دروس في البلاغة - ج ٤

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في البلاغة - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة البلاغ
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٥٤

يدا] أي نعمة ترشيح للمجاز هذا ، ولكن تفسير الاستعارة بالكناية بما ذكره (١) المصنّف شيء لا مستند له في كلام السّلف ، ولا هو مبني على مناسبة لغويّة (٢) ، ومعناها (٣) المأخوذ من كلام السّلف هو أن لا يصرّح بذكر المستعار ، بل (٤) بذكر رديفه ولازمه الدالّ عليه ، فالمقصود (٥) بقولنا : أظفار المنيّة ، استعارة السّبع للمنيّة كاستعارة الأسد للرّجل الشّجاع ، إلّا أنّا لم نصرّح بذكر المستعار أعني السّبع ، بل اقتصرنا على ذكر لازمه ، وهو الأظفار لينتقل منه إلى المقصود ، كما هو شأن الكناية (٦) ،

________________________________________________________

يكون بها ، فيكون ذكر «أطولكنّ» من باب التّرشيح.

(١) أي قول الشّارح : «ولكن تفسير الاستعارة بالكناية ...» ردّ واعتراض على المصنّف ، وحاصله إنّ تفسير ـ الاستعارة بالكناية بما ذكره المصنّف ، أي من أنّها التّشبيه المضمر في النّفس لا مستند له في كلام السّلف ، لأنّه لم ينقل عن أحد منهم مثل ما ذكره المصنّف.

(٢) أي لأنّ الكناية في اللّغة أن يعبّر عن شيء معيّن غير صريح في الدّلالة عليه لغرض من الأغراض ، وههنا ليس الأمر كذلك ، بل هو مجرّد اصطلاح.

والحاصل إنّ الاستعارة عبارة عن نقل اللّفظ إلى غير معناه ، وإضمار التّشبيه ليس فيه نقل اللّفظ إلى غير معناه ، حتّى يكون مناسبا لأن يسمّى بالاستعارة ، كما يناسب نقل اللّفظ الّذي هو المجاز اللّغوي.

(٣) أي معنى الاستعارة بالكناية عند المصنّف هو نفس التّشبيه المضمر ، وعند السّلف استعارة لفظ المشبّه به الّذي لم يصرّح به ، بل صرّح برديفه ولازمه للمشبّه ، هذا هو المعنى الصّحيح عند الشّارح.

(٤) أي بل يصرّح بذكر رديفه ولازمه فقوله : «لازمه» تفسير للرّديف.

(٥) أي قوله : «فالمقصود» تفريع على المذهب المختار في معنى الاستعارة بالكناية ، وهو ما يفهم من كلام السّلف في ذلك.

(٦) أي حيث ينتقل فيها من اللّازم المساوي إلى الملزوم ، والحاصل إنّ قولنا : «أظفار المنيّة نشبت بفلان» ، يقصد بالمنيّة السّبع ، ويجعل الكلام حينئذ كناية عن تحقّق الموت ، فنشبت المنيّة أظفارها بفلان ، بمعنى نشبت السّبع أظفارها به كناية عن موته ، فالمقصود استعارة السّبع للمنيّة كاستعارة الأسد للرّجل الشّجاع ، فإذا استعمل بهذا القصد فقد صحّ أنّا

١٨١

فالمستعار هو لفظ السّبع الغير المصرّح به (١) ، والمستعار منه هو الحيوان المفترس ، والمستعار له هو المنيّة.

قال صاحب الكشاف : إنّ من أسرار البلاغة ولطائفها أن يسكتوا (٢) عن ذكر الشّيء (٣) المستعار ، ثمّ يرمزوا (٤) إليه بذكر شيء ، من روادفه ، فينبّهوا بذلك الرّمز على مكانه (٥) نحو : شجاع يفترس أقرانه (٦) ، ففيه (٧) تنبيه على أنّ الشّجاع أسد.

هذا كلامه وهو صريح في أنّ المستعار هو اسم المشبّه به المتروك صريحا المرموز إليه بذكر لوازمه (٨).

________________________________________________________

لم نصرّح بالمستعار الّذي هو السّبع ، بل كنّينا عنه ، ونبّهنا عليه بمرادفه لينتقل منه إلى ما هو المقصود استعارته.

(١) أي بل كنّى عنه برديفه ولازمه.

(٢) أي البلغاء.

(٣) أي اللّفظ المستعار.

(٤) أي يشيروا إليه بذكر شيء من روادفه إلى ملائمه ، وهو الأظفار في المثال المعروف.

(٥) أي على وجود ذلك الشّيء المستعار المسكوت عن ذكره ، فالمكان هنا مصدر لكان التّامّة.

(٦) أي فقد شبّه الشّجاع بالأسد تشبيها مضمرا في النّفس ، وادّعى أنّه فرد من أفراده واستعير له اسمه على طريق الاستعارة بالكناية ، وإثبات الافتراس تخييل ، وهو عند صاحب الكشّاف مستعار لإهلاك الأقران ، فهو استعارة تحقيقيّة قرينة للمكنيّة.

(٧) أي ففي هذا الكلام تنبيه على أنّ الشّجاع ثبتت له الأسديّة وأنّه فرد من أفراده ، وقد رمّز لذلك بشيء من روادفه وهو الافتراس.

(٨) أي فصريح كلام الكشّاف موافق للمأخوذ من كلام السّلف في معنى الاستعارة بالكناية ، إلّا أنّه يخالفهم في قرينتها ، وذلك لأنّها عند السّلف يجب أن تكون تخييليّة ، وأمّا عند صاحب الكشّاف فلا يجب أن تكون تخييليّة بل قد يكون تحقيقيّة.

فضابط قرينتها عنده أن يقال إن لم يكن للمشبّه لازم يشبه ما هو مرادف للمشبّه به كانت القرينة تخييليّة ، كما في أظفار المنيّة ، أي مخالبها نشبت بفلان ، وإن كان للمشبّه لازم يشبه

١٨٢

وسيجيء (١) الكلام على ما ذكره السّكّاكي [وكذا (٢) قول زهير : صحا] أي سلا (٣) مجازا (٤) من الصحّو ، خلاف السّكر [القلب عن سلمى وأقصر باطله].

________________________________________________________

ما هو مرادف للمشبّه به ، كانت تلك القرينة استعارة تحقيقيّة ، كما في قولك : شجاع يفترس أقرانه ، فالقرينة لاستعارة الأسد للشّجاع عند السّلف تخييليّة ، وهي إثبات الافتراس الّذي هو من روادف الأسد للشّجاع.

وأمّا صاحب الكشّاف فيقول : إنّه شبّه الشّجاع بالأسد ، وادّعى أنّه فرد من أفراده واستعير في النّفس اسمه له على طريق الاستعارة بالكناية ، وشبّه بطش الشّجاع وقتله لأقرانه بافتراس الأسد ، واستعير اسم المشبّه به للمشبّه ، واشتقّ من الافتراس يفترس ، بمعنى يبطش ويقتل على طريق الاستعارة التّصريحيّة التّحقيقيّة التّبعيّة ، فالقرينة حينئذ هي الاستعارة التّحقيقيّة لا التّخييليّة.

(١) أي جواب عمّا يقال : إنّ الشّارح لم يتعرّض في الاستعارة بالكناية هنا إلّا لمذهب السّلف ، ولم يتعرّض هنا لمذهب السّكّاكي فيها. وحاصل جواب الشّارح أنّ مذهبه فيها سيأتي الكلام عليه فلا حاجة إلى التّعرض بمذهبه هنا.

(٢) أي مثل «ولئن نطقت ...» قول زهير ، أي مثله في كون الاستعارة بالكناية والتّخييليّة فيها ممّا يكون به قوام وجه الشبّه.

(٣) أي تفسير صحا بسلا بيان للمعنى المراد من اللّفظ قوله : «سلا» ، مأخوذ من السّلو ، وهو زوال العشق والحزن.

(٤) أي «مجازا» نصب على الحال ، والعامل فيه معنى الفعل المستفاد من كلمة التّفسير ، أي أفسّره بسلا حال كونه مجازا ، فشبّه السّلو الّذي هو زوال العشق من القلب بالصحّو الّذي هو زوال السّكر والإفاقة منه بجامع انتفاء ما يغيب عن المراشد والمصالح ، واستعار اسم المشبّه به للمشبّه ، ثمّ اشتقّ من الصّحو صحا بمعنى سلا ، فصحا بمعنى سلا ، كما قال الشّارع استعارة تصريحيّة تبعيّة ، قوله : «عن سلمى» أي عن حبّ سلمى ، أي رجع القلب عن حبّها بحيث حبّها منه ، وأل في «القلب» عوض عن المضاف إليه ، أي قلبي ، والضّمير في باطله يعود إلى القلب ، وباطل القلب ميله إلى الهوى.

١٨٣

يقال : أقصر (١) عن الشّيء ، إذا أقلع عنه أي (٢) تركه وامتنع عنه (٣) أي امتنع باطله (٤) عنه وتركه (٥) بحاله [وعرّى (٦) أفراس الصّبا ورواحله (٧) ، أراد] زهير [أن يبيّن (٨) أنّه ترك ما كان يرتكبه زمن المحبّة

________________________________________________________

(١) أي أقصر فلان عن الشّيء.

(٢) أي تفسير للمتن.

(٣) أي امتنع عنه مع القدرة عليه ، وهذا إشارة لبيان المعنى اللّغوي للإقصار.

(٤) أي انتفى باطل القلب عنه ، هذا تفسير لقول الشّاعر :

«وأقصر باطله» ، وإشارة إلى أنّ المراد من الإقصار معناه المجازي وهو مطلق الامتناع.

(٥) أي وترك الباطل ذلك القلب ملتبسا بحاله الأصلي ، وهو الخلوّ من العشق ، وتفسير لقوله : «أي امتنع باطله عنه».

(٦) أي عرى القلب ، أي يكون نائب الفاعل ضمير القلب ، وأفراس بالنّصب مفعوله الثّاني.

(٧) أي والرّواحل جمع راحلة ، وهو البعير القوي في الأسفار ، ومعنى تعرية القلب عن أفراس الصّبا وعن رواحله أن يحال بينه وبين تلك الأفراس والرّواحل ، بحيث تزال عنه ، ويحتمل أن يكون نائب فاعل عرى هو الأفراس فيكون المعنى أنّ أفراس الصّبا ورواحله عرّيت من سروجها وعن رحالها الّتي هي آلات ركوبها للإعراض عن السّير المحتاج إليها فيه.

(٨) أي يبيّن بهذا الكلام. واعلم أنّ البيت المذكور يحتمل أن تكون الاستعارة المعتبرة فيه بالكناية ، وأن تكون تحقيقيّة ، فأشار المصنّف إلى تحقيق معنى الاستعارة بالكناية في البيت إلى بيان المراد به على تقدير وجودها فيه بقوله : «أراد ...».

وأمّا على مذهب صاحب الكشّاف من جواز كون قرينة المكنيّة تحقّيقيّة فلا تنفي المكنيّة عند الحمل على التّحقيقيّة.

وأشار إلى تحقيق معنى الاستعارة التّحقيقيّة فيه ، وإلى بيان المراد به على تقدير وجودها فيه بقوله : بعد «ويحتمل ...» ، ومن العلوم أنّه عند حمل الاستعارة في البيت على التّحقيقيّة تنفي الاستعارة بالكناية عند المصنّف وكذا عند القوم ، لأنّهم يقولون إنّ المكنيّة والتّخييليّة متلازمتان لا توجد أحدهما بدون الأخرى.

١٨٤

من الجهل والغيّ (١) وأعرض عن معاودته (٢) فبطلت آلاته (٣)] الضمير في معاودته وآلاته لما كان يرتكبه [فشبّه] زهير في نفسه [الصّبا (٤) بجهة من جهات المسير كالحجّ والتّجارة قضى منها] أي من تلك الجهة [الوطر (٥) فأهملت (٦) آلاتها]

________________________________________________________

(١) قوله : «من الجهل والغيّ» بيان ل «ما» ، والمراد بالجهل والغيّ الأفعال الّتي يعدّ مرتكبها جاهلا بما ينبغي له في دنياه أو في آخرته ، ويعدّ بسببها من أهل الغيّ ، أي عدم الرّشد لارتكابه ما يعود عليه بالضّرر من المعصية ، وما ينكره العقلاء.

(٢) قوله :

«وأعرض عن معاودته» عطف على قوله : «ترك» ، أي أنّه ترك ما كان مرتكبا له زمن المحبّة من الجهل والغيّ ، وأنّه أعرض عن معاودته بالعزم على ترك الرّجوع إليه ، وهذا مستفاد من قوله : «وأقصر باطله» لأنّ معناه كما مرّ امتنع باطله عنه وتركه بحاله ، ولو كان القلب قاصدا للمعاودة لما تركه لم يكن مهملا لآلاته بالكلّيّة ، فلم يكن باطله تاركا له على حاله الأصلي.

(٣) قوله :

«فبطلت آلاته» أي فلمّا أعرض عمّا كان مرتكبا له زمن المحبّة من الجهل والغيّ بطلت آلاته الّتي توصّل إليه من حيث إنّها توصّل إليه من الحيل والمال والإخوان والأعوان والمراد ببطلانها تعطيلها.

(٤) أي الصّبا بالكسر مع القصر بمعنى الميل إلى الجهل الّذي أهمله وأعرض عنه فتعطّلت آلاته ، والصّبا بالمعنى المذكور بمنزلة جهة من الجهات ، أعرض عنها بعد قضاء الوطر ، فشبّه في نفسه ذلك الصّبا بجهة من الجهات الّتي يسار إليها لأجل تحصيل حاجة كجهة الحجّ وجهة الغزو وجهة التّجارة فقول المصنّف : «كالحجّ ...» ـ على حذف مضاف ، أي كجهة الحجّ وهذا بناء على أنّ المراد بجهة المسير هو الغرض الّذي يسير السّائر لأجله كالحجّ وطلب العلم والتّجارة ، وحينئذ فلا حاجة إلى تقدير.

(٥) أي الحاجة الحاملة على ارتكاب الأسفار لتلك الجهة بأن وصل إلى المقصود من تلك الجهة بعد ما سوفر إليها ، ورجع منها إلى المسكن.

(٦) أي فلمّا قضى منها الوطر أهملت آلاتها الموصلة إليها ، مثل الأفراس والرّواحل والأعوان والأقوات السّفريّة.

١٨٥

ووجه الشبّه (١) الاشتغال التّامّ وركوب المسالك (٢) الصّعبة فيه (٣) غير مبال بمهلكة (٤) ولا محترز عن معركة ، وهذا التّشبيه المضمر في النّفس استعارة بالكناية [فأثبت له] أي للصّبا بعض ما يخصّ تلك الجهة ، أعني [الأفراس والرّواحل] الّتي بها قوام جهة المسير (٥) والسّفر فإثبات الأفراس والرّواحل استعارة تخييليّة.

[فالصّبا] على هذا التّقدير (٦) [من الصّبوة (٧) بمعنى الميل إلى الجهل والفتوّة] يقال : صبا يصبو صبوة وصبوّا ، أي مال إلى الجهل والفتوّة ، كذا في الصحّاح ، لا من الصّباء (٨) بالفتح والمدّ ، يقال : صبي صباء ، مثل سمع سماعا ، أي لعب مع الصّبيان.

[ويحتمل أنّه] أي زهيرا [أراد] بالأفراس والرّواحل [دواعي النّفوس وشهواتها (٩)

________________________________________________________

(١) أي يظهر ممّا ذكر الشّارح أنّ وجه الشبّه مركّب من عدّة أمور ، وفيه إشارة إلى أنّ وجه الشبّه في المكنيّة قد يكون مركّبا ، قاله في الأطول ، وقوله : «الاشتغال التّامّ» أي لأجل تحصيل المراد.

(٢) أي سلوك المسالك الصّعبة في كلّ من السّير والصّبا.

(٣) أي في الصّبا.

(٤) أي من غير مبالاة في ذلك الشّغل بمهلكة تعرض فيه ، ولا احتراز عن معركة تنال فيه.

(٥) أي قوام المسير إلى الجهة.

فإن قلت : كثيرا ما تقطع المسافات بدون الأفراس والرّواحل بل المشي ، وحينئذ فالمناسب أنّ بها كماله لا قوامه.

قلت : الكلام في السّير المعتدّ به ، وهو الّذي يتحقّق به الوصول بسرعة ، وهو لا يكون عادة بدون الأفراس والرّواحل ، ولو باعتبار حمل زاد المسافر ومائه ، أو الكلام باعتبار الغالب بمعنى أنّه في الغالب لا يتأتّى قطعها إلّا بما ذكر.

(٦) أي وهو أن يكون الصّبا مشبّها ، وجهة المسير مشبّها بها.

(٧) أي مأخوذ منها فيفسّر بمعناها

(٨) أي أنّه لا يكون مأخوذا من الصّبا بالمدّ بحيث يفسّر بمعناه ، وهو اللّعب مع الصّبيان

(٩) أي فشبّه دواعي النّفوس وشهواتها بالأفراس بجامع أنّ كلا منهما آلة لتحصيل ما لا يخلو الإنسان عن المشقّة في تحصيله ، واستعار اسم المشبّه به للمشبّه على طريق الاستعارة

١٨٦

والقوى الحاصلة لها (١) في استيفاء اللّذّات ، أو] أراد بها (٢) [الأسباب الّتي قلّما تتآخذ في اتّباع (٣) الغيّ (٤) إلّا أوان الصّبا] وعنفوان (٥) الشّباب ، مثل (٦) المال والمنال (٧) والإخوان والأعوان. [فتكون الاستعارة] أي استعارة الأفراس والرّواحل [تحقيقيّة] لتحقّق معناها عقلا إذا أريد بهما الدّواعي ، وحسّا إذا أريد بهما أسباب اتّباع الغيّ من المال والمنال (٨).

________________________________________________________

التّصريحيّة التّحقيقيّة ، وعطف الشّهوات على دواعي النّفوس في كلام المصنّف من قبيل عطف المرادف ، لأنّ الدّواعي هنا هي الشّهوات.

(١) أي للنّفوس ، والمراد بالقوى الشّهوات والدّواعي إن أريد بها ما يحملها على استيفاء اللّذّات.

(٢) أي بالأفراس والرّواحل الأسباب الظّاهريّة في اتّباع الغيّ مثل المال والأعوان ، فشبّه تلك الأسباب بالأفراس والرّواحل بجامع أنّ كلا يعين على تحصيل المقصود ، واستعار اسم المشبّه به للمشبّه على طريق الاستعارة التّصريحيّة التّحقيقيّة.

(٣) أي تجتمع وتتّفق ، مأخوذ من قولك : تآخذت هذه الأمور إذا أخذ بعضها بعضد بعض.

(٤) أي عند اتّباع أفعال الغيّ أي إنّ هذه الأسباب قلّ أنّ يعين بعضها على ارتكاب المفاسد إلّا في أوان الصّبا ، فإنّها تدعو الشّخص لذلك.

(٥) أي أوّل الشّباب ، لأنّ هذا على الاحتمال الثّاني المأخوذ من الصّبا إلى اللّعب مع الصّبيان ، وحينئذ ففي البيت حذف مضاف ، أي نهاية الصّبا ، أي اللّعب مع الصّبيان وهو أوان ابتداء الشّباب.

(٦) أي تمثيل للأسباب.

(٧) أي المنال بضمّ الميم ، أي ما يطلب وينال ، وعطفه على ما قبله من عطف العامّ على الخاصّ.

(٨) أي على هذا لا يكون في البيت استعارة مكنيّة ولا تخييليّة ، وإنما تكون فيه استعارة تحقيقيّة تصريحيّة.

١٨٧

مثّل المصنّف بثلاثة أمثلة : الأوّل ما تكون (١) التّخييليّة إثبات ما به كمال المشبّه به ، والثّاني ما تكون (٢) إثبات قوام المشبّه به ، والثّالث ما تحتمل (٣) التّخييليّة والتّحقيقيّة.

[فصل (٤)]

في مباحث (٥) من الحقيقة والمجاز والاستعارة بالكناية والاستعارة التّخييليّة

________________________________________________________

(١) أي كلام تكون التّخييليّة فيه إثبات ما به كمال المشبّه به ، وهو قوله : «إذ المنيّة أنشبت أظفارها» ، فما في قوله : «ما تكون ...» نكرة موصوفة ، والعائد محذوف على حدّ (وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً)(١) ، ولا يصحّ أن تكون ما موصولة ، لأنّ العائد مجرور بحرف ليس الموصول مجرور به.

(٢) أي والثّاني كلام تكون التّخييليّة فيه إثبات قوام المشبّه به ، وهو قوله : «لئن نطقت ...».

(٣) أي والثّالث كلام تحتمل الاستعارة فيه التّخييليّة والتّحقيقيّة ، ففاعل «تحتمل» ضمير عائد إلى الاستعارة ، والتّخييليّة بالنّصب مفعوله ، وهو قوله : «صحا القلب عن سلمى ...» ، فإنّ إثبات الأفراس والرّواحل للصّبي لم يكن فيه أمر متحقّق في الصّبي يطلق عليه الأفراس والرّواحل ، بخلاف ما إذا أريد بهما الدّواعي والأسباب المذكورة ، فإنّه كان ههنا أمر متحقّق عقلا أو حسّا ، فتكون الاستعارة في المثال الثّالث على الاحتمال الأوّل تخييليّة ، وعلى الاحتمال الثّاني تحقيقيّة.

(٤) أي هذا فصل.

ولمّا كان كلام صاحب المفتاح في بحث الحقيقة والمجاز ، وبحث الاستعارة بالكناية والاستعارة التّخييليّة مخالفا لما ذكره المصنّف في عدّة مواضع ، أراد أن يشير إليها بعد نقل كلام المفتاح ، وإلى ما فيها من القيود المحتاجة إلى البيان والتّوضيح وإلى ما عليها من الرّدود والإشكالات الّتي يأتي بيانها تفصيلا ، فوضع لذلك فصلا فقال فصل.

(٥) أي المراد بالمباحث القضايا ، لأنّ المباحث جمع مبحث بمعنى محلّ البحث ـ وهو إثبات المحمولات للموضوعات.

__________________

(١) سورة البقرة : ٤٨.

١٨٨

وقعت (١) في المفتاح مخالفة لما ذكره المصنّف ، والكلام (٢) عليها [عرّف السّكّاكي الحقيقة اللّغويّة] أي غير العقليّة (٣) [بالكلمة (٤) المستعملة (٥) فيما (٦) وضعت هي له من غير تأويل في الوضع (٧) ، واحترز بالقيد الأخير] وهو قوله : من غير تأويل في الوضع [عن الاستعارة (٨) على أصحّ القولين] وهو القول بأنّ الاستعارة (٩) مجاز لغوي

________________________________________________________

(١) أي قوله : «وقعت» صفة ل «مباحث».

(٢) أي قوله : «والكلام عليها» ، عطف على «مباحث» ، أي في الكلام على تلك المباحث من الاعتراضات.

(٣) أي هذا التّفسير إشارة إلى أنّ المراد باللّغويّة ما قابل العقليّة الّتي هي إسناد الفعل أو معناه لما هو له ، لا ما قابل العرفيّة والشّرعيّة ، وحينئذ فتشمل العرفيّة والشّرعيّة.

(٤) أي الكلمة جنس خرج عنه اللّفظ المهمل ، وغير اللّفظ مطلقا.

(٥) أي قوله : «المستعملة» فصل خرج به الكلمة الموضوعة قبل الاستعمال ، فلا تسمّى حقيقة ولا مجازا.

(٦) أي في المعنى الّذي وضعت هي ، أي تلك الكلمة له هذا فصل ثان خرج به الكلمة المستعملة في غير ما وضعت له بكلّ اصطلاح فإنّه مجاز قطعا أو غلط.

(٧) أي في الوضع الّذي استعملت تلك الكلمة بسببه ، هذا فصل ثالث خرجت به الاستعارة لأنّها كلمة استعملت فيما وضعت له مع التّأويل في ذلك الوضع ، بخلاف الحقيقة فإنّها كلمة مستعملة فيما وضعت له من غير تأويل في الوضع ، وإلى هذا أشار بقوله : «واحترز» أي السّكّاكي «بالقيد الأخير».

(٨) أي الاحتراز عن الاستعارة إنّما هو بناء على أصحّ القولين.

(٩) أي كلفظ الأسد في : لقيت أسدا في ـ الحمّام ، أو رأيت أسدا يرمي ، مرادا به الرّجل الشّجاع «مجاز لغوي لكونها مستعملة في غير الموضوع له الحقيقي» يعني الرّجل الشّجاع.

وقوله : «على أصحّ القولين» متعلّق ب «احترز» ، أي وهذا الاحتراز بناء على أصحّ القولين ، وأمّا على القول الآخر ، وهو أنّها مجاز عقليّ بمعنى أنّ التّصرّف في أمر عقليّ وهو جعل غير الأسد ، أي الرّجل الشّجاع أسدا ، فاللّفظ حينئذ استعمل فيما هو موضوع له ، فيكون لفظ الأسد حقيقة لغويّة ، فلا يصحّ الاحتراز عنها ، بل يخرج بالقيد الأخير المجاز المرسل فقطّ.

١٨٩

لكونها مستعملة في غير الموضوع له الحقيقي فيجب الاحتراز عنها ، وأمّا على القول بأنّها مجاز عقليّ واللّفظ مستعمل في معناه اللّغوي (١) فلا يصحّ الاحتراز عنها (٢) [فإنّها] أي إنّما وقع الاحتراز بهذا القيد عن الاستعارة ، لأنّها [مستعملة فيما وضعت له بتأويل (٣)] وهو ادعاء دخول المشبّه في جنس المشبّه به بجعل أفراده قسمين :

________________________________________________________

والحاصل :

إنّ السّكّاكي لمّا بنى تعريفه على هذا القول الأصحّ ، وهو أنّ الاستعارة مجاز لغويّ ، احتاج لزيادة قيد لإخراجها ، وذلك القيد هو أنّ وضع الحقيقة لا تأويل فيه ولا ادّعاء ، ووضع الاستعارة فيه تأويل وادّعاء ، وهذا هو المراد بقوله : «من غير تأويل في الوضع».

وأمّا على القول بأنّها ـ مجاز عقليّ ، أي مجاز سببه التّصرف في أمور عقليّة ، أي غير ألفاظ كجعل الفرد الغير المتعارف من أفراد المعنى المتعارف للّفظ ، مثل جعل الشّجاع فردا من أفراد الحيوان المفترس الّذي هو معنى متعارف للأسد ، فليس المراد بكون الاستعارة مجازا عقليّا على هذا القول إنّها من أفراد المجاز العقليّ المصطلح عليه فيما تقدّم ، وهو إسناد الفعل أو ما في معناه لغير من هو له.

(١) أي الأسد ثمّ هذا الفرد الغير المتعارف ، كالشّجاع مثلا معنى لغويّ للأسد بسب الادّعاء ، وجعل الأسد شاملا له.

(٢) أي عن الاستعارة بقوله :

«من غير تأويل في الوضع» لوجوب دخولها في التّعريف ، لأنّها من جملة المحدود على هذا القول ، لكونها حقيقة لغويّة ، ففي الاستعارة وإن كانت تعدّ الكلمة مستعملة فيما وضعت له ، لكن ليس الاستعمال فيها من غير تأويل ، بل بالتّأويل والادّعاء المذكور ، فهذا القيد الأخير أعني من غير تأويل ، ـ ذكر ليحترز به عن الاستعارة.

(٣) أي بواسطة تأويل في الوضع ، أو أنّ الباء للملابسة متعلّقة ب «وضعت» أي فيما وضعت له وضعا ملتبسا بتأويل وصرف للوضع عن الظّاهر ، فإنّ الظّاهر فيه ليس الادّعاء ، بل على سبيل التّحقيق.

١٩٠

متعارفا وغير متعارف [وعرّف] السّكّاكي [المجاز اللّغوي (١) بالكلمة المستعملة] في غير ما هي موضوعة له (٢) بالتّحقيق (٣) استعمالا في الفير (٤) بالنّسبة إلى نوع (٥) حقيقتها

________________________________________________________

(١) أي الّذي هو مقابل الحقيقة اللّغويّة الّتي عرّفها أوّلا ، وحينئذ فالمراد به غير العقليّ فيشمل الشّرعي والعرفيّ.

(٢) أي المستعملة في معنى مغاير للمعنى الّذي وضعت الكلمة له.

(٣) أي الباء للملابسة متعلّقة بالموضوعة ، أي المستعملة في معنى مغاير للمعنى الّذي وضعت له الكلمة وضعا ملابسا للتّحقيق ، أي لتحقيقه ، أي تثبيته وتقريره في أصله ، بأن يبقى ذلك الوضع على حاله الأصلي الّذي هو تعيين اللّفظ للدّلالة على المعنى بنفسه ، فخرج بقوله : في غير ما وضعت له الكلمة المستعملة فيما وضعت له وضعا تحقيقا ، وأدخل بقيد التّحقيق الكلمة المستعملة فيما وضعت له بالتّأويل ، أعني الاستعارة الّتي هي مجاز لغوي على ما مرّ.

(٤) أي قوله : «استعمالا في الغير» مفعول مطلق لقوله : «المستعملة» وإنّما صرّح به مع فهمه من قوله : «المستعملة في غير ما هي موضوعة له» توطئة لذكر الغير بعده ليتعلّق به قوله : «بالنّسبة ...» ، ولو حذفه وتعلّق قوله : «بالنّسبة» بغير من قوله : «في غير ما هي موضوعة له» لكان جائزا لكنّه موهم لطول الفصل.

(٥) أي إضافة النّوع إلى الحقيقة بيانيّة ، والمراد بنوع حقيقتها اللّغويّة إن كانت حقيقة لغويّة ، أو الشّرعيّة إن كانت شرعيّة ، أو العرفيّة إن كانت عرفيّة.

فحاصل المعنى أنّ لفظ الصّلاة عند اللّغويّ حقيقة في الدّعاء ، فإذا استعمله اللّغويّ في المعنى الشّرعي أعني الأفعال والأقوال صدق عليه أنّه كلمة مستعملة في معنى مغاير لما هي موضوعة له ، ومغايرته لذلك بالنّسبة إلى معناها الحقيقي عند اللّغويّ لأنّ نوع حقيقتها المعنى اللّغوي ، والمعنى الشّرعي مغاير لها ، فتكون الكلمة مستعملة في غير معناها اللّغوي فتكون مجازا لغويّا ، وكذا استعمال لفظ الصّلاة في الدّعاء عند الشّرعيّ يصدق عليه أنّه كلمة مستعملة في غير معناها الشّرعي ، فتكون مجازا شرعيّا.

ولو كان نوع حقيقتها عرفيّا كلفظ الدّابة لذوي القوائم الأربعة ، واستعمل فيما يدبّ على الأرض صدق عليه أنّه كلمة مستعملة في معنى مغاير لمعناها الحقيقي عند العرف ، فتكون الكلمة مجازا عرفيّا عامّا أو خاصّا.

١٩١

مع قرينة مانعة عن إرادة معناها في ذلك النّوع ، وقوله : بالنّسبة ، متعلّق بالغير (١) ، واللّام في الغير للعهد ، أي المستعملة في معنى غير المعنى الّذي الكلمة موضوعة له في اللّغة أو الشّرع أو العرف غيرا بالنّسبة إلى نوع حقيقة تلك الكلمة ، حتّى لو كان نوع حقيقتها لغويّا تكون الكلمة قد استعملت في غير معناها اللّغوي فتكون مجازا لغويّا ، وعلى هذا لقياس.

ولمّا كان قوله (٢) : استعمالا في الغير بالنّسبة إلى نوع حقيقتها ،

________________________________________________________

(١) أي تعلّقا معنويّا أو تعلّقا نحويّا ، والأوّل بأن يكون المجرور نعتا للغير ، فيكون التّقدير استعمالا في غير كائنة مغايرته وحاصلة بالنّسبة إلى ذلك النّوع ، والثّاني بأن يكون التّعلّق على ظاهره ، فيكون التّقدير استعمالا في معنى مغاير للأصل بالنّسبة إلى ذلك النّوع من الحقيقة الّتي عند المستعمل ، فإذا كانت الكلمة موضوعة في عرف الشّرع لمعنى ، ثمّ استعملت في شيء آخر كانت مجازا شرعيّا ، وإن كانت موضوعة في اللّغة لمعنى ، ثمّ استعملها اللّغويّ في معنى آخر كانت مجازا لغويّا ، وكذا إذا كانت موضوعة في العرف لمعنى واستعملها أهل العرف في غيره كانت مجازا عرفيّا.

(٢) أي قول السّكّاكي ، وهذا الكلام من الشّارح جواب عمّا يقال من أنّ السّكّاكي لم يقل في اصطلاح به التّخاطب ، فما نقله المصنّف عنه ليس عنه بل تقوّل عليه.

وحاصل جواب الشّارح :

إنّ المصنّف نقل ذلك عنه بالمعنى ، فيرد عليه ثانيا بأنّه لماذا لم ينقل عنه باللّفظ الصّادر منه.

فأجاب الشّارح ثانيا :

بأنّ ما عدل إليه المصنّف أوضح وأدلّ على المقصود ، وإنّما كان أدلّ ، لأنّ قوله : «بالنّسبة إلى نوع حقيقتها» ربّما يتوهّم منه أنّ المراد بنوع حقيقتها نوع مخصوص ، أي كونها حقيقة لغويّة أو شرعيّة أو عرفيّة ، مع أنّ المراد ما هو أعمّ من ذلك بخلاف قوله : «في اصطلاح به التّخاطب» فإنّه لا توهّم فيه ، لأنّ المعنى بشرط أن تكون تلك المغايرة في الاصطلاح الّذي يقع به التّخاطب والاستعمال أعمّ من أن يكون المستعمل لغويّا أو شرعيّا أو عرفيّا.

١٩٢

بمنزلة (١) قولنا : في اصطلاح به التّخاطب ، مع كون هذا أوضح وأدلّ على المقصود أقامه المصنّف مقامه آخذا بالحاصل من كلام السّكّاكي فقال [في غير ما وضعت له بالتّحقيق في اصطلاح به التّخاطب مع قرينة مانعة عن إرادته] أي إرادة معناها (٢) في ذلك الاصطلاح.

[وأتى] السّكّاكي [بقيد التّحقيق (٣)] حيث قال : موضوعة له بالتّحقيق [لتدخل] في تعريف المجاز [الاستعارة] الّتي هي مجاز لغوي [على ما مرّ (٤)] من أنّها مستعملة فيما وضعت له بالتّأويل لا بالتّحقيق ، فلو لم يقيّد الوضع بالتّحقيق لم تدخل هي في التّعريف (٥) لأنّها ليست مستعملة في غير ما وضعت له بالتّأويل (٦).

________________________________________________________

(١) أي إنّما كان بمنزلته ، لأنّ معناه أنّ المجاز هو الكلمة المستعملة في غير المعنى الّذي يقع به التّخاطب ، والاستعمال بمعنى أنّ المغايرة إنّما هي بالنّسبة إلى حقيقة تلك الحقيقة عند المستعمل ، فإن كانت حقيقتها شرعيّة وكان المعنى الّذي استعملت فيه غيرا بالنّسبة إليه عند المستعمل الّذي هو المخاطب بعرف الشّرع كان مجازا شرعيّا ، وإن كانت حقيقتها لغويّة ، وكان المعنى الّذي استعملت فيه غيرا بالنّسبة إليه عند المستعمل اللّغوي كانت مجازا لغويّا ، وهكذا يقال في المجاز العرفيّ ، ولا شكّ أنّ هذا المعنى هو ما أفاده قوله : «استعمالا في الغير بالنّسبة إلى نوع حقيقتها» فيكون بمنزلة ما ذكره المصنّف ، فقول المصنّف : «في اصطلاح به التّخاطب» حاصل قول السّكّاكي استعمالا في الغير بالنّسبة إلى نوع حقيقتها. كما أشار إليه الشّارح بقوله : «آخذا بالحاصل».

(٢) أي معنى الكلمة في الاصطلاح الّذي يقع به التّخاطب.

(٣) أي قيّد السّكّاكي الوضع في قوله : «غير ما وضعت» ، بالتّحقيق ليدخل في تعريف المجاز الاستعارة الّتي هي مجاز لغوي.

(٤) أي مرّ في أوّل هذا الفصل.

(٥) أي في تعريف المجاز.

(٦) أي بل مستعملة فيما وضعت له بالتّأويل ، فهي مستعملة فيما وضعت له في الجملة فمجرّد قولنا : «في غير ما وضعت له» لا يدخلها في تعريف المجاز ، فلا بدّ في إدخالها في تعريف المجاز من تقييد الوضع بالتّحقيق ، فتخرج الاستعارة من الحقيقة والوضع وتدخل في المجاز ، لأنّها ليست مستعملة فيما وضعت له بالتّحقيق ، بل بالتّأويل فلو لم يرد قيد

١٩٣

وظاهر عبارة صاحب المفتاح ههنا فاسد ، لأنّه قال : وقولي بالتّحقيق احتراز عن أن لا تخرج الاستعارة ، وظاهر (١) أنّ الاحتراز إنّما هو (٢) عن خروج الاستعارة لا عن عدم خروجها (٣) فيجب أن تكون ـ لا (٤) ـ زائدة ، أو يكون المعنى احترازا لئلّا تخرج (٥) الاستعارة.

[وردّ] ما ذكره السّكّاكي (٦) [بأنّ الوضع] وما يشتقّ منه كالموضوعة مثلا [إذا أطلق لا يتناول الوضع بتأويل] ،

________________________________________________________

التّحقيق كان المنفي الاستعمال في مطلق الوضع الصّادق بالوضع بالتّأويل ، فتخرج الاستعارة عن تعريف المجاز فيفسد الحدّ.

(١) أي من كلامهم.

(٢) أي الاحتراز عن خروج الاستعارة عن تعريف المجاز ، فثبت دخولها فيه.

(٣) أي لا عن عدم خروج الاستعارة من تعريف المجاز ، لأنّه إذا تحرّز عن عدم خروجها من التّعريف كان الثّابت للتّعريف خروجها عنه ، وهو خلاف المطلوب.

(٤) أي لا في قوله : «أن لا تخرج» زائدة.

(٥) أي عن في كلامه :

«عن أن لا تخرج» للتّعليل ، وعلى هذا فصلة الاحتراز محذوفة ، فالمعنى احترازا عن خروج الاستعارة لأجل عدم خروجها الّذي هو دخولها في التّعريف.

(٦) أي ردّ مقتضى ما ذكره السّكّاكي من الاحتياج إلى زيادة القيدين ؛ أعني قيد بالتّحقيق في تعريف المجاز اللّغوي لأجل دخول الاستعارة فيه ، وقيد من غير تأويل في الوضع في تعريف الحقيقة اللّغويّة لأجل إخراج الاستعارة عنه ، فمقتضى كلامه ادّعاء الاحتياج إلى هذين القيدين ، وردّ هذا بأنّ الوضع وما يشتقّ منه كالموضوعة ، ووضعت وأمثالهما «إذا أطلق» أي لم يقيّد بالتّحقيق ولا بتأويل «لا يتناول الوضع بتأويل» إذ لا يراد به المعنى الأعمّ المتناول لكلّ من التّحقيقي والتّأويلي حتّى يحتاج إلى زيادة قوله : «بالتّحقيق» ، بل يراد به خصوص الفرد الكامل منه وهو الوضع التّحقيقي فلا يتناول الوضع لتأويل أصلا.

١٩٤

لأنّ السّكّاكي نفسه قد فسّر الوضع (١) بتعيين اللّفظ بإزاء المعنى بنفسه (٢) ، وقال : وقولي بنفسه احتراز عن المجاز المعيّن بازاء معناه بقرينة : ولا شكّ أنّ دلالة الأسد على الرّجل الشّجاع إنّما هو بالقرينة (٣) ، فحينئذ (٤) لا حاجة إلى تقييد الوضع في تعريف الحقيقة بعدم التّأويل ، وفي تعريف المجاز بالتّحقيق.

اللهمّ (٥) إلّا أن يقصد زيادة الإيضاح لا تتميم الحدّ ، ويمكن الجواب بأنّ السّكّاكي لم يقصد أنّ مطلق الوضع (٦) بالمعنى الّذي ذكره يتناول الوضع بالتّأويل ،

________________________________________________________

(١) أي فسّر الوضع المطلق ،

(٢) أي ليدلّ عليه بنفسه من غير قرينة.

(٣) أي لتدخل الاستعارة في تعريف المجاز.

(٤) أي فحين إذ كان الوضع إذا أطلق لا يتناول الوضع بالتّأويل «لا حاجة إلى تقييد الوضع في تعريف الحقيقة بعدم التّأويل» لإخراج الاستعارة ، وذلك لأنّه لا يقال إنّ الكلمة مستعملة فيما وضعت له إلّا إذا لم يكن هناك تأويل بأن استعملت فيما وضعت له تحقيقا ، فالاستعارة خارجة بقيد الوضع وقيد عدم التّأويل بعده غير محتاج إليه في إخراجها ، وكذلك لا حاجة لتقييد الوضع في تعريف المجاز بالتّحقيق لإدخال الاستعارة فيه ، وذلك لأنّه حيث قيل كلمة مستعملة في غير ما هي موضوعة له ينصرف الوضع المستفاد من الموضوعة إلى الوضع الحقيقي ، فيكون الوضع الحقيقي منفيّا فيبقى الوضع التّأويلي ، وهو الّذي للاستعارة ، وحينئذ فالاستعارة داخلة في التّعريف بقيد الوضع ، ولا حاجة إلى قيد التّحقيق بعده لإدخالها فيه.

(٥) أي هذا جواب من جانب السّكّاكي ، وحاصله أنّ قوله : «بالتّحقيق» في تعريف المجاز اللّغوي ، وقوله : «من غير تأويل» في تعريف الحقيقة اللّغويّة إنّما هو لزيادة الإيضاح والكشف ، أي ليتّضح المراد من الوضع كلّ الاتّضاح ، فقول السّكّاكي : «وقولي بالتّحقيق للاحتراز ...» معناه لزيادة ظهور الاحتراز الحاصل بالوضع ، لا أنّه لأصل ـ الاحتراز حتّى يكون ذلك القيد تتميما للحدّ لا لزيادة ـ الإيضاح. وردّ هذا الجواب بأنّ هذا لا يصحّ في كلام السّكّاكي لأنّه جعله للاحتراز لا لزيادة الإيضاح.

(٦) أي لم يقصد أنّ مطلق الوضع بمعنى تعيين اللّفظ بازاء المعنى بنفسه يتناول الوضع بالتّأويل أيضا حتّى لزم أن يكون القيد الأوّل قيد احتراز ، والثّاني قيد إدخال.

١٩٥

بل مراده أنّه قد عرض للفظ الوضع اشتراك بين المعنى المذكور وبين الوضع بالتّأويل كما في الاستعارة ، فقيّده بالتّحقيق (١) ليكون قرينة على أنّ المراد بالوضع معناه المذكور (٢) لا المعنى الّذي يستعمل فيه أحيانا (٣) وهو (٤) الوضع بالتّأويل ، وبهذا (٥) يخرج الجواب عن سؤال آخر ، وهو أن يقال لو سلّم تناول الوضع للوضع

________________________________________________________

وحاصل هذا الجواب الثّاني من طرف السّكّاكي أنّا لا نسلّم أنّ الوضع عند الإطلاق لا يتناول الوضع بالتّأويل بل الوضع عند الإطلاق يشمل الوضع بالتّأويل أيضا نظرا إلى ما عرض للوضع من الاشتراك ، لأنّ الوضع صار مشتركا لفظيّا بين معنيين ؛ أحدهما الأصلي أعني التّحقيقي ، والثّاني العارضيّ أعني التّأويلي ، وعلى هذا يحتاج في تعريف الحقيقة إلى قوله : «من غير تأويل» لإخراج الاستعارة ، وفي تعريف المجاز إلى قوله : «بالتّحقيق» لإدخالها بناء على أصحّ القولين فيها ، وأمّا تعبير الشّارح بالإمكان فلأجل عدم اطّلاعه على مقصود السّكّاكي.

(١) أي في تعريف المجاز وقيّده بعدم التّأويل في تعريف الحقيقة ليكون قرينة على أنّ المراد بالوضع الواقع في التّعريف هو معناه المذكور ، أي الوضع التّحقيقي لا المعنى الآخر أي الوضع التّأويلي ، لأنّ المشترك اللّفظي إذا وقع في التّعريف لا بدّ له من قرينة تعيين المراد منه.

(٢) أي المذكور في كلام السّكّاكي وهو تعيين اللّفظ بإزاء المعنى بنفسه الّذي هو الوضع التّحقيقي.

(٣) أي بطريق عروض الاشتراك اللّفظي.

(٤) أي المستعمل أحيانا.

(٥) أي بالجواب الثّاني «يخرج» أي يحصل الجواب عن سؤال آخر وارد على السّكّاكي من حيث تعبيره بالتّحقيق في تعريف المجاز ، ومعنى خروج جواب السّؤال الآخر من هذا الجواب أن يجعل هذا الجواب بعينه جوابا لذلك السّؤال الآخر.

وحاصل ذلك السّؤال الآخر أن يقال لا نسلّم تناول الوضع للوضع بالتّأويل حتّى يحتاج لتقييده بالتّحقيق ، لأجل دخول الاستعارة ، ولو سلّم تناوله فلا نسلّم خروج الاستعارة من تعريف المجاز إذا لم يقيّد الوضع بالتّحقيق ، لأنّ قوله : «في تعريفه» هو الكلمة المستعملة في غير ما هي موضوعة له ، لو اقتصر عليه ولم يزد قوله : «بالتّحقيق» لم يتعيّن أن يراد بالوضع

١٩٦

بالتّأويل (١) فلا تخرج الاستعارة (٢) أيضا ، لأنّه يصدق عليها أنّها مستعملة في غير ما وضعت له في الجملة أعني الوضع بالتّحقيق ، إذ غاية ما في الباب أنّ الوضع يتناول الوضع بالتّحقيق والتّأويل ، لكن لا جهة (٣) لتخصيصه بالوضع بالتّأويل فقط حتّى تخرج الاستعارة البتّة.

________________________________________________________

المنفيّ الوضع بالتّأويل ، بل يقبل اللّفظ أن يحمل على الوضع بالتّحقيق ، فيحمل عليه ويفيد دخول الاستعارة في المجاز.

نعم ، تخرج لو خصّص الوضع بالتّأويل لكنّه لا وجه للتّخصيص ، وحينئذ فلا حاجة للتّقييد المذكور.

وحاصل الجواب عن ذلك السّؤال أن يقال إنّ السّكّاكي لم يرد أنّ مطلق الوضع يتناول الوضع بالتّأويل حتّى يقال عليه ما ذكر ، بل أراد أنّ الوضع عرض له الاشتراك بين المذكور الّذي هو تعيين اللّفظ بإزاء المعنى ليدلّ عليه بنفسه ، وبين الوضع بالتّأويل فقيّده بالتّحقيق ليكون قرينة على المراد.

(١) أي بحيث يجعل الوضع من قبيل المتواطئ.

(٢) أي فلا تخرج الاستعارة من تعريف المجاز ، أي على تقدير عدم زيادة القيد الأخير قوله : «أيضا» أي كما لا تخرج عند زيادة القيد الأخير ، وحيث كانت غير خارجة عن التّعريف على تقدير عدم تناول الوضع للوضع التّأويليّ وعلى تقدير تناوله له فلا حاجة لتقييد الوضع بالتّحقيق لأجل دخولها في تعريف المجاز لدخولها فيه بدون ذلك القيد.

(٣) أي لا وجه ولا سبب «لتخصيصه» أي لتخصيص الوضع المنفي الواقع في تعريف المجاز في قولنا : غير ما وضعت له «بالوضع التّأويل» حتّى تخرج الاستعارة من تعريف المجاز فيحتاج للتّقييد بالتّحقيق لإدخالها فيه ، بل الوجه تخصيصه بالتّحقيق ، وحينئذ فتدخل الاستعارة في التّعريف ، ولا يحتاج لذلك القيد لإدخالها.

لا يقال : تخصيص الوضع بالتّحقيقي لا وجه له أيضا ، أي كما لا وجه لتخصيصه بالتّأويلي.

لأنّا نقول : المرجّح لحمل الوضع على التّحقيقي وتخصيصه به موجود ، وهو كون الوضع إذا أطلق يكون حقيقة في التّحقيقي ، فالحاصل إنّ قوله : «لكن لا جهة ...» جواب عن سؤال آخر.

١٩٧

[و] ردّ أيضا ما ذكره (١) [بأنّ التّقييد باصطلاح به التّخاطب] أو ما يؤدّي معناه (٢) كما لا بدّ منه في تعريف المجاز ليدخل فيه نحو لفظ الصّلاة إذا استعمله الشّارع في الدّعاء مجازا كذلك [لا بدّ منه (٣) في تعريف الحقيقة] أيضا ليخرج عنه نحو هذا اللّفظ ،

________________________________________________________

(١) أي ما ذكره السّكّاكي.

(٢) أي معنى ذلك التّقييد ، كقول السّكّاكي بالنّسبة إلى نوع حقيقتها.

(٣) أي من التّقييد باصطلاح به التّخاطب في تعريف الحقيقة أيضا ، أي كما لا بدّ منه في تعريف المجاز ، وحاصل ردّ مقتضى ما ذكره السّكّاكي من تقييد الاستعمال في تعريف المجاز باصطلاح به التّخاطب ، وعدم تقييد الاستعمال في تعريف الحقيقة بذلك القيد وهو أنّ هذا الصّنيع مردود ، إذ لا فرق بين المجاز والحقيقة ، فكما أنّ تعريف المجاز يحتاج إلى القيد المذكور كذلك تعريف الحقيقة لأنّ وجه الحاجة موجود في كلا التّعريفين ، فإنّ وجه الحاجة إليه في تعريف المجاز هو أنّه لو لم يذكر فيه لكان غير جامع لأنّه يخرج عنه نحو لفظ الصّلاة إذا استعمله الشّرعي في الدّعاء ، فإنّه يصدق عليه أنّه كلمة مستعملة فيما وضعت له في الجملة ، أي بالنّظر لبعض الأوضاع وهو وضع اللّغويين واصطلاحهم مع أنّها مجاز ، وعند ذكر ذلك القيد تدخل في المجاز إذ يصدق عليها أنّها كلمة مستعملة في غير ما وضعت له باصطلاح التّخاطب ، وإن كانت مستعملة فيما إذا وضعت له باعتبار اصطلاح آخر مغاير لاصطلاح التّخاطب.

ووجه الحاجة إليه في تعريف الحقيقة هو أنّه لو لم يذكر فيه لكان غير مانع لأنّه لو لم يذكر ذلك القيد في التّعريف دخل فيه نحو لفظ الصّلاة إذا استعمله الشّرعي في الدّعاء ، فإنّه يصدق عليه أنّه كلمة مستعملة في معنى وضعت له في الجملة مع أنّه مجاز ، وعند ذكر ذلك القيد يخرج من حدّ الحقيقة ، لأنّها وإن كانت مستعملة فيما وضعت له في الجملة ، أي باعتبار وضع اللّغة إلّا أنّها لم تكن مستعملة فيما وضعت له في الجملة ، أي باعتبار وضع اللّغة إلّا أنّها لم تكن مستعملة في المعنى الّذي وضع له اللّفظ في اصطلاح التّخاطب ، وهو اصطلاح أهل الشّرع ، فظهر ممّا ذكرنا أنّ قيد في اصطلاح ـ التّخاطب يحتاج إلى التّقييد به في كلا التّعريفيين ، وحينئذ فما اقتضاه صنيع السّكّاكي من احتياج تعريف المجاز له دون تعريف الحقيقة مردود ، لأنّه ترجيح بلا مرجّح.

١٩٨

لأنّه مستعمل فيما وضع له في الجملة وإن لم يكن ما وضع له في هذا الاصطلاح (١).

ويمكن الجواب بأنّ قيد الحيثيّة مراد في تعريف الأمور الّتي تختلف (٢) باختلاف الاعتبارات والإضافات (٣) ، ولا يخفى أنّ الحقيقة والمجاز كذلك (٤) ، لأنّ الكلمة الواحدة (٥) بالنّسبة إلى المعنى الواحد قد تكون حقيقة وقد تكون مجازا بحسب وضعين مختلفين ، فالمراد (٦) أنّ الحقيقة هي الكلمة المستعملة فيما هي موضوعة له من حيث إنّها موضوعة له ، ولا سيّما أنّ تعليق الحكم (٧) بالوصف مفيد لهذا المعنى ، كما يقال : الجواد لا يخيّب سائله ، أي من حيث إنّه جواد.

________________________________________________________

(١) أي اصطلاح أهل الشّرع.

(٢) أي احترز بذلك عن الماهيات الحقيقيّة الّتي تختلف بالفصول ، وهي الأمور المتباينة الّتي لا تجتمع في شيء واحد ، فليس قيد الحيثيّة معتبرا في تعريفها.

(٣) أي عطف على الاعتبارات عطف مرادف على مرادفه.

وحاصل الجواب

أنّ السّكّاكي استغنى عن ذكر قيد اصطلاح التّخاطب في تعريف الحقيقة لأنّ الحيثيّة تفيد ما يفيده ذلك القيد والحيثيّة مرعيّة عرفا ، ولو لم تذكر في تعريف الأمور الاعتباريّة.

(٤) أي مختلفان بالإضافة والاعتبار.

(٥) أي كلفظ ـ الصّلاة مثلا «بالنّسبة إلى المعنى الواحد» أي كالدّعاء قد تكون حقيقة باعتبار وضع اللّغة ، وقد تكون مجازا ، أي باعتبار وضع الشّرع ، وكذلك لفظ الصّلاة بالنّسبة إلى الأركان المخصوصة فإنّه حقيقة باعتبار وضع الشّرع ومجاز باعتبار وضع اللّغة ، هذا ما أشار إليه بقوله : «بحسّب وضعين مختلفين».

(٦) أي هذا تفريع على ما مرّ من أنّ قيد الحيثيّة مراد في تعريف الأمور الاعتباريّة ، وأنّ الحقيقة والمجاز منها ، أي إذا علمت ذلك فمراد السّكّاكي «أنّ الحقيقة هي الكلمة ...»

(٧) أي المراد بالحكم هو الاستعمال المأخوذ من المستعملة ، والمراد بالوصف هو الوضع المأخوذ من قوله : «موضوعة».

١٩٩

وحينئذ يخرج عن التّعريف (١) مثل لفظ الصّلاة المستعملة في عرف الشّرع في الدّعاء ، لأنّ استعماله في الدّعاء ليس من حيث إنّه موضوع للدّعاء ، بل من حيث إنّ الدّعاء جزء من الموضوع له (٢).

وقد يجاب (٣) بأنّ قيد اصطلاح به التّخاطب مراد في تعريف الحقيقة ، لكنّه (٤) اكتفى بذكره في تعريف المجاز ، لكون البحث عن الحقيقة غير مقصود بالذّات في هذا الفنّ ، وبأنّ اللّام (٥) في الوضع للعهد ، أي الوضع الّذي وقع به التّخاطب ، فلا حاجة إلى هذا القيد ، وفي كليهما (٦) نظر.

________________________________________________________

(١) أي عن تعريف الحقيقة.

(٢) أي الموضوع له هي الهيئة المجتمعة من الأقوال والأفعال ، فيكون استعمال لفظ الصّلاة في الدّعاء عند أهل الشّرع مجازا ، وهذا نهاية ما يمكن أن يجاب من جانب السّكّاكي.

(٣) أي قد يجاب بجواب ثان ، وحاصله أنّ هذا القيد وهو في اصطلاح التّخاطب وإن كان متروكا في تعريف الحقيقة ، إلّا أنّه مراد للسّكّاكي فهو محذوف من تعريفها لدلالة القيد المذكور في تعريف المجاز عليه ، ومن المعلوم أنّ المحذوف مع القرينة كالمذكور.

(٤) أي قوله : «لكنّه اكتفى بذكره ...» جواب عن سؤال مقدّر ، والتّقدير إذا كان ذكر القيد في أحد التّعريفين كافيا عن ذكره في الآخر ، فلماذا لم يذكره في تعريف الحقيقة كي يكون قرينة على حذفه في تعريف المجاز مع اعتباره فيه.

وحاصل الجواب : أنّه اكتفى بذكره في تعريف المجاز دون العكس لكون البحث عن الحقيقة غير مقصود بالذّات في هذا الفنّ ، بل المقصود هو البحث عن المجاز.

(٥) أي قوله : «بأنّ اللّام ...» عطف على قوله : «بأنّ قيد في اصطلاح التّخاطب مراد ...» ، فهو جواب ثالث ، وحاصله : أنّ اللّام في قوله : «في تعريف الحقيقة من غير تأويل في الوضع» لام العهد والمعهود هو الوضع الّذي وقع بسببه التّخاطب هو الوضع المصطلح عليه عند المخاطب ، وحينئذ فلا حاجة إلى زيادة في اصطلاح التّخاطب في تعريف الحقيقة.

(٦) أي في كلّ من الجوابين الأخيرين نظر ، أمّا النّظر في الجواب الأوّل منهما فلأنّ كلّ واحد من التّعريفات مستقلّ ، فيجب ذكر قيد كلّ واحد منها صريحا ، ولا يجوز أن يترك قيد من تعريف ويعتمد في فهمه على ما في تعريف آخر. وأمّا النّظر في الجواب الثّاني فلأنّ لام

٢٠٠