مصابيح الظلام - ج ١٠

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

مصابيح الظلام - ج ١٠

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الطبعة: ١
ISBN: 964-94603-0-6
ISBN الدورة:
964-94422-0-0

الصفحات: ٦٤٨

قوله : (وجماعة).

الجماعة هم الصدوق ، وأبو الصلاح ، وابن برّاج ، وابن زهرة (١) ، بل نقل عنه أنّه ادّعى الإجماع عليه (٢) ، واختاره المحقّق أيضا (٣) محتجّين بأنّها عبادة مؤقّتة ، فات وقتها ، والقضاء بفرض جديد ولم يثبت ، ولم ينقل عنهم أنّ آخر وقتها الزوال ، أو الدخول في الصلاة (٤).

نعم ؛ نقل عن المحقّق أنّه استدلّ بقوله عليه‌السلام : «هي قبل الصلاة زكاة مقبولة وبعدها صدقة» (٥) ، فنظره إلى الروايات الضعيفة السابقة ، وقد عرفت أنّها مع الضعف واحتمال التقيّة معارضة بالصحاح وغيرها.

منها ؛ قول أمير المؤمنين عليه‌السلام في خطبة صلاتها : «وأدّوا فطرتكم فإنّها سنّة نبيّكم ، وفريضة واجبة من ربّكم ، فليؤدّها كلّ امرئ منكم عن عياله كلّهم» (٦).

إلى آخر ما قال عليه‌السلام.

وقد عرفت أنّ الفقهاء أيضا أمروا بذلك في الخطبة (٧) ، مع أنّ ما رواه الشيخ عن الحارث (٨) ، ليس بأضعف من سند الروايات الضعيفة ، لو لم نقل بكونه أقوى ، كما لا يخفى ، مع كونه بعيدا عن التقيّة ، والضعاف قريبة منها ، لو لم نقل بموافقتها لها.

واستدلّ في «الذخيرة» على ذلك ، بأنّ العبادة توقيفيّة ، ولم يثبت كون ما

__________________

(١) المقنع : ٢١٢ ، الكافي في الفقه : ١٦٩ ، المهذّب : ١ / ١٧٦ ، غنية النزوع : ١٢٧.

(٢) نقل عنه في مدارك الأحكام : ٥ / ٣٥٠ ، لاحظ! غنية النزوع : ١٢٧.

(٣) المعتبر : ٢ / ٦١٤.

(٤) لاحظ! مختلف الشيعة : ٣ / ٣٠٥ مع اختلاف يسير.

(٥) نقل عنه في ذخيرة المعاد : ٤٧٦ ، لاحظ! المعتبر : ٢ / ٦١٤.

(٦) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٣٢٧ الحديث ١٤٨٦ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٣٢٩ الحديث ١٢١٤٥.

(٧) راجع! الصفحة : ٦١٩ من هذا الكتاب.

(٨) تهذيب الأحكام : ٤ / ٧٦ الحديث ٢١٦.

٦٢١

يؤدّي في غير يوم العيد فطرة ، نعم ؛ ما كان منها في يوم العيد فهو فطرة يقينا (١).

وفيه ؛ أنّ هذا لا ينفع هؤلاء ، لما عرفت من أنّ عملهم بالأخبار الضعيفة ، وقد عرفت حالها ، وصاحب «الذخيرة» أيضا لا يرضى بالعمل بها ، بل عمله بالصحاح التي ذكرنا ، ولذا قال : ما في يوم العيد فطرة يقينا ، فلو قلنا : بعدم القائل بالفصل ، كما هو الظاهر ، فالحقّ يصير مع العلّامة أو ابن إدريس ، كما ستعرف.

قوله : (وقيل). إلى آخره.

القائل هو العلّامة (٢) ، ونظره إلى العمومات المقتضية لأداء الفطرة مطلقا ، وما ورد من وجوب الأداء قبل الصلاة أو يوم العيد (٣) ، لا يقتضي تخصيصها ، بل يقتضي تكليفا آخر ، وانتفاؤه لا يقتضي انتفاء مقتضي العمومات.

وفيه ؛ أنّ الأخبار الضعيفة قد عرفت حالها ، وغير الضعيفة لا دلالة فيها على عدم جواز تأخيرها ، فليلاحظ وليتأمّل!

فإن قلت : لعلّ الضعاف انجبرت بما رواه «الفقيه» عن الباقر عليه‌السلام ، من أنّ الأئمّة عليهم‌السلام كانوا يقدّمونها على الصلاة (٤).

قلت : لا يظهر منه اشتراط التقديم ، بل ربّما كان ظاهره العدم.

فإن قلت : لعلّها انجبرت بصحيحة أبي بصير وزرارة عنه عليه‌السلام إذ فيها : «إنّ الله تعالى بدأ بها قبل الصلاة ، فقال (قَدْ أَفْلَحَ) (٥)» (٦) الآية.

__________________

(١) ذخيرة المعاد : ٤٧٦.

(٢) لاحظ! مختلف الشيعة : ٣ / ٣٠٤.

(٣) وسائل الشيعة : ٩ / ٣٥٣ الباب ١٢ من أبواب زكاة الفطرة.

(٤) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٣٢١ الحديث ١٤٦٩ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٤٤٤ الحديث ٩٨١٥.

(٥) الأعلى (٨٧) : ١٤.

(٦) من لا يحضره الفقيه : ٢ / ١١٩ الحديث ٥١٥ ، تهذيب الأحكام : ٤ / ١٠٨ الحديث ٣١٤ ، الاستبصار : ١ / ٣٤٣ الحديث ١٢٩٢ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٣١٨ الحديث ١٢١١٤.

٦٢٢

قلت : صدرها أنّها من تمام الصوم ، وأنّ من لم يؤدّها فلا صوم له إذا تركها متعمّدا ، وظاهره أن لا يؤدّي مطلقا ، لا خصوص قبل الصلاة.

ولا يظهر ممّا ذكرت الاشتراط مطلقا ، سيّما بعد ملاحظة ما نقلنا من توقيتيّة (١) الصلاة ، وما وافقها من الصحاح وغيرها ، حتّى الصحيح المتضمّن لفعل أمير المؤمنين عليه‌السلام والأئمّة عليهم‌السلام ، إذ لو كانت الفطرة هي التي تعطى قبل الصلاة لا غير ، فأيّ معنى لأن يقال : «كان أمير المؤمنين عليه‌السلام لا يأكل يوم الأضحى شيئا حتّى يأكل من اضحيّته ، ولا يخرج يوم الفطر حتّى يطعم ويؤدّي الفطرة ، وكذلك نفعل نحن» (٢) ، وسيّما بعد ملاحظة الأخبار الاخر في الأكل يوم الفطر قبل الصلاة دون الأضحى (٣).

وكذلك ملاحظة ما ورد «من أنّ من ولد قبل الزوال يخرج عنه الفطرة ، وكذا من أسلم» (٤) ، بل وما ورد من أنّ من أدرك الصلاة يجب فطرته (٥) ، مع أنّه عمل بمضمون ما دلّ على جواز الأداء من أوّل شهر رمضان (٦) (٧).

وممّا ذكر ظهر الكلام في مذهب العلّامة وابن إدريس ، بأنّه إن ثبت التكليف بالأداء قبل الصلاة أو الزوال ، فالحقّ مع العلّامة ، وإلّا فالحقّ مع ابن إدريس ، لعدم القائل بالفصل.

__________________

(١) إلخ مغشوشة في هذه الكلمة ، والظاهر ما أثبتناه.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٣٢١ الحديث ١٤٦٩ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٤٤٤ الحديث ٩٨١٥.

(٣) وسائل الشيعة : ٧ / ٤٤٣ الباب ١٢ من أبواب صلاة العيد.

(٤) تهذيب الأحكام : ٤ / ٧٢ الحديث ١٩٨ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٣٥٣ الحديث ١٢٢١٥.

(٥) من لا يحضره الفقيه : ٢ / ١١٨ الحديث ٥١١ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٣٢٩ الحديث ١٢١٤٤.

(٦) وسائل الشيعة : ٩ / ٣٥٤ الحديث ١٢٢١٩.

(٧) تذكرة الفقهاء : ٥ / ٣٩٧.

٦٢٣

وكيف كان ؛ الاحتياط في الأداء مطلقا البتة لما ذكر وللاستصحاب ، وتعيين كونه أداء أو قضاء غير واجب ، وكذا تعيين كونه واجبا أو مستحبّا.

مع أنّ كونه قضاء يقتضي اشتراط الأداء ، وعدم العموم الشامل للقضاء ، لأنّ الحقّ أنّ القضاء فرض مستأنف ، وهو أيضا قائل به ، فلا بدّ من توجيه لكلامه.

بل توجيهه ظاهر ، لأنّه استدلّ بأنّه لم يأت بالمأمور به ، فيبقى في عهدته التكليف ، وبأنّ المقتضي للوجوب قائم ، والمانع لا يصلح للمانعيّة.

أمّا الاولى ؛ فبالعموم ، وأمّا الثانية ؛ فلأنّ المانع ليس إلّا خروج وقت الأداء ، وهو لا يسقط الحقّ كالدين ، وزكاة المال ، والخمس ، ولصحيحة زرارة (١) (٢).

فظهر أنّ مراده من الأداء ليس إلّا الإعطاء ، لا المعنى المقابل للقضاء فتصير من الواجبات الفوريّة ، التي يكون فيها تكليفان ، التكليف بأداء نفس الحقّ مطلقا ، والوجوب فورا عند مطالبة صاحب الحقّ كالدين أيضا إذا كان مالكه غير مكلّف ونحوه ، بل الأوّل أيضا كذلك ، إلّا أن يوسّع عليه المالك ، أو نفس الدين يكون من الواجبات الموسّعة عليه.

مع أنّه يجوز أن يريد من الأداء ما يقابل القضاء ، كما هو الحال في الزكاة ونحوها ، فيكون حالها حال الواجبات الفوريّة كالدين ، مع أنّ الدين أيضا ربّما يكون مؤقّتا ، كما لا يخفى ، وكون القضاء بفرض جديد ، إنّما هو في مطلوب واحد مؤقّت بالنظر إلى الأصل والقاعدة ، فاندفع عنه ما أورد عليه في «الذخيرة» بأنّ القضاء فرض جديد (٣).

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٩ / ٣٥٦ الحديث ١٢٢٢٥.

(٢) مختلف الشيعة : ٣ / ٣٠٤.

(٣) ذخيرة المعاد : ٤٧٦.

٦٢٤

ومعلوم ؛ أنّ هذا لا يتمشّى في الزكاة بلا شبهة ، والفطرة منها بلا شبهة ، ولو فرض أنّها ليست منها ، فمثلها بلا شبهة ، فيبطل ما اعترض عليه بأنّ التسوية بينها وبين زكاة المال والخمس والدين قياس مع وجود الفارق ، وهو التوقيت المختصّ بها ، إذ ظهر فساد الفارق ، بل الزكاة لا خلاف في كونها مؤقّتة بالوقت الخاص بها ، ولا غبار عليه من الأخبار ، إذ فيها ورد أنّه لا يجوز أن تقدّم ولا تؤخّر عن وقتها كالصلاة كما عرفت (١).

حتّى أنّ المصنّف وغيره جعلوا ما ورد في الماليّة من قولهم : (أيصلّي الاولى قبل الزوال؟) دليلا على عدم جواز التقديم هنا ، وظاهر منه أيضا عدم جواز التأخير أيضا ، لأنّ قولهم : (أيصلّي. إلى آخره) تعليل ، والعلّة المنصوصة حجّة مطلقا ، سيّما مع ظهور المقام في عدم التفاوت في التقديم والتأخير.

وعرفت أيضا ما في «الفقه الرضوي» (٢) وغيره (٣).

وأمّا المؤقّتة في المقام فليس نجد الظهور في الماليّة ، لا من جهة الأقوال ولا من جهة الأخبار ، أمّا بحسب التقديم فقد عرفت ، حتّى أنّه اختار من أوّل شهر رمضان ، والخلافات الكثيرة قد عرفت ، وكذا الأخبار.

وفي «الفقه الرضوي» : ولا بأس بالفطرة إذا دخل العشر الأواخر ثمّ إلى يوم الفطر قبل الصلاة ، فإن أخّرها إلى أن تزول الشمس صارت صدقة (٤) ، وهذا مستند القائل بالعشر الأخيرة كما عرفت (٥).

__________________

(١) راجع! الصفحة : ٥٤٣ ـ ٥٤٦ من هذا الكتاب.

(٢) الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ٢١٠.

(٣) لاحظ! وسائل الشيعة : ٩ / ٣٥٤ الحديث ١٢٢١٩ ، راجع! الصفحة : ٥٤٥ من هذا الكتاب.

(٤) الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ٢١٠ و ٢١١ مع اختلاف يسير.

(٥) راجع! الصفحة : ٥٦٧ من هذا الكتاب.

٦٢٥

وفي «الأمالي» جعل من دين الإماميّة الذي يجب الإقرار أنّه يجوز تقديم الفطرة من أوّل شهر رمضان إلى آخره (١).

وأمّا آخر وقتها ، فقد عرفت الاختلاف في الأقوال والأخبار جميعا (٢) ، بحيث لم يبق مجال للتوهّم ، فتدبّر!

مع أنّ العمومات في غاية الكثرة والظهور ، حتّى أنّه ورد وجوب الفطرة على المملوك (٣) كما عرفت ، مع أنّ الزكاة غير واجبة عليه مطلقا ، ويعضدها أيضا وجوبها عن الكبير والصغير حتّى المتولّد في ذلك الوقت ، وكذا الكافر والمجنون والضيف وأمثالها.

هذا ؛ مع أنّه يظهر من الأخبار دخولها في الزكاة مثل صحيحة هشام عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال : «نزلت الزكاة وليس للناس أموال وإنّما كانت الفطرة» قال ذلك بعد أن قال : «إنّ التمر [في الفطرة] أفضل» (٤).

وعلّل ذلك بكونه أسرع منفعة متى ما وقع في يد الفقير أكله.

وفي الصحيح عن صفوان ـ الذي لا يروي إلّا عن الثقة ، وهو ممّن أجمعت العصابة (٥) ـ عن إسحاق بن المبارك أنّه سأل الكاظم عليه‌السلام عن صدقة الفطرة ، أهي ممّا قال الله تعالى (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ)؟ (٦) فقال : «نعم» (٧).

__________________

(١) أمالي الصدوق : ٥١٧.

(٢) راجع! الصفحة : ٦١٨ ـ ٦٢٤ من هذا الكتاب.

(٣) وسائل الشيعة : ٩ / ٣٢٧ الحديث ١٢١٣٩.

(٤) من لا يحضره الفقيه : ٢ / ١١٧ الحديث ٥٠٥ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٣٥١ الحديث ١٢٢١١.

(٥) رجال الكشي : ٢ / ٨٣٠ الرقم ١٠٥٠.

(٦) البقرة (٢) : ٤٣.

(٧) تهذيب الأحكام : ٤ / ٨٩ الحديث ٢٦٢ ، الاستبصار : ٢ / ٥٢ الحديث ١٧٥ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٣١٩ الحديث ١٢١١٨.

٦٢٦

فبملاحظة أمثال ما ذكر ، يظهر دخول زكاة الفطرة في كثير من العمومات الواردة في أنّه تعالى فرض الزكاة كما فرض الصلاة ، فلو أنّ رجلا أعطاها علانيّة لم يكن فيه عيب ، لأنّه حقّ الفقراء مفروض في أموال الأغنياء (١).

وقولهم عليهم‌السلام : «إنّ الله عزوجل قرن الزكاة بالصلاة قال (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ) (٢) فمن أقام الصلاة ولم يقم الزكاة فلم يقم الصلاة» (٣) ، إلى غير ذلك ، فظهر منها كون الفطرة أيضا حقّ الناس كالزكاة ، وأنّهم إنّما يؤتون ما أتوا من منع من منعهم حقوقهم ، سيّما في زمان نزول آية الزكاة ، لانحصار مالهم في الفطرة ، كما عرفت.

ويظهر أيضا من الأخبار الواردة في الحقوق المتعلّقة بالمال ، كون الفطرة داخلة في الزكاة المفروضة ، التي هي حقّ الفقراء المقرّر لهم ، فلاحظ وتأمّل!

ويؤيّد أيضا رواية السكوني : أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : «من أدّى زكاة الفطرة تمّم الله له بها ما نقص من زكاة ماله» (٤).

وما ذكر يرجّح رأي العلّامة على رأي ابن إدريس ، وما ذكر سابقا أيضا يرجّح رأيه في جواز تأخيرها عن الصلاة.

ومن المجموع ثبت مختاره من عدم جواز تأخيرها عن يوم العيد ، وجواز التأخير إلى آخر يوم العيد ، وأنّه بعد ذلك يجب أن يؤدّيها إن تركها ، ولم تسقط منه أصلا بسبب التأخير ، كما هو الحال كزكاة المال.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٩ / ١٠ الحديث ١١٣٨٩ نقل بالمعنى.

(٢) البقرة (٢) : ٤٣.

(٣) الكافي : ٣ / ٥٠٦ الحديث ٢٣ ، من لا يحضره الفقيه : ٢ / ٦ الحديث ١١ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٢٢ الحديث ١١٤٢١ مع اختلاف يسير.

(٤) من لا يحضره الفقيه : ٢ / ١١٩ الحديث ٥١٤ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٣١٨ الحديث ١٢١١٣.

٦٢٧

مع أنّ قصد الأداء والقضاء غير لازم ، بل قصد الوجوب والاستحباب ، كما عرفت في مبحث الوضوء والصلاة (١) ، مع أنّ قصد الترديد أيضا على ما حقّقنا فيه.

__________________

(١) راجع! الصفحة : ٤٠١ ـ ٤٠٤ (المجلّد الثالث) و ١٣٠ ـ ١٣٣ (المجلّد السابع) من هذا الكتاب.

٦٢٨

٢٤٩ ـ مفتاح

[مصرف الفطرة]

مصرفها مصرف الماليّة عند الأكثر ، لآية (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ) (١) ، وظاهر المفيد اختصاصها بالمساكين (٢).

وفي الصحيح : «عن كلّ إنسان نصف صاع من حنطة أو شعير أو صاع من تمر أو زبيب لفقراء المسلمين» (٣).

وفي رواية : لمن تحلّ الفطرة؟ فقال : «لمن لا يجد» (٤).

وفي اخرى : «أمّا من قبل زكاة المال فإنّ عليه الفطرة ، [و] ليس على من قبل الفطرة [فطرة]» (٥).

وجوّز جماعة دفعها إلى المستضعف (٦) ، وفي النصوص ما يدلّ عليه (٧) ،

__________________

(١) التوبة (٩) : ٦٠.

(٢) المقنعة : ٢٥٢.

(٣) وسائل الشيعة : ٩ / ٣٣٦ الحديث ١٢١٦٦.

(٤) وسائل الشيعة : ٩ / ٣٥٨ الحديث ١٢٢٣٢.

(٥) وسائل الشيعة : ٩ / ٣٢٢ و ٣٢٣ الحديث ١٢١٣٠.

(٦) المبسوط : ١ / ٢٤٢ ، السرائر : ١ / ٤٧١ ، مختلف الشيعة : ٣ / ٣٠٩.

(٧) لاحظ! وسائل الشيعة : ٩ / ٣٥١ الباب ١٥ من أبواب زكاة الفطرة.

٦٢٩

وربّما يحمل على التقيّة ، لمعارضتها المعتبرة (١) ، واشتراط العدالة ، وكونه غير هاشمي ، ولا واجب النفقة ، كما مرّ (٢).

وكذا الكلام في نقلها إلى بلد آخر ، ويتأكّد هنا فضيلة صرفها في البلد الذي هو فيها وفي الخبر : «[و] لا ينقل من أرض إلى أرض» (٣) ، وفي آخر : «ولا يوجّه ذلك إلى بلدة اخرى وإن لم يجد موافقا» (٤).

والمشهور : المنع من إعطاء أقلّ من صاع ، وادّعى السيّد عليه الإجماع (٥) إلّا أن يجتمع جماعة لا يتّسع لهم ، تعميما للنفع ودفعا لأذيّة المؤمن.

وفي المرسل : «لا تعط أحدا أقلّ من رأس مال» (٦) ، وضعّفه في المعتبر ، ثمّ حمله على الاستحباب تفصّيا من خلاف الأصحاب (٧).

ويجوز أن يعطي الواحد ما يغنيه بلا خلاف ، وفي رواية : «تفرّقها أحبّ إليّ» (٨) ، والأولى اختصاص ذوي القرابة بها ثمّ الجيران ، وترجيح أهل الفضل والعلم كما يستفاد من النصوص (٩).

وأن يدفعها إلى الإمام أو نائبه الخاصّ ، ومع الغيبة الفقيه المأمون ،

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٩ / ٢٢١ الحديث ١١٨٨٠.

(٢) راجع! مفاتيح الشرائع : ١ / ٢٠٨.

(٣) وسائل الشيعة : ٩ / ٣٦٠ الحديث ١٢٢٣٦.

(٤) وسائل الشيعة : ٩ / ٣٦٠ الحديث ١٢٢٣٧.

(٥) الانتصار : ٨٨.

(٦) وسائل الشيعة : ٩ / ٣٦٢ الحديث ١٢٢٤٢ مع اختلاف يسير.

(٧) المعتبر : ٢ / ٦١٦.

(٨) وسائل الشيعة : ٩ / ٣٦٢ الحديث ١٢٢٤١.

(٩) لاحظ! وسائل الشيعة ٩ / ٣٥٩ الباب ١٥ من أبواب زكاة الفطرة.

٦٣٠

لأنّهم. أبصر بمواقعها ، وفي الخبر : «الإمام أعلم يضعها حيث يشاء» (١) ، وفي آخر : الفطرة لمن هي؟ قال : «للإمام» (٢). ويجوز أن يفرّقها بنفسه بلا خلاف هنا.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٩ / ٣٦٠ الحديث ١٢٢٣٦.

(٢) وسائل الشيعة : ٩ / ٣٤٦ الحديث ١٢١٩١.

٦٣١
٦٣٢

قوله : (لآية إنّما) (١). إلى آخره.

واستدلّ عليه أيضا بأنّها زكاة ، فتصرف في مصارفها ، وقد عرفت آنفا دخولها فيها ، وكونها منها ، وعرفت هناك اشتراط الفقر لجميع الأصناف إلّا العاملين والغارم في مصلحة المسلمين ، وأنّها بالأصل للفقراء والمساكين.

قوله : (وفي الصحيح). إلى آخره.

هذا الصحيح (٢) تضمن ما لم يقل به أحد من الشيعة ، لا أحد من المسلمين.

وأمّا لفظ «الفقراء» ففي «الذخيرة» نقل عن المفيد أنّه قال باختصاصها بالفقراء (٣).

وأمّا أنّه هل يجوز أن يعطى لغير المؤمن من المسلمين؟ فستعرف حاله.

وكذا الكلام في قوله : لمن لا يجد ، مضافا إلى ضعف السند ، وعدم اشتراط عدم وجدان الشي‌ء في الفقير ، بل المسكين أيضا ، مع أنّ فيها : أنّ من حلّت له لا تحلّ عليه ، ومن حلّت عليه لا تحلّ له.

ومن هذا ظهر الكلام في رواية يونس بن يعقوب أنّه سأل الصادق عليه‌السلام عن الفطرة من أهلها الذين تجب لهم؟ قال : «من لا يجد شيئا» (٤).

قوله : (وفي اخرى). إلى آخره.

هذه ظاهرة في المغايرة ، وأنّ آخذ الفطرة أشدّ فقرا من آخذ الزكاة ، إلّا أنّها

__________________

(١) التوبة (٩) : ٦٠.

(٢) تهذيب الأحكام : ٤ / ٧٥ الحديث ٢١٠ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٣٣٦ الحديث ١٢١٦٦.

(٣) ذخيرة المعاد : ٤٧٠ ، المقنعة : ٢٥٢.

(٤) تهذيب الأحكام : ٤ / ٨٧ الحديث ٢٥٣ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٣٥٨ الحديث ١٢٢٣١.

٦٣٣

أيضا ضعيفة.

ومع ذلك تعارضها صحيحة الحلبي عن الصادق عليه‌السلام أنّه سأله عن رجل يأخذ من الزكاة ، عليه صدقة الفطرة؟ قال : «لا» (١).

ورواية يزيد بن فرقد عنه عليه‌السلام : «إنّ من يأخذ من الزكاة فليس عليه فطرة» (٢) قال : وقال ابن عمّار : إنّ الصادق عليه‌السلام قال : «لا فطرة على من أخذ الزكاة» (٣).

مع إمكان كون المغايرة من قلّة مقدار الفطرة بالقياس إلى زكاة المال ، فتأمّل! ومن هذا تعارف كون مصرفها الفقراء خاصّة ، فالأحوط أن لا يعطى لغير الفقراء والمساكين ، لو لم نقل بكونه أقوى أيضا ، فتأمّل!

قوله : (وجوّز). إلى آخره.

المشهور ؛ عدم الجواز لعمومات الأخبار المانعة من الإحسان لغير الشيعة بالإطعام ونحوه.

وما ورد في الأخبار التي كادت تبلغ التواتر (٤) ، لو لم نقل به من عدم جواز إعطاء الزكاة لغير المؤمن ، وقد عرفت دخول الفطرة فيها.

وبخصوص صحيحة إسماعيل بن سعد الأشعري عن الرضا عليه‌السلام قال : سألته عن الزكاة هل توضع فيمن لا يعرف؟ قال : «لا ، ولا زكاة الفطرة» (٥).

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٤ / ٧٣ الحديث ٢٠١ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٣٢١ الحديث ١٢١٢١.

(٢) تهذيب الأحكام : ٤ / ٧٣ الحديث ٢٠٢ ، الاستبصار : ٢ / ٤٠ الحديث ١٢٦ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٣٢٢ الحديث ١٢١٢٧ مع اختلاف يسير.

(٣) تهذيب الأحكام : ٤ / ٧٣ الحديث ٢٠٢ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٣٢٢ الحديث ١٢١٢٨.

(٤) وسائل الشيعة : ٩ / ٢٢١ الباب ٥ من أبواب المستحقّين للزكاة.

(٥) الكافي : ٣ / ٥٤٧ الحديث ٦ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٢٢١ الحديث ١١٨٨٠.

٦٣٤

ورواية إبراهيم الأوسي عن الرضا عليه‌السلام : في أمره بأن يدفع زكاته إلى خصوص الشيعة ، وإن لم يجد الشيعة يصبر سنتين إلى أن قال عليه‌السلام : «فإن لم تصب لها أحدا منهم فصرّها صرارا واطرحها في البحر ، فإنّ الله عزوجل حرّم أموالنا وأموال شيعتنا على عدوّنا» (١).

والسند منجبر بالشهرة ، وغيرها ممّا ذكرنا وسنذكر.

وصحيحة ضريس عن المدائني أنّه سأل الباقر عليه‌السلام : إنّ لنا زكاة فيمن نضعها؟ قال : «في أهل ولايتك». إلى أن قال : «ولا تدفعها إلى قوم إن دعوتهم غدا إلى أمرك لم يجيبوك ، وكان والله الذبح» (٢).

فإن ما ذكر في مقام العلّة يقتضي العموم ، فتأمّل جدّا!

وصحيحة ابن أبي يعفور عن الصادق عليه‌السلام قال له : ما تقول في الزكاة ، لمن هي؟ قال : «هي لأصحابك» قلت : فإن فضل عنهم؟ قال : «أعد عليهم». إلى أن قال : فيعطى السّؤال منها شيئا؟ فقال : «لا والله إلّا التراب إلّا أن ترحمه [فإن رحمته] فأعطه كسرة» (٣) الحديث.

والدلالة واضحة من جهة الحصر المذكور ، واستثناء خصوص الكثير.

وفي الصحيح عن محمّد بن عيسى أنّه كتب إبراهيم بن عقبة يسأله عن الفطرة ، كم هي برطل بغداد عن كلّ رأس؟ وهل يجوز إعطاؤها غير مؤمن؟ فكتب : «عليك أن تخرج عن نفسك صاعا بصاع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وعن عيالك أيضا ، ولا ينبغي أن تعطي زكاتك إلّا مؤمنا» (٤).

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٤ / ٥٢ الحديث ١٣٩ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٢٢٣ الحديث ١١٨٨٧.

(٢) الكافي : ٣ / ٥٥٥ الحديث ١١ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٢٢٢ الحديث ١١٨٨٢ مع اختلاف يسير.

(٣) تهذيب الأحكام : ٤ / ٥٣ الحديث ١٤٢ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٢٢٢ الحديث ١١٨٨٥.

(٤) تهذيب الأحكام : ٤ / ٨٧ الحديث ٢٥٧ ، الاستبصار : ٢ / ٥١ الحديث ١٧٠ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٣٣٤ الحديث ١٢١٦١.

٦٣٥

والدلالة منجبرة بما ذكرنا ، مع أنّ الراوي كان متحيّرا في الجواز وعدمه ، لا الكراهة أو المرجوحية وعدمها ، ولم يسأل إلّا عن الأوّل ، وأراد إزالة حيرته فيه خاصّة.

وعدم مطابقة الجواب للسؤال فيه ما فيه ، فمن قرينة المطابقة يظهر اختيار عدم الجواز في الجواب ، ولذا عدل عليه‌السلام عن لفظ «الفطرة» بلفظ «الزكاة».

مع أنّ السائل لم يذكر إلّا الفطرة ، إشارة منه عليه‌السلام إلى أنّ الفطرة أيضا زكاة ، ولا ينبغي لك أن تعطي زكاتك إلّا مؤمنا ، والزكاة غير منحصرة في الفطرة بلا شبهة.

مع أنّ إضافة الفطرة إلى «الكاف» ، ربّما توهم خصوص فطرة المخاطب لا فطرة عياله أيضا ، فإسقاط لفظ «الكاف» أنسب ، بأن يقول : «لا تعطي الفطرة إلّا مؤمنا» فتأمّل!

وبالجملة ؛ بملاحظة جميع ما ذكر يظهر ما ذكرنا ، من أنّه منع ، وأنّ الراوي لم يفهم منه الجواز البتة ، بأنّه زال حيرته بفهم خصوص الجواز.

مع ملاحظة أنّه سأل عن فطرته وفطرة عياله ، هل يجوز أن يعطيها من لم يكن مؤمنا؟ ورأى أنّ المعصوم عليه‌السلام بدّل لفظ «الفطرة» بالزكاة ، وغيّر العبارة والاسلوب أيضا ، والزكاة إلى خصوص المخاطب ، وقال : «لا ينبغي» لك ـ مع كونك من الشيعة ـ «أن تعطي زكاتك» إلّا الشيعة ، فتأمّل في جميع ما ذكرناه هنا وسابقا ، فإنّ أخبارهم يكشف بعضها عن بعض فتأمّل!

مع أنّ من قال بالجواز منّا ، إنّما يقول بالجواز مع عدم الشيعة لا مطلقا ، إذ في «الذخيرة» بعد ما نقل عن الأكثر أنّهم منعوا ، قال : وذهب الشيخ وأتباعه إلى جواز دفعها مع عدم المؤمن إلى المستضعف (١) ، وأدلّتهم التي استدلّوا بها أيضا

__________________

(١) ذخيرة المعاد : ٤٧٠ ، لاحظ! الاستبصار : ٢ / ٥١ ذيل الحديث ١٧٢ ، النهاية للشيخ الطوسي : ١٩٢ المبسوط : ١ / ٢٤٢ ، مجمع الفائدة والبرهان : ٤ / ٢٧١.

٦٣٦

يقتضي ذلك ، ففي عبارة المصنّف مسامحة ، فعلى ما ذكرنا كيف يجوّز المعصوم عليه‌السلام الجواز مطلقا ، وإن وجد المؤمن المستحقّ المحتاج بأن لا يدفع إليه حينئذ ويبقى على احتياجه ، ويختار غير الشيعة عليه ، ويرفع احتياجه ، إذ فيه ما فيه ، سيّما بملاحظة التّشهيدات ، والتهديدات ، والتوبيخات ، والتقريعات في عدم رفع حاجة المؤمن ، بل ورد : أنّ «من باب شبعانا وبحضرته مؤمن جائع طاو. وكلته إلى عمله» (١).

وفي رواية اخرى : «ما آمن بي» (٢).

وورد في الكسوة أشدّ من ذلك وكذا الحال في سائر حوائجه ، فكيف الحال في إعطاء ما قرّر الله لرفع حوائجه لمن لم يؤمن بالله ، ورسوله ، والأئمة عليهم‌السلام؟ مع ما ورد في قوله تعالى (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ) (٣) إلى غير ذلك ممّا ورد بالنسبة إلى أهل السنة وغير الشيعة والفسقة والظلمة المنحرفين عن أهل البيت عليهم‌السلام غير المتابعين لهم عليهم‌السلام ، يحرم أموال شيعتهم على هؤلاء ونحو ذلك.

مع أنّ الكلّ لا يرضون به ، فهذا أيضا مؤيّد آخر لما ذكرناه وسمة الشاهد ، صونا للجواب الصحيح عن الفساد والبطلان رأسا.

قوله : (وفي النصوص). إلى آخره.

هي قويّة مالك الجهني عن الباقر عليه‌السلام : عن زكاة الفطرة؟ فقال : «تعطيها المسلمين ، فإن لم تجد مسلما فمستضعفا ، وأعط ذا قرابتك منها إن شئت» (٤).

__________________

(١) بحار الأنوار : ٧١ / ٣٨٧ الحديث ١١١.

(٢) بحار الأنوار : ٧١ / ٣٨٧ الحديث ١١٢.

(٣) المجادلة (٥٨) : ٢٢.

(٤) الكافي : ٤ / ١٧٣ الحديث ١٨ ، تهذيب الأحكام : ٤ / ٨٧ الحديث ٢٥٥ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٣٥٩ الحديث ١٢٢٣٤.

٦٣٧

والمسلم هنا مرادف المؤمن ، كما هو الوارد في كثير من الأخبار (١) ، موافقا لقوله تعالى (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ) (٢) وقوله (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ) (٣) الآية والقرينة قوله عليه‌السلام : «فإن لم [تجد]». إلى آخره (٤).

وموثّقة الفضيل عن الصادق عليه‌السلام قال : «كان جدّي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعطي فطرته الضعفاء ومن لا يجد ، ومن لا يتولّى» ، قال : وقال الصادق عليه‌السلام : «هي لأهلها إلّا أن لا تجدهم [فإن لم تجدهم] ، فلمن لا ينصب ، ولا تنقل من أرض إلى أرض ، وقال : الإمام يضعها حيث يشاء يصنع فيها ما رأى» (٥).

وصحيحة محمّد بن عيسى ، قال : حدّثني علي بن بلال قال : كتبت إليه : هل يجوز أن يكون الرجل في بلدة ورجل من إخوانه في بلدة اخرى ، يحتاج أن يوجّه له فطرة أم لا؟ فكتب «يقسّم الفطرة على من حضرها ولا يوجّه ذلك إلى بلدة اخرى وإن لم يجد موافقا» (٦).

والجواب عنها أنّها بحسب السند لا تقاوم الدالّ على المنع.

أمّا غير الصحيحة فظاهر ، وأمّا الصحيحة ففيها محمّد بن عيسى ، ففيها نوع توقّف ، فلا تعارض ما ليس فيه توقّف ، ومع ذلك مكاتبة لا تعارض السؤال مشافهة صريحا.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٩ / ٢٢٧ الحديث ١١٨٩٧ و ١١٨٩٨ ، ٢٤٧ الحديث ١١٩٤٤ ، ٣٥٩ الحديث ١٢٢٣٤.

(٢) آل عمران (٣) : ١٩.

(٣) آل عمران (٣) : ٨٥.

(٤) مرّ آنفا.

(٥) تهذيب الأحكام : ٤ / ٨٨ الحديث ٢٦٠ ، الاستبصار : ٢ / ٥١ الحديث ١٧٣ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٣٦٠ الحديث ١٢٢٣٦.

(٦) تهذيب الأحكام : ٤ / ٨٨ الحديث ٢٥٨ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٣٦٠ الحديث ١٢٢٣٧.

٦٣٨

ومع ذلك المكتوب إليه غير ظاهر من هو ، حتّى أنّه لم يكتب بعد الضمير رمز عليه‌السلام ونحوه أصلا ، ومع ذلك المانع موافق للمؤيّدات الكثيرة التي اشير إليها في الجملة.

وهذه الأخبار مخالفة لها ، مع أنّه أبعد من مذاهب العامّة قطعا بخلاف هذه ، إذ الظاهر كونها اتّقاء منهم على الشيعة ، ينادي بهذا صحيحة محمّد بن عيسى ، عن يونس ، عن إسحاق بن عمّار ، عن الكاظم عليه‌السلام سأله عن صدقة الفطرة ، اعطيها غير أهل ولايتي و [من] فقراء جيراني؟ قال : «نعم ، الجيران أحقّ بها ، لمكان الشهرة» (١).

قال الفقهاء : المراد أنّه إن لم يعط الجيران شهروه (٢) ، والاعتبار أيضا شاهد عليه ، لأنّ الشيعة ؛ في الكوفة ـ مثلا ـ كانوا مختلطين بأهل السنّة ، إلى حدّ كان الأب من العامّة والابن من الخاصّة ، وبالعكس.

وكذا الحال في الأخوين وسائر الأنساب ، وكذلك الحال بالنسبة إلى الجيران ، وهم كانوا عارفين يقينا بحال من يتمكّن من إعطاء الفطرة ، ويجب عليه ويعطي ، ومن لا يتمكّن ولا يعطي.

فإذا رأى العامّي أنّ من يعطي ؛ لا يعطي إلّا الذي عنده أنّه رافضي ، أو متّهم بالرفض ، ولا يعطي من ليس كذلك ، كانوا يتّهمونه بالرفض ، بل ويشهّرونه به.

فإذا رأى أنّه يعطيها فقراء أهل السنّة أيضا ، مع أنّ غالبهم كونهم مستضعفين لم يتّهموه ولم يشهّروه ، سيّما والمشهّر هو الآخذ ، لكن هذا التوجيه إنّما ينفع بالنسبة إلى الأخبار المجوّزة مطلقا.

__________________

(١) الكافي : ٤ / ١٧٤ الحديث ١٩ ، الاستبصار : ٢ / ٥١ الحديث ١٧٢ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٣٦٠ الحديث ١٢٢٣٥.

(٢) لاحظ! مرآة العقول : ١٦ / ٤٢٣.

٦٣٩

مثل صحيحة علي بن يقطين عن الكاظم عليه‌السلام : عن [زكاة] الفطرة أيصلح أن يعطى الجيران والظؤورة ممّن لا يعرف ولا ينصب؟ قال : «لا بأس بذلك إذا كان محتاجا» (١) ، ونحوها من الأخبار المطلقة ، وقد عرفت بعضها ، وأنّها مخالفة لفتاوى الجميع ، وجميع الأخبار المعوّل عليها.

والحقّ أن يقال : إنّ زمان علي بن الحسين عليه‌السلام ما كان يوجد المؤمن العارف إلّا نادرا نهاية الندرة لو قلنا بوجوده ، إذ مثل سعيد بن المسيّب ممّن عدّ من الحواريين له عليه‌السلام ، كان من فقهاء العامّة (٢) ، مذهبه مشهور معروف غير خفي على أحد من الفقهاء في الفقه وغيره ، فما ظنّك بغيره؟

وكيف كان ؛ ما كان مؤمن عارف يأخذ الفطرة ولذا كان عليه‌السلام يعطي فطرته الضعفاء.

وكذلك كان الحال في زمان الحسنين عليهما‌السلام ، وزمان علي عليه‌السلام ، إذ بحكاية السقيفة وقع ما وقع ، وارتدّ الناس كلّهم إلّا أربعة نفر (٣).

بل وفي بعض الأخبار ثلاثة (٤) ، كما هو معلوم على المطّلع بتلك الأخبار الكثيرة غاية الكثرة ، والجمع بين الأربعة والثلاثة ، ومعلوم أنّهم عليهم‌السلام والقليل من شيعتهم العارفين كانوا يعطون الفطرة ، وكان حال الفطرة حال الزكاة.

ومن اليقينيّات أنّه يجتمع عند عليّ والحسن عليهما‌السلام في زمان سلطنتهما زكوات لا تحصى ، وكانا يفرّقان في المستحقّين بلا شبهة ، كما مرّ تحقيق ذلك في مبحث زكاة المال (٥) فلاحظ!

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : ٢ / ١١٨ الحديث ٥٠٧ ، وسائل الشيعة : ٣٦١ الحديث ١٢٢٣٩.

(٢) لاحظ! جامع الرواة : ١ / ٣٦٢ ، منهج المقال : ١٦٢ و ١٦٣.

(٣) بحار الأنوار : ٢٢ / ٣٣٣ الحديث ٤٦.

(٤) رجال الكشّي : ١ / ٢٧ الحديث ١٢ ، بحار الأنوار : ٢٢ / ٣٥١ الحديث ٧٦.

(٥) راجع! الصفحة : ٤٧٦ و ٤٧٧ من هذا الكتاب.

٦٤٠