مصابيح الظلام - ج ١٠

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

مصابيح الظلام - ج ١٠

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الطبعة: ١
ISBN: 964-94603-0-6
ISBN الدورة:
964-94422-0-0

الصفحات: ٦٤٨

وترتيبها ، وسوقها ورعيها ساعة ، فضلا عن يوم ، فضلا عن أكثر منه ، فتصير مهزولات ومعيوبات ، ومورد آفات ، بل وتموت.

ومن هذه الجهة يعاملون معاملة المضطرّين ، فلا يشترون منه بنصف القيمة ، فضلا عن القيمة ، وصاحب المال ربّما كان يحبّها ، من جهة انسه بها ، والفه ، وتربيته ، ببيع نفسه بها ويشتريها بقيمته ، لو لم يشتر بأزيد.

وبالجملة ؛ بملاحظة جميع ما ذكر وأمثال ما ذكر ، فإنّ المشهور قالوا بالجواز ، لعلّه لا يبقى تأمّل فيه ، فتأمّل في جميع ما ذكرناه ونظائره تجد ، بل عرفت الإجماع المنقول ، وهو حجّة كما هو المحقّق المسلّم عند المحقّقين.

فما أورده المحقّق (١) ؛ فيه ما فيه ، لأنّ الإجماع المنقول غير الإجماع اليقيني الثابت على اليقين ، ولا يكون أنقص من خبر واحد ، ولم يرد في الغلّات الأربع إلّا خبر واحد ، مع أنّه في خصوص الحنطة والشعير.

والتمسّك بعدم القول بالفصل ، فرع ثبوت إجماع مركّب ، وهو غير ثابت عنده بلا شبهة ، بمثل ما ذكرنا في المقام ، كما لا يخفى على المطّلع بطريقه.

سلّمنا ، لكن الإجماع المنقول أيضا من جملة الضمائم إلى جميع ما قلنا ، من أنّه من ملاحظتها لا يبقى تأمّل ، بل ربّما كان المنع وعدم الرضا بالقيمة سفاهة ، أو لغوا بحتا بعد ملاحظة صحّة شرائه من الساعي في الساعة التي أعطاها إيّاه ، وكونه أحقّ بها من غيره كما عرفت ، والله يعلم.

وأمّا بعث الإمام من يأخذ هذه الأنعام مع وجودها ، وإلّا فأخذ القيمة ، فمعلوم أنّهم كانوا يبعثون العمّال لباقي الأجناس ، والتفاوت أنّ الأجناس الباقية مثله متساوية الأجزاء ، مضبوطة القيمة ، ومعروفا غالبا وعادة ، بخلاف الأنعام

__________________

(١) المعتبر : ٢ / ٥١٧.

٣٦١

فإنّها قيمة غير متساوية الأجزاء ، غير مضبوطة القيمة ، بل القيمة منوطة بالرغبة والمطلوبيّة والبغية ، مع كونها مشتركة بين الفقراء والمالك ، فلا يكاد يتحقّق عادة انضباط القيمة إلّا بالمعاوضة بين المالك والساعي في صورة أخذ الساعي.

وقد عرفت فيما سبق أنّ السعاة كانوا يعاملون مع الملّاك معاملة الشركاء بلا خفاء ، ولهذا كانوا يصدعون المال صدعين ويخيّرون ، ثمّ يصدعون ويخيّرون وهكذا ، إلى أن تبقى الفريضة فيأخذون ، بل عرفت أنّ الأخذ بعد الصدع بالقرعة بعد التشاحّ والمضايقة.

فإذا كان تعيين حقّ الفقير بخصوص الصدعات والتخييرات ، أو القرعة ، لا جرم يكون جواز القيمة بعد ذلك بمقتضى ذلك ، كما ورد في حسنة محمّد بن خالد (١) ، وعرفت أنّ المالك أحقّ بها.

قوله : (وللمالك). إلى آخره.

قد مرّ التحقيق في ذلك مشروحا ، وأشرنا في الحاشية إلى ما دلّ عليه الأخبار (٢).

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٤ / ٩٨ الحديث ٢٧٦ ، وسائل الشيعة : ٩ / ١٣١ الحديث ١١٦٨٠.

(٢) راجع! الصفحة : ٣٠٢ ـ ٣٠٧ من هذا الكتاب.

٣٦٢

٢٣٣ ـ مفتاح

[تعلّق الزكاة بالعين]

المشهور ؛ تعلّق الزكاة بالعين لظواهر النصوص (١) ، ولأنّها لو تعلّقت بالذمّة لتكرّرت في النصاب الواحد بتكرّر الحول ، ولم يقدّم على الدين مع بقاء عين النصاب إذا قصرت التركة ، ولم تسقط بتلف النصاب من غير تفريط.

ولم يجز للساعي تتبّع العين لو باعها المالك ، واللوازم باطلة اتّفاقا ، وللصحيح : رجل لم يزك إبله أو شاته عامين فباعها على من اشتراها أن يزكّيها لما مضى؟ قال : «نعم ، ويتبع بها البائع أو يؤدّي زكاتها البائع» (٢). ولورود الشركة للفقراء في بعض النصوص (٣)

وقيل : بل يتعلّق بالذمّة (٤) ، لعدم جواز إلزام المالك بالأداء من العين ، ولا منعه من التصرّف في النصاب قبل الإخراج.

__________________

(١) لاحظ! وسائل الشيعة : ٩ / ١٠٨ و ١١٦ و ١٢٧ الباب ٢ و ٦ و ١٢ من أبواب زكاة الأنعام ، ١٣٧ و ١٤٢ الباب ١ و ٢ من أبواب زكاة الذهب والفضّة ، ١٨٢ الباب ٤ من أبواب زكاة الغلّات.

(٢) وسائل الشيعة : ٩ / ١٢٧ الحديث ١١٦٧٤.

(٣) وسائل الشيعة : ٩ / ٢١٥ الحديث ١١٨٦٨.

(٤) البيان : ٣٠٣ ، مدارك الأحكام : ٥ / ٩٧.

٣٦٣

واجيب : بأنّه تخفيف عن المالك ليسهل عليه ، فلا ينافي الشركة في العين (١).

وفي مال التجارة يتعلّق بقيمة المتاع عند أصحابنا ، لأنّ النصاب فيه معتبر بالقيمة ، ولما روي : «أنّ كلّ عرض فهو مردود إلى الدراهم والدنانير» (٢) ، واستحسن في «المعتبر» تعلّقها بالعين وإن جاز العدول إلى القيمة (٣) ، ونفى عنه البأس في «التذكرة» (٤) ، وهو الأصحّ لما مرّ من الدلائل.

ويصدّق ربّ المال لو ادّعى إخراجها (٥) أو عدم دخول حولها ، للصحيح (٦).

__________________

(١) لاحظ! المعتبر : ٢ / ٥٢٠.

(٢) وسائل الشيعة : ٩ / ١٣٩ الحديث ١١٦٩١.

(٣) المعتبر : ٢ / ٥٥٠.

(٤) تذكرة الفقهاء : ٥ / ٢١٩ المسألة ١٤٩.

(٥) لاحظ! وسائل الشيعة : ٩ / ٣١٢ الباب ٥٥ من أبواب المستحقّين للزكاة.

(٦) وسائل الشيعة ٩ / ١٢٩ الحديث ١١٦٧٨.

٣٦٤

قوله : (المشهور تعلّق الزكاة). إلى آخره.

لا شبهة فيه ، بل كاد أن يكون إجماعا ، بل ادّعى الإجماع من علمائنا في «المنتهى» على ذلك ، وقال : إنّه قول أكثر أهل العلم (١) ، وظاهر التذكرة أيضا ذلك (٢).

قوله : (لظواهر النصوص).

أقول : هي النصوص الواردة في الذهب والفضّة أنّه في عشرين دينارا نصف دينار ، وفي كلّ أربعة دنانير عشر دينار (٣).

وكذلك الحال في الدراهم كلّها صحاح ومعتبرة كثيرة (٤) ، مفتى بها عند الكلّ. وكذلك النصوص الواردة في كلّ واحدة من الغلّات الأربعة ، مع أنّ الوارد فيها «أنّ فيها العشر أو نصفه» (٥).

ومعلوم ؛ أنّ لفظ العشر ونصفه حقيقة في واحد من العشرة أقسام ، وكذلك نصفه في نصفه.

وقريب منها الخمسة والعشرون من كلّ ألف (٦) ، وقد مرّ الإشارة إلى الكلّ ، وأنّه مفتى بها عند الكلّ ، بل وفي غير الأربعة أيضا من الحبوب ، بل النصوص الواردة في زكاة الأنعام (٧) أيضا ، كما هو ظاهر ، وستعرف أيضا.

__________________

(١) منتهى المطلب : ١ / ٥٠٥ ط. ق.

(٢) تذكرة الفقهاء : ٥ / ١٨٦ المسألة ١٢٣.

(٣) وسائل الشيعة : ٩ / ١٣٧ الباب ١ من أبواب زكاة الذهب والفضّة.

(٤) وسائل الشيعة : ٩ / ١٤٢ الباب ٢ من أبواب زكاة الذهب والفضّة.

(٥) وسائل الشيعة : ٩ / ١٨٢ الباب ٤ من أبواب زكاة الغلّات.

(٦) لاحظ! وسائل الشيعة : ٩ / ١٤٦ و ١٤٧ الباب ٣ من أبواب زكاة الذهب والفضة.

(٧) وسائل الشيعة : ٩ / ١٠٨ الباب ٢ ، ١١٤ الباب ٤ ، ١١٦ الباب ٦ من أبواب زكاة الأنعام.

٣٦٥

ويدلّ عليه أيضا ؛ الأخبار الواردة في آداب المصدّق ، مثل قول أمير المؤمنين عليه‌السلام للمصدّق الذي بعثه : «فإذا أتيت ماله فلا تدخله إلّا بإذنه فإنّ أكثره له». إلى أن قال عليه‌السلام : «فاصدع المال صدعين ثمّ خيّره أيّ الصدعين شاء». إلى أن قال : «فلا تزال كذلك حتّى يبقى ما فيه وفاء لحقّ الله في ماله» (١). إلى آخر الحديث.

ولا يخفى أنّه في غاية الظهور في الشركة ، وفيها مواضع للدلالة ، مثل قوله عليه‌السلام : «أكثره له» وغيره ممّا لا يخفى ، إلى غير ذلك ممّا ورد فيه.

ومرّ في شرح قول المصنّف : «ولا تؤخذ» ، ما يؤكّد الدلالة (٢) فلاحظ! حتّى أنّه يحتاج إلى القرعة في الجملة ، وأين هذا من التعلّق في الذمّة؟! ويدلّ أيضا ؛ الأخبار الكثيرة الصحيحة والمعتبرة المتضمّنة لقولهم عليهم‌السلام : «إنّ الله فرض للفقراء في أموال الأغنياء ما يكفيهم» (٣) ، الحديث ، ونحوه مثل قوله عليه‌السلام : «أخرج من أموال الأغنياء بقدر ما يكتفي به الفقراء» (٤) وغير ذلك (٥).

قوله : (اتّفاقا).

نقل هذا الاتّفاق المستدلّون من فقهائنا ، وقال الشهيد في «البيان» عن القائل بالتعلّق بالذمّة : أنّه إذا باع المالك النصاب بعد الوجوب يصحّ بيعه ، فإن أذن المالك لزم ، وإلّا فللساعي تتّبع العين ، فيتجدّد البطلان ويتخيّر المشتري (٦).

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٤ / ٩٦ الحديث ٢٧٤ ، وسائل الشيعة : ٩ / ١٢٩ الحديث ١١٦٧٨ مع اختلاف يسير.

(٢) راجع! الصفحة : ٢٨٣ من هذا الكتاب.

(٣) الكافي : ٣ / ٤٩٧ الحديث ٤ ، وسائل الشيعة : ٩ / ١٣ الحديث ١١٣٩٥ مع اختلاف يسير.

(٤) الكافي : ٣ / ٥٠٧ الحديث ١ ، وسائل الشيعة : ٩ / ١٤٦ الحديث ١١٧١٢.

(٥) لاحظ! وسائل الشيعة : ٩ / ٩ الباب ١ من أبواب ما تجب فيه الزكاة.

(٦) البيان : ٣٠٤.

٣٦٦

قوله : (في بعض النصوص).

هو ما رواه في «الكافي» في الصحيح ، عن حميد بن المثنّى (١) ، عن الصادق عليه‌السلام قال : «إنّ الله أشرك بين الأغنياء والفقراء في الأموال ، فليس لهم أن يصرفوا إلى غير شركائهم» (٢).

وبالجملة ؛ لا شكّ في تواتر الأخبار الدالّة على التعلّق بالعين (٣) ، مضافا إلى الإجماع وغيره من الأدلّة المذكورة.

وناقش في «الذخيرة» في الأخبار الواردة في زكاة كلّ واحد من الأجناس التسعة وغيرها ، من قولهم عليهم‌السلام : «في عشرين دينارا نصف دينار» ، وأمثاله ممّا هو ظاهر في دخول الزكاة في بعضها ، بأنّ أمثال هذه المواضع غير واضحة الدلالة على المعنى الظرفي ، بل الاستعمال في الشي‌ء شائع ذائع ، مثل قولهم : في العين الدية ، وكذا فيما ورد في الكفّارات.

وأضعف من ذلك قولهم عليهم‌السلام : «في خمس من الإبل شاة» ، لعدم إمكان الحمل على الظرفيّة إلّا بتأويل بعيد.

مع أنّ الحمل على المشاركة ، واستثناء بعض خواصّها ليس أولى من الحمل على أنّ المراد ما يساوي مثلا أو قيمة (٤).

أقول : لا شكّ في كون لفظ «في» حقيقة في كون شي‌ء داخلا في شي‌ء حالّا فيه ، مثل (الماء في الكوز) ، و (النجاة في الصدق) ، كما صرّح به النحويون (٥).

__________________

(١) وهو أبو المغراء ، لاحظ! معجم رجال الحديث : ٢٢ / ٥٣ و ٥٦.

(٢) الكافي : ٣ / ٥٤٥ الحديث ٣ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٢١٥ الحديث ١١٨٦٨.

(٣) وسائل الشيعة : ٩ / ١٣٧ الباب ١ ، ١٤٢ الباب ٢ ، ١٨٢ الباب ٤ من أبواب زكاة الذهب والفضّة والغلّات.

(٤) ذخيرة المعاد : ٤٤٦.

(٥) مغني اللبيب : ١ / ٢٢٣ ، جامع المقدّمات : ١ / ٤٩٩ و ٥٦١.

٣٦٧

بل لم يتعرّضوا للاستعمال «في» السببيّة في الكتب المتداولة من تعرّض له ، فلا شكّ في إرادته المجاز ، بل هو مجاز نادر غاية الندرة ، مثل قوله : إنّ امرأة دخلت النار في هرّة (١) ، بل وقيل : إنّه سماعي مقصور على خصوص مورد السماع لا غير.

فمقتضى ذلك ؛ دخول حقّ الفقراء في أموال الأغنياء ، كما فهمه الفقهاء الماهرون ، أهل الفهم الصحيح والطبع السليم.

ولو عرض ذلك على أهل العرف ، فلا شكّ في أنّهم لا يفهمون سواه ، ولا يقيسون اللغة على اللغة ، والاستعمال على الاستعمال ، فلا يقولون : المراد من افعل في موضع كذا هو الإباحة ، لوروده كذلك كثيرا ، بل مع نهاية كثرة ورود العام في الخصوصيّات ، إلى أن تلقّى هو وغيره من الفحول أنّه ما من عام إلّا وقد خصّ.

ومع ذلك ؛ لا تأمّل في البقاء على العموم ، وكذا قولهم : أكثر اللغات مجازات ، مع أنّ الأخبار الواردة إلينا ، لا يكاد يفهم إلّا بمعونة الأخبار الاخر أو غيرها ، مثل الإجماع والقواعد ، ومع ذلك لم تخرج عن الدلالة.

وبالجملة ، لا يمكن في أمثال ما ذكره فهم الدخول الذي هو المعنى الحقيقي ، وفي المقام لا مانع منه يقينا ، بل يكون له مقتضيات كثيرة سوى كون الأصل ، والظاهر هو الدخول ، والمقتضيات هو فهم الفحول ، والإجماع المنقول ، والأخبار الاخر الصحاح أو المعتبرة المفتى بها ، وغيرها ممّا عرفت ممّا أشرنا ، لأنّا لم نذكر جميعها ، بل ولا أكثرها ، وهذا كلّه ، مضافا إلى الأدلّة الاخر والثمرات المسلّمة.

وبالجملة ؛ التأويل بلا داع لا شكّ في فساده ، سيّما مع وجود الموانع عن التأويل ممّا لا يكاد يحصى ، ومنها نهاية كثرة هذه الأخبار ، فالتأويل المذكور في واحد منها غلط فضلا عن الجميع ، مع نهاية الكثرة ، ونهاية كثرة الموانع أيضا.

__________________

(١) مغني اللبيب : ١ / ٢٢٤ ، مجمع البحرين : ١ / ٣٣٤.

٣٦٨

فإن قلت : لعلّ وجهه هو عدم إمكان الحمل في قولهم عليهم‌السلام : «في خمس من الإبل شاة» (١) ، إلّا بتأويل ، والتأويل خلاف الأصل والظاهر.

قلت : قد عرفت أنّ قولهم : (النجاة في الصدق) ، حقيقة في الظرفيّة عند أهل العربيّة ، والنجاة ليست من جنس الصدق ، بل حالّة فيه ، فلا مانع من أن تكون الشاة التي هي حقّ الفقير مقرّرة شرعا في ملك الغني الذي هو خمس من الإبل.

مع أنّ كون خمس من الإبل سببا لنفس الشاة بديهي البطلان ، بل سبب لكونها حقّ الفقير ، فلا مانع من كون هذا الحقّ للفقير مقرّرا شرعا في الملك المذكور.

مع أنّه لا يعد في كون المراد من الشاة مقدارها ، كما هو الحال في التبيعة والمسنّة في البقر ، وبنت المخاض ونحوها في الإبل ، لعدم الفرق بينها وبين الشاة المزبورة ، وقد عرفت أنّ كون النصب فيها سببا لنفس الشاة ، والتبيعة ونحوها بديهي الفساد.

والأصل بقاء الحقيقة في لفظ «في» ، سيّما على ما نقلنا عن «البيان» (٢) من طرف القائل بالذمّة ، كما هو واضح.

على أنّا نقول : هذا الخبر وأمثاله ، ممّا ورد في الأنعام الثلاثة (٣) يحتاج إلى تأويل على أيّ تقدير.

فإن قلت : حمل كلمة «في» لكونها حرفا أسهل من حمل لفظ الشاة على ما يساوي الشاة عينا أو قيمة.

قلت : حمل الشاة على ما ذكر متعيّن ، ولا أقلّ من رجحانه بملاحظة ما نقلنا

__________________

(١) لاحظ! وسائل الشيعة : ٩ / ١٠٨ الباب ٢ من أبواب زكاة الأنعام.

(٢) البيان : ٣٠٤.

(٣) وسائل الشيعة : ٩ / ١٠٨ الباب ٢ ، ١١٤ الباب ٤ ، ١١٦ الباب ٦ من أبواب زكاة الأنعام.

٣٦٩

عن «البيان» ، وما نقل المستدلّون من الاتّفاقات ، وما نقلنا من الأخبار الصريحة في الشركة (١) ، وعدم كون الجميع ملك المالك ، والأخبار الظاهرة الكثيرة غاية الكثرة.

ومنها : ما ورد في النقدين والغلّات ونحوها (٢) ، مضافا إلى الإجماع والأخبار الواردة في جواز إعطاء القيمة مطلقا ، مع عدم القول بالفصل.

مع أنّ حمل لفظ «العشر ونصف العشر» في الأخبار كثيرة غاية الكثرة ، الصحيحة والمعتبرة المفتى بها على ما يساوي العشر أو نصفه ، وأمثالهما ليس أولى ، بل الأوّل أولى بمراتب شتّى كما عرفت ، بل متعيّن بلا شبهة.

قوله : (وقيل : بل). إلى آخره.

القائل مجهول حكي عن ابن حمزة أنّه نقله عن بعض الأصحاب (٣).

قوله : (وأجيب بأنّه). إلى آخره.

لا يخفى أنّه لو كان التخلّف في خاصيته سببا للمنع ، لكان منع التعلّق بالذمّة أولى ثمّ أولى ، لما عرفت من كثرة التخلّف ، ووجود الموانع الاخر ، واحتمال منعهما في المقام ، وكونه غيرهما خرق للإجماع المركّب ، وإحداث القول الثالث ، مع وجود التعريفات المتّفق عليها ، مضافا إلى الإجماع ، والاشتهار بين الأصحاب ، وغيرهما ممّا عرفت.

مع أنّا نمنع الملازمتين ، ونقول لعلّه تحقّق من الله تعالى التخفيف عن المالك ،

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٩ / ١٢٩ الحديث ١١٦٧٨.

(٢) وسائل الشيعة : ٩ / ٩ الباب ١ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ، ١٤٦ الباب ١٣ من أبواب زكاة الذهب والفضّة ، ١٧٥ ـ ١٨٧ الباب ١ ـ ٦ من أبواب زكاة الغلات.

(٣) نقل عنه في البيان : ٣٠٣.

٣٧٠

والإرفاق به.

بل المتأمّل في الأخبار يكشف ما ذكرناه عليه ، حتّى أنّه يصدّق المالك في دعواه الإخراج ، أو عدم حول الحول كما سيذكره ، وغير ذلك ممّا ظهر من الأخبار. ومنها ما ظهر عن أمير المؤمنين عليه‌السلام في بعثه المصدّق ، فإنّه عليه‌السلام قال في جملة الحديث : «فانزل بمائهم من غير أن تخالط أبياتهم ، ثمّ امض إليهم بسكينة ووقار حتّى تقوم بينهم فتسلّم عليهم ، ثمّ قل لهم : يا عباد الله! أرسلني إليكم وليّ الله لآخذ منكم حقّ الله في أموالكم ، فهل لله في أموالكم من حقّ؟

ثمّ قال : فإن قال لك قائل : لا ، فلا تراجعه ، وإن أنعم لك [منهم] منعم فانطلق معه من غير أن تخيفه أو تعده إلّا خيرا ، فإذا أتيت ماله فلا تدخله إلّا بإذنه ، فإنّ أكثره له ، فقل : يا عبد الله! أتأذن لي في دخول مالك؟ فإن أذن لك فلا تدخله دخول متسلّط عليه فيه ولا عنف به ، فاصدع المال صدعين ثمّ خيّره أيّ الصدعين شاء ، فأيّهما اختار فلا تعرّض له ، ثمّ اصدع الباقي صدعين ثمّ خيّره فأيّهما اختار فلا تعرّض له ، فلا تزال كذلك حتّى يبقى ما فيه وفاء لحقّ الله في ماله ، فإذا بقي ذلك فاقبض حقّ الله منه ، فإن استقالك فأقله ثمّ اخلطهما واصنع مثل الذي صنعت أوّلا حتّى تأخذ حقّ الله في ماله» (١) الحديث.

ومثله الصحيح الآخر ، عن محمّد بن خالد ، عن الصادق عليه‌السلام وفيه «وإذا دخل المال فليقسّم الغنم نصفين ثمّ يخيّر صاحبها أيّ القسمين شاء ، فإن اختار فليدفعه إليه فإن تتبّعت نفس صاحب الغنم من النصف الآخر منها شاة أو شاتين أو ثلاثا فليدفعها إليه ، ثمّ ليأخذ منه صدقته ، فإذا أخرجها فليقوّمها فيمن يريد ، فإذا قامت على ثمن فان أرادها صاحبها فهو أحقّ بها ، وإن لم يردها فليبعها» (٢).

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٥٣٦ الحديث ١ ، تهذيب الأحكام : ٤ / ٩٦ الحديث ٢٧٤ ، وسائل الشيعة : ٩ / ١٢٩ الحديث ١١٦٧٨.

(٢) الكافي : ٣ / ٥٣٨ الحديث ٥ ، وسائل الشيعة : ٩ / ١٣١ الحديث ١١٦٨٠.

٣٧١

ولا يخفى ما فيهما من الإرفاقات الكثيرة ، والمراعاة الوافرة ، مع ما فيهما من العبارات الواضحة في الشركة ، ودخول حقّ الفقير في ملك الغني ، مثل حقّ الله في أموالكم المذكور مكرّرا ، وكون أكثر المال له وغير ذلك.

مع أنّ التقسيم المذكور في غاية الصراحة في الشركة والتعلّق بالعين ، وسيّما بملاحظة التكرار في التقسيم بمجرّد الاستقالة ، فانظر أيّها الفطن! إلى ما في الأخبار من غاية الإرفاق ، ونهاية التسهيل.

ومنها : ما رواه «الكافي» في الصحيح إلى غياث بن إبراهيم ، عن جعفر ، عن أبيه عليهما‌السلام قال : «كان عليّ صلوات الله عليه إذا بعث مصدّقه قال : إذا أتيت على ربّ المال فقل له : تصدّق رحمك الله ممّا أعطاك الله ، فإن ولّى عنك فلا تراجعه» (١) وغيره من الأخبار الكثيرة.

ومع ذلك لم يرفعوا اليد عن التقسيم ، سيّما بالنحو المذكور ، بل وربّما ينجر الأمر إلى القرعة ، كما ذكرنا سابقا (٢).

وفي «الذخيرة» : إنّ ما في الصحيحين مناف للإجماع المنقول في جواز إعطاء الفريضة من غير النصاب ، مع أنّه نقل المخالفة عن شاذّ ، عن بعض ، وعن غيره إطلاق الجواز (٣).

ومعلوم أنّ الإطلاق في مقام الفتوى لا يقتضي دعوى الإجماع ، مع أنّه لا يعتمد على أمثال الإجماعات.

ومع ذلك نقول فيه : إنّه لا منافاة بالبديهة لأنّه عليه‌السلام قال : «فإذا أتيت ماله فلا تدخله إلّا بإذنه ، وقل : يا عبد الله! أتأذن» (٤). إلى آخره.

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٥٣٨ الحديث ٤ ، وسائل الشيعة : ٩ / ١٣٢ الحديث ١١٦٨٢.

(٢) راجع! الصفحة : ٣٠٢ ـ ٣٠٤ من هذا الكتاب.

(٣) ذخيرة المعاد : ٤٤٦.

(٤) وسائل الشيعة : ٩ / ١٢٩ الحديث ١١٦٧٨.

٣٧٢

فالمعصوم عليه‌السلام شرط أن لا يكون ذلك إلّا بإذنه ، وأنّه بعد إذنه في دخولك في ماله ، وأخذك حقّ الله الذي في ماله افعل.

فهذا لو لم يؤكّد ذلك كيف يخالفه؟ إذ ليس فيه ، وإن اختار أن يعطيك من غير هذا المال ، ولم يرض أن تدخل هذا المال ، وتأخذ حصّة الفقراء التي فيه منه ، فلا تقبل منه ، وادخله دخول متسلّط عنيف واصدعه. إلى آخره ، بل فيه ما يخالف هذا بالبديهة.

فالمنافاة التي ذكرها منفية بلا شبهة ، لأنّ الانطلاق إلى ماله بمحض رضاه ، كما يشير إليه جميع ما ذكر عليه‌السلام بعده ، بل ليس قبله إلّا قوله : «أرسلني إليكم ولي الله لآخذ حقّ الله في أموالكم» ، ولم يقل : آخذ بخصوص الصورة المذكورة ، فإن كان الإجماع أخذ البدل حقّا ثابتا ، فلعلّهم كانوا يعرفون هذا.

ومع ذلك اختاروا الأخذ من عين النصاب بنحو أخذ الشريك حقّه ، لأنّهم كانوا فهموا من كلام الساعي ، وغير ذلك الشركة والتعلّق بالعين ، ولذلك انطلقوا معه وادخلوه في المال بأخذ الحقّ كذلك ، من دون تأمّل منهم ، ومع رضائهم به ، مع أنّهم سمعوا صريحا قوله : «أتأذن لي». إلى آخره.

فإن قلت : لعلّهم ما اطّلعوا على الإجماع.

قلت : ما ذكرت يرد على جميع الأخبار ، إذ لا يكاد يتحقّق خبر تتمّ دلالته بدون ملاحظة إجماع ، كما صرّح به المحقّقون (١) ويشاهد بالوجدان ، مع أنّ وجدان أخبار لا تتمّ دلالتها بالإجماع ، يظهر من الخارج من البديهيّات ، بل وغاية كثرة وجدانها ، سلّمنا عدم اطّلاعهم عليه.

لكن ؛ من أين ثبت وجوب تنبيههم عليه في المقام وأمثاله؟

سلّمنا ؛ لكن لعلّ أمير المؤمنين عليه‌السلام كان يعلم اطّلاعهم ، أو أنّه أعلمهم ، وإن

__________________

(١) لم نعثر عليه في مظانّه.

٣٧٣

لم يذكر في هذه الرواية ، إذ لا يجب أن يكون كلّ شي‌ء تعلّق بالمقام يذكرونه ، ولذا ما يذكرون الكلّ في كلّ خبر صدر ، بل ولا في غالب الأخبار ، بل ولا في كثير منها بالبديهة ، كيف وللزكاة أحكام كثيرة لا بدّ من معرفتها ، لو لم يتعرّض لذكر الكلّ في كلّ حديث حديث من أمثال هذين الخبرين.

بل مقتضى الأخبار المتواترة تعيّن الزكاة في العين ، من دون إظهار جواز أخذ ذلك ، ولا جواز أخذ العين ، وغير ذلك من الكلام ، ولذا فهم كلّ واحد من الأخبار ، ثمّ يحقّق بملاحظة الأخبار الاخر ، أو الإجماع ، أو القواعد بالبديهة ، فالمقام أيضا منها ، كما لا يخفى.

سلّمنا ؛ لكن عرفت أنّ جواز أخذ البدل الذي ثبت من الإجماع إنّما هو الإرفاق بالمالك.

فالمجمعون كلّهم ، أو جلّهم غرضهم ذلك بلا شبهة ، بل هو أولى من جواز أخذ القيمة التي هي أبعد البتة ، وإجماعي عند الأصحاب بلا شبهة في غير الأنعام ، وفي الأنعام أيضا نقل الإجماع.

ومع ذلك مضمون الأخبار المتواترة هو وجوب إعطاء الفريضة ، أي الأجناس التسعة لا القيمة ، مثل قولهم عليهم‌السلام : «في عشرين دينارا نصف دينار ، وفي أربعة عشر ، وفي مائتي درهم خمسة دراهم ، وفي أربعين درهم (١) ، وفي الغلّات عشر كلّ واحد منها أو نصفه (٢) ، وفي الأنعام الشاة وبنت المخاض» (٣) ، إلى غير ذلك. بل فيها إن لم يكن بنت مخاض فابن لبون ، وأنّ من وجب عليه سنّ وليس

__________________

(١) لاحظ! وسائل الشيعة : ٩ / ١٣٧ الباب ١ ، ١٤٢ الباب ٢ من أبواب زكاة الذهب والفضّة.

(٢) وسائل الشيعة : ٩ / ١٨٢ الباب ٤ من أبواب زكاة الغلّات.

(٣) وسائل الشيعة : ٩ / ١٢٧ الحديث ١١٦٧٦.

٣٧٤

عنده ، بل يكون أعلى فيعطي ويأخذ شاتين ، أو كذا درهما (١) ، وهكذا من دون إشارة إلى كون قيمة ، فما هو الجواب فهو الجواب هنا ، بل بطريق أولى كما لا يخفى.

وحال هذين الخبرين حال سائر الأخبار في جواز أخذ غير الفريضة من البدل أو القيمة.

مع أنّ تحقّق الإجماع حتّى في صورة بسط يد الإمام عليه‌السلام ، وأمره الساعي بما أمر ، فيه ما فيه ، لكون الخبرين حجّتين عند المشايخ القدماء (٢) ، بل المتأخّرين أيضا (٣) ، مضافا إلى صحّة السند ، إذ ليس فيهما من يتوقّف فيه سوى إبراهيم بن هاشم ، وهو ثقة عند جماعة (٤) ، وكالثقة في حجيّة خبره عند جماعة ، ولم يوجد راو من القدماء ولا المتأخّرين ، والقميّون اتّفقوا على قبول خبره إلى أن نشر حديث الكوفيين في قم ، وهم كانوا يخرجون من قم من عمل بخبر غير العادل ، إلى غير ذلك ممّا فيه ما يدلّ على حجّية خبره ، وهي كثيرة كما حقّق.

ثمّ اعلم! أنّه قال في «البيان» ـ بعد أن حكم بوجوب الزكاة في العين ـ : وفي كيفيّة تعلّقها بالعين وجهان : أحدهما : أنّه بطريق الاستحقاق فالفقير شريك. والثاني : أنّه استيثاق ، فيحتمل أنّه كالرهن ، ويحتمل أنّه كتعلّق أرش الجناية بالعبد ، ويضعّف الشركة ، بالإجماع على جواز أدائها من مال آخر ، وهو يرجّح التعلّق بالذمّة ، وعورض بالإجماع على تتبّع الساعي العين (٥) ، انتهى.

ولا يخفى ما فيه من التدافع والغفلة ، فإنّ أدلّة القائلين بالتعلّق بالعين ،

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : ٢ / ١٢ الحديث ٣٣ ، وسائل الشيعة : ٩ / ١٢٨ الحديث ١١٦٧٧.

(٢) لاحظ! تعليقات على منهج المقال : ٢٩.

(٣) راجع! مجمع الفائدة والبرهان : ٤ / ١٢٨ ، مدارك الأحكام : ٥ / ٩٦ ، الحدائق الناضرة : ١٢ / ٨٣.

(٤) رجال العلّامة الحلّي : ٤ ، روضة المتقين : ١٤ / ٢٣ ، منتهى المقال : ١ / ٢١٣.

(٥) البيان : ٣٠٣ و ٣٠٤.

٣٧٥

ودعواهم في غاية الظهور في الشركة ، بل لا يحتمل غيرها ، وتضعيفه بالإجماع على جواز الأداء من الغير بيّن الفساد ، لما عرفت من أنّهم أجابوا بأنّه إرفاق ، وعرفت أنّ الأمر كذلك بلا شبهة ، وأنّ الإرفاق غير منحصر فيه ، بل كثير غاية الكثرة كما عرفت. ومنها : جواز إعطاء القيمة ، فإنّه كغيره من الإرفاق يضرّ القائل بالتعلّق بالذمّة أيضا ، فإنّه قال ؛ تتعلّق الفرائض المذكورة في الأخبار المتواترة الدالّة على وجوب الزكاة في الأجناس التسعة ، في الذمّة ، في مقابل القائل بالتعلّق بالعين.

فما أجاب فهو الجواب للقائل بالتعلّق بالعين ، مع أنّ خواص التعلّق بالذمّة على تقدير التسليم قليلة في جنب خواص التعلّق بالعين ، مضافا إلى الأدلّة وغيرها.

مع أنّك عرفت أنّه ذكر عن القائل بالذمّة ، أنّه إن لم يؤدّ البائع المالك الزكاة يأخذها الفقير من عين النصاب من المشتري ، وهذا أزيد من الاستيثاق الرهني.

قوله : (وفي مال). إلى آخره.

قد مرّ التحقيق (١).

قوله : (ويصدّق). إلى آخره.

قد مرّ المستند (٢).

__________________

(١) راجع! الصفحة : ٩٢ ـ ٩٤ من هذا الكتاب.

(٢) راجع! الصفحة : ٣٠٦ و ٣٠٧ من هذا الكتاب.

٣٧٦

القول في مصرفها

٢٣٤ ـ مفتاح

[المستحقّون للزكاة]

تصرف إلى من وصفه الله عزوجل في كتابه (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ) (١).

واختلف العلماء في الفقير والمسكين ، هل هما متغايران أم مترادفان؟ وعلى التغاير أيّهما أسوأ حالا؟ والأصح أنّ المسكين أسوأ حالا ، للصحيح : «الفقير الذي لا يسأل ، والمسكين الذي هو أجهد منه الذي يسأل» (٢). وفي الحسن مثله ، وزاد : «والبائس أجهدهم» (٣).

ثمّ الأظهر ؛ أنّ الفقير من لم يقدر على كفايته وكفاية من يلزمه من عياله

__________________

(١) التوبة (٩) : ٦٠.

(٢) وسائل الشيعة : ٩ / ٢١٠ الحديث ١١٨٥٧.

(٣) وسائل الشيعة : ٩ / ٢١٠ الحديث ١١٨٥٨.

٣٧٧

عادة على الدوام بربح مال أو غلّة أو صنعة ، وفاقا للمبسوط (١).

وقيل : من لم يملك مئونة سنة له ولواجبي نفقته (٢) وعليه أكثر المتأخّرين (٣) ، ويؤيّده الخبران المرويّان في «المقنعة» (٤) و «العلل» (٥).

وقيل : من لم يملك نصابا يجب عليه الزكاة أو قيمته (٦) ، ولا نصّ له ولا دليل يعتدّ به.

نعم ؛ في الموثّق : «يأخذ الزكاة صاحب السبعمائة إذا لم يجد غيره». قلت : فإنّ صاحب السبعمائة يجب عليه الزكاة؟ فقال : «زكاته صدقة على عياله فلا يأخذها إلّا أن يكون إذا اعتمد على السبعمائة أنفذها في أقلّ من سنة فهذا يأخذها ، ولا يحلّ الزكاة لمن كان محترفا وعنده ما يجب فيه الزكاة أن يأخذ الزكاة» (٧). ودلالته كما ترى.

مع أنّ في الصحيح : عن الرجل يكون له ثلاثمائة درهم أو أربعمائة درهم وله عيال وهو يحترف فلا يصيب نفقته فيها. أيكب (٨) فيأكلها ولا يأخذ الزكاة أو يأخذ الزكاة؟ قال : «لا بل ينظر إلى فضلها فيقوت بها نفسه ومن وسعه

__________________

(١) المبسوط : ١ / ٢٥٦.

(٢) شرائع الإسلام : ١ / ١٥٩.

(٣) البيان : ٣١٠ ، مدارك الأحكام : ٥ / ١٩٤ ، ذخيرة المعاد : ٤٥٣.

(٤) المقنعة : ٢٤٨.

(٥) علل الشرائع : ٣٧١ الباب ٩٧ الحديث ١ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٢٣٣ الحديث ١١٩١١.

(٦) الخلاف : ٢ / ١٣٠ و ١٣١.

(٧) وسائل الشيعة : ٩ / ٢٣١ الحديث ١١٩٠٥.

(٨) أكب : أقبل ولزم عليه (مجمع البحرين : ٢ / ١٥١).

٣٧٨

ذلك من عياله ويأخذ البقيّة من الزكاة ويتصرّف بهذه لا ينفقها» (١).

وفي الموثّق : عن الزكاة هل تصلح لصاحب الدار والخادم؟ فقال : «نعم ، إلّا أن تكون داره دار غلّة ، فيخرج له من غلّتها ما يكفيه وعياله ، فإن لم تكن الغلّة تكفيه لنفسه وعياله في طعامهم وكسوتهم وحاجتهم من غير إسراف فقد حلّت له الزكاة ، وإن كانت غلّتها تكفيهم فلا» (٢). والمعتبرة في معناهما مستفيضة (٣).

وفي الصحيح : عن الرجل له دار أو خادم أو عبد أيقبل الزكاة؟ قال : «نعم ، إنّ الدار والخادم ليسا بمال» (٤).

وفي التعليل إشعار باستثناء ما ساوى الدار والخادم في المعنى والظاهر عدم الخلاف في ذلك.

وفي الموثّق : قد تحلّ الزكاة لصاحب السبعمائة وتحرم على صاحب الخمسين درهما ، فقلت له : وكيف يكون هذا؟ فقال : «إذا كان صاحب السبعمائة له عيال كثير فلو قسّمها بينهم لم يكفه فليعف عنها نفسه وليأخذها لعياله ، وأمّا صاحب الخمسين فإنّه يحرم عليه إذا كان وحده وهو محترف يعمل بها وهو يصيب منها ما يكفيه إن شاء الله» (٥).

والمشتغل عن الكسب الوافي بطلب علم ديني يحتاجه فقير إن تعذّر

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٩ / ٢٣٨ الحديث ١١٩٢٣.

(٢) وسائل الشيعة : ٩ / ٢٣٥ الحديث ١١٩١٦.

(٣) وسائل الشيعة : ٩ / ٢٣٥ ـ ٢٤٠ الباب ٩ و ١١ و ١٢ من أبواب المستحقين للزكاة.

(٤) وسائل الشيعة : ٩ / ٢٣٦ الحديث ١١٩١٧.

(٥) وسائل الشيعة : ٩ / ٢٣٩ الحديث ١١٩٢٤.

٣٧٩

الجمع ، لأنّه مأمور بالطلب.

ويكره التعفّف عن الزكاة لمن استحقّها ، بل ظاهر المعتبرة تحريمه (١).

ولا يجب إعلام الفقير بأنّها زكاة للأصل والنصّ : «أعطه ولا تسمّ له ولا تذلّ المؤمن» (٢).

ويصدّق مدّعي الفقر من غير يمين بلا خلاف ، والأحوط اعتبار الظنّ الغالب بصدقه ، أمّا تلف المال فبالبيّنة عند الشيخ (٣) ، ولو ظهر عدم الاستحقاق ، فإن كان قد فحص أوّلا أجزأت وإلّا فلا ، كما في الحسن : قلت له : فإن لم يعلم أهلها فدفعها إلى من ليس هو لها بأهل ، وقد كان طلب واجتهد ثمّ علم بعد ذلك سوء ما صنع؟ قال : «ليس عليه أن يؤدّيها مرّة اخرى» (٤).

وفي رواية : «إن اجتهد فقد برئ ، وإن قصر في الاجتهاد في الطلب فلا» (٥).

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٩ / ٣١٣ الباب ٥٧ من أبواب المستحقين للزكاة.

(٢) وسائل الشيعة : ٩ / ٣١٤ الحديث ١٢١٠٧.

(٣) المبسوط : ١ / ٢٤٧.

(٤) وسائل الشيعة : ٩ / ٢١٤ الحديث ١١٨٦٥.

(٥) وسائل الشيعة : ٩ / ٢١٤ الحديث ١١٨٦٦.

٣٨٠