مصابيح الظلام - ج ١٠

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

مصابيح الظلام - ج ١٠

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الطبعة: ١
ISBN: 964-94603-0-6
ISBN الدورة:
964-94422-0-0

الصفحات: ٦٤٨

ابن الجنيد ، والمحقّق في «المعتبر» ، والعلّامة في «المنتهى» و «التحرير» (١) ، لما ذكره المصنّف أيضا ، وبالتأمّل فيما ذكرنا في الثمرتين ، يظهر الحال في المقام.

ثمّ اعلم! أنّه اتّضح بما ذكر في المقام ، وما سبق في الحواشي السابقة أنّ وقت تعلّق الزكاة بالأجناس الأربعة ، وصيرورة الفقراء شركاء ، هو انعقاد الحصرم ، واشتداد الحبوب ، وهما واضحان عرفا.

مع أنّه على فرض حصول الاشتباه الغير المرتفع عرفا في وقت منه ، مع كونه في غاية البعد ، علاجه أصالة تأخّر الحادث ، وعدم تعلّق الوجوب ، وعدم تحقّق الشركة حتّى يثبت خلافه ، والاحتياط أيضا واضح.

وأمّا البسريّة والرطبيّة ، فالظاهر أيضا عدم تحقّق تأمّل في أحدهما ، ولذا لم نجد في العرف تأمّلا أصلا ، مع أنّ الظاهر أنّ الدخول في أوّل درجة منهما يكفي بملاحظة الأدلّة والفتاوى ، كما أنّ الظاهر ؛ أنّ الدخول في أوّل درجة انعقاد الحصرم أيضا يكفي ، كما لا يخفى على المتأمّل في الأدلّة والفتاوى ، بل لعلّ الأمر في الجهتين أيضا كذلك ، فتأمّل جدّا!

وأمّا وقت وجوب الإخراج وإعطاء الشريك حقّه ؛ قد عرفت كلام المحقّق في وقت تعلّق الزكاة ، حيث قال ـ بعد ما اختار كونه إذا صار حنطة وشعيرا أو تمرا أو زبيبا ، وذكر ثمرة الخلاف ـ : ولا يجب الإخراج عند الجميع في الحبوب إلّا بعد التصفية ، ولا في الثمار إلّا بعد التشميس والجفاف (٢) ، وقال في «المنتهى» : اتّفق العلماء كافّة أنّه لا يجب في الحبوب إلّا بعد التصفية ، وفي الثمر إلّا بعد التشميس

__________________

(١) نقل عن ابن الجنيد في البيان : ٢٩٩ ، المعتبر : ٢ / ٥٣٧ ، منتهى المطلب : ١ / ٥٠١ ط. ق ، تحرير الأحكام :١ / ٦٣.

(٢) المعتبر : ٢ / ٥٣٤.

٣٤١

والجفاف (١) ، وكذلك ادّعى في «التحرير» و «التذكرة» (٢).

قال في «الذخيرة» : والمراد من وقت الإخراج الوقت الذي يصير ضامنا بالتأخير ، أو الوقت الذي يجوز للساعي مطالبته لا الوقت الذي لا يجوز التقديم عليه ، لتصريحهم بجواز مقاسمة الساعي المالك قبل الجذاذ (٣) ، انتهى.

أقول : هذا ليس محلّ تأمّل وخفاء لجواز اعطاء حقّ الشريك مطلقا ، كما أنّ الإعطاء قبل تحقّق الشركة وتعلّق الزكاة ، لا يجوز بعنوان تقديم الزكاة لا القرض ، كما ستعرف وهو ظاهر أيضا.

وإنّما التأمّل في أنّ وجوب الإخراج المذكور على الفور والضيق أو السعة ، وعلى الثاني إلى متى حدّها؟

قال في «الدروس» : يجب دفع الزكاة عند وجوبها ، ولا يجوز التأخير إلّا لانتظار المستحقّ وحضور المال ، فيضمن بالتأخير ، وكذلك الوصي والوكيل بالتفرقة لها ولغيرها من الحقوق الماليّة ، وهل يأثم؟ الأقرب نعم ، إلّا أن ينتظر بها الأفضل أو التعميم ، وروي جواز تأخيرها شهرا وشهرين (٤) ، وحمل على العذر (٥).

ولا يجوز تقديمها على وقت الوجوب ، وروي جواز أربعة أشهر وسبعة أشهر (٦) ، إلى أن قال : وحمل على القرض (٧) ، فيحتسب عند الوجوب بشرط بقائه

__________________

(١) منتهى المطلب : ١ / ٤٩٩ ط. ق.

(٢) تحرير الأحكام : ١ / ٦٣ ، تذكرة الفقهاء : ٥ / ١٤٧ المسألة ٨٢.

(٣) ذخيرة المعاد : ٤٤٣.

(٤) تهذيب الأحكام : ٤ / ٤٤ الحديث ١١٤ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٣٠٢ الحديث ١٢٠٧٤.

(٥) مختلف الشيعة : ٣ / ٢٤٠.

(٦) وسائل الشيعة : ٩ / ٣٠٢ و ٣٠٣ الحديث ١٢٠٧٥ و ١٢٠٧٨.

(٧) من لا يحضره الفقيه : ٢ / ١٠ ذيل الحديث ٢٩ ، تهذيب الأحكام : ٤ / ٤٥ ذيل الحديث ١١٥.

٣٤٢

على الاستحقاق.

ولو استغنى بها احتسبت وأجزأت ، وإن لم ينتزعها منه ثمّ يعيدها إليه ، ولو استغنى بغيرها لم يجزئ ، وإن كان بنمائها ، أو ارتفاع قيمتها ، وللمالك ارتجاعها ، وإن كان باقيا على الاستحقاق ، فيعطيها غيره ، أو يعطيه غيرها ، أو يعطي غيره غيرها (١).

وفي «البيان» جواز تأخيرها أيضا ، لمعتاد الطلب عنه ، ما لم يؤدّ إلى الإهمال (٢).

وقال ابن إدريس في سرائره : فإذا حال الحول فعلى الإنسان أن يخرج ما يجب عليه إذا حضر المستحقّ ، فإذا أخّر ذلك إيثارا [به] مستحقّا غير من حضر فلا إثم عليه بغير خلاف ، إلّا أنّه إن هلك قبل وصوله إلى من يريد إعطاؤه إيّاه يجب على ربّ المال الضمان.

وقال بعض أصحابنا : إذا حال الحول فعلى الإنسان أن يخرج ما يجب عليه على الفور [ولا يؤخّره] ، فإن أراد منه وجوبا مضيّقا ، فهذا بخلاف إجماع أصحابنا. إلى آخر ما قاله (٣).

وعن «المقنعة» : الأصل في إخراج الزكاة عند حلول وقتها دون تقديمها عليه ، أو تأخيرها عنه كالصلاة ، وقد جاء عن الصادقين عليهما‌السلام رخص في تقديمها شهرين [قبل محلّها] وتأخيرها شهرين [عنه] ، وجاء ثلاثة أشهر أيضا ، وأربعة عند الحاجة إلى ذلك ، وما يعرض من الأسباب ، والذي أعمل عليه هو الأصل

__________________

(١) الدروس الشرعيّة : ١ / ٢٤٥.

(٢) البيان : ٣٢٤.

(٣) السرائر : ١ / ٤٥٤.

٣٤٣

المستفيض عن آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من لزوم الوقت (١).

وقال الشيخ في «النهاية» : وإذا حال الحول فعلى الإنسان أن يخرج ما يجب عليه على الفور ولا يؤخّره ، ثمّ قال : وإذا عزل ما يجب عليه فلا بأس أن يفرّقه ما [بينه و] بين شهر وشهرين ، ولا يجعل ذلك أكثر منه (٢).

وفي «الذخيرة» ـ بعد ما نسب إلى الأكثر القول بعدم جواز التأخير إلّا لمانع : وذكر عن «النهاية» وغيره ما ذكرناه ـ قال : وجزم الشهيد الثاني بجواز تأخيرها شهرا وشهرين خصوصا للبسط ، أو لذي المزيّة (٣) ، واختاره في «المدارك» (٤) ، وهو أقرب لصحيحة معاوية بن عمّار عن الصادق عليه‌السلام قال : قلت له : الرجل تحلّ عليه الزكاة في شهر رمضان فيؤخّرها إلى المحرّم؟ قال : «لا بأس» قلت : [فإنّها] لا تحلّ عليه إلّا في المحرّم فيعجّلها في شهر رمضان؟ قال : «لا بأس» (٥).

وصحيحة حمّاد بن عثمان عنه عليه‌السلام قال : «لا بأس بتعجيل الزكاة شهرين وتأخيرها شهرين» (٦).

وصحيحة ابن سنان عنه عليه‌السلام أنّه قال في الرجل يخرج زكاته فيقسّم بعضها ويبقي بعضها يلتمس لها المواضع فيكون بين أوّله وآخره ثلاثة أشهر ، قال : «لا بأس» (٧).

__________________

(١) المقنعة : ٢٣٩ و ٢٤٠.

(٢) النهاية للشيخ الطوسي : ١٨٣.

(٣) مسالك الأفهام : ١ / ٤٢٨.

(٤) مدارك الأحكام : ٥ / ٢٨٩.

(٥) تهذيب الأحكام : ٤ / ٤٤ الحديث ١١٢ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٣٠١ الحديث ١٢٠٧٢.

(٦) تهذيب الأحكام : ٤ / ٤٤ الحديث ١١٤ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٣٠٢ الحديث ١٢٠٧٤.

(٧) الكافي : ٣ / ٥٢٣ الحديث ٧ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٣٠٨ الحديث ١٢٠٩١.

٣٤٤

وموثّقة يونس بن يعقوب أنّه قال له : زكاتي تحلّ عليّ شهرا فيحلّ لي أن أحبس منها شيئا مخافة أن يجيئني من يسألني يكون عندي عدّة؟ فقال : «إذا حال الحول فأخرجها من مالك ولا تخلطها بشي‌ء ، وأعطها كيف شئت» قلت : فإن أنا كتبتها وأثبتها يستقيم لي؟ قال : «نعم لا يضرّك» (١).

ثمّ قال : واحتجّوا بقوله تعالى (وَآتُوا الزَّكاةَ) (٢) وقول الصادق عليه‌السلام في الحسن : «إذا وجد لها موضعا فلم يدفعها فهو لها ضامن حتّى يدفعها» (٣) ولأنّ المستحقّ لها مطالب بشاهد الحال ، فيجب التعجيل كالدين الحالي.

وحسنة عمر بن يزيد أنّه قال له عليه‌السلام : الرجل يكون عنده المال أيزكّيه إذا مضى نصف السنة؟ قال : «لا ، ولكن حتّى يحول عليه الحول ويحلّ عليه ، إنّه ليس لأحد أن يصلّي صلاة إلّا لوقتها ، وكذلك الزكاة ، ولا يصوم أحد شهر رمضان إلّا في شهره ، إلّا قضاء ، وكلّ فريضة إنّما تؤدّى إذا حلّت» (٤).

و «حتّى» لانتهاء الغاية ، فغاية الترك حول الحول ، وأجاب عن الأوّل : بأنّ الأمر ليس للفور ، وعن الثاني : بأنّ الضمان لا يستلزم الإثم ، وعن الثالث : بالفرق بين الدين والزكاة ، لأنّ الدين حقّ لمعيّن ، وعن الرابع : بأنّ الغاية للمنع من الإعطاء لا جواز الترك ، ثمّ قال : وأمّا قول الصادق عليه‌السلام في صحيحة الفضلاء : «فإذا حال عليه الحول وجب عليه» (٥) وما في معناها فغير دالّ على الضيق ، مع ضرورة

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٤ / ٤٥ الحديث ١١٩ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٣٠٧ الحديث ١٢٠٨٨ مع اختلاف يسير.

(٢) البقرة (٢) : ٨٣.

(٣) الكافي : ٣ / ٥٥٣ الحديث ١ ، تهذيب الأحكام : ٤ / ٤٧ الحديث ١٢٥ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٢٨٥ الحديث ١٢٠٣٣.

(٤) تهذيب الأحكام : ٤ / ٤٣ الحديث ١١٠ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٣٠٥ الحديث ١٢٠٨٤.

(٥) الكافي : ٣ / ٥٣٤ الحديث ١ ، وسائل الشيعة : ٩ / ١١٦ الحديث ١١٦٤٩.

٣٤٥

الحمل على التوسعة جمعا.

قال : وأمّا صحيحة سعد بن سعد عن الرضا عليه‌السلام ، عن الرجل تحلّ عليه الزكاة في السنة في ثلاثة أوقات أيؤخّرها حتّى يدفعها في وقت واحد؟ فقال : «متى حلّت أخرجها» (١).

وقويّة أبي بصير أنّه قال الصادق عليه‌السلام : «إن كنت تعطي الزكاة قبل حلّها بشهر أو شهرين فلا بأس ، وليس لك أن تؤخّرها بعد حلّها» (٢) محمولان على الأفضليّة (٣) ، انتهى.

أقول : قد صرّح المفيد رحمه‌الله باستفاضة ما دلّ على لزوم الوقت من آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجعله الأصل (٤) ، ولا يخفى أنّ الأصل لما ستعرف.

وفي «الفقه الرضوي» عنه عليه‌السلام قال : «وإنّي لأروي عن أبي. إلى أن قال ـ : ولا يجوز تقديمها ولا تأخيرها لأنّها مقرونة بالصلاة ، ولا يجوز لك تقديم الصلاة قبل وقتها ، ولا تأخيرها إلّا أن يكون قضاء ، وكذلك الزكاة» (٥). إلى آخر ما قاله عليه‌السلام.

وظواهر الأخبار الدالّة على أنّ الزكاة إذا حلّ وقتها وجبت (٦) ، وكذا إذا وجد لها موضعا فلم يدفع فهو لها ضامن (٧) ، وأمثال ذلك (٨) ظاهرة في حلول وقت

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٥٢٣ الحديث ٤ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٣٠٦ الحديث ١٢٠٨٧.

(٢) مستطرفات السرائر : ٩٩ الحديث ٢٥ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٣٠٨ الحديث ١٢٠٩٠ مع اختلاف يسير.

(٣) ذخيرة المعاد : ٤٢٩ و ٤٢٩ مع اختلاف يسير.

(٤) المقنعة : ٢٤٠.

(٥) الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ١٩٧ و ١٩٨.

(٦) لاحظ! وسائل الشيعة : ٩ / ٣٠٥ و ٣٠٦ الباب ٥١ و ٥٢ من أبواب المستحقّين للزكاة.

(٧) لاحظ! وسائل الشيعة : ٩ / ٢٨٥ الباب ٣٩ من أبواب المستحقّين للزكاة.

(٨) لاحظ! وسائل الشيعة : ٩ / ٣٠٨ الباب ٥٣ من أبواب المستحقّين للزكاة.

٣٤٦

الطلب ، وطلبها بعنوان الوجوب ، وآية (وَآتُوا الزَّكاةَ) (١) لعلّها بملاحظة السياق ، وكون الزكاة لرفع حاجة المحتاجين ، ورفع ضرورتهم تكون ظاهرة في مطلوبهم ، وكذلك نظائرها من الأخبار.

وقوله عليه‌السلام في حسنة عمر بن يزيد : «كلّ فريضة» (٢). إلى آخره ظاهر أيضا بملاحظة لفظ «حلّت» ولفظ «يحلّ» ولفظ «قضاء» وغيرها.

وأيضا ؛ المستحقّ يطالب بشاهد الحال بلا ريبة ، فيجب التعجيل كسائر الحقوق المشتركة ، ممّا هو ظاهر ومتواتر.

ويعضده قول أبي بصير عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال له : هل للزكاة وقت معلوم تعطى فيه؟ فقال : «إنّ ذلك ليختلف في إصابة الرجل المال ، وأمّا الفطرة فإنّها معلومة» (٣) فتدبّر.

ورواية أبي بصير المرويّة في آخر «السرائر» نقلا من نوادر محمّد بن علي بن محبوب قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إن كنت تعطي زكاتك قبل حلّها بشهر أو شهرين فلا بأس ، وليس لك أن تؤخّرها بعد حلّها» (٤).

ويعضدها أيضا ما ورد من عدم جواز إهانتهم وإذلالهم وكسر خواطرهم (٥).

وما ورد من تفريج كربهم (٦) ، وغير ذلك من أمثال ذلك (٧).

__________________

(١) البقرة (٢) : ٤٣ و ١١٠.

(٢) وسائل الشيعة : ٩ / ٣٠٥ الحديث ١٢٠٨٤.

(٣) الكافي : ٣ / ٥٢٢ الحديث ٢ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٣٠٦ الحديث ١٢٠٨٦.

(٤) مستطرفات السرائر : ٩٩ الحديث ٢٥ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٣٠٨ الحديث ١٢٠٩٠ مع اختلاف يسير.

(٥) وسائل الشيعة : ٩ / ٣١٤ الباب ٥٨ من أبواب المستحقين للزكاة.

(٦) وسائل الشيعة : ١٦ / ٣٧٠ الباب ٢٩ من أبواب فعل المعروف.

(٧) وسائل الشيعة : ١٦ / ٣٧٧ الباب ٣٢ من أبواب فعل المعروف.

٣٤٧

ويؤيّدهم ما ورد في أنّ الإنسان لا بدّ من إبراء ذمّته عن حقوق الناس ، وحقوق الله تعالى (١) ، سيّما مثل هذه الحقوق ولا يؤخّر ، إذ الموت يأتي بغتة ، وربّما كان بعد الموت تذهب الحقوق ، ولا تصل إلى أهلها فيبقي في العذاب.

مع أنّ الشهرة أيضا! مؤيّدة مرجّحة من أعظم المرجّحات للأخبار ، سيّما بملاحظة الأخبار الواردة في علّة وجوب الزكاة ، من أنّه تعالى فرض في أموال الأغنياء للفقراء ما يكتفون ، وأنّهم إنّما يؤتون من منع من منعهم حقوقهم (٢).

والأخبار الواردة في لزوم رفع حاجة المؤمن ، وتحريم عدمه بالنسبة إلى القادر (٣) وأمثال ذلك (٤) ، للأخبار والأدلّة المتعارضة.

ومرّ في شرح قول المصنّف : (وحدّ الحول دخول الشهر الثاني عشر على المشهور) ، وقوله : (وفي احتسابه). إلى آخره ، وفي قوله : (وفيه مخالفة). إلى آخره ما يظهر منه تتمّة التحقيق (٥).

وصحيحة ابن سنان (٦) التي احتجّ بها ، لا تعارض أدلّة المشهور ، لقوله : «يلتمس لها الموضع» سيّما وأن يخرجها بغلبتها عليها.

والموثّقة (٧) لا تعارض الصحاح والأدلّة المعتبرة ، مع أنّها تقتضي الإخراج عن ماله ، وإنّ بعد الإخراج يعطي كيف شاء.

__________________

(١) بحار الأنوار : ٦ / ٢٧ الحديث ٢٨ ، ٣٦ الحديث ٥٩.

(٢) وسائل الشيعة : ٩ / ٩ الباب ١ من أبواب ما تجب فيه الزكاة.

(٣) وسائل الشيعة : ١٦ / ٣٥٧ الباب ٢٥ من أبواب فعل المعروف.

(٤) وسائل الشيعة : ١٦ / ٣٤٩ الباب ٢٤ من أبواب فعل المعروف.

(٥) راجع! الصفحة : ١٧٥ ـ ١٨٥ من هذا الكتاب.

(٦) وسائل الشيعة : ٩ / ٣٠٨ الحديث ١٢٠٩١.

(٧) الكافي : ٣ / ٥٢٢ الحديث ٣ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٣٠٧ الحديث ١٢٠٨٨.

٣٤٨

ولعلّ المراد من كيف ، المشيّة من جهة الإعذار ، من قبيل مخافة أن يجي‌ء من يسأل ويشقّ ردّه ، كما هو ظاهر على المطّلع ، بل ربّما يكون أعظم عسر وحرج.

وبالجملة ؛ الحمل على ذلك لعلّه ليس بأبعد ممّا حمل عليه صحيحة سعد بن سعد (١) وقويّة أبي بصير (٢) ، فإنّ سعد بن سعد لم يسأل إلّا عن جواز التأخير ، فليس الجواب إلّا عدم الجواز ، وكذلك الحال في القويّة ، بل بعض آخر ممّا ذكرنا ، بل ربّما كان أقوى ، بل ربّما كان أقوى بمراتب ، كما هو الحال فيما ذكرنا من الأخبار الصريحة ، في جواز رفع حاجة المؤمن واضطراره ، وأمثال ذلك ممّا أشرنا إليه (٣).

وصحيحة ابن عمّار صريحة في جواز التقديم أيضا كالتأخير (٤).

والأخبار صريحة في عدم جواز التقديم ، مثل : صحيحة الحلبي عن الصادق عليه‌السلام : عن الرجل يفيد المال؟ قال : «لا يزكّيه حتّى يحول عليه الحول» (٥) إلى غير ذلك من الأخبار الصحيحة والمعتبرة (٦).

ولم يرض به صاحب «الذخيرة» ولا غيره ، بل هو إجماعي ، ولذا حملوا ما دلّ عليه على القرض من دون تأمّل منهم ، وسيجي‌ء تمام التحقيق إن شاء الله تعالى.

فلعلّها محمولة على التقيّة أو توجيه ؛ فيرتفع الوثوق ، بحيث يتمسّك بها في ردّ أدلّتهم وتغليبها عليها.

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٥٢٣ الحديث ٤ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٣٠٦ الحديث ١٢٠٨٧.

(٢) مستطرفات السرائر : ٩٩ الحديث ٢٥ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٣٠٨ الحديث ١٢٠٩٠.

(٣) راجع! الصفحة : ٣٤٣ ـ ٣٤٥ من هذا الكتاب.

(٤) تهذيب الأحكام : ٤ / ٤٤ الحديث ١١٢ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٣٠١ الحديث ١٢٠٧٢.

(٥) تهذيب الأحكام : ٤ / ٣٥ الحديث ٩١ ، وسائل الشيعة : ٩ / ١٦٩ الحديث ١١٧٥٧.

(٦) وسائل الشيعة : ٩ / ١٦٩ الباب ١٥ من أبواب زكاة الذهب والفضّة.

٣٤٩

وكذلك الحال في صحيحة ابن عثمان (١) ، وتوجيهها بكون المراد من التقديم هو القرض يستدعي جواز توجيهها ، بكون المراد في صورة التأخير ، لأجل الأعذار الغالبة الحصول التي ذكرها في «الدروس» ، وغيره في غيره (٢).

وكيف كان ، طريق العمل واضح.

ويدلّ على اعتبار العزل ما رواه الكليني بسنده إلى أبي حمزة الثمالي عن الباقر عليه‌السلام أنّه قال له : الزكاة تجب عليّ في موضع لا تمكنني أن اؤدّيها؟ قال : «اعزلها فإن اتّجرت بها فأنت لها ضامن ولها الربح ، وإن تويت (٣) في حال ما عزلتها من غير أن تشغلها في تجارة فليس عليك [شي‌ء] ، وإن لم تعزلها واتّجرت [بها] في جملة مالك فلها بقسطها من الربح ولا وضيعة عليها» (٤) وهذه في غاية الوضوح في الشركة الحقيقيّة.

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٤ / ٤٤ الحديث ١١٤ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٣٠٢ الحديث ١٢٠٧٤.

(٢) الدروس الشرعيّة : ١ / ٢٤٥ ، المعتبر : ٢ / ٥٥٣ و ٥٥٤ ، منتهى المطلب : ١ / ٥١١ ط. ق.

(٣) التّوى : هلاك المال ، مجمع البحرين : ١ / ٧١.

(٤) الكافي : ٤ / ٦٠ الحديث ٢ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٣٠٧ الحديث ١٢٠٨٩ مع اختلاف يسير.

٣٥٠

٢٣١ ـ مفتاح

[نصاب العتيق والبرذون من الخيل]

في كلّ عتيق (١) من الخيل ديناران ، وفي كلّ برذون (٢) دينار بالنصّ (٣) والإجماع.

__________________

(١) العتيق : العربيّة الكريمة الأصل ، لاحظ! فقه اللغة وسر العربية : ١٥١.

(٢) البرذون : العجميّة الأصل ، أو ما سوى العتيق ، لاحظ! لسان العرب : ١٣ / ٥١.

(٣) راجع! وسائل الشيعة : ٩ / ٧٧ الباب ١٦ من أبواب ما تجب فيه الزكاة.

٣٥١
٣٥٢

قوله : (في كلّ عتيق). إلى آخره.

قد مرّ التحقيق والأخبار والإجماع (١).

__________________

(١) راجع! الصفحة : ١١٩ و ١٢٠ من هذا الكتاب.

٣٥٣
٣٥٤

٢٣٢ ـ مفتاح

[دفع القيمة في الزكاة]

دفع القيمة في النقدين والغلّات مجز ، بالنصّ (١) والإجماع ، وللأوّل الصحيحان (٢) ، أمّا في الأنعام فالمفيد يمنعه إلّا مع عدم الفرض (٣) ، والمتأخّرون يجوّزونه وإن وجد (٤) ، وفاقا للخلاف مدّعيا عليه الوفاق (٥).

وللمالك الخيار في دفع ما شاء مع تعدّد ما هو بصفة الواجب ، كما في الصحيح (٦) ، وله أن يدفع من غير جنس نعم البلد وإن كان أدون قيمة ، خلافا للشهيد الثاني في الغنم فلم يجوّز الأدون إلّا بالقيمة (٧) وهو أحوط.

__________________

(١) لاحظ! وسائل الشيعة ٩ / ١٦٧ الباب ١٤ من أبواب زكاة الذهب والفضّة.

(٢) وسائل الشيعة : ٩ / ١٦٧ الحديث ١١٧٥٣ و ١١٧٥٤.

(٣) المقنعة : ٢٥٣.

(٤) منتهى المطلب : ١ / ٥٠٤ ط. ق ، الدروس الشرعيّة : ١ / ٢٣٥ و ٢٣٦.

(٥) الخلاف : ٢ / ٥٠ المسألة ٥٩.

(٦) وسائل الشيعة : ٩ / ١٢٩ الحديث ١١٦٧٨.

(٧) الروضة البهيّة : ٢ / ٢٨ ، مسالك الأفهام : ١ / ٣٨٣.

٣٥٥
٣٥٦

قوله : (دفع القيمة). إلى آخره.

قد ظهر ممّا ذكرنا سابقا التحقيق في المقام أيضا ، والمسألة مجمع عليها.

والنصّ صحيحة البرقي قال : كتبت إلى أبي جعفر [الثاني] عليه‌السلام : هل يجوز ـ جعلت فداك ـ أن يخرج في الحرث من الحنطة والشعير ، وما يجب على الذهب دراهم بقيمة ما يسوى؟ أم لا يجوز إلّا أن يخرج من كلّ جنس شي‌ء ما يجب فيه؟ فأجاب عليه‌السلام : «أيّما تيسّر يخرج» (١).

ومراد المصنّف من الصحيحتين ، الصحيحة المذكورة ، وصحيحة علي بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه‌السلام : عن الرجل يعطي زكاته عن الدراهم دنانير ، وعن الدنانير دراهم بالقيمة أيحلّ ذلك؟ قال : «لا بأس» (٢).

ويعضدهما ما رواه الكليني بسنده ـ فيه سهل بن زياد ـ عن الصادق عليه‌السلام : أنّ الراوي قال له : يشتري الرجل من الزكاة الثياب والسويق والدقيق والبطيخ والعنب فيقسّمه؟ قال : «لا يعطيهم إلّا الدراهم كما أمر الله تعالى» (٣).

قوله : (أمّا في الأنعام). إلى آخره.

المشهور الجواز ، حتّى أنّ الشيخ في «الخلاف» ادّعى إجماع الفرقة (٤) ، وعن

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : ٢ / ١٦ الحديث ٥٢ ، وسائل الشيعة : ٩ / ١٩٢ الحديث ١١٨١٢ مع اختلاف يسير.

(٢) الكافي : ٣ / ٥٥٩ الحديث ٢ تهذيب الأحكام : ٤ / ٩٥ الحديث ٢٧٢ ، وسائل الشيعة : ٩ / ١٦٧ الحديث ١١٧٥٤.

(٣) الكافي : ٣ / ٥٥٩ الحديث ٣ ، وسائل الشيعة : ٩ / ١٦٨ الحديث ١١٧٥٥.

(٤) الخلاف : ٢ / ٥٠ المسألة ٥٩.

٣٥٧

«المقنعة» أنّه لا يجوز إلّا أن يعدم الأسنان المخصوصة في الزكاة (١).

وعن «المعتبر» الميل إليه ، احتجّ الشيخ بإجماع الفرقة وأخبارهم ، وردّه في «المعتبر» بمنع الإجماع ، وعدم دلالة الأخبار على موضع النزاع (٢).

واحتجّ العلّامة : بأنّ المقصود من الزكاة سدّ الخلّة ، ورفع الحاجة ، وهو يحصل بالقيمة ، كما يحصل بالعين ، وبأنّ الزكاة إنّما شرّعت جبرا للفقراء ومعونة لهم ، وربّما كانت القيمة أنفع في بعض الأوقات ، فاقتضت المصلحة التسويغ (٣).

واعترض في «الذخيرة» بأنّ هذين التعليلين لا يصلحان لتأسيس الحكم الشرعي.

ثمّ قال : ويؤيّده رواية الكليني بسنده عن علي عليه‌السلام : «من بلغت عنده من الإبل صدقة الجذعة وليست عنده فإنّه يقبل منه الحقّة ويجعل معها شاتين أو عشرين درهما» (٤). إلى آخر الرواية ، وهي طويلة.

وحسنة بريد بن معاوية عن الصادق عليه‌السلام قال : «بعث أمير المؤمنين عليه‌السلام مصدّقا». إلى أن قال : «فإن أذن لك فلا تدخله دخول متسلّط عليه ولا عنف به ، واصدع المال صدعين ثمّ خيّره أيّ الصدعين شاء». إلى أن قال : «فاقبض حقّ الله منه ، وأن استقالك فأقله ثمّ أخلطها» (٥) الحديث.

وحسنة عبد الرحمن عن محمّد بن خالد أنّه سأل الصادق عليه‌السلام. إلى أن قال : «فإذا دخل المال فليقسّم المال نصفين ويخيّر صاحبها أيّ القسمين شاء ، فإن

__________________

(١) المقنعة : ٢٥٣.

(٢) المعتبر : ٢ / ٥١٧.

(٣) تذكرة الفقهاء : ٥ / ١٩٧ ، منتهى المطلب : ١ / ٥٠٤ ط. ق.

(٤) الكافي : ٣ / ٥٣٩ الحديث ٧ ، وسائل الشيعة : ٩ / ١٢٨ الحديث ١١٦٧٧ مع اختلاف يسير.

(٥) تهذيب الأحكام : ٤ / ٩٦ الحديث ٢٧٤ ، وسائل الشيعة : ٩ / ١٢٩ الحديث ١١٦٧٨.

٣٥٨

اختار فليدفعه إليه ، فإن تتبّعت نفس صاحب الغنم من النصف الآخر منها شاة أو شاتين أو ثلاثا فليدفعها إليه ، ثمّ ليأخذ صدقته ، فإذا أخرجها فليقسّمها فيمن يريد ، فإذا قامت على ثمن فإن أرادها صاحبها فهو أحقّ [بها] ، وإن لم يردها فليبعها» (١).

ثمّ قال : ويدلّ عليه أنّ مقتضى الأدلّة وجوب إخراج الفريضة المخصوصة ، ولا يستقيم العدول عنه إلى القيمة إلّا بدليل (٢) ، انتهى.

أقول : بعد ملاحظة الأخبار الكثيرة المعتبرة في علّة شرعيّة الزكاة ووجوبها ، وأنّ الوجوب إنّما هو لرفع الحاجة عن الفقراء وشركائهم (٣) ، وملاحظة أنّ الساعي مأمور بتبع هذه الأنعام فيمن يريد.

فظهر أنّ القيمة للمستحقّ لا إنمائها بخصوصها ، كما هو الحال في غيرها.

فظهر أنّ كون الزكاة لرفع حاجة الفقير ، والمستحقّ باق على إطلاقه وعمومه مطلقا ، لا أنّه بالقياس إلى غير الأنعام ، مع أنّه بالقياس إلى الأنعام بطريق أولى ، لكمال الانتفاع منه من غير الأنعام ، بخلاف الأنعام كما ستعرف.

وممّا يؤيّد أنّ بعد بيعها فيمن يريد أنّ المالك لو أراد يكون أحقّ بها ، وإن لم يرد فليبعها من غيره ، وأنّ بقاءها توجب مؤنا كثيرة ، للاتّفاق عليها ، وعلى المستحقّين ونحوهم.

ومع ذلك ، البقاء مورد آفات غير عديدة من الموت وغيره ، فلم يكن في أعيانها مصلحة أصلا ، بل ومفسدة غير عديدة كما عرفت.

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٤ / ٩٨ الحديث ٢٧٦ ، وسائل الشيعة : ٩ / ١٣١ الحديث ١١٦٨٠ مع اختلاف يسير.

(٢) ذخيرة المعاد : ٤٤٧ مع اختلاف يسير.

(٣) لاحظ! وسائل الشيعة : ٩ / ٩ الباب ١ من أبواب ما تجب فيه الزكاة.

٣٥٩

ويلاحظ أنّ للمالك الخيار في التعيين والتغيير والإعطاء من الغير ، على حسب ما عرفت مشروحا ، وملاحظة أنّ باقي أنواع التسعة وغيرها ومنه الفطرة ، لا تأمّل في جواز دفع القيمة ، مع مشاركتها للأنعام في الذكر بأعيانها في الأخبار المتواترة.

بل وربّما يظهر من قوله عليه‌السلام : «أيّما تيسّر يخرج» (١) كون البناء على اليسير ، وأنّه غير مقصود في مورد السؤال.

بل ربّما كان السؤال أيضا عامّا ، وإن كان موضع الحاجة خاصّا ، بملاحظة قوله عليه‌السلام : «إلّا أن يخرج من كلّ شي‌ء» (٢). إلى آخره ، لعدم المنافات بين تصميمه ، وكون الحاجة خاصّة ، لأصالة عدم الخلاف والتقدير.

وكذا ملاحظة الموارد الكثيرة التي رجّح الله تعالى طرف المالك ، ومراعاته فيها ، والارتفاق بها.

وكذا ملاحظة أنّ الفقراء من جهة حاجتهم وفقرهم ، ربّما يصير إعطاء هذه الأنعام بأعيانها إيّاهم وبالا عليهم ، وزيادة في حاجتهم ومكروههم ، لما عرفت من كثرة المؤن وغيرها.

فربّما يصير ما ذكر منشأ لعدم انتفاعهم بها ، بل وتضرّرهم ، وأنّهم لو كانوا يريدون بيعها ، فلا يشترون منهم إلّا بقيمة رخيصة غاية الرخص ، كما يشاهد الآن معاملة الناس مع المحتاجين المضطرّين ، بل وغير المضطرّين ، مع أنّهم بمجرّد ما يرون الحاجة إلى البيع يفعلون ما يفعلون.

وملاحظة أنّ الفقير من جهة العجز والفاقة ، ربّما لا يتمكّن من محافظتها

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٩ / ١٦٧ الحديث ١١٧٥٣.

(٢) وسائل الشيعة : ٩ / ١٦٧ الحديث ١١٧٥٣.

٣٦٠