دروس في البلاغة - ج ٤

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في البلاغة - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة البلاغ
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٥٤

من غير قرينة لفظيّة ، فعلى هذا (١) يخرج من الوضع المجاز دون الكناية. لأنّا نقول (٢) : أخذ الموضوع في تعريف الوضع فاسد للزوم الدّور ، وكذا حصر القرينة في اللّفظي ، لأنّ المجاز قد تكون قرينته معنويّة. لا يقال (٣) معنى الكلام أنّه خرج عن تعريف الحقيقة المجاز دون الكناية ، فإنّها

________________________________________________________

قرينتها معنويّة ، فقول المعترض : لأنّه لا يدلّ عليه بنفسه ، بل بواسطة القرينة مسلّم ، لكنّ المراد القرينة المعنويّة لا اللّفظيّة المعتبرة في المجاز.

(١) أي فعلى ما ذكر من الجوابين يخرج من الوضع المجاز دون الكناية.

(٢) أي هذا ردّ للجواب الأوّل ، كما أنّ قوله : «وكذا حصر القرينة» ردّ للجواب الثّاني ، وحاصل ردّ الجواب الأوّل أنّ أخذ الموضوع ، أي اللّازم من كون المراد قرينة مانعة عن إرادة الموضوع له ، كما في الجواب

الأوّل فاسد للزوم الدّور ، وذلك لتوقّف معرفة الوضع على معرفة الموضوع ، لأخذه جزء في تعريفه ، وتوقّف معرفة الموضوع على معرفة الوضع ، لأنّ الموضوع مشتقّ من الوضع ، ومعرفة المشتقّ متوقّفة على معرفة المشتقّ منه.

نعم ، لو قيل : إنّ معنى قوله : «بنفسه» أي من غير قرينة مانعة عن إرادة المعنى الأصلي لاندفع الدّور لكن ذلك لا يفهم من عبارة التّعريف.

وحاصل ردّ الجواب الثّاني المستفاد من قوله : «وكذا حصر القرينة في اللّفظي» أي الّذي هو مقتضى قولكم من غير قرينة لفظيّة لإخراج المجاز دون الكناية ، فإنّه يقتضي أن قرينة المجاز دائما لفظيّة ، وهو فاسد لأنّ قرينة المجاز قد تكون معنويّة ، وحينئذ فيكون داخلا في التّعريف ، فكيف يخرجه! أي والكناية قد تكون قرينتها لفظيّة ، وحينئذ فتكون خارجة منه ، فكيف يدخلها فيه!

والحاصل إنّ الجواب الثّاني يستلزم انحصار قرينة المجاز في اللّفظيّة ، وكذا يستلزم انحصار قرينة الكناية في غير اللّفظيّة ، وكلّ منهما ممنوع ، إذ قد تكون قرينة المجاز معنويّة فيكون داخلا في التّعريف ، فلا يصحّ إخراجه حينئذ منه ، وقد تكون قرينة الكناية لفظيّة فتكون خارجة من التّعريف فلا يصحّ إدخالها حينئذ فيه.

(٣) أي لا يقال في الجواب الآخر عن المصنّف على نسخة ، فخرج المجاز دون الكناية ، إنّ الكناية خارجة عن المجاز لأنّها من أفراد الحقيقة لاستعمالها في الموضوع له عند السّكّاكي ،

٨١

أيضا حقيقة على ما صرّح به صاحب المفتاح (١). لأنّا نقول (٢) هذا فاسد على رأي المصنّف ، لأنّ الكناية لم تستعمل عنده (٣) فيما وضع له ، بل إنّما استعملت في لازم الموضوع له مع جواز إرادة الملزوم (٤) ، وسيجيء لهذا (٥) زيادة تحقيق [والقول (٦) بدلالة اللّفظ لذاته ظاهره فاسد] يعني ذهب بعضهم إلى أنّ دلالة الألفاظ على معانيها لا تحتاج إلى الوضع ، بل بين اللّفظ

________________________________________________________

وهذا الجواب مبنيّ على أنّ قوله : «فخرج» مفرّع على تعريف الحقيقة لا على تعريف الوضع بخلاف الجواب الأوّل.

(١) حيث قال الحقيقة في المفرد والكناية تشتركان في كونهما حقيقيّتين ، وتفترقان في التّصريح وعدمه.

(٢) إنّ ما ذكر من أنّ الكناية أيضا حقيقة صحيح على رأي صاحب المفتاح ، كما صرّح به لكن فاسد على رأي المصنّف ، لأنّه قال في تعريف الحقيقة هي الكلمة المستعملة فيما وضعت له ، فشرط المصنّف في الحقيقة الاستعمال فيما وضع له ، فالكناية ليست حقيقة على رأيه ، لأنّها لم تستعمل فيما وضع له ، بل إنّما استعملت في لوازم الموضوع له ، مع جواز إرادة الموضوع له.

(٣) أي عند المصنّف.

(٤) أي الموضوع له ، ومن المعلوم أنّ مجرّد جواز إرادة الملزوم ، أي الموضوع له لا يوجب كون اللّفظ مستعملا فيه.

(٥) أي لفساد كون الكناية حقيقة على رأي المصنّف ، سيجيء زيادة تحقيق في بحث الكناية.

(٦) أي هذا إشارة إلى القول بأنّ دلالة اللّفظ ذاتيّة لا تحتاج إلى وضع واضع ، والقائل لهذا القول هو عبّاد بن سليمان الصّيمري ، وحاصل ما في المقام كما في بعض الشّروح أنّ دلالة اللّفظ على معنى لا بدّ لها من مخصّص لتساوي نسبته إلى جميع المعاني ، فذهب المحقّقون إلى أنّ المخصّص لوضعه لهذا المعنى دون ذاك هو إرادة الواضع ، والظّاهر أنّ الواضع هو الله تعالى على ما ذهب إليه الشّيخ أبو الحسن الأشعري من أنّه تعالى وضع الألفاظ ووقف عباده عليها تعليما بالوحي ، أو بخلق الأصوات والحروف في جسم ، وإسماع ذلك الجسم واحدا

٨٢

والمعنى مناسبة طبيعيّة تقتضي دلالة كلّ لفظ على معناه لذاته ، فذهب المصنّف وجميع المحقّقين إلى أنّ هذا القول فاسد ما دام محمولا على ما يفهم منه ظاهرا (١) ، لأنّ (٢) دلالة اللّفظ على المعنى لو كانت لذاته كدلالته على اللّافظ (٣) لوجب (٤) أن لا تختلف اللّغات باختلاف الامم ، وأن يفهم كلّ واحد معنى كلّ لفظ لعدم انفكاك المدلول عن الدّليل (٥) ، ولامتنع (٦) أن يجعل اللّفظ بواسطة القرينة بحيث يدلّ

________________________________________________________

أو جماعة من النّاس ، أو بخلق علم ضروريّ في واحد أو جماعة من النّاس.

ذهب عبّاد بن سليمان الصّيمري ومن تبعه إلى أنّ المخصّص لدلالة هذا اللّفظ على هذا المعنى دون غيره من المعاني ذات الكلمة ، يعني أنّ بين اللّفظ والمعنى مناسبة طبيعيّة تقتضي دلالة اللّفظ على هذا المعنى ، فكلّ من سمع اللّفظ فهم معناه ، لما بينهما من المناسبة الذّاتيّة ، ولا يحتاج في دلالته على معناه للوضع ، للاستغناء عنه بالمناسبة الذّاتيّة الّتي بينهما. وهذا القول على ظاهره فاسد ، ووجه فساده مبيّن في كلام الشّارح.

(١) وهو أنّ المخصّص ذات اللّفظ ، فلا حاجة إلى الوضع بعد كون دلالة اللّفظ لذاته.

(٢) علّة لفساد هذا القول.

(٣) أي كما كانت دلالة اللّفظ على وجوده وحياته لذاته من غير حاجة إلى الواضع والتّعيين.

(٤) أي جواب لقوله : «لو كانت لذاته» أي لو كانت الدّلالة ذاتيّة لوجب أن لا تختلف اللّغات باختلاف الأمم ، بأن يفهم كلّ واحد معنى كلّ لفظ ، لكون دلالته عليه لذاته ، والتّالي باطل فالمقدّم مثله ، أي عدم اختلاف اللّغات باطل ، فإنّها مختلفة كما في لفظة (دود) فإنّها بالفارسيّة بمعنى الدّخّان ، وبالهنديّة بمعنى اللّبن ، وبالعربيّة بمعنى الحيوان المعروف ، فالدّلالة الذّاتيّة أيضا باطل.

(٥) أي لأنّ الدّليل ما يلزم من العلم به العلم بثبوت المدلول.

(٦) هذا هو الدّليل الثّاني على فساد القول بأنّه دلالة اللّفظ على معناه لذاته ، إذ لو كانت لذاته لامتنع جعل لفظ الأسد مثلا مجازا في الرّجل الشّجاع بحيث يدلّ بواسطة القرينة على الرّجل الشّجاع دون الحيوان المفترس ، «لأنّ ما بالذّات» أي الدّلالة على المعنى الحقيقي «لا يزول بالغير» أي بالقرينة.

٨٣

على المعنى المجازي دون الحقيقي ، لأنّ ما بالذّات لا يزول بالغير ولامتنع نقله (١) من معنى إلى معنى آخر بحيث لا يفهم منه (٢) عند الإطلاق إلّا المعنى الثّاني ، [وقد تأوّله] أي القول بدلالة اللّفظ لذاته [السّكّاكي] أي صرفه (٣) عن ظاهره وقال : إنّه (٤) تنبيه على ما عليه أئمّة علمي الاشتقاق والتّصريف (٥) من أنّ للحروف في أنفسها خواصّ بها تختلف ، كالجهر والهمس والشّدة والرّخاوة والتّوسط بينهما (٦)

________________________________________________________

(١) أي نقل اللّفظ من معنى حقيقي إلى معنى حقيقي آخر ، وهذا أي امتناع النّقل هو الدّليل الثّالث على فساد القول المذكور.

(٢) أي لا يفهم من اللّفظ المنقول «عند الإطلاق» أي عند عدم القرينة إلّا المعنى الثّاني أي المعنى المنقول اليه ، وهو باطل لما ذكر آنفا من أنّ ما بالذّات لا يزول بالغير.

والمتحصّل ممّا ذكرنا أنّ دلالة اللّفظ على معناه لو كانت لذاته للزم عليه الأمور المذكورة ، والحال أنّها باطلة فالملزوم مثله.

(٣) أي حمل القول المذكور على خلاف ظاهره ، وذلك أنّ معنى قوله : «يدلّ لذاته» أي أنّ فيه وصفا ذاتيّا يناسب أن يوضع بسببه لمعنى دون معنى آخر ، فالمناسبة سبب للوضع لا أنّ المناسبة سبب للدّلالة من دون الحاجة إلى وضع الواضع كما هو ظاهره.

(٤) أي القول المذكور «تنبيه» أي ذو تنبيه.

(٥) أي هذا الكلام يدلّ على أنّ كلّ منهما علم مستقلّ ، وهو الحقّ لامتياز موضوع كلّ منهما عن موضوع الآخر بالحيثيّة المعتبرة ـ في موضوعات العلوم ، فعلم التّصريف يبحث عن مفردات الألفاظ من حيث أصالة حروفها وزيادتها وصحّتها واعتلالها وهيئاتها ، وعلم الاشتقاق يبحث عن مفردات الألفاظ من حيث انتساب بعضها إلى بعض بالأصالة والفرعيّة ، هذا ما ذكر بعض في شرح المفتاح.

(٦) أي بين الشّدّة الرّخاوة الشّدة انحصار صوت الحرف عند إسكانه في مخرجه انحصارا تامّا ، فلا يجري في غيره ، والرّخاوة عدم انحصار صوت الحرف في مخرجه عند إسكانه ، فيجرّ الصّوت في غير مخرجه جريا تامّا ، والتّوسط أن لا يتمّ الانحصار ، والجري «والجهر» هو خروج الحرف بصوت قويّ ، ويعلم ذلك بالوقف على الحرف بعد همزة كأب وأخ ، «والهمس» هو خروج الحرف بصوت غير قوي ، والحروف المهموسة يجمعها قولك : فحثه

٨٤

وغير ذلك (١) ، وتلك الخواصّ (٢) تقتضي أن يكون العالم بها إذا أخذ في تعيين شيء مركّب منها (٣) لمعنى لا يهمل التّناسب بينهما (٤) قضاء لحقّ الحكمة ، كالفصم بالفاء الّذي هو حرف رخو لكسر الشّيء من غير أن يبيّن ، والقصم بالقاف الّذي هو حرف شديد لكسر الشّيء حتّى يبيّن وأنّ لهيئات تركيب الحروف أيضا خواصّ كالفعلان والفعلى بالتّحريك (٥) لما فيه حركة ، كالنّزوان (٦) والحيدى ، وكذا باب فعل بالضمّ مثل شرف وكرم (٧) للأفعال الطّبيعيّة اللّازمة.

________________________________________________________

شخص سكت ، وما عداها مجهور ، والحروف الشّديدة يجمعها قولك : أجد قط بكت ، المتوسطة بين الشّدة والرّخوة يجمعها قولك : لن عمر ، وما عداها حروف رخوة.

(١) أي كالاستعلاء والاستفال والتّصحيح والإعلال.

(٢) أي الأوصاف.

(٣) أي إذا أخذ في وضع لفظ مركّب من هذه الحروف.

(٤) أي بين الحروف والمعنى فيضع لفظا فيه رخاوة لمعنى فيه رخاوة وسهولة كالفصم بالفاء الّذي هو حرف رخو ، فإنّه قد وضع لكسر الشّيء بلا بينونة وانفصال ، لأنّه أسهل ممّا فيه بينونة ، ويضع اللّفظ الّذي فيه شدّة لمعنى فيه شدّة كالفصم بالقاف الّذي هو حرف شديد ، فإنّه قد وضع لكسر الشّيء مع بينونة ، لأنّ الكسر مع البينونة والانفصال أشدّ من الكسر بلا بينونة ، ويضع له ما فيه حرف استعلاء لما فيه من علوّ وضدّه لضدّه.

والحاصل أنّه لا بدّ من رعاية المناسبة بين اللّفظ والمعنى قضاء لحقّ الحكمة ، أي أداء لحكمة اتّصاف الحروف بتلك الخواصّ.

(٥) أي بتحريك العين فيهما ، فقد وضعا لما فيه من جنس الحركة.

(٦) أي فالنّزوان مشتمل على هيئة حركات متوالية ، فيناسب ما فيه حركة ، ولذا وضع لضرّاب الذّكر ونزوه على الأنثى ، والحيدى كذلك ، ولذا وضع للحمار الّذي له نشاط في حركاته بحيث إنّه إذا رأى ظلّه ظنّه حمارا حاد منه ، أي فرّ منه ليسبقه لنشاطه.

(٧) أي فإنّ هيئة هذا الباب مشتملة على الضمّ ، والضمّ نظرا إلى معناه اللّغوي ، أي جعل الشّيء ضميمة ولازما لشيء آخر ، ناسب أن يكون مدلوله ضميمة ولازما لشيء ، وبهذه المناسبة وضع هذا الباب للأفعال الطّبيعيّة اللّازمة للإنسان.

٨٥

[والمجاز (١)] في الأصل مفعل (٢) من جاز (٣) المكان يجوزه ، ـ إذا تعدّاه نقل (٤) إلى الكلمة الجائزة ، أي المتعدّيّة مكانها الأصلي ، أو المجوّز بها على معنى أنّهم جازوا بها وعدّوها مكانها الأصلي ، كذا ذكره الشّيخ (٥) في أسرار البلاغة ، وذكر المصنّف أنّ الظّاهر أنّه من قولهم : جعل كذا مجازا إلى حاجتي (٦) ، أي طريقا لها ، على أنّ معنى جاز المكان ، فإنّ المجاز طريق إلى تصوّر معناه (٧).

________________________________________________________

(١) أي ولمّا فرغ المصنّف من الحقيقة المقابلة للمجاز أشار إلى المجاز ، وقسّمه إلى قسمين كما يأتي.

(٢) أي أنّه باعتبار أصله مصدر ميميّ على وزن مفعل ، فأصله مجوز نقلت حركت الواو للسّاكن قبلها ، ثمّ تحرّكت الواو بحسب الأصل ، ثمّ انقلبت ألفا لانفتاح ما قبلها فصار مجازا.

(٣) أي المجاز مشتقّ من جاز المكان ، وهذا ظاهر في أنّ الاشتقاق من الأفعال كما يقول الكوفيون ، وأمّا على مذهب البصريّين من أنّ الاشتقاق من المصدر فيقدّر مضاف ، أي مشتقّ من مصدر جاز ، وهو الجواز لأنّ المصدر المزيد يشتقّ من المجرّد ، ـ ويصحّ أنّ يقدّر مأخوذ من جاز المكان.

(٤) أي نقل المجاز في الاصطلاح من المصدريّة «إلى الكلمة الجائزة ...».

وحاصل الكلام في المقام أنّ لفظ «مجاز» في الأصل ، أي في اللّغة مصدر معناه الجواز والتّعديّة ، ثمّ نقل في الاصطلاح من المصدريّة إلى الكلمة المستعملة في غير ما وضعت له ، باعتبار أنّها جائزة ومتعديّة مكانها الأصلي ، فيكون بمعنى اسم الفاعل ، أو باعتبار أنّها مجوز بها ومتعدّي بها مكانها الأصلي ، فيكون بمعنى اسم المفعول.

(٥) أي ذكره الشّيخ عبد القاهر.

(٦) أي إنّ المجاز على ما ذكره في الإيضاح منقول من المستعمل اسم مكان ، لأنّه قال فيه ما حاصله : إنّ الظّاهر أنّه ، أي لفظ المجاز منقول من قولهم : «جعلت كذا» أي الشّيء الفلاني مجازا إلى حاجتي ، أي طريقا لها ، وهذا بناء على أنّ جاز المكان سلكه ، أي وقع عبوره وجوازه فيه.

(٧) أي معناه المجاز ، المراد منه بالقرينة ، وحينئذ فالمجاز معناه محلّ الجواز ، والسّلوك هو نفس الطّريق.

٨٦

فالمجاز [مفرد ومركّب] وهما (١) مختلفان فعرّفوا كلا على حدة [أمّا المفرد فهو الكلمة (٢) المستعملة] احترز بها (٣) عن الكلمة قبل الاستعمال ، فإنّها (٤) ليست بمجاز ولا حقيقة [في غير ما وضعت له (٥)] ـ احترز به (٦) عن الحقيقة مرتجلا كان أو منقولا أو غيرهما (٧) ، وقوله : [في اصطلاح التّخاطب (٨)] متعلّق بقوله : وضعت (٩).

________________________________________________________

(١) أي المجاز المفرد والمجاز المركّب مختلفان حقيقة ، لأنّ حقيقة كلّ منهما تخالف حقيقة الآخر ، فلا يمكن جمعهما في تعريف واحد ، فعرّفوا كلا منهما على انفراده.

(٢) أي سواء كانت اسما أو فعلا أو حرفا ، وخرج عنها المركّب.

(٣) أي احترز بالمستعملة عن الكلمة قبل الاستعمال ، أي وبعد الوضع كما احترز بها عن الكلمة المهملة الّتي لم توضع أصلا حتّى أنّها تستعمل.

(٤) أي الكلمة الّتي وضعت ولم تستعمل ، ليست بحقيقة ولا مجازا.

(٥) أي المجاز في المفرد هو الكلمة المستعملة في غير ما ، أي معنى وضعت ، أي الكلمة له ، أي لذلك المعنى ، أي الكلمة المستعملة في المعنى المغاير للمعنى الموضوع له.

(٦) أي احترز به ، أي بقوله : «غير ما وضعت له» عن الحقيقة على جميع أقسامها ، أي مرتجلا كان أو منقولا ، أو غيرهما ، والمرتجل هو اللّفظ وضع لمعنى من دون أن يكون موضوعا للمعنى الآخر ، أو كان موضوعا ولكن وضع في المعنى الثّاني بلا علاقة بينه وبين المعنى الأوّل ، والمنقول ما نقل إلى المعنى الثّاني لعلاقة بينه وبين المعنى الأوّل ، كلّفظ الصّلاة فإنّه منقول من الدّعاء إلى الأركان المخصوصة لعلاقة الكلّيّة والجزئيّة ، فإنّ الدّعاء جزء للأركان المخصوصة.

(٧) أي ما ليس منقولا ولا مرتجلا ، كالمشتقّات فإنّها ليست مرتجلة محضة لتقدّم وضع موادّها ، ولا منقولة لعدم وضعها بنفسها قبل ما اشتقّت له.

(٨) أي في الاصطلاح الّذي يقع بسببه التّخاطب والتّكلّم ، وفي بعض النّسخ (في اصطلاح به التّخاطب) والمعنى واحد.

(٩) فحاصل المعنى المراد هو كون اللّفظ موضوعا للمعنى في ذلك الاصطلاح ، سواء حدث الوضع في ذلك الاصطلاح أوّلا وابتداء أم لا ، بل أقرّه أهل ذلك الاصطلاح على الموضوع له أوّلا وابتداء ، كلفظ الأسد الّذي وضع في اللّغة للحيوان المفترس ، فأقرّه النّحوي أو العرف على ذلك المعنى.

٨٧

قيّد بذلك (١) ليدخل (٢) المجاز المستعمل فيما وضع له في اصطلاح آخر ، كلفظ الصّلاة إذا استعمله المخاطب (٣) بعرف الشّرع في الدّعاء مجازا ، فإنّه وإن كان مستعملا فيما وضع له في الجملة (٤) فليس بمستعمل فيما وضع له في الاصطلاح الّذي وقع به التّخاطب أعني الشّرع ، وليخرج (٥) من الحقيقة (٦) ما يكون له معنى آخر باصطلاح آخر كلفظ الصّلاة المستعملة بحسب الشّرع في الأركان المخصوصة ، فإنّه يصدق عليه أنّه كلمة مستعملة في غير ما وضعت له لكن بحسب اصطلاح آخر وهو اللّغة ،

________________________________________________________

(١) أي قيّد بقوله :

«في اصطلاح التّخاطب».

(٢) أي ليدخل في تعريف المجاز المفرد «المجاز المستعمل فيما وضع له في اصطلاح آخر» ، أي غير الاصطلاح الّذي وقع التّخاطب فيه ، بأن يكون مستعملا في غير ما وضع له في اصطلاح التّخاطب ، أي المتكلّم.

(٣) أي بكسر الطّاء ، أي المتكلّم بهذه الكلمة استعملها في الدّعاء مجازا ، لأنّ الدّعاء غير ما وضع له في عرف الشّرع ، والموضوع له هي الأركان المخصوصة.

(٤) أي في بعض الاصطلاحات أعني اللّغة ، إلّا أنّه ليس بمستعمل فيما وضع له في الاصطلاح الّذي به وقع التّخاطب ، أعني الشّرع فيكون مجازا شرعيّا بمقتضى هذا الاصطلاح ، وإن كان حقيقة لغويّة بمقتضى اصطلاح أهل اللّغة.

(٥) عطف على قوله : «ليدخل» ، أي وليخرج من تعريف المجاز ما يكون له معنى آخر باصطلاح الّذي هو من أفراد الحقيقة.

(٦) أي الظّاهر إنّ لفظ «من» في قوله :

«من الحقيقة» ليس صلة ليخرج لفساد المعنى ، كما هو الظّاهر ، وإنّما الجارّ والمجرور في موضع الحال بيان لما بعدها ، وهو قوله : «ما يكون له معنى آخر» ، وصلة «يخرج» محذوف أي يخرج من التّعريف بعض أفراد الحقيقة ، وهو اللّفظ المستعمل في غير ما وضع له لكن ليس غيرا في اصطلاح التّخاطب كاستعمال لفظ الصّلاة في اصطلاح أهل الشّرع في الأركان المخصوصة ، وإنّما غيّر في اصطلاح آخر أي أهل اللّغة ، فلا تكون الصّلاة المستعملة في الأركان المخصوصة بحسب الشّرع من المجاز ، إذ تعريفه ليس صادقا عليها.

٨٨

لا بحسب اصطلاح التّخاطب وهو الشّرع [على وجه يصحّ ـ (١)] متعلّق بالمستعملة [مع قرينة (٢) ـ عدم إرادته] أي إرادة الموضوع له.

[فلا بدّ] للمجاز [من العلاقة (٣)] ليتحقّق الاستعمال على وجه يصحّ ، وإنّما قيّد (٤) بقوله : على وجه يصحّ ، واشترط العلاقة [ليخرج الغلط] من تعريف المجاز كقولنا : خذ هذا الفرس ، مشيرا إلى كتاب ، لأنّ هذا الاستعمال على وجه يصحّ (٥) [و] إنّما قيّد بقوله : مع قرينة عدم إرادته ، ـ لتخرج [الكناية (٦)] لأنّها مستعملة في غير ما وضعت له مع جواز إرادة ما وضعت له.

________________________________________________________

(١) أي هذا فصل خرج به الغلط كما يأتي ، والمستفاد منه أنّه لا بدّ في المجاز من ملاحظة العلاقة ، لأنّ صحّة استعمال اللّفظ في غير ما وضع له تتوقّف على ملاحظتها ، ولذا صحّ تفريع قوله : بعد «فلا بد من العلاقة» عليه.

(٢) أي مع قرينة سواء كانت حاليّة أو مقاليّة على عدم إرادة المعنى الحقيقي ، أي المجاز هو الكلمة المستعملة على الوجه المذكور مع مصاحبة قرينة دالّة على عدم إرادة المتكلّم للموضوع له وضعا حقيقيّا ، فقرينة المجاز مانعة من إرادة المعنى الحقيقي ، وهو فصل يخرج به الكناية كما يأتي.

(٣) أي من ملاحظة العلاقة ، والاستعمال في غير ما وضع له عند عدم ملاحظة العلاقة لم يكن مجازا بل غلطا ، ثمّ المراد بالعلاقة هنا هو الأمر الّذي يحصل به الارتباط بين المعنى الحقيقي والمعنى المجازي ، كالمشابهة في مجاز الاستعارة ، وكالسّببيّة والمسببيّة في المجاز المرسل ، وبتلك العلاقة يتحقّق الاستعمال على وجه يصحّ عند العقلاء.

(٤) أي قيد المصنّف كقوله : «على وجه يصحّ واشترط العلاقة ليخرج الغلط» من تعريف المجاز ، والمستفاد من هذا الكلام أنّ المراد بالغلط الخارج عن تعريف المجاز ما استعمل في غير ما وضع له لا لعلاقة من تعمّد لذلك الاستعمال ، وهو الغلط اللسّاني كما إذا أشار إلى كتاب ، وأراد أن يقول : خذ هذا الكتاب ، فسبق لسانه وقال : خذ هذا الفرس.

(٥) أي لعدم ملاحظة العلاقة بين الفرس والكتاب.

(٦) أي إنّ الكناية تخرج عن تعريف المجاز وعن تعريف الحقيقة أيضا ، بناء على أنّها واسطة بين الحقيقة والمجاز ، أي ليست حقيقة ولا مجاز ، أمّا أنّها ليست حقيقة فلأنّها كما

٨٩

[وكلّ منهما] أي من الحقيقة والمجاز [لغوي وشرعي (١) وعرفيّ خاصّ] وهو (٢) ما يتعيّن ناقله ، كالنّحوي والصّرفي وغير ذلك (٣) ، [أو] عرفي [عامّ] لا يتعيّن ناقله (٤) ، وهذه النّسبة (٥) في الحقيقة بالقياس إلى الواضع (٦) ، فإن كان واضعها (٧) واضع اللّغة فلغويّة ،

________________________________________________________

سبق ، هو اللّفظ المستعمل فيما وضع له ، والكناية ليست كذلك ، وأمّا أنّها ليست مجازا ، فلأنّ المجاز اشترط فيه القرينة المانعة عن إرادة الحقيقة ، والكناية ليست كذلك ، لأنّ القرينة فيها ليست مانعة من إرادة المعنى الحقيقي.

(١) أي إنّما قسّم الحقيقة والمجاز إلى اللّغوي والشّرعي والعرفي في العامّ والخاصّ ، مع أنّ الشّرعي داخل في العرفي الخاصّ لشرفه ، وأنّه ليس من قبيل العرفي تنزيلا للتّغاير في الوصف منزلة التّغاير في الذّات ، مثال الحقيقة الشّرعيّة : الصّلاة والزّكاة والحجّ ، فإنّ الشّارع اخترع معان لم تكن مقصودة للعرب.

(٢) أي الخاصّ ما يتعيّن ناقله أن يكون ناقله عن المعنى اللّغوي طائفة مخصوصة من النّاس ، ولا يشترط العلم بشخص النّاقل.

(٣) أي ما عدا الشّرع ، كالمتكلّمين بقرينة المقابلة.

(٤) قوله : «لا يتعيّن ناقله» تفسير للعرف العامّ. أي لا يتعيّن ناقله عن اللّغة بطائفة مخصوصة ، وإن كان معيّنا في نفس الأمر.

والحاصل إنّ كلا من الحقيقة والمجاز على أربعة أقسام : أي الحقيقة اللّغويّة ، والشّرعيّة ، والعرفيّة الخاصّة ، والعرفيّة العامّة.

فالحقيقة اللّغويّة ما وضعها واضع اللّغة ، والشّرعيّة ما وضعها الشّارع ، والعرفيّة الخاصّة ما وضعها أهل عرف خاصّ كالنّحويين في لفظ مخصوص ، والعرفيّة العامّة ما وضعها أهل العرف العامّ ، أي الّذي لم يختصّ بطائفة مخصوصة من النّاس.

(٥) أي في لغوي وشرعي وعرفي «في الحقيقة» أي الكائنة في الحقيقة بأن يقال حقيقة لغويّة ، حقيقة شرعيّة ، حقيقة عرفيّة خاصّة أو عامّة.

(٦) أي بالنّسبة والنّظر إلى الواضع.

(٧) أي واضع الحقيقة واضع اللّغة ، فهي حقيقة لغويّة.

٩٠

وإن كان الشّارع (١) فشرعيّة ، وعلى هذا القياس (٢) ، وفي المجاز (٣) باعتبار الاصطلاح (٤) الّذي وقع الاستعمال في غير ما وضعت له في ذلك الاصطلاح ، فإن كان هو اصطلاح اللّغة فالمجاز لغوي وإن كان اصطلاح الشّرع فشرعي ، وإلّا فعرفي عام أو خاصّ [كأسد للسّبع] المخصوص (٥) [والرّجل الشّجاع] فإنّه حقيقة لغويّة في السّبع مجاز لغوي في الرّجل الشّجاع [وصلاة (٦) للعبادة] المخصوصة [والدّعاء] فإنّها (٧) حقيقة شرعيّة في العبادة مجاز شرعي في الدّعاء [وفعل (٨) للّفظ] ـ المخصوص أعني ما دلّ على معنى في نفسه مقترن بأحد الأزمنة الثّلاثة [والحدث (٩)] فإنّه حقيقة عرفيّة خاصة أي نحويّة في اللّفظ مجاز نحوي في الحدث ،

________________________________________________________

(١) أي وإن كان واضع تلك الحقيقة الشّارع ، فهي حقيقة شرعيّة.

(٢) أي وإن كان واضع تلك الحقيقة أهل العرف ، فهي حقيقة عرفيّة خاصّة أو عامّة.

(٣) أي قوله : «في المجاز» عطف على قوله : «في الحقيقة» ، أي وهذه النّسبة الكائنة في المجاز في قولهم : مجاز لغوي ، أو شرعي ، أو عرفيّ خاصّ أو عامّ.

(٤) أي باعتبار أهل الاصطلاح.

(٥) أي الحيوان المفترس ، فاستعماله في الحيوان المفترس حقيقة لغويّة ، واستعماله في الرّجل الشّجاع مجاز لغوي ، للعلاقة بينه وبين المعنى الأوّل وهي المشابهة.

(٦) أي ولفظ الصّلاة حيث إنّه وضع للعبادة المخصوصة شرعا ، فهو حقيقة شرعيّة فيها.

(٧) أي الصّلاة حقيقة شرعيّة في العبادة ، ومجاز شرعي في الدّعاء لعلاقة الكلّيّة والجزئيّة بين العبادة والدّعاء.

(٨) أي وهو مثال للحقيقة العرفيّة الخاصّة ، أي إنّ لفظ (فعل) عند النّحاة قد وضع للّفظ المخصوص ، وهو ما دلّ على معنى في نفسه واقترن بزمان ما ، أي مقترن بأحد الأزمنة الثّلاثة ، ثمّ قوله : «للّفظ» بتشديد اللّام ليكون معرّفا بدليل وضعه بقوله : «المخصوص».

(٩) أي لفظ (فعل) إذا استعمله النّحوي في الحدث كان مجازا نحويّا ، لأنّ الحدث جزء مدلول الفعل ، وذلك فإنّ لفظ (فعل) بكسر الفاء في اللّغة اسم بمعنى الأمر والشّأن ، نقل في النّحو للكلمة المخصوصة ، وهي الفعل في مقابل الاسم والحرف ، ومعناه هو الحدث المنسوب إلى فاعل في أحد الأزمنة الثّلاثة ، فإذا استعمل في الحدث فقطّ ، وهو جزء معناه كان مجازا نحويّا ، وليس حقيقة لغويّة في الحدث ، كما يتوهّم فيكون مجازا عرفيّا خاصّا.

٩١

[ودابّة لذي الأربع (١) وإلإنسان] فإنّها (٢) حقيقة عرفيّة عامّة في الأوّل ، مجاز عرفي عامّ في الثّاني ، [والمجاز مرسل (٣) إن كانت العلاقة] المصحّحة (٤) [غير المشابهة (٥)] بين المعنى المجازي والمعنى الحقّيقي [وإلّا (٦) فاستعارة] ،

________________________________________________________

(١) أي إذا استعمل لفظ دابّة في ذي القوائم الأربع كالحمار مثلا ، فهو حقيقة عرفيّة عامّة ، فإنّه في العرف العامّ وضع لذي الأربع واستعماله في الإنسان مجاز عرفي عامّ ، حيث يستعمل فيه لعلاقة بينه وبين ما وضع له في العرف العامّ ، والعلاقة بين السّبع والرّجل الشّجاع هي المشابهة ، وبين العبادة المخصوصة والدّعاء اشتمالها عليه وبين اللّفظ المخصوص والحدث دلالته عليه مع الزّمان ، وبين الإنسان وذوات الأربع مشابهته لها في قلة التّمييز ، وقد وضع لفظ الدّابة في الأصل واللّغة لكلّ ما يدبّ على الأرض فإن استعمل في ذوات الأربع من حيث كونها ممّا يدبّ فهو حقيقة ، وإن استعمل فيها لخصوصها وروعي الدّبيب لتحقّق المناسبة الموجبة لتسميتها بخصوصها ، وكان ذلك من أهل العرف العامّ صار حقيقة عامّة ، واستعماله بعد ذلك في الإنسان للمشابهة مجاز عرفي عامّ.

(٢) أي دابّة حقّيقيّة عرفيّة عامّة في الأوّل ، أي في ذوات القوائم الأربع.

(٣) أي سمّي مرسلا ، لأنّ الإرسال في اللّغة هو إلّا طلاق والمجاز الاستعاري مقيّد بادّعاء أنّ المشبّه من جنس المشبّه به ، والمرسل مطلق عن هذا القيد ، وقيل إنّما سمّي مرسلا لإرساله عن التّقييد بعلاقة مخصوصة ، بل ردّد بين علاقات ، بخلاف المجازي الاستعاري فإنّه مقيّد بعلاقة واحدة ، وهي المشابهة.

(٤) أي لاستعمال اللّفظ في غير ما وضع له.

(٥) أي بأن تكون العلاقة علاقة سببيّة أو مسبّبيّة على ما يأتي ، وذلك بأن يكون معنى اللّفظ الأصلي سببا لشيء أو مسبّبا عن شيء ، فنقل اسمه لذلك الشّيء.

(٦) أي وإن لم تكن العلاقة بين المعنى المجازي والمعنى الحقيقي غير المشابهة ، بل كانت العلاقة نفس المشابهة ، فالمجاز استعارة.

٩٢

فعلى هذا الاستعارة هي اللّفظ المستعمل فيما شبّه بمعناه الأصلي لعلاقة المشابهة ، كأسد في قولنا : رأيت أسدا يرمي (١) ، [وكثيرا ما تطلق الاستعارة (٢)] على فعل المتكلّم ، أعني [على استعمال اسم المشبّه به (٣) في المشبّه] فعلى هذا تكون (٤) بمعنى المصدر ويصحّ منه الاشتقاق [فهما] أي المشبّه به والمشبّه [مستعار منه ومستعار له واللّفظ] أي لفظ المشبّه به (٥) [مستعار] ، لأنّه (٦) بمنزلة اللّباس الّذي استعير من أحد فألبس غيره.

المجاز المرسل

[والمرسل] وهو ما كانت العلاقة غير المشابهة [كاليد] الموضوعة للجارحة المخصوصة ، إذا استعملت (٧) [في النّعمة]

________________________________________________________

(١) أي كأنّه قال :

رأيت رجلا شجاعا يشبه الأسد يرمي بالنّشاب ، فقد استعمل لفظ الأسد في الرّجل الشّجاع ، والعلاقة هي المشابهة في الشّجاعة ، والقرينة هي قوله : يرمي.

(٢) أي وكثيرا ما يطلق في العرف لفظ الاستعارة على فعل المتكلّم أعني المعنى المصدري لا على اللّفظ المستعار ، والمراد أنّ هذا كثير في نفسه لا بالقياس إلى المعنى السّابق حتّى يكون المعنى السّابق أقل.

(٣) أي لفظ المشبّه به ليشمل استعارة الفعل والحرف ، فمراده بالاسم ما قابل المسمّى لا ما قابل الفعل والحرف.

(٤) أي تكون الاستعارة بمعنى المصدر الخالص.

(٥) أي كلفظ الأسد مثلا مستعار ، والمعنى المشبّه به ، أعني الحيوان المفترس مستعار منه ، والمعنى المشبّه ، أعني الرّجل الشّجاع المسمّى بزيد مستعار له ، والمتكلّم مستعيرا.

(٦) أي اللّفظ بمنزلة اللّباس طلب عاريّة من المشبّه به لأجل المشبّه.

(٧) أي إذا استعملت اليد في النّعمة ، مثل كثرت أيادي فلان عندي ، وجلّت يده لديّ ، ورأيت أياديه عمّت الوجود ، فإطلاق اليد على النّعمة في الأمثلة المذكورة مجاز مرسل من إطلاق اسم السّبب على مسبّبه ، لأنّ اليد سبب لصدور النّعمة ووصولها إلى الشّخص المقصود بها.

٩٣

لكونها (١) بمنزلة العلّة الفاعليّة للنّعمة ، لأنّ النّعمة منها تصدر وتصل إلى المقصود بها [و] كاليد في [القدرة (٢)] لأنّ أكثر ما يظهر سلطان القدرة يكون في اليد ، وبها تكون الأفعال الدالّة على القدرة من البطش والضّرب والقطع والأخذ ، وغير ذلك (٣) ، [والرّاوية] الّتي هي في الأصل اسم للبعير (٤) الّذي يحمل المزادة إذا استعملت [في المزادة] ، أي المزود (٥) الّذي يجعل فيه الزّاد ، أي الطّعامّ المتّخذ للسّفر ، والعلاقة كون البعير حاملا لها ، وبمنزلة العلّة المادّيّة (٦).

________________________________________________________

(١) أي اليد بمعنى الجارحة لا بمعنى اللّفظ ، ففيه استخدام.

(٢) أي كاليد إذا استعملت في القدرة كما في قولك : للأمير يد ، أي قدرة ، فإنّ استعمالها فيها مجاز مرسل ، وذلك لأنّ الآثار تظهر باليد غالبا ، مثل الضّرب والبطش والقطع والأخذ والدّفع والمنع ، فينتقل من اليد إلى الآثار الظّاهرة بها ، ومن الآثار إلى القدرة الّتي هي أصلها ، فهي مجاز عن الآثار ، من إطلاق اسم السّبب على المسبّب والآثار يصحّ إطلاقها مجازا على القدرة من إطلاق اسم المسبّب على السّبب ، فالعلاقة في إطلاق اليد على القدرة كون اليد كالعلّة الصّوريّة للقدرة وآثارها ، إذ لا تظهر القدرة وآثارها إلّا باليد ، كما لا يظهر المصوّر إلّا بصورته ، فرجعت العلاقة هنا إلى معنى السّببيّة ، وما في قوله : «لأنّ أكثر ما يظهر سلطان القدرة» مصدريّة ، والمعنى لأنّ أكثر ظهور سلطان القدرة ، وتأثيرها يكون باليد.

(٣) أي كالدّفع والمنع ، وحاصل الكلام في المقام أنّ الأفعال الدالّة على القدرة لمّا كانت لا تظهر إلّا باليد صارت القدرة وآثارها كلّ منهما لا يظهر إلّا باليد ، وإن كان ظهور أحدهما مباشرة ، والآخر بواسطة ، وحيث كان كلّ منهما لا يظهر إلّا باليد صارت اليد كالعلّة الصّوريّة لهما.

(٤) أي البغل والحمار الّذي يستقى عليه ، والعامّة تسمّي المزادة راوية ، وذلك جائز على الاستعارة كما في الصحّاح.

(٥) وقيل إنّ تفسير المزادة بالمزود خطأ ، لأنّ المزادة ظرف الماء الّذي يستقى به على الدّابّة ، أمّا المزود فظرف الطّعامّ ، والرّاوية إنّما تستعمل عرفا في المزادة لا في المزود.

(٦) أي قوله : «بمنزلة العلّة المادّيّة» عطف على قوله : «حاملا لها» ، أي والعلاقة كون البعير حاملا لها ، فالعلاقة هي المجاورة ، وبمنزلة العلّة المادّيّة لأنّه لا وجود لها بوصف كونها مزادة في العادة إلّا بحمل البعير لها ، فيكون توقّفها بهذا الوصف على البعير ، كتوقّف الصّورة على المادّة ، فالعلاقة حينئذ هي مطلق السّببيّة.

٩٤

ولمّا أشار بالمثال إلى بعض أنواع العلاقة (١) أخذ في التّصريح بالبعض الآخر من أنواع العلاقات ، فقال : [ومنه] أي من المرسل [تسمية الشّيء باسم جزئه] في هذه العبارة نوع من التّسامح (٢) ، والمعنى أنّ في هذه التّسمية مجازا مرسلا ، وهو (٣) اللّفظ الموضوع لجزء الشّيء عند إطلاقه على نفس ذلك الشّيء ، [كالعين] وهي الجارحة المخصوصة (٤) [في الرّبيئة] وهي الشّخص الرّقيب (٥) والعين جزء منه (٦) ،

________________________________________________________

(١) أي العلاقة السّببيّة في المثالين.

(٢) أي في قوله : «ومنه تسمية الشّيء باسم جزئه» تسامح ، لأنّ ظاهر العبارة أنّ المجاز نفس تسمية الشّيء باسم جزئه ، مع أنّ المجاز هو اللّفظ الّذي كان للجزء ، وإطلاقه على الكلّ كان للملابسة.

(٣) أي والمجاز المرسل المصاحب لتلك التّسمية هو اللّفظ الموضوع لجزء الشّيء عند إطلاقه على نفس ذلك الشّيء.

واعلم أنّه لا يصحّ إطلاق اسم كلّ جزء على الكلّ ، وإنّما يطلق اسم الجزء الّذي له مزيد اختصاص بالكلّ بحيث يتوقّف تحقّق الكلّ بوصفه الخاصّ عليه كالرّقبة والرّأس ، فإنّ الإنسان لا يوجد بدونهما بخلاف اليد فإنّه لا يجوز إطلاقها على الإنسان ، وأمّا إطلاق العين على الرّبيئة فليس من حيث إنّه إنسان ، بل من حيث إنّه رقيب ، ومن المعلوم أنّ الرّبيئة إنّما تتحقّق كونه شخصا رقيبا بالعين ، إذ لولاها لانتفت عنه الرّقيبيّة ، وإلى هذا أشار الشّارح بقوله : «ويجب أن يكون الجزء ...».

(٤) أي بحسب أصل وضعها ، فإنّها تستعمل مجازا مرسلا في الرّبيئة ، والعلاقة في ذلك الجزئيّة.

(٥) أي وهو في الأصل المشرف ، والحافظ على الشّيء ، والمراد هنا الشّخص المسمّى بالجاسوس الّذي يطّلع على عورات العدو ، أي خفايا أموره.

(٦) أي من الرّقيب ، فقد أطلق اسم جزئه عليه لعلاقة الجزئيّة.

٩٥

ويجب أن يكون الجزء الّذي يطلق على الكلّ (١) ممّا يكون له من بين الأجزاء مزيد اختصاص بالمعنى الّذي قصد بالكلّ مثلا ، لا يجوز إطلاق اليد أو الإصبع على الرّبيئة. [وعكسه] أي ومنه عكس المذكور يعني تسمية الشّيء باسم كلّه ، [كالأصابع] المستعملة [في الأنامل] الّتي هي أجزاء من الأصابع في قوله : تعالى : (يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ)(١) (٢).

[وتسميته] أي ومنه (٣) تسمية الشّيء [باسم سببه نحو : رعينا الغيث] أي النّبات الّذي سببه الغيث [أو] تسمية الشّيء باسم [مسبّبه نحو : أمطرت السّما نباتا] ، أي غيثا يكون النّبات مسبّبا عنه (٤) ، وأورد في الإيضاح في أمثلة تسمية السّبب باسم المسبّب قولهم : فلان أكلّ الدّم ، أي الدّية المسبّبة عن الدّم ، وهو سهو (٥) ،

________________________________________________________

(١) أي من الأجزاء الّتي يكون لها مزيد اختصاص بالمعنى الّذي يقصد من الكلّ ، كالاطّلاع في هذا المثال.

(٢) أي يجعلون أناملهم في آذانهم ، والأنملة جزء من الأصابع ، والقرينة استحالة دخول الأصابع بتمامها في الأذن ، والعلاقة في ذلك الكلّيّة.

(٣) أي ومن المجاز المرسل تسمية الشّيء باسم سببه ، نحو : رعينا الغيث ، أي رعينا النّبات الّذي سببه الغيث والمطر.

(٤) أي عن الغيث ، فلفظ النّبات استعمل في السّبب مجازا مرسلا بعلاقة السّببيّة والمسبّبيّة.

(٥) أي جعل المصنّف في الإيضاح فلان أكل الدّم من أمثلة تسمية السّبب باسم المسبّب سهو منه ، بل هو من أمثلة تسمية المسبّب ، أعني الدّيّة في المثال المذكور ، باسم السّبب الّذي هو الدّم ، والدّم سبب لها ، والدّيّة مسبّبة عن الدّم ، فقد أطلق في المثال المذكور لفظ السّبب ، أعني الدّم على المسبّب أعني الدّية ، فصار المراد من الدّم في قولهم : فلان أكلّ الدّم ، أي أكلّ الدّية ، وممّا يؤيّد سهو المصنّف في الإيضاح تفسيره بقوله : أي الدّية المسبّبة عن الدّم ، فإنّه قد بيّن أنّ الدّية المطلق عليها الدّم مسبّبة ، والكلام في إطلاق اسم المسبّب على السّبب.

__________________

(١) سورة البقرة : ١٩.

٩٦

بل هو (١) من تسمية المسبّب باسم السّبب [أو ما كان عليه] أي تسمية الشّيء (٢) باسم الشّيء الّذي كان هو عليه في الزّمان الماضي لكن ليس عليه (٣) الآن [نحو : (وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ)(١)] أي الّذين كانوا يتامى قبل ذلك ، إذ لا يتمّ بعد البلوغ [أو] تسمية الشّيء باسم [ما يؤول] ذلك الشّيء [إليه (٤)] في الزّمان المستقبل [نحو : (إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً)(٢)] أي عصيرا يؤول إلى الخمر [أو] تسمية الشّيء باسم [محلّه (٥) نحو :

________________________________________________________

(١) أي قولهم : فلأنّ أكل الدّم ، من تسمية المسبّب ، أي الدّية ، باسم السّبب ، أي الدّم ، فالدّية مسبّبة عن الدّم والدّم سبب لها.

(٢) أي البالغ فعلا باسم الشّيء ، أي اليتامى الّذي كان هو ، أي البالغ عليه ، أي على وصف اليتامى في الزّمان الماضي.

(٣) أي ليس على وصف اليتامى عند الإطلاق ، وحاصل الكلام إنّ من المجاز المرسل عند المشهور تسمية الشّيء باسم الّذي أطلق على الشّيء باعتبار الحال الّذي كان عليه أوّلا ، وليس ذلك الحال الّذي باعتباره أطلق اللّفظ موجودا الآن ، وذلك قوله تعالى : (وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ) حيث أطلق (الْيَتامى) على البالغين ، لأنّ إيتاء المال بعد البلوغ ، وإطلاق ذلك على البالغين إنّما هو باعتبار الوصف الّذي كانوا عليه قبل البلوغ ، لأنّه ـ محلّ اليتم ، وليس موجودا الآن ، إذ لا يتمّ بعد البلوغ ، والعلاقة في ذلك اعتبار ما كان.

(٤) أي من المجاز المرسل تسمية الشّيء بالاسم الّذي يطلق على ذلك الشّيء باعتبار ما يؤول إليه يقينا ، أو ظنّا لا احتمالا نحو قوله تعالى حكاية : (إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً) أي أعصر عنبا يؤول إلى أن يصير خمرا بعد العصر ، فقد سمّي العنب باسم الحال الّذي سيحدث ويؤول إليه المسمّى ، ولا شكّ أنّ الارتباط موجود بين الحال وما يؤول إليه صاحبه ، وذلك مصحّح للتّجوز ، والعلاقة في ذلك اعتبار ما يكون.

(٥) أي ومن المجاز المرسل تسمية الشّيء باسم المكان الّذي يحل فيه ذلك ، ومن ذلك قوله تعالى : (فَلْيَدْعُ نادِيَهُ) فإنّ النّادي اسم لمكان الاجتماع ، ولمجلس القوم ، وقد أطلق على أهله الّذين يحلّون فيه ، فالمعنى فليدع أهل ناديه ، أي أهل مجلسه لينصروه ، فإنّهم لا ينصرونه والانتقال من النّادي إلى أهله موجود كثيرا ، فصحّ التّجوز بذلك الاعتبار ، فالعلاقة في ذلك المحلّيّة.

__________________

(١) سورة النّساء : ٢.

(٢) سورة يوسف : ٣٦.

٩٧

(فَلْيَدْعُ نادِيَهُ)(١)] أي أهل ناديه الحالّ فيه ، والنّادي المجلس. [أو] تسمية الشّيء باسم [حاله (١)] أي باسم ما يحلّ في ذلك الشّيء [نحو : (وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَتِ اللهِ)(٢) ، أي في الجنّة] الّتي تحلّ فيها الرّحمة. [أو] تسمية الشّيء باسم [آلته (٢) نحو : (وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ)(٣) ، أي ذكرا حسنا] واللسّان اسم لآلة الذّكر ، ولمّا كان (٣) في الأخيرين نوع خفاء صرّح به في الكتاب.

________________________________________________________

(١) أي عكس ما قبله ، لأنّ ما تقدّم يسمّى الحال باسم المحلّ ، وما هنا يسمّى المكان باسم ما يحلّ فيه ، أي من المجاز المرسل تسمية المكان باسم ما يحلّ فيه ويقع في ضمنه نحو قوله تعالى : (وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَتِ اللهِ) أي في الجنّة الّتي تحلّ فيها الرّحمة ، والرّحمة بالأصل الرّقّة والحنانة ، والمراد بها في جانب الله تعالى لازمها الّذي هو الإنعام ، واستعمل في الجنّة لحلوله على أهل الجنّة فيها ، والعلاقة في ذلك الحاليّة.

(٢) أي ومن المجاز المرسل تسمية الشّيء باسم آلته نحو قوله تعالى حكاية عن السّيد إبراهيم صلّى الله على نبيّنا وعليه وسلّم (وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ) أي ذكرا حسنا ، فقد أطلق اللسّان الّذي هو اسم لآلة الكلام ، والذّكر على نفس الذّكر ، لأنّ اللسّان آلته ، ولا يخفى أنّ الانتقال من الآلة إلى ما هي له آلة صحيح ، فصحّ التّجوز ، والعلاقة في ذلك على الآليّة ، والمراد بالأخيرين المتأخّرون عنه من الأنبياء والأمم.

ثمّ الفرق بين الآلة والسّبب أنّ الآلة هي الواسطة بين الفعل وفاعله ، والسّبب ما به وجود الشّيء ، فاللسّان آلة للذّكر الحسن لا سبب له.

(٣) أي قوله : «ولمّا كان ...» جواب عن سؤال مقدّر ، وهو لماذا ذكر المصنّف المعنى المجازي في المثالين الأخيرين ، حيث قال : «أي في الجنّة» في الأوّل ، أي ذكرا حسنا في الثّاني ، ولم يذكر المعنى المجازي فيما عداهما من الأمثلة.

والجواب : لمّا كان فيهما نوع خفاء ، لأنّ استعمال الرّحمة في الجنّة في المثال الأوّل ، واستعمال اللسّان في الذّكر في المثال الثّاني ، ليس من المجاز العرفي العامّ فسّر المراد بهما في المتن.

__________________

(١) سورة العلق : ١٧.

(٢) سورة آل عمران : ١٠٧.

(٣) سورة الشّعراء : ٨٤.

٩٨

فإن قيل (١) قد ذكر في مقدّمة هذا الفنّ أنّ مبني المجاز على الانتقال من الملزوم إلى اللّازم ، وبعض أنواع العلاقة بل أكثرها لا يفيد اللزّوم فكيف ذلك؟ ـ

قلنا : ليس معنى اللزّوم (٢) ههنا امتناع الانفكاك في الذّهن أو الخارج ، بل تلاصق (٣) واتّصال ينتقل بسببه من أحدهما إلى الآخر في الجملة ، وفي بعض الأحيان (٤) ، وهذا متحقّق في كلّ أمرين بينهما علاقة وارتباط (٥).

________________________________________________________

(١) وحاصل ما قيل :

إنّ اعتبار العلاقة في الاستعمال المجازي إنّما هو لينتقل الذّهن من المعنى الحقّيقي إلى المعنى المجازي ، والانتقال فرع اللزّوم ، وأكثر هذه العلاقات لا يفيد اللزّوم بالمعنى الّذي مرّ في المقدّمة ، وهو أن يكون المعنى الحقيقي الموضوع له اللّفظ ، بحيث يلزم من حصوله في الذّهن حصول المعنى المجازي ، إمّا على الفور أو بعد التّأمّل في القرائن ، فحينئذ لا وجه لجعلها علاقات ، لما عرفت من أنّ أكثرها لا يفيد اللزّوم ، فإنّ معنى اليتامى مثلا لا يستلزم معناه المجازي الّذي هو البالغون ، وكذا العنب لا يستلزم الخمر ، وكذا النّادي لا يستلزم أهله لصحّة خلوّه عنهم ، وكذا الرّحمة لا تستلزم الجنّة لصحّة وقوعها في غيرها ، وكذا اللسّان لا يستلزم الذّكر لصحّة السّكوت.

(٢) وحاصل الجواب :

أنّه ليس المراد باللزّوم هنا اللزّوم الحقيقي ، أعني امتناع الانفكاك في الذّهن أو الخارج ، بل المراد به الاتّصال بين المعنى الحقيقي والمعنى المجازي ولو في الجملة ، أي في بعض الأحيان فينتقل بسببه من أحدهما إلى الآخر ، وهذا متحقّق في جميع أنواع العلاقة.

(٣) أي تعلّق وقوله :

«في الجملة» متعلّق بقوله : «ينتقل».

(٤) أي قوله :

«في بعض الأحيان» تفسير للانتقال في الجملة.

(٥) أي فثبت أنّ أنواع العلاقة كلّها تفيد اللزّوم ، وبطل ما قاله السّائل.

٩٩

الاستعارة

[والاستعارة (١)] وهي مجاز تكون علاقته المشابهة ، أي قصد (٢) أنّ الإطلاق بسبب المشابهة ، فإذا أطلق المشفر (٣) على شفة الإنسان ، فإن قصد تشبيهها (٤) بمشفر الإبل في الغلظ والتّدلّي فهو استعارة ، وإن أريد أنّه من إطلاق المقيّد (٥) على المطلق كإطلاق المرسن (٦) على الأنف من غير قصد

________________________________________________________

(١) أي قوله :

«والاستعارة» مبتدأ ، وخبره قوله : «قد تفيد ...» والجملة عطف على قوله : «والمرسل كاليد في النّعمة ...» ، ثمّ إنّ المراد بالاستعارة في كلام المصنّف الاستعارة التّصريحيّة ، وهي الّتي يذكر فيها المشبّه به ، وأمّا المكنية ، وهي الّتي لا يذكر فيها إلّا المشبّه ، فسيأتي حيث يذكرها المصنّف في فصل ، ويأتي حكمة ذلك.

(٢) أي الشّارح «أي قصد ...» إشارة إلى وجود المشابهة في نفس الأمر بدون قصدها ، لا يكفي في كون اللّفظ استعارة ، بل لا بدّ من قصد أنّ إطلاق اللّفظ على المعنى المجازي بسبب التّشبيه بمعناه الحقيقي لا بسبب علاقة آخر غيرها مع تحقّقها.

(٣) أي المشفر بكسر الميم ، وهي شفة البعير.

(٤) أي قصد تشبيه شفة الإنسان بمشفر في الغلظ كقولهم في مورد الذّمّ : فلان غليظ المشفر ، فإنّه بمنزلة أن يقال : كأنّ شفته في الغلظ مشفر البعير ، فهو استعارة لأنّ هذا الإطلاق كان على قصد التّشبيه.

(٥) أي اسم المقيّد ، وهو مشفر فإنّه اسم للمقيّد ، وهو شفة البعير إذا أطلق على المطلق ، أي شفة الإنسان من حيث إنّها فرد من أفراد مطلق شفة كان هذا الإطلاق مجازا مرسلا.

(٦) أي المرسن بفتح الميم وكسر السّين مكان الرّسن من البعير أو الدّابّة مطلقا ، ومكان الرّسن هو الأنف ، لأنّ الرّسن عبارة عن حبل يجعل في أنف البعير ، فالمرسن في الأصل أنف البعير ، فإذا أطلق عن قيده واستعمل في أنف الإنسان باعتبار ما تحقّق فيه من مطلق أنف كان مجازا مرسلا ، وإذا استعمل في أنف الإنسان للمشابهة كان فيه اتساع وتستطيح ، كأنف الدّابّة كان استعارة ، فالمرسن كالمشفر يجوز الأمران فيه بالاعتبارين.

١٠٠