ والرّاجع إلى حكم الكلمة خارجان عن المجاز بالمعنى المذكور ، فيجب أن يريد بالرّاجع إلى معنى الكلمة أعمّ من المفرد والمركّب (٤)

________________________________________________________

(١) أي وهو أن تنقل الكلمة عن إعرابها الأصلي إلى إعراب آخر بسبب نقصان كلمة ، نحو : (وَجاءَ رَبُّكَ)(١) ، ونحو : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ)(٢).

(٢) أي وهو استعمال المطلق في المقيّد وعكسه ، من دون اعتبار تشبيه ، فهو عند السّكّاكي غير مفيد.

(٣) أي وهو ما كانت العلاقة فيه الشّباهة ، وغير استعارة هو المجاز المرسل فصارت أقسام المجاز خمسة العقليّ والرّاجع إلى حكم الكلمة ، والخالي عن الفائدة والاستعارة وغير الاستعارة ، وهذه الأقسام الأربعة الأخيرة كلّها لغويّة ، ثمّ إنّ القسمين الأوّلين أعني المجاز العقليّ والمجاز الرّاجع إلى حكم الكلمة لا يدخلان في المجاز المعرّف بالكلمة المستعملة في غير ما وضعت له ، بل هما خارجان عنه كما أشار إليه بقوله : «خارجان عن المجاز بالمعنى المذكور» أي الكلمة المستعملة في غير ما وضعت له.

(٤) أي لا المفرد فقطّ وإلّا كان الحصر في القسمين أي العقليّ واللّغوي باطلا ، لأنّ اللّغوي حينئذ لا يشمل الرّاجع إلى معنى الكلمة إذا كان مركّبا ، فيبقى المركّب خارجا عن القسمين.

وبعبارة أخرى إنّ هنا حصرين :

الأوّل حصر المجاز في العقليّ واللّغوي ،

والثّاني حصر اللّغوي في أقسامه الأربعة ، فحينئذ لو أريد بالمقسم خصوص الكلمة لم يصحّ الحصر الأوّل ، ولو أريد بالرّاجع إلى معنى الكلمة خصوص المفرد لم يصحّ الحصر الثّاني ، لأنّ اللّغويّ حينئذ لا يشمل الرّاجع إلى معنى الكلمة إذا كان مركّبا ، فلا بدّ من أن يكون المراد بالرّاجع إلى معنى الكلمة أعمّ من المفرد والمركّب وهو المطلوب ، فيكون المقسم أعمّ ولا مانع من عدّ التّمثيل من الاستعارة.

__________________

(١) سورة الفجر : ٢٢.

(٢) سورة يوسف : ٨٢.

٢٠٨

ليصحّ الحصر في القسمين (١).

وأجيب (٢) بوجوه أخر : الأوّل : إنّ المراد بالكلمة (٣) اللّفظ الشّامل للمفرد والمركّب نحو : (وَكَلِمَةُ اللهِ)(١) (٤).

والثّاني : إنّا لا نسلّم أنّ التّمثيل (٥) يستلزم التّركيب ، بل هو استعارة مبنيّة على التّشبيه التّمثيلي (٦) ، وهو (٧) قد يكون طرفاه مفردين ،

________________________________________________________

(١) أي العقليّ واللّغوي.

(٢) أي قد أجيب عن الاعتراض على السّكّاكي بوجوه أخر.

(٣) أي المراد بالكلمة الواقعة في تعريف المجاز هو اللّفظ الّذي يشمل المركّب أيضا ، فدخلت الاستعارة التّمثيليّة في التّقسيم فلا موضوع للاعتراض.

(٤) أي من قوله تعالى : (وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيا) ، حيث يكون المراد بها كلامه ، لأنّ قوله : (هِيَ الْعُلْيا) أي في البلاغة ، والبلاغة لا تكون في الكلمة بل في الكلام ، وردّ هذا الجواب بأنّ إطلاق الكلمة على اللّفظ من إطلاق الأخصّ على الأعمّ ، وهو مجاز يحتاج إلى قرينة ، ولا قرينة هنا تدلّ عليه ، وإنّ التّعاريف يجب صونها عن المجازات الخالية عن القرينة المعيّنة ، هذا مع أنّ التّنظير بكلمة الله لا يناسب ، لأنّ المراد بها الكلام ، لا اللّفظ الشّامل للمفرد والمركّب.

(٥) أي الاستعارة التّمثيليّة لا تستلزم التّركيب لجواز أن يعبّر عن الصّورة المنتزعة بلفظ مفرد مثل المثل ، لأنّ الصّورة المنتزعة من متعدّد لا تستدعي إلّا متعدّدا تننزع منه ، ولا تتعيّن الدّلالة عليها بلفظ مركّب.

(٦) أي وهو ما كان وجهه منتزعا من متعدّد ، فحيثما صحّ ذلك التّشبيه صحّت الاستعارة التّمثيليّة لابتنائها عليه.

(٧) أي التّشبيه التّمثيلي قد يكون طرفاه مفردين ، فكذلك الاستعارة المبنيّة عليه ، والحقّ أنّ كلا من مجاز التّمثيل وتشبيه التّمثيل لا يجري في المفردين أصلا ، وما سبق من أنّ تشبيه الثّريا بالعنقود من تشبيه التّمثيل خلاف التّحقيق.

__________________

(١) سورة التّوبة : ٤٠.

٢٠٩

كما في قوله تعالى : (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً)(١) (١) الآية.

والثّالث (٢) : إنّ إضافة (٣) الكلمة إلى شيء أو تقييدها واقترانها بألف شيء لا يخرجها عن أن تكون كلمة ، فالاستعارة في مثل : أراك تقدّم رجلا وتؤخّر أخرى ، هو التّقديم المضاف إلى الرّجل المقترن بتأخير أخرى ، والمستعار له هو التّردّد ، فهو كلمة

________________________________________________________

(١) والشّاهد هو التّشبيه في قوله تعالى ، فالمثل بمعنى الصّفة لفظ مفرد ، وقد شبّه حالة الكفّار بحالة من استوقد النّار.

والحاصل إذا صحّت الاستعارة التّمثيليّة فيما يصحّ فيه التّشبيه المذكور ، والتّشبيه المذكور يجوز أن يكون طرفاه مفردين ، فيجوز أن ينقل لفظ المشبّه به المفرد إلى المشبّه بعد حذف لفظه ، فيكون لفظ المشبّه به استعارة تمثيليّة ، فصحّ عدّ الاستعارة التّمثيليّة من أقسام المجاز المفرد.

واندفع الاعتراض على السّكّاكي ، وردّ هذا الجواب أوّلا بأنّ هذا الجواب وإن كان مبطلا لكلام المعترض ، وهو المصنّف القائل باستلزام التّركيب للتّمثيل لكنّه لا ينفع السّكّاكي المجاب عنه ، لأنّه مثّل للتّمثيل بمركّب ، وهو : إنّي أراك تقدّم رجلا وتؤخّر أخرى ، لكونه يرى اشتراط التّركيب في التّمثيل.

وثانيا إنّ هذا الجواب مبنيّ على أنّ مجاز التّمثيل تابع لتشبيه التّمثيل دائما ، وإنّ ذلك التّشبيه يجري في المفردين ، والّذي نسب إلى المحقّقين أنّ كلا من مجاز التّمثيل وتشبيه التّمثيل لا يجريان في المفردين أصلا ، وعليه فما تقدّم من أنّ تشبيه الثّريّا بالعنقود من تشبيه التّمثيل فهو خلاف التّحقيق.

(٢) أي الثّالث من الوجوه الّتي أجيب بها.

(٣) المراد بالإضافة معناها اللّغوي ، وقد أشار إليه بقوله : «أو تقييدها واقترانها بألف شيء» كاقتران التّقديم في المثال المذكور بالرّجل ، واقتران الرّجل بالتّقديم مرّة والتّأخير مرّة أخرى ، ثمّ عطف الاقتران على التّقييد من قبيل العطف التّفسيري.

وحاصل الكلام إنّا لا نسلّم أنّ التّمثيل كالمثال المذكور استعارة مركّب ، وإنّما فيه استعارة مفرد وكلمة واحدة ، وحينئذ لا تنافي بين الاستعارة الّتي هي قسم من المجاز المفرد وبين

__________________

(١) سورة البقرة : ١٧.

٢١٠

مستعملة في غير ما وضعت له ، وفي الكلّ نظر أوردناه في الشّرح (١). [وفسّر] السّكّاكي الاستعارة [التّخييليّة بما لا تحقّق لمعناه حسّا ولا عقلا (٢) بل هو] أي معناه [صورة وهميّة (٣)

________________________________________________________

التّمثيل ، لأنّ التّمثيل كما في المثال المذكور مفرد وإن اقترن بما ذكر فقولهم : أراك تقدّم رجلا وتؤخّر أخرى ، المستعار هو التّقديم ، والمستعار له هو التّردّد ، والتّقديم كلمة واحدة ، وأمّا إضافته من جهة المعنى إلى الرّجل ، واقتران تلك الرّجل بكونها تؤخّر مرة أخرى ، فلا يخرجه عن تسميته كلمة ، فإنّ اللّفظ المقيّد لا يخرج بتقييده عن تسميته الأصليّة ، فيرجع أصل الكلام إلى أنّ التّردّد كتقديم الرّجل وتأخيرها ، ثمّ استعيرت هذه الكلمة المفيدة للتّردّد وأخذ منها الفعل تبعا.

وهذا الجواب مردود للقطع بأنّ لفظة تقدّم رجلا وتؤخّر أخرى بمجموعها مستعملة في معناه الأصلي ، والمجاز إنّما هو في استعمال هذا الكلام بأجمعه في غير معناه الأصلي.

وبعبارة أخرى إنّ مجموع اللّفظ المركّب هو المنقول عن الحالة التّركيبيّة إلى حالة أخرى مثلها من غير أن يكون لبعض المفردات اعتبار في الاستعارة دون بعض.

وحينئذ فتقدّم في قولهم : تقدّم رجلا وتؤخّر أخرى مستعمل في معناه الأصلي ، والمجاز إنّما هو في استعمال هذا الكلام في غير معناه الأصلي ، أعني صورة تردّد من يقوم ليذهب فتارة يريد الذّهاب فيقدّم رجلا ، وتارة لا يريده فيؤخّر تلك الرّجل مرّة أخرى ، فتحصّل من جميع ما ذكرنا أنّ هذه الأجوبة الثّلاثة الأخيرة غير خالية عن النّظر والإشكال كما أشار إليه بقوله : «وفي الكلّ نظر أوردناه في الشّرح» أعني كتاب المطوّل.

(١) أي المطوّل ، وقد عرفت النّظر في كلّ من الأجوبة الثّلاثة الأخيرة.

(٢) أي لا تحقّق لمعناه حسّا لعدم إدراكه بإحدى الحواسّ الخمس الظّاهرة ، ولعدم إدراكه بالعقل أيضا لعدم ثبوته في نفس الأمر ، ولمّا كان ما لا تحقّق له حسّا ولا عقلا شاملا لما لا تحقّق له في الوهم أيضا ، أضرب عن ذلك بقوله : «بل هو صورة وهميّة محضة».

(٣) أي صورة وهميّة اخترعتها المتخيّلة بإعمال الوهم إيّاها ، لأنّ للإنسان قوّة لها تركيب المتفرّقات ، وتفريق المركّبات إذا استعملها العقل تسمّى مفكّرة ، وإذا استعملها الوهم تسمّى متخيّلة ، ولمّا كان حصول هذا المعنى المستعار له بإعمال الوهم إيّاها سمّي استعارة تخييليّة كما في الأطول.

٢١١

محضة (١)] لا يشوبها شيء من التّحقيق العقليّ أو الحسّي [كلفظ الأظفار في قول الهذلي]

وإذا المنيّة أنشبت أظفارها

ألفيت كلّ تميمة لا تنفع

[فإنّه (٢) لما شبّه المنيّة بالسّبع في الاغتيال (٣) أخذ الوهم في تصويرها] أي المنيّة [بصورته] أي السّبع ، [واختراع (٤) لوازمه لها] أي لوازم السّبع للمنيّة ، وعلى الخصوص (٥) ما يكون قوام (٦) اغتيال السّبع للنّفوس به ،

________________________________________________________

(١) أي خالصة من التّحقّق الحسّي والعقليّ ، وقوله : «لا يشوبها شيء» تفسير لقوّة محضة ، ونصّ كلامه في المفتاح هو أنّ المراد بالتّخييليّة أن يكون المشبّه المتروك شيئا وهميّا محضا لا تحقّق له إلّا في مجرّد الوهم.

(٢) أي الهذلي هذا إشارة إلى منشأ ثبوت تلك الصّور بالوهم ، وكيفيّة ذلك التّصوير بالوهم.

(٣) أي أخذ النّفوس وإهلاكها بالقهر والغلبة ، أي لمّا شبّه المنيّة بالسّبع في الاغتيال ، انعقد بذلك التّشبيه ارتباط بين الموت والسّبع في ذلك الاغتيال ، ولأجل ذلك الارتباط الموجب لأن ينتقل ويثبت لأحد المرتبطين ما ثبت للآخر ، شرع الوهم الّذي من شأنه فرض ـ المستحيلات وتقدير الأباطيل بإعمال المتخيّلة في تصوير المنيّة بصورة السّبع ، لأنّ ذلك مقتضى المشابهة والارتباط ، ولو لم يكن صحيحا في نفس الأمر.

(٤) أي عطف على «تصويرها» أي شرع الوهم في تصوير المنيّة ، وفي اختراع لوازم لها مثل لوازمه كالأظفار.

(٥) أي على بمعنى الباء وهو متعلّق بقوله : «يكون بعده» و «ما يكون» عطف على لوازم عطف تفسير ، قوله : «به» أيضا متعلّق ب «يكون».

(٦) أي حصول اغتيال السّبع للنّفوس بالخصوص ، وأشار بهذا إلى أنّه ليس المراد مطلق اللّوازم ، لأنّ للسّبع لوازم كثيرة كعدم النّطق لكن ليست مرادة ، بل المراد لوازم خاصّة يكون بها قوام وجه الشّبه.

فإن قلت : جعله قوام الاغتيال بالأظفار ينافي ما سبق للشّارح من أنّ الأظفار بها كمال الاغتيال لا قوامه ، لأنّ الاغتيال قد يكون بالنّاب ، بخلاف اللسّان فإنّ به قوام الدّلالة في المتكلّم.

٢١٢

[فاخترع لها (١)] أي للمنيّة صورة [مثل صورة الأظفار] المحقّقة ، [ثمّ أطلق (٢) عليه] أي على ذلك المثل ، أعني الصّورة الّتي هي مثل صورة الأظفار [لفظ الأظفار] ، فيكون (٣) استعارة تصريحيّة ، لأنّه قد أطلق اسم المشبّه به ، وهو الأظفار المحقّقة على المشبّه ، وهو صورة وهميّة شبيهة بصورة الأظفار المحقّقة ، والقرينة إضافتها إلى المنيّة ، والتّخييليّة (٤) عنده قد تكون بدون الاستعارة بالكناية.

________________________________________________________

قلت : في الكلام حذف مضاف ، والأصل وما يكون به كمال قوام اغتيال السّبع للنّفوس على الخصوص ، فلا منافاة.

(١) أي فلمّا صوّر الوهم للمنيّة بصورة السّبع بالتّصوير الوهمي ، وأثبت لها لوازم يكون بها قوام حصول وجه الشّبه ، اخترع الوهم لتلك المنيّة صورة وهميّة مثل صورة الأظفار المختصّة بالسّبع في الشّكل والقدر.

(٢) أي أطلق الهذلي على ذلك المثل لفظ الأظفار الموضوع للصّورة الحسّيّة بعد رعاية التّشبيه.

(٣) أي فيكون لفظ الأظفار استعارة تصريحيّة تخييليّة ، أمّا كونها تخييليّة فلأنّ اللّفظ نقل من معناه لأصلي لمعنى متخيّل ، أي متوهّم لا ثبوت له في نفس الأمر ، وأنّ الكلام في تفسير التّخييليّة ، وأمّا كونها تصريحيّة فلأنّه قد أطلق اسم المشبّه به وهو الأظفار المحقّقة على المشبّه وهو الصّورة الوهميّة.

والقرينة على أنّ الأظفار نقلت عن معناها وأطلقت على معنى آخر هي إضافة الأظفار إلى المنيّة ، فإنّ معنى الأظفار الحقيقي ليس موجودا في المنيّة ، فوجب أن يعتبر فيها معنى يطلق عليه اللّفظ ، ولا يكون إلّا وهميّا لعدم إمكانه حسّا أو عقلا.

(٤) أي قوله : «والتّخييليّة عنده ...» جواب سؤال مقدّر ، هو فعلى هذا يجب عند السّكّاكي أن تكون الاستعارة التّخييليّة تابعة للاستعارة بالكناية ، ومعنى التّابعة ههنا أنّه لا توجد بدون الكناية ، فلا تنفكّ التّخييليّة عن الكناية.

وحاصل الجواب

إنّ التّخييليّة عند السّكّاكي قد تكون بدون الاستعارة بالكناية ، وأمّا عند المصنّف والقوم فهما متلازمان لا توجد إحداهما بدون الأخرى ، فالأظفار في المثال المعروف ترشيح للتّشبيه

٢١٣

ولهذا (١) مثل لها بنحو أظفار المنيّة الشّبيهة بالسّبع ، فصرّح بالتّشبيه لتكون الاستعارة في الأظفار فقطّ من غير استعارة بالكناية في المنيّة (٢) ، وقال المصنّف : إنّه (٣) بعيد جدا لا يوجد له مثال في الكلام (٤). [وفيه] أي في تفسير التّخييليّة بما ذكره [تعسّف] أي أخذ على غير الطّريق (٥) ، لما فيه من كثرة الاعتبارات الّتي لا يدلّ عليها دليل ، ولا تمسّ إليها حاجة. وقد يقال (٦) : إنّ التّعسف فيه (٧) هو أنّه لو كان الأمر كما زعم (٨) لوجب أن تسمّى

________________________________________________________

عندهم ، وأمّا المكنيّة فلا تكون بدون التّخييليّة عند الكلّ إلّا عند صاحب الكشّاف ، فإنّه جوّز وجود المكنيّة بدون التّخييليّة.

(١) أي لكون التّخييليّة توجد بدون المكنيّة ، «مثّل لها» أي للتّخييليّة المنفكّة عن المكنيّة «بنحو أظفار المنيّة الشّبيهة بالسّبع».

(٢) أي لأنّه عند التّصريح بالتّشبيه لا يكون هناك استعارة فضلا عن كونها مكنيّة لبناء الاستعارة على تناسي التّشبيه ، فالتّخييليّة عنده أعمّ محلا من المكنيّة.

(٣) أي وجود التّخييليّة بدون المكنيّة بعيد جدّا ، لا يوجد له مثال في الكلام ، كما في الإيضاح.

(٤) أي في الكلام البليغ وإلّا فقد وجد له مثال في الكلام غير البليغ كالمثال المذكور.

(٥) أي جرى على غير الطّريق السّهلة للإدراك ، «لما فيه» أي في تفسير التّخييليّة من كثرة الاعتبارات ، وهي تقدير الصّور الخياليّة ، ثمّ تشبيهها بالمحقّقة ثمّ استعارة اللّفظ الموضوع للصّور المحقّقة لها ، وفيه مع المكنّى عنها اعتبار مشبّهين ووجهين ولفظين ، وقد لا يتّفق إمكان حصّة ذلك في كلّ مادّة ، بخلاف ما ذكره المصنّف في تفسير التّخييليّة فإنّه خال عن تلك الأمور ، لأنّه فسّرها بإثبات الأمر المختصّ بالمشبّه به للمشبّه ، ثمّ قوله : «أي أخذ على غير الطّريق» تفسير للتّعسّف.

(٦) أي في وجه التّعسف.

(٧) أي فيما ذكره السّكّاكي في تفسير التّخييليّة.

(٨) أي كما زعم السّكّاكي.

٢١٤

هذه الاستعارة توهيميّة (١) لا تخييليّة ، وهذا (٢) في غاية السّقوط ، لأنّه يكفي في التّسمية (٣) أدنى مناسبة ، على أنّهم يسمّون حكم الوهم تخييلا ، ذكر في الشّفا (٤) ، أنّ القوّة المسمّاة بالوهم هي الرّئيسة الحاكمة في الحيوان حكما غير عقليّ (٥) ، ولكن حكما تخييليا (٦) [ويخالف (٧)] تفسيره للتّخييليّة بما ذكره [تفسير غيره لها] أي غير

________________________________________________________

(١) أي لأنّها تقررت بالوهم لما تقدّم من أنّ المصوّر للمنيّة بصورة السّبع ، والمخترع لها صورة أظفار شبيهة بالأظفار المحقّقة إنّما هو الوهم ، أي القوّة الوهميّة لا الخيال.

(٢) أي توجيه التّعسّف المشار إليه بقوله : «وقد يقال ...».

(٣) أي في تسمية شيء باسم يكفي أدنى مناسبة بين الاسم وذلك المسمّى ، والمناسبة هنا موجودة ، وذلك لأنّ الوهم والخيال كلّ منهما قوّة باطنيّة ، شأنها أن تقرّر ما لا ثبوت له في نفس الأمر ، فهما مشتركتان في المتعلّق ، وحينئذ فيجوز أن ينسب لإحدى القوّتين ما ينسب للأخرى للمناسبة بينهما.

والحاصل :

إنّ تصوير المشبّه بصورة المشبّه به ، واختراع لوازم للمشبّه مماثلة للوازم المشبّه به وإن كان بالوهم ، لكنّه نسب للخيال للمناسبة بينهما كما علمت ، وهذا إنّما يحتاج إليه إن لم يتقرّر في الاصطلاح تسمية حكم الوهم تخييلا ، لكنّه قد تقرّر ذلك ، وحينئذ فلا يحتاج إلى الاعتذار عن السّكّاكي بأنّه يكفيه في ارتكاب هذه التسمية أدنى مناسبة ، وإلى هذا أشار بقوله : «على أنّهم يسمّون حكم الوهم تخييلا».

(٤) أي ذكر أبو علي بن سينا في الشّفاء ، وكأنّه قال : وممّا يدلّ على أنّ ذلك اصطلاح تقرّر قبل السّكّاكي قول أبي علي في الشّفاء ، حيث قال : إنّ القوّة المسمّاة بالوهم هي الرّئيسة ، أي الغالبة على جميع القوى الباطنة.

(٥) أي حكما غير صحيح ، كأن تحكم على أنّ رأس زيد رأس حمار.

(٦) أي فقد سمّى صاحب الشّفاء حكم الوهم تخييلا.

(٧) أي هذا إشارة إلى اعتراض على السّكّاكي فيما ذهب إليه من تفسير التّخييليّة بأنّها لفظ لازم المشبّه به المنقول إلى صورة وهميّة تخيّل ثبوتها للمشبّه من وجه آخر ، وهو أنّ تفسيره التّخييليّة بما ذكر مخالف لتفسير غيره لها بجعل الشّيء الّذي تقرّر ثبوته لشيء آخر

٢١٥

السّكّاكي للتّخييليّة [بجعل (١) الشّيء للشّيء] كجعل اليد للشّمال (٢) ، وجعل الأظفار للمنيّة (٣) ، قال الشّيخ عبد القاهر (٤) : إنّه لا خلاف في أنّ اليد استعارة (٥). ثمّ إنّك لا تستطيع (٦)

________________________________________________________

غير صاحب ذلك الشّيء ، كجعل اليد للشّمال بفتح الشّين وهي الرّيح الّتي تهب من الجهة المعلومة ، فاليد إنّما هي للحيوان المتصرّف ، وقد جعلت شيء آخر مغاير لصاحب اليد وهو الشّمال.

(١) أي متعلّق بتفسير ، أي بجعل الشّيء الّذي هو لازم المشبّه به للشّيء الّذي هو المشبّه.

(٢) أي في قول الشّاعر :

وغداة ريح قد كشفت وقرة

إذ أصبحت بيد الشّمال زمامها

أي ربّ غداة ريح قد أزيلت برودته بإطعام الطّعام للفقراء وكسوتهم وإيقاد النّيران لهم ، وقوله : (وقرة) بكسر القاف بمعنى برد شديد ، عطف على (ريح) ، و (إذ) ظرف ل (كشفت) و (زمامها) فاعل (أصبحت).

(٣) أي في قول الهذلي : وإذا المنيّة أنّشبت أظفارها ... ، فعلى تفسير السّكّاكي يجب أن يجعل للشّمال صورة متوهّمة شبيهة باليد ، ويكون إطلاق اليد عليها استعارة تصريحيّة تخييليّة ، واستعمالا للّفظ في غير ما وضع له ، وعند غيره الاستعارة إثبات اليد للشّمال ، ولفظ اليد حقيقة لغويّة مستعملة في معناه الموضوع له ، وكذا يقال في أظفار المنيّة على المذهبين.

(٤) أي هذا استدلال على ما ادّعاه المصنّف من أنّ التّخييليّة عند غير السّكّاكي جعل الشّيء للشّيء.

(٥) أي لا خلاف في أنّ اليد من حيث إضافتها للشّمال ، أو أنّ في الكلام حذف مضاف ، أي لا خلاف في أنّ إثبات اليد استعارة ليوافق التّفسير بالجعل ، وقوله الآتي : «إذ ليس ...».

فاندفع ما يقال : إنّ قول الشّيخ حجّة على المصنّف لا له ، لأنّ كون اللّفظ استعارة ينافي ما ادّعاه من كون اللّفظ حقيقة لغويّة ، والتّجوز إنّما هو في إثبات الشّيء للشّيء.

(٦) أي لا تقدر على ذلك وهذا كناية عن قبول ذلك ، لا أنّه مستحيل وإلّا فقد ارتكبه السّكّاكي ، وهذا الّذي قاله الشّيخ تقرير لمذهب القوم وإبطال لمذهب السّكّاكي ، وإن كان

٢١٦

أن تزعم أنّ لفظ اليد قد نقل عن شيء إلى شيء (١) ، إذ ليس المعنى على أنّه شبه شيئا باليد ، بل المعنى على أنّه أراد أن يثبت للشّمال يدا (٢). ولبعضهم (٣) في هذا المقام كلمات واهية (٣) بيّنّا فسادها في الشّرح.

________________________________________________________

الشّيخ لم يقصد الرّد عليه ، لأنّ السّكّاكي متأخّر عن الشّيخ ، ولا يتأتّى أنّ المتقدّم يقصد الرّد على المتأخّر.

(١) قوله : «قد نقل عن شيء إلى شيء» ، أي نقل عن شيء وهي الجارحة إلى شيء أي كالصّورة الوهميّة الشّبيهة باليد.

(٢) قوله : «أراد أن يثبت للشّمال يدا» أي ليدلّ ذلك على أنّه شبّه الشّمال بالمالك المتّصرّف باليد في قوّة تأثيرها لما تعرض له ، فالاستعارة في إثبات اليد للشّمال لا لفظ اليد.

(٣) المراد من البعض في قوله : «لبعضهم» هو الشّارح الخلخالي.

(٤) أي زيّف بها كلام المصنّف واعتراضه على السّكّاكي ، وحاصلها أنّ تفسير السّكّاكي واعتباره الصّورة الوهميّة وتشبيهها بلازم المشبّه به ، واستعارة لفظه لها ومخالفته لغيره في تفسير الاستعارة التّخييليّة لأجل أن يتحقّق معنى الاستعارة في التّخييليّة ، إذ لا يتحقّق معناها إلّا على مذهبه لا على مذهب المصنّف ، وذلك لأنّ الاستعارة كلمة استعملت فيما شبّه بمعناها ، ولا يتحقّق هذا المعنى بمجرّد جعل الشّيء لشيء من غير توهّم وتشبيه بمعناها الحقيقي ، ولا يمكن أن يخصّص تفسير الاستعارة المذكور بغير التّخييليّة ، لأنّ التّخصيص المذكور مخالف لما أجمع عليه السّلف من أنّ الاستعارة التّخييليّة قسم من أقسام المجاز اللّغوي ، وحينئذ فلا يمكن ذلك التّخصيص.

وحاصله إنّ الكلمة المستعملة في غير ما وضعت له تفسير لنوع من المجاز اللّغوي الّذي هو الاستعارة ، فيشمل كلّ استعارة تكون من المجاز اللّغوي ، وقد أجمع السّلف على أنّها منه.

وحاصل الكلام في فساد ما ذكره الخلخالي في المقام على ما في المطوّل أنّا نختار تخصيص تفسير الاستعارة المذكور بغير التّخييليّة ، وما ادّعيت من إجماع السّلف على أنّ الاستعارة التّخييليّة قسم من أقسام المجاز اللّغوي باطل وغلط ، إذ ليس هناك إجماع على أنّ التّخييليّة مجاز لغوي ، بمعنى أنّها كلمة استعملت فيما شبّه بمعناها ، وإلّا لما وقع الخلاف

٢١٧

نعم يتّجه (١) أن يقال : إنّ صاحب المفتاح في هذا الفنّ خصوصا في مثل هذه الاعتبارات ليس بصدد التّقليد لغيره حتّى يعترض عليه بأن ما ذكره هو مخالف لما ذكره غيره.

[ويقتضي (٢)] ما ذكره السّكّاكي (٣) في التّخييليّة [أن يكون التّرشيح (٤)

________________________________________________________

بينهم ، فليس الإجماع في أنّ مجازيّة الاستعارة التّخييليّة من قبيل مجازيّة لفظ الأسد في الرّجل الشّجاع ، بل الإجماع في أنّ المجازيّة فيها من قبيل المجاز العقليّ الّذي تقدّم في الباب الأوّل ، إذ كما أنّ في المجاز العقليّ إسناد الفعل أو ما هو بمعناه إلى غير ما هو له كذلك في الاستعارة التّخييليّة إثبات شيء أي الأظفار أو اليد مثلا لشيء أي للمنيّة أو الشّمال مثلا.

وإذا كان الإجماع على هذه الاستعارة بهذا المعنى فيأتي الخلاف والنّزاع بين المصنّف والسّكّاكي في أنّه هل هناك شيء وهميّ وصورة مخترعة للوهم شبّه ذلك الشّيء الوهمي بمعنى ذلك اللّفظ ، أي لفظ الأظفار أو اليد المسمّى بالتّخييل ، فيكون اللّفظ أطلق على تلك الصّورة الوهميّة مجازا لغويا ، كما يقوله السّكّاكي ، أو ليس هناك تشبيه شيء بشيء فهو حقيقة لغويّة كما يقوله المصنّف.

(١) قوله :

«نعم يتّجه ...» استدراك على الاعتراض على السّكّاكي بمخالفة تفسيره للتّخييليّة لتفسير غيره ، وحاصله إنّ اعتراض المصنّف على السّكّاكي بأنّ تفسيره مخالف لتفسير غيره لا يتوجّه عليه ، لأنّه ليس مقلّدا لغيره ، وإذا صحّ خروجه عن مرتبة التّقليد في هذا الفنّ كان له مخالفة غيره.

(٢) أي عطف على قوله : «ويخالف» ، فهو اعتراض آخر على ما ذكره السّكّاكي في التّخييليّة.

(٣) أي وهو أن يؤتى بلفظ لازم المشبّه به ، ويستعمل في صورة وهميّة.

(٤) أي وهو كما تقدّم في تقسيم الاستعارة باعتبار آخر غير اعتبار الطّرفين ، والجامع واللّفظ أن يقرن المشبّه بما يلائم المشبّه به كما في قوله تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى)(١).

__________________

(١) سورة البقرة : ١٦.

٢١٨

استعارة [تخييليّة (١) للزوم مثل ما ذكره] السّكّاكي في التّخييليّة من إثبات صورة وهميّة [فيه] أي في التّرشيح ، لأنّ في كلّ من التّخييليّة والتّرشيح إثبات بعض ما يخصّ المشبّه به للمشبّه ، فكما أثبت للمنيّة الّتي هي المشبّه ما يخصّ السّبع الّذي هو المشبّه به من الأظفار ، كذلك أثبت لاختيار الضّلالة على الهدى الّذي هو المشبّه ما يخصّ المشبّه به الّذي هو الاشتراء الحقيقي من الرّبح (٢) والتّجارة ، فكما اعتبر هنالك (٣) صورة وهميّة شبيهة بالأظفار ، فليعتبر ههنا (٤) أيضا أمر وهمي شبيه بالتّجارة ، وآخر شبيه بالرّبح ليكون استعمال الرّبح والتّجارة بالنّسبة إليهما (٥) استعارتين تخييليتين ، إذ لا فرق بينهما (٦) إلّا بأنّ (٧) التّعبير عن المشبّه الّذي أثبت له ما يخصّ

________________________________________________________

(١) أي يلزم أن يكون التّرشيح استعارة تخييليّة كما يدلّ عليه بيان الشّارح ، وحاصل اعتراض المصنّف مطالبة السّكّاكي بالفرق بين التّرشيح والتّخييل.

(٢) أي فقد شبّه اختيار الضّلالة بالاشتراء ، أو استعير له اسمه واشتقّ من الاشتراء (اشْتَرَوُا) بمعنى اختاروا ، وإثبات الرّبح والتّجارة في قوله : (فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ) ترشيح. وقوله : «من الرّبح» بيان لما يخصّ المشبّه به.

(٣) أي في التّخييليّة.

(٤) أي في التّرشيح.

(٥) أي المعينين الوهميين.

(٦) أي بين التّخييل والتّرشيح.

(٧) أي قوله : «إلا بأنّ ...» استنثاء منقطع ، لكن هنا فارق غير مانع من إلحاق أحدهما بالآخر ، وهو أنّ التّرشيح عبّر فيه عن المشبّه باسم المشبّه به كما تقدّم في قوله :

لدى أسد شاكي السّلاح مقذّف

له لبد أظفاره لم تقلم

فقد أتى بلازم المشبّه به ، وهو اللّبد مع المشبّهن لكن عبّر عنه باسم المشبّه به ، وهو الأسد ، وأمّا التّخييل فقد عبّر فيه عن المشبّه باسمه ، كما تقدّم في قوله : وإذ المنيّة أنشبت أظفارها ، فإنّ الأظفار أتى بها ، وهي اسم للازم المشبّه به مع المشبّه ، لكن عبّر عن ذلك المشبّه باسمه.

٢١٩

المشبّه به كالمنيّة مثلا في التّخييليّة بلفظه الموضوع له كلفظ المنيّة (١) ، وفي التّرشيح (٢) بغير لفظه كلفظ الاشتراء المعبر به عن الاختيار والاستبدال الّذي هو المشبّه ، مع أنّ لفظ الاشتراء ليس بموضوع له. وهذا الفرق (٣) لا يوجب اعتبار المعنى المتوهّم في التّخييليّة وعدم اعتباره في التّرشيح ، فاعتباره في أحدهما دون الآخر تحكّم. والجواب (٤) إنّ الأمر الّذي هو من خواصّ المشبّه به لمّا قرن في التّخييليّة بالمشبّه كالمنيّة مثلا جعلناه مجازا عن أمر متوهّم يمكن إثباته للمشبّه ، وفي التّرشيح لمّا قرن بلفظ المشبّه به لم يحتج إلى ذلك ، لأنّ المشبّه به جعل كأنّه هو هذا المعنى مقارنا للوازمه وخواصّه ، حتّى إنّ المشبّه به في قولنا : رأيت أسدا يفترس أقرانه ، هو

________________________________________________________

(١) أي بمعنى الموت أي عبر عن الموت بلفظ المنيّة الّذي وضع للموت في التّخييليّة.

(٢) أي الّذي هو الاختيار عبّر عنه بغير لفظه ، وهو الاشتراء ، وهو ليس بموضوع للاختيار ، فليس بينهما غير هذا الفرق ، مع أنّ هذا الفرق لا يوجب ولا يقتضي الاعتبار المذكور فيها ، وعدم اعتباره فيه ، ولا يمنع من إلحاق أحدهما بالآخر.

(٣) أي الفرق بين التّخييليّة والتّرشيح باعتبار التّعبير المذكور لا يوجب الفرق بينهما باعتبار الصّورة الوهميّة في التّخييليّة ، وعدم اعتبارها في التّرشيح مع تحقّق إثبات بعض ما يخصّ المشبّه به للمشبّه في كلّ منهما ، واعتبارها في التّخييليّة دون التّرشيح مع تحقّق الموجب له ترجيح بلا مرجح.

والحاصل إنّ اللّازم ممّا ذكره السّكّاكي في تفسير التّخييليّة أن يكون التّرشيح تخييليّة ، واللّازم باطل واللزّوم مثله. فالمتحصّل من جميع ما ذكرناه أنّ اعتباره في أحدهما دون الآخر تحكّم ، أي حكم بوقوع أحد طرفي الحكم من غير رجحان.

(٤) أي الجواب عن هذا الاعتراض الوارد على السّكّاكي المشار إليه بقوله : «ويقتضي» ، وحاصل الجواب : إنّ المشبّه في صورة التّخييل لمّا عبّر عنه بلفظه ، وقرن بما هو من لوازم المشبّه به ، وكان ذلك اللّازم صافيا للمشبّه ، ومنافرا للفظه ، جعلنا لفظ اللّازم المقرون عبارة عن أمر متوهّم يمكن إثباته للمشبّه ، وفي صورة التّرشيح لمّا عبّر عن المشبّه بلفظ المشبّه به وقرن بما هو من لوازم ذلك المشبّه ، ولم يحتج إلى اعتبار الصّورة الوهميّة لعدم المنافرة مع إمكان اعتبار نقل لفظ المشبّه به مع لازمه للمشبّه.

٢٢٠