دروس في البلاغة - ج ٤

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في البلاغة - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة البلاغ
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٥٤

إلى التّشبيه فمجاز مرسل ، فاللّفظ الواحد (١) بالنّسبة إلى المعنى الواحد (٢) قد يكون استعارة ، وقد يكون مجازا مرسلا ، والاستعارة [قد (٣) تقيّد بالتّحقيقيّة (٤)] لتتميّز عن التّخييليّة ، والمكني عنها ، [لتحقّق معناها] أي ما عني بها (٥) واستعملت (٦) هي فيه [حسّا أو عقلا (٧)] بأن يكون اللّفظ قد نقل إلى أمر معلوم يمكن أن ينّص عليه ، ويشار

________________________________________________________

(١) أي كمشفر مثلا.

(٢) أي شفة الإنسان في المثال ، ولذلك المعنى الواحد اعتباران : أحدهما خصوص كونه شفة الإنسان والآخر عموم كونه شفظظظ

ززنغننمفنفنة ، فالإطلاق بالاعتبار الأوّل استعارة وبالاعتبار الثّاني مجاز مرسل وعلاقته الإطلاق والتّقييد.

(٣) أي «قد» هنا للتّحقيق لا للتّقليل ، لأنّ تقيّدها بالتّحقيقيّة كثير في نفسه.

(٤) أي الاستعارة تنقسم إلى ثلاثة أقسام : الأوّل التّحقيقيّة ، والثّاني : التّخييليّة ، والثّالث : الاستعارة بالكناية.

ثمّ الفرق بين الأوّل والأخيرين : الأوّل ما يذكر فيه المشبّه به ، ويراد به المشبّه ، ويكون المشبّه أمرا تحقيقا إمّا حسّا أو عقلا سمّي تحقيقيّة لتحقّق معناها ، فالأولى محقّقة المعنى بخلاف التّخييليّة حيث لا تكون محقّقة المعنى ، وكذلك الاستعارة بالكناية ليست محقّقة المعنى عند المصنّف ، لأنّ معنى التّخييليّة عند المصنّف أمر وهمي ، والاستعارة بالكناية عنده هي التّشبيه المضمر في النّفس ، وهو ليس بلفظ فلا تكون محقّقة المعنى. ـ

(٥) أي ما قصد بالاستعارة التّحقيقيّة ، وهو المعنى المجازي لا المعنى الحقيقي.

(٦) أي استعملت التّحقيقيّة في معناه المجازي.

(٧) أي منصوبان على نزع الخافض ، والمعنى لتحقيق معناها في الحسّ أو في العقل ، والمراد من تحقّق معناها في الحسّ أن يكون معناها ممّا يدرك بإحدى الحواس الخمس فيصحّ أن يشار إليه إشارة حسيّة ، بأن يقال نقل اللّفظ لهذا المعنى الحسّي ، والمراد بالتّحقيق العقلي أن لا يدرك معناه بالحواسّ ، بل بالعقل بأن كان له تحقّق وثبوت في نفسه بحيث لا يصحّ العقل نفيه في نفس الأمر ، فتصحّ الإشارة إليه إشارة عقليّة بأن يقال : هذا الشّيء المدرك الثّابت عقلا هو الّذي نقل له اللّفظ ، وهذا بخلاف الأمور الوهميّة فإنّها لا ثبوت لها في نفسها ، بل بحسب الوهم ، ولذا كان العقل لا يدركها ثابتة ، ويحكم ببطلانها دون الوهم.

١٠١

إليه إشارة حسّيّة (١) أو عقليّة (٢) ، فالحسّي [كقوله (٣) : لدى أسد شاكى السّلاح] أي (٤) تامّ السّلاح [مقذف (٥) أي رجل شجاع] أي قذف به كثيرا إلى الوقايع ، وقيل قذف باللّحم ورمى به فصار له جسامة ونبالة ، فالأسد ههنا مستعار للرّجل الشّجاع ، وهو أمر متحقّق حسّا [وقوله] أي والعقلى كقوله [تعالى : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ)(١) (٦) أي الدّين الحقّ] وهو ملّة الإسلام ، وهذا أمر متحقّق عقلا.

________________________________________________________

(١) أي لكونه مدركا بإحدى الحواسّ الخمس.

(٢) أي لكونه له ثبوت في نفسه ، وإن كان غير مدرك بإحدى الحواسّ الخمس بل بالعقل.

(٣) أي قول زهير بن أبي سلمى لدى أسد شاكي السّلاح ، وهو بكسر السّين ما يقاتل به في الحرب ، ف «شاكي» صفة مشبّهة أضيفت إلى الفاعل ، والإضافة لفظيّة لا تفيد تعريفا ، فلذا وقع صفة للنّكرة ، وهو مأخوذ من الشّوكة ، وهي بمعنى شدّة البأس ، والمعنى أنا عند أسد ، أي رجل شجاع ، فشبّه الرّجل الشّجاع بالحيوان المفترس ، وادّعي أنّه فرد من أفراده ، واستعير اسم المشبّه به للمشبّه على طريق الاستعارة التّصريحيّة التّحقيقيّة ، لأنّ المستعار له وهو الرّجل الشّجاع محقّق حسّا لإدراكه بحاسة البصر.

(٤) أي تفسير لشاكي السّلاح ، لأنّ تمام السّلاح عبارة عن كونه أهلا للأضرار.

(٥) أي وهو اسم مفعول من قذفه ، رمى به ، وهو يحتمل معنيين :

أحدهما : أنّه قذف به في الحروب ورمى به فيها كثيرا حتّى صار عارفا بها ، فلا تهوله ، هذا ما أشار إليه بقوله : «أي قذف به كثيرا إلى الوقايع».

وثانيهما : أنّه قذف باللّحم ورمى به ، أي زيد في لحمه حتّى صار له جسامة ، أي سمن ونبالة ، أي غلظ فصارت جثّته عظيمة.

(٦) أي الصّراط المستقيم في الأصل هو الطّريق الّذي لا اعوجاج فيه ، واستعير لأمر عقلي ، أي الدّين الحقّ بعد تشبيهه به ، واستعارة تصريحيّة تحقيقيّة ، ووجه الشّبه هو التّوصل إلى المطلوب في كلّ ، وإنّما كانت تحقيقيّة ، لأنّ المستعار له وهو الدّين الحقّ محقّق عقلا ، لأنّ المراد بالدّين الحقّ ملّة الإسلام ، بمعنى الأحكام الشّرعيّة ، وهي لها تحقّق وثبوت في نفسها.

__________________

(١) سورة الحمد : ٦.

١٠٢

قال المصنّف (١) رحمه‌الله : فالاستعارة ما تضمّن (٢) تشبيه معناه بما وضع له ، والمراد بمعناه ما عني باللّفظ (٣) واستعمل اللّفظ فيه ، فعلى هذا (٤) يخرج من تفسير الاستعارة نحو : زيد أسد ، ورأيت زيدا أسدا ، ومررت بزيد أسد ، ممّا يكون اللّفظ مستعملا فيما وضع له ، إن تضمّن تشبيه شيء به ، وذلك (٥) لأنّه إذا كان معناه عين المعنى الموضوع له لم يصحّ تشبيه معناه بالمعنى الموضوع له ، لاستحالة تشبيه الشّيء بنفسه وعلى أنّ (٦) ـ ما في قولنا : ما تضمّن ، عبارة عن المجاز بقرينه تقسيم المجاز إلى

________________________________________________________

(١) أي قال المصنّف في الإيضاح ، والمقصود من نقله لكلام المصنّف إفادة أنّ المصنّف يجعل نحو : زيد أسد ، ورأيت زيدا أسدا ، تشبيها بليغا لا استعارة ، لأنّ حدّ الاستعارة لا يصدق عليه ، لأنّ الاستعارة ما تضمّن تشبيه معناه بما وضع له ، وقولنا : زيد أسد ممّا يكون اللّفظ مستعملا فيما وضع له ، لا بما يشابه ما وضع له.

(٢) أي يريد بهذا الكلام أنّ المصنّف وغيره يجعل زيد أسد تشبيها بليغا ، لأنّ حدّ الاستعارة لا يصدق عليه.

(٣) يعني ليس المراد به ما وضع له اللّفظ فيكون معناه غير ما وضع له ، فلا يلزم تشبيه الشّيء بنفسه وتخرج الحقيقة ، لأنّها لفظ مستعمل فيما وضع له ، وأيضا يخرج التّشبيه لأنّ لفظ المشبّه به مستعمل فيما وضع له متضمّنا لتشبيه شيء به ، وأيضا يخرج المجاز المرسل لأنّه لفظ مستعمل في غير ما وضع له غير متضمّن لتشبيه ذلك الغير به ، وبقي الاستعارة ، لأنّها لفظ مستعمل في غير ما وضع له متضمّنا لتشبيه ذلك الغير به ، هذا معنى قول المصنّف في الإيضاح : «فالاستعارة ما تضمّن تشبيه معناه بما وضع له» وما في قوله : «ما تضمّن ...» جنس يتناول الاستعارة وغيرها ، وما عداه فصل يخرج غيرها ، وتبقى الاستعارة وحدها مع جميع أفرادها.

(٤) أي فعلى حدّ المذكور للاستعارة نحو : زيد أسد ، فلا يكون استعارة ، بل هو تشبيه بليغ بحذف الأداة.

(٥) أي وبيان خروج لفظ الأسد في الأمثلة المذكورة عن حدّ الاستعارة.

(٦) أي هذه العلاوة من تتمّة كلام المصنّف مقوّيه لما ذهب إليه من إخراج الأسد في الأمثلة المذكورة عن الاستعارة.

١٠٣

الاستعارة وغيرها ، وأسد في الأمثلة المذكورة ليس بمجاز ، لكونه مستعملا فيما وضع له (١).

وفيه (٢) بحث : لأنّا لا نسلّم أنّه مستعمل فيما وضع له ، بل في معنى الشّجاع ، فيكون مجازا (٣) واستعارة (٤) كما في : رأيت أسدا يرمي ، بقرينه (٥) حمله على زيد ، ولا دليل لهم (٦) على أنّ هذا على حذف أداة التّشبيه ، وأنّ التّقدير زيد كأسد. واستدلالهم على ذلك (٧)

________________________________________________________

فملخّص الكلام في المقام :

أنّ لفظ الأسد في الأمثلة كلّها خارج عن التّعريف بقوله : «ما تضمّن» ، لأنّ «ما» واقعة على المجاز ، وأسد في الأمثلة ليس بمجاز.

(١) هذا آخر كلام المصنّف في الإيضاح.

(٢) أي في كلام المصنّف حيث قال : إنّ لفظ الأسد في الأمثلة المذكورة مستعمل فيما وضع له ، نظر وبحث.

وحاصل البحث والنّظر : أنّا لا نسلّم أنّ الأسد في الأمثلة المذكورة مستعمل فيما وضع له ، أي الحيوان المفترس ، بل استعمل في معنى الشّجاع ، وحينئذ لفظ أسد له معنيان شبّه معناه المراد منه وهو الشّجاع الّذي زيد فرد من أفراده بالمعنى الموضوع له وهو الحيوان المفترس ، واستعير اسمه ، فيكون أسد مجازا بالاستعارة لصدق تعريفها الّذي ذكره المصنّف عليه.

(٣) أي ـ لأنّه مستعمل في غير ما وضع له.

(٤) أي لأنّه لفظ تضمّن تشبيه معناه المراد منه بالمعنى الّذي وضع له ، وليس في ذلك جمع بين الطّرفين ، لأنّ زيدا ليس هو المشبّه بالأسد ، وإنّما المشبّه بالأسد كلّيّه ، وهو الشّجاع ، وأصل التّركيب زيد رجل شجاع كالأسد.

(٥) أي قوله : «بقرينة» متعلّق بمستعمل المقدّر في قوله : «بل في معنى الشّجاع» ، أي بل مستعمل في معنى الشّجاع بقرينة حمله على زيد.

(٦) أي لا دليل للقوم التّابع لهم المصنّف على أنّ أسد في الأمثلة المذكورة مستعمل في حقيقته ، والتّقدير زيد كأسد حتّى يكون أسد مستعملا فيما وضع له ، غاية الأمر أنّ نحو زيد محمول على حذف أداة التّشبيه.

(٧) أي على أنّ نحو زيد أسد ، على حذف أداة التّشبيه ، وأنّ التّقدير زيد كأسد ، ـ أي استدلالهم فاسد ، فاستدلالهم مبتدأ ، وخبره فاسد.

١٠٤

بأنّه قد أوقع الأسد على زيد ، ومعلوم أنّ الإنسان لا يكون أسدا ، فوجب المصير إلى التّشبيه بحذف أداته قصدا (١) ـ إلى المبالغة فأسد.

لأنّ (٢) ـ المصير إلى ذلك إنّما يجب إذا كان أسد مستعملا في معناه الحقيقي ، وأمّا إذا كان مجازا عن الرّجل الشّجاع فحمله على زيد صحيح (٣) ، ويدلّ على ما ذكرناه (٤) أنّ المشبّه به في مثل هذا المقام كثيرا ما يتعلّق به (٥) الجارّ والمجرور كقوله (٦) : أسد عليّ وفي الحروب نعامة ، أي مجترئ صائل عليّ.

________________________________________________________

(١) أي قوله : «قصدا إلى المبالغة» علّة لحذف الأداة ، أي إنّما حذفت الأداة لأجل قصد المبالغة في زيد بإيهام أنّه عين الأسد.

(٢) أي قوله : «لأنّ المصير ...» علّة لقوله : «فاسد» أي لأنّ المصير والنّقل إلى التّشبيه بحذف الأداة إنّما يصحّ ، بل يجب إذا كان أسد مستعملا في معناه الحقيقي ، وليس الأمر كذلك ، فإنّ الأسد مستعمل في معناه المجازي ، أعني الرّجل الشّجاع ، فحينئذ قد استعمل لفظ المشبّه به في المشبّه على سبيل الاستعارة.

(٣) لأنّ المعنى زيد رجل شجاع.

(٤) أي يدلّ على ما ذكرناه من استعمال أسد في رجل شجاع لا في الحيوان المفترس الّذي وضع له ، إنّ المشبّه به في مثل هذا المقام ، أي في كلّ تركيب ذكر فيه المشبّه به ، والمشبّه بحسب الصّورة ولم تذكر الأداة.

(٥) أي يتعلّق بالمشبّه به الجارّ والمجرور ، وتعلّق الجارّ والمجرور دليل على أنّه مؤوّل بمشتقّ كشجاع مثلا.

(٦) أي قول عمران بن حطّان من شعراء الخوارج خطابا للحجّاج توبيخا له ، أي أنت أسد عليّ وأنت نعامة في الحروب ، فقوله : «عليّ» متعلّق ب «أسد» و «في الحروب» متعلّق ب «نعامة» لكونهما بتأويل المشتقّ ، أي أنت عليّ مجترىء وشجاع ، وفي الحروب جبان ، لأنّ النّعامة من أجبن الحيوانات ، فقوله : «أي مجترئ صائل عليّ» تفسير للمعنى المجازي والمشبّه بالأسد.

١٠٥

وكقوله : والطّير أغربة عليه (١) أي باكية ، وقد استوفينا ذلك (٢) في الشّرح (٣).

واعلم (٤) أنّهم (٥) قد اختلفوا في أنّ الاستعارة مجاز لغوي أو عقلي ، فالجمهور على أنّها مجاز لغوي ، بمعنى أنّها لفظ استعمل في غير ما وضع له لعلاقة المشابهة ، [ودليل (٦) أنّها] أي الاستعارة [مجاز لغوي كونها موضوعة للمشبّه به لا للمشبّه ، ولا للأعمّ منهما] أي من المشبّه والمشبّه به ، فأسد في قولنا : رأيت أسدا يرمي ، موضوع للسّبع المخصوص لا للرّجل الشّجاع ، ولا لمعنى أعّم من السّبع ، والرّجل كالحيوان المجترىء مثلا ليكون إطلاقه عليهما (٧) حقيقة كإطلاق الحيوان على الأسد والرّجل.

وهذا (٨) معلوم بالنّقل عن أئمّة اللّغة قطعا ،

________________________________________________________

(١) أي هذا بعض بيت لأبي العلاء المعرّي ، الأغربة جمع غراب ، وهو جامد تعلّق به عليه ، لكونه بتأويل المشتقّ ، أي باكية ، أي حزينة ، وإنّما أوّل بذلك لأنّ الغراب عند العرب يشبّه به الباكي الحزين.

(٢) أي كون تعلّق الجارّ والمجرور كثيرا ما يتعلّق بالمشبّه في مثل هذا المقام.

(٣) أي مطوّل.

(٤) أي أشار الشّارح به إلى أنّ كلام المصنّف أعني «دليل أنّها ...» مرتّب على محذوف.

(٥) أي ـ علماء البيان اختلفوا في أنّ الاستعارة مجاز لغوي أو عقلي ، فذهب الجمهور إلى أنّها مجاز لغوي في مقابل المجاز العقلي ، فيشمل الشّرعى والعرفي ، كما أشار إليه بقوله : «بمعنى أنّها لفظ ...».

(٦) أي حاصل ما ذكرناه من الدّليل أنّ الاستعارة لفظ استعمل في غير ما وضع له لعلاقة وقرينة ، وكلّ ما هو كذلك فهو مجاز لغوي ، فالاستعارة مجاز لغوي.

(٧) أي لا يكون لفظ أسد موضوعا لمعنى أعمّ ليكون إطلاقه على السّبع ، والرّجل الشّجاع حقيقة ، كما أنّ إطلاق الحيوان على الأسد والرّجل حقيقة ، لأنّ الحيوان موضوع للمعنى الأعمّ من الأسد والرّجل ، وهو الجسم النّامي الحسّاس المتحرّك بالإرادة ، وحينئذ فاستعماله في كلّ من الأسد والرّجل حقيقة.

(٨) أي كون لفظ أسد موضوعا للمشبّه به لا المشبّه ، ولا لأمر أعمّ ، معلوم بالنّقل عن أئمّة اللّغة قطعا.

١٠٦

فإطلاقه (١) ـ على المشبّه ، وهو الرّجل الشّجاع إطلاق على غير ما وضع له مع قرينة مانعة عن إرادة ما وضع له ، فيكون مجازا لغويّا ، وفي هذا الكلام (٢) ـ دلالة على أنّ لفظ العامّ إذا أطلق على الخاصّ لا باعتبار خصوصه ، بل باعتبار عمومه فهو ليس من المجاز في شيء ، كما إذا لقيت زيدا فقلت : لقيت رجلا أو إنسانا أو حيوانا ، بل هو حقيقة ، إذا لم يستعمل اللّفظ إلّا في معناه الموضوع له (٣).

[وقيل : إنّها] أي الاستعارة [مجاز عقلي (٤) بمعنى أنّ التّصرف في أمر عقلي (٥) لا لغوي (٦) ، لأنّها لمّا لم تطلق على المشبّه إلّا بعد ادّعاء دخوله] أي دخول المشبّه [في جنس

________________________________________________________

(١) أي إطلاق الأسد في قولنا : رأيت أسدا يرمي على الرّجل الشّجاع ، إطلاق على غير ما وضع له ، هذا هو مناط المجاز اللّغوي فيكون مجازا لغويّا لا مجازا عقليّا.

(٢) أي قول المصنّف ، ولا للأعمّ منهما ، أي فيه دلالة على أنّ إطلاق لفظ العامّ على الخاصّ باعتبار عمومه ليس مجازا ، نعم ، إطلاقه عليه باعتبار خصوصه مجاز.

(٣) أي وحاصل الكلام في المثال المذكور أنّ اللّفظ لم يستعمل إلّا فيما وضع له لكنّه وقع في الخارج على زيد ، وهو خاصّ ، لأنّ في الخاصّ عموميّة وخصوصيّة ، وهي التّشخيص وعموميّة الخاصّ كونه رجلا أو إنسانا أو حيوانا مثلا ، فإذا أطلق العامّ على الخاصّ لا باعتبار خصوصيّة الخاصّ وهو التّشخص ، بل باعتبار عمومه وهو رجل أو إنسان أو حيوان لا يكون مجازا ، لأنّه اعتبر في الخاصّ العموميّة ، ثمّ أطلق العامّ عليه ، فيكون استعمال اللّفظ فيما وضع له.

(٤) أي ليس المراد بالمجاز العقلي إسناد الفعل أو ما هو بمعناه إلى غير ما هو له على ما مرّ في بحث الإسناد الخبري ، لأنّه كما بيّن هناك التّصرف في الإسناد بجعله لغير ما هو له ، وذلك غير متحقّق هنا بل المراد بالمجاز العقلي هنا هو التّصرف في أمر عقلي ـ أي ما يدرك بالعقل ، وهو المعاني العقليّة ، وإليه أشار بقوله : «بمعنى أنّ التّصرّف».

(٥) أي هو جعل الرّجل الشّجاع فردا من أفراد الأسد حقيقة بعد ادّعاء أنّه من جنس المشبّه به أي الأسد.

(٦) أي لا في أمر لغوي ، وهو لفظ الأسد مثلا ، بمعنى أنّ المتكلّم لم ينقل اللّفظ ـ إلى غير معناه ، بل استعمله في معناه بعد التّصرف في المعنى بأن جعل المعنى معنى آخر ادّعاء ،

١٠٧

المشبّه به] بأن جعل الرّجل الشّجاع فردا من أفراد الأسد [كان استعمالها] أي الاستعارة في المشبّه (١) استعمالا [فيما وضعت له] وإنّما قلنا (٢) إنّها لم تطلق على المشبّه إلّا بعد ادّعاء دخوله في جنس المشبّه به ، لأنّها لو لم تكن كذلك (٣) لما كانت استعارة ، ـ لأنّ مجرد نقل الاسم لو كان استعارة ، لكانت الأعلام المنقولة استعارة ، ولما كانت الاستعارة أبلغ من الحقيقة ، إذ لا مبالغة في إطلاق الاسم المجرّد عاريا عن معناه ، ولما صحّ

________________________________________________________

ثمّ أطلق اللّفظ على معناه الجعلي ، واليه أشار بقوله : «لأنّها» أي الاستعارة ، أي لفظ الأسد مثلا لم يطلق على المشبّه ، أي الرّجل إلّا بعد ادّعاء دخوله في جنس المشبّه به ، أي الأسد ، فقوله : «لأنّها» دليل على الاستعارة ، ونفي المجاز اللّغوي.

وحاصله : أنّ الاستعارة مستعملة فيما وضعت له بعد الادّعاء ، وكلّ ما هو كذلك لا يكون مجازا لغويّا ، ينتج أنّ الاستعارة ليست مجازا لغويّا بل عقليّا ، لأنّ الكلام في المجاز لا في الحقيقة.

(١) أي كاستعمال الأسد في الرّجل الشّجاع مثلا استعمالا فيما وضعت له ، وذلك لأنّ التّصرف والادّعاء المذكور صيّر الرّجل الشّجاع من أفراد الأسد الّذي وضعت له لفظة الأسد ، فتكون حقيقة لغويّة ومجازا عقليّا.

(٢) أي على لسان المصنّف دالا ، فالمناسب : إنّما قال.

(٣) أي لو لم تكن مطلقة على المشبّه بعد الادّعاء ، بل أطلقت عليه بدون الادّعاء المذكور للزم ما ذكره الشّارح من ثلاثة أمور كلّها باطلة.

الأوّل ما أشار إليه بقوله : «لما كانت استعارة» ، لأنّ حقيقة الاستعارة نقل اللّفظ بمعناه للمستعار ، لا نقل مجرّد اللّفظ خاليا عن المعنى ، وذلك لأنّ مجرّد نقل الاسم عن معناه لمعنى آخر مجرّدا عن الادّعاء لو كان استعارة لكانت الأعلام المنقولة كيزيد ويشكر وأسد استعارة لوجود النّقل فيها ، مع أنّها ليست كذلك ، فالتّالي باطل والمقدّم مثله.

والثّاني ما أشار إليه بقوله : «ولما كانت الاستعارة أبلغ من الحقيقة» إذ لا مبالغة في إطلاق الاسم المجرّد عاريا عن معناه ، أي لو لم يكن إطلاق اللّفظ على المشبّه بعد ادّعاء دخوله في المشبّه به المقتضي للمبالغة ، لما كانت الاستعارة أبلغ من الحقيقة والتّالي باطل فالمقدّم مثله.

١٠٨

أن يقال لمن قال : رأيت أسدا ، وأراد به (١) زيدا أنّه جعله أسدا (٢) ، كما لا يقال لمن سمّى (٣) ولده أسدا ، أنّه جعله أسدا ، إذ لا يقال جعله أميرا إلّا وقد أثبت فيه صفة الإمارة ، وإذا كان (٤) ـ نقل اسم المشبّه به إلى المشبّه تبعا لنقل معناه إليه ، بمعنى أنّه أثبت له معنى الأسد الحقيقي ادّعاء ، ثمّ أطلق عليه اسم الأسد كان الأسد مستعملا فيما وضع له.

________________________________________________________

والثّالث ما أشار إليه بقوله : «ولما صحّ أن يقال لمن قال : رأيت أسدا ، وأراد به زيدا أنّه جعله أسدا» أي صّيره حيوانا مفترسا ، والتّالي باطل ، لأنّ من قال : رأيت أسدا يرمي ، وأراد بالأسد زيدا على سبيل الاستعارة ، يقال فيه : إنّه جعل زيدا أسدا قطعا ، وما ذاك إلّا باعتبار دخول المشبّه في جنس المشبّه به ، فثبت المدّعى ، وهو أنّ الاستعارة لم تطلق إلّا بعد إدخال المشبّه في جنس المشبّه به ، فكانت مجازا عقليّا فالمتحصل أنّه لو لم تكن الاستعارة مطلقة على المشبّه بعد الادّعاء المذكور للزم ما ذكر من الأمور ، والتّالي باطل فالمقدّم مثله.

(١) أي أراد بالأسد زيدا.

(٢) أي إنّما كان لا يصحّ أن يقال إنّه جعل زيدا أسدا ، لأنّ (جعل) إذا كان بمعنى صيّر كما هنا تعدّى إلى مفعولين ، ويفيد إثبات صفة لشيء ، فيكون مدلول قولك : فلان جعل زيدا أسدا ، أي أنّه أثبت الأسديّة له ، ولا شكّ أنّ مجرّد نقل لفظ الأسد لزيد وإطلاقه عليه من غير ادّعاء دخوله في جنسه ليس فيه إثبات أسديّة له.

(٣) أي من سمّى ولده أسدا لم يثبت فيه الأسديّة بمجرّد إطلاق الأسد عليه.

(٤) هذا مرتبط بما أنتجه الدّليل السّابق ، وحاصله أنّه رتّب على انتفاء الادّعاء المذكور في الاستعارة ثلاثة لوازم وكلّ منها باطل ، كما عرفت ، فيكون ملزومها وهو انتفاء الادّعاء المذكور في الاستعارة باطلا ، فيثبت نقيضه وهو اعتبار الادّعاء المذكور في الاستعارة ، وإذا كان الادّعاء المذكور معتبرا فيها فيكون اسم المشبّه به إنّما نقل للمشبّه تبعا لنقل معناه إليه ، بمعنى أنّ الرّجل الشّجاع جعل فرد من أفراد الحيوان المفترس ، وكان ذلك المعنى الكلّي ، أي الحيوان المفترس متحقّقا في الرّجل الشّجاع فحينئذ يكون استعمال لفظ الأسد في الرّجل الشّجاع استعمالا فيما وضع له.

١٠٩

فلا يكون مجازا لغويّا (١) بل عقليّا ، بمعنى أنّ العقل جعل الرّجل الشّجاع من جنس الأسد ، وجعل (٢) ما ليس في الواقع واقعا مجاز عقلي ، [ولهذا] أي ولأنّ إطلاق اسم المشبّه به على المشبّه إنّما يكون بعد ادّعاء دخوله في جنس المشبّه به [صحّ التّعجّب (٣) في قوله (٤) : قامت تظللنّي] أي (٥) توقع الظّل عليّ [من الشّمس (٦) نفس أعزّ عليّ من نفسي* قامت تظللنّي ، ومن عجب (٧) شمس] أي غلام كالشّمس في الحسن والبهاء (٨) [تظللنّي من الشّمس] فلو لا أنّه ادّعى لذلك الغلام معنى الشّمس الحقيقي ، وجعله (٩) شمسا على الحقيقة لما كان لهذا التّعجّب معنى إذ لا تعجّب في أن

________________________________________________________

(١) أي نظرا إلى الادّعاء المذكور لا يكون مجازا لغويّا ، فإنّ كونه مجازا لغويّا يستدعي كون الكلمة مستعملة في غير ما هي موضوعة له.

(٢) أي وجعل بالرّفع مبتدأ ، وخبره مجاز عقلي ، أي جعل الشّيء الّذي ليس في الواقع ، أي جعله واقعا مجاز عقلي ، لأنّ العقل جعل الرّجل الشّجاع الّذي ليس أسدا في الواقع جعله من جنس الأسد.

(٣) أي صحّ التّعجب الّذي أصله أن يشاهد الإنسان وقوع أمر غريب ، أو حصول شيء من مورد لم تجر العادة على حصوله منه.

(٤) أي قول أبي الفضل بن عميد في غلام قام على رأسه يظلّله من الشّمس.

(٥) أي فسّره الشّارح بذلك ، لأنّ التّظليل عبارة عن إيقاع الظّلّ.

(٦) أي من حرّها وضمّن التّظليل معنى المنع ، فلذا عدّاه بمن ، أي تمنعني من حرّ الشّمس ، فقوله : «نفس» فاعل «قامت» ، ولذلك اتّصلت به تاء التّأنيث ، وإن كان القائم غلاما ، قوله : «أعزّ» صفة لنفس ، وجملة «تظللنّي» في محلّ نصب على الحال ، والتّقدير قامت نفس هي أعزّ من نفسي حال كونها مظلّلة لي من حرّ الشّمس.

(٧) أي قوله : «من عجب» خبر مقدّم ، و «شمس» مبتدأ مؤخّر ، والجملة حال ، والتّقدير قامت تلك النّفس مظلّلة لي ، وشمس مظلّلة من الشّمس من العجب.

(٨) أي فقد شبّه الغلام بالشّمس ، وادّعى أنّه فرد من أفرادها ، وأنّ حقيقتها متحقّقة فيه ، ثمّ استعار له اسمها.

(٩) أي جعل الغلام شمسا على الحقيقة بمعنى أنّ حقيقتها موجودة فيه إذ لو لا هذا

١١٠

يظلّل إنسان حسن الوجه إنسانا آخر [والنّهي عنه] ، أي ولهذا صحّ النّهي عن التّعجّب [في قوله (١) : لا تعجبوا من بلى غلالته (٢)] هي (٣) شعار يلبس تحت الثّوب وتحت الدّرع أيضا [قد زرّ (٤) أزراره على القمر] تقول (٥) : زرّرت القميص عليه ، أزرّه إذا أشددت أزاره عليه ، فلو لا أن (٦) جعله قمرا حقّيقيّا لما كان للنّهى عن التّعجّب معنى ، لأنّ الكتّان إنّما يسرع إليه البلى بسبب ملابسة القمر الحقيقي لا بملابسة إنسان كالقمر في الحسن.

________________________________________________________

لما يحصل التّعجّب إذ لا تعجّب في أن يظلّل إنسان حسن الوجه إنسانا آخر لعدم الغرابة ، والغرابة في تظليل الشّمس مع كونها نورا لا ظلّ له أصلا ، فإذا جعل ذلك الغلام شمسا حقيقة على سبيل الادّعاء ، يستدعي غرابة ، فالتّعجب صحيح ، لأنّ الشّمس من شأنها رفع الظّلّ وإذهابه لا إحداثه ، كما هنا فهو أمر على خلاف العادة.

(١) أي قول الشّريف أبي الحسن بن طباطبا العلوي في غلام لابس الكتّان.

(٢) البلى بكسر الباء مقصورا من بلى الثّوب يبلى إذا فسد ، أي لا تعجبوا من تسارع بلى وفساد غلالته ، ففي الكلام حذف مضاف أعني تسارع.

(٣) ـ أي الغلالة شعار ، أي ثوب صغير ضيّق الكمّين كالقميص يلاقى البدن ، يلبس تحت الثّوب الواسع ، ويلبس أيضا تحت الدّرع ، سمّي شعارا لأنّه يلي شعر البدن ويلاقيه.

(٤) أي بالبناء للمفعول ، و «أزراره» نائب الفاعل ، علّة للنّهي عن التّعجّب ، والمعنى لا تعجبوا من بلى غلالته ، لأنّه قد زرّ أزراره على القمر ، أي شدّ أزراره على القمر ، والضّمير في أزراره راجع إلى المحبوب ، أو إلى الغلالة ، والتّذكير باعتبار أنّه قميص أو شعار شبّه المحبوب بالقمر ، واستعار اسم المشبّه به للمشبّه استعارة تصريحيّة والبلى ترشيح.

(٥) أفاد بهذا أنّ تعدية «زرّ» إلى الأزرار على احتمال كونه مبنيّا للفاعل ، فيه ضرب من التّسامح ، لأنّه إنّما يتعدّى للقميص ، ويتضمّن الدّلالة على الأزرار ، والشّاعر قد عدّاه إليها.

(٦) أي فلو لا أنّ الشّاعر جعل الممدوح قمرا حقيقيّا لما كان للنّهي عن التعجّب معنى ، لأنّ الكتّان إنّما يسرع إليه البلى عادة كما ثبت ذلك بالتّجربة ، وإخبار أهل الخبرة بسبب ملابسة القمر الحقيقي لا بسبب ملابسة إنسان كالقمر في الحسن والبهاء.

والحاصل أنّه لما خشي أن يتوهّم أنّ صاحب الغلالة إنسان عادي تسارع البلى لغلالته فيتعجّب من ذلك لأنّ العادة أنّ غلالة الإنسان العادّي لا يتسارع البلى إليها قبل الأمد المعتاد ،

١١١

لا يقال (١) : القمر في البيت ليس باستعارة ، لأنّ المشبّه مذكور ، وهو الضّمير في غلالته وأزراره.

لأنّا نقول لا نسلّم (٢) أنّ الذّكر على هذا الوجه ينافى الاستعارة المذكورة كما في قولنا : سيف زيد في يد أسد (٣) ، فإنّ تعريف الاستعارة صادق على ذلك. [وردّ] هذا الدّليل (٤) [بأنّ الادّعاء] أي ادّعاء دخول المشبّه في جنس المشبّه به [لا يقتضي كونها] أي الاستعارة [مستعملة فيما وضعت له] للعلم الضّروري بأنّ أسدا في

________________________________________________________

نهى الشّاعر عن ذلك التعجّب ، وبيّن سبب النّهي ، وهو أنّ ذلك الغلام لم يبق في الإنسانيّة بل دخل في جنس القمر ، والقمر لا يتعجّب من بلى ما يباشر ضوءه لأنّ هذا من خواصّه ، ومتى ظهر السّبب بطل العجب كما في شرح المدرس رحمه‌الله.

(١) أي حاصل الإشكال أنّ القمر هنا لا يصحّ أن يكون استعارة لذكر طرفي التّشبيه في التّركيب المذكور في البيت ، لأنّ ضمير الغيبة فيه عائد إلى الشّخص الّذي أطلق عليه القمر.

(٢) أي وحاصل الجواب أنّ ذكر المشبّه على الوجه المذكور في البيت لا ينافي الاستعارة ، لأنّ الذّكر الّذي ينافيها إنّما هو ذكره على وجه ينبئ عن التّشبيه بأن يكون المشبّه به خبرا عن المشبّه ، أو حالا ، أو صفة ، نحو : زيد أسد ، ومررت بزيد أسدا ، وجاءني رجل أسد ، فالجمع في هذه الأمثلة ينبئ عن التّشبيه ، فتقدّر أداة التّشبيه ، وأمّا إذا ذكر المشبّه لا على وجه ينبئ عن التّشبيه كما في البيت فهو استعارة.

(٣) أي هذا مثال لعدم منافاة ذكر المشبّه للاستعارة ، فقد شبّه زيد بالأسد ، وادّعى أنّه فرد من أفراده ، واستعير اسم المشبّه به للمشبّه على طريق الاستعارة التّصريحيّة ، فقد جمع بين المشبّه وهو زيد ، والمشبّه به وهو الأسد ، على وجه لا ينبئ عن التّشبيه ، لأنّ هذا التّركيب ونحوه لا يتأتّى فيه تقدير الأداة إلّا بزيادة في التّركيب بحيث يتحوّل الكلام عن أصله بأن يقال : رأيت في يد رجل كالأسد سيفا.

(٤) أي قول المصنّف : «لأنّها لمّا لم تطلق على المشبّه إلّا بعد ادّعاء دخوله في جنس المشبّه به كان استعمالها فيما وضعت له».

وحاصل الرّدّ : منع الصّغرى القائلة بأنّ الاستعارة لفظ مستعمل فيما وضع له بعد الادّعاء المذكور ، أي لا نسلّم ذلك ، وهذا الادّعاء لا يخرج اللّفظ عن كونه مستعملا في غير ما وضع له.

١١٢

قولنا : رأيت أسدا يرمي ، مستعمل في الرّجل الشّجاع (١) ، والموضوع له هو السّبع المخصوص ، وتحقيق ذلك (٢) أنّ ادّعاء دخول المشبّه في جنس المشبّه به مبني على أنّه جعل أفراد الأسد بطريقة تأويل (٣) قسمين : أحدهما المتعارف : وهو

________________________________________________________

(١) أي الرّجل الشّجاع ليس معنى لفظ الأسد كي يكون استعمال اللّفظ فيما وضع له ، بل الموضوع له هو السّبع المخصوص ، فلا يكون استعمال الأسد في الرّجل الشّجاع استعمال اللّفظ ـ فيما وضع له ، فلا خلاف في أنّ الاستعارة استعمال اللّفظ في غير ما وضع له في الواقع ، وإنّما النّزاع في أنّ الاستعارة هل تسمّى مجازا لغويّا ، نظرا لما في نفس الأمر ، أو تسمّى مجازا عقليّا نظرا إلى المبالغة والادّعاء المذكور.

(٢) أي تحقيق أنّ الادّعاء المذكور لا يقتضي كون الاستعارة مستعملة فيما وضعت له ، وحاصل ما ذكره من التّحقيق أنّ ادّعاء دخول المشبّه في جنس المشبّه به لا يقتضي كونها مستعملة فيما وضعت له ، إذ ليس معناه ما فهمه المستدلّ من ادّعاء ثبوت المشبّه به له حقيقة ، حتّى يكون استعمال لفظ المشبّه به فيه استعمالا فيما وضع له ، والتّجوز في أمر عقلي ، وهو جعل غير المشبّه به مشبّها به ، بل معناه جعل المشبّه به مؤوّلا بوصف مشترك بين المشبّه والمشبّه به ، وادّعاء أنّ لفظ المشبّه به موضوع لذلك الوصف ، وأنّ أفراده قسمان متعارف وغير متعارف ، ولا خفاء في أنّ الدّخول بهذا المعنى لا يقتضي كونها مستعملة فيما وضعت له ، لأنّ الموضوع له هو الفرد المتعارف ، والمستعمل فيه هو الفرد الغير المتعارف.

(٣) أي قوله : «بطريق التّأويل» متعلّق ب «جعل».

إن قلت :

إنّ الّذي بطريق التّأويل إنّما هو أحد القسمين وهو غير المتعارف ، وأمّا الآخر وهو المتعارف فبطريق التّحقيق ، فما قاله الشّارح من جعل أفراد الأسد قسمين بطريق التّأويل غير صحيح.

قلت :

جعل الأفراد قسمين مبنيّ على كون الأسد موضوعا للقدر المشترك بينهما الصّادق على كلّ منهما وهو مجترىء ، وكونه موضوعا لذلك ليس إلّا بطريق التّأويل ، وأمّا بطريق التّحقيق فهو منحصر في قسم واحد وهو المتعارف.

١١٣

الّذي له غاية الجرأة ونهاية القوّة في مثل تلك الجثّة المخصوصة. والثّاني غير المتعارف : وهو الّذي له تلك الجرأة ، لكن لا في تلك الجثّة المخصوصة والهيكل المخصوص (١) ، ولفظ الأسد إنّما هو موضوع للمتعارف ، فاستعماله في غير المتعارف استعمال في غير ما وضع له ، والقرينة مانعة (٢) عن إرادة المعنى المتعارف ليتعيّن المعني الغير المتعارف. ـ وبهذا يندفع ما يقال : إنّ الإصرار على دعوى الأسديّة للرّجل الشّجاع ، ينافي نصب القرينة المانعة عن إرادة السّبع المخصوص (٣). [وأمّا التعجّب (٤) والنّهي عنه] كما في البيتين المذكورين [فللبناء على تناسي التّشبيه قضاء لحقّ المبالغة] ودلالة على أنّ المشبّه بحيث لا يتميّز

________________________________________________________

(١) أي قوله : «والهيكل المخصوص» عطف تفسير على قوله : «الجثّة المخصوصة».

(٢) أي قوله : «والقرينة مانعة ...» دفع لما قيل : من عدم الحاجة إلى القرينة مع أنّها مستعملة في فرد من أفراده ، ولو ادّعاء.

فأجاب بما ترى من أنّ القرينة مانعة عن إرادة المعنى المتعارف ليتعيّن غير المتعارف.

فيندفع ما يقال : إنّ الإصرار على دعوى الأسديّة للرّجل الشّجاع ينافي القرينة المانعة من إرادة الأسديّة.

ووجه الاندفاع أنّ الإصرار على دعوة الأسديّة بالمعنى الغير المتعارف ونصب القرينة إنّما يمنع من إرادة الأسديّة بالمعنى المتعارف ، وحينئذ فلا منافاة.

(٣) أي الأولى أن يقول : عن إرادة الأسد.

(٤) أي التعجّب من المشبّه والنّهي عن التعجّب «فللبناء على تناسي التّشبيه» أي إظهار التّناسي ، والمراد بالتّناسي النّسيان ، أي على إظهار نسيان التّشبيه قضاء وتوفية لحقّ المبالغة في دعوى الاتّحاد ، ويمكن أن يكون قوله : «وأمّا التعجّب ...» إشارة إلى جواب عن سؤال نشأ من الجواب المتقدّم ، وهو إذا كان الادّعاء لا يقتضي استعمال الاستعارة فيما وضعت له ، فلا يصحّ التعجّب والنّهي عنه في البيتين السّابقين ، لأنّهما لا يتمّان إلّا بجعل المشبّه من إفراد المشبّه به حقيقة.

وحاصل الجواب الّذي أشار له المصنّف أنّ التعجّب والنّهي عنه لتناسي التّشبيه وجعل الفرد الغير المتعارف مساويا للمتعارف في حقيقته ، حتّى أنّ كلّ ما يترتّب على المتعارف يترتّب عليه.

١١٤

عن المشبّه به أصلا (١) ، حتّى إنّ كلّ ما يترتّب على المشبّه به من التعجّب ، والنّهي عن التعجّب يترتّب على المشبّه أيضا (٢). [والاستعارة تفارق الكذب] بوجهين (٣) [بالبناء على التّأويل] في دعوى دخول المشبّه في جنس المشبّه به بأن يجعل أفراد المشبّه به قسمين : متعارف وغير متعارف كما مرّ ، ولا تأويل في الكذب ، [ونصب] أي وبنصب [القرينة على إرادة خلاف الظّاهر] في الاستعارة ، لما عرفت أنّه لا بدّ للمجاز من قرينة مانعة عن إرادة الموضوع له بخلاف الكذب ، فإنّ قائله لا ينصب فرينة على إرادة خلاف الظّاهر ، بل يبذل (٤) المجهود في ترويج ظاهره ، [ولا تكون] أي الاستعارة [علما] (٥) لما سبق من أنّها

________________________________________________________

(١) أي دلالة على أنّ المشبّه ، أي الغلام في البيتين لا يتميّز عن المشبّه به ، أي الشّمس في البيت الأوّل ، والقمر في البيت الثّاني.

(٢) أي فلذلك يصحّ التعجّب في البيت الأوّل ، والنّهي عنه في البيت الثّاني. كما يصحّ ذلك في الشّمس والقمر.

(٣) أي فلا يقع الاشتباه بينهما ، الوجه الأوّل ما أشار إليه بقوله : «بالبناء على التّأويل» ، والوجه الثّاني ما أشار إليه بقوله : «ونصب القرينة على إرادة خلاف الظّاهر».

(٤) أي يقال بذل يبذل كنصر ينصر ، والمراد بالمجهود الجهد والوسع والطّاقة ، والمراد بترويج ظاهره إظهار صحّته عند السّامع ، ومحلّ كون الكذب يبذل المتكلّم وسعه وطاقته في ترويج ظاهره إذا عرف عدم مطابقته ، وقصد إظهار صحّته ، لا إن لم يقصد ذلك واعتقد الصحّة.

(٥) أي لا تكون الاستعارة في أصله علما شخصيا فإنّ علم الجنس تجري فيه الاستعارة كاسم الجنس بخلاف علم الشّخص فلا يصحّ أنّ يشبه زيد بعمرو في الشّكل والهيئة مثلا ويطلق عليه اسمه ويفهم من تخصيص المصنّف امتناع الاستعارة بالعلميّة جواز المجاز المرسل في العلم ، فلا يكون هناك مانع من كون المجاز المرسل علما لصحّة أن يكون للعلم لازم يستعمل فيه لفظ العلم.

١١٥

تقتضي إدخال المشبّه في جنس المشبّه به بجعل أفراده قسمين : متعارفا وغير متعارف ، ولا يمكن ذلك (١) في العلم [المنافاته (٢) الجنسيّة] لأنّه (٣) يقتضي التّشخّص ومنع الاشتراك ، والجنسيّة تقتضي العموم وتناول الأفراد (٤) [إلّا إذا تضمّن (٥)] العلم [نوع وصفيّة] بواسطة اشتهاره (٦) بوصف من الأوصاف [كحاتم] المتضمّن الاتّصاف ـ بالجود (٧)

________________________________________________________

(١) أي لا يمكن إدخال المشبّه في المشبّه به بجعل أفراده قسمين متعارفا وغير متعارف في العلم.

(٢) أي لمنافاة العلم الجنسيّة الّتي تقتضيها الاستعارة.

(٣) أي لأنّ العلم يقتضي تشخيص معناه وتعيّنه خارجا ، فالمراد من العلم هو علم الشّخص لا علم الجنس ، لإمكان العموم في معنى علم الجنس لكونه ذهنيّا ، والمعنى الذّهني لا ينافي تعدّد الأفراد له.

(٤) أي قوله : «وتناول الأفراد» عطف تفسير على «العموم».

(٥) أي استلزم نوع وصفيّة ، وليس المراد أنّ دلالة تضمّينه على نوع من الأوصاف كالكرم.

(٦) أي اشتهار العلم ، أي مدلوله وهو الذّات ، فمعنى كون العلم متضمّنا نوع وصفيّة ، هو أن يكون مدلوله مشهورا بوصف بحيث متى أطلق ذلك العلم على غير مدلوله الأصلي صحّ جعله استعارة بسبب ادّعاء أنّه من أفراد ذلك الكلّي ، مثلا حاتم موضوع للذّات المعيّنة ، ثمّ إنّه بواسطة اشتهارها بالكرم بحيث متى أطلق ذلك العلم فهم منه ذلك الوصف ، أعني الجواد فصار كأنّه موضوع للجواد ، وهو معنى كلّي ، فيصحّ إطلاق لفظ حاتم على زيد الكريم ، بأن تقول عند رؤيتك لزيد : رأيت اليوم حاتما ، بسبب تشبيه زيد بحاتم في الجود ، وملاحظة أنّ حاتما كأنّه موضوع للجواد ، وأنّ زيدا فرد من أفراده ، هذا معنى الاستعارة كما عرفت.

(٧) أي المستلزم للاتّصاف به ، فيجعل ذلك الوصف لازما له ، وهو وجه الشّبه في الاستعارة ، وحاتم في الأصل اسم فاعل من الحتم بمعنى الحكم ، نقل لحاتم بن عبد الله بن الحشرج الطّائي.

١١٦

ومادر (١) بالبخل ، وسحبان (٢) بالفصاحة ، وباقل (٣) بالفهاهة ، فحينئذ (٤) يجوز أن يشبّه شخص بحاتم في الجود ، ويتأوّل في حاتم ، فيجعل كأنّه موضوع للجواد (٥) سواء كان ذلك الرّجل المعهود (٦) أو غيره ، كما مرّ في الأسد (٧) ، فبهذا التّأويل (٨) يتأوّل حاتم ، الفرد المتعارف المعهود ، والفرد الغير المتعارف ، ويكون إطلاقه على المعهود أعني حاتما الطّائيّ حقيقة (٩) ، وعلى غيره (١٠) ممّن يتّصف بالجود استعارة ، نحو : رأيت اليوم (١١) حاتما.

________________________________________________________

(١) أي وهو بتقديم الدال المتضمّن الاتّصاف بالبخل ، اسم رجل من بني هلال بن عامر بن صعصعة ، وإنّما سمّي مادرا ، لأنّه سقى إبلا له من حوض ، فلمّا فرغت الإبل من الشّرب بقي أسفل الحوض ماء قليل فسلح فيه ، أي تغوّط في الحوض ، ومدر الحوض به ، أي حرك ماءه به بخلا ، خوفا من أن يستقي من حوضه أحد.

(٢) أي هو علم لرجل مشهور بالبلاغة والفصاحة.

(٣) أي باقل متضمّن للاتّصاف بالفهاهة ، أي العجز عن الإفصاح عمّا في الضّمير ، وهو اسم رجل من العرب كان شديد العيّ في النّطق ، وقد اتّفق أنّه كان اشترى ظبيا بأحد عشر درهما ، فقيل له : بكم اشتريته؟ ففتح كفّيه ، وفرّق أصابعه ، وأخرج لسانه ليشير بذلك إلى أحد عشر ، فانفلت منه الظّبي فضرب به المثل في العيّ.

(٤) أي فحين إذ تضمّن العلم كحاتم نوع وصفيّة حسبما ذكر «يجوز ...».

(٥) أي كأنّ حاتما موضوع لجنس الجواد ، أي لكلّيه.

(٦) أي بأن يكون ذلك الرّجل من العرب من قبيلة طيّ ، أو كان غيره عربا كان أو عجما أو غيرهما من الطّوائف.

(٧) أي كأنّه موضوع للشّجاع سواء كان متعارفا أو غيره.

(٨) أي تأويل حاتم بالجواد الشّامل للفرد المتعارف والفرد الغير المتعارف ، يتأوّل حاتم لهما.

(٩) أي قوله : «حقيقة» خبر «يكون» في قوله : «ويكون إطلاقه».

(١٠) أي على غير حاتم الطّائي يكون إطلاقه استعارة.

(١١) أي اليوم قرينة على الاستعارة ، لأنّ حاتم الطّائي ليس في هذا اليوم.

١١٧

[وقرينتها] يعني أنّ الاستعارة لكونها مجازا لا بدّ لها من قرينة مانعة عن إرادة المعنى الموضوع له ، وقرينتها (١) [إمّا أمر واحد كما في قولك : رأيت أسدا يرمي ، أو أكثر (٢)] أي أمران أو أمور يكون كلّ واحد منها (٣) قرينة [كقوله : (٤) فإن تعافوا (٥)] أي تكرهوا [العدل والإيمان* فإنّ في أيماننا نيرانا] أي سيوفا تلمع (٦) كشعل النّيران ، ـ فتعلّق قوله : تعافوا ، بكلّ واحد من العدل والإيمان قرينة على أنّ المراد بالنّيران

________________________________________________________

(١) أي قرينة الاستعارة إمّا شيء واحد يلائم المشبّه ، أي المعنى ـ المجازي ، كقولك : رأيت أسدا يرمي ، لأنّ المراد من الرّمي المستفاد من «يرمي» ، هو الرّمي بالسّهم لا مطلق الرّمي ، وأنّه لا يوجد في المشبّه به ، وتخصيص الشّارح قرينة الاستعارة بالبيان إنّما هو للاعتناء بشأنها ، وإلّا فالقرينة لازمة في كلّ مجاز سواء كان مرسلا أو استعارة.

(٢) أي أكثر من قرينة واحدة.

(٣) أي أن يكون كلّ واحد من تلك الأمور قرينة من دون أن يضمّ إليه الآخر ، فيكون هذا احترازا عن أن يكون كلا الأمرين ، أو مجموع الأمور قرينة.

(٤) أي كقول بعض العرب ، ولم يعرف القائل.

(٥) أي قوله : «تعافوا» مأخوذ من عاف يعاف ، بمعنى كره ، وأصل عاف يعاف عوف يعوف كعلم يعلم ، يقال : عاف الرّجل طعامه وشرابه ، أي كرهه.

فمعنى البيت : إن تكرهوا العدل والإنصاف وتميلوا للجور ، وتكرهوا التّصديق بالنّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإنّ في أيدينا سيوفا تلمع كالنّيران ، نحاربكم ونلجئكم إلى الطّاعة بها ، ثمّ العدل هو وضع الشّيء في محلّه ، فهو مقابل للظّلم ، والإيمان الأوّل في البيت بكسر الهمزة تصديق النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيما جاء به عن الله ، والأيمان الثّاني بفتح الهمزة جمع يمين يطلق على القسم وعلى الجارحة المعلومة وهو المراد ، ويصحّ أن يقرأ الأيمان في الموضعين بفتح الهمزة جمع يمين ، والمراد منه القسم في الأوّل والجارحة في الثّاني.

(٦) أي فقد شبّه السّيوف بالنّيران بجامع اللّمعان في كلّ واستعار اسم المشبّه به للمشبّه على طريق الاستعارة المصرّحة ثمّ القرينة على أنّ المراد بالنّيران السّيوف تعلّق الإعافة بكلّ من العدل والأيمان فكلّ واحد من العدل والأيمان باعتبار تعلّق الإعافة به قرينة على أنّ المراد بالنّيران السّيوف.

١١٨

السّيوف ، لدلالته (١) على أنّ جواب هذا الشّرط تحاربون وتلجؤون إلى الطّاعة بالسّيوف ، [أو معان ملتئمة] ، مربوط (٢) بعضها ببعض ، يكون الجميع (٣) ـ قرينة لا كلّ ـ واحد. وبهذا (٤) ظهر فساد قول من زعم أنّ قولهم : أو أكثر ، شامل لقوله : أو معان ، فلا يصحّ جعله مقابلا له وقسيما ، [كقوله (٥) : وصاعقة من نصله] أي من نصل سيف الممدوح [تنكفي بها] من انكفأ ، أي انقلب ، والباء للتّعدية ، والمعنى ربّ نار (٦) من حدّ سيفه يقلبها (٧) [على أرؤس الأقران (٨) خمس (٩) سحائب] أي أنامله (١٠) الخمس

________________________________________________________

(١) أي لدلالة تعلّق تعافوا بكلّ من العدل والأيمان على حذف جواب الشّرط وهو «تحاربون» وقوله : «فإنّ في أيماننا نيرانا» علّة لذلك الجواب أقيمت مقامه.

(٢) أي قوله : «مربوط بعضها ببعض» تفسير للملتئمة.

(٣) أي بحيث يكون الجميع ، أي المجموع قرينة واحدة.

(٤) أي يكون المراد من معان ملتئمة أن يكون الجميع ، أي المجموع قرينة لا كلّ واحد.

ظهر فساد من يقول إنّ قوله : «أو أكثر» شامل لقوله : «أو معان» فلا يصحّ العطف بأو المؤذنة بالتّغاير ، وعلى ما ذكره الشّارح تصحّ المقابلة والعطف بأو.

(٥) أي كقول البحتري «وصاعقة» ، روى بالجرّ على إضمار ربّ ، أي ربّ صاعقة ، وبالرّفع على أنّه مبتدأ موصوف بقوله : «من نصله» وخبره قوله : «تنكفي».

(٦) أي هذا تفسير للصّاعقة ، وقوله : «من حدّ سيفه» فيه إشارة إلى أنّ النّصل هو حدّ السّيف.

(٧) أي تلك النّار ، وهي نفس السّيف.

(٨) أي الأرؤس جمع رأس ، والأقران جمع قرن ، وهو المكافئ والمماثل ، وكلاهما جمع قلّة ، فيكون إشارة إلى قلّة أكفائه في الحرب.

(٩) أي هو من إضافة الصّفة إلى الموصوف ، فاعل «ينكفي بها».

(١٠) أي عبّر الشّارح بالأنامل دون الأصابع ، مع أنّ الّذي يقبض على السّيف وينقلب به على الأعداء ، هي الأصابع لا الأنامل للمبالغة في شجاعة الممدوح ، أي أنّه لشجاعته وقوّته لا كلفة عليه ، ولا مشقّة في قلب السّيف على الأقران بالأنامل.

١١٩

الّتي (١) هي في الجود وعموم العطايا كالسّحاب ، أي يصبّها على أكفائه في الحرب فيلكهم بها (٢) ، ولمّا استعار السّحائب لأنامل الممدوح ذكر أنّ هناك صاعقة ، وبيّن أنّها من نصل سيفه ، ثمّ قال : على أرؤس الأقران ، ثمّ قال : خمس ، فذكر (٣) العدد الّذي هو عدد الأنامل ، فظهر من جميع ذلك (٤) أنّه أراد بالسّحائب الأنامل.

الاستعارة

[وهي] أي الاستعارة (٥) [باعتبار الطّرفين] المستعار منه والمستعار له [قسمان : لأنّ اجتماعهما] أي اجتماع الطّرفين (٦) [في شيء إمّا ممكن نحو : أحييناه في قوله :

________________________________________________________

(١) قوله :

«الّتي هي في الجود ...» إشارة إلى أنّ البيت فيه المحسّنات البديعيّة والاستتباع حيث ضمّن الشّاعر مدح الممدوح بالشّجاعة مدحه بالسّخاوة. والضّمير في قوله : «يصبها» يرجع إلى الصّاعقة ، أي يصبّ الصّاعقة على أكفائه في الحرب.

(٢) أي الصّاعقة حيث يكون المراد بها السّيف.

(٣) أي فذكر الشّاعر العدد الّذي هو عدد الأنامل بأنّه خمس ، ولا شكّ أنّ ذكر العدد قرينة على أنّ المراد بالسّحائب الأنامل ، إذ السّحائب الحقيقيّة ليست خمسا.

(٤) أي من ذكر الصّاعقة ، ومن كونها ناشئة من حدّ سيفه ومن انقلابها على أرؤس الأقران ، ومن كون المنقلب بها خمسا ، أي ظهر من جميع ذلك مرتبطا البعض بالبعض أنّه أراد بالسّحائب الأنامل لا معناها الحقيقي.

وبالجملة إنّ القرينة في هذا المثال ملتئمة من عدّة معان هي ثبوت الصّاعقة ، وكونها من نصل سيفه ، وقلب سحائب إيّاها على رؤوس أقرانه ، ومع هذه القرينة الملتئمة من تلك المعاني لا تبقى شبهة في استعارة السّحاب للأنامل.

(٥) أي الاستعارة تنقسم باعتبار الطّرفين ، وباعتبار الجامع ، وباعتبار الطّرفين والجامع معا.

ويأتي بيان كلّ واحد منهما في محلّه بالتّرتيب المذكور.

(٦) أي وصفهما وعنوانيهما.

١٢٠