مصابيح الظلام - ج ٧

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

مصابيح الظلام - ج ٧

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الطبعة: ١
ISBN: 964-94422-7-8
ISBN الدورة:
964-94422-0-0

الصفحات: ٥١٦

١
٢

٣
٤

١٣٦ ـ مفتاح

[عدم جواز الأذان قبل الوقت]

لا يؤذّن إلا بعد دخول الوقت إجماعا ، وأمّا جواز تقديمه على الصبح للتأهّب للصلاة واغتسال الجنب وامتناع الصائم من الأكل والجماع ونحو ذلك ، فذاك شي‌ء آخر ، لأنّه ليس من أذان الصلاة في شي‌ء ، ولهذا يعاد تارة أخرى ، كما في الصحاح (١).

__________________

(١) لاحظ! وسائل الشيعة : ٥ / ٣٨٨ الباب ٨ من أبواب الاذان والإقامة.

٥
٦

قوله : (وأمّا جواز تقديمه). إلى آخره.

لا شبهة في عدم جواز التقديم في غير هذه الصورة ، لكونه للإعلام بدخول الوقت ، مضافا إلى الإجماع ، بل الضرورة.

وأمّا التقديم في هذه الصورة ، فالمشهور جوازه مع استحباب إعادته.

بل ربّما يظهر من علّة الجواز رجحانه أيضا ، مثل صحيحة ابن سنان عن الصادق عليه‌السلام : سألته عن النداء قبل طلوع الفجر ، فقال : «لا بأس ، وأمّا السنة فمع الفجر ، وإن ذلك لينفع الجيران ، يعني قبل الفجر» (١).

وصحيحة الأخرى عنه عليه‌السلام أنّه قال له : إنّ لنا مؤذّنا يؤذّن بليل ، فقال : «أمّا إنّ ذلك لينفع الجيران لقيامهم إلى الصلاة ، وأمّا السنّة فإنّه ينادى مع طلوع الفجر» (٢).

وفي «الفقيه» : «كان لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مؤذّنان : أحدهما بلال والآخر ابن أمّ مكتوم كان أعمى ، وكان يؤذّن قبل الصبح وبلال يؤذّن بعد الصبح ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ ابن أمّ مكتوم يؤذّن بليل فكلوا واشربوا حتّى تسمعوا أذان بلال» (٣) ، انتهى.

والعامّة أيضا رووا ذلك لكن بالعكس (٤) ، لبغضهم بلالا ، من جهة عدم بيعته للأوّل.

وعن ابن الجنيد (٥) ، وابن إدريس ، وأبي الصلاح ، والجعفي عدم الجواز (٦) ،

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٢ / ٥٣ الحديث ١٧٨ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٣٩١ الحديث ٦٨٨٤ مع اختلاف يسير.

(٢) تهذيب الأحكام : ٢ / ٥٣ الحديث ١٧٧ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٣٩٠ الحديث ٦٨٨٣.

(٣) من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٩٣ ذيل الحديث ٩٠٥.

(٤) صحيح البخاري : ١ / ٢١٠ الحديث ٦٢٣ ، صحيح مسلم : ٢ / ٦٣٠ الحديث ٣٧.

(٥) نقل عنه في ذكرى الشيعة : ٣ / ٢٣٧ ، مدارك الأحكام : ٣ / ٢٧٧.

(٦) السرائر : ١ / ٢١١ ، الكافي في الفقه : ١٢١ ، نقل عن الجعفي في ذكرى الشيعة : ٣ / ٢٣٧.

٧

ونسب ذلك إلى السيّد أيضا (١).

وبناؤهم على ما ذكرنا من كون الأذان الفريضة موضوعا للإعلام بدخول وقتها ، مع عدم حجّية أخبار الآحاد ، وأنّ ما ذكر أخبار آحاد عندهم ، وإن ادّعى ابن أبي عقيل تواتره (٢).

هذا ، مضافا إلى ما روي من أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر بلال أن يعيد الأذان الذي أذّن قبل الفجر (٣).

وفيه أنّه لا يضرّ المشهور ، بل ينفعهم ، لقولهم باستحباب الإعادة.

وأمّا عدم حجّية أخبار الآحاد ، فالجواب عنه في الأصول.

وأمّا الاستدلال عليهم بالأصل وبأنّ فائدة الأذان غير منحصرة في الإعلام فليس بشي‌ء ، إذ لا شكّ في الانحصار إلّا فيما ثبت ، ولذا لا نرضى بتقديم أذان غير الفجر ممّا ذكرنا من الدليل ، مع أنّ العبادة التوقيفيّة ، كما تكون ماهيّتها توقيفيّة ، كذا تكون رجحانها أو شرعيّتها بلا تأمّل!

والظاهر أنّ جواز التقديم إنّما هو مقارب الفجر ، وإن لم يكن فيه حدّ معيّن ومشخص ، ويظهر ذلك من علّة التقديم ، فتأمّل!

ولا فرق عندنا بين شهر رمضان وغيره ، ولا بين وحدة المؤذّن وتعدّده ، لما عرفت من الدليل.

__________________

(١) نسب اليه في مدارك الأحكام : ٣ / ٢٧٧ ، لاحظ! الناصريّات : ١٨٢ المسألة ٦٨.

(٢) نقل عنه العلّامة في مختلف الشيعة : ٢ / ١٣٣.

(٣) مستدرك الوسائل : ٤ / ٢٦ الحديث ٤٠٩١.

٨

١٣٧ ـ مفتاح

[ما لو تركهما ودخل في الصلاة]

لو تركهما حتّى دخل في الصلاة ، فإن تعمّد ، فليمض ، وإن نسي فليرجع ما لم يركع استحبابا ، وفاقا للأكثر (١) ، للصحيح (٢) ، وقيل بالعكس (٣) ، وقيل بالاستئناف مطلقا (٤) ، وليسا بشي‌ء.

ويتأكّد الاستحباب قبل القراءة ، للصحيح وغيره (٥) ، ويضعف بعد الركوع قبل الفراغ ، للصحيح الآخر (٦).

__________________

(١) مختلف الشيعة : ٢ / ١٢٧ ، المعتبر : ٢ / ١٢٩ ، جامع المقاصد : ٢ / ١٩٨ ، لا حظ! مدارك الأحكام : ٣ / ٢٣٧.

(٢) وسائل الشيعة : ٥ / ٤٣٤ الحديث ٧٠١٥.

(٣) النهاية للشيخ الطوسي : ٦٥ ، السرائر : ١ / ٢٠٩.

(٤) المبسوط : ١ / ٩٥ ، المهذب : ١ / ٨٩.

(٥) وسائل الشيعة : ٥ / ٤٣٤ و٤٣٥ ، الحديث ٧٠١٦ و٧٠١٧.

(٦) وسائل الشيعة : ٥ / ٤٣٣ الحديث ٧٠١٢.

٩
١٠

قوله : (وفاقا للأكثر). إلى آخره.

منهم الشيخ والمرتضى (١) ، والصحيح هو صحيحة الحلبي عن الصادق عليه‌السلام قال : «إذا افتتحت الصلاة فنسيت أن تؤذّن وتقيم ثمّ ذكرت قبل أن تركع فانصرف وأذّن وأقم واستفتح الصلاة ، وإن كنت قد ركعت فأتمّ على صلاتك» (٢).

والأمر محمول على الاستحباب ، لما عرفت من عدم وجوبهما ، وما ستعرف ، فيدلّ على عدم استحباب الإعادة إن تعمّد الترك ، لعدم دليل عليها ، مع أنّ إبطال العمل حرام ، مع أنّ المستحبّ ما يجوز تركه لا إلى بدل ، فتأمّل!

وعن «النهاية» عكس ذلك (٣) ، للمعتبرة الكثيرة الدالّة على أنّ من نسي الأذان والإقامة حتّى دخل في الصلاة فليمض ، كما في صحيحة زرارة عن الباقر عليه‌السلام (٤) ، أو «ليس عليه شي‌ء» كما في صحيحة داود بن سرحان عن الصادق عليه‌السلام (٥) ، أو «يمضي ولا يعيد» ، كما في رواية زرارة عنه عليه‌السلام (٦) ، أو «لا يعيد» كما في رواية أخرى عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٧).

__________________

(١) نقل عنهما في مدارك الأحكام : ٣ / ٢٧٣.

(٢) تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٧٨ الحديث ١١٠٣ ، الاستبصار : ١ / ٣٠٤ الحديث ١١٢٧ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٤٣٤ الحديث ٧٠١٥ مع اختلاف يسير.

(٣) النهاية للشيخ الطوسي : ٦٥.

(٤) تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٨٥ الحديث ١١٣٩ ، الاستبصار : ١ / ٣٠٤ الحديث ١١٣٠ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٤٣٤ الحديث ٧٠١٣ نقل بالمضمون.

(٥) تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٨٥ الحديث ١١٤٠ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٤٣٤ الحديث ٧٠١٤.

(٦) تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٧٩ الحديث ١١٠٦ ، الاستبصار : ١ / ٣٠٢ الحديث ١١٢١ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٤٣٦ الحديث ٧٠١٩.

(٧) تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٧٩ الحديث ١١٠٨ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٤٣٣ الحديث ٧٠١٠.

١١

والجواب أنّ الظاهر منها عدم وجوب الإعادة ، فلا ينافي استحبابها ، مع أنّ استحباب الإعادة في صورة العمد لا منشأ له ، بل الظاهر [من] صحيحة الحلبي عدم استحبابها حينئذ (١).

هذا ، مضافا إلى حرمة إبطال العمل ، الظاهر من أخبار كثيرة ، ويؤيّده أيضا قوله تعالى (وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ) (٢).

وعن ابن إدريس موافقته لـ «النهاية» ، (٣) ، وعن القديمين موافقتهما للمشهور في نسيان الأذان والإقامة في الصبح والمغرب والإقامة في سائر الصلوات (٤) ، لكن ابن الجنيد خالف المشهور ، في نسيان الإقامة وحدها ، حيث قال : يرجع ما لم يقرأ عامة السورة (٥).

وابن أبي عقيل أوجب الإعادة في الأذان ، وإن كان وحده ، وفي الإقامة كذلك ، وأوجب الإعادة كذلك مطلقا إن كان الترك عمدا أو استخفافا (٦).

وظاهر أنّ منشأ فتواهما قولهما بوجوبهما بالنحو المذكور ، مع مراعاة ما ورد في الأخبار في صورة النسيان. وأمّا العمد فهو كما ذكره ابن أبي عقيل.

وما في «المدارك» من قوله : ولو قلنا بوجوبه لم يتوجّه الاستئناف أيضا ، وإن أثم بالإخلال به ، لخروجه عن حقيقة الصلاة (٧) ، فيه ما فيه.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٥ / ٤٣٤ الحديث ٧٠١٥.

(٢) محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٤٧) : ٣٣.

(٣) السرائر : ١ / ٢٠٩ ، لاحظ! النهاية للشيخ الطوسي : ٦٥.

(٤) نقل عنهما في مختلف الشيعة : ٢ / ١٢٧ و١٢٨.

(٥) نقل عنه في ذكرى الشيعة : ٣ / ٢٣٣.

(٦) نقل عنه في مختلف الشيعة : ٢ / ١٢٠ و١٢٧ ، لاحظ! الحدائق الناضرة : ٧ / ٣٦٧.

(٧) مدارك الأحكام : ٣ / ٢٧٣.

١٢

أمّا على القول بأنّ الأمر بالشي‌ء يقتضي النهي عن ضدّه فظاهر ، وأمّا على القول الآخر ، فلأنّ الواجب لا يخرج عن وجوبه بمجرّد الإخلال به.

نعم ، لو عصى وتركه مطلقا وأتى بالضد يكون الضدّ صحيحا ، وصحّة الضدّ لا يخرج وجوب ضدّه عن الوجوب ، إذ لا تأمّل في بقائه على وجوبه ـ مثل أداء الدين الواجب المضيّق ، وإزالة النجاسة الممكنة عن المسجد ، وأمثال ذلك لو قلنا بأنّ إبطال ضدّه حينئذ حرام لصحّته ـ لأنّ مثل هذا التكليف وإن كان لا يطاق ، إلّا أنّ المكلّف أورده على نفسه ، ولذا كلّ من قال : بأنّ الأمر بالشي‌ء لا يقتضي النهي عن الضدّ ، لم يقل بخروج الواجب المضيّق عن وجوبه بالبديهة.

مع أنّ القائل بوجوب الأذان والإقامة كلامه مطلق ، لا أنّه مقيّد بصورة عدم ترك المكلّف عمدا مع دخوله في الصلاة.

هذا ، وعن «المبسوط» أنّه وافق المشهور ، ولكن لم يفرّق (١) بين النسيان والعمد (٢) ، ولم نعرف مأخذه.

واعلم! أنّه ورد في صحيحة علي بن يقطين ، عن الكاظم عليه‌السلام استحباب الإعادة في صورة نسيان الإقامة ما لم يفرغ عن الصلاة دون ما إذا فرغ (٣) ، وحمل على ما قبل الركوع في الركعة الأولى (٤) ، وفيه ما فيه.

وحملها الشيخ على الاستحباب أيضا (٥) ، لكن في «المعتبر» قال : فيه تهجّم

__________________

(١) في (ز ٣) : من غير فرق.

(٢) المبسوط : ١ / ٩٥.

(٣) تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٧٩ الحديث ١١١٠ ، الاستبصار : ١ / ٣٠٣ الحديث ١١٢٥ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٤٣٣ الحديث ٧٠١٢.

(٤) مختلف الشيعة : ٢ / ١٢٨.

(٥) تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٧٩ ذيل الحديث ١١١٠ ، الاستبصار : ١ / ٣٠٣ ذيل الحديث ١١٢٥.

١٣

على إبطال العمل بالخبر النادر (١).

وفي صحيحة صفوان ، عن الحسين بن أبي العلاء ، عن الصادق عليه‌السلام : عن الرجل يستفتح المكتوبة ثمّ يذكر أنّه لم يقم ، قال : «إن ذكر قبل أن يقرأ فليسلّم على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثمّ يقيم فيصلّي ، فإن ذكر بعد ما قرأ بعض السورة فليتمّ على صلاته» (٢).

وفي صحيحة ابن مسلم عن الصادق عليه‌السلام مثل ذلك في نسيان الأذان والإقامة معا (٣).

ونحوها صحيحة زيد الشحّام عنه عليه‌السلام (٤) ، وحملت على عدم تأكّد الرجوع بعد الدخول في القراءة (٥).

والأحوط مراعاتها ، لأنّ إبطال العمل حرمته وفاقيّة ثابتة من الأخبار (٦) والآيات (٧) التي تكون متواترة بحسب الظاهر ، مع كثرة هذه الصحاح ، بل الأحوط عدم الإعادة بعنوان إبطال العمل مطلقا لما ذكروا ، لكثرة المعتبرة السابقة ، وقول الشيخ وابن إدريس (٨) بمضمونها.

__________________

(١) المعتبر : ٢ / ١٣٠.

(٢) تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٧٨ الحديث ١١٠٥ ، الاستبصار : ١ / ٣٠٤ الحديث ١١٢٩ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٤٣٥ الحديث ٧٠١٧ مع اختلاف يسير.

(٣) تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٧٨ الحديث ١١٠٢ ، الاستبصار : ١ / ٣٠٣ الحديث ١١٢٦ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٤٣٤ الحديث ٧٠١٦.

(٤) من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٨٧ الحديث ٨٩٣ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٤٣٦ الحديث ٧٠٢١.

(٥) مدارك الأحكام : ٣ / ٢٧٥.

(٦) وسائل الشيعة : ٧ / ٢٣٨ الحديث ٩٢١٢ ، ٢٤١ الحديث ٩٢٢٢ ، ٢٤٢ الحديث ٩٢٢٦ ، ٢٥١ الحديث ٩٢٥١ ، ٢٧٣ الحديث ٩٣٢٠ ، ٨ / ٢٢٨ الحديث ١٠٤٩٦.

(٧) محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٤٧) : ٣٣.

(٨) النهاية للشيخ الطوسي : ٦٥ ، السرائر : ١ / ٢٠٩.

١٤

وصحيحة جعفر بن بشير عن نعمان الرازي أنّه سمع الصادق عليه‌السلام وقد سأله أبو عبيدة عن رجل نسي أن يؤذّن ويقيم حتّى دخل في الصلاة؟ قال : «إن كان دخل المسجد ومن نيّته أن يؤذّن ويقيم فليمض في صلاته ولا ينصرف» (١).

ولا يخفى أنّ النسيان فرع إرادتهما غالبا ، فتأمّل جدّا!

إلّا أن يقال : هذا الاحتياط معارض لما مرّ من أنّ الاحتياط عدم ترك الإقامة ، مع ما ورد في فضل الأذان والإقامة (٢) ، بل وجود القائل بوجوبهما في الجملة ، سيّما الإقامة (٣) فتأمّل جدّا!

وممّا ذكر ظهر عدم جواز العمل بما روي في الضعيف عن زكريّا بن آدم أنّه قال للرضا عليه‌السلام : جعلت فداك ، كنت في صلاتي فذكرت في الركعة الثانية ـ وأنا في القراءة ـ أنّي لم اقم [فكيف أصنع]؟ قال : «اسكت موضع قراءتك وقل : قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة ، ثمّ امض في قراءتك وصلاتك وقد تمّت صلاتك» (٤).

مضافا إلى أنّ «قد قامت الصلاة» ليست بقراءة ولا ذكر ولا دعاء.

مع أنّ الثابت من الصحيح المعمول به أنّ بعد الدخول في الركوع مأمور بإتمام الصلاة (٥) من دون تدارك ، ومن الصحاح الاخر أنّ بعد دخوله في القراءة يكون الأمر كذلك ، ومن المعتبر أيضا ما عرفت ووجّهت بأنّ المراد : اسكت بلسانك ،

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٧٩ الحديث ١١٠٧ ، الاستبصار : ١ / ٣٠٣ الحديث ١١٢٢ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٤٣٦ الحديث ٧٠٢٠ مع اختلاف يسير.

(٢) لاحظ! وسائل الشيعة : ٥ / ٣٦٧ الباب ١ من أبواب الاذان والإقامة.

(٣) المقنعة : ٩٧ ، المبسوط : ١ / ٩٥ ، الوسيلة إلى نيل الفضيلة : ٩١.

(٤) تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٧٨ الحديث ١١٠٤ ، الاستبصار : ١ / ٣٠٤ الحديث ١١٢٨ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٤٣٥ الحديث ٧٠١٨.

(٥) لا حظ! وسائل الشيعة : ٦ / ٨٨ الباب ٢٨ من أبواب القراءة في الصلاة.

١٥

وقل يعني في نفسك ، بل هو أقرب إلى لفظ «اسكت» ، كما هو المناسب لحال الصلاة.

ثمّ اعلم ، أنّ ما ذكر إنّما هو في حال الانفراد لا الجماعة ، لكون ذلك هو الظاهر المتبادر من الأخبار والأقوال ، بل صرّح في «المبسوط» بذلك (١).

ويظهر من «المختلف» إمضاؤه له (٢) ، مع أنّه لا يتأتّى ما ذكر في صورة الجماعة غالبا لو لم نقل كلّها ، بل وكلّيا أيضا ، كما لا يخفى على المتدبّر.

فما في «المدارك» من [أنّ] إطلاق النص وكلام الأصحاب يقتضي عدم الفرق في المصلّي بين الجامع والمنفرد (٣) ، فيه ما فيه.

واعلم أيضا! إنّ ما ذكر إنّما هو في حال تركهما معا أمّا لو ترك الإقامة فقط ، فلم يظهر من المشهور قول ولا دليل.

نعم ، ظهر من القديمين ، والمحقّق والشهيد في «الدروس» ، الإعادة لها أيضا على ما عرفت (٤) ، لكن لم نجد دليلا سوى صحيحة ابن يقطين ، والحسين بن أبي العلاء (٥) السابقتين ، وقد عرفت شذوذهما ، سيّما الأولى لادّعاء العلّامة الإجماع على عدم الإعادة بعد الدخول في الركوع (٦).

مع أنّ صحيحة الحسين أو حسنته ، لم يظهر منها الإعادة ، إلّا أن يقال : قوله أخيرا : «فليتمّ على صلاته» ظاهر في كون المراد من قوله : فيصلّي ، أنّه يعيد

__________________

(١) المبسوط : ١ / ٩٥.

(٢) مختلف الشيعة : ٢ / ١٢٧.

(٣) مدارك الأحكام : ٣ / ٢٧٦.

(٤) نقل عن القديمين في مختلف الشيعة : ٢ / ١٢٧ ، المعتبر : ٢ / ١٣٠ ، الدروس الشرعيّة : ١ / ١٦٥.

(٥) وسائل الشيعة : ٥ / ٤٣٣ الحديث ٧٠١٢ ، ٤٣٥ الحديث ٧٠١٧ ، راجع الصفحة : ١٣ و١٤ من هذا الكتاب.

(٦) مختلف الشيعة : ٢ / ١٢٨.

١٦

الصلاة.

وكيف كان ، كيف يمكن التهجّم على إبطال العمل الحرام بهذين الخبرين الشاذّين؟!!

وأمّا الرواية الضعيفة ، وإن كانت في نسيان الإقامة خاصة ، إلّا أنّك عرفت الحال فيها ، وأشكل من ذلك نسيان الأذان فقط ، لعدم ورود خبر شاذّ فيه ، فضلا عن غيره.

مع أنّ فخر المحقّقين ادّعى الإجماع على عدم الإعادة حينئذ (١) ، وإن كان المنقول عن ابن أبي عقيل (٢) والمحقّق الإعادة في نسيانه أيضا (٣).

وعن الشهيد الثاني جواز الإعادة ، لاستدراك الأذان وحده دون الإقامة وحدها (٤).

__________________

(١) إيضاح الفوائد : ١ / ٩٧.

(٢) نقل عنه العلّامة في مختلف الشيعة : ٢ / ١٢٧.

(٣) المعتبر : ٢ / ١٢٩ ، شرائع الإسلام : ١ / ٧٥.

(٤) مسالك الأفهام : ١ / ١٨٥.

١٧
١٨

١٣٨ ـ مفتاح

[ما يشترط في المؤذّن]

يشترط في المؤذّن الذي يتّخذ لبلد أو مسجد ويعتدّ بأذانه في الصلاة أن يكون عاقلا مسلما إجماعا ، بل مؤمنا ، للموثق (١).

ويستحبّ أن يكون عدلا ، لظواهر الأخبار (٢) ولتقليد ذوي الأعذار. وقيل باشتراط العدالة (٣).

صيّتا ليعمّ النفع ويتمّ الغرض ، حسن الصوت ليقبل القلوب ، قائما على مرتفع تأكيدا للغرض ، وللخبر (٤) ، بصيرا بالأوقات ليأمن الغلط.

ويصحّ من الصبي المميّز بالنصّ (٥) والإجماع ، وكذا المرأة إذا أذّنت لنفسها أو نسائها ، أمّا في اعتداد الأجنبي بأذانها فإشكال.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٥ / ٤٣١ الحديث ٧٠٠٨.

(٢) وسائل الشيعة : ٥ / ٣٧٨ ـ ٣٨٠ الباب ٣ من أبواب الأذان والاقامة.

(٣) لا حظ! جامع المقاصد : ٢ / ١٧٦.

(٤) وسائل الشيعة : ٥ / ٤١١ الحديث ٦٩٥٧.

(٥) وسائل الشيعة : ٥ / ٤٤٠ الباب ٣٢ من أبواب الأذان والإقامة.

١٩

ويكره أخذ الأجرة على الأذان ، وفاقا للسيّد (١) ، للظواهر (٢) ، والأكثر على تحريمه (٣) ، ويدفعه ضعف السند ، وينعقد لو أخذ وإن قيل بالتحريم ، لأنّه عبادة وشعار ، فإن فات أحدهما لم يفت الآخر.

__________________

(١) نقل عنه في المعتبر : ٢ / ١٣٤ ، ذكرى الشيعة : ٣ / ٢٢٣.

(٢) أنظر! وسائل الشيعة : ٥ / ٤٤٧ الباب ٣٨ من أبواب الأذان والإقامة.

(٣) الخلاف : ١ / ٢٩٠ المسألة ٣٦ ، السرائر : ١ / ٢١٥ ، مختلف الشيعة : ٢ / ١٣٤.

٢٠