مصابيح الظلام - ج ١٠

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

مصابيح الظلام - ج ١٠

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الطبعة: ١
ISBN: 964-94603-0-6
ISBN الدورة:
964-94422-0-0

الصفحات: ٦٤٨

بقدر ما يحجّ به فلا مانع منه ، أو أنّه لا يشترط عليه أن يحجّ بها ، بل يخيّره في ذلك.

كما ورد في كالصحيحة قال : بعثني عمر بن يزيد إلى أبي جعفر الأحول بدارهم وقال : قل له : إن أراد أن يحجّ بها فليحجّ ، وإن أراد أن ينفقها فلينفقها ، قال : فانفقها ولم يحجّ ، قال حمّاد : فذكر ذلك أصحابنا للصادق عليه‌السلام قال : «وجدتم الشيخ فقيها» (١).

ثمّ اعلم! أنّهم ذكروا أنّ الغازي يعطى من هذا السهم ، لدخول الجهاد على أيّ حال.

واستدلّ عليه بعموم الآية (٢) ، وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا تحلّ الصدقة لغنيّ إلّا لثلاثة» (٣) ، وعدّ منها الغازي ، وبأنّ ما يأخذه من الزكاة كالأجرة على الغزو (٤) ، ويعطى الغازي كفايته على حسب ماله ، وما يحتاج إليه ، ويختلف باختلاف حاله ، بحسب الشرف والضعة والمسافة وغيرها.

والظاهر ؛ عدم اشتراط الحاجة والفقر فيه ، ووجهه واضح كما ظهر لك ، ولعلّه لا نزاع فيه ، كما قال المصنّف.

قوله : (وفي اشتراط). إلى آخره.

قد وضح لك الحال فيه جميعا.

قوله : (وابن السبيل). إلى آخره.

اختلف كلام الأصحاب فيه ، فعن المفيد أنّهم المنقطع بهم في الأسفار ، وقد

__________________

(١) الكافي : ٤ / ٣١٣ الحديث ٣ ، وسائل الشيعة : ١١ / ١٩٥ الحديث ١٤٦٠٨.

(٢) التوبة (٩) : ٦٠.

(٣) كنز العمال : ٦ / ٤٥٤ الحديث ١٦٥٠٣ مع اختلاف يسير.

(٤) لاحظ! تذكرة الفقهاء : ٥ / ٢٨٠ و ٢٨١ ، مدارك الأحكام : ٥ / ٢٣٢.

٤٦١

جاءت رواية : أنّهم الأضياف (١) ، يراد بهم من اضيف لحاجته إلى ذلك ، وإن كان في موضع آخر غنيّ (٢) ، وذلك راجع إلى ما قدّمناه.

وعن ابن زهرة أيضا نحوه (٣) ، وكذا عن الشيخ في «النهاية» (٤) ، لكنّه أسند أمر الضيف إلى قيل ، وكذا عن سلّار (٥).

وعن «المبسوط» أنّه هو المجتاز المنقطع به ، وقد روي : أنّ الضيف داخل فيه (٦)

وعن ابن الجنيد أنّه قال : أمّا سهم ابن السبيل ، فإلى المسافرين في طاعات الله والمريدين لذلك ، وليس في أيديهم ما يكفيهم لسفرهم ورجوعهم إلى منازلهم ، إذا كان قصدهم في سفرهم قضاء فرض أو قياما لسنّة (٧) ، ولم يذكر الأضياف.

وبالجملة ؛ لا تأمّل لغير ابن الجنيد في عدم دخول المنشئ لسفره في بلده ، لأنّ المتبادر من ابن السبيل أن يكون الطريق ملازما له كأنّه ولدته ، والظاهر المتبادر عرفا أيضا ذلك.

وذكر علي بن إبراهيم في تفسيره عن العالم عليه‌السلام : «إنّ ابن السبيل أبناء الطريق الذين يكونون في الأسفار في طاعة الله تعالى فيقطع عليهم ويذهب ما لهم ، فعلى الإمام أن يردّهم إلى أوطانهم من الصدقة» (٨).

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٩ / ٢١٣ الحديث ١١٨٦٤.

(٢) المقنعة : ٢٤١.

(٣) غنيّة النزوع : ١٢٤.

(٤) النهاية للشيخ الطوسي : ١٨٤.

(٥) المراسم : ١٣٣.

(٦) المبسوط : ١ / ٢٥٢.

(٧) نقل عنه في مختلف الشيعة : ٣ / ٢٠٥.

(٨) تفسير القمّي : ١ / ٢٩٩ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٢١١ الحديث ١١٨٦٢ مع اختلاف يسير.

٤٦٢

حجّة ابن الجنيد ومن وافقه من العامّة ـ على ما نقل عنهم ـ : إنّ المنشئ يسمّى ابن السبيل ، لأنّه يريد الطريق ، وأنّه يريد إنشاء سفر في غير معصية ، فجاز أن يعطى من سهم ابن السبيل ، كما لو نوى المسافر إقامة مدّة ينقطع سفره فيها ثمّ أراد الخروج ، فإنّه يدفع إليه من هذا السهم مع أنّه منشئ للسفر (١).

ولا يخفى فساد الدليلين ، لأنّ التسمية على سبيل الحقيقة ممنوعة ، بل وفاسدة ، لتبادر الغير وصحّة السلب ، وما ذكره ثانيا محض القياس الذي يقول به أوّلا ، وإن كان رجع ، مع أنّه قياس مع الفارق.

وأمّا الضيف فظهر الاختلاف في الدخول.

والظاهر ؛ أنّه إن صار في سفره كغيره ، فهو ابن السبيل حقيقة ، وإلّا فالدخول يحتاج إلى ثبوت وجود ما أشاروا إليه من الرواية ، وثبوت حجيّتها أيضا ، والظاهر من كلامهم تحقّقها ، فالكلام في ثبوت الحجيّة وكيفيّة الدلالة.

وقد ظهر من المفيد بعد نقل أنّها جاءت [الى آخره] ما ظهر من إرجاعها إلى المنقطع بهم في الأسفار. وكذلك الحال في ابن زهرة والشيخ.

وقال في «المختلف» : ولم يذكر ابن الجنيد الضيف ، وهو الأقوى عندي ، لأنّ الضيف إذا كان مسافرا محتاجا دخل تحت ابن السبيل ، وإلّا فلا (٢).

أقول : بعد ما اختار ابن الجنيد من تعريف ابن السبيل ، لم يكن فرق بين الضيف وغيره إذا أنشأ السفر ، فلا حاجة إلى ذكره حينئذ ، إذ الضيف الذي لم يسافر أصلا لعلّه عنده في غاية الغرابة في دخوله في ابن السبيل ، لعدم المناسبة حينئذ أصلا ، مع ظهور الدخول في سبيل الله ، لما ورد في الأخبار من إكرام

__________________

(١) نقل عنهم في منتهى المطلب : ١ / ٥٢٢ ط. ق.

(٢) مختلف الشيعة : ٣ / ٢٠٤.

٤٦٣

الضيف (١) ، وحسن السلوك معه غاية الحسن (٢) ، ولذا من أدخله بنى على كونه مسافرا ، واشترط إباحة سفره كغيره فتأمّل!

قوله : (ويشترط). إلى آخره.

الظاهر عدم الخلاف في عدم جواز الدفع إذا كان السفر معصية.

ويدلّ عليه ـ بعد الإجماع ، وكونه إعانة في الإثم ـ رواية علي بن إبراهيم السابقة (٣) ، والإجماع واقع في جواز الدفع إذا كان طاعة ، لكن وقع الخلاف في السفر المباح.

فعن المشهور جواز الإعطاء حينئذ ، وعن ابن الجنيد ما مرّ من اعتبار كونه في طاعة الله (٤) ، ومستند المشهور إطلاق الآية (٥).

وأمّا رواية علي بن إبراهيم ؛ فقد قال في «المختلف» : إنّ الطاعة تصدق على المباح ، لأنّ فاعله معتقد لكونه مباحا ، يكون مطيعا في اعتقاده ، وإيقاع الفعل على وجهه (٦) ، انتهى.

فلعلّه بملاحظة ذلك لا يكون ظهور يخالف ظاهر الآية ، سيّما مع كونه المشهور ، بل غير ابن الجنيد يكتفون على ما يظهر ممّا نقلوا ، مضافا إلى أنّ اعتبار كونه طاعة ، ربّما يوجب الضرر على المؤمنين والحرج والعسر المنفيّات ، سيّما وربّما

__________________

(١) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢٤ / ٣١٨ الباب ٤٠ من أبواب آداب المائدة.

(٢) وسائل الشيعة : ١٢ / ٩ الباب ٢ من أبواب أحكام العشرة.

(٣) وسائل الشيعة : ٩ / ٢١١ الحديث ١١٨٦٢.

(٤) نقل عنه في مختلف الشيعة : ٣ / ٢٠٥.

(٥) التوبة (٩) : ٦٠.

(٦) مختلف الشيعة : ٣ / ٢٠٦.

٤٦٤

لا يمكنه إثبات الرجحان ، وأنّ الزكاة شرّعت لرفع الحاجة والضرورة.

مع أنّ الظاهر أنّ المدار في الأعصار والأمصار كان بين الفقهاء وغيرهم على ذلك عملا وفتوى فتأمّل! وأنّ ابن الجنيد لم يظهر له دليل ، لأنّ في رواية علي بن إبراهيم قصورا ، فكيف يكون حجّة له؟ فتأمّل!

مع أنّه لا يبعد شمول الطاعة في أمثال المقام للمباح بملاحظة ما ذكر ، مع احتمال ورود القيد مورد الغالب ، فلا يكون مفهومه معارضا للآية ، إذ غالب الأسفار للتجارة وكسب المعيشة ، أو مشايعة المؤمن ، أو رفع الحاجة له ، أو لنفسه ، أو الزيارة ، أو الحجّ ، إلى غير ذلك ممّا ورد فيه المدح منهم عليهم‌السلام (١) ، سيّما بعد ملاحظة ما ذكر ، فتأمّل!

مع أنّه لو كان سفره من جهة أنّ الله تعالى أباحه ، وأنّه لو كان يمنع لما سافر جزما ، وبسبب رخصته سافر ، لعلّه يسمّى مطيعا عرفا ، فتأمّل!

قوله : (وفي اعتبار). إلى آخره.

لعلّ الاعتبار أقوى بملاحظة ما ذكرناه مرارا ، ومرّ في اشتراط الفقر في الغارم لنفسه ، مع أنّ الأصل عدم جواز الأخذ ممّن هو غنيّ بالمرّة كما عرفت ، سيّما بملاحظة أنّ الأغنياء في الغالب محتاجون إلى قرض في الجملة ، ولم يثبت الجواز ، لأنّ ما في الآية مطلق ، وكذا الخبر ، وهو ينصرف إلى الأفراد الغالبة ، والغالب عدم التمكّن من الاستدانة بأن يقرضهم مقرض بلا اشتراط نفع ، ويصبر إلى أن يرجع ويوصل دينه ، ويعتمد المقرض عليه في ذلك ، مع كونه غريبا مسافرا لا يعرف بأن يعتمد عليه اعتمادا تامّا ، وما ذكرناه واضح لمن لاحظ عادة الناس في الأمكنة

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١١ / ٣٤٣ الباب ١ ، ٣٤٥ الباب ٢ من أبواب آداب السفر إلى الحجّ.

٤٦٥

والأزمنة.

مع أنّه لعلّ المتبادر من مطلق اللفظ عرفا هو ما ذكرناه ، إذ يتبادر منه العجز ، سيّما بملاحظة أنّ المطلق ينصرف إلى الكامل ، ولعلّ الحال في الخبر أيضا كذلك ، بل ربّما كان أشدّ ، فتأمّل!

وكيف كان ؛ لا شكّ في أنّ الأحوط ذلك ، بل لا يمكن الجرأة على خلافه.

٤٦٦

٢٣٦ ـ مفتاح

[ما يشترط في المستحقّين]

يشترط في غير المؤلّفة الإيمان بالمعنى الخاصّ بإجماعنا والصحاح المستفيضة (١) أمّا العدالة فلا عند المتأخّرين (٢) لإطلاق النصوص (٣) ، إلّا في العاملين للإجماع ، ولتضمّن العمّالة الاستيمان ، كما في الصحيح : «ولا يوكّل به إلّا ناصحا شفيقا أمينا» (٤) ، ولا أمانة لغير العدل.

وتعمّ عند آخرين مطلقا ، وادّعى السيّد عليه الإجماع (٥) ولم يثبت ، واكتفى الإسكافي باجتناب الكبائر (٦) ولا بأس به.

وفي الخبر : سألته عن شارب الخمر يعطى من الزكاة شيئا؟ قال : «لا» (٧).

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٩ / ٢٢١ الباب ٥ من أبواب المستحقّين للزكاة.

(٢) منتهى المطلب : ١ / ٥٢٣ ط. ق ، مدارك الأحكام : ٥ / ٢٤٤ ، ذخيرة المعاد : ٤٥٨.

(٣) وسائل الشيعة : ٩ / ٢٤٩ الباب ١٧ من أبواب المستحقّين للزكاة.

(٤) وسائل الشيعة : ٩ / ١٢٩ و ١٣٠ الحديث ١١٦٧٨.

(٥) الانتصار : ٨٢.

(٦) نقل عنه في مختلف الشيعة : ٣ / ٢٠٧.

(٧) وسائل الشيعة : ٩ / ٢٤٩ الحديث ١١٩٤٧.

٤٦٧

ويعطى أطفال المؤمنين وإن كانوا فسّاقا دون أطفال المخالفين وإن كانوا عدولا ، لظواهر الروايات (١).

ويشترط أن لا يكونوا هاشميين إلّا من مثلهم ، أو مع قصور الخمس ، كما يأتي بيانه.

وأن لا يكونوا واجبي نفقة له كالعمودين والزوجة الدائمة والمملوك بالإجماع والنصوص (٢) ، منها الصحيح : «خمسة لا يعطون من الزكاة شيئا : الأب والأمّ والولد والمملوك والزوجة» (٣). والخبر المنافي لذلك (٤) ضعيف مأوّل.

ويجوز إعطاؤها زوجها وإنفاقه عليها منها ، للأصل وانتفاء المانع ، خلافا للصدوق في الأوّل (٥) ، للإسكافي في الثاني (٦) ، وإعطاء ما زاد على النفقة لهم لعدم وجوبه عليه ، وكذا لمن يصرفه في غير النفقة الواجبة منهم ، كالغازي والغارم والمكاتب ، بلا خلاف للمعتبرة ، منها الحسن : «لم يكن أحد أحقّ بزكاته من دين أبيه» (٧).

وفي جواز أخذها لمن وجبت نفقته على موسر باذل من غيره قولان :

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٩ / ٢٢٦ الباب ٦ من أبواب المستحقّين للزكاة.

(٢) راجع! وسائل الشيعة : ٩ / ٢٤٠ الباب ١٣ من أبواب المستحقّين للزكاة.

(٣) وسائل الشيعة : ٩ / ٢٤٠ الحديث ١١٩٢٨ مع اختلاف يسير.

(٤) وسائل الشيعة : ٩ / ٢٤٣ الحديث ١١٩٣٤.

(٥) المقنع : ١٦٦.

(٦) نقل عنه في مختلف الشيعة : ٣ / ٢١٢.

(٧) وسائل الشيعة : ٩ / ٢٥٠ الحديث ١١٩٤٩.

٤٦٨

أصحّهما الجواز ، للصحيح : عن الرجل يكون أبوه أو عمّه أو أخوه يكفيه مؤنته أيأخذ من الزكاة فيوسع به إذا كانوا لا يوسّعون عليه في كلّ ما يحتاج إليه؟ قال : «لا بأس» (١).

ويحتمل المنع في الزوجة خاصّة ، لأنّ نفقتها كالعوض ، ولو امتنع المنفق عن الإنفاق جاز التناول للجميع قولا واحدا.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٩ / ٢٣٨ الحديث ١١٩٢٢.

٤٦٩
٤٧٠

قوله : (يشترط). إلى آخره.

لا شكّ في كونه إجماعيّا بالإجماع الواقعي ، والأخبار فيه متواترة ، مثل صحيحة بريد العجلي أنّه سأل الصادق عليه‌السلام : عن رجل حجّ وهو لا يعرف هذا الأمر ثمّ منّ الله عليه بمعرفته. إلى أن قال ـ : قال عليه‌السلام : «كلّ عمل عمله [وهو] في حال نصبه وضلالته ثمّ منّ الله عليه وعرّفه الولاية فإنّه يؤجر عليه إلّا الزكاة فإنّه يعيدها ، لأنّه وضعها في غير موضعها لأنّها لأهل الولاية» (١).

وصحيحة الفضلاء زرارة وبكير والفضيل ومحمّد بن مسلم وبريد العجلي عن الباقر والصادق عليهما‌السلام أنّهما قالا : في الرجل يكون في بعض هذه الأهواء الحروريّة. إلى أن قالا : «ليس عليه إعادة شي‌ء من ذلك غير الزكاة لا بدّ أن يؤدّيها ، لأنّه وضعها في غير موضعها وإنّما موضعها أهل الولاية» (٢).

وصحيحة ابن أذينة مثلها (٣) ، وصحيحة إسماعيل بن سعد الأشعري عن الرضا عليه‌السلام وسأله عن الزكاة هل توضع فيمن لا يعرف؟ قال : «[لا] ، ولا زكاة الفطرة» (٤).

وصحيحة علي بن بلال أنّه كتب إليه : هل يجوز أن أدفع زكاة المال والصدقة إلى محتاج غير أصحابي؟ فكتب «لا تعطه إلّا لأصحابك» (٥).

وصحيحة ضريس أنّ المدائني سأل الباقر عليه‌السلام فقال : إنّ لنا زكاة نخرجها من

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٥ / ٩ الحديث ٢٣ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٢١٦ الحديث ١١٨٧٠.

(٢) الكافي : ٣ / ٥٤٥ الحديث ١ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٢١٦ الحديث ١١٨٧١ مع اختلاف يسير.

(٣) الكافي : ٣ / ٥٤٦ الحديث ٥ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٢١٧ الحديث ١١٨٧٢.

(٤) تهذيب الأحكام : ٤ / ٥٢ الحديث ١٣٧ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٢٢١ الحديث ١١٨٨٠.

(٥) تهذيب الأحكام : ٤ / ٥٣ الحديث ١٤٠ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٢٢٢ الحديث ١١٨٨٣ مع اختلاف يسير.

٤٧١

أموالنا ففي من نضعها؟ فقال : «في أهل ولايتك» ، فقال : بلادي ليس فيها أحد من أوليائك؟ فقال : «ابعث بها إلى بلدهم تدفع إليهم ولا تدفعها إلى قوم إن دعوتهم غدا إلى أمرك لم يجيبوك وكان والله الذبح» (١).

وقويّة البزنطي ـ بل الصحيحة عندي ، لأنّ سهل بن زياد ثقة ، كما بيّنته مشروحا (٢) ـ عن الرضا عليه‌السلام : عن الرجل له قرابة وموال وأتباع يحبّون أمير المؤمنين عليه‌السلام وليس يعرفون صاحب هذا الأمر ، أيعطون من الزكاة؟ قال : «لا» (٣).

وموثّقة أبي بصير أنّه قال للصادق عليه‌السلام : الرجل يكون له الزكاة وله قرابة محتاجون غير عارفين ، أيعطيهم [من الزكاة]؟ قال : «لا ، [ولا] كرامة ، لا يجعل الزكاة وقاية لماله يعطيهم من غير الزكاة إن أراد» (٤).

وفي الموثّق كالصحيح عن زرارة وابن مسلم عن الصادقين عليهما‌السلام أنّهما قالا : «الزكاة لأهل الولاية ، قد بيّن الله لكم موضعها في كتابه» (٥).

وقويّة ابن أبي يعفور أنّه قال للصادق عليه‌السلام : ما تقول في الزكاة لمن هي؟ فقال : «لأصحابك» ، قلت : فإن فضل عنهم؟ قال : «فأعد عليهم» ، قلت : فإن فضل عنهم؟ قال : «فأعد عليهم» ، قلت : فإن فضل عنهم؟ قال : «فأعد عليهم» ، فقلت : فنعطي السّؤال منها شيئا؟ فقال : «لا والله إلّا التراب إلّا أن ترحمه ، فإن رحمته فأعطه كسرة ، فأومأ بيده فوضع إبهامه على اصول أصابعه» (٦).

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٥٥٥ الحديث ١١ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٢٢٢ الحديث ١١٨٨٢ مع اختلاف يسير.

(٢) تعليقات على منهج المقال : ١٧٦ و ١٧٧.

(٣) تهذيب الأحكام : ٤ / ٥٥ الحديث ١٤٧ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٢٤٨ الحديث ١١٩٤٦.

(٤) الكافي : ٣ / ٥٥١ الحديث ٤ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٢٤٨ الحديث ١١٩٤٥.

(٥) تهذيب الأحكام : ٤ / ٥٢ الحديث ١٣٥ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٢٢٤ الحديث ١١٨٨٨.

(٦) تهذيب الأحكام : ٤ / ٥٣ الحديث ١٤٢ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٢٢٢ الحديث ١١٨٨٥ مع اختلاف يسير.

٤٧٢

إلى غير ذلك من الأخبار التي لا تحصى حتّى أنّ منها ما تضمّن الأمر بالإلقاء في البحر حتّى لا يعطون غير العارف ، وعلّلوا ذلك ب «إنّ الله تعالى حرّم أموالنا وأموال شيعتنا على عدوّنا» (١).

وهل يجوز إعطاؤهم إذا لم يوجد أهل الولاية؟ ظاهر الأصحاب المنع ، وصرّح الفاضلان به (٢) ، لما عرفت وستعرف أنّه لا يجوز أن يعطى أطفال المؤمن ، وللأخبار الواردة في علّة وضع الزكاة ، ولما ظهر من الأخبار من أنّها إرفاق ومعونة ومودّة.

وورد في الأخبار المنع عن موادّة هؤلاء ، والإرفاق بهم وإعانتهم (٣) ، مع أنّها إعانة في الإثم ، وفي الآية (٤) والأخبار (٥) النهي عنها ، وعن الموادّة بالنسبة إلى من حادّ الله.

ولا شكّ في أنّ الإمامة هي من اصول الدين ومنكرها كافر ، بل العدل أيضا كذلك ، بل ورد المنع عن التصدّق بغير الزكاة ، بل وعن سقيهم من الماء (٦) وغير ذلك ، بل بعضهم اللّعن عليهم ، وشدّة التنفّر منهم ، وأمثال ذلك.

وقال في «المعتبر» : وفي رواية يعقوب بن شعيب عن الكاظم عليه‌السلام : «إذا لم يجدها دفعها إلى من لا ينصب» (٧) وهي نادرة ، وفي طريقها أبان بن عثمان ، وفيه

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٤ / ٥٢ الحديث ١٣٩ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٢٢٣ الحديث ١١٨٨٧.

(٢) المعتبر : ٢ / ٥٨٠ ، شرائع الإسلام : ١ / ١٦٣ ، نهاية الإحكام : ٢ / ٣٩٥ ، منتهى المطلب : ١ / ٥٢٢ ط. ق.

(٣) بحار الأنوار : ٧٢ / ٣٩٠ و ٣٩١ الحديث ١٠ و ١١.

(٤) المائدة (٥) : ٢.

(٥) بحار الأنوار : ٧٢ / ٣٩١.

(٦) تهذيب الأحكام : ٤ / ٥٣ الحديث ١٤١ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٢٢٢ الحديث ١١٨٨٤.

(٧) تهذيب الأحكام : ٤ / ٤٦ الحديث ١٢١ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٢٢٣ الحديث ١١٨٨٦.

٤٧٣

ضعف (١) ، وفي «المنتهى» أنّها شاذّة (٢).

أقول : الرواية هكذا : الحسين بن سعيد ، عن إبراهيم بن إسحاق ، عن عبد الله بن حمّاد الأنصاري ، عن أبان ، عن يعقوب بن شعيب ، عن الكاظم عليه‌السلام ، أنّه قال له : الرجل منّا يكون في أرض منقطعة ، كيف يصنع بزكاة ماله؟ قال : «يضعها في إخوانه وأهل ولايته» ، قلت : فإن لم يحضره منهم فيها أحد؟ قال : «يبعث بها إليهم» ، قلت : فإن لم يجد من يحملها إليهم؟ قال : «يدفعها إلى من لا ينصب» ، قلت : فغيرهم؟ قال : «ما لغيرهم إلّا الحجر» (٣).

أنّها ضعيفة لو لم نقل في غاية من الضعف ، ومع ذلك الشذوذ فيها واضح ، فلا يكون حجّة أصلا من جهتين ، بل أمرنا بترك العمل بمثلها بالنسبة إلى كلّ واحدة من الجهتين ، فما ظنّك مع الاجتماع؟ فيجب طرحها منهما ، فكيف تصير حجّة؟ سيّما وأنّ تعارض الأدلّة اليقينيّة ، بل ويغلب عليها.

مع أنّ الأصل عدم جواز الإعطاء وتحريم الأخذ ، قال الصدوق في أماليه : إنّ من دين الإماميّة أنّه لا يجوز دفع الزكاة إلّا إلى أهل الولاية (٤).

ثمّ اعلم! أنّ المصنّف في «الوافي» حينما روى صحيح زرارة ومحمّد بن مسلم أنّهما قالا للصادق عليه‌السلام : أرأيت قول الله تعالى (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ) الآية (٥) كلّ هؤلاء يعطى وإن كان لا يعرف؟ فقال : «إنّ الإمام يعطي هؤلاء جميعا لأنّهم يقرّون له بالطاعة» وقال زرارة : قلت : فإن كانوا لا يعرفون؟ فقال : «يا زرارة! لو كان

__________________

(١) المعتبر : ٢ / ٥٨٠.

(٢) منتهى المطلب : ١ / ٥٢٣ ط. ق.

(٣) وسائل الشيعة : ٩ / ٢٢٣ الحديث ١١٨٨٦.

(٤) أمالي الصدوق : ٥١٦.

(٥) التوبة (٩) : ٦٠.

٤٧٤

يعطي من يعرف دون من لا يعرف لم يوجد لها موضع إنّما يعطي من لا يعرف ليرغب في الدين فيثبت عليه ، فأمّا اليوم فلا تعطها أنت وأصحابك إلّا من يعرف فمن وجدت من هؤلاء المسلمين عارفا فأعطه دون الناس» ثمّ قال : «سهم المؤلّفة وسهم الرقاب عام والباقي خاصّ» ، قال : قلت : فإن لم يوجدوا؟ قال : «لا يكون فريضة فرضها الله لا يوجد لها أهل» ، قال قلت : فإن لم تسعهم الصدقات؟ فقال : «إنّ الله عزوجل فرض للفقراء في أموال الأغنياء ما يسعهم ، ولو علم أنّ ذلك لا يسعهم لزادهم إنّهم لم يؤتوا من قبل فريضة الله ، ولكن اوتوا من منع من منعهم حقّهم لا ممّا فرض الله لهم ولو أنّ الناس أدّوا حقوقهم لكانوا عائشين بخير» (١) انتهى الحديث.

فقال في بيانه : المراد بالمعرفة معرفة الإمام عليه‌السلام ، «لو كان يعطي من يعرف» يعني في ذلك الزمان ، «لم يوجد لها موضع» لقلّة العارف يومئذ «والباقي خاصّ» أي العارف (٢) ، انتهى.

يظهر من كلامه أنّه في زمان قلّة العارف يجوز أن يعطى غير العارف ، وهذا فاسد قطعا ، لما عرفت من الإجماعات ، والفتاوى ، والأخبار المتواترة ، وغيرها من الأدلّة.

بل عرفت أنّهم مع فقد العارف مطلقا لا يرضون بالجواز ، لما عرفت من الأدلّة ، فكيف يرضون به مع قلّة العارف؟ وقد عرفت أنّهم ما تأمّلوا إلّا في رواية يعقوب بن شعيب ، فطرحوها لضعفها وشذوذها ، ولم يشر أحد منهم إلى تأمّل في هذه الصحيحة ، فمعلوم أنّ الذي فهمه المصنّف غلط ، ولا شكّ في ذلك ، لأنّه صرّح

__________________

(١) الوافي : ١٠ / ١٦٣ و ١٦٤ الحديث ٩٣٥٢ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٢٠٩ الحديث ١١٨٥٦.

(٢) الوافي : ١٦٤ ذيل الحديث ٩٣٥٢.

٤٧٥

بأنّ الإمام يعطي من لا يعرف ، ليرغب في الدين فيثبت عليه ، وهذا بعينه مصرف سهم المؤلّفة ، كما وقع التصريح به في رواية علي بن إبراهيم في تفسيره عن العالم عليه‌السلام ـ لأنّه عليه‌السلام : بعد ما ذكر المؤلّفة ، وأنّهم منهم في تفسير هذه الآية ـ قال : «فكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يتألّفهم ويعلّمهم ويعرّفهم كما يعرفوا ، فجعل لهم نصيبا في الصدقات لكي يعرفوا ويرغبوا» (١).

وينادي بذلك أيضا أنّه رحمه‌الله قال : ـ في المقام بعد ما نقل من فعل الإمام أنّ المؤلّفة (وَفِي الرِّقابِ) عام والباقي خاص ـ أي خاصّ بالعارف كما هو واضح ، ولذا صرّح هو بذلك ، فإذا كان خاصّا بالعارف ، وسهم المؤلّفة عامّا ، والتقسيط غير واجب على مذهبنا جزما ، كما سيصرّح به ، فما الداعي إلى أن يخالف الإمام ما قرّره الله وعيّنه ، بأن يعطي السهم المختصّ بالعارف لغير العارف؟

مع أنّه تعالى وسّع عليه بجعل المؤلّفة عامّا ، وعدم الإلزام بالتقسيط أصلا ، بل جوّز قطعا أن يصرف مجموع الزكاة في أيّ سهم كان.

مع أنّ سهم الفقراء إنّما يعطى لخصوص فقره ، والمسكين لخصوص مسكنته ، وهكذا حال الباقين ، ومنهم المؤلّفة فإنّه يعطى لخصوص التأليف لا للوجوه الاخر ، كما أنّ الوجوه الاخر تعطى لتلك الوجوه لا للتأليف ، والمعصوم عليه‌السلام صرّح بأنّ الإمام لا يعطي غير العارف إلّا للتأليف ، فالرواية في غاية الوضوح في أنّ الإمام يعطي غير العارف من الأصناف الثمانية البتة إذا أقرّوا له بالطاعة ، وإنّما يعطيهم حينئذ لا من جهة كونهم فقراء أو مساكين.

وهكذا غيرهم ، بل من جهة خصوص التأليف ، لأنّه سهم عام يصحّ صرفه لجميع الأصناف الثمانية ، إذا كانوا غير عارفين لأجل تأليفهم خاصّة ، ولهذا حين ما

__________________

(١) تفسير القمّي : ١ / ٢٩٩ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٢١١ الحديث ١١٨٦٢.

٤٧٦

سأل زرارة وابن مسلم يعطى لهؤلاء وإن كانوا لا يعرفون؟! ما أجابهما المعصوم عليه‌السلام ب «نعم» ، ولا ب «لا» ، لأنّ كليهما حينئذ فاسدان ، لاقتضاء كلّ منهما مفسدة ظاهرة.

أمّا الثاني : فلما ستعرف.

وأمّا الأوّل : فلاقتضائه مخالفة ما في هذه الرواية ممّا سيقوله صريحا من أنّ الثاني خاصّ ، وكذا قوله : لا تعطيه أنت وأصحابك إلّا عارف (١) ، هذا مضافا إلى مخالفة أخبارهم المتواترة.

ومنها صحيحة الفضلاء (٢) التي هذان الراويان الفاضلان مع غيرهما من الفضلاء رووها عن الباقر عليه‌السلام أيضا.

ومعلوم ؛ أنّ روايتهم عنه عليه‌السلام كانت قبل هذه الرواية ، وكانوا عالمين جازمين بما رووه ، وبالأخبار المتواترة التي صدرت ، مضافا إلى ما عرفوه من القرآن من النهي عن إعانة الإثم (٣) ، ومراده من حادّ الله ، وغير ذلك ممّا أشرنا ، فلعلّ الراويين كانا يريدان معرفة الحجّة في ذلك للخاصّة مع العامّة ، كما كان طريقتهما ، أمثال هذه الأسئلة في مقامات كثيرة.

وربّما كان يوردون عليهما ، بأنّ المعرفة التي يقولون لو كان شرطا ، فلم كان علي والحسن عليهما‌السلام في زمان خلافتهما ما كانوا يراعون؟ لأنّ الزكاة التي كانت تحصل لهما كانت في غاية الكثرة ، والعارفون الذين يقولون لو كان ففي غاية القلّة ، وكانا لا يعطيان أزيد من مئونة السنة.

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : ٢ / ٢ الحديث ٤ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٢٠٩ الحديث ١١٨٥٦.

(٢) تهذيب الأحكام : ٤ / ٥٤ الحديث ١٤٣ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٢١٦ الحديث ١١٨٧١.

(٣) المائدة (٥) : ٢.

٤٧٧

ولذا صدر من عقيل أخيه ما صدر ، بعد ما فعل عليه‌السلام بالنسبة إليه ما فعل وهكذا بالنسبة إلى طلحة وزبير وغيرهما ، وكان يصرّح بذلك ، بل الحال ربّما كان بالنسبة إلى فعل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أشدّ ، لعدم وجدان العارف في زمانه ، ولذا لم يقل في جوابهما : «لا» ، لما كان يعلم وجه سؤالهما ، فلذا خصّص جواز الإعطاء بالإمام دون غيره.

بل صرّح بأنّك وأصحابك لا يجوز لكم الإعطاء ، لأنّ العلّة هي الإقرار بالطاعة ، ولا يوجد هذا بالنسبة إليكم ، مع تصريحه بأنّ الإمام يعطي من سهم المؤلّفة حسب ما عرفت ، وهذا منصب الإمام على ما يظهر من تفسير علي بن إبراهيم (١).

والأصحاب عرّفوا المؤلّفة ؛ بتأليفهم واستمالتهم للجهاد (٢) ، وتقوية الإسلام ، واختار غير واحد من الفقهاء سقوط هذا السهم في زمان الغيبة (٣) ، والقائل بالبقاء أجاب : بأنّ الجهاد قد يجب حال غيبة الإمام بأن يدهم المسلمين عدوّ ـ العياذ بالله ـ فاحتيج إلى التأليف لذلك مطلقا (٤).

وظاهر أنّ هذه الثمانية إنّما تكون إذا دهم عدوّ يخاف منه على بيضة الإسلام ، فصحّ ما قال المعصوم عليه‌السلام : أنت وأصحابك لا تعطون اليوم إلى غير العارف من سهم المؤلّفة أيضا ، خصوصا بعد ملاحظة ما ظهر من كلامه عن إعطاء غير العارف من سهم مخصوص بالإمام ، من جهة أنّهم يقرّون له بالطاعة ، وهذا من خواصّه قطعا.

__________________

(١) راجع! الصفحة : ٤٧٥ و ٤٧٦ من هذا الكتاب.

(٢) شرائع الإسلام : ١ / ١٦١ ، إرشاد الأذهان : ١ / ٢٨٦ ، الدروس الشرعيّة : ١ / ٢٤١.

(٣) من لا يحضره الفقيه : ٢ / ٣ ، المبسوط : ١ / ٢٤٩ ، السرائر : ١ / ٤٥٧.

(٤) منتهى المطلب : ١ / ٥٢٠ ط. ق.

٤٧٨

والحاصل ؛ أنّ هذه الصحيحة في غاية الوضوح من الدلالة على عدم جواز إعطاء غير العارف إلّا من سهم المؤلّفة مطلقا.

وتدلّ أيضا على أنّ فرض انعدام العارف غلط جزما ، لعدم جواز عدم مصرف فريضة فرضها أنّه إن لم يوجد في بلد يكون في بلد آخر ، أو في زمان في ذلك البلد ففي زمان آخر ، والله يعلم.

ثمّ اعلم! أنّ مقتضى ظاهر الفتاوى ، وغالب الأخبار ، أنّ الإيمان شرط في جميع الأصناف سوى المؤلّفة (١).

وقال بعض المتأخّرين : يجب أن يستثنى بعض أفراد في سبيل الله أيضا (٢) ، وفيه ما فيه ، إذ عرف اشتراط الإيمان فيه أيضا.

نعم ؛ لا يبعد استثناء بعض أفراد الرقاب مثل ما ذكرناه من أنّ المؤمن يكون له أب غير مؤمن ، لو اشتراه يصير مؤمنا ، ولو لم يشتره يبقى في كفره المقابل للإيمان ويوجب هذا الضرر على الابن المؤمن ، كما هو العادة ، فلذا قال عليه‌السلام في الصحيحة المذكورة : «إلّا أنّ سهم الرقاب أيضا عام» (٣) فتأمّل!

قول المصنّف : (الإيمان بالمعنى الخاصّ) لعلّه بالنسبة إلى المعنى المستعمل فيه ، وإلّا فمعلوم أنّه حقيقة في الخاصّ واصطلاح فيه.

نعم ؛ الإسلام يكون أعمّ ، إذ له اصطلاحان ، وهو الأظهر فتدبّر! على أنّه لم يعهد استعمال الإيمان في المعنى العامّ ، فلعلّ ما ذكره ، لعدم تحقّق غفلة وقائل.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٩ / ٢٠٩ و ٢١١ الحديث ١١٨٥٦ و ١١٨٦٢ ، ٢١٦ الباب ٣ من أبواب المستحقين للزكاة.

(٢) مدارك الأحكام : ٥ / ٢٣٨.

(٣) وسائل الشيعة : ٩ / ٢٠٩ الحديث ١١٨٥٦.

٤٧٩

قوله : (أمّا العدالة). إلى آخره.

أقول : أكثر المتأخّرين على عدم اشتراطها ، ونقل عن الصدوقين وسلّار أنّهم اقتصروا على الإيمان (١).

واشترط جماعة العدالة ، منهم المرتضى ، والشيخ في «المبسوط» و «الجمل» و «الاقتصاد» ، وأبو الصلاح ، وابن حمزة ، وابن إدريس (٢) ، وعن المفيد كونه عارفا تقيّا (٣).

وفي «الرسالة الغريّة» كونه عارفا عفيفا (٤).

وعن ابن الجنيد أنّه لا يجوز إعطاء شارب خمر ، أو المقيم على كبيرة (٥) ، وفي «الشرائع» : أنّه اعتبرها كثير ، و [اعتبر] آخرون مجانبة الكبائر دون الصغائر (٦).

وعن الشهيد الثاني في «الروضة» : أنّ المروءة غير معتبرة في العدالة هنا ، فلزم من اشتراط تجنّب الكبائر [اشتراط] العدالة (٧) ، وفيه ما فيه ، حيث وجّه في «شرح الشرائع» عدم اعتبار المروءة هنا ، بأنّ الدليل دلّ على منع فاعل المعصية ، وعدم المروءة ليس بمعصية ، وإن أخلّ بالعدالة (٨).

__________________

(١) نقل عنهم في مختلف الشيعة : ٣ / ٢٠٨ ، لاحظ! من لا يحضره الفقيه : ٢ / ١١ ، المقنع : ١٦٥ ، المراسم : ١٣٣.

(٢) الانتصار ٨٢ ، المبسوط : ١ / ٢٤٧ ، (الجمل والعقود) الرسائل العشر : ٢٠٦ ، الاقتصاد : ٢٨١ ، الكافي في الفقه : ١٧٢ ، الوسيلة إلى نيل الفضيلة : ١٢٩ ، السرائر : ١ / ٤٥٧.

(٣) المقنعة : ٢٤٢.

(٤) نقل عنها في مختلف الشيعة : ٣ / ٢٠٧.

(٥) نقل عنه في مختلف الشيعة : ٣ / ٢٠٧.

(٦) شرائع الإسلام : ١ / ١٦٣.

(٧) الروضة البهيّة : ٢ / ٥١.

(٨) مسالك الأفهام : ١ / ٤٢٣.

٤٨٠