مصابيح الظلام - ج ١٠

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

مصابيح الظلام - ج ١٠

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الطبعة: ١
ISBN: 964-94603-0-6
ISBN الدورة:
964-94422-0-0

الصفحات: ٦٤٨

٢٢٨ ـ مفتاح

[نصاب الغنم]

لا شي‌ء فيما دون أربعين من الغنم ، وفيها شاة ، إلى مائة وإحدى وعشرين فشاتان ، إلى مائتين وواحدة فثلاث بالإجماع والمعتبرة (١) ، إلى ثلاثمائة وواحدة ففي كلّ مائة شاة للصحيح (٢) ، وقيل : فأربع (٣) ، إلى أربعمائة فصاعدا ، ففي كلّ مائة شاة للحسن (٤) ، وهو الأشهر وعليه الأكثر ولعلّه لموافقة الأوّل للجمهور ، وفي هذا المقام سؤال وله جواب مشهوران (٥).

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٩ / ١١٦ الحديث ١١٦٤٩.

(٢) وسائل الشيعة : ٩ / ١١٦ الحديث ١١٦٥٠.

(٣) الخلاف : ٢ / ٢١ المسألة ١٧ ، الكافي في الفقه : ١٦٧ ، المهذّب : ١ / ١٦٤.

(٤) وسائل الشيعة : ٩ / ١١٦ الحديث ١١٦٤٩.

(٥) ملخّص السؤال : أنّه إذا وجب في أربعمائة ما وجب في ثلاثمائة وواحدة فأيّ مدخل للزائد؟

والجواب : أنّه إذا تلف من الأربعمائة واحدة بعد الحول بلا تفريط ، نقص من الواجب جزء من مائة جزء من شاة ، ولو كانت ناقصة عن الأربعمائة ولو واحدة وتلف شي‌ء لم يسقط من الفريضة شي‌ء ما دامت ثلاثمائة وواحدة ، وربّما يناقش في عدم سقوط شي‌ء من الفريضة في صورة النقص عن الأربعمائة ، لأنّ مقتضى الإشاعة توزيع التالف على الحقّين وإن كان الزائد على النصاب عفوا ، إذ لا منافاة بينهما ، فافهم! «منه رحمه‌الله».

٢٤١

وهل يعدّ السمينة المعدّة للأكل وفحل الضراب من النصاب؟ الأكثر : نعم خلافا للنافع و «اللمعة» (١) ، للصحيح : «ليس في الأكيلة ولا في الربى التي تربى اثنين ولا شاة لبن ولا فحل الغنم صدقة» (٢).

اجيب : بأنّه غير صريح ، لاحتمال كون المراد عدم أخذها في الصدقة للإضرار بالمالك على أنّهم اتّفقوا على عدّ شاة اللبن والربي (٣) ، وفيه تردّد ، لأنّ هذا المعنى خلاف الظاهر.

__________________

(١) المختصر النافع : ٥٦ ، اللمعة الدمشقيّة : ٤٢.

(٢) وسائل الشيعة : ٩ / ١٢٤ الحديث ١١٦٦٩.

(٣) مدارك الأحكام : ٥ / ١٠٦.

٢٤٢

قوله : (وفيها شاة).

هذا هو المشهور ، بل المجمع عليه بين الشيعة ، بل جميع المسلمين ، كما نقله الفاضلان (١) ، وهو الظاهر من غيرهما أيضا ، وإن قال في «الفقيه» : ليس على الغنم شي‌ء حتّى تبلغ أربعين ، فإذا بلغت أربعين وزادت واحدة ففيها شاة (٢).

ومستنده «الفقه الرضوي» (٣) ولعلّ ما فيه سهو القلم لما عرفت وستعرف ، مضافا إلى ما رواه في «العوالي» عنه عليه‌السلام أنّه قال : «في كلّ أربعين شاة شاة» (٤).

قوله : (بالإجماع والمعتبرة).

أقول : الإجماع نقله جماعة (٥) ، بل قال في «المعتبر» إنّه لا خلاف فيه بين العلماء إلّا ما حكي عن شاذّ من العامّة ، وحكم بضعف الحكاية (٦). وكذلك فعل في «المنتهى» و «التذكرة» (٧).

والمعتبرة هي صحيحة محمّد بن قيس عن الصادق عليه‌السلام قال : «ليس فيما دون الأربعين من الغنم شي‌ء ، فإذا بلغت أربعين ففيها شاة إلى عشرين ومائة ، فإذا زادت واحدة ففيها شاتان إلى المائتين ، فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث [من الغنم] إلى ثلاث مائة ، فإن كثرت الغنم ففي كلّ مائة شاة» (٨) الحديث.

__________________

(١) المعتبر : ٢ / ٥٠٣ ، تذكرة الفقهاء : ٥ / ٨١.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ٢ / ١٤ ذيل الحديث ٣٦.

(٣) الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ١٩٦.

(٤) عوالي اللآلي : ١ / ٣٩٩ الحديث ٤٩.

(٥) نهاية الإحكام : ٢ / ٣٢٨ ، مدارك الأحكام : ٥ / ٥٩.

(٦) المعتبر : ٢ / ٥٠٣.

(٧) منتهى المطلب : ١ / ٤٨٩ ط. ق ، تذكرة الفقهاء : ٥ / ٨١.

(٨) تهذيب الأحكام : ٤ / ٢٥ الحديث ٥٩ ، وسائل الشيعة : ٩ / ١١٦ الحديث ١١٦٥٠ مع اختلاف يسير.

٢٤٣

وكصحيحة الفضلاء وزرارة ومحمّد بن مسلم وأبي بصير وبريد العجلي والفضيل عن الباقر والصادق عليهما‌السلام قال : «في كلّ أربعين شاة شاة وليس فيما دون الأربعين شي‌ء ، ثمّ ليس فيها شي‌ء حتّى تبلغ عشرين ومائة فإذا بلغت عشرين ومائة ففيها مثل ذلك شاة واحدة ، فإذا زادت على مائة وعشرين ففيها شاتان ، وليس فيها أكثر من شاتين حتّى تبلغ مائتين ، فإذا بلغت المائتين مثل ذلك.

فإذا زادت على المائتين شاة واحدة ففيها ثلاث شياه ، ثمّ ليس فيها [شي‌ء] أكثر من ذلك حتّى تبلغ ثلاث مائة ، فإذا بلغت ثلاث مائة ففيها مثل ذلك ثلاث شياه ، فإذا زادت واحدة ففيها أربع شياه حتّى تبلغ أربع مائة.

فإن تمّت أربع مائة كان على كلّ مائة شاة ، وسقط الأمر الأوّل ، وليس على ما دون المائة بعد ذلك شي‌ء ، وليس في النيّف شي‌ء» (١) الحديث.

وما رواه الصدوق في «الخصال» في أواخره ، في باب شرائع الدين ، بسنده عن الأعمش ، عن الصادق عليه‌السلام قال : «هذه شرائع الدين لمن أراد أن يتمسّك بها». إلى أن قال عليه‌السلام : «ويجب على الغنم الزكاة إذا بلغت أربعين». إلى أن قال عليه‌السلام : «إلى مائتين ، فإن زادت واحدة ففيها ثلاث شياه» (٢) الحديث.

هذا ؛ لكن المصنّف لعلّه لا يؤيّد هذه الرواية من جملة المعتبرة التي ذكرها ، لأنّ عادته عدم العمل بها أصلا ، إذا لم نجد منه العمل بها في المقام ، مع أنّ مضمونها أحكام كثيرة غاية الكثرة ، ونحن أشرنا إلى بعضها في مقامات.

ولعلّ حديثه الثالث المتمّم للمعتبرة ما توهّم من عبارة الصدوق في «الفقيه» ، بعد ما ذكر زكاة البقر وأقسامها ، وغير واحد من أحكامها.

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٥٣٤ الحديث ١ ، تهذيب الأحكام : ٤ / ٢٥ الحديث ٥٨ ، وسائل الشيعة : ٩ / ١١٦ الحديث ١١٦٤٩.

(٢) الخصال : ٢ / ٦٠٥ وسائل الشيعة : ٩ / ٦٤ الحديث ١١٥٣٢.

٢٤٤

وروى حريز ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : قلت : في الجواميس شي‌ء؟ قال : «مثل ما في البقر» (١).

ثمّ شرع في ذكر زكاة الغنم وقال : وليس على الغنم شي‌ء حتّى تبلغ أربعين شاتا ، فإذا بلغت أربعين شاة وزادت واحدة ففيها شاة إلى عشرين ومائة ، فإن زادت واحدة ففيها شاتان إلى مائتين فإن زادت واحدة ففيها ثلاث شياه إلى ثلاث مائة ، فإذا كثر الغنم أسقط هذا كلّه ، وأخرج من كلّ مائة شاة. ويقصد المصدّق الموضع الذي فيه الغنم ، فينادي : يا معشر المسلمين!. إلى أن قال : وروى عبد الرحمن بن الحجّاج (٢). إلى آخره.

وغير خفي على المتأمّل أنّ ما ذكر في زكاة الغنم ليس تتمّة رواية زرارة ، بل هو فتواه ، وأنّه أخذ ذلك من صحيحة محمّد بن قيس ، أو رواية الأعمش المذكورتين.

قوله : (ففي كلّ مائة). إلى آخره.

قال في «الذخيرة» : اختلف الأصحاب في هذه المسألة ، فذهب ابن بابويه (٣) ، وابن أبي عقيل (٤) ، والسيّد المرتضى ، وسلّار ، وابن حمزة ، وابن إدريس (٥) إلى أنّه إذا بلغت الشياه ثلاث مائة وواحدة ففي كلّ مائة شاة ففيها ثلاث شياه ، ولا تتغيّر الفريضة من مائتين وواحدة حتّى تبلغ أربع مائة.

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : ٢ / ١٤ الحديث ٣٦ ، وسائل الشيعة : ٩ / ١١٥ الحديث ١١٦٤٨.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ٢ / ١٤ ذيل الحديث ٣٦.

(٣) المقنع : ١٦٠.

(٤) نقل عنه في مختلف الشيعة : ٣ / ١٧٩.

(٥) رسائل الشريف المرتضى : ٣ / ٧٧ ، المراسم : ١٣١ ، الوسيلة إلى نيل الفضيلة : ١٢٦.

٢٤٥

وأسنده ابن إدريس ، والمحقّق ، والعلّامة في «المنتهى» و «التذكرة» إلى المفيد (١).

وتعجّب في «المختلف» عن إسناد ابن إدريس هذا القول إلى المفيد ، ونسب إليه القول الآخر (٢).

واختاره العلّامة في «المنتهى» (٣) ، ونسبه في «التذكرة» إلى الفقهاء الأربعة (٤) ، وفي «المعتبر» إلى ثلاثة منهم (٥).

وذهب الشيخ ، وابن الجنيد ، وأبو الصلاح ، وابن البرّاج ، إلى أنّه يجب فيها أربع شياه حتّى تبلغ أربع مائة ، فيأخذ من كلّ مائة شاة ، فلا يتغيّر الفرض حتّى يبلغ خمس مائة (٦).

واختاره في «المختلف» (٧) ، ونسبه في «المعتبر» إلى الشهرة (٨) ، ونقل الشيخ في «الخلاف» إجماع الفرقة [عليه] (٩).

وهاهنا قول ثالث ؛ قاله ابن زهرة في «الغنية» ، وهو أنّ في ثلاث مائة

__________________

(١) السرائر : ١ / ٤٣٦ ، المعتبر : ٢ / ٥٠٣ ، منتهى المطلب : ١ / ٤٨٩ ط. ق ، تذكرة الفقهاء : ٥ / ٨٢ ، لاحظ! المقنعة : ٢٣٨.

(٢) مختلف الشيعة : ٣ / ١٨٠.

(٣) منتهى المطلب : ١ / ٤٨٩ ط. ق.

(٤) تذكرة الفقهاء : ٥ / ٨٢ مع اختلاف يسير.

(٥) المعتبر : ٣ / ٥٠٢ ، لاحظ! الحدائق الناضرة : ١٢ / ٥٩.

(٦) الخلاف : ٢ / ٢١ المسألة ١٧ ، نقل عن ابن الجنيد في مختلف الشيعة : ٣ / ١٧٩ ، الكافي في الفقه : ١٦٧ ، المهذب : ١ / ١٦٤.

(٧) مختلف الشيعة : ٣ / ١٧٩.

(٨) لم نعثر عليه في المعتبر ، لاحظ! الحدائق الناضرة : ١٢ / ٥٨.

(٩) الخلاف : ٢ / ٢١ المسألة ١٧.

٢٤٦

وواحدة أربع شياه ، فإذا زادت على ذلك سقط هذا الاعتبار ، وأخرج من كلّ مائة شاة ، ونقل عليه الإجماع الفرقة (١).

ثمّ قال : احتجّ الأوّلون بصحيحة محمّد بن قيس ، أي التي ذكرناها آنفا (٢).

ونقل عن «المنتهى» ؛ كونها صحيحة (٣) ، وعن «المختلف» ؛ عدمها ، باشتراك محمّد بن قيس (٤).

وعن الشهيد الثاني بأنّ الذي يروي عن الصادق عليه‌السلام غير مشترك ، وإنّما المشترك من روى عن الباقر عليه‌السلام ، نعم ؛ يحتمل كونه ممدوحا وثقة (٥).

ثمّ اعترض بأنّ من يروي عن الصادق عليه‌السلام أيضا مشترك ، لكن المستفاد من النجاشي أنّ هذا هو الثّقة ، بقرينة رواية عبد الرحمن بن أبي نجران (٦) ، عن عاصم بن حميد عنه (٧).

ثمّ قال : واستدلّ في «المنتهى» (٨) على هذا القول أيضا بما رواه الصدوق عن زرارة في الصحيح عن الباقر عليه‌السلام قال : فإن زادت واحدة ففيها ثلاث شياه إلى ثلاث مائة ، فإذا كثر الغنم سقط هذا كلّه ، وأخرج من كلّ مائة شاة (٩).

ثمّ اعترض بأنّ الظاهر أنّه ليس من جملة رواية زرارة ، كما يظهر من التأمّل

__________________

(١) غنية النزوع : ١٢٣.

(٢) راجع! الصفحة : ٢٤٣ من هذا الكتاب.

(٣) منتهى المطلب : ١ / ٤٨٩ ط. ق.

(٤) مختلف الشيعة : ٣ / ١٨٠.

(٥) نقل عنه في مدارك الأحكام : ٥ / ٦١ و ٦٢.

(٦) في النسخ : عبد الرحمن بن الحجاج ، وما أثبتناه من المصدر.

(٧) رجال النجاشي : ٣٢٣ الرقم ٨٨٠.

(٨) منتهى المطلب : ١ / ٤٨٩ ط. ق.

(٩) من لا يحضره الفقيه : ٢ / ١٤ الحديث ٣٦.

٢٤٧

في سابقه ولا حقه ، ولذا لم ينقلها في غير «المنتهى» ، ولا غيره من الأصحاب فيما أعلم ، إلّا بعض المتأخّرين (١) حيث وافق «المنتهى» في ذلك (٢).

أقول : ولعلّ المصنّف أيضا أراد من الصحيح ما ذكرناه من العلّامة رحمه‌الله في صحّة رواية ابن قيس ، من جهة ما ذكر في «المختلف» ، وما أجاب عنه الشهيد الثاني ، وغير ذلك ، فتأمّل!

ويمكن الاستدلال أيضا برواية الأعمش المذكورة (٣).

احتجّ الآخرون برواية الفضلاء الخمسة (٤) التي ذكرناها ، ويمكن الجواب بأنّها معارضة بما هو أصح سندا ، وأكثر عددا. مع ما عرفت ممّا فيها من موافقة العامّة من وجوه متعدّدة ، ومخالفة للأصل أيضا.

مضافا إلى أنّها مخالفة للأصحاب من الوجوه المذكورة ، ومن جهة النصاب الثاني أيضا على ما نقله في «المنتهى» ، موافقا لبعض نسخ «التهذيب» حيث قال فيه : إذا بلغت عشرين ومائة ففيها شاتان ، وإن كان في «الكافي» و «الاستبصار» وبعض نسخ «التهذيب» كما ذكرنا (٥) ، إلّا أن يقال : بأنّ الصحيحة موافقة للمذاهب الأربعة من العامّة أو أكثرها ، ومعارضها رواها الفضلاء الخمسة ، وتكون أشهر عند الشيعة ، بملاحظة دعوى الإجماع في «الخلاف» (٦) ، وإن كان الظاهر ممّا ذكرنا خلافه.

__________________

(١) مفاتيح الشرائع : ١ / ١٩٩ المفتاح ٢٢٨ ، لاحظ! مفتاح الكرامة : ٣ / ٦٦ ط. ق.

(٢) ذخيرة المعاد : ٤٣٥.

(٣) لاحظ! وسائل الشيعة : ٩ / ٦٤ الحديث ١١٥٣٢.

(٤) وسائل الشيعة : ٩ / ١١٦ الحديث ١١٦٤٩.

(٥) الكافي : ٣ / ٥٣٤ الحديث ١ ، تهذيب الأحكام : ٤ / ٢٥ الحديث ٥٨ ، الاستبصار : ٢ / ٢٢ الحديث ٦١ ، وسائل الشيعة : ٩ / ١١٦ الحديث ١١٦٤٩.

(٦) الخلاف : ٢ / ٢١ المسألة ١٧.

٢٤٨

وكذا من ملاحظة رواية الأعمش ، كون الصحيحة مخالفة للعامّة في زمان الصدور.

ويعضده كلّ واحد واحد من الوجوه التي ذكرناها في رواية الفضلاء ، وعرفتها أنّها موافقة للعامّة بلا شكّ ولا ريبة.

نعم ؛ يمكن ترجيحها على الصحيحة من جهة الدلالة ، لكونها صريحة فيها ، وظاهرة في الصحيحة.

والظاهر لا يعارض الصحيح الصريح ، بل منع بعض الأفاضل (١) الظهور أيضا ، فحكم بعدم التعارض ، معلّلا بخلوّ الصحيحة عن تعرّض ذكر زيادة الواحدة على ثلاث مائة. فإنّ قوله : فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث من الغنم إلى ثلاث مائة ، يقتضي كون بلوغ ثلاث مائة غاية لفرض الثلاثة ، داخلة في المغيّى ، كما هو الشأن في أكثر الغايات الواقعة فيه ، وفي غيره من الغايات المتضمّنة لبيان نصب الإبل والغنم.

والكلام الذي بعده يقتضي إناطة الحكم بثبوت وصف الكثرة ، وفرض زيادة الواحدة ليس من الكثرة في شي‌ء ، فلا يتناوله الحكم حتّى يقع التعارض.

بل يكون خبر الفضلاء مشتملا على بيان حكم لم يتعرّض له في الصحيحة ، لحكمة ولعلّه للتقيّة (٢) انتهى.

أقول : ويؤيّده أنّ المعصوم عليه‌السلام جعل الغاية نفس ثلاث مائة لا بلوغها ، ولا أوّلها وأمثالهما من العبارة ، لأنّ الأصل عدم التقدير ، مضافا إلى سياق العبارة.

فإنّ عشرين ومائة في النصاب الثاني ، والمائتين في النصاب الثالث ، لا شكّ

__________________

(١) منتهى الجمان : ٢ / ٣٧٨.

(٢) ذخيرة المعاد : ٤٣٤ و ٤٣٥.

٢٤٩

في كون مجموع عدد كلّ واحد منهما من حيث المجموع غاية داخلة في المغيّى ، لا ابتداء عددهما وبلوغه بالبديهة.

فيصير معنى قوله عليه‌السلام : «إلى عشرين ومائة» إلى منتهى عدد عشرين ومائة ، لأنّ «إلى» للانتهاء بلا شبهة ، وكذا الكلام في المائتين بلا شبهة. فيلزم أن يكون قوله عليه‌السلام : «إلى ثلاث مائة» أيضا كذلك بلا تأمّل.

فإذا انتهى عدد ثلاث مائة وانقضى ، لا جرم يكون الزائد عنه داخلا في الأربعمائة.

لكن لم يقل المعصوم عليه‌السلام ، فإن زادت واحدة ففي كلّ مائة شاة ، كما كان دأبه القول كذلك في النصب الاخر ، وفي جميع النصب في غير هذه الصحيحة ، بل عدل عنه إلى قوله عليه‌السلام : «فإذا كثرت الغنم». إلى آخره ، وليس العدول إلّا لجهة جزما ، ومع ذلك عبّر بلفظ كثرت.

ومعلوم ؛ أنّ الزائد عن الثلاثة كثير ، بل الثلاثة أيضا ، وجميع المراتب بالنسبة إليه على حدّ سواء.

وكون انقضاء ثلاث مائة قرينة معيّنة لإرادة زيادة واحدة بعدها ، من لفظ «كثرت» ، لعلّه يمنعه العدول إلى عبارة «كثرت» المتوغّلة في الإبهام من دون نكتة أصلا ، لأنّ الثلاث مائة وأنقص منها كثيرة أيضا كثرة كاملة بالغة من دون تفاوت بينها ، وبين ما إذا زادت واحدة فقط ، حتّى يعبّر المعصوم عنها بعبارة «إذا كثرت» ، مع عدم تعبيره أصلا ، فيما نقص عن زيادة خصوص الواحدة في هذه المرتبة بلفظ (الكثرة) أصلا.

وغير خفي عن الذوق السليم أنّ الوجه في مثل ذلك التقيّة ، كما هو دأبهم عليهم‌السلام المعلوم في مواضع كثيرة ، منها في بعض أخبار الإبل ، فإنّه عليه‌السلام قد عبّر بمثل هذه في موضع الاختلاف بيننا وبينهم.

٢٥٠

لكن يخدشه أنّ المعصوم عليه‌السلام في رواية الفضلاء صدر منه التقيّة في مواضع كثيرة منها ، بحيث لا يخفى على المطّلع.

فكيف نصّ وصرّح عليه‌السلام بما يخالف التقيّة ، من دون تزلزل ولا تورية أصلا؟ وصدر منه في الصحيحة هذا الاضطراب والتورية ، مع ما عرفت من موافقة رواية الأعمش وغير ذلك.

وبالجملة ؛ الاحتياط في العمل برواية الفضلاء ، بل لعلّه يشكل العمل بالصحيحة ، لوجوب تحصيل اليقين بالبراءة في العبادة التوقيفيّة ، سيّما بملاحظة ما ذكرناه من الصراحة ، وضعف الدلالة في المعارض ، فتأمّل جدّا!

قوله : (وفي هذا المقام). إلى آخره.

السؤال هو أنّه إذا كان تجب في أربع مائة ما يجب في الثلاثمائة وواحدة ، فأيّ فائدة في جعلهما نصابين وينسحب مثله في المائتين وواحدة ، والثلاث مائة وواحدة على القول الآخر؟

والجواب : أنّ الفائدة تظهر في الوجوب والضمان.

أمّا الأوّل : فلأنّ محل الوجوب في الأربع مائة مجموعها ، وفي الثلاث مائة وواحدة إلى الأربع مائة ، الثلاث مائة وواحدة وما زاد عنه عفو.

فهذا هو الفائدة في جعلهما نصابين ، وكذا الكلام في نظيره على القول الآخر.

وأمّا الضمان ؛ فلأنّه لو تلفت واحدة من أربع مائة بعد الحول من غير تفريط ، سقط من الفريضة جزء من مائة جزء من شاة.

ولو كانت ناقصة عنها لم يسقط من الفريضة شي‌ء ما دامت الثلاث مائة وواحدة باقية ، لأنّ الزائد عنها ليس محلّا للفريضة ، بل هو عفو.

ولو تلفت شاة من الثلاث مائة وواحدة ، سقط من الفريضة جزء من خمسة وسبعين جزء ، أو ربع جزء من شاة.

٢٥١

وفي «الذخيرة» بعد ما ذكر هذا السؤال والجواب من المحقّق في درسه ، قال : هذا محصّل ما ذكروه ، ولكن في عدمه سقوط شي‌ء من الفريضة في صورة النقص عن الأربع مائة نظر ، لأنّ الزكاة تتعلّق بالعين ، فتكون الفريضة حقّا شائعا في المجموع.

ومقتضى الإشاعة توزيع التالف على المجموع ، وإن كان الزائد عن النصاب يكون عفوا ، ولا منافاة بين الأمرين في عدم سقوط شي‌ء في الصورة المذكورة ، والسقوط في الأربع مائة بعد ، ومخالفة للاعتبار ، لكن أمثال هذه الامور بمعزل عن التأثير في إثبات الأحكام الشرعيّة.

وذكر بعض الأصحاب في سياق تحرير الفائدة ، أنّه لو تلفت الشاة من الثلاثمائة وواحدة ، سقط من الفريضة جزء من خمسة وسبعين جزء الشاة ، إن لم يجعل الشاة الواحدة جزءا من النصاب ، وإلّا كان الساقط منه جزء [من خمسة وسبعين وربع] ربع جزء.

ثمّ قال : وفيه نظر ، إذ على تقدير عدم كون الواحدة جزءا من الفريضة ، كانت الواحدة مثل الزائد عليها في عدم سقوط شي‌ء من الفريضة عند التلف ، كما ذكر هناك.

مع أنّ احتمال خروجها عن النصاب هاهنا لا وجه له.

ولا يخفى ؛ أنّ الفائدة الاولى لا تتم بدون تفريع الثانية عليها ، فجعلها فائدتين غير مناسب (١) ، انتهى.

قوله : (الأكثر نعم).

أقول : للعمومات والإطلاقات ، مثل قولهم عليهم‌السلام في صحيحة الفضلاء : وكلّ

__________________

(١) ذخيرة المعاد : ٤٣٥ و ٤٣٦.

٢٥٢

ما لم يحلّ عليه من ذلك ـ أي من الشاة ـ عند ربّه حول فلا شي‌ء عليه ، فإذا حال عليه الحول وجب عليه (١).

وقول الصادق عليه‌السلام في صحيحة محمّد بن قيس : «ليس فيما دون الأربعين من الغنم شي‌ء». إلى قوله عليه‌السلام : «فإذا كثرت الغنم ففي كلّ مائة شاة ، ولا تؤخذ هرمة ، ولا ذات عوار إلّا أن يشاء المصدّق ، ولا يفرّق بين مجتمع ولا يجمع بين متفرّق ، ويعدّ صغيرها وكبيرها» (٢) إلى غير ذلك من الأخبار.

منها ؛ الأخبار الواردة في آداب المصدّق ، حيث تضمّنت للأمر بجعل مطلق غنم المالك صدعين وتخيّره بينهما ، إلى أن يبقى القدر الذي يجب إخراجه (٣) ، إذ لو لم يجب عدّ الصنفين ، لكان أولى بذكر ذلك من الآداب والمستحبّات المذكورة ، ثمّ أولى بمراتب شتّى.

وكذا قوله عليه‌السلام : «ويعدّ صغيرها وكبيرها» في غاية الظهور في عدّ الجميع ، وعدم جواز ترك شي‌ء ، سيّما بعد قوله : «ولا تؤخذ». إلى آخره ، فإنّ التعرّض لذكر ما يجب ترك عدّه أولى ممّا ذكر ، ثمّ أولى بمراتب شتّى.

مع أنّ الإطلاقات متواترة ، وكلّ واحد منها يقتضي ظنّا وظهورا في العدّ ، وعدم الفرق بين الأفراد ، فباجتماع الكلّ ، وتراكمه وتلاحقه يتقوّى الظهور ، إلى حدّ ربّما يصير متواترا بالمعنى ، سيّما بملاحظة كمال الظهور في كثير منها كما عرفت ، وموافقة الشهرة الكاملة بين القدماء والمتأخّرين.

والبناء على أنّه لعلّ المقام كان ظاهر الخروج من الكلّ من الخارج ، يقتضي

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٩ / ١١٦ الحديث ١١٦٤٩ مع اختلاف يسير.

(٢) تهذيب الأحكام : ٤ / ٢٥ الحديث ٥٩ ، وسائل الشيعة : ٩ / ١١٦ الحديث ١١٦٥٠ ، ١٢٦ الحديث ١١٦٧٢.

(٣) وسائل الشيعة : ٩ / ١٢٩ الباب ١٤ من أبواب زكاة الأنعام.

٢٥٣

كون أمثال زماننا أظهر خروجا ، ثمّ أظهر بمراتب شتّى ، كونه ممّا يعمّ به البلوى ، ويكثر الحاجة إلى معرفته.

فكلّما ازداد الأزمنة والدهور ، ازداد الاشتهار والانتشار والظهور ، بمقتضى العادة بلا شبهة ، فكيف صار الأمر بالعكس؟ ، مع أنّ المخالف النادر لم يظهر له مستند أصلا كما ستعرف.

قوله : (للصحيح).

هو صحيح عبد الرحمن بن الحجاج عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال : «ليس» (١). إلى آخر ما ذكره المصنّف.

فظهر أنّه لا يصح أن يكون مستندهما ، لاتّفاقهما على عدّ شاة اللبن والربي.

ولا يصح أن يقال خروج بعض حديث عن الحجّية بحسب ظاهره ، لا يمنع عن حجيّة ظاهره بالنسبة إلى ما لم يخرج ، لأنّ عبارة «ليس فيه» في هذا الحديث شخص واحد ، فإن كان ظاهرها حجّة ، فكيف لا يكون حجّة؟ وإن لم يكن حجّة ، فكيف يكون حجّة؟

والبناء على كون هذا الشخص المخصوص حجّة بعنوان الحقيقة ، وإرادة الحقيقي بالنسبة إلى بعض ما ذكر ، وحجّة بعنوان إرادة المعنى المجازي بالنسبة إلى الآخر فاسد أيضا ، لأنّ الشخص كيف يكون المراد منه الحقيقي ، ولا يكون المراد منه الحقيقي ، بل المجازي ، والمراد منه المجازي ، ولا يكون المراد منه المجازي بل الحقيقي ، مع أنّ المجازي ملزوم قرينة معاندة للحقيقي.

والبناء على أنّ المجموع من حيث المجموع من خصوص الحقيقي ، وخصوص

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٩ / ١٢٤ الحديث ١١٦٦٩.

٢٥٤

المجازي معنى مجازي للعبارة يلزمه وجود القرينة المعاندة للمعنى الحقيقي.

فكيف يمكن للمستدلّ أن يستدلّ بأنّ عبارة «ليس فيه» حقيقة في نفي الزكاة عنه ، والبناء على أنّه من قبيل العام المخصّص؟

فلعلّ شاة اللبن والربي خرجا بإجماع أو غيره ، وبقى الباقي ، لأنّ العام المخصّص هو إطلاق لفظ العام ، وإرادة خصوص ما بقي ، كقول جاء القوم إلّا زيدا ، لا التصريح بكون الخارج والباقي مشتركين في الحكم ، كقول جاء زيد وعمرو وخالد إلّا زيدا وعمرا ، فإنّه مناقضة صريحة ، مع أنّ الشرط هو بقاء الأكثر ، وهو هنا أيضا منتف ، مع أنّ الإجماع وغيره بالنسبة إلى الباقي والخارج واحد ، من دون وجدان تفاوت ، والمخالف شاذّ.

فكيف يتأتّى له أن يقول : خرج ما خرج بالإجماع وبقي الباقي؟

وأمّا غير الإجماع من الأدلّة ، فمن المعلوم عدم التفاوت بالنسبة إليهما أصلا ، على حسب ما اطّلعنا عليه.

مع أنّ تضمّن الخبر ما لم يقل به أحد ، ممّا يضعّف الاستناد إليه في مقام التعارض ، وخلوّ المعارض عنه بلا شبهة ، والمعارض عرفته أنّه الأخبار المتواترة الظاهرة الدلالة غاية الظهور.

وبالجملة ؛ هذا الصحيح لا بدّ من طرحه ، أو تأويله بلا شكّ ولا شبهة ، لأنّ ظاهره خلاف ما عليه جميع فقهائنا ، وخلاف ظاهره ، بحيث ينفع النادر ، قطعي البطلان كما عرفت.

وأين هذا من تقييد المطلقات ، وتخصيص العمومات المتواترة بهذا الصحيح؟!

فإنّ الخاص المقيّد لا بدّ أن يكون بحيث يعارض ، ويقاوم العام والمطلق ، بل

٢٥٥

ويغلب عليه حتّى يقدّم عليه ، إذ مع التساوي لا يتعيّن التخصيص والتقييد كما هو ظاهر ، على أنّه لا أقلّ من التساوي ، وأين الثرى من الثريا؟

وممّا ذكر ظهر فساد ما ذكره المصنّف من قوله : (لأنّ هذا المعنى). إلى آخره ، إذ عرفت وجوب ترك العمل بالظاهر بلا شبهة ، سيّما عند المخالفين ، فتعيّن الحمل المذكور إن لم يطرح رأسا.

وممّا يؤيّد الحمل ؛ بل ويعيّنه بعد ملاحظة ما عرفت ، ما نقل عن ابن الأثير في نهايته : من أنّ في حديث عمر : دع الربى والماخض والأكولة. أمر المصدّق أن يعدّ على ربّ المال هذه الثلاثة ولا يأخذها في الصدقة لأنّها خيار المال (١) ، انتهى.

وفي «الوافي» بعد ذكر ذلك قال : الأكولة التي تسمّن للأكل ، وقيل : هي الخصي والهرمة والعاقر من الغنم.

قال أبو عبيد : والذي يروى في الحديث الأكيلة .. (٢).

وفي «القاموس» (٣) : الأكولة : العاقر من الشاة تعزل للأكل كالأكيلة (٤) ، إلى آخر ما قال.

أقول : ومن هذا ورد في موثّقة سماعة عن الصادق عليه‌السلام قال : «لا تؤخذ الأكولة ـ والأكولة الكبيرة من الشاة في الغنم ـ ولا والدة ، ولا الكبش الفحل» (٥). وغيرهما من الأخبار التي سنذكرها في المسألة الآتية ، بل بملاحظتها ربّما لا يبقى تأمّل ، ويؤيّده عبارة الفقهاء ، كما ستعرف.

__________________

(١) النهاية لابن الأثير : ١ / ٥٨.

(٢) غريب الحديث لأبي عبيد : ١ / ٢٥٧.

(٣) القاموس المحيط : ٣ / ٣٣٩ مع اختلاف يسير.

(٤) الوافي : ١٠ / ٩٧.

(٥) من لا يحضره الفقيه : ٢ / ١٤ الحديث ٣٨ ، وسائل الشيعة : ٩ / ١٢٥ الحديث ١١٦٧٠.

٢٥٦

وممّا يمنع من العمل بظاهر هذا الصحيح ، أنّ المقصود الغالب والأهم من تملّك الغنم هو شاة اللبن.

فلو لم يجب فيها زكاة أصلا ، لكان يشتهر ذلك اشتهار الشمس ، لعموم البلوى ، وكثرة الحاجة.

فإذا انضم إليها الأصناف الثلاثة الاخر ، لكان ما يجب فيه الزكاة أقلّ ممّا لا يجب ، لندرة تحقّق النصاب من خصوص ما سوى الأصناف الأربعة ، مع باقي الشرائط ، وخصوصا بعد ملاحظة ما ورد في الأخبار ، من عدم أخذ الهرمة وأمثالها في الجملة (١).

فلو كان أمر الزكاة في الغنم على ما ذكر ، لما خفي على المخدّرات في الأستار ، فكيف صار الأمر بالعكس فتوى وعملا في الأعصار والأمصار ، وتواتر على خلافه الأخبار؟ فتأمّل جدّا!

وممّا ذكر ظهر ضعف الميل إلى العمل بظاهر هذا الصحيح ، من جهة صحّة سنده ، وعدم اشتراط وجود القائل بالمضمون ، بل وعدم ضرر كونه خلاف فتوى الكل ، كما هو رأي بعض في أمثال زماننا. ولعلّ المصنّف في المقام.

مع أنّه ورد منهم عليهم‌السلام الأمر بالعمل بما اشتهر بين الأصحاب ، وترك العمل بالشاذّ ، وبما خالف سائر أحاديثهم (٢).

وكذلك ورد منهم الأمر بالأخذ ما فيه النور ، وما يوافق العقل ، إلى غير ذلك ممّا حقّق في محلّه.

نعم ؛ الكليني والصدوق رويا الصحيح من غير توجيه ، لكن هذا لا يدلّ

__________________

(١) لاحظ! وسائل الشيعة : ٩ / ١٢٤ الباب ١٠ من أبواب زكاة الأنعام.

(٢) وسائل الشيعة : ٢٧ / ١٠٦ الباب ٩ من أبواب صفات القاضي.

٢٥٧

على عملهما بظاهره ، لأنّ عادتهما نقل الأخبار التي نقطع بعدم عملهما بظواهرها ، مع عدم توجيه منهما أصلا.

ومن ذلك أنّهما رويا الصحيح المذكور ، ورواية سماعة المذكورة أيضا ، ولم يذكرا ما به ، يرفع التعارض بينهما.

مع أنّ الصدوق بعد ما رواه قال بلا فصل : وفي رواية سماعة قال : «لا تؤخذ الأكولة» (١). إلى آخره كما ذكرنا.

فظهر منه أنّه فهم من الصحيح عدم الأخذ ، أو احتمل ذلك فيه ، مع أنّه قال بعد رواية سماعة بلا فصل : وسأله اسحاق بن عمّار عن السخل متى تجب فيه الصدقة؟ قال : «إذا أجذع» (٢). وستعرف أنّ ذلك لأجل الأخذ لا العدّ.

وصرّح بذلك جدّي في شرحه على الفقيه (٣) ، والكليني روى هذه الرواية أيضا بطريق صحيح عنه (٤) ، وممّا يشهد على ذلك أنّه لم ينسب أحد إليهما القول بظاهر الصحيح.

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : ٢ / ١٤ الحديث ٣٨.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ٢ / ١٥ الحديث ٣٩ ، وسائل الشيعة : ٩ / ١٢٣ الحديث ١١٦٦٦.

(٣) روضة المتّقين : ٣ / ٧٠.

(٤) الكافي : ٣ / ٥٣٥ الحديث ٤.

٢٥٨

٢٢٩ ـ مفتاح

[أحكام الشاة المزكّى]

الواجب ما يسمّى شاة ، لإطلاق النصوص (١) ، وقيل : بل يجب جذع من الضأن أو ثنيّ من المعز (٢) للخبر (٣) وهو أحوط. والجذع في اللغة ما بلغ ستّة أشهر ، والثنيّ فيها ما دخلت في الثالثة ، ومن فسّره من متأخّرينا بما دخل في الثانية (٤) فلعلّ مستنده العرف.

ولا تؤخذ مريضة ، ولا هرمة (٥) ولا ذات عوار (٦) بلا خلاف ، وإن انحصر السن الواجب فيها ، إلّا أن يشاء المصدّق (٧) ، كما في النصوص (٨) ، إلّا أن

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٩ / ١١٦ الباب ٦ من أبواب زكاة الأنعام.

(٢) الخلاف : ٢ / ٢٦ المسألة ٢٠ ، المعتبر : ٢ / ٥١٢.

(٣) السنن الكبرى : ٤ / ١٠٠.

(٤) شرائع الإسلام : ١ / ٢٦٠ ، منتهى المطلب : ٢ / ٧٤٠ ط. ق ، لاحظ! مدارك الأحكام : ٥ / ٩٤.

(٥) الهرم محركة : أقصى الكبر ، لاحظ! القاموس المحيط : ٤ / ١٩١.

(٦) العوار : العيب ، لاحظ! القاموس المحيط : ٢ / ١٠٠.

(٧) المصدّق بكسر الدال المشدّدة : العامل للصدقات ، «منه رحمه‌الله».

(٨) لاحظ! وسائل الشيعة : ٩ / ١٢٤ الباب ١٠ من أبواب زكاة الأنعام.

٢٥٩

يكون كلّه كذلك فلم يكلّف شراء الصحيح ، كما يستفاد من بعض الأخبار (١).

ويجزي ابن لبون عن بنت مخاض مع فقدها بلا خلاف للنصوص (٢) ، ومع فقدهما تخيّر في ابتياع أيّهما شاء ، وإن كان شراء بنت المخاض مع الإمكان أولى.

ومن ليس عنده ما وجب عليه دفع الأخفض بسنة من شاتين أو عشرين درهما ، أو أعلى بسنة وأخذ ذلك بالنص (٣) ، والإجماع ، وفي جبرانه فيما تفاوت بأزيد من درجة واحدة قولان ، وكذا فيما فوق الجذع من الأسنان ، لخروجهما عن مورد النصّ ، أمّا ما عدا أسنان الإبل فلا يجزي فيه بلا خلاف.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٩ / ١٢٥ الحديث ١١٦٧١.

(٢) راجع! وسائل الشيعة : ٩ / ١٠٦ الباب ٦ من أبواب زكاة الأنعام.

(٣) وسائل الشيعة ٩ / ١٢٨ الحديث ١١٦٧٧.

٢٦٠