دروس في البلاغة - ج ٤

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في البلاغة - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة البلاغ
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٥٤

يفاجئهم عقب إخراج النّهار من اللّيل بلا مهلة ، وعلى هذا (١) حسن إذا المفاجأة ، كما يقال : أخرج النّهار من اللّيل ففاجأه (٢) دخول اللّيل ، ولو جعلنا السّلخ بمعنى النّزع (٣) وقلنا : نزع ضوء الشّمس عن الهواء (٤) ففاجأة الظّلام لم يستقم (٥) ، أو لم يحسن ، كما إذا قلنا : كسرت الكوز ففاجأه الانكسار (٦).

[وإمّا مختلف (٧)] بعضه حسّيّ وبعضه عقليّ [كقولك : رأيت شمسا ، وأنت تريد إنسانا كالشّمس في حسن الطّلعة (٨)] وهو حسّيّ.

________________________________________________________

(١) أي على ما ذكر من قوله : «لكن لعظم ...» حسن إذا المفاجأة.

(٢) أي ففاجأ الخروج دخول اللّيل.

(٣) أي كما ذهب إليه المصنّف.

(٤) أي الّذي هو مكان ظلمة اللّيل.

(٥) أي لأنّ الدّخول في الظّلام مصاحب لنزع الضّوء ، وحينئذ فلا يعقل التّرتيب الّذي تفيده المفاجأة.

فإن قلت : إنّه مستقيم نظرا لكون نزع الضّوء علّة لدخول الظّلام ودخول الظّلام معلول له ، ومن المعلوم أنّ العلّة والمعلول مترتّبان في التّعقل ، لأنّ العلّة تلاحظ أوّلا والمعلول يلاحظ ثانيا.

قلت : إنّ الاستقامة وإن حصلت بذلك لكنّ الحمل على ذلك لا يحسن ، لأنّ المتبادر من قولنا : نزع ضوء الشّمس عن الهواء ففاجأه الظّلام ، إنّ التّرتيب بينهما باعتبار الزّمان ، والمعنى عليه غير مستقيم كما علمت.

والحاصل إنّ قولنا : نزع ضوء الشّمس ففاجأه الظّلام إمّا غير مستقيم إن اعتبر أنّ التّرتيب الّذي تفيده المفاجأة زمانيّ ، وإمّا غير مستحسن إن اعتبر أنّ ذلك التّرتيب رتبي.

(٦) أي فإنّ الانكسار مطاوع للكسر ، وحاصل مع حصوله ، وحينئذ فلا يعقل التّرتيب بينهما كما هو قضيّة المفاجأة فهو غير مستقيم ، فقد ظهر ممّا قاله الشّارح العلّامة صحّة كلام السّكّاكي ، وظهر حسن المفاجأة على ما قاله السّكّاكي لا على ما قاله المصنّف.

(٧) أي عطف على قوله : «إمّا حسّيّ» أي إن كان الطّرفان حسّيّين ، فالجامع إمّا حسّيّ كلّه ، أو عقليّ كلّه ، وإمّا مختلف.

(٨) أي الوجه وسمّي الوجه طلعة ، لأنّه المطّلع عليه عند الشّهود والمواجهة وقد تقدّم أنّ

١٤١

[ونباهة الشّأن (١)] وهي (٢) عقليّة [وإلّا] عطف على قوله : وإن كانا حسّيّين ، أي وإن لم يكن الطّرفان حسّيّين. [فهما] أي الطّرفان [إمّا عقليّان نحو (٣) : (مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا)(١) فإنّ المستعار منه الرّقاد] أي النّوم (٤) على أن يكون المرقد مصدرا ، وتكون الاستعارة أصليّة ، أو على أنّه بمعنى المكان إلا أنّه اعتبر التّشبيه في المصدر ، لأنّ المقصود بالنّظر في اسم المكان

________________________________________________________

الحسن يرجع للشّكلّ واللّون ، وهما حسّيّان ، فيكون حسن الطّلعة المعتبر في التّشبيه حسّيّا.

(١) أي شهرته ورفعته عند النّفوس وعلوّ الحال في القلوب للاشتمال على أوصاف حميدة توجب شهرة الذّكر كالكرم وسائر الأخلاق الحميدة ، مثل العلم والنّسب ونحو ذلك.

(٢) أي نباهة الشّان «عقليّة» لأنّ مرجعها إلى استعظام النّفوس لصاحبها ، وكونه بحيث يعتنى به ، وهذا أمر غير محسوس ، فالجامع في هذا القسم مركّب من قسمين قسم منه حسّيّ ، وقسم آخر منه عقليّ حسبما ذكرناه.

ثمّ من اعتبر أنّ نقل اللّفظ يصحّ بكلّ من حسن الطّلعة ونباهة الشّأن على الانفراد كالسّكاكى جعل هذا القسم استعارتين إحداهما بجامع حسّيّ ، والأخرى بجامع عقليّ فأسقط عدّ هذا القسم من هذه الأقسام الّتي يكون الجامع فيها إمّا حسّيّا أو عقليّا فقطّ ، ومن اعتبر صحّة النّقل باعتبارهما كالمصنّف عدّه منها ، وهو الحقّ.

(٣) أي نحو قوله تعالى حكاية عن قول الكفّار يوم القيامة : (مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا) فإنّ المستعار منه الرّقاد ، بعد أنّ شبه الموت به بجامع جواز البعث وصحّته ، أي كما أنّ بعث النّائم من نومه أمر جائز وواقع ، كذلك بعث الموتى من قبورهم أمر جائز ، لأنّ بعث الموتى عند الله سهل كبعث النّائم من نومه عند النّاس.

(٤) أي فإنّ المستعار منه هو الرّقاد بمعنى النّوم والمستعار له هو الموت ، يعني شبّه الموت بالرّقاد ، فاستعمل لفظ المشبّه به أعني الموت بقرينة البعث على وجه كما استعمل لفظ الأسد في الرّجل الشّجاع بقرينة يرمي ، والجامع هو عدم ظهور الفعل ، والجميع عقليّ ، أي النّوم والموت وعدم ظهور الفعل كلّها عقليّة ، وتكون الاستعارة أصليّة لا تبعيّة.

وكيف كان فإنّ المرقد في الآية يحتمل أن يكون مصدرا ميميّا بمعنى الرّقاد ، ويحتمل أن

__________________

(١) سورة يس : ٥٢.

١٤٢

وسائر المشتقّات إنّما هو في المعنى القائم بالذّات لا نفس الذّات ، واعتبار التّشبيه في المقصود الأهم أولى ، وستسمع لهذا (١) زيادة تحقيق في الاستعارة التبعيّة. [والمستعار له الموت والجامع عدم ظهور الفعل والجميع (٢) عقليّ].

________________________________________________________

يكون اسم مكان ، أي مكان الرّقاد ، فعلى الأوّل تكون الاستعارة أصليّة ، وبيان ذلك أنّه شبّه الموت بالرّقاد بجامع عدم ظهور الفعل مع كلّ منهما ، واستعير اسم الرّقاد للموت استعارة تصريحيّة أصليّة ، وعلى الثّاني فيكون المستعار منه محلّ الرّقاد والمستعار له القبر الّذي يوضع فيه الميّت ، وحينئذ فلا يتمّ قول المصنّف بأنّ المستعار منه هو الرّقاد والمستعار له هو الموت.

وأجاب الشّارح عنه بقوله :

«إلّا أنّه ...» ، وحاصل الجواب إنّ المنظور له في هذا التّشبيه هو الموت والرّقاد ، لأنّ المقصود بالنّظر في اسم المكان وسائر المشتقّات إنّما هو المعنى القائم بالمكان والذّات كالرّقاد والموت هنا لا نفس المكان والذّات ، والتّشبيه في المقصود الأهم أولى وحينئذ فعلى الاحتمال الثّاني يشبه الموت بالرّقاد ، ويقدّر استعارة اسم الرّقاد للموت ، ويشتقّ من الرّقاد مرقد بمعنى محلّ الموت ، وهو القبر على طريق الاستعارة التّصريحيّة التبعيّة ، فتحصّل ممّا ذكر أنّ المستعار منه الرّقاد والمستعار له الموت على كلّ من الاحتمالين إلّا أنّ الاستعارة على الأوّل أصليّة ، وعلى الثّاني تبعيّة.

(١) أي لمّا ذكر من أنّ المقصود بالنّظر في اسم المكان والمشتقّات إنّما هو المعنى القائم بالذّات ، وملخّص ما يأتي في الاستعارة التبعيّة من التّحقيق أنّ اللّفظ المستعار إن كان اسم جنس حقيقة أو تأويلا عينا كان أو معنى ، كانت الاستعارة أصليّة ، وإن كان مشتقّا أو حرفا ، فالاستعارة تبعيّة.

(٢) أي أراد بالجميع الموت والنّوم ، وعدم ظهور الفعل ، أمّا الموت وعدم ظهور الفعل فكون كلّ منهما عقليّا واضح ، وأمّا النّوم فالمراد به انتفاء الاحساس الّذي يكون في اليقظة ولا شكّ في أنّ انتفاء الإحساس المذكور عقليّ.

١٤٣

وقيل (١) : عدم ظهور الأفعال في المستعار له أعني الموت أقوى ، ومن شرط الجامع أن يكون في المستعار منه أقوى ، فالحقّ (٢) أنّ الجامع هو البعث الّذي هو في النّوم أظهر وأشهر وأقوى لكونه (٣) ممّا لا شبهة فيه لأحد ، وقرينة الاستعارة (٤) هي كون هذا الكلام كلام الموتى مع قوله : (هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ)(١).

[وإمّا مختلفان] أي أحد الطّرفين حسّيّ والآخر عقليّ ، [والحسّيّ هو المستعار منه نحو : (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ)(٢) (٥) ،

________________________________________________________

(١) أي هذا إشارة إلى اعتراض وارد على قول المصنّف ، وحاصله إنّ الجامع يجب أن يكون في المستعار منه أقوى وأشهر ، ولا شكّ أنّ عدم ظهور الفعل الّذي هو الجامع في الموت الّذي هو المستعار له أقوى منه في الرّقاد الّذي هو المستعار منه ، وحينئذ فلا يصحّ ، ثمّ وجه أقوائيّة الجامع في الموت أنّ في الموت زوال الرّوح والإدراك معا ، بخلاف النّوم حيث فيه زوال الإدراك بالحواسّ فقطّ ، فعدم ظهور الفعل لازم للموت بحيث لا يظهر فعل معه أصلا بخلاف النّوم ، فإنّ الفعل معه موجود في الجملة.

(٢) أي هو من جملة مقول قيل : أي فالحقّ أنّ الجامع بين الرّقاد والموت هو البعث بناء على أنّه موضوع للقدر المشترك بين الإيقاظ والنّشر بعد الموت ، وذلك القدر هو ردّ الإحساس السّابق.

(٣) أي لكون البعث في النّوم ممّا لا شبهة فيه لأحد بخلاف البعث في الموت فقد أنكره قوم ، فقوله : «لكونه ممّا لا شبهة فيه لأحد» ، علّة لكونه أشهر في النّوم.

(٤) أي قرينة الاستعارة المانعة عن إرادة المعنى الحقيقي للرّقاد ، أعني النّوم في هذه الآية هي كون هذا الكلام كلام الموتى مضافا إلى آخر الآية النّاطق بأنّ الله الّذي وعد بالنّشور ، لأنّ ما وعد الرّحمن وصدق المرسلون هو البعث من الموت لا الرّقاد بالمعنى الحقيقي ، فلهذه الاستعارة قرينتان الأولى معنويّة والثّانية لفظيّة.

(٥) أي بلّغ الأمّة الأحكام الّتي أمرت بتبليغها لهم تبليغا واضحا ، فشبّه التبليغ بالصّدع وهو كسر الشّيء الصّلب ، واستعير اسم المشبّه به للمشبّه ، واشتقّ من الصّدع اصدع بمعنى بلغ ، والجامع التّأثير في كلّ ، أمّا في التبليغ فلأنّ المبلغ أثّر في الأمور المبلّغة ببيانها

__________________

(١) سورة يس : ٥٢.

(٢) سورة الحجر : ٩٤.

١٤٤

فإنّ المستعار منه كسر الزّجاجة (١) وهو حسّيّ ، والمستعار له التبليغ (٢) والجامع التّأثير وهما (٣) عقليّان] والمعنى ابن (٤) الأمر إبانة لا تنمحي كما لا يلتئم صدع الزّجاجة. [وأمّا عكس ذلك] أي الطّرفإنّ مختلفان ، والحسّيّ هو المستعار له [نحو : (إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ)(١) (٥) ، فإنّ المستعار له كثرة الماء ، وهو حسّيّ (٦) ،

________________________________________________________

بحيث لا تعود لحالتها الأولى من الخفاء ، وأمّا في الكسر فلأنّه فيه تأثيرا لا يعود المكسور معه إلى الالتئام ، وهو كسر الشّيء الصّلب أقوى وأبين.

ولذلك قال الشّارح في تفسير اصدع : ابن الأمر إبانة لا تنمحي ، أي لا تعود إلى الخفاء ، كما أنّ كسر الزّجاجة لا يعود معه الالتئام.

(١) أي في القاموس الصّدع كسر الشّيء الصّلب ، وحينئذ فذكر الزّجاجة على سبيل التّمثيل ، فالمراد كسر الزّجاجة ونحوها ممّا لا يلتئم بعد الكسر ، وجعل الكسر حسّيّا باعتبار متعلّقه لا باعتبار ذاته ، وذلك لأنّ الكسر مصدر والمعنى المصدري لا وجود له في الخارج ، لأنّه مقارنة القدرة الحادثة للفعل ، وأمّا متعلّق الكسر وهو تفريق الأجزاء فهو أمر وجودي يدرك بالحاسّة.

(٢) أي تبليغ النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما أمر بإبلاغه إلى المبعوث إليهم ، أي بيانه لهم ، وفي القاموس التبليغ الإيصال ، وهو أمر عقليّ يكون بالقول وبالفعل وبالتّقرير ، فمن قال : إنّ التبليغ تكلّم بقول مخصوص فهو حسّيّ لم يأت بشيء.

(٣) أي والمستعار له الّذي هو التبليغ والجامع الّذي هو التّأثير عقليّان.

(٤) أي أظهره ووضّحه ، وأشار الشّارح بهذا إلى الباء في (بِما تُؤْمَرُ) للتّعدية ، وما مصدريّة ، أي بأمرك وإنّ المصدر مصدر المبنيّ للمفعول قوله : «لا تنمحي» صفة «إبانة» أي إبانة لا تزول ولا تندرس.

(٥) فإنّ المستعار له لفظ الطّغيان ، هو كثرة الماء والمستعار منه التّكبر الّذي هو الطّغيان حيث قال الله تعالى : (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى (٦) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى)(٢) ، والجامع بين التّكبّر وكثرة الماء هو الاستعلاء البارز على المتكبّر والماء الكثير ، والمعنى لمّا كثر الماء حملناكم ، أي حملنا آباءكم وأنتم في ظهورهم أو المراد حملناكم وأنتم في ظهور آبائكم في السّفينة

__________________

(١) سورة الحاقّة : ١١.

(٢) سورة العلق : ٦ و٧.

١٤٥

والمستعار منه التّكبّر ، والجامع الاستعلاء المفرط (١) ، وهما عقليّان (٢)].

[و] الاستعارة [باعتبار اللّفظ] المستعار [قسمان : لأنّه] أي للفظ المستعار (٣) [إن كان اسم جنس (٤)] حقيقة أو تأويلا.

________________________________________________________

الجارية على وجه الماء ، فشبّه كثرة الماء بالتّكبّر المعبّر عنه بالطّغيان ، واستعير اسم المشبّه به وهو الطّغيان لكثرة الماء ، واشتقّ منه طغى بمعنى كثر.

(٦) أي لأنّ كثرة الماء مرجعهما إلى وجود أجزاء كثيرة للماء ، ولا شكّ أنّ أجزاء كثيرة للماء باعتبار كونها من الأجرام والأجسام حسّيّة.

(١) أي الزّائد على الحدّ لعظمه.

(٢) أي أمّا عقليّة التّكبّر فظاهرة من تفسيره المتقدّم ، وأمّا عقليّة الاستعلاء فقيل : إنّ المراد به طلب العلوّ ، وهو عقليّ.

(٣) أي المراد باللّفظ المستعار هو المستعمل في غير ما وضع له لعلاقة المشابهة ، فقد يكون الاستعمال أصليّا ، وقد يكون تبعيّا باعتبار اللّفظ المستعار.

(٤) أي وهو ما دلّ على نفس الذّات الصّالحة لأن تصدق على كثيرين من غير اعتبار وصف من الأوصاف في الدّلالة ، فيكون كلّيّا سواء كان عينا كأسد أو معنى كالضّرب والقتل ، فخرج الأعلام والمضمرات وأسماء الإشارة وباقي المبهمات ، فإنّها كلّها جزئيّات لا تجري الاستعارة فيها من غير اعتبار وصف من الأوصاف ، وبقوله : (بغير اعتبار وصف من الأوصاف) ، كما في المطوّل ، خرج مثل ضارب وقاتل ، فلا يكون اسم جنس من المشتقّات ، لأنّها إنّما وضعت باعتبار الأوصاف بخلاف لفظ أسد ونحوه ، فإنّه دالّ على الذّات والماهية من غير اعتبار وصف من أوصافه ، لأنّه وضع للحيوان المفترس من حيث هو ، لا باعتبار كونه شجاعا وذا جرأة ، حتّى لو وجد أسد غير شجاع صدق عليه اسم الأسد.

١٤٦

كما في الأعلام المشتهرة بنوع وصفيّة (١) [فأصليّة] أي فالاستعارة أصليّة [كأسد] إذا استعير للرّجل الشّجاع [وقتل] إذا استعير للضّرب الشّديد ، الأوّل (٢) اسم عين والثّاني اسم معنى [وإلّا فتبعيّة] أي وإن لم يكن اللّفظ المستعار اسم جنس (٣) فالاستعارة تبعيّة [كالفعل (٤) وما اشتقّ منه (٥)] مثل اسم الفاعل والمفعول والصّفة المشبّهة ، وغير ذلك (٦) [والحرف] وإنّما كانت (٧) تبعيّة ، لأنّ الاستعارة تعتمد (٨) التّشبيه ، والتّشبيه يقتضي كون المشبّه موصوفا بوجه الشّبه (٩) ،

________________________________________________________

(١) أي كحاتم ومادر ونحوهما ، فتصحّ استعارة لفظ حاتم لرجل كريم في قولك : رأيت اليوم حاتما ، فإنّ حاتما وإن كان علما إلّا أنّه مؤوّل باسم جنسن وهو رجل يلزمه الكرم والجود ، بحيث يكون الجود غير معتبر في مفهومه ، والمراد باسم الجنس هنا ما يشمل علم الجنس كأسامة ونحوه.

(٢) أي الأسد اسم معنى ، والثّاني أي القتل اسم معنى ، وتعدّد المثال إشارة إلى أقسام الاستعارة الأصليّة.

(٣) أي بعد تحقّق كونه صالحا للاستعارة ، فلا ينتقض بما يكون معناه جزئيّا كالأعلام والضّمائر وأسماء الإشارة ، فإنّها لا تكون صالحة للاستعارة.

(٤) أي قوله : «كالفعل» خبر لمحذوف ، أي وذلك كالفعل.

(٥) أي ما يشتقّ من الفعل بناء على أنّ الاشتقاق منه كما هو المذهب الكوفي أو أنّ في الكلام حذف مضاف ، أي وما يشتقّ من مصدره بناء على مذهب البصريّين.

(٦) أي كأفعل التّفضيل واسم الزّمان واسم المكان واسم الآلة ، نحو : حال زيد أنطق من عبارته ، ونحو : مقتل زيد ، لزمان ضربه أو مكانه ، ونحو مقتال زيد ، لآلة ضربه.

(٧) اي وإنّما كانت ـ الاستعارة في الحروف والفعل وسائر المشتقّات تبعيّة.

(٨) أي تعتمد على التّشبيه وتبتني عليه ، إذ هي إعطاء اسم المشبّه به للمشبّه بعد إدخال الثّاني في جنس الأوّل.

(٩) أي بحيث يصحّ الحكم به عليه ، وكما أنّ التّشبيه يقتضى كون المشبّه موصوفا بوجه الشّبه ، كذلك يقتضي أن يكون المشبّه به موصوفا به أيضا بحيث يصحّ الحكم به عليه ، أمّا اقتضاؤه ذلك في المشبّه فلأنّك إذا قلت : زيد كعمرو في الشّجاعة ، فمدلوله أنّ زيدا موصوف

١٤٧

أو (١) بكونه مشاركا للمشبّه به في وجه الشّبه ، وإنّما يصلح للموصوفيّة (٢) الحقائق ، أي الأمور المتقرّرة الثّابتة ، كقولك : جسم أبيض ، وبياضه صاف (٣) ، دون (٤) معاني الأفعال والصّفات المشتقّة منها ، لكونها متجدّدة غير ـ متقرّرة (٥) بواسطة دخول الزّمان في مفهوم الأفعال (٦) ،

________________________________________________________

بالشّجاعة ، وأنّها وجدت فيه كما وجدت في عمرو ، وأمّا في المشبّه به فلأنّه لو لم توجد فيه الشّجاعة ، لم يصحّ الحكم على زيد في المثال بأنّه ملحق بعمرو في الشّجاعة ، وأنّه مشارك له فيها ، وإذا كان التّشبيه مقتضيا لوجود وجه الشّبه في الطّرفين صحّ أن يحكم به على كلّ منهما.

(١) أي إنّما ذكر لفظة «أو» إشارة إلى أنّه لا فرق بين التّعبيرين في الدّلالة على المقصود فهي للتّنويع في التّعبير ، فأنت مخيّر في التّعبير بكلّ من العبارتين ، لأنّهما متلازمان إذ يلزم من كون المشبّه موصوفا بوجه الشّبه أن يكون مشاركا للمشبّه به في وجه الشّبه وبالعكس.

(٢) أي لكونه موصوفا بوجه الشّبه أو بغيره.

(٣) أي أشار بالمثالين إلى عدم الفرق بين اسم العين كمثل جسم أبيض ، واسم المعنى كقولك : وبياضه صاف ، وإنّ المدار على ثبوت المدلول وتقرّره ، فكلّ من الجسم والبياض مدلوله متقرّر ، أي ليس سيّالا متجدّدا شيئا فشيئا وثابت في نفسه لاستقلاله بالمفهوميّة ، فلذا صحّ وصف الأوّل بالبياض والثّاني بالصّفاء ، والتّمثيل بالبياض للحقّائق المتقرّرة بناء على التّحقّيق من بقاء العرض في زمانين.

(٤) أي قوله : «دون معاني الأفعال» بيان لما احترز بقوله : «المتقرّرة» ، وحاصل الاحتراز أنّ الفعل كقام لدلالته على الزّمان السّيال لدخوله في مفهومه لا تقرّر له ، فلا يصلح مدلوله للموصوفيّة ، فلا يصحّ التّشبيه فيه فلا تصحّ الاستعارة الأصليّة المبنيّة على التّشبيه فيه ، والوصف كقائم فإنّه وإن لم يدلّ على الزّمان بصيغته ، لكن يعرض اعتباره فيه كثيرا ، فيمنعه من التّقرر فلا يصلح مدلوله للموصوفيّة المصحّحة للتّشبيه المصحّح للاستعارة الأصليّة.

(٥) أي قوله : «غير متقرّرة» تفسير ل «متجدّدة».

(٦) أي لأنّ الزّمان جزء مفهوم الأفعال ، فدلالتها عليه دلالة تضمّنيّة ، بخلاف الصّفات فإنّ دلالتها عليه دلالة التزاميّة ، لأنّها تدلّ على ذات ثبت لها الحدث ، والحدث لا بدّ له من زمان يقع فيه.

١٤٨

وعروضه للصّفات (١) ودون الحروف (٢) ، وهو (٣) ظاهر كذا ذكروه (٤). وفيه (٥) بحث ، لأنّ هذا الدّليل بعد استقامته (٦) لا يتناول اسم الزّمان والمكان والآلة ، لأنّها تصلح للموصوفيّة ، وهم أيضا صرّحوا (٧) بأنّ المراد بالمشتقّات هو الصّفات دون اسم الزّمان والمكان والآلة ، فيجب أن تكون الاستعارة في اسم الزّمان ونحوه أصليّة ، بأن يقدّر التّشبيه في نفسه لا في مصدره ،

________________________________________________________

(١) أي بخلاف المصدر لعدم اشتماله على النّسبة المستلزمة للزّمان.

(٢) أي ودون معاني الحروف ، وهذا ممّا احترز عنه بالقيد الثّاني ، أعني قوله : «الثّابتة».

(٣) أي عدم صلاحيّة معاني الحروف للموصوفيّة ظاهر ، وذلك لعدم استقلالها بالمفهوميّة وعدم تقررها في نفسها لأنّها روابط وآلات لملاحظة غيرها وكون غيرها هو المقصود بالإفادة يمنع من وصفها ومن الحكم عليها وحينئذ فلا تصلح الاستعارة في الفعل والمشتقّات والحروف لعدم صحّة التّشبيه فيها إلا إذا كانت تابعة لما له ثبات واستقلال فلاستعارة فيها تبعيّة.

(٤) أي كذا ذكره القوم في وجه كون الاستعارة في الأفعال والمشتقّات والحروف تبعيّة لا أصليّة.

(٥) أي وفي هذا الدّليل الّذي ذكروه بحث ونظر.

أوّلا : إنّ الدّليل الّذي سيق لعدم صلاحيّة المشتقّات للأوصاف ، وذلك لدخول الزّمان في مفهومها ، والزّمان رافع للتّقرّر والثّبوت غير مستقيم لانتقاضه بالزّمان ، لأنّ الزّمان نفسه يقع محلا للأوصاف ، فيقال : زمان قصير أو طويل ، أو كذا يقال في الحركة الّتي هي من الأمور الفاقدة للتّقرّر ، إنّها سريعة أو بطيئة ، فكلّ من الزّمان والحركة يقع موصوفا مع عدم تقرّر لهما.

وثانيا : على فرض استقامته إنّ الدّليل المذكور لا يشمل اسم الزّمان والمكان والآلة ، وذلك لتصريحهم بأنّ المراد بالمشتقّات هو الصّفات دون اسم الزّمان والمكان والآلة.

(٦) أي فيه إشارة إلى منع استقامة الدّليل لانتقاضه بالزّمان والحركة ، كما سبق.

(٧) أي هذا ترقّ في الاعتراض على القوم ، وحاصل ما في المقام أنّ القوم ادّعوا دعوة ، وهي أنّ الاستعارة في الحروف والأفعال ، وما يشتقّ منها تبعيّة ، وقالوا : المراد بما يشتقّ منها الصّفات دون اسم الزّمان والمكان الآلة ، واستدلّوا على تلك الدّعوة بما تقدّم للشّارح نقله عنهم ، فاعترض الشّارح عليهم بأنّ دليلهم هذا قاصر لا يشمل جميع الأمور الّتي تكون

١٤٩

وليس (١) كذلك للقطع بأنّا إذا قلنا : هذا مقتل فلان ، للموضع الّذي ضرب فيه ضربا شديدا (٣) ، أو مرقد فلان ، لقبره فإنّ المعنى على تشبيه الضّرب بالقتل (٣) والموت بالرّقاد (٤) ، وإنّ الاستعارة في المصدر (٥) لا في نفس المكان. بل التّحقّيق (٦) أنّ الاستعارة في الأفعال وجميع المشتقّات (٧) الّتي يكون القصد

________________________________________________________

الاستعارة فيها تبعيّة ، لأنّه لا يتناول اسم الزّمان والمكان والآلة ، كما أنّ مدّعاهم أيضا قاصر لا يتناولها ، فالاعتراض الأوّل ناظر إلى قصور الدّليل ، والتّرقي ناظر إلى قصور الدّعوى.

(١) أي والحال ليس الأمر كذلك ، أي ليس التّشبيه في نفس اسم الزّمان حتّى تكون الاستعارة أصليّة ، بل يقدّر التّشبيه في مصدره ، فتكون استعارة تبعيّة لا أصليّة فالحاصل أنّه ليس الواجب كون الاستعارة أصليّة ، بل الواجب كونها تبعيّة.

(٢) أي أو للزّمان الّذي ضرب فيه ضربا شديدا.

(٣) أي واستعارة القتل للضّرب الشّديد بعد ما اشتقّ من القتل مقتل بمعنى مكان الضّرب أو زمانه تبعيّة لجريانها في المصدر أوّلا قبل جريانها في اسمي الزّمان والمكان ، فجريانها فيهما بطريق التبعيّة لجريانها في المصدر ، وليس المعنى على تشبيه الموضع الّذي ضرب فيه ضربا شديدا بالمقتل ، أي بمحلّ القتل واستعارة المقتل ، أي محلّ القتل للمضرب ، أي محلّ الضّرب بحيث تكون الاستعارة أصليّة.

(٤) أي واستعارة الرّقاد للموت بعد ما اشتقّ من الرّقاد مرقد ، بمعنى مكان الموت ، وهو القبر.

(٥) أي أوّلا لا في نفس المكان ، فلا ينافى جريانها في اسم المكان بعد ذلك بطريق التبعيّة للمصدر.

(٦) أي قوله : «بل التّحقيق» إضراب انتقالي.

(٧) أي يشمل اسم الزّمان والمكان والآلة ، لأنّها من المشتقّات حقيقة ولا ينافي هذا ما تقدّم للشّارح من أنّ المشتقّات هي الصّفات دون اسم الزّمان والمكان والآلة لأنّ ما تقدّم من الشّارح إنّما هو بحسب المراد لا بحسب الحقيقة ، والحاصل إنّ القوم قصروا المشتقّات الّتي تجرى فيها التبعيّة على الصّفات دون اسم الزّمان والمكان والآلة ، وإن كانت في الحقيقة من المشتقّات ، واستدلّوا على ذلك بما تقدّم ، فأضرب الشّارح عن ذلك لقصوره إلى أنّ

١٥٠

بها إلى المعاني القائمة بالذّوات تبعيّة ، لأنّ المصدر الدالّ على المعنى القائم بالذّات هو المقصود الأهمّ (١) الجدير بأن يعتبر فيه التّشبيه ، وإلّا (٢) لذكرت الألفاظ الدالّة على نفس الذّوات دون ما يقوم بها من الصّفات. [فالتّشبيه في الأوّلين] أي الفعل وما اشتقّ منه [لمعنى المصدر (٣) وفي الثّالث]

________________________________________________________

التّحقّيق خلافه ، وهو أنّ الاستعارة في الصّفات وأسماء الزّمان والمكان والآلة تبعيّة ، وذلك لأنّ المقصود الأهمّ في الصّفات وما بعدها هو المعنى القائم بالذّات لا نفس الذّات ، فإذا كان المستعار صفة أو اسم مكان مثلا ينبغي أن يعتبر التّشبيه فيما هو المقصود الأهمّ أوّلا ، وحينئذ تكون الاستعارة في جميعها تبعيّة.

فقول الشّارح :

«بل التّحقّيق» أي في الدّعوى والاستدلال لأنّه كما حقّق الدّليل بقوله : «لأنّ المصدر ...» ، وحقّق الدّعوى بقوله : «أنّ الاستعارة في الأفعال وجميع المشتقّات ...» ، فأتى بالدّليل شاملا لاسم الزّمان والمكان والآلة وأتى بالدّعوى كذلك.

(١) أي لأنّ الشّيء إذا اشتمل على قيد ، فالغرض ذلك القيد.

(٢) أي وإن لا يكون المقصود الأهمّ من المعاني المشتقّات القائمة بالذّوات ، بل المقصود منها نفس الذّوات لذكرت الألفاظ الدالّة على نفس الذّوات دون المعاني القائمة بها ، بأن يذكر زيد وعمرو بدل اللّفظ الدالّ على ما قام بهما من الصّفات ، كضارب وقاتل ومضروب ومقتول ، وأن يذكر مكان فيه الرّقاد ، أو فيه الضّرب بدل مرقدنا ، ومضروب عمرو ، وهكذا ، فالعدول عن مكان فيه الرّقاد إلى مرقدنا مثلا دليل على أنّ المقصود الأهمّ من المشتقّات هي المعاني القائمة بذات الفاعل أو المفعول ، أو بذات المكان أو الآلة لا نفس الذّات.

(٣) أي في المعنى الّذي هو المصدر أوّلا وأصالة ، ثمّ في المشتقّ منه ثانيا وتبعا ، كما يدلّ عليه قوله : «بعد» فيقدّر التّشبيه في نطقت الحال ، والحال ناطقة للدّلالة بالنّطق والإضافة في قوله : «لمعنى المصدر» بيانيّة ، إن أريد بالمصدر الحدث ، أو من إضافة المدلول للدّالّ إن أريد به اللّفظ.

١٥١

أي الحرف [المتعلّق معناه] أي لما تعلّق به معنى الحرف (١) ، قال صاحب المفتاح : المراد بمتعلّقات معاني الحروف ما يعبّر بها (٢) عنها عند تفسير معانيها (٣) ، مثل قولنا : من معناها ابتداء الغاية (٤) ، وفي معناها الظّرفيّة ، وكي معناها الغرض ، فهذه (٥) ليست معاني الحروف وإلّا لما كانت حروفا ، بل أسماء ، لأنّ الاسميّة والحرفيّة إنّما هي باعتبار المعنى ، وإنما هي (٦) متعلّقات لمعانيها ، أي إذا أفادت هذه الحروف معاني (٧) ردّت (٨)

________________________________________________________

(١) أي للمعنى الكلّي الّذي تعلّق به معنى الحرف كالابتداء المخصوص ، والظّرفيّة المخصوصة من باب تعلّق الجزئي بالكلّي.

(٢) أي يعبّر بالمتعلّقات عن معاني الحروف ، أي معان كلّيّة يعبّر بدالّها عن معاني الحروف الّتي هي معان جزئيّة.

(٣) أي عند تفسير معاني الحروف.

(٤) أي المراد بالغاية المغيّى وهو المسافة ، لأنّ الغاية بمعنى النّهاية لا ابتداء لها.

(٥) أي الابتداء والظّرفيّة والغرض ليست معاني الحروف ، لكون هذه المعاني معان مستقلّة ، ومعاني الحروف غير مستقلّة.

(٦) أي الابتداء والظّرفيّة والغرض متعلّقات لمعاني الحروف.

نعم ، هي المعاني الكلّيّة الّتي تفسّر بها معاني الحروف على وجه التّساهل.

وكيف كان فإذا كان معنى الكلمة مستقلا بالمفهوميّة ملحوظا لذاته ، ولم يكن رابطة بين أمرين ، فإن اقترن بأحد الأزمنة الثّلاثة فتلك الكلمة فعل ، وإن لم يقترن بواحد منها فتلك الكلمة اسم ، مثل مطلق الابتداء ، ومطلق الظّرفيّة ، ومطلق الغرض ، وإن كان المعنى غير مستقلّ بالمفهوميّة ملحوظا تبعا لكونه رابطة بين أمرين كانت الكلمة الدالّة على ذلك المعنى حرفا ، وذلك كابتداء السّير من البصرة.

(٧) أي معاني جزئيّة كابتداء خاصّ وظرفيّة خاصّة وغرض خاصّ.

(٨) أي ترجع تلك المعاني الجزئيّة إلى هذه أي المعاني الكلّيّة الابتداء المطلق والظّرفيّة المطلقة والغرض المطلق.

١٥٢

تلك المعاني إلى هذه بنوع (١) استلزام ، فقول المصنّف في تمثيل متعلّق معنى الحروف [كالمجرور (٢) في : زيد في نعمة] ليس بصحيح (٣) ، وإذا كان التّشبيه لمعنى المصدر ولمتعلّق معنى الحرف [فيقدّر] التّشبيه [في : نطقت الحال ، والحال ناطقة بكذا ، للدّلالة بالنّطق (٤)] أي يجعل دلالة الحال مشبّها ، ونطق النّاطق مشبّها به ، ووجه الشّبه إيضاح المعنى وإيصاله إلى الذّهن (٥) ، ثمّ يستعار للدّلالة لفظ النّطق ، ثمّ يشتقّ من النّطق المستعار الفعل (٦) والصّفة (٧) ، فتكون الاستعارة في المصدر أصليّة وفي

________________________________________________________

(١) أي باستلزام نوعي وهو استلزام الخاصّ للعامّ أعني استلزام الجزئي للكلّي دون العكس والحاصل أنّ من مثلا موضوعة للابتداء الخاصّ والابتداء الخاصّ لمّا كان يرد إلى مطلق ابتداء أي يستلزمه كان مطلق ابتداء متعلّقا بالابتداء الخاصّ وهكذا.

(٢) أي كمعنى المجرور لأن تقدير التّشبيه في معناه.

(٣) أي قول المصنّف ليس بصحيح ، لأنّ المجرور ليس هو المتعلّق بل المتعلّق هو المعنى الكلّي الّذي استلزمه معنى الحرف كما سبق ، فمتعلّق معنى الحرف في المثال المذكور الظّرفيّة المطلقة لا النّعمة ، فقد التبس على المصنّف اصطلاح علماء البيان باصطلاح علماء الوضع ، فإنّ المجرور متعلّق معنى الحرف عندهم ، وأمّا البيانيّون فقد علمت اصطلاحهم في معنى الحرف ، إلّا أن يقال إنّ مقتضى قولك : زيد في نعمة ، كون النّعمة ظرفا لزيد مع أنّها ليست كذلك ، فامتنع حمل اللّفظ على حقيقته ، فحمل على الاستعارة بأن يشبّه مطلق ملابسة شيء لشيء بالظّرفيّة المطلقة ، فسرى التّشبيه للجزئيّات فاستعير لفظة «في» الموضوعة للظّرفيّة الخاصّة لملابسة النّعمة لزيد ، فملابسة زيد للنّعمة مستعار له ، والظّرفيّة الخاصّة مستعار منها ، ولفظة «في» مستعار ، فلا خلل في كلام المصنّف على هذا.

(٤) أي يقدّر تشبيه دلالة الحال بنطق النّاطق في إيضاح المعنى وإيصاله إلى ذهن المخاطب.

(٥) أي كان الأولى للشّارح أن يجعل وجه الشّبه إيصال المعنى إلى الذّهن ، ويحذف إيضاح المعنى لأنّه نفس المشبّه الّذي هو الدّلالة.

(٦) أي كما في نطقت الحال.

(٧) أي كما في الحال ناطقة بكذا.

١٥٣

الفعل والصّفة تبعيّة (١) ، وإن أطلق (٢) النّطق على الدّلالة لا باعتبار التّشبيه ، بل باعتبار أنّ الدّلالة لازمة له يكون مجازا مرسلا ، وقد عرفت (٣) أنّه لا امتناع في أن يكون اللّفظ الواحد بالنّسبة إلى المعنى الواحد استعارة ومجازا مرسلا باعتبار العلاقتين (٤). [و] يقدّر التّشبيه [في لام التّعليل نحو : (فَالْتَقَطَهُ) (٥)] أي موسى (آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً)(١) (٦) للعداوة] أي يقدّر تشبيه العداوة [والحزن] الحاصلين [بعد الالتقاط بعلّته]

________________________________________________________

(١) أي لتأخّرها وفرعيّتها عن الاستعارة الّتي في المصدر ، هذا كلّه بناء على جعل العلاقة بين الدّلالة والنّطق المشابهة.

(٢) أي هذا مقابل لمحذوف ، أي هذا إذا جعلت العلاقة المشابهة ، فإن جعلت العلاقة اللزّوم بأن أطلق النّطق على الدّلالة لا باعتبار التّشبيه ، بل باعتبار أنّ الدّلالة لازمة له كان مجازا مرسلا ، علاقته اللزّوم الخاصّ ، أعني لزوم المسبّب للسّبب لا مطلق اللزّوم.

(٣) أي قد عرفت فيما سبق أنّ لفظ المشفر استعارة في شفة الإنسان باعتبار المشابهة في الغلظ ، ومجاز مرسل باعتبار إطلاق المقيّد على المطلق ، فالنّطق أيضا استعارة في الدّلالة باعتبار المشابهة في إيضاح المعنى وإيصاله إلى الذّهن ، ومجاز مرسل باعتبار لزوم الدّلالة للنّطق ، ولا امتناع في أن يكون اللّفظ الواحد بالنّظر إلى المعنى الواحد استعارة ومجازا مرسلا ، لكن باعتبار العلاقتين ، أي علاقة المشابهة وعلاقة غير المشابهة.

(٤) أي علاقة المشابهة وغير المشابهة ، فاستعارة باعتبار العلاقة الأولى ، ومجاز مرسل باعتبار العلاقة الثّانية.

(٥) أي أخذه آل فرعون ليكون لهم عدوّا وحزنا.

(٦) والشّاهد في الآية أنّه يقدّر التّشبيه بين العداوة والحزن ، وبين المحبّة والتّبنّي في أنّ كلا من هذه الأمور مترتّب على الالتقاط ، فالمشبّه هو العداوة والحزن ، والمشبّه به هو المحبّة والتّبنّي ، والجامع هو التّرتّب ، ثمّ استعمل في العداوة والحزن ما كان حقّه أن يستعمل في العلّة الغائيّة ، وهي المحبّة والتّبنّي ، هذه هي الاستعارة في المجرور ، ثمّ الاستعارة في اللّام تبعا للاستعارة في المجرور ، حيث استعيرت اللّام الموضوعة لترتّب العلّة الغائيّة على معلولها ، كترتّب المحبّة والتّبنّي على الالتقاط ، أي استعيرت اللّام لترتّب غير العلّة الغائيّة ،

__________________

(١) سورة القصص : ٨.

١٥٤

أي علّة الالتقاط [الغائيّة] كالمحبّة والتّبنّي في التّرتّب على الالتقاط والحصول (١) بعده ، ثمّ استعمل في العداوة والحزن ما كان حقّه أن يستعمل في العلّة الغائيّة (٢) ، فتكون الاستعارة فيها (٣) تبعا للاستعارة في المجرور ، وهذا الطّريق (٤) مأخوذ من كلام صاحب الكشّاف ، ومبني على أنّ متعلّق معنى اللّام هو المجرور على ما سبق ، لكنّه (٥) غير مستقيم على مذهب المصنّف في الاستعارة المصرّحة ، لأنّ المتروك يجب أن يكون هو المشبّه ، سواء كانت الاستعارة أصليّة أو تبعيّة ، وعلى هذا الطّريق المشبّه

________________________________________________________

أي كترتّب العداوة والحزن على الالتقاط ، فالاستعارة في اللّام تابعة للاستعارة في المجرور الّذي هو متعلّق الحرف عند المصنّف.

(١) أي قوله : «والحصول بعده» تفسير للتّرتّب ، فيكون عطفه عليه عطفا تفسيريّا.

(٢) أي هي المحبّة والتّبنّي ، والحاصل أنّه شبّه العداوة والحزن الحاصلين بعد الالتقاط بالعلّة الغائيّة ، أي المحبّة والتّبنّي ، أي أخذه ابنا لهم ، فلمّا كان الحاصل بعد الالتقاط ضدّ ذلك من العداوة والحزن شبّه ذلك بالعلّة الغائيّة في التّرتّب على الالتقاط ، فالجامع ووجه الشّبه بين العداوة والحزن وبين العلّة الغائيّة هو ترتّب كلّ منهما على الالتقاط ، وإن كان التّرتّب في العلّة الغائيّة رجائيّا ، وفي العداوة والحزن فعليّا.

(٣) أي في لام التّعليل.

(٤) أي الطّريق الّذي ذكره المصنّف ، وهو جعل العداوة والحزن مشبّها ، والعلّة الغائيّة كالمحبّة والتّبنّي مشبّها به ، والتّرتّب على الالتقاط والحصول بعده وجه الشّبه ، والاستعارة في المجرور أصلا ، وفي اللّام تبعا ، مأخوذ من كلام صاحب الكشّاف في قوله تعالى : (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) ، حيث قال صاحب الكشّاف معنى التّعليل في اللّام في قوله تعالى ، ليكون واردا على طريق المجاز ، لأنّه لو لم يكن داعيهم إلى الالتقاط أن يكون لهم عدوّا وحزنا ، ولكن كان داعيهم المحبّة ـ والتّبنّي ، غير أنّ ذلك لمّا كان نتيجة التقاطهم ، شبّه بالدّاعي الّذي يفعل الفاعل الفعل لأجله.

(٥) أي لكنّ الطّريق المذكور غير مستقيم على مذهب المصنّف ، بل على مذهب الجمهور أيضا ، وإنّما اقتصر على المصنّف لكون الكلام معه.

وحاصل اعتراض الشّارح : أنّ سياق كلام المصنّف يفيد أنّ في مدخول اللّام هنا استعارة

١٥٥

أعني العداوة والحزن مذكور لا متروك ، بل تحقيق الاستعارة التّبعيّة ههنا (١) أنّه شبه ترتّب العداوة والحزن على الالتقاط بترتّب علّته الغائيّة عليه ، ثمّ استعمل في المشبّه اللّام الموضوعة للمشبّه به ، أعني ترتّب علّة الالتقاط الغائيّة عليه ، فجرت الاستعارة أوّلا في العلّيّة والغرضيّة ، وتبعيّتها في اللّام كما مرّ في : نطقت الحال ،

________________________________________________________

أصليّة ، فيرد عليه ما ذكره الشّارح من أنّ المتروك في المصرّحة يجب أن يكون هو المشبّه ، أي المشبّه يجب أن يكون محذوفا سواء كانت الاستعارة أصليّة أو تبعيّة ، والحال أنّ المشبّه ههنا وهو العداوة والحزن مذكور.

ويمكن أن يجاب عن ذلك بأنّ مراد المصنّف أنّ في المجرور تشبيها يصحّ أن تترتّب عليه الاستعارة في الحرف وإن لم تقع بالفعل فتكون الاستعارة التّبعيّة المصرّحة عنده في الحرف أيضا ، أمّا الاستعارة في المجرور فاستعارة بالكناية.

(١) أي في هذه الآية والمراد بتحقيق الاستعارة ذكرها على الوجه الحقّ الّذي هو مذهب القوم ، أي تحقيق الاستعارة التّبعيّة بحيث يطابق رأي الجمهور والمصنّف أنّه شبّه ترتّب العداوة والحزن ، أي ترتّب مطلق عداوة وحزن سواء تعلّقا بالنّبي موسى عليه‌السلام أو بغيره ، فالمراد هو العداوة والحزن الكلّيّان ، والمراد بالالتقاط أيضا مطلق الالتقاط ، والمراد بعلّته الغائيّة هو علّته المطلقة ، فالتّشبيه قصدا وقع في التّرتّبين الكلّيّين ، ثمّ سرى في جزئيّاتهما بدليل قوله : «فجرت الاستعارة أوّلا في العلّيّة الغرضيّة ، وتبعيّتها في اللّام» أي وجرت في اللّام بسبب تبعيّتها ، أي تبعيّة الاستعارة في ترتّب العلّيّة والغرضيّة كما مرّ في «نطقت الحال والحال ناطقة» ، حيث قلنا : إنّه جرت الاستعارة أوّلا في المصدر ، ثمّ يشتقّ منه الفعل والصّفة ، فتكون الاستعارة في المصدر أصليّة ، وفي الفعل والصّفة تبعيّة ، وفي المقام تكون الاستعارة في المعنى الكلّي أصليّة ، وفي المعنى الجزئيّ تبعيّة ، كما أشار إليه بقوله : «ثمّ استعمل في المشبّه اللّام» ، أي استعمل في جزئي المشبّه ، وذلك الجزئي ترتّب العداوة والحزن الخاصّين إلى المتعلّقين بالنّبي موسى عليه‌السلام ، استعمل فيه اللّام الموضوعة للمشبّه به ، أي جزئي المشبّه به ، أعني ترتّب علّة الالتقاط الغائيّة الخاصّة ، وهي محبّة الملتقط للنّبي موسى عليه‌السلام وتبنّيه إيّاه.

١٥٦

فصار حكم اللّام (١) حكم الأسد حيث استعيرت لما يشبه العلّيّة ، وصار متعلّق معنى اللّام هو (٢) العلّيّة والعرضيّة لا المجرور (٣) على ما ذكره المصنّف سهوا ، وفي هذا المقام زيادة تحقيق أوردناها في الشّرح (٤). ـ [ومدار قرينتها (٥)] أي قرينة الاستعارة التّبعيّة [في الأوّلين (٦)] ، أي في الفعل وما اشتقّ منه [على الفاعل نحو : نطقت الحال] بكذا ، فإنّ النّطق الحقيقي لا يسند (٣) إلى الحال [أو المفعول (٤) نحو :]

جمع الحقّ لنا في إمام

[قتل البخل وأحيى السّماحا (٥)]

________________________________________________________

(١) أي بواسطة استعارتها صار حكمها حكم الأسد ، أي كما استعير الأسد للرّجل الشّجاع ، استعيرت اللّام لما يشبه العلّيّة ، أعني ترتّب الحزن والعداوة.

(٢) أي معنى اللّام العلّيّة والغرضيّة المطلقة الّتي تدعو الفاعل إلى الفعل.

(٣) أي العداوة والحزن على ما زعمه المصنّف ، والحاصل أنّه شبّه التّرتّب بالتّرتّب كالعلّيّة والغرضيّة ، لا المترتّب بالمترتّب ، كالعداوة والحزن.

(٤) أي المطوّل.

(٥) أي علامتها ودليلها ، ومدار الشّيء ما يوجد الشّي لوجوده ويعدم عند عدمه ، والمراد بدوران القرينة على الفاعل ، هو رجوع القرينة إلى كونها نفس الفاعل ، لا كون الإسناد الحقيقي غير صحيح ، كما في المثال المذكور.

(٦) أي وإنّما قال في الأوّلين ، لأنّ قرينة التّبعيّة في الحروف غير مضبوطة.

(٧) أي لاستحالة وقوع النّطق من الحال ، فإسناد النّطق إلى الحال قرينة على أنّ المراد بالنّطق هو الدّلالة الشّبيهة بالنّطق في إفهام المراد.

(٨) أي المتبادر من المفعول هو المفعول به ، بأن يكون لتسلّط الفعل أو ما يشتقّ منه على المفعول غير صحيح ، فيدلّ ذلك على أنّ المراد بمعناهما ما يناسب ذلك المفعول.

(٩) أي هذا البيت لابن المعتزّ من قصيدة له في مدح أبيه قوله : «السّماحا» بالفتح والكسر بمعنى الجود والكرم ، والقتل بمعنى الإزالة ، والإحياء بمعنى الإظهار ، ثمّ شبّه إزالة البخل بالقتل في الإعدام ، وكثرة السّماحة بالإحياء في الإظهار ، ثمّ استعير القتل للإزالة ، والإحياء للإظهار ، وقال : قتل البخل ، أي أزاله وأحيى السّماح ، أي أظهره ، والقرينة فيهما نسبة القتل

١٥٧

فإنّ القتل والإحياء الحقيقيّين لا يتعلّقان بالبخل والجود (١) [ونحو :

نقريهم لهذميّات نقدّ بها]

ما كان خاط عليهم كلّ زرّاد (٢)

اللهذم من الأسنّة القاطعة ، فأراد بلهذميّات طعنات منسوبة إلى الأسنّة (٣) القاطعة ، أو أراد نفس الأسنّة ، والنّسبة (٤) للمبالغة كأحمريّ ، والقدّ القطع ، وزرد الدّرع ، وسردها نسجها ، فالمفعول الثّاني أعني لهذميّات قرينة على أنّ نقريهم استعارة (٥).

________________________________________________________

إلى البخل ، ونسبة الإحياء إلى السّماح ، فالمناسب في الأوّل الإزالة ، وفي الثّاني الإظهار في مقام المدح.

(١) أي لأنّ البخل والجود من المعاني لا روح لهما ، والقتل والإحياء إنّما يتعلّقان بالجسم ذي الرّوح ، وعدم صحّة الإسناد قرينة على أنّ المراد بهما المعنى المناسب ، وذكرنا المعنى المناسب.

(٢) أي هذا البيت للقطامي من قصيدة له في مدح زفر بن الحارث.

(٣) جمع سنان.

(٤) أي وياء النّسبة في قوله : «لهذميّات» للمبالغة كأحمريّ ، هذا جواب عمّا يمكن أن يقال : إنّ المراد باللهذميّات إن كان نفس الأسنّة كأن يلزم أن تكون نسبة الشّيء إلى نفسه وهو غير صحيح.

وحاصل الجواب إنّ النّسبة هنا للمبالغة في المنسوب بمعنى أنّه لم يوجد أعلى منه حتّى ينسب إليه ، فنسب إلى نفسه ، كما يقال لرجل شديد الحمرة : أحمريّ ، فزيدت الياء فيه لإفادة المبالغة في وصف الحمرة ، فما قيل من أنّ نسبة الشّيء إلى نفسه ممنوعة ، إنّما هو فيما لو لم يكن المقصود بالنّسبة المبالغة وإلّا فلا منع.

(٥) أي بمعنى نطعنهم ، وذلك لأنّ اللهذميّات لا يصحّ تعلّق القرى الحقيقي بها ، إذ هو تقديم الطّعام للضّيف ، فعلم أنّ المراد به هنا ما يناسب اللهذميّات وهو تقديم الطّعنات في الحرب عند اللّقاء أو تقديم الأسنّة ، فشبّه تقديم الطّعنات أو الأسنّة بالقرى ، وهو تقديم الطّعام للضّيف ، والجامع ووجه الشّبه هو تقديم ما يصل من خارج إلى داخل ، واستعير اسم القرى لتقديم الطّعنات ، أو الأسنّة ، ثمّ اشتقّ من القرى الفعل ، أعني نقريهم بمعنى نقدّم لهم

١٥٨

[أو المجرور (١) نحو : (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ)(١)] فإنّ ذكر العذاب (٢) قرينة على أنّ ـ بشّر ـ استعارة تبعيّة تهكميّة وإنّما قال ـ ومدار قرينتها على كذا (٣) ـ لأنّ القرينة لا تنحصر فيما ذكر ، بل قد يكون حاليّة كقولك ـ قتلت زيدا ـ إذا ضربته ضربا شديدا. ـ [و] الاستعارة [باعتبار آخر] غير اعتبار الطّرفين والجامع واللّفظ (٤) [ثلاثة (٥) أقسام] لأنّها أمّا أنّ لا تقترن بشيء (٦) يلائم المستعار له والمستعار منه ،

________________________________________________________

الطّعنات أو الأسنّة على طريق الاستعارة التّبعيّة.

(١) أي بأن يكون تعلّق الفعل أو ما يشتقّ منه بالمجرور غير مناسب ، فيدلّ ذلك على أنّ المراد بمعناهما ما يناسب ذلك المجرور.

(٢) أي الّذي هو مجرور بالباء قرينة على أنّ (بشّر) استعارة ، وذلك فإنّ التّبشير إخبار بما يسرّ ، فلا يناسب تعلّقه بالعذاب ، فمن تعلّقه بالعذاب علم أنّ المراد به ضدّه وهو الإنذار ، أعني الإخبار بما يحزن ، فنزّل التّضادّ منزلة التّناسب تهكّما ، فشبّه الإنذار بالتّبشير ، ووجه الشّبه منتزع من التّضادّ بواسطة التّهكّم ، كما مرّ في التّشبيه ، واستعير التّبشير للإنذار ، واشتقّ من التّبشير (بشّر) بمعنى أنذر على طريق الاستعارة التّصريحيّة التّبعيّة التّهكّميّة ، فصار ذكر العذاب الّذي هو المجرور قرينة على أنّه أريد بالتّبشير ضدّه.

(٣) أي ولم يقل : وقرينتها الفاعل والمفعول والمجرور ، لأنّ القرينة لا تنحصر فيما ذكر ، فلو قال : قرينتها الفاعل والمفعول والمجرور لاقتضى أنّ قرينة التّبعيّة منحصر فيما ذكر ، لأنّ الجملة المعرّفة الطّرفين تفيد الحصر بخلاف قوله : «ومدار قرينتها على كذا» ، فإنّه لا يفيد الانحصار فيما ذكر ، لأنّ دوران الشّيء على الشّيء لا يقتضي ملازمته أبدا عرفا لصحّة انفكاك الدّوران ، كما يقال مدار عيش بني فلان البرّ ويصحّ أن يتعيّشوا بغيره ، فقوله : «ومدار قرينتها على كذا» بمنزلة قوله : والأكثر في قرينتها أو الأصل في قرينتها أن تكون كذا.

(٤) أي بل باعتبار وجود الملائم لأحد الطّرفين وعدم وجوده.

(٥) أي مطلقة ومجرّدة ومرشّحة.

(٦) أي صفة أو تفريع هو القسم الأوّل.

__________________

(١) سورة آل عمران : ٢١ ، وسورة الانشقاق : ٢٤.

١٥٩

أو تقترن (١) بما يلائم المستعار له ، أو تقترن (٢) بما يلائم المستعار منه.

الأوّل : [مطلقة (٣) ، وهي ما لم تقترن بصفة (٤) ولا تفريع] أي تفريع كلام ممّا يلائم (٥) المستعار له والمستعار منه ، نحو : عندي أسد (٦) [والمراد] بالصّفة [المعنويّة] الّتي هي معنى قائم بالغير [لا النّعت] النّحوي الّذي هو أحد التّوابع.

[و] الثّاني : [مجرّدة ، وهي ما قرن بما يلائم المستعار له كقوله : غمر الرّداء] أي كثير العطاء ، استعار الرّداء للعطاء لأنّه يصون عرض صاحبه (٧) كما يصون الرّداء ما يلقى عليه ، ثمّ وصفه بالعمر (٨) الّذي يناسب العطاء ،

________________________________________________________

(١) أي أو قرنت الاستعارة بما يلائم المستعار له ، هذا هو القسم الثّاني.

(٢) أي أو قرنت بما يلائم المستعار منه ، هذا هو القسم الثّالث.

(٣) أي إنّما سمّيت مطلقة لكونها غير مقيّدة بشيء ممّا يلائم المستعار له والمستعار منه.

(٤) أي وهي ما لم تقترن بصفة تلائم ، أي تناسب أحد الطّرفين «ولا تفريع» ، أي تفريع كلام يلائم أحد الطّرفين.

(٥) أي قوله :

«ممّا» بيان للصّفة والتّفريع ، والفرق بينهما أنّ الملائم إن كان من بقيّة الكلام الّذي فيه الاستعارة فهو صفة ، وإن كان كلاما مستقلا جيء به بعد ذلك الكلام الّذي فيه الاستعارة ، لكن كان الكلام الثّاني مبنيّا على الكلام الأوّل فتفريع ، مثلا إن جعلت (يرمي) في قولنا : رأيت أسدا يرمي ، قيدا للأسد للمدح ونحوه ، فيكون من بقيّة الكلام ، فهو صفة وإن جعلته جملة مستقلّة مستانفة ، أعني جواب سؤال مقدّر ، كأنّه قيل : أيّ شيء كان يفعل ذلك الأسد؟ فقيل في الجواب : يرمي ، فيكون تفريعا ، فظهر ممّا بيّنا أنّ الكلام الثّاني إن كان مستقلا فهو تفريع سواء كان بحرف تفريع أعني الفاء ، أو بدونه.

(٦) هذا مثال للاستعارة الّتي لم تقترن بشيء من الملائم ، وعندي قرينة للمجازيّة والاستعارة ، ووجهه ظاهر إذ لا يعقل عادة أن يكون عند المتكلّم الأسد الحقيقي.

(٧) أي يصون عمّا يوجب مذمّته وتعييبه ، وكلّ ما يكره عقلا.

(٨) أي الكثرة الّذي يناسب ويلائم العطاء الّذي هو المستعار له فإنّه يقال عطاء كثير أو قليل.

١٦٠