دروس في البلاغة - ج ٤

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في البلاغة - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة البلاغ
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٥٤

ويسمّى ـ هذا خاصّة (١) مركّبة ، [وشرطهما] أي وشرط هاتين الكنايتين (٢) [الاختصاص بالمكنّى عنه (٣)] ليحصل الانتقال (٤) ، وجعل (٥) السّكّاكي الأولى منهما ، أعني ما هي معنى واحد قريبة ، بمعنى سهولة المأخذ (٦) والانتقال فيها لبساطتها واستغنائها عن ضمّ لازم إلى آخر ، وتلفيق (٧) بينهما ، والثّانية (٨) بعيدة بخلاف ذلك (٩) ،

________________________________________________________

(١) أي ويسمّى هذا القسم في اصطلاح أهل الميّزان «خاصّة مركّبة» فهو نظير طائر ولود في الكناية عن فاش.

(٢) يعني شرط الكناية الّتي هي معنى واحد ، والكناية الّتي هي مجموع معان ـ اختصاصها بالمكنّى عنه كاختصاص مجامع الأضغان بالقلوب ، واختصاص الحياة واستواء القامة وعريض الأظفار بالإنسان.

(٣) أي بأن لا يكون موجودا لغير المكنّى عنه ، وإلّا لما انتقل الذّهن إلى المكنّى عنه ، لأنّ الأعمّ لا يشعر بالأخصّ

(٤) أي ليحصل الانتقال منهما إلى المكنّى عنه.

(٥) أي سمّى «السّكّاكي الأولى» من هاتين الكنايتين قريبة ، والثّانيّة بعيدة.

(٦) أي بمعنى سهل المأخذ ، يعني أنّ من يحاول الإتيان بها يسهل عليه الإتيان بها ، ويسهل على السّامع الانتقال منها لبساطتها وعدم التّركيب فيها ، فلا يحتاج فيها إلى ضمّ وصف لآخر ، والتّأمل في المجموع ليعلم اختصاص هذا المجموع بلا زيادة ونقصان.

(٧) أي تأليف بينهما ، فيكون التّلفيق عطفا على ضمّ عطفا تفسيريّا ، فالمعنى أنّ السّكّاكي جعل الأولى منهما قريبة ، بمعنى سهل الأخذ لعدم حاجتها إلى ضمّ لازم إلى آخر ، وعدم الحاجة إلى التّأليف بين اللّازمين.

(٨) أي جعل الثّانيّة ، أعني ما هي مجموع معان بعيدة ، أي سمّاها بذلك الاسم.

(٩) أي القسم الثّاني يكون بخلاف ذلك القسم الأوّل ، بمعنى أنّ الثّانية صعبة الأخذ والانتقال ، وذلك لتوقّفها على جمع أوصاف يكون مجموعها مختصّا بلا زيادة ونقيصة ، وذلك يحتاج إلى التّأمّل في عموم مجموع الأوصاف وخصوصه ومساواته ، ومن البديهي أنّه كلّما توقّف الإتيان أو الانتقال على تأمّل كان بعيدا.

٢٦١

وهذه غير بعيدة بالمعنى الّذي سيجيء (١).

[الثّانية] من أقسام الكناية [المطلوب بها صفة] من الصّفات (٢) كالجود والكرم ونحو ذلك (٣) وهي (٤) ضربان : قريبة وبعيدة [فإن لم يكن الانتقال] من الكناية إلى المطلوب (٥) [بواسطة (٦)

________________________________________________________

(١) أي ليس معنى البعيد في الثّانية ما سيجيء ، أي ما كان فيها وسائط.

والحاصل إنّ المراد بالقرب منها سهولة الانتقال والتّناول لأجل البساطة ، والمراد بالبعيد صعوبتهما لأجل التّركيب ، لأنّ إيجاد المركّب والفهم منه أصعب من البسيط غالبا ، وليس المراد بالقرب منها انتفاء الوسائط والوسائل بين الكناية والمكنّى عنه ، ـ وبالبعد وجودها كما سيأتي ، فالقرب والبعد هنا مخالفان لهما بهذا المعنى الآتي.

وظهر ممّا ذكرناه أنّ مراد السّكّاكي بالقرب سهولة الأخذ والانتقال للبساطة ، وبالبعد صعوبة الأخذ والانتقال للتّركيب ، لأنّ إتيان المركّب والفهم منه أصعب من الفهم من البسيط غالبا ، وليس المراد بالقرب هنا انتفاء الواسطة بين الكناية والمنتقل ـ إليه ، وبالبعد وجود ما كما في الثّانية.

(٢) أي بأن يكون المقصود إفادته وإفهامه بطريق الكناية هو صفة من الصّفات ، والمراد بالصّفة هي المعنويّة وهي المعنى القائم بالغير كالجود والكرم والشّجاعة وطول القامة ، خصوص مدلول النّعت النّحوي ، فالمراد بالصّفة المعنويّة لا النّعت النّحوي.

(٣) أي كالجبن والبخل وما شاكلهما ، ومعنى طلب الصّفة بالكناية دون النّسبة أن يكون المقصود بالذّات هو إفهام معنى الصّفة من صفة أخرى أقيمت مقام تلك الصّفة ، وذلك كأن يذكر جبن الكلب ، أو كثرة ـ الرّماد لينتقل منه للجود.

(٤) أي الكناية الثّانية قسمان قريبة وبعيدة ، وحاصل ما ذكره من الأقسام أنّ الكناية المطلوب بها صفة إمّا قريبة أو بعيدة ، والقريبة إمّا واضحة أو خفيّة ، والواضحة إمّا ساذجة أو مشوبة بالتّصريح ، فالأقسام هي أربعة.

(٥) أي الّذي هو الصّفة المكنّى عنها ، لأنّ الكلام في الكناية المطلوب بها صفة.

(٦) أي بين المنتقل عنه والمنتقل إليه ، وإنّما الانتقال للمكنّى عنه غير محتاج لواسطة ، إذا كان إدراك المكنّى عنه يعقب إدراك المعنى الأصلي للفظ الكناية المشهور به منه.

٢٦٢

فقريبة (١)]. والقريبة ـ قسمان : [واضحة (٢)] يحصل الانتقال منها بسهولة.

[كقولهم كناية عن طول (٣) القامة طويل نجاده (٤) وطويل النّجاد (٥) والأولى (٦)] أي طويل نجاده كناية [ساذجة] لا يشوبها شيء من التّصريح.

________________________________________________________

(١) أي فتلك الكناية تسمّى قريبة ، لانتفاء الوسائط الّتي يبعد معها غالبا زمن إدراك المكنّى عنه عن زمن الشّعور بالمعنى الأصلي ، ولمّا كان معنى القرب هنا عدم الوسائط ، أمكن أن يكون المعنى المكنّى عنه خفيّا بالنّسبة إلى الأصل ، وأن يكون واضحا ، ولهذا انقسمت القريبة إلى الواضحة والخفيّة ، وإلى هذا أشار بقوله : ـ «والقريبة قسمان».

(٢) أي واضحة لكون المعنى المنتقل إليه يسهل إدراكه بعد إدراك المنتقل منه ، لكونه لازما بيّنا بحسب العرف أو القرينة أو بحسب ذاته.

(٣) أي طول القامة هو الصّفة المطلوبة المكنّى عنها.

(٤) برفع النّجاد على أنّه فاعل طويل ، والضّمير المضاف إليه عائد على الموصوف حال كون هذا القول كناية عن طول القامة ، ولا شكّ أنّ طول النّجاد اشتهر استعماله عرفا في طول القامة ، ففهم منه اللزّوم بلا تكلّف ، إذ لا يتعلّق بالإنسان من النّجاد إلّا مقداره ، وليس بينه وبينه واسطة ، فكانت واضحة قريبة ، وكانت كناية عن صفة ، لأنّ النّسبة هنا مصرّح بها ، وإنّما المقصود بالذّات صاحبها ، وهو الوصف فكان كناية مطلوبا بها صفة.

(٥) أي بإضافة الصّفة إلى النّجاد ، إذ الموصوف بالطّول باعتبار المعنى في المثالين هو النّجاد لا فلان ، وقد أشار إلى الفرق بين المثالين بقوله : «والأولى» أي طويل نجاده كناية «ساذجة» لا يشوبها شيء من التّصريح.

(٦) أي والكناية الأولى ، وهي قوله :

«طويل نجاده» برفع النّجاد كناية ساذجة ، أي خالية من شائبة التّصريح بالمعنى المقصود وهو المكنّى عنه ، فقول الشّارح : لا يشوبها شيء من التّصريح ، أي بالمعنى المقصود تفسير لقوله : «ساذجة» وإنّما كانت خالية من شائبة التّصريح بالمعنى المقصود ، لأنّ الفاعل «طويل» هو «النّجاد» لينتقل منه إلى طول قامة فلان.

٢٦٣

[وفي الثّانية] أي طويل النّجاد [تصريح ما (١) لتضمّن الصّفة (٢)] أي طويل [الضّمير] الرّاجع إلى الموصوف ، ضرورة احتياجها (٣) إلى مرفوع مسند إليه ، فيشتمل على نوع تصريح بثبوت الطّول له (٤) ، والدّليل على تضمّنه (٥) الضّمير أنّك تقول : هند طويلة النّجاد ، والزّيدان طويلا النّجاد ، والزّيدون طوال النّجاد ، فتؤنّث وتثنّي وتجمع الصّفة البتّة ، لإسنادها إلى ضمير الموصوف (٦) ، بخلاف هند طويل نجادها (٧) ،

________________________________________________________

(١) أي نوع تصريح بالمقصود الّذي هو طول القامة المكنّى عنه ، فلذا كانت كناية مشوبة بالتّصريح.

(٢) أي وإنّما كان فيها تصريح ما ، لتضمّن الصّفة الّتي هي لفظ طويل ، الضّمير الرّاجع للموصوف لكونها مشتقّة ، والضّمير عائد على الموصوف ، فكأنّه قيل : فلان طويل ، ولو قيل ذلك لم يكن كناية ، بل تصريحا بطوله الّذي هو طول قامته ، ولمّا لم يصرّح بطوله لإضافته إلى النّجاد ، وأومئ إليه بتحمّل الضّمير كانت مشوبة بالتّصريح.

(٣) أي احتياج الصّفة إلى مرفوع مسند إليه لأنّها مشتقّة ، وكلّ مشتقّ بمنزلة الفعل يحتاج إلى فاعل ظاهر أو مضمر كما في المثال.

(٤) أي لفلان.

(٥) أي تضمّن طويل ، ولو قال : تضمّنها ، أي الصّفة كان أولى ، إلّا أن يقال : إنّ تذكير الضّمير باعتبار أنّها وصف ، أي والدّليل على تضمّن تلك الصّفة للضمّير وتحمّلها له ، وإنّه فاعل لها لفظا ، لا لأنّها مضافة لفاعلها لفظا ، بل لفاعلها في المعنى «أنّك تقول : هند طويلة النّجاد ...».

(٦) أي إنّ تأنيث الصّفة وتثنيتها وجمعها في الأمثلة المذكورة تدلّ على إسنادها إلى الضّمير العائد إلى الموصوف ، فوجبت مطابقتها للموصوف ، ولازم ذلك أنّ طويل النّجاد يتضمّن الضّمير ومسند إليه ومشوب بالتّصريح ، فلا يكون كناية ساذجة.

(٧) أي بخلاف ما إذا كانت الصّفة خالية من ضمير الموصوف الّذي جرت عليه ، وأسندت لاسم ظاهر كالأمثلة المذكورة ، فإنّها حينئذ لا تطابق ما قبلها بل يجب فيها الإفراد والتّجريد من علامة التّثنيّة والجمع ، وتذكّر لتذكير الفاعل ، وهو الاسم الظّاهر الّذي أسندت إليه أعني النّجاد في الأمثلة المذكورة فتكون الكناية فيها ساذجة ، ولا يشوبها شيء من التّصريح

٢٦٤

والزّيدان طويل نجادهما ، والزّيدون طويل نجادهم ، وإنّما جعلنا الصّفة المضافة (١) كناية مشتملة على نوع تصريح ، ولم نجعلها تصريحا للقطع بأنّ الصّفة في المعنى صفة للمضاف إليه ، واعتبار الضّمير رعاية (٢) لأمر لفظي ، وهو امتناع خلو الصّفة عن معمول مرفوع بها (٣). [أو خفيّة] عطف على واضحة (٤) وخفاؤها بأن يتوقّف الانتقال منها على تأمّل وإعمال رويّة ، [كقولهم كناية عن الأبله (٥) : عريض القفاء (٦)].

________________________________________________________

(١) أي أعني طويل النّجاد ، وقوله : «إنّما جعلنا ...» ، جواب عن سؤال مقدّر ، وتقدير السّؤال لماذا لم تجعل الصّفة المضافة أعني قولك : «طويل النّجاد» تصريحا محضا من دون أن يكون في شيء آخر خليطا معه.

وحاصل الجواب إنّما جعلناها كناية مشتملة على نوع تصريح ، ولم نجعلها تصريحا «للقطع بأنّ الصّفة في المعنى» ، أي في الحقيقة ونفس الأمر صفة للمضاف إليه ، أعني النّجاد ، فقوله : «للقطع» علّة لقوله : «ولم نجعلها».

(٢) أي اعتبار الضّمير في الصّفة إنّما هو لأجل مراعاة قانون لفظي عند النّحاة ، فحينئذ لا يكون إرجاع الضّمير إلى فلان مقصودا أصليّا ، فلا يكون تصريحا ، بل مشوبا به.

(٣) أي بالصّفة ، لأنّ المشتقّ حكمه حكم الفعل ، والفعل لا بدّ له من فاعل ظاهر أو مضمر.

(٤) أي إنّ الكناية المطلوب بها صفة إن لم يكن الانتقال فيها للمطلوب هو الصّفة بواسطة ، فهي إمّا واضحة لا تحتاج في الانتقال للمراد إلى تأمّل ، أو خفيّة يتوقّف الانتقال منها إلى المراد على تأمّل وإعمّال رويّة ، أي فكر ، وذلك حيث يكون اللّزوم بين المكنّى به وعنه ، فيه غموض ما ، فيحتاج إلى إعمال رويّة في القرائن وسير المعاني ، ليستخرج المقصود منها ، وليس المراد أنّها خفيّة ، لتوقّف الانتقال منها إلى المقصود على وسائط لأنّ الموضوع ومحلّ الكلام في أنّ الانتقال فيها بلا واسطة.

(٥) أي البليد ، وقيل هو الّذي عنده خفّة عقل.

(٦) القفا بالقصر ، مؤخّر الرّأس ، وعرضه يستلزم عظم الرّأس غالبا ، والمقصود هنا العظم المفرط ، لأنّه الدالّ على البلاهة ، وأمّا عظمها من غير إفراط ، بل مع اعتدال فيدلّ على النّباهة ـ وكمال العقل. والعرض بالفتح مقابل الطّول.

٢٦٥

فإنّ عرض القفاء وعظم الرّأس (١) بالإفراط ممّا يستدلّ ـ به على البلاهة فهو (٢) ـ ملزوم لها بحسب الاعتقاد (٣) ، لكن في الانتقال منه إلى البلاهة نوع خفاء لا يطّلع (٤) عليه كلّ أحد ، وليس (٤) الخفاء بسبب كثرة الوسائط والانتقال حتّى تكون بعيدة.

________________________________________________________

(١) أي عطف عظم الرّأس على عرض القفا من عطف اللّازم على الملزوم ، لأنّه مثال آخر.

(٢) أي فما ذكر من عرض القفا وعظم الرّأس بالإفراط ملزوم للبلاهة ، والبلاهة لازمة له.

(٣) أي الاعتقاد الحاصل للعرف بالتّجربة وعلم القيافة ، فمعنى العبارة حينئذ فعرض القفاء وعظم الرّأس ملزوم للبلاهة عند من له اعتقاد في ملزوميّته للبليد.

لا يقال : إنّ من له اعتقاد باللّزوم لا خفاء بالنّسبة إليه ، ومن لا اعتقاد له لا كناية بالنّسبة إليه ، إذ لا يفهم المراد أصلا ، فجعل الكناية في المثال خفيّة في غير محلّه.

فإنّه يقال :

إنّه لا يلزم من اعتقاد اللّزوم حضوره حال الخطاب ، إذ يجوز أن يكون بعض المعاني المخزونة يدرك لزومها بمطلق الالتفاف ، فلا تخفى الكناية عنها على المتكلّم عند إيجادها ، ولا تخفى على السّامع عند سماعها.

ويجوز أن يكون إدراك لزومها يحتاج إلى تصفّح المعاني والدّلالة بالقرائن الخفيّة ، فيحتاج المتكلّم في إيجادها إلى تأمّل ، والسّامع في فهمها إلى رويّة وفكر ، وما هنا من هذا القبيل.

ومن هنا يعلم اعتقاد لزوم البلادة لعرض القفا ، ليس مشاركا بين النّاس ، بل قد يخصّ به واحد دون آخر ، إذ لا سبيل إليه إلّا بعد التّأمل.

(٤) أي لا يدركه كلّ أحد وإنّما يدركه من أعمل فكرته ورويّته حتّى اطّلع على الملزوميّة واعتقدها.

(٥) هذا دفع لما يتوهّم من قوله : «لا يطّلع عليه كلّ أحد» من ـ أنّ ذلك قد يكون بسبب وجود كثرة الوسائط.

وحاصل الدّفع :

أنّه ليس الخفاء بسبب كثرة الوسائط حتّى ـ تكون الكناية بعيدة.

٢٦٦

[وإن كان] الانتقال من الكناية إلى المطلوب بها (١) [بواسطة فبعيدة ، كقولهم : كثير الرّماد ، كناية عن المضياف ، فإنّه (٢) ينتقل من كثرة الرّماد إلى كثرة إحراق الحطب تحت القدور ، ومنها] أي ومن كثرة الإحراق [إلى كثرة الطّبائخ (٣) ، ومنها (٤) إلى كثرة الأكلة] جمع آكل ، [ومنها إلى كثرة الضّيفان] بكسر الضّاد جمع ضيف ، [ومنها إلى المقصود] وهو المضياف ، وبحسب قلّة الوسائط وكثرتها تختلف الدّلالة على المقصود وضوحا وخفاء.

________________________________________________________

(١) أي إن كان الانتقال من الكناية إلى المطلوب بتلك الكناية بواسطة ، فتلك الكناية بعيدة ، أي تسمّى بذلك اصطلاحا لبعد زمن إدراك المقصود منها ، لاحتياجها في الغالب إلى استحضار تلك الوسائط ، وظاهره أنّها بعيدة ولو كانت الواسطة واحدة ، لأنّ فيها بعد إمّا باعتبار ما لا واسطة فيها أصلا. ثمّ مثّل للبعيدة فقال : «كقولهم : كثير الرّماد» حال كون هذا القول «كناية عن المضياف» ، أي كثير الضّيافة الّتي هي القيام بحقّ الضّيف ، فكثرة الرّماد كناية عن المضيافيّة بكثرة الوسائط.

والحاصل :

إنّه يلزم من كون كثير الرّماد كناية عن المضياف أن تكون كثرة الرّماد كناية عن المضيافيّة ، وهذه الكناية اللّازمة هي المقصود بالتّمثيل ، لأنّ أصل الموضوع هو الكناية المطلوب بها صفة من الصّفات.

(٢) هذا إشارة إلى الوسائط ، أي ينتقل من كثرة الرّماد المكنّى به «إلى كثرة إحراق الحطب تحت القدور» ضرورة أنّ الرّماد لا يكثر إلّا بكثرة الإحراق ، ولمّا كان مجرّد كثرة الإحراق لا يفيد وليس بلازم في الغالب ، لأنّ الغالب من العقلاء أنّ الإحراق لا يصدر منهم إلّا لفائدة الطّبخ ، وإنّما يكون الطّبخ إذا كان الإحراق تحت القدور ، زاده ليفيد المراد ويتحقّق الانتقال.

(٣) أي جمع طبيخ ، أي ما يطبخ.

(٤) أي من كثرة الطّبخ ينتقل إلى كثرة الأكلة أي الآكلين لذلك المطبوخ ، وينتقل من كثرة الأكلة إلى كثرة الضّيفان ، لأنّ الغالب أنّ كثرة الأكلة إنّما تكون من الأضياف لا من كثرة العيال ، وينتقل من كثرة الضّيفان إلى كثرة المضيافيّة ، إذ هما متلازمان.

والفرق بينهما : أنّ كثرة وجود الضّيفان وصف للأضياف ، والمضيافيّة وصف للمضيف ، إذ معناها القيام بحقّ الضّيف.

٢٦٧

[الثّالثة] من أقسام الكناية [المطلوب بها نسبة] أي إثبات أمر لآخر (١) أو نفيه عنه ، وهو (٢) المراد بالاختصاص في هذا المقام. [كقوله : (٣) إنّ السّماحة والمروءة] هي

________________________________________________________

وبالجملة إنّه تختلف الدّلالة على المقصود وضوحا وخفاء بحسب قلّة الوسائط وكثرتها ، وذلك لأنّ كثرة الوسائط من شأنها خفاء الدّلالة ، وقلّتها من شأنها وضوحها.

(١) أي قوله : «أي إثبات ـ أمر لآخر» بيان للنّسبة ، فالمراد بالنّسبة هو إثبات أمر لأمر أو نفيه عنه.

(٢) أي إثبات أمر لأخر المراد بالاختصاص في هذا المقام ، أي القسم الثّالث وليس المراد بالاختصاص فيه الحصر.

والحاصل إنّ الاختصاص المعبّر به في هذا القسم في كلام المصنّف وغيره ، المراد به مجرّد ثبوت أمر لأمر ، سواء كان على وجه ـ الحصر أو لا ، لا خصوص الحصر فقول المصنّف الآتي : «فإنّه أراد أن يثبت اختصاص ابن ـ الحشرج ...» ، مراده بالاختصاص مجرّد الثّبوت ، إذ ليس في البيت أداة حصر ، وإنّما عبّر بالاختصاص عن مجرّد الثّبوت ، وإن كان مجرّد الثّبوت أعمّ ، لأنّ من ثبت ـ له شيء لا يخلو من الاختصاص به في نفس الأمر ، ولو لم تقصد الدّلالة عليه ، إذ لا بدّ من تحقّق من ينتفى عنه ذلك الشّيء في نفس الأمر.

وضابط الثّالثة أن يصرّح بالصّفة ويقصد بإثباتها لشيء الكناية عن إثباتها للمراد ، وهو الموصوف بها.

(٣) أي الشّاعر وهو زياد الأعجم من أبيات من الكامل قالها في مدح عبد الله بن الحشرج ، وكان أميرا على نيسابور فوفد عليه زياد فأمر بإنزاله ، وبعث إليه ما يحتاجه فأنشده البيت. فأمر له بعشرة آلاف درهم ، وقوله : «إنّ السّماحة» هي بذل ما لا يجب بذله من المال عن طيب نفس ، سواء كان ذلك المبذول قليلا أو كثيرا قوله : «والنّدى» بمعنى بذل الأموال الكثيرة لاكتساب الأمور الجليلة العامّة ، كثناء كلّ أحد ويجمعها الكرم ، «والمروءة» في العرف بمعنى مسحة الإحسان بالأموال وغيرها ، كالعفو عن الجناية ، وقول الشّارح : «هي كمال الرّجوليّة» تفسير للمروءة. وتفسير أيضا بالرّغبة في المحافظة على دفع ما يعاب به الإنسان ، وعلى ما يرفع على الأقران وهذا قريب ممّا قبله.

٢٦٨

كمال الرّجوليّة [والنّدى* في قبّة (١) ضربت على ابن الحشرج ، فإنّه أراد أن يثبت اختصاص ابن الحشرج بهذه الصّفات] أي ثبوتها له (٢) [فترك التّصريح] باختصاصه بها (٣). [بأن يقول (٤) : إنّه مختصّ بها ، أو نحوه] مجرور (٥) عطفا على ـ أن يقول ـ أو منصوب (٦) عطفا على ـ أنّه مختصّ بها ـ مثل أن يقول : ثبتت سماحة ابن الحشرج ، أو السّماحة لابن الحشرج ، أو سمح ابن الحشرج ، أو حصلت السّماحة له ، أو ابن الحشرج سمح ، كذا في المفتاح ، وبه (٧) يعرف أن ليس المراد بالاختصاص ههنا الحصر [إلى

________________________________________________________

(١) قوله : «في قبّة ضربت على ابن الحشرج» أي من جعل هذه الأوصاف الثّلاثة في قبّة مضروبة على ابن الحشرج كناية عن ثبوتها له ، لأنّه إذا أثبت الأمر في مكان الرّجل وحيّزه ، فقد أثبت له.

(٢) أي هذا تفسير لقوله : «اختصاص ابن الحشرج» ، وأشار الشّارح بهذا التّفسير إلى أنّ المراد بالاختصاص مجرّد الثّبوت والحصول ، وإنّ في عبارة المصنّف قلبا ، وإنّ المراد منها أنّ الشّاعر أراد أن يفيد ثبوت هذه الصّفات الثّلاثة لابن الحشرج.

(٣) أي ثبوتها له. أي فترك التّصريح باختصاص ابن الحشرج بتلك الصّفات.

(٤) بيان وتصوير للتّصريح بالاختصاص بها قوله : «إنّه مختصّ بها» أي ابن الحشرج مختصّ بالأوصاف الثّلاثة.

(٥) أي «نحوه» مجرور عطفا على «أن يقول» ، فالمعنى ترك التّصريح بذلك القول وبنحوه.

(٦) أي «نحوه» منصوب عطفا على «أنّه مختصّ بها» ، فالمعنى حينئذ بأن يقول : إنّه مختصّ ، أو بقوله : «نحوه» أي نحو أنّه مختصّ بها من الطّرق الدالّة على ثبوت النّسبة للموصوف ، كإضافتها له إضافة بتقدير اللّام ، نحو ثبتت سماحة ابن الحشرج لأنّ إضافتها له تفيد كونها ثابتة له ، وكإسنادها إليه في ضمن الفعل ، نحو : سمح ابن الحشرج ، وكنسبتها إليه نسبة تشبه الإضافة مع الإخبار بالحصول ، كأن يقال : حصلت السّماحة لابن الحشرج ، أو السّماحة لابن الحشرج حاصلة ، وكإسنادها إليه على أنّها خبر في ضمن الوصف كأن يقال :

ابن الحشرج سمح بسكون الميم ، وكذا يقال في النّدى والمروءة.

(٧) أي وبما ذكر من الأمثلة يعرف أنّه ليس المراد بالاختصاص المعبّر به في كلامهم ههنا

٢٦٩

الكناية] أي ترك التّصريح ومال إلى الكناية [بأن جعلها] أي تلك الصّفات [في قبّة] تنبيها على أنّ محلّها (١) ذو قبّة ، وهي (٢) تكون فوق الخيمة يتّخذها الرّؤساء (٣) [مضروبة عليه (٤)] أي على ابن الحشرج ، فأفاد (٥) إثبات الصّفات المذكورة له ، لأنّه إذا أثبت الأمر (٦) في مكان الرّجل وحيّزه ، فقد أثبت له. [ونحوه] أي مثل البيت المذكور في كون الكناية لنسبة الصّفة إلى الموصوف بأن (٧) تجعل فيما يحيط به ، ويشتمل عليه [قولهم : المجد بين (٨) توبيه والكرم بين برديه] حيث لم يصرّح (٩) بثبوت المجد والكرم له ، بل كنّى عن ذلك بكونهما بين برديه وبين ثوبيه.

________________________________________________________

أي في هذا القسم الحصر ، بل المراد به الثّبوت للموصوف سواء كان على وجه الحصر أم لا ، وقوله : «وبه يعرف ...» استدلال على ما قدّمه من أنّه ليس المراد بالاختصاص في هذا القسم الحصر ، وحينئذ فلا تكرار بين ما هنا وما تقدّم.

(١) أي محلّ تلك الصّفات صاحب قبّة ، لأنّه معلوم أنّ تلك الصّفات لا بدّ لها من محلّ تقوم به في تلك القبّة ، وهي صالحة لصاحب القبّة.

(٢) أي القبّة «تكون فوق الخيمة».

(٣) أي يتّخذ الرّؤساء تلك القبّة علامة للرّياسة.

(٤) أي مضروبة تلك القبّة والخيمة على ابن الحشرج.

(٥) أي فأفاد الشّاعر بذكر ابن الحشرج «إثبات الصّفات المذكورة لابن الحشرج».

(٦) أي الشّيء ، أي الصّفات المذكورة في مكان الرّجل وحيزه ، فقد أثبت له ، أي الرّجل ، وذلك لاستحالة قيام ذلك الأمر بنفسه ، ووجوب قيامه بمحلّ وهو صاحب القبّة.

(٧) أي الباء في قوله : «بأن» للسّببيّة ، أي بسبب جعل الصّفة فيما يحيط بالموصوف ، فينتقل من ذلك لإثباتها للموصوف قوله : «ويشتمل عليه» عطف تفسير على قوله : «يحيط به».

(٨) أي المجد هو الشّرف والكرم صفة ينشأ عنها بذل المال عن طيب نفس ، والثّوبان والبردان متقاربان ، والتّثنيّة ـ فيهما إشارة إلى أنّ الغالب في الملبوس تعدّده ، وهما على تقدير المضاف ، أي بين أجزاء برديه وثوبيه.

(٩) أي وإنّما كان هذا المثال نحو ما تقدّم من البيت في كون الكناية لنسبة الصّفة

٢٧٠

فإن قلت (١) : ههنا قسم رابع ، وهو أن يكون المطلوب بها صفة ونسبة معا ، كقولنا : كثر الرّماد في ساحة زيد (٢). قلت (٣) : ليس هذا كناية واحدة ، بل كنايتان : إحداهما : المطلوب بها نفس الصّفة ، وهي كثرة الرّماد كناية عن المضيافيّة. والثّانية : المطلوب بها نسبة المضيافيّة إلى زيد ، وهو جعلها في ساحته ليفيد إثباتها له. [والموصوف في هذين القسمين] يعني الثّاني والثّالث [قد يكون] مذكورا كما مرّ (٤) ، وقد يكون (٥) [غير مذكور كما يقال في عرض من يؤذي المسلمين : المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده] ، فإنّه كناية ـ عن نفي صفة الإسلام عن المؤذي ، وهو غير مذكور في الكلام.

________________________________________________________

للموصوف ، لأنّه لم يصرّح بثبوت المجد والكرم للمدوح بحيث يقال : ثبت الكرم والمجد له أو هما مختصّان به ، بل كنّى عن ذلك بكونهما بين برديه وبين ثوبيه.

(١) أي هذا وارد على قول المصنّف سابقا ، حيث قال : وهي ثلاثة أقسام ، فيقال : إنّ ههنا ، أي في الكناية قسم رابع.

(٢) أي السّاحة هي الفسيحة الّتي بين بيوت الدّار وقدّام بابها ، فهذا المثال كناية عن المضافيّة وعن إثباتها لزيد ، إمّا الإثبات فلأنّا لم نثبت كثرة الرّماد لزيد ، ولا لما أضيف إليه كما في طويل نجاده حتّى تكون النّسبة معلومة ، وإنّما أثبتناها في ساحته لينتقل من ذلك إلى ثبوتها له ، وإمّا المضافيّة فلأنّا لم نصرّح بها حتّى يكون المطلوب نفس النّسبة ، بل كنّينا عنها بكثرة الرّماد.

(٣) أي وحاصل الجواب : إنّه ليس هذا كناية واحدة كي تكون قسما رابعا ، بل كنايتان أحدهما في النّسبة ، والأخرى في الصّفة ، فتكون الكناية على ثلاثة أقسام ، كما تقدّم ذكرها في كلام المصنّف.

(٤) أي مر مثالهما في قولنا زيد طويل نجاده فإنّ الموصوف بالصّفة المطلوبة وهو زيد مذكور وفي قوله : «أنّ السّماحة والمروءة .. فإنّ الموصوف بنسبة السّماحة والمروءة والنّدى وهو ابن الحشرج مذكور.

(٥) أي وقد يكون الموصوف فيهما غير مذكور لا لفظا ولا تقديرا ، لأنّ المقدّر في التّركيب حيث كان يقتضي كالمذكور ، وإنّما قال في هذين القسمين للاحتراز عن الموصوف في القسم الأوّل من أقسام الكناية ، فإنّه لا يتصوّر إلّا كونه غير مذكور ، لأنّه نفس المطلوب بالكناية

٢٧١

وأمّا القسم الأوّل (١) وهو ما يكون المطلوب بالكناية نفس الصّفة ، وتكون النّسبة مصرّحا بها ، فلا يخفى أنّ الموصوف فيها يكون مذكورا لا محالة لفظا أو تقديرا وقوله : في عرض من يؤذى ، معناه في التّعريض به ، يقال : نظرت إليه من عرض بالضمّ (٢) ، أي من جانب وناحية (٣). قال [السّكّاكي : الكناية تتفاوت إلى تعريض وتلويح ورمز وإيماء وإشارة] ، وإنّما

________________________________________________________

بخلاف القسم الثّاني والثّالث من أقسام الكناية ، فإنّ الموصوف فيهما قد يكون مذكورا وقد لا يكون مذكورا ، كما يقال في عرض من يؤذي المسلمين ...» ، فإنّه كناية عن نفي صفة الإسلام عن المؤذي ، وهو غير مذكور في الكلام.

وجه الكناية فيه :

أنّ مدلول الكلام كما تقدّم في بحث تعريف المسند إليه حصر الإسلام فيمن لا يؤذي ، ولا ينحصر فيه إلّا بانتفائه عن المؤذي ، فهو من قبيل الأمير زيد ، وإنّما الفرق في الإثبات والنّفي.

(١) أي يعني به القسم الأوّل من هذين القسمين لا القسم الأوّل من ـ أقسام الكناية ، ومراده ـ تقييد كلام المصنّف في حذف الموصوف في هذا القسم بحالة عدم التّصريح بالنّسبة.

فحاصل الكلام :

إنّ القسم الثّاني من هذين القسمين تارة يكون الموصوف فيه مذكورا ، وتارة غير مذكور في جميع أنواعه.

وأمّا القسم الأوّل فلا يظهر كون الموصوف فيه تارة يكون مذكورا ، وتارة غير مذكور في جميع أنواعه ، بل الموصوف غير مذكور عند عدم التّصريح بالنّسبة ، ومذكور عند التّصريح بالنّسبة جزما وقطعا.

(٢) أي بضمّ العين وزانه وزان قفل.

(٣) أي من أيّ وجه جئته ، أي سواء جئته من يمينه أو يساره أو من جهة أخرى من جهاته السّت ، ففيما نحن فيه لمّا كان المعنى المعرض به كنفي صفة الإسلام عن المؤذي في المثال المذكور منظورا إليه من ناحية المعنى الّذي استعمل فيه اللّفظ ، قيل للّفظ المستعمل في ذلك المعنى عرض ، أي تعريض.

٢٧٢

قال : تتفاوت (١) ، ولم يقل تنقسم ، لأنّ التّعريض وأمثاله (٢) ممّا ذكر ليس من أقسام الكناية فقطّ ، بل هو (٣) أعمّ ، كذا في ـ شرح المفتاح. وفيه نظر (٤) ، والأقرب أنّه إنّما قال ذلك لأنّ هذه الأقسام قد تتداخل (٥) وتختلف باختلاف الاعتبارات من الوضوح والخفاء وقلّة الوسائط وكثرتها ، [والمناسب

________________________________________________________

(١) أي تتنوّع ، وقوله : «إشارة» عطف على «رمز» من قبيل المرادف على المرادف ، لأنّ الرّمز والإشارة شيء واحد وحينئذ فالآنواع أربعة لا خمسة.

(٢) أي أمثال التّعريض ، كالتّلويح والرّمز والإشارة.

(٣) أي ما ذكر من التّعريض وأمثاله أعمّ من الكناية ، لأنّ هذه الأمور لا تختصّ بالكناية ، فإنّ التّعريض وأمثاله يوجد في الحقيقة والمجاز أيضا ، والتّلويح والرّمز والإشارة يطلق كلّ واحد منها على معنى غير الكناية اصطلاحا ولغة.

فلو قال : تنقسم لتوهّم ـ أنّه مختصّ بالكناية مع أنّه عامّة للحقيقة والمجاز ، فلأجل دفع هذا التّوهّم قال : تتفاوت.

(٤) أي النّظر ، يمكن أن يكون لأحد وجهين :

الأوّل : أنّ تعدية التّفاوت بإلى إنّما تصحّ بتضمينه معنى الانقسام فلا تتفاوت الحال ، سواء يقال تتفاوت أو يقال تنقسم.

الثّاني : أنّ انقسام الشّيء إلى أقسام بعضها أو كلّها أعمّ من المقسم من وجه لا يمتنع بل يصحّ ، لأنّ أقسام الشّيء لا يجب أن تكون أخصّ منه لصحّة أن تكون النّسبة بين المقسم والأقسام عموما من وجه ، كما في تقسيم الأبيض إلى حيوان وغيره ، والحال إنّ بين الحيوان والأبيض عموم من وجه لصدقهما في الحيوان الأبيض ، واختصاص الحيوان بنحو الفرس الأدهم واختصاص الأبيض بنحو العاج ، وكذا غيره وإذا صحّ أن يكون قسم الشّيء أعمّ منه فلا مانع حينئذ في التّعبير ب (تنقسم).

فما ذكر الرّازي في شرح المفتاح مبنيّ على جواز كون القسم أعمّ من المقسم إلّا أنّ المحقّقين على خلاف ذلك ، لأنّ القسم من حيث هو ـ قسم ، أي مقيّد بالمقسم لا يكون إلّا أخصّ منه.

(٥) أي يدخل بعضها في بعض ، فيمكن اجتماع الجميع في صورة واحدة باعتبارات

٢٧٣

للعرضيّة (١) التّعريض] أي (٢) الكناية إذا كانت عرضيّة مسوقة لأجل موصوف غير مذكور ، كان المناسب أن يطلق عليها اسم التّعريض ، لأنّه (٣) إمالة (٤) الكلام إلى عرض يدلّ على المقصود ، يقال : عرضت لفلان (٥) ، وبفلان (٦) إذا قلت قولا لغيره ، وأنت تعنيه (٧) ، فكأنّك أشرت به (٨) إلى جانب ، وتريد به جانبا آخر.

________________________________________________________

مختلفة لجواز أن يعبّر عن اللّازم باسم الملزوم فيكون كناية ، ومع ذلك قد يكون تعريضا بالنّظر لسامع يفهم أنّ إطلاقه على ذلك الغير بالسّياق ، وقد يكون تلويحا ـ بالنّظر إلى سامع آخر لفهمه كثرة الوسائط ولم يفهم المعرض به ، وقد يكون رمزا ـ بالنّسبة إلى سامع آخر يخفى عليه اللّازم.

والحاصل إنّها أقسام اعتباريّة تختلف باختلاف الاعتبارات ، ويمكن اجتماعها لا أنّها أقسام حقيقيّة مختلفة بالفصول لا يمكن اجتماعها ، فعدل السّكّاكي عن التّعبير ب (تنقسم) لئلّا يتوهّم أنّها أقسام حقّيقيّة متباينة كما هو الأصل فيها.

(١) قول السّكّاكي «والمناسب للعرضيّة ...» ، بيان للفرق والتّمييز بين تلك الأقسام ، وإشارة ـ إلى أنّ بين كلّ قسم واسمه مناسبة.

(٢) أي هذا تفسير للعرضيّة ، وحينئذ ففي الكلام حذف حرف التّفسير ، وهو أي المسوقة لأجل إثبات صفة لموصوف غير مذكور كما إذا قلت : المؤمن هو غير المؤذي ، وأردت نفي الإيمان عن المؤذي مطلقا من غير قصد لفرد معيّن.

(٣) أي التّعريض ، وهذا تعليل لكون تسمية الكناية العرضيّة بالتّعريض مناسبا ، وحاصله أنّه إنّما ناسب لوجود معنى التّعريض فيها.

(٤) أي توجيهه إلى عرض أي جانب وناحية يدلّ ذلك العرض على المقصود.

(٥) أي ارتكبت التّعريض لأجل إظهار حال فلان ، فاللّام في قوله : «لفلان» للتّعليل.

(٦) أي الباء في قوله : «بفلان» للسّببيّة ، أي عرضت بسبب إظهار حال فلان.

(٧) أي أنت تعني فلانا وتقصده ، فالقول ليس مستعملا فيه ، وإنّما تعنيه تعريضا.

(٨) أي فكأنّك أشرت بقولك إلى معنى آخر ، وهو المعنى المعرض به المقصود من سياق الكلام الّذي هو حال فلان ، وإنّما عبّر بقوله : «فكأنّك» ، ولم يقل : فقد أشرت ... ، بلا تشبيه للإشارة إلى أنّ الجانب هنا لا يراد به أصله الّذي هو الحسّي ، وإنّما يراد به ما شبّه به ، وهو المعنى المعرض به الّذي قصد من سياق الكلام.

٢٧٤

[و] المناسب [لغيرها] أي لغير العرضيّة [إن كثرت الوسائط] بين اللّازم والملزوم كما في كثير الرّماد (١) ، وجبان الكلب (٢) ، ومهزول ـ الفصيل (٣) ، [التّلويح (٤)] لأنّ التّلويح هو أن تشير إلى غيرك من بعيد. [و] المناسب لغيرها (٥) [إن قلّت] الوسائط [مع خفاء] في اللّزوم كعريض القفا وعريض الوسادة ، [الرّمز] لأنّ الرّمز (٦) هو أن تشير إلى قريب منك على سبيل الخفيّة ، لأنّ حقيقة الإشارة بالشّفة أو الحاجب. [و] المناسب لغيرها إن قلّت الوسائط [بلا خفاء] كما في قوله :

________________________________________________________

(١) أي المستعمل في المضيافيّة ، فإنّ بينهما وسائط كثيرة وهي الإحراق وكثرة الطّبائخ وكثرة الأكلة وكثرة الأضياف.

(٢) أي المستعمل في المضيافيّة أيضا ، فإنّ بينهما عدم جرأة الكلب ، وأنس الكلب بالنّاس ، وكثرة مخالطّة الواردين وكثرة الأضياف.

(٣) أي المقصود به المضيافيّة أيضا ، فإنّ بينهما عدم اللّبن وموت الأمّ ، وإطعام لحمها ، وكثرة طاعميه ، وكثرة الأضياف.

(٤) أي إنّما سمّيت به الكناية عند كثرة الوسائط ، «لأنّ التّلويح» في اللّغة «هو أن تشير إلى غيرك من بعيد» ، ومن المعلوم أنّ كثرة الوسائط بعيدة الإدراك ، فالمناسبة بين المعنى اللّغوي والاصطلاحي حاصلة.

(٥) أي لغير العرضيّة ، أعني والمناسب لغير العرضيّة هو الرّمز إن قلّت الوسائط ، المراد بقلّة الوسائط أن لا تكون كثيرة ، وهذا صادق مع انتفائها رأسا ، ووجودها مع القلّة لصدق السّالبة بانتفاء الموضوع ، فلا يرد عليه أنّ بعض الأمثلة ليس هناك واسطة أصلا فضلا عن أن تكون قليلة أو كثيرة.

(٦) أي قوله : «لأنّ الرّمز» علّة لمحذوف ، أي وإنّما سمّيت هذه رمزا ، لأنّ الرّمز في الأصل واللّغة هو أن تشير إلى قريب منك على سبيل الخفيّة ، وإنّما قيّده بقوله : على سبيل الخفيّة لأنّ حقيقته الإشارة بالشّفه والحاجب ، أي والغالب أنّ الإشارة بهما إنّما تكون عند قصد الإخفاء.

٢٧٥

أو ما رأيت المجد ألقى رحله

في آل طلحة ثمّ لم يتحوّل (١)

[الإيماء والاشارة ، ثمّ قال] السّكّاكي [والتّعريض قد يكون مجازا ، كقولك : آذيتني فستعرف ، وأنت تريد] بتاء الخطاب [إنسانا مع المخاطب دونه] ، أي لا تريد المخاطب ليكون اللّفظ مستعملا في غير ما وضع له فقطّ ، فيكون مجازا.

[وإن أردتهما] أي أردت المخاطب وإنسانا آخر معه جميعا [كان كناية] لأنّك أردت باللّفظ المعنى الأصلي وغيره معا (٢) ، والمجاز ينافي إرادة المعنى الأصلي. [ولا بدّ فيهما] أي في الصّورتين (٣) [من قرينة] دالّة على أنّ المراد في الصّورة الأولى هو الانسان الّذي مع المخاطب وحده ليكون مجازا ، وفي الثّانية كلاهما ـ جميعا ليكون كناية.

وتحقيق ذلك أنّ قولك : آذيتني فستعرف ، كلام ـ دالّ على تهديد المخاطب بسبب الإيذاء ، ويلزم منه تهديد كلّ من صدر عنه الإيذاء ، فإن استعملته وأردت به

________________________________________________________

(١) أي وجه كون الوسائط فيه قليلة من غير خفاء ، إنّ إلقاء المجد رحله في آل طلحة مع عدم التّحوّل ، هذا معنى مجازي إذ لا رحل للمجد ، ولكن شبّه برجل شريف له رحل يخصّ بنزوله من شاء ، ووجه ـ الشبّه الرّغبة في الاتّصال بكلّ وأضمر التّشبيه في النّفس على طريق الاستعارة بالكناية ، واستعمل معه ما هو من لوازم المشبّه به وهو إلقاء الرّحل أي الخيمة والمنزل تخييلا ، ولمّا جعل المجد ملقيا رحله في آل طلحة بلا تحوّل لزم من ذلك كون محلّه وموصوفه آل طلحة لعدم وجدان غيرهم معهم ، وذلك بواسطة أنّ المجد ولو شبّه بذي الرّحل هو صفة لا بدّ من موصوفه ومحلّ ، وهذه الواسطة لا خفاء فيها ، لأنّها بيّنة بنفسها فكانت الكناية ظاهرة والواسطة واحدة ، فقد قلّت الوسائط مع الظّهور وعدم الخفاء ، فالمناسب أن يطلق عليها «الإيماء والإشارة» لأنّ أصل الإيماء والإشارة أن تكونا حسّيّتين وهي ظاهرة.

(٢) أي قد تقدّم في أوّل بحث الكناية أنّها في الاصطلاح لفظ أريد به لازم معناه مع جواز إرادة المعنى الحقيقي معه.

(٣) أي في صورة كون التّعريض مجاز ، وفي صورة كونه كناية من قرينة ... ، فالفارق بينهما هي القرينة كغيرهما ممّا يحتمل الوجهين أو الوجوه.

٢٧٦

تهديد المخاطب وغيره من المؤذين كان كناية ، وإن أردت به تهديد غير المخاطب بسبب الإيذاء ، لعلاقة اشتراكه للمخاطب في الإيذاء ، إمّا تحقيقا ، وإمّا فرضا وتقديرا مع قرينة دالّة على عدم إرادة المخاطب كان مجاز (١).

[فصل (٢)]

[أطبق (٣) البلغاء على أنّ المجاز والكناية أبلغ من الحقيقة والتّصريح (٤) ، لأنّ الانتقال فيهما (٥) من الملزوم إلى اللّازم ،

________________________________________________________

(١) لأنّه ينتقل من ـ المخاطب المؤذي إلى المؤذي المطلق ، ثمّ منه إلى المؤذي المعيّن ، كما في قولك : رأيت أسدا يرمي ، ينتقل من الأسد إلى المطلق الشّجاع ، ثمّ منه إلى الشّجاع المعيّن.

وفي بعض الحواشي هو أنّ التّعريض غير المجاز والكناية ، وأنّه يكون أيضا في الحقيقة ، لأنّ المعنى المجازي والكنائي مقصود أنّ من الفظ استعمالا ، أمّا المعنى التّعريضي فيؤخذ إشارة وسياقا ، فإذا قلت : المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ، فمعناه الأصلي انحصار الإسلام فيمن سلم المسلمون منه ، والكنائي نفي الإسلام عن المؤذي مطلقا ، والتّعريض نفيه عن المؤذي الّذي وقع الكلام عنده.

(٢) أي هذا فصل يتكلّم فيه على أبلغيّة المجاز والكناية وأفضليّتهما على الحقيقة والتّصريح ، بمعنى أنّ المجاز أبلغ من الحقيقة ، والكناية أبلغ من التّصريح.

(٣) أي اتّفق البلغاء العالمون بالاصطلاحات ، وغيرهم من البلغاء بالسّليقة ، فإنّهم وإن لم يكونوا عالمين بلفظ ، والحقيقة والكناية والاستعارة ونحوها ، ولكنّهم عالمون بمعانيها ، فكلّهم متّفقون على أنّ المجاز والكناية أبلغ من الحقيقة والتّصريح.

(٤) لفّ ونشر مرتّب بمعنى أنّ الحقيقة راجع إلى المجاز ، والتّصريح راجع إلى الكناية.

(٥) أي في المجاز والكناية من الملزوم إلى اللّازم ، فلا يفهم المعنى المراد من نفس اللّفظ بل بواسطة الانتقال من الملزوم إلى اللّازم ، أمّا في ـ المجاز فظاهر أنّه لا يفهم الرّجل الشّجاع من ـ نفس قولك : رأيت أسدا يرمي ، بل بواسطة الانتقال من الحيوان المفترس إلى لازمه وهو الشّجاع ، وأمّا في الكناية فلأنّ اللّازم الّذي قيل إنّ الانتقال ـ فيها منه إلى الملزوم ، قد تقدّم في أوائل بحث الكناية أنّه مادام غير ملزوم لا يمكن

٢٧٧

فهو كدعوى الشّيء ببيّنة (١)] ، فإنّ وجود الملزوم يقتضي وجود اللّازم ، لامتناع انفكاك الملزوم عن لازمه.

[و] أطبقوا أيضا على [أنّ الاستعارة أبلغ من التّشبيه ، لأنّها (٢) نوع من المجاز] وقد علم أنّ المجاز أبلغ من الحقيقة (٣) ، وليس (٤) معنى كون المجاز والكناية أبلغ أنّ شيئا منها يوجب أن يحصل في الواقع زيادة في المعنى لا توجد في الحقيقة والتّصريح ، بل المراد أنّه (٥) بدل يفيد زيادة تأكيد للإثبات.

________________________________________________________

الانتقال منه فصحّ أن يقال : إنّ الانتقال فيها أيضا من الملزوم ، فالمراد بالملزوم بالنّسبة لها الملزوم في الذّهن ، وإن كان لازما في الخارج.

(١) أي برهان ، أي وإذا كان الانتقال فيهما من الملزوم إلى اللّازم ، فذلك اللّازم المنتقل إليه من الملزوم كالشّيء المدّعى ثبوته المصاحب للبيّنة ، أي الدّليل ، هذا بخلاف الحقيقة والتّصريح فإنّ كلا منهما دعوى مجرّدة عن الدّليل والبرهان.

(٢) أي الاستعارة نوع من المجاز ، وقد تقدّم أنّ المجاز أبلغ من الحقيقة.

(٣) والتّشبيه حقيقة ، ومن البديهي أنّ ما كان من نوع الأبلغ ، يلزم أن يكون أبلغ ممّا يكون من نوع غير الأبلغ.

(٤) أي كان المناسب الفاء ، أي فليس ، لأنّ هذا مفرّع على ما ذكره المصنّف من أنّ المجاز والكناية كدعوى الشّيء ببيّنة بخلاف الحقيقة والتّصريح ، فإنّهما كدعوى الشّيء من غير بيّنة.

وحاصله إنّ السّبب في كون المجاز والكناية والاستعارة أبلغ من الحقيقة والتّصريح والتّشبيه ، إنّ كلّ واحد من تلك الثّلاثة الأولى يفيد تأكيد الإثبات ، وهذا لا يفيده خلافها ، وليس السّبب في كون كلّ واحد من الثّلاثة الأولى أبلغ من خلافه أنّه يفيد زيادة في نفس المعنى المراد ، كالكرم والشّجاعة مثلا لا يفيدها خلافه ، أي خلاف كلّ واحد من ـ هذه الأمور الثّلاثة ، أعني الحقيقة والتّصريح والتّشبيه.

(٥) أي كلّ واحد من هذه الأمور الثّلاثة ، أعني المجاز والاستعارة والكناية يفيد زيادة تأكيد للإثبات ، والمراد من التّأكيد ما تقدّم من أنّ الانتقال في كلّ منها من ملزوم ـ إلى لازم ، فيكون كدعوى الشّيء ببيّنة وبرهان.

٢٧٨

ويفهم من الاستعارة أنّ ـ الوصف (١) في المشبّه بالغ حدّ الكمال (٢) كما في المشبّه به ، وليس (٣) بقاصر فيه كما يفهم (٤) من التّشبيه ، والمعنى لا يتغيّر حاله (٥) في نفسه ، بأن يعبّر عنه بعبارة أبلغ وهذا (٦) مراد الشّيخ عبد القاهر بقوله : ليست مزيّة (٧) قولنا : رأيت أسدا ، على قولنا : رأيت رجلا هو والأسد سواء في الشّجاعة. إنّ الأوّل (٨) أفاد زيادة في مساواته (٩) للأسد في الشّجاعة لم يفدها الثّاني ، بل الفضيلة هي أنّ الأوّل أفاد تأكيدا لإثبات تلك المساواة له لم يفده الثّاني ، والله أعلم كمل القسم الثّاني. والحمد لله على جزيل نواله والصّلاة والسّلام ـ على سيدنا محمد وآله.

________________________________________________________

(١) أي المراد من الوصف هو وجه الشبّه.

(٢) أي مرتبة الكمال.

(٣) أي ليس الوصف بقاصر في المشبّه.

(٤) أي قوله : «كما يفهم» تمثيل للمنفيّ دون النّفي ، أي كما يفهم أنّ الوصف قاصر في المشبّه من التّشبيه.

(٥) أي لا يتغيّر حال المعنى في نفسه عند التّعبير عنه بعبارة أبلغ كالمجاز مثلا.

(٦) أي ما ذكرنا من أنّ معنى كون المجاز والكناية أبلغ إفادتهما زيادة التّأكيد لإثبات المعنى لا حصول زيادة في المعنى هو مراد الشّيخ عبد القاهر بقوله : ليست مزيّة قولنا : رأيت أسدا ، على قولنا : رأيت رجلا هو والأسد سواء في الشّجاعة.

(٧) أي فضيلة.

(٨) أي المراد بالأوّل رأيت أسدا ، وبالثّاني رأيت رجلا ، ثمّ قوله : «إنّ الأوّل» خبر ليس في قوله : «ليست مزيّة»

(٩) أي في بمعنى على ، أي ليست فضيلة التّركيب الأوّل المشتمل على الاستعارة على التّركيب الثّاني المحتوي على التّشبيه ، أنّ الأوّل أفاد زيادة على مساواة الرّجل للأسد في الشّجاعة لم يفدها الثّاني ، بل كلّ من التّركيبين إنّما أفاد مساواة الرّجل للأسد في الشّجاعة ولم يفد أحدهما زيادة على المساواة المذكورة.

٢٧٩

[الفنّ الثّالث : علم البديع (١)]

[وهو (٢) علم يعرف به وجوه (٣) تحسين الكلام] أي يتصوّر (٤) به معانيهما ، ويعلم إعدادها وتفاصيلها بقدر الطّاقة (٥) ، والمراد بالوجوه ما مرّ في قوله : وتتبعها وجوه أخر تورث الكلام حسنا (٦)] وقوله : [بعد رعاية المطابقة] لمقتضى الحال ، [و] رعاية [وضوح الدّلالة] أي الخلوّ عن التّعقيد المعنوي إشارة إلى أنّ هذه الوجوه إنّما تعدّ محسّنة للكلام بعد رعاية الأمرين (٧).

________________________________________________________

[الفنّ الثّالث : علم البديع]

(١) أي الإضافة هنا عهديّة ، أي العلم المعلوم إضافته إلى البديع ، والبديع في اللّغة كما في ـ المصباح ما كان فيه معنى التّعجب وذلك لغرابته ، وكونه عادما للنّظير. والبديع في الاصطلاح ما ذكره المصنّف بقوله : «وهو علم يعرف به ...».

(٢) أي علم البديع «علم» أي ملكة ، أو قواعد «يعرفه» ، أي بذلك العلم أو تلك الملكة أو القواعد «وجوه تحسين الكلام».

(٣) يعني الأمور الّتي بها يحسن الكلام معنا أو لفظا.

(٤) قوله : «أي يتصوّر به» تفسير لقول المصنّف : «يعرف به» ، وحاصل معنى العبارة أنّ نتمكّن بتلك الملكة أو القواعد ما يحسن به الكلام معنى أو لفظا ، ونعلم بذلك العلم أو بتلك القواعد إعداد وجوه التّحسين وتفاصيلها ، كما يأتي في المسائل الآتية.

(٥) أي بقدر الطّاقة الّتي أعطاها الله للأشخاص بقدر استعدادتهم وقابليّاتهم ، وقيّد بذلك ، لأنّ الوجوه المحسّنة البديعيّة غير منحصرة في عدد معيّن لا يتمّكن الإنسان ـ من الإحاطة بها أكثر من قدر الطّاقة.

(٦) فإضافة الوجوه إلى تحسين الكلام للعهد ، فوجوه تحسين الكلام إشارة إلى الوجوه المذكورة في صدر الكتاب في قوله : «وتتبعها وجوه أخر تورث الكلام حسنا» فكأنّه يقول : علم يعرف به الوجوه المشار إليها في صدر الكتاب ، وهي الوجوه الّتي تحسن ـ الكلام وتورثه قبولا بعد رعاية البلاغة مع الفصاحة ، وقد أشار إلى الأوّل بقوله : «بعد رعاية المطابقة» ، والثّاني بقوله : «وضوح الدّلالة».

(٧) أي بعد الأمرين ، وهما رعاية المطابقة لمقتضى الحال ورعاية وضوح الدّلالة.

٢٨٠