مصابيح الظلام - ج ١١

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

مصابيح الظلام - ج ١١

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الطبعة: ١
ISBN: 964-94603-1-4
ISBN الدورة:
964-94422-0-0

الصفحات: ٤٧١

١
٢

٣
٤

الباب الثّالث

في الخمس

قال الله عزوجل (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) (١).

القول فيما فيه الخمس وشرائطه

٢٥٠ ـ مفتاح

[وجوب الخمس في الغنائم]

إنّما يجب الخمس في الغنائم وهي الفوائد ، فمنها ما غنم في الحربيّين ،

__________________

(١) الأنفال (٨) : ٤١.

٥

بالإجماع والآية (١) والصحاح المستفيضة (٢) ، قلّ أو كثر ، واشتراط المفيد ببلوغه عشرين دينارا (٣) شاذّ مدفوع بالعمومات.

وفي حكمه ما غنم من مال البغاة عند الأكثر (٤) ، وفي ما يسرق أو يؤخذ غيلة (٥) قولان (٦).

وقيل : إذا غزا قوم بغير إذن الإمام عليه‌السلام فغنيمتهم كلّها له (٧) ، للخبر (٨) وهو مع ضعفه وإرساله معارض للحسن (٩).

__________________

(١) الأنفال (٨) : ٤١.

(٢) لاحظ! وسائل الشيعة : ٩ / ٤٨٥ الباب ٢ من أبواب ما يجب فيه.

(٣) نقل عنه في مختلف الشيعة : ٣ / ٣٢٠.

(٤) لاحظ! الروضة البهية : ٢ / ٦٥ ، مدارك الأحكام : ٥ / ٣٦١ ، ذخيرة المعاد : ٤٧٧.

(٥) الغيلة ـ بالكسر ـ : الاغتيال ، يقال : قتله غيلة ، وهو أن يخدعه فيذهب به إلى موضع فإذا صار إليه قتله ، لاحظ! مجمع البحرين : ٥ / ٤٣٨.

(٦) لاحظ! مدارك الأحكام : ٥ / ٣٦١.

(٧) الدروس الشرعيّة : ١ / ٢٥٨.

(٨) وسائل الشيعة : ٩ / ٥٢٩ الحديث ١٢٦٤٠.

(٩) الخبر المرسل هنا ما روى عن مولانا الصادق عليه‌السلام أنّه قال : «إذا غزا قوم بغير أمر الإمام فغنموا ، كانت الغنيمة كلّها للإمام ، فإذا غزوا بإذن الإمام فغنموا كان للإمام الخمس» ، [وسائل الشيعة : ٩ / ٥٢٩ الحديث ١٢٦٤٠].

والحسن هو ما رواه الحلبي عنه عليه‌السلام : في الرجل من أصحابنا يكون في لوائهم فيكون معهم فيصيب غنيمة ، فقال : «يؤدّي خمسنا ويطيب له» [وسائل الشيعة : ٩ / ٤٨٨ الحديث ١٢٥٥٣].

وفي الصحيح : «خذ مال الناصب حيثما وجدته وادفع إلينا الخمس» ، [وسائل الشيعة : ٩ / ٤٨٧ الحديث ١٢٥٥١]. قيل : المراد به ناصب الحرب للمسلمين ، لا العداوة لأهل البيت ، للاتّفاق على عصمة مال مظهر الشهادتين ، كذا سمعته من استاذنا المحقّق السيّد تاج الدين هاشم الصادقي ، موافقا لما في ملحقات «السرائر» للحلّي [مستطرفات السرائر : ١٠١ ذيل الحديث ٣٠] ، وفيه بعد ، «منه رحمه‌الله».

٦

قوله : (عند الأكثر). إلى آخره.

يدلّ عليه قول أمير المؤمنين عليه‌السلام لمن حاربه من أهل البصرة : «مننت عليكم كما منّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على أهل مكّة» (١).

والقائل بخلاف ذلك يتمسّك بسلوك أمير المؤمنين عليه‌السلام معهم ، فإنّه ما أخذ منهم شيئا ، وفيه أنّه عليه‌السلام منّ عليهم كما صرّح عليه‌السلام ، ويظهر ذلك من أخبار اخر.

قوله : (قولان). إلى آخره.

عن «الدروس» عدم الوجوب (٢) ، وقيل بالوجوب (٣) ، وهو الأقوى للعمومات. بل الظاهر ؛ من قوله تعالى (أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ) (٤) بل لكلّ ما اكتسب بأيّ نحو اكتسب ، وإن قلنا بأنّ هذا معنى مجازي لثبوته من الأخبار (٥) ، وظهوره منها كما سيذكر في أرباح التجارات والمكاسب.

قوله : (مع ضعفه). إلى آخره.

أقول : منجبر بالشهرة بين الفقهاء فتوى وعملا ، وقال جدّي رحمه‌الله بعد نقله هذا الخبر في شرحه على «الفقيه» : وفي الحسن كالصحيح عن معاوية بن وهب عن الصادق عليه‌السلام (٦) ولا يعارضه الحسن الذي ذكره المصنّف وهو ما رواه الشيخ عن

__________________

(١) علل الشرائع : ١٥٤ الباب ١٢٣ الحديث ١ ، وسائل الشيعة : ١٥ / ٧٩ الحديث ٢٠٠٢٠ مع اختلاف يسير.

(٢) الدروس الشرعيّة : ١ / ٢٥٨.

(٣) الروضة البهيّة : ٢ / ٦٥.

(٤) الأنفال (٨) : ٤١.

(٥) لاحظ! وسائل الشيعة : ٩ / ٤٩٩ الباب ٨ من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(٦) روضة المتّقين : ٣ / ١٣٧.

٧

سعد بن عبد الله ، عن علي بن إسماعيل ، عن ابن مسكان ، عن الحلبي عن الصادق عليه‌السلام في الرجل من أصحابنا يكون في لوائهم فيكون معهم فيصيب غنيمة ، فقال : «يؤدّي خمسنا ويطيب له» (١).

وعلي بن إسماعيل هذا هو علي بن السندي ، لا علي بن إسماعيل الميثمي الذي هو من الأجلّة من الشيعة ، كما لا يخفى على المطّلع ، وعلي بن السندي إمّا ثقة أو مجهول ، لعلّ الأوّل أقوى ، كما حقّق في محلّه (٢).

وأمّا الدلالة فلم يظهر بعد المعارضة للخبر الذي رواه العباس الورّاق عن رجل سمّاه ، عن الصادق عليه‌السلام قال : «إذا غزا قوم بغير إذن الإمام فغنموا ، كانت الغنيمة كلّها للإمام عليه‌السلام ، وإذا غزوا بإذن الإمام ، كان للإمام الخمس» (٣) ، إذ لعلّ جميع ما حواه هؤلاء يكون مال الإمام.

وأمّا خصوص الذي كان من أصحابنا من جهة كونه من الشيعة تفضّل المعصوم عليه‌السلام عليه ، كما يظهر من حالهم عليهم‌السلام ، الظاهر من الأخبار بالنسبة إلى أمثاله من الشيعة.

ولعلّه لهذا قال : «يؤدّي خمسنا ويطيب له» ، ولم يقل عليهم أن يؤدّوا الخمس ويطيب لهم ، بل المظنون عدم طيبة لهم أصلا في مثل ذلك ، كما يظهر ممّا قالوا لعلباء الأسدي أو ابنه الحكم (٤) ، وغير ذلك فتأمّل جدّا! إلّا أن يقال : هذا

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٤ / ١٢٤ الحديث ٣٥٧ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٤٨٨ الحديث ١٢٥٥٣.

(٢) تعليقات على منهج المقال : ٢٣٤.

(٣) تهذيب الأحكام : ٤ / ١٣٥ الحديث ٣٧٨ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٥٢٩ الحديث ١٢٦٤٠ ، مع اختلاف يسير.

(٤) تهذيب الأحكام : ٤ / ١٣٧ الحديث ٣٨٥ ، الاستبصار : ٥٨ الحديث ١٩٠ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٥٢٨ الحديث ١٢٦٣٧.

٨

الخبر معارض لعموم قوله تعالى (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ) الآية (١) ، لكن الظاهر من الأخبار عدم عموم يشمل المقام ، من جملة تلك الأخبار مرسلة حمّاد الطويلة (٢) ، المتضمّنة لأحكام كثيرة ، عمل الفقهاء بها وربّما يظهر انحصار مستندهم فيها في بعض الأحكام ، وستعرف.

__________________

(١) الأنفال (٨) : ٤١.

(٢) الكافي : ١ / ٥٣٩ الحديث ٤ ، تهذيب الأحكام : ٤ / ١٢٨ الحديث ٣٦٦ ، الاستبصار : ٢ / ٥٦ الحديث ١٨٥ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٥١٣ الحديث ١٢٦٠٧.

٩
١٠

٢٥١ ـ مفتاح

[وجوب الخمس في المعادن]

ومن الفوائد المعادن كلّها حتّى الملح والكبريت ، ويجب فيها بالإجماع والصحاح المستفيضة (١) ، وفي مثل المغرة (٢) وطين الغسل وحجارة الرحى والجصّ والنورة إشكال ، لانتفاء النصّ الخاصّ ، والشكّ في إطلاق اسم المعدن عليها.

ويشترط فيها بلوغه عشرين دينارا ، للصحيح : «ليس فيه شي‌ء حتّى يبلغ ما يكون في مثله الزكاة عشرين دينارا» (٣) خلافا للحلبي فدينار واحد (٤) للخبر (٥).

ويمكن حمل الصحيح على التبرّع والرخصة منهم عليهم‌السلام وللسيّد وجماعة فلا

__________________

(١) لاحظ! وسائل الشيعة : ٩ / ٤٩١ الباب ٣ من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(٢) المغرة : الطين الأحمر الذي يصبغ به ، وقد يحرّك ، لاحظ! مجمع البحرين : ٣ / ٤٨٤.

(٣) وسائل الشيعة : ٩ / ٤٩٤ الحديث ١٢٥٦٨.

(٤) الكافي في الفقه : ١٧٠.

(٥) وسائل الشيعة : ٩ / ٤٩٣ الحديث ١٢٥٦٥.

١١

نصاب لها (١) للعمومات. وجوابه أنّها مقيّدة بما ذكر من الدليل.

__________________

(١) رسائل الشريف المرتضى : ١ / ٢٢٦ ، الانتصار : ٨٦ ، الخلاف : ٢ / ١١٩ المسألة ١٤٢ ، السرائر : ١ / ٤٨٦ ، مختلف الشيعة : ٣ / ٣١٨ و ٣١٩.

١٢

قوله : (بالإجماع والصحاح) .. إلى آخره.

أقول : إجماعهم ظاهر ، والصحاح المعتبرة في غاية الكثرة ، مثل صحيحة ابن مسلم عن الباقر عليه‌السلام عن الملاحة؟ فقال : «وما الملاحة»؟ قلت : أرض سبخة مالحة يجتمع فيها الماء فيصير ملحا ، فقال : «هذا المعدن فيه الخمس» فقلت : فالكبريت والنفط يخرج من الأرض؟ فقال : «هذا وأشباهه فيه الخمس» (١) إلى غير ذلك.

فما في صحيحة ابن سنان عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال : «ليس الخمس إلّا في الغنائم» (٢) ، إمّا محمول على التقيّة ، أو كون الغنائم أعمّ كما هو الظاهر من الأخبار ، حتّى أنّ هذا الراوي بعينه روى عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال : «على كلّ امرئ غنم أو اكتسب الخمس ممّا أصاب لفاطمة عليها‌السلام ، ولمن يلي أمرها من بعدها من ذرّيتها الحجج على الناس ، فذلك لهم خاصّة يضعونه حيث شاءوا وحرّم عليهم الصدقة ، حتّى الخيّاط يخيط قميصا بخمسة دوانيق فلنا منه دانق إلّا من أحللناه من شيعتنا لتطيب لهم به الولادة إنّه ليس [من] شي‌ء عند الله يوم القيامة أعظم من الزنا ، إنّه ليقوم صاحب الخمس فيقول : يا ربّ! سل هؤلاء بما نكحوا؟» (٣).

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : ٢ / ٢١ الحديث ٧٦ ، تهذيب الأحكام : ٤ / ١٢٢ الحديث ٣٤٩ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٤٩٢ الحديث ١٢٥٦٤.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ٢ / ٢١ الحديث ٧٤ ، تهذيب الأحكام : ٤ / ١٢٤ الحديث ٣٥٩ ، الاستبصار : ٢ / ٥٦ الحديث ١٨٤ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٤٨٥ الحديث ١٢٥٤٦.

(٣) تهذيب الأحكام : ٤ / ١٢٢ الحديث ٣٤٨ ، الاستبصار : ٢ / ٥٥ الحديث ١٨٠ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٥٠٣ الحديث ١٢٥٨٦.

١٣

قوله : (والشكّ) .. إلى آخره.

قال في «التذكرة» : المعادن هي كلّ ما خرج من الأرض ممّا يخلق فيها من غيرها ممّا له قيمة ، سواء كان منطبعا بانفراده كالرصاص والصفر و.. ، أو مع غيره كالزئبق ، أو لم يكن منطبعا كالياقوت ـ إلى أن قال ـ والزاج والزرنيخ والمغرة والملح ، أو كان مائعا كالقير والنفط والكبريت عند علمائنا أجمع (١) ، ويؤيّده ظواهر بعض الأخبار.

وقال في «المنتهى» أيضا مثل ذلك (٢) ، مع أنّ مقتضى كلام أهل اللغة أنّ المعدن ـ كمجلس ـ منبت الجواهر ونحوها ، وعدن بمعنى نبت (٣) فلاحظ وتأمّل!

وكيف كان ؛ لا تأمّل في تعلّق الخمس بجميع ما ذكره للعمومات.

قوله : (للصحيح).

هو صحيح ابن أبي نصر قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عمّا اخرج المعدن من قليل أو كثير هل فيه شي‌ء؟ قال : «ليس فيه شي‌ء» (٤). إلى آخره.

وما ذكر مختار الشيخ في «النهاية» و «المبسوط» ، وابن حمزة ، وجمهور المتأخّرين (٥) ، لصحّة السند ، ووضوح الدلالة.

__________________

(١) تذكرة الفقهاء : ٥ / ٤٠٩.

(٢) منتهى المطلب : ١ / ٥٤٤ و ٥٤٥ ط. ق.

(٣) القاموس المحيط : ٤ / ٢٤٨ ، اقرب الموارد : ٢ / ٧٥٤.

(٤) تهذيب الأحكام : ٤ / ١٣٨ الحديث ٣٩١ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٤٩٤ الحديث ١٢٥٦٨.

(٥) النهاية للشيخ الطوسي : ١٩٧ ، المبسوط : ١ / ٢٣٧ ، الوسيلة إلى نيل الفضيلة : ١٣٨ ، المختصر النافع : ٦٣ ، البيان : ٣٤٢ ، الروضة البهيّة : ٢ / ٧٠.

١٤

قوله : (خلافا). إلى آخره.

في «الذخيرة» (١) ورواه ابن بابويه في «المقنع» و «من لا يحضره الفقيه» (٢).

والخبر صحيحة ابن أبي نصر ، عن محمّد بن علي ـ وهو مجهول ـ عن أبي الحسن عليه‌السلام عمّا يخرج من البحر من اللؤلؤ والياقوت والزبرجد وعن معادن الذهب والفضّة ، هل فيها زكاة؟ قال : «إذا بلغ قيمته دينارا ففيه الخمس» (٣).

ويحتمل سقوط كلمة «عشرين» من قلم الناسخ ، بل واتّحاد الروايتين ، لاتّحاد الراوي والحكاية.

ويعضد الصحيح أيضا كون النصاب فيما يخرج من البحر عشرين دينارا ، لما سنذكر عن المفيد ، وأنّه في الكنز أيضا عشرون دينارا ، لما ستعرف أيضا.

قوله : (ويمكن) .. إلى آخره.

أقول : الخبر المذكور لا يقاوم الصحيح ، وإن كان الراوي عن المجهول ابن أبي نصر الذي أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه (٤) ، وأنّه لا يروي إلّا عن الثقة على ما قاله الشيخ في «العدّة» (٥) ، وهو ظاهر ، سيّما مع انجبار الصحيح ، وتقويته بما أشرنا إليه.

__________________

(١) ذخيرة المعاد : ٤٧٨.

(٢) المقنع : ١٧٢ ، من لا يحضره الفقيه : ٢ / ٢١ الحديث ٧٢.

(٣) الكافي : ١ / ٥٤٧ الحديث ٢١ ، من لا يحضره الفقيه : ٢ / ٢١ الحديث ٧٢ ، تهذيب الأحكام : ٤ / ١٢٤ الحديث ٣٥٦ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٤٩٣ الحديث ١٢٥٦٥ مع اختلاف يسير.

(٤) رجال الكشي : ٢ / ٨٣٠ الرقم ١٠٥٠.

(٥) عدّة الأصول : ١ / ١٥٤.

١٥

مع أنّ المفتي بمضمون الخبر قليل ، فيتعيّن التوجيه في الخبر إن لم يطرح ، بل يتعيّن حمله على الاستحباب ، للمسامحة في أدلّة السنن.

مع أنّ الخبر لو كان صحيحا مقابلا لذلك الصحيح ، كان المتعيّن حمله على الاستحباب ، لأصالة براءة الذمّة ، وأصالة عدم الوجوب ، لكونه زيادة في التكليف.

مع أنّ طريقة المصنّف في الجمع بين الصحيحين الحمل على الاستحباب ، كغيره من الفقهاء المتأخّرين ، لو لم نقل بأنّها كذلك عند القدماء أيضا.

فلو كان صحيحا كان المتعيّن حمله على الاستحباب ، فما ظنّك إذا لم يكن صحيحا مقابلا؟

مع أنّ دأب المصنّف وبعض من المتأخّرين تقديم الحمل على الاستحباب مطلقا ، وإن كان الحمل على غير الاستحباب له مرجّحات ، كما عرفت وستعرف ، وحمل هذا الخبر على الاستحباب جدّي رحمه‌الله ، وصاحب «الذخيرة» وغيرهما (١).

ثمّ اعلم! أنّه قال في «الذخيرة» : الظاهر من الأدلّة أنّه لا يعتبر في النصاب الإخراج دفعة ، بل لو أخرج دفعات ضمّ بعضها إلى بعض ، واعتبر النصاب من المجموع ، وإن تخلّل الإعراض بينهما.

ونقل عن «المنتهى» أنّه قال : يعتبر النصاب فيما أخرج دفعة أو دفعات لا يترك العمل بينها ترك إهمال ، فلو أخرج دون النصاب ، وترك العمل مهملا ، ثمّ اخرج دون النصاب وكملا نصابا ، لم يجب عليه شي‌ء ، ولو بلغ أحدهما نصابا اخرج خمسه ، ولا شي‌ء [عليه] في الآخر.

أمّا لو ترك العمل لا مهملا ، بل لاستراحة أو إصلاح آلة أو طلب أكل وما

__________________

(١) روضة المتّقين : ٣ / ١٠٩ ، ذخيرة المعاد : ٤٧٨ ، مدارك الأحكام : ٥ / ٣٦٦.

١٦

أشبهه ، فالأقرب وجوب الخمس إذا بلغ المنضمّ النصاب ، ثمّ يخرج من الزائد مطلقا ما لم يتركه مهملا ، وكذا لو اشتغل بالعمل فخرج بين المعدن تراب أو شبهه (١) ، انتهى.

ثمّ قال : ولا أعلم دليلا صحيحا على ما ذكره (٢) ، انتهى.

أقول : ما ادّعاه هو من العموم ، لعلّه محلّ نظر ، بحيث يكون دليلا صحيحا مطلقا في جميع مراتب العموم ، بحيث لا ينتهي إلى حدّ أبدا إن فهمه عرفا ، وتبادره من النصّ بحيث لا يكون فيه تأمّل ، لا يخلو عن التأمّل ، وإن كان العمل به أحوط ، بل هو الاحتياط.

ثمّ قال : ولا يشترط في الضمّ اتّحاد نوع المعدن.

ثمّ نقل عن بعض العامّة القول بعدم الضمّ مع الاختلاف مطلقا ، وعن بعضهم عدم الضمّ في الذهب والفضّة خاصّة (٣).

__________________

(١) منتهى المطلب : ١ / ٥٤٩ ط. ق.

(٢) ذخيرة المعاد : ٤٧٨.

(٣) ذخيرة المعاد : ٤٧٨.

١٧
١٨

٢٥٢ ـ مفتاح

[وجوب الخمس في الكنوز]

ومنها : الكنوز ويجب فيها بالإجماع والصحاح (١) ، بشرط أن لا يكون للأرض مالك يعرفه ، فإنّه حينئذ لقطة ، وقال أكثر المتأخّرين : كلّ ما وجد في دار الإسلام وعليه أثره فهو لقطة (٢) ، وهو ضعيف ، كما يأتي في مباحث اللقطة ، ويشترط فيه بلوغه نصاب الزكاة ، للصحيح (٣).

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٩ / ٤٨٥ الباب ٢ من أبواب ما يجب فيه.

(٢) شرائع الإسلام : ١ / ١٨٠ ، تحرير الأحكام : ١ / ٧٣ ، البيان : ٣٤٣ ، التنقيح الرائع : ١ / ٣٣٧ و ٣٣٨ ، مسالك الأفهام : ١ / ٤٦٠.

(٣) وسائل الشيعة : ٩ / ٤٩٥ الحديث ١٢٥٧٠.

١٩
٢٠