دروس في البلاغة - ج ٤

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في البلاغة - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة البلاغ
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٥٤

[وقوله : وإن لم يكن إلّا معرّج ساعة (١)] هو خبر كان ، واسمه ضمير يعود إلى الإلمام المدلول عليه في البيت السّابق وهو :

ألمّا على الدّار الّتي لو وجدتها

بها أهلها ما كان وحشا مقيلها

[قليلا] صفة مؤكّدة لفهم القلّة من إضافة التّعريج إلى السّاعة ، أو صفة مقيّدة ، أي إلّا تعريجا قليلا في ساعة [فإنّي نافع لي قليلها] مرفوع فاعل نافع ، والضّمير للسّاعة ، والمعنى قليل من التّعريج في السّاعة ينفعني ويشفى غليل وجدي ، وهذا فيما يكون المكرّر الآخر في صدر المصراع الثّاني. [وقوله (٢) : دعاني] أي أتركاني (٣)

________________________________________________________

والشّاهد في أن مغرم الأوّل وقع في آخر المصراع الأوّل ، وهو مكرّر مع (مغرما) في العجز ، والمغرم بالشّيء هو المولع به ، والكواعب جمع كاعب ، وهي الجارية حين يبدو ، أي يظهر ثديها في الارتفاع ، والقواضب جمع قاضب ، وهو السّيف القاطع.

وحاصل المعنى أنّ من كانت لذّته في مخالطة البنات الكواعب ، فلا ألتفت إليه لأنّي ما زلّت لذّتي بمخالطة السّيوف القواطع واستعمالها في الحروب.

(١) وتمام البيت :

وإن لم يكن إلّا معرّج ساعة

قليلا فإنّي نافع لي قليلها

والشّاهد في أن قليلا الأوّل وقع في صدر المصراع الثّاني ، وهو مكرّر مع قليلها في العجز ، والمعرّج بفتح الرّاء اسم مصدر من عرّج ، وهو خبر لاسم كان الّذي هو ضمير يعود على الإلمام الّذي هو النّزول بالشّيء المفهوم من البيت السّابق.

والمعنى إنّي أطلب منكما أيّها الخليلان أن تساعداني في الإلمام بالدّار الّتي ارتحل عنها أهلها فصارت القيلولة فيها والنّزول فيها موحشة ، وأنا لو وجدت أهلها فيها ما كان مقيلها موحشا ، وإن لم يكن ذلك النّزول وذلك التّعريج إلّا شيئا قليلا ، فهو نافع لي ، يذهب بتذكّر الأحباب فيه بعض همّي ، ويشفى غليلي ويرفع حزني.

هذا تمام الكلام في أقسام المكرّرين وأمثلتها. ثمّ شرع في أمثلة المتجانسين وهي أربعة أيضا.

(٢) أي قول القاضي الأرجاني من شعراء الدّول الأمويّة.

(٣) أي هذا التّفسير إشارة إلى أنّ «دعاني» تثنية دع فعل أمر من ودع يدع ، بمعنى ترك

٣٨١

[من ملامكما سفاها] أي خفّة وقلّة عقل [فداعي الشّوق قبلكما دعاني] من الدّعاء ، وهذا فيما يكون المتجانس الآخر في صدر المصراع الأوّل ، [وقوله (١) : وإذا البلابل] جمع بلبل ، وهو طائر معروف [أفصحت بلغاتها (٢) فانف (٣) البلابل] ـ جمع البلبال وهو الحزن ، [باحتساء (٤) بلابل] جمع بلبلة بالضّم وهو إبريق فيه الخمر. وهذا فيما يكون المتجانس الآخر أعني البلابل الأوّل في حشو المصراع الأوّل لا صدره ، لأنّ صدره هو قوله : وإذا ،

________________________________________________________

يترك ، لا تثنية دعا يدعو بمعنى طلب يطلب.

والشّاهد في «دعاني» الواقع في صدر المصراع الأوّل ، و «دعاني» الواقع في آخر البيت ، وهما ليسا مكرّرين بل متجانسين ، لأنّ الأوّل كما تقدّم بمعنى أتركاني ، والثّاني بمعنى ناداني.

(١) أي قول أبي منصور الثّعالبي من شعراء الدّولة العباسيّة.

(٢) أي خلصت لغاتها من اللّكنة وجادت ، فلم يلحن ، أي لم يغلط ، والمراد بلغاتها النّغمات الّتي تصدر منها جعل كلّ نغمة لغة.

(٣) فعل أمر من نفي ينفى.

(٤) الاحتساء معناه الشّرب ، وحاصل المعنى : أنّه إذا ـ حرّكت البلابل بنغماتها الحسان الخالصة من اللّكنة أحزانك وأشواقك ، حيث إنّ الصّوت الحسن يحرّك الأحزان والأشواق ، فأنف وباعد عنك تلك الأحزان بالشّرب من أباريق الخمر.

والشّاهد باعتبار لفظ البلابل الأوّل الواقع في حشو المصراع الأوّل ، والبلابل الآخر الواقع في آخر المصراع الثّاني. هذا هو مثال القسم الثّاني.

والثّالث ما يكون المتجانس الآخر في آخر المصراع الأوّل هذا ما أشار إليه بقوله «فمشغوف بآيات المثاني» هو القرآن «ومفتون برنّات المتاني».

والشّاهد في أن المثاني الأوّل وقع في آخر المصراع الأوّل ، والثّاني في العجز ، وهما متجانسان إذ المراد بالمثاني الأوّل القرآن ، لأنّه تثنّى فيه القصص والوعد والوعيد ، ويطلق لفظ المثاني على الفاتحة منه ، لأنّها تثّنى في كلّ ركعة.

والمراد بالمثاني الثّاني أوتار المزامير لأنّها طاقات تثنّى إلى ضمّ بعضها إلى بعض ، ورنّاتها نغماتها.

٣٨٢

[وقوله : فمشغوف بآيات المثاني] أي القرآن [ومفتون برنّات المثاني] أي بنغمات أوتار المزامير الّتي ضمّ طاق منها إلى طاق ، وهذا فيما يكون المتجانس الآخر في آخر المصراع الأوّل [وقوله (١) : أمّلتهم (٢) ثمّ تأمّلتهم (٣) فلاح] أي ظهر [لي أن ليس فيهم فلاح] أي فوز ونجاة ، وهذا فيما يكون المتجانس الآخر في صدر المصراع الثّاني. [وقوله : ضرائب] جمع ضريبة ، وهي الطّبيعة الّتي ضربت للرّجل وطبع عليها [أبدعتها في السّماح* فلسنا نرى لك فيها ضريبا (٤)] ، أي مثلا ، وأصله المثل في ضرب القداح (٥) وهذا فيما يكون الملحق الآخر بالمتجانسين اشتقاقا في صدر المصراع الأوّل ،

________________________________________________________

(١) أي قول القاضي الأرجاني.

(٢) أي رجوتهم.

(٣) أي تفكّرت في أحوالهم هل هم ممّن يرجى خيره أوّلا ، «فلاح لي» بعد التّأمّل أنّهم ليس فيهم فلاح.

والشّاهد : في أنّ فلاح الأوّل وقع في صدر المصراع الثّاني ، وفلاح الثّاني في آخر البيت ، هذا المثال هو المثال الرّابع.

ثمّ شرع في أمثلة الملحقين اشتقاقا وهي أربعة : فالأوّل منها وهو ما يكون فيه الآخر منهما في صدر المصراع الأوّل كقوله : «ضرائب».

(٤) وحاصل معنى البيت أنّك أبدعت عادات وسجايا في السّماح والكرم ، فلسنا نرى لك في سائر النّاس مثلا في تلك العادات والسّجايا.

والشّاهد في أنّ ضرائب في أوّل المصراح مشتقّ ممّا اشتقّ فيه لفظا ضريبا الّذي في العجز فبينهما الإلحاق اشتقاقا.

ووجه كونهما ملحقين بالمتجانسين من جهة الاشتقاق أنّ (ضرائب وضريبا) يرجعان لأصل واحد وهو الضّرب.

(٥) القداح السّهام جمع قدح ، وهو سهم القمار ، وإضافة ضرب من إضافة الصّفة للموصوف.

يريد أنّه المثل من القداح المضروبة ، وهي سهام الميسر ، فكلّ واحد منها يقال له ضريب ، فهو في الأصل مثل مقيّد ثمّ أريد به مطلق مثل.

والمثال الثّاني ما يكون فيه المشتقّ الآخر منهما في حشو المصراع الأوّل وقد أشار إليه

٣٨٣

[وقوله :

إذا المرأ لم يخزن عليه لسانه

فليس على شيء سواه بخزان (١)]

أي إذا لم يحفظ المرء لسانه على نفسه ممّا يعود ضرره إليه فلا يحفظه على غيره ممّا لا ضرر له فيه ، وهذا مما يكون الملحق الآخر اشتقاقا في حشو المصراع الأوّل. [وقوله : لو اختصرتم من الإحسان زرتكم* والعذب] من الماء [يهجر للإفراط في الخصر (٢)] أي في البرودة ، يعني أنّ بعدي عنكم لكثرة إنعامكم عليّ. وقد توهّم بعضهم أنّ هذا المثال مكرّر حيث كان اللّفظ الآخر في حشو المصراع الأوّل ، كما في البيت الّذي قبله ، ولم يعرف أن اللّفظين في البيت السّابق ممّا يجمعهما الاشتقاق ، وفي هذا البيت ممّا يجمعهما شبه الاشتقاق.

________________________________________________________

بقوله : «إذا المرأ لم يخزن ...» ، وهو لامرء القيس بن حجر.

(١) أي إذا لم يخزن المرء لسانه على نفسه ، ولم يحفظه ممّا يعود ضرره إليه ، فلا يخزنه على غيره ، ولا يحفظه ممّا لا ضرر له فيه بطريق أولى ، لأنّه لم يتحافظ فيما يضرّه ، فكيف فيما لا يضرّه! وإنّما يضرّ غيره.

والشّاهد في لفظ «يخزن» الواقع في حشو المصراع الأوّل ، ولفظ «خزان» الواقع في آخر البيت ممّا يجمعهما الاشتقاق مع اتّفاق المعنى فيهما ، فيكونان ملحقين بالمتجانسين بالاشتقاق ، وإنّما كانا ملحقين من جهة الاشتقاق ، لأنّ «يخزن وخزان» يرجعان لأصل واحد وهو الخزن فهما مشتقّان منه.

(٢) ولا يخفى أنّ هذا البيت مثال للملحقين بشبه الاشتقاق ، وقد ذكر المصنّف مثالا واحدا للملحقين بشبه الاشتقاق قبل استكمال أربعة أقسام الملحقين بالاشتقاق ، وكان مقتضى التّرتيب تأخيره هذا المثال بعد استكمال أمثلة أقسام الملحقين بالاشتقاق ، ومن هنا ظهر فساد توهّم بعضهم بأنّ هذا المثال مكرّر.

والشّاهد في أنّ بين قوله : «اختصرتم» و «الخصر» شبه الاشتقاق ، ولو باعتبار تبادر كونهما من مادّة واحدة.

وحاصل المعنى : لو تركتم كثرة الإحسان «زرتكم» لكن أكثرتم من الإحسان فهجرتكم ، ولا غرابة في ذلك لخروج إحسانكم عن حدّ الاعتدال ، فأنا أستحي من المجيء

٣٨٤

والمصنّف لم يذكر من هذا القسم إلّا هذا المثال ، وأهمل الثّلاثة الباقية وقد أوردتها في الشّرح ، [وقوله :

فدع الوعيد فما وعيدك ضائري

أطنين أجنحة الذّبابة يضير]

________________________________________________________

عندكم ، لأنّه لا قدرة لي على القيام بحقّ شكر نعمائكم الكثيرة عليّ ، فالبيت مدح لهم.

وهذا مثال لما وقع أحد الملحقين بشبه الاشتقاق في آخر البيت ، والآخر في حشو المصراع الأوّل ، كقوله : «اختصرتم» لتقدّم «لو» عليه.

ثمّ رجع المصنّف إلى تكميل أمثلة الملحقين اشتقاقا ، وأمّا الثّالث من الملحقين اشتقاقا ، وهو ما يكون الآخر منهما في آخر المصراع الأوّل.

فكقول الشّاعر :

فدع الوعيد فما وعيدك ضائري

أطنين أجنحة الذّبابة يضير

فبين ضئر ويضير اشتقاق ملحق ، والأوّل منهما في آخر المصراع الأوّل ، والثّاني في العجز ، والمعنى إنّ وعيدك ، أي أخبارك بأنّك تنالني بمكروه دعه ، فإنّه لا يجديك معي شيئا ، لأنّه بمنزلة طنين ، أي صوت أجنحة الذّباب ، وذلك الطّنين لا يبالي به ، فكذا وعيدك.

وأما الرّابع من الملحقين اشتقاقا ، وهو ما يكون فيه الآخر من الملحقين في صدر المصراع الثّاني فكقوله :

وقد كانت البيض القواضب في الوغى

بواتر وهي الآن من بعده بتر

(الوغى) أي الحرب ، (بواتر) قواطع ، (بتر) بمعنى مقطوع الفائدة.

والشّاهد : في أنّ البواتر في صدر المصراع الثّاني ، والبتر في العجز ، وهما مأخوذان من مادّة البتر ، وهو القطع ، والمعنى أنّ السّيوف البيض القواضب ، أي القواطع من ذاتها كانت في الحروب قواطع لرقاب الأعداء من استعمال الممدوح إيّاها لمعرفته لذلك ، وتدرّبه وشجاعته ، وهي الآن بعد موته (بتر) إلى مقطوعة الاستعمال ، إذ لم يسبق بعده من يستعملها كاستعماله.

٣٨٥

وهذا فيما يكون الملحق الآخر اشتقاقا وهو ـ ضائري ـ في آخر المصراع الأوّل. [وقوله : وقد كانت البيض القواضب في الوغى] أي السّيوف القواطع في الحرب [بواتر] أي قواطع لحسن استعماله إيّاها [فهي الآن من بعده بتر] جمع أبتر إذ لم يبق بعده من يستعملها استعماله ، وهذا فيما يكون الملحق الآخر اشتقاقا في صدر المصراع الثّاني.

________________________________________________________

وأمّا ما أورده الشّارح من بقيّة أمثلة الملحقين بشبه الاشتقاق ، فهي قول الحريري :

ولاح يلحى على جري العنان إلى

ملهى فسحقا له من لائح لاح

فالشّاهد : في أن لاح الأوّل الواقع في صدر المصراع الأوّل فعل ماض ليلوح بمعنى ظهر ، والثّاني اسم فاعل من لحاه ، بمعنى شتمه ، وبينهما شبه اشتقاق.

وحاصل معنى البيت : أنّه ظهر الشّيب يلومني على جري خيل الشّهوات إلى أماكن اللهو واللّذّات ، فبعدا له من ظاهر لائم.

هذا هو المثال الثّاني من أمثلة الملحقين بشبه الاشتقاق.

والمثال الثّالث : وهو ما دفع الملحق الآخر في آخر المصراع الأوّل ، هو قول الحريري أيضا :

ومطلّع إلى تلخيص عاني

ومضطلع بتلخيص المعاني

والشّاهد : في أن الأوّل ، أي المعاني الواقع في آخر المصراع الأوّل مأخوذ من عنى يعنى ، بمعنى قصد يقصد ، والثّاني أي العاني الواقع في آخر البيت مأخوذ من عنا يعنو ، بمعنى أسر يأسر ، وبينهما شبه اشتقاق.

والمثال الرّابع : وهو ما وقع الملحق الآخر في صدر المصراع الثّاني هو قول الآخر أي قول غير الحريري :

لعمري لقد كان الثّريّا مكانه

ثراء فأضحى الآن مثواه في الثّرى

وحاصل المعنى : إنّي أقسم بعمري أنّه كانت الثّريا مكانه من حيث الثّروة ، أي الغنا ، فإنّه يقال في العرف لمن صار غنيّا وذا ثروة : أنّه أضحى في الثّريّا ، أي ارتفع مكانته فصار الآن

٣٨٦

[ومنه] أي ومن اللّفظي [السّجع (١) وهو تواطؤ الفاصلتين من النّثر على حرف واحد] في الآخر [وهو (٢) معنى قول السّكّاكي هو] أي السّجع [في النثر كالقافية في الشّعر] يعنى (٣) أنّ هذا مقصود كلام السّكّاكي ومحصوله ، وإلّا (٤) فالسّجع على التّفسير المذكور بمعنى المصدر أعني توافق الفاصلتين في الحرف الأخير. وعلى كلام السّكّاكي هو نفس اللّفظ المتواطئ الأخير في أواخر الفقر ، ولذا ذكره السّكّاكي بلفظ الجمع وقال : إنّها في النّثر كالقوافي في الشّعر ، وذلك لأنّ القافية لفظ في آخر البيت ، إمّا الكلمة نفسها ، أو الحرف الأخير منها ، أو غير ذلك ، على تفصيل

________________________________________________________

مثواه ، أي مسكنه في الثّرى ، أي في الأرض ، أي مات ودفن في الأرض.

والشّاهد : في أنّ الثّراء الواقع في صدر المصراع الثّاني ناقص واوي ، لأنّه مأخوذ من الثّروة ، بمعنى الغنى والثّرى الثّاني ناقص يائي ، فهما لا يرجعان إلى أصل واحد في الإشتقاق ، لكنّه يتبادر في باديء الرّأي أنّهما يرجعان إلى أصل واحد فهما من الملحقين بشبه الاشتقاق.

هذا تمام أمثلة ردّ ـ العجز على الصّدر ، ثمّ أشار إلى نوع آخر من البديع اللّفظي.

(١) قد يكون بمعنى اسم المفعول فيكون المراد منه الكلمة المسجوعة ، وقد يكون بمعناه المصدري ، فيكون المراد منه توافق الكلمتين ، وإلى هذا المعنى المصدري أشار بقوله : «وهو تواطوء الفاصلتين من النّثر على حرف واحد» أي توافقهما على حرف واحد.

(٢) أي السّجع بالمعنى المصدري معنى كلام السّكّاكي «أعني السّجع في النّثر كالقافية في الشّعر» من جهة وجوب التّواطؤ في كلّ على حرف في الآخر.

(٣) أي المصنّف ، «أنّ هذا» أي تفسير السّجع بالتّواطؤ المذكور محصول كلام السّكّاكي وفائدته ، لا أنّه عينه ، وذلك أنّ تسمّية السّكّاكي السّجع بالقافية إنّما هو لوجود المعنى المصدري ، أعنى التّوافق في كلّ واحد منهما.

(٤) أي وإن لم نقل أنّ هذا التّفسير بالتّواطؤ هو المقصود من كلام السّكّاكي ، بل قلنا : إنّه عينه ، فلا يصحّ لأنّ السّجع على التّفسير المذكور بمعنى المصدر ، أعني توافق الفاصلتين في الحرف الأخير ، وإن كان صحيحا في نفسه ، ومن الأقوال في المقام إلّا أن كلام السّكّاكي يدلّ على أنّ السّجع نفس الكلمة الأخيرة من الفقرة دون تواطؤ الفاصلتين ، كما ذكره الشّارح ، «ولذا ذكره السّكّاكي» أي ولأجل كون السّجع عند السّكّاكي هو نفس اللّفظ المتواطئ لا

٣٨٧

المذاهب ، وليست عبارة عن تواطؤ الكلمتين من أواخر الأبيات على حرف واحد. فالحاصل إنّ السّجع قد يطلق على الكلمة الأخيرة من الفقرة باعتبار توافقها الكلمة الأخيرة من الفقرة الأخرى ، وقد يطلق على نفس توافقها ، ومرجع المعنيين واحد (١). [وهو] أي السّجع [ثلاثة أضرب : مطرف (٢) إن اختلفتا] أي الفاصلتان [في الوزن نحو : (ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً (١٣) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً)(١)] فإنّ الوقار والأطوار مختلفان وزنا (٣) ، [وإلّا] أي وإن لم يختلفا في الوزن [فإن كان ما في إحدى القرينتين (٤)] من الألفاظ [أو] كان [أكثره] أي أكثر ما في إحدى القرينتين [مثل ما يقابله من] القرينة [الأخرى (٥) في الوزن (٦) والتّقفية] أي التّوافق على الحرف الأخير [فترصيع (٧)

________________________________________________________

المعنى المصدري وهو التّواطؤ ، ذكره السّكّاكي بلفظ الجمع حيث قال : «إنّها» ، أي الأسجاع في النّثر كالقوافي في الشّعر.

والسّجع لا يجمع إلّا إذا كان بمعنى اللّفظ ، ولو أراد المصدر لعبّر بالإفراد ، لأنّ المصدر لا يجمع فتعيّنت إرادة اللّفظ من السّجع ، وهذا دليل على أنّ السّجع عند السّكّاكي بمعنى اللّفظ لا بمعنى المصدر.

(١) أي وهو التّوافق المذكور ، فإنّ المعنى الثّاني نفس التّوافق ، والأوّل الكلمة من حيث التّوافق فهو المسمّى في الحقيقة.

(٢) أي الأوّل منها يسمّى المطرف إن اختلفت الفاصلتان في الوزن العروضي مع الاتّفاق في التّقفية إلى الحرف الأخير. نحو قوله تعالى حكاية عن نوح عليه‌السلام : (ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً (١٣) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً).

(٣) فإنّ ثاني «وقارا» متحرّك ، وثاني «أطوارا» ساكن.

(٤) أي الفقرتين ، سمّيت بذلك لأنّها تقارن الأخرى.

(٥) أي مثل ما يقابله من الألفاظ الكائنة في القرينة الأخرى ، يعني ما عدا الفاصلتين ، لأنّ الموضوع حصول الموازنة في الفاصلتين ، فلا معنى لإدراجه في هذا الاشتراط.

(٦) متعلّق ب «مثل» لأنّه في معنى مماثل.

(٧) أي فالسّجع الكائن على هذه الصّفة يسمّى ترصيعا ، تشبيهيا له بجعل إحدى

__________________

(١) سورة نوح : ١٣ و١٤.

٣٨٨

نحو : فهو يطبع الأسجاع بجوهر لفظه ، ويقرع الأسماع بزواجر وعظه] فجميع ما في القرينة الثّانية موافق لما يقابله من القرينة الأولى ، وأمّا لفظ ـ فهو ـ فلا يقابله شيء من الثّانية (١).

ولو قال بدل الأسماع الآذان كان مثالا لما يكون أكثر ما في الثّانية موافقا لما يقابله في الأولى (٢). [وإلّا (٣) فهو متواز] ، أي وإن لم يكن جميع ما في القرينة ولا أكثره مثل ما يقابله من الأخرى فهو السّجع المتوازي [نحو : (فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ (١٣) وَأَكْوابٌ مَوْضُوعَةٌ)(١) (٤)] ، لاختلاف سرر وأكواب في الوزن والتّقفية جميعا.

________________________________________________________

اللّؤلؤتين في العقد في مقابلة الأخرى ، المسمّى لغة بالتّرصيع ، وكان الأولى للمصنّف أن يقول : فمرصّع ، على صيغة اسم المفعول ، ليناسب قوله : «مطرف» ، فمثال مساواة جميع الألفاظ في القرينين قول الحريري «فهو» أي الواعظ «يطبع» أي يزيّن «الأسجاع بجواهر لفظه» الشّبيه بالجوهر «ويقرع» أي يدقّ ، أي يؤثّر في الأسماع بزواجر وعظه ، شبّه الأسماع بأبواب تقرع بالأصابع لتفتح. فالمعتبر في التّرصيع مساواة القرينة للأخرى بعد توافق فاصلتهما وزنا وتقفية.

ومحلّ الشّاهد : أنّ وعظه فاصلة موازنة للفاصلة الأولى ، وهي لفظه ، فخرج السّجع حينئذ عن كونه مطرفا ، ثمّ إنّ كلّ كلمة من القرينة الأولى موافقة لما يقابلها من القرينة الثّانية وزنا وتقفية ، وذلك لأن يطبع موازن ليقرع ، والقافية فسمعها العين ، والأسجاع موازن للأسماع والقافية ، فيهما العين أيضا ، وجواهر موازن لزواجر والقافية فيهما الرّاء.

(١) فلذلك قلنا : إنّ ذلك مثال لمساواة جميع الألفاظ.

(٢) وذلك لعدم توافق الأسماع والآذان في الوزن والتّقفية ، إذ وزن أسجاع أفعال ، وليس وزن آذان الآن أفعال وإن كان وزنه في الأصل أفعال.

(٣) أي وإن لم يكن ما في إحدى القرينتين ولا أكثره مثل ما يقابله من القرينة الأخرى فهو مما يقال له السّجع المتوازي وهو الضّرب الثّالث.

(٤) الشّاهد في «سرر وأكواب» فإنّهما مختلفان في الوزن والتّقفية جميعا ، وهو واضح. لأنّ لفظ «فيها» لا يقابله لفظ من الأخرى ، وسرر وهو نصف ما بقي ، لأنّ العبرة هنا بالألفاظ دون نفس الحروف يقابله من الأخرى أكواب ، وهو نصف الأخرى وهما مختلفان وزنا وتقفية معا كما لا يخفى.

__________________

(١) سورة المرسلات : ١ و٢.

٣٨٩

وقد يختلف الوزن فقطّ نحو : [(وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً (١) فَالْعاصِفاتِ عَصْفاً)(١) (١)]. وقد تختلف التّقفية فقط كقولنا : حصل النّاطق والصّامت ، هلك الحاسد والشّامت (٢). [قيل : وأحسن السّجع ما تساوت قرائنه نحو : (فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ)(٢) (٣) ، (وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ (٢٩) وَظِلٍّ مَمْدُودٍ) ، ثمّ] ، أي بعد أن لا تتساوى قرائنه ، فالأحسن [ما طالت قرينته الثّانية (٤)

________________________________________________________

(١) الشّاهد : في «عرفا وعصفا» لأنّهما مختلفان وزنا فقطّ ، أمّا «المرسلات والعاصفات» فقد يقال : إنّهما أيضا مختلفان وزنا متّفقان تقفية ، لأنّ وزن مرسلات مفعلات ، ووزن عاصفات فاعلات ، والتّقفية في كلّ منهما التّاء ، فهما أيضا من أقسام المتوازي.

وفيه نظر لأنّ المعتبر من الوزن في المقام الوزن العروضي لا الوزن الصّرفي ، والمراد من الوزن العروضي ، كما قرّر في محلّه ، هو الموافقة في عدد الحركات والسّكنات وترتيبها ، سواء كانت موافقة في شخص الحركات أيضا ، كضارب ويضرب أم لا ، كناصر وينصر ، فعلى هذا يكون «المرسلات» موافقا للعاصفات وزنا وتقفية ، فهما من أقسام التّرصيع لا المتوازي.

(٢) الشّاهد في «حصل وهلك» فإنّهما مختلفان تقفية متّفقان وزنا ، وكذا النّاطق والحاسد.

وأمّا «الصّامت والشّامت» فهما متّفقان وزنا وتقفية. وذلك لوجود اتّفاق الفاصلتين في جميع أقسام السّجع فلا تغفل.

(٣) هذه قرينة (وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ) قرينة أخرى ، (وَظِلٍّ مَمْدُودٍ) قرينة أخرى أيضا ، فهذه القرائن الثّلاث متساوية في كون كلّ واحدة منها مركّبة من لفظين ، والسّدر شجر معروف ، وهو كثير في بعض بلاد العرب ، والمخضود الّذي لا شوك له «وطلح» وهو شجر موز ، والمنضود الّذي نضد بالحمل ، أي الثّمر من أسفله إلى أعلاه.

(٤) بشرط أن لا يكون طول الثّانية متفاحشا ، وذلك بأن لا تكون الزّيادة أكثر من ثلاثة ألفاظ ، وإلّا كان قبيحا ، ومحلّ القبح إذا وقعت القرينة الثّانية الطّويلة بعد فقرة واحدة.

أمّا لو كانت الثّانية الطّويلة بعد فقرتين فأكثر فلا قبح ، لأنّ الأوّلين أو أكثر حينئذ بمنزلة قرينة واحدة.

__________________

(١) سورة نوح : ١٣ و١٤.

(٢) سورة الواقعة : ٢٨.

٣٩٠

نحو : (خُذُوهُ)(١) (١) (فَغُلُّوهُ (٣٠) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ)] من التّصلية (٢).

[ولا يحسن أن يؤتى بقرينته] أي يؤتى بعد قرينة بقرينة أخرى [أقصر منها] قصرا [كثيرا] لأنّ السّجع قد استوفى أمده في الأوّل بطوله ، فإذا جاء الثّاني أقصر منه كثيرا يبقى الإنسان عند سماعه كمن يريد الانتهاء إلى غاية فيعثر دونها.

وإنّما قال : كثيرا ، احترازا عن نحو قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ (١) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ)(٢) (٣).

[والأسجاع (٤) مبنيّة على سكون الأعجاز] أي أواخر فواصل القرائن ، إذ لا يتم التّواطؤ والتّزاوج في جميع الصّور إلّا بالوقف والسّكون [كقولهم : ما أبعد ما فات ،

________________________________________________________

(١) هذه قرينة (فَغُلُّوهُ) هذه قرينة ثانية ، وهما متساويتان من حيث الألفاظ فهذا مثال لما وقعت الطّويلة بعد قرينتين.

(٢) وهي الإحراق بالنّار.

(٣) فإنّ الأولى مع حرف الجرّ والاستفهام تسع كلمات ، والثّانية ستّة.

والحاصل :

إن القصر كالزّيادة إلى ثلاث لا يضرّ ، إذ المضرّ هو الزّيادة بأكثر من الثّلاث.

(٤) أي الألفاظ المسجعة ، فالمصدر بمعنى اسم المفعول ، وذلك لأنّ قوله : «مبنيّة على سكون الأعجاز» لا يلائم المعنى المصدري لأنّه التّوافق والتّوافق أمر معنوي لا عجز له حتّى يسكن.

فحاصل الكلام في المقام :

أنّ أصل الألفاظ المسجعة أن تكون ساكنة الأعجاز ، أي الأواخر ، أي أواخر فواصل القرائن ، لأنّ الغرض من السّجع هو التّوافق بين الفواصل ، ولا يتمّ ذلك الغرض إلّا بالوقف والبناء على السّكون.

__________________

(١) سورة الحاقّة : ٣٠.

(٢) سورة الفيل : ١ و٢.

٣٩١

وأقرب ما هو آت] إذ لو لم يعتبر السّكون لفات السّجع ، لأنّ التّاء من ـ فات ـ مفتوح (١) ، ومن ـ آت ـ منوّن (٢) مكسور.

[قيل : ولا يقال في القرآن أسجاع (٣)] رعاية للأدب وتعظيما له ، إذ السّجع في الأصل هدير الحمام ونحوه ، وقيل : لعدم الإذن الشّرعي (٤).

وفيه نظر ، إذ لم يقل أحد بتوقّف أمثال هذا على إذن الشّارع ، وإنّما الكلام في أسماء الله تعالى [بل يقال] للأسجاع في القرآن ، أعني الكلمة الأخيرة من الفقرة [فواصل.

وقيل : السّجع غير مختص بالنّثر ، ومثاله في النّظم قوله : تجلّى به رشدي ، وأثرت] أي صارت ذا ثروة [به يدي (٥) ، وفاض (٦) به ثمدي] هو بالكسر الماء القليل ، والمراد

________________________________________________________

(١) أي بالفتحة البنائيّة.

(٢) أي منوّن بتنوين العوض.

(٣) يعني أنّه ينهى عنه ولكن لا لعدم وجود السّجع في القرآن بل لرعاية الأدب والتّعظيم ، وتنزيهه عن تصريح بما أصله يكون في الحيوانات العجم ، لأنّ السّجع في الأصل هدير الحمام أي صوتها ، أو تصويت النّاقة.

والحاصل :

إنّ كلا من هدير الحمام وتصويت النّاقة يقال له : السّجع ، في اللّغة ، فيمنع من إطلاقه على كلام الله المجيد ، ولذا رؤوس الآيات فواصل ، ولم تسمّ أسجاعا.

(٤) أي قيل : إنّ النّهي عن إطلاق السّجع على القرآن لعدم الإذن الشّرعي.

وأجاب الشّارح عنه بقوله :

«وفيه نظر» إذ لم يقل أحد بتوقّف إطلاق السّجع على القرآن على إذن الشّارع ، وإنّما الخلاف في أسماء الله تعالى ، هل يحتاج في إطلاقها إلى إذن الشّارع أو لا؟

(٥) أي صارت يدي بهذا الممدوح ذات ثروة ، أي كثرة مال.

(٦) أي سال «به» أي بالممدوح «ثمدي» وهو هنا المال القليل ، وأصله أن يستعمل في الماء القليل ، «وأورى» بفتح الهمزة والرّاء «به زندي» أي صار ذا ورى ، أي صار زندي ذا نار ، وذلك لأنّ من معاني الهمزة في باب الإفعال الصّيرورة ، نحو : أثمر الشّجر ، أي صارت ذات ثمّرة.

٣٩٢

ههنا المال القليل [وأورى] أي صار ذا ورى [به زندي (١)] فأمّا أوري بضم الهمزة وكسر الرّاء ـ على أنه متكلّم المضارع من ـ أوريت الزّند أخرجت ناره ـ فتصحيف (٢) ، ومع ذلك يأباه الطّبع (٣). [

ومن السّجع على هذا القول] أي القول بعدم اختصاصه بالنّثر [ما يسمّى التّشطير ، وهو جعل كلّ من شطري البيت سجعة مخالفة لأختها] أي للسّجعة الّتي في الشّطر الأخير (٤) ، وقوله : سجعة ، في موضع المصدر ، أي مسجوعا سجعة ، لأنّ الشّطر نفسه ليس بسجعة ، أو هو مجاز بتسمّية للكلّ باسم جزئه. [كقوله (٥) : تدبير معتصم بالله منتقم* لله مرتغب في الله] أي راغب فيما يقرّبه من رضوانه ، [مرتقب] أي منتظر ثوابه أو خائف عقابه (٦) ، فالشّطر الأوّل سجعة مبنيّة على الميم ، والثّانية سجعة مبنيّة على الباء. [ومنه] أي ومن اللّفظي ، [الموازنة وهي تساوي الفاصلتين] أي الكلمتين الأخيرتين من الفقرتين (٧) ، أو من المصراعين (٨) ،

________________________________________________________

(١) البيت لأبي تمّام ، والضّمير في قوله : «تجلّى» لنصر المذكور في البيت السّابق.

(٢) أي تغيير لشكل الكلمة ، لأنّها بفتح الهمزة والرّاء لا بضمّ الهمزة وكسر الرّاء.

(٣) لأنّ الضّماير قبله للغيبة ، فالسّياق يقتضي أن يكون هذا للغيبة أيضا.

(٤) وذلك بأن لا يتوافقا في الحرف الأخير ، وبعبارة واضحة إنّ التّشطير أن يجعل كلّ مصراع من البيت مشتملا على فقرتين ، والفقرتين في المصراع الأوّل مخالفتين في التّقفية للفقرتين للمصراع الثّاني.

(٥) أي قول أبي تمام يمدح المعتصم حين فتح عموريّة.

(٦) أو كليهما على ما هو صفة المؤمنين ، والشّاهد : في أنّ الشّطر الأوّل سجعة مبنيّة على الميم ، والثّاني على الباء ، وقوله : «تدبير» مبتدأ ، وخبره في البيت الثّالث ، وهو قوله :

لم يرم قوما ولم ينهد إلى بلد

إلّا تقدّمه جيش من الرّعب

(٧) فيما إذا كان الكلام نثرا.

(٨) فيما إذا كان الكلام نظما ، واستعمال الفاصلة حينئذ مجاز ، لأنّه استعمال في غير ما وضع له في الاصطلاح.

٣٩٣

[في الوزن دون التّقفية ، نحو : (وَنَمارِقُ مَصْفُوفَةٌ (١٥) وَزَرابِيُّ مَبْثُوثَةٌ)(١)] فإنّ مصفوفة ومبثوثة متساويتان في الوزن لا في التّقفية (١) ، إذ الأولى على الفاء والثّانية على التّاء ، ولا عبرة بتاء التّأنيث في القافية على ما بيّن في موضعه ، وظاهر قوله : دون التّقفية ، أنّه يجب في الموازنة عدم التّساوي في التّقفية حتّى لا يكون نحو : (فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ (١٣) وَأَكْوابٌ مَوْضُوعَةٌ)(٢) ، من الموازنة (٢).

ويكون بين الموازنة والسّجع مباينة إلّا على رأي ابن الأثير ، فإنّه يشترط في السّجع التّساوي في الوزن والتّقفية ، ويشترط في الموازنة التّساوي في الوزن دون الحرف الأخير فنحو : شديد وقريب ، ليس بسجع ،

________________________________________________________

(١) لأنّ التّقفية في الأوّل على الفاء ، وعلى الثّاء في الثّاني ، إذ لا عبرة بتاء التّأنيث على ما بيّن في علم القوافي ، فإنّهم قالوا في ذلك العلم : إنّ تاء التّأنيث ليست من حروف التّقفية.

(٢) لوجود التّوافق في التّقفية ، وشرط الموازنة عدم الاتّفاق فيها ، وتباين اللّوازم يقتضي تباين الملزومات ، فتكون النّسبة بين السّجع والموازنة هي التّباين.

ويحتمل أن يكون الكلام على تقدير ، أي يشترط في الموازنة التّوافق في الوزن دون اشتراط التّوافق في التّقفية ، وإذا لم يشترط فيه التّوافق في التّقفية جاز أن تكون مع التّقفية وعدمها بشرط اتّحاد الوزن ، وعليه فيكون بينها وبين السّجع العموم من وجه ، لأنّه شرط فيه اتّحاد التّقفية بلا شرط اتّحاد الوزن ، فيصدقان في نحو : (سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ (١٣) وَأَكْوابٌ مَوْضُوعَةٌ) لوجود الوزن والتّقفية معا ، وينفرد السّجع بنحو (ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً (١٣) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً)(٣) لوجود التّقفية فيكون سجعا ، دون الوزن فلا يكون موازنة.

وتنفرد الموازنة بنحو : (وَنَمارِقُ مَصْفُوفَةٌ (١٥) وَزَرابِيُّ مَبْثُوثَةٌ) ، لوجود الوزن ، فيكون موازنة ، دون التّقفية فلا يكون سجعا.

__________________

(١) سورة الغاشية : ١٥ و١٦.

(٢) سورة الغشية : ١٣ و١٤.

(٣) سورة نوح : ١٣ و١٤.

٣٩٤

وهو أخصّ من الموازنة (١).

[وإذا تساوى الفاصلتان] في الوزن دون التّقفية ، [فإن كان ما في إحدى القرينتين] من الألفاظ [أو أكثره مثل ما يقابله من] القرينة [الأخرى في الوزن] سواء كان يماثله في التّقفية أو لا [خصّ] هذا النّوع من الموازنة [باسم المماثلة] وهي لا تختصّ بالنّثر كما توهّمه البعض من ظاهر قولهم : تساوي الفاصلتين (٢) ، ولا بالنّظم على ما ذهب إليه البعض ، بل تجري في القبيلين ، فلذلك أورد مثالين نحو قوله تعالى : [(وَآتَيْناهُمَا الْكِتابَ الْمُسْتَبِينَ (١١٧) وَهَدَيْناهُمَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ)(١) (٣).

وقوله : مها الوحش] جمع مهاة ، وهي البقرة الوحشيّة [إلّا أنّ هاتا] أي هذه النّساء [أوانس (٤) ، ـ [قنا الخطّ (٥) إلّا أن تلك] القنا (٦) [ذوابل] ، وهذه النّساء نواضر.

________________________________________________________

(١) فإنّه لا يشترط في الموازنة التّساوي في التّقفية ، كما يشترط في السّجع فتكون الموازنة أعمّ من السّجع.

(٢) أي بناء على أنّ الفاصلتين يختصّان بالنّثر غافلا عن إطلاقهما على ما في الشّعر توسّعا ، وهنا توهّم اختصاص الموازنة بالنّظم ، لأنّه أنسب بوزنه باسم الموازنة ، وهذا التّوهّم سخيف في الغاية ، لأنّ الاسم لا تحقّق مدلوله كلفظ الموضوع لبعض الأشقياء.

(٣) والشّاهد : في أنّ بين الآيتين تقفية ، فيكون هذا المثال ردّا للتّوهّمين المتناقضين ، هذا في النّثر ، وأمّا مثال النّظم فهو قول أبي تمّام في مدح نسوة «مها الوحش» ، أي بقر الوحش ، أي هذه النّسوة كمها الوحش في سعة الأعين ، وسوادها وجمال أعضائها.

(٤) أي يأنس بهنّ العاشق دون الوحشيّات ، فزدن في الفضل بهذا المعنى.

(٥) وهنّ أيضا «قنا الخطّ» في طول القدّ واستقامته ، و «القنا» جمع القناة ، وهي الرّمح ، والخطّ موضع باليمامة ، وهو خطّ هجر تنسب إليه الرّماح المستقيمة.

(٦) أي تلك الرّماح «ذوابل» جمع ذابل من الذّبول ضد النّعومة ، ففضّلن الرّماح بكونهنّ نواعم لا ذوابل ، فالنّساء هؤلاء كمها الوحش ، وزدن بالأنس ، وكالقنا وزدن بالنّضارة والنّعومة.

والشّاهد في أن مها من المصراع الأوّل موازن للقنا من المصراع الثّاني ، وأوانس من الأوّل موازن للذّوابل من الثّاني ، ولكن هاتا في الأوّل ، وتلك في الثّاني غير متوازنين ، فهذا مثال من الشّعر لما تساوى فيه الجلّ ، ومثال ما تساوى فيه الكلّ قول أبي تمّام :

__________________

(١) سورة الصّافّات : ١١٧ و١١٨.

٣٩٥

والمثالان ممّا يكون أكثر ما في إحدى القرينتين مثل ما يقابله من الأخرى ، لعدم تماثل ـ آتيناهما وهديناهما ـ وزنا وكذا ـ هاتا وتلك ـ ومثال الجميع قول أبي تمام :

فاحجم لمّا لم يجد فيه مطمعا

وأقدم لما لم يجد عنك مهربا

وقد كثر ذلك في الشّعر الفارسي ، وأكثر مدائح أبي الفرج الرّومي من شعراء العجم على المماثلة ، وقد اقتفى الآنوري أثره في ذلك. [ومنه] أي ومن اللّفظي : [القلب] وهو أن يكون الكلام بحيث لو عكسته ، وبدأت بحرفه الأخير إلى الأوّل كان الحاصل بعينه هو هذا الكلام ، ويجري في النّثر والنّظم [كقوله :

مودّته تدوم لكلّ هول

وهل كلّ مودّته تدوم (١)

في مجموع البيت ، وقد يكون ذلك في المصراع كقوله : أرانا الإله هلالا أنارا (٢) ،

________________________________________________________

فاحجم لمّا لم يجد فيه مطمعا

وأقدم لما لم يجد عنك مهربا

ولا شكّ أن كلّ لفظ من المصراع الأوّل موازن لما يقابله من المصراع الثّاني ، والمعنى أنّ هذا الأسد لما لم يجد فيك لقوّتك عليه طمعا في تناولك فأحجم ، ولما عرف أنّه لا ينجو منك أقدم دهشا ، فإقدامه تسليم منه لنفسه لعلمه بعدم النّجاة لا للشّجاعة وهذا النّوع هو تساوي الكلّ هو الأحسن.

(١) فإنّك إذا بدأت بالميم من تدوم في آخر المصراع الثّاني ، ثمّ بما قبله وهكذا إلى أن وصلت إلى الميم من مودّته في أوّل المصراع الأوّل ، كان الحاصل مجموع هذا البيت ، ولكن مع التّصرف ، وإلّا فلا يحصل ما كان قبل القلب ، هذا كلّه في النّظم ، وأمّا في النّثر فما أشار إليه «وفي التّنزيل ...».

(٢) فإنّه قد ذكر المقلوبين معا لأنّك إن بدأت بحرفه الأخير ثمّ بما قبله وهكذا ، إلى ان وصلت إلى الحرف الأوّل كان الحاصل المصراع الآخر ، وهو عين هذا المصراع ولكن مع التّصرف كما عرفت ، فتدبّر.

٣٩٦

وفي التّنزيل : (كُلٌّ فِي فَلَكٍ)(١) ، و (١) (وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ)(٢)] ، والحرف المشدّد في حكم المخفّف ، لأنّ المعتبر هو الحروف المكتوبة.

وقد يكون ذلك في المفرد نحو : سلس (٢) وتغاير القلب بهذا المعنى (٣) لتجنيس القلب (٤) ظاهر فإنّ المقلوب ههنا (٥) يجب أن يكون عين اللّفظ الّذي ذكر بخلافه (٦) ثمّة ، ويجب ثمّة (٧) ذكر اللّفظين جميعا بخلافه ههنا. ـ

[ومنه] أي ومن اللّفظي : [التّشريع (٨)] ويسمّى التّوشيح وذا القافتين أيضا [وهو بناء البيت على قافيتين يصحّ المعنى عند الوقوف على كلّ منهما] أي من القافيتين.

________________________________________________________

(١) لكنّ الواو خارج عن التّمثيل.

(٢) هو بفتح اللّام وكسرها ، فالأوّل مصدر والثّاني وصف.

(٣) أي بالمعنى المذكور «وهو أن يكون الكلام بحيث لو عكسته ...».

(٤) أي وهو أن يقدّم في أحد اللّفظين المتجانسين بعض الحروف ، ويؤخّر ذلك البعض في اللّفظ الآخر ، أي مثل : اللهمّ استر عوراتنا وآمن روعاتنا.

(٥) أي في القلب بالمعنى المذكور.

(٦) أي بخلاف تجنيس القلب.

(٧) أي يجب في تجنيس القلب أن يذكر اللّفظ الّذي هو المقلوب مع مقابله كما في عوراتنا وروعاتنا ، بخلاف القلب هنا فيذكر اللّفظ المقلوب وحده.

(٨) ولمّا كان في هذا الاسم نوع من قلّة الأدب ، لأنّ أصل التّشريع عند أهله تقرير أحكام الشّرع ، وهو وصف لله تعالى أصالة ، ووصف لرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نيابة ، فالأحسن أن يسمّى باسم آخر قال : «ويسمّى التّوشيح» ، وهو في الأصل التّزيين باللآلئ ونحوها. ويسمّى ذا القافيتين أيضا ، والتّسمّية الأخيرة أدلّ وأصرح في معناه ، وأقرب لقوله : «وهو بناء البيت على قافيتين يصحّ المعنى» أي يكون المعنى تاما بحيث يصحّ السّكوت عليه ، كما بيّن في تعريف الكلام.

__________________

(١) سورة الأنبياء : ٣٣.

(٢) سورة المدّثّر : ٣.

٣٩٧

فإن قيل (١) : كان عليه أن يقول : يصحّ الوزن والمعنى عند الوقوف على كلّ منهما ، لأنّ التّشريع هو أن يبني الشّاعر أبيات القصيدة ذات قافيتين على بحرين أو ضربين من بحر واحد فعلى أيّ القافيتين وقفت كان شعرا مستقيما.

قلنا (٢) القافية إنّما هي آخر البيت ، فالبناء على قافيتين لا يتصوّر إلّا إذا كان البيت بحيث يصحّ الوزن ويحصل الشّعر عند الوقوف على كلّ منهما ، وإلّا لم تكن الأولى قافية [كقوله (٣) : يا خاطب الدّنيا] من خطب المرأة [الدّنيّة] أي الخسيسة [أنّها* شرك الرّدى] أي حبالة الهلاك [وقرارة الأكدار] أي مقرّ الكدورات ، فإن وقفت

________________________________________________________

(١) ولما علم من قول الماتن «وهو بناء البيت ...» أنّ هذا القسم من الحسن اللّفظي مختصّ بالشّعر ، والشّعر لا يستقيم ، بل لا يصحّ إلّا بالوزن ، وهو لم يذكره في التّعريف.

اعترض عليه بما أشار ـ إليه الشّارح بقوله : «وكان عليه أن يقول : يصحّ الوزن والمعنى عند الوقوف على كلّ منهما» لأنّه يجب في التّشريع أن يكون مستقيما على أيّ القافيتين وقفت ، لأنّهم فسروا التّشريع بأن يبني الشّاعر أبيات القصيدة حال كونها ذات قافيتين على بحرين من البحور الّتي ذكرت في علم العروض بطريق التّفصيل ، «أو على ضربين» أي قسمين من بحر واحد.

والحاصل أن يبني الشّاعر جميع أبيات القصيدة أو بعضها على قافيتين فعلى أيّ القافيتين وقفت كان شعرا مستقيما من حيث الوزن وتامّا من حيث المعنى.

(٢) إشارة إلى الجواب ، وحاصل الجواب أنّ لفظ القافيتين مشعر باشتراط الوزن مع صحّة المعنى ، لأنّ القافية لا تكون إلّا في البيت فيستلزم تحقّق القافية تحقّق استقامة الوزن ، لأنّ القافية لا تسمّى قافية إلّا مع استقامة الوزن ، وعليه لا يرد أنّه بقي على المصنّف ذكر الوزن ، لأنّه مفهوم من ذكر القافية ، فلا حاجة إلى التّصريح به.

(٣) أي الحريري «يا خاطب» من خطب المرأة ، أي مأخوذ من خطب فلان المرأة ، أي أراد أن يتزوّجها ، «الدّنيّة» صفة الدّنيا ، «أنّها» أي الدّنيا «شرك الرّدى» أي شبكة الموت.

فلهذا البيت قافيتان إحداهما كالرّدى والثّانية دار. وعلى أيّهما وقفت يصحّ معنى البيت ، وبناء البيت على قافيتين أقلّ ما يجب في التّرشيح ، ولا يقتصر عليه كما يشعر به التّسمّية بذي القافيتين.

٣٩٨

على الرّدى ، فالبيت من الضّرب الثّامن من الكامل (١) ، وإن وقفت على ـ الأكدار ـ فهو من الضّرب الثّاني منه (٢) والقافية عند الخليل من آخر حرف في البيت إلى أوّل ساكن يليه (٣) ، مع الحركة الّتي قبل ذلك السّاكن ، فالقافية الأولى من هذا البيت هو لفظ ـ الرّدى ـ مع حركة الكاف من ـ شرك ـ والقافية الثّانية هي من حركة الدّال من ـ الأكدار ـ إلى الآخر ، وقد يكون البناء على أكثر من قافيتين وهو قليل متكلّف.

ومن لطيف ذي القافيتين نوع يوجد في الشّعر الفارسي ، وهو أن تكون الألفاظ الباقية بعد القوافي الأوّل بحيث إذا جمعت كانت شعرا مستقيم المعنى.

[ومنه] أي ومن اللّفظي : [لزوم ما لا يلزم (٤)] ، ويقال له الإلزام ، والتّضمين (٥) والتّشديد (٦) ، والإعنات (٧) أيضا. [وهو (٨) أن يجيء قبل حرف الرّوي] ، وهو الحرف الّذي تبني عليه القصيدة ، وتنسب إليه ، فيقال : قصيدة لاميّة ، أو ميميّة ، مثلا ، من ـ رويت الحبل إذا فتلته ـ لأنّه يجمع بين الأبيات كما أنّ الفتل يجمع بين قوى الحبل ،

________________________________________________________

(١) وأصله كما في علم العروض متفاعلن ستّ مرّات ، وأنّه يسدّس على الأصل تارة ، ويربّع أخرى ، والتّفصيل في محلّه.

(٢) أي من الكامل.

(٣) أي أوّل ساكن قبله.

(٤) وإنّما سمّي بذلك ، لأن المتكلّم شاعرا كان أو ناثرا ألزم على نفسه شيئا لم يكن لازما له.

(٥) أي يقال له «التّضمين» أيضا ، وذلك لتضمينه ، أي المتكلّم قافيته ما لا يلزمها.

(٦) أي ويقال له : «التّشديد» أيضا ، لإيقاع المتكلّم نفسه في شدّة.

(٧) أي يقال له (الإعنات) أيضا ، لإيقاع المتكلّم نفسه في عنت ومشقّة.

(٨) أي لزوم ما لا يلزم المسمّى بما ذكر «أن يجيء قبل حرف الرّوي» أو يجيء قبل «ما في معناه» ، أي قبل ما في معنى الرّوي «من الفاصلة» بيان لما ، وأطلق الفاصلة على الحرف الّذي هو في معنى الرّوي ، وهو الحرف الّذي تختم به فاصلة من الفواصل. فإطلاق الفاصلة على الحرف الأخير الّذي تختم به الفاصلة من باب إطلاق الجزء على الكلّ.

٣٩٩

أو من ـ رويت على البعير ، إذا شددت عليه الرّوّاء ـ وهو الحبل الّذي يجمع به الأحمال. [أو ما في معناه] ، أي قبل الحرف الّذي هو في معنى حرف الرّوي [من الفاصلة] يعني الحرف الّذي وقع في فواصل الفقر موقع حرف الرّوي في قوافي الأبيات ، وفاعل ـ يجيء ـ هو قوله : [ما ليس بلازم في السّجع] يعني أن يؤتى قبله بشيء لو جعل القوافي ، أو الفواصل أسجاعا (١) لم يحتج إلى الإتيان بذلك الشّيء (٢) ، وتمّ السّجع بدونه. فمن زعم أنّه كان ينبغي أن يقول ما ليس بلازم في السّجع أو القافية ليوافق قوله : قبل حرف الرّوي أو ما في معناه ، فهو لم يعرف معنى هذا الكلام (٣).

________________________________________________________

(١) أي لو جعل القوافي أو الفواصل أسجاعا ، بأن حوّلت القوافي عن وزن الشّعر ، وجعلت أسجاعا ، وكذلك الفواصل إذا غيّرت عن حالها ، وجعلت أسجاعا آخر لم يلزم الإتيان بذلك الشّيء.

(٢) والحاصل إنّ قوله : «ما ليس بلازم في السّجع» معناه أنّه لو حوّلنا القافية في النّظم ، أو الفاصلة في النّثر إلى السّجع لم يحتج إلى الإتيان بذلك الشّيء ، فليس معناه أن السّجع الآن موجود في النّثر حتّى يختصّ التّعريف بالنّثر فقطّ ، ولا يشتمل النّظم.

(٣) أي لم يعرف معناه المراد منه ، والحاصل إنّ هذا المعترض فهم أنّ مراد المصنّف بالسّجع الفواصل.

فاعترض عليه وقال : كان الأولى له أن يزيد القافية بأن يقول ما ليس بلازم في السّجع ، أي الّذي يكون في الفواصل ، ولا في القافية الّتي تكون في الشّعر ليوافق قوله : «قبل حرف الرّوي أو ما في معناه» ، وهو حرف السّجع.

فردّ الشّارح على هذا المعترض ، بما حاصله : أنّ هذا المعترض لم يفهم مراد المصنّف ، لأنّه ليس مراده بالسّجع الفواصل ، وإنّما مراده أنّ الفواصل والقوافي لزوم ما لا يلزم فيها ، هو أن يجيء بشيء قبل ما ختمت به لا يلزم ذلك الشّيء ، تلك القوافي ، ولا تلك الفواصل على تقدير جعلها أسجاعا ، وتحويلها إلى خصوص السّجع ، ويدلّ على أنّ ما فهمه ذلك المعترض ليس مراد المصنّف إتيانه بالسّجع اسما ظاهرا ، إذ الفواصل والأسجاع من واد واحد ، فلو أراد المصنّف ما ذكره لكان المناسب أن يقول : ما ليس بلازم فيهما ، بالإضمار ، أي في الفاصلة والقافية.

٤٠٠