مصابيح الظلام - ج ١٠

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

مصابيح الظلام - ج ١٠

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الطبعة: ١
ISBN: 964-94603-0-6
ISBN الدورة:
964-94422-0-0

الصفحات: ٦٤٨

والنماء من المساكن. وكذا الأثاث والأقمشة والفرش والأواني والرقيق وما أشبهها عدا ما تقدّم (١).

ونقل عن «التذكرة» مثل ذلك (٢) ، والدليل واضح ، إذ الأصل عدمها ، مضافا إلى العمومات النافية لها من غير الأشياء التسعة وغيرها.

قوله : (وللشيخ). إلى آخره.

في «الذخيرة» : يستحب فيه الزكاة عند جماعة من الأصحاب منهم الشيخ رحمه‌الله (٣) ، ومستنده غير واضح ، وقد مرّ من الأخبار (٤) ما يدلّ على أنّه لا زكاة في الحلي» (٥).

أقول : مرّ في صدر الكتاب ثبوت الاستحباب من فتوى الفقيه (٦) ، فما ظنّك بفتوى جماعة منهم؟ وما دلّ على نفي الزكاة في الحلّي ظاهره نفي وجوب الزكاة عن الحلّي المتعارفة لا المحرمة.

نعم ؛ ظاهرها عدم استحباب الزكاة بالمعنى المتعارف ، لكون زكاتها إعارتها مؤمنا إذا استعارها ، كما صرّح به في «الفقيه» (٧).

وروى الشيخ في الصحيح ، عن ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابنا ، عن

__________________

(١) منتهى المطلب : ١ / ٥١٠ ط. ق.

(٢) نقل عنها في ذخيرة المعاد : ٤٥١ ، لاحظ! تذكرة الفقهاء : ٥ / ٢٣٣ المسألة ١٦١.

(٣) الرسائل العشر (الجمل والعقود) : ٢٠٥.

(٤) لاحظ! وسائل الشيعة : ٩ / ١٥٦ الباب ٩ من أبواب زكاة الذهب والفضّة.

(٥) ذخيرة المعاد : ٤٥١.

(٦) لم نعثر عليه في مظانّه.

(٧) من لا يحضره الفقيه : ٢ / ٩ الحديث ١.

١٢١

الصادق عليه‌السلام قال : «زكاة الحلي أن يعار» (١).

كما ورد في متاع البيت أيضا في صحيحة أبي بصير عن الصادق عليه‌السلام ، فقال الراوي : إنّ لنا جيرانا إذا أعرناهم متاعا كسروه وأفسدوه ، فعلينا جناح أن نمنعهم؟ فقال : «لا ، ليس عليك جناح [أن تمنعوهم] إذا كانوا كذلك» (٢) ، الحديث.

مع أنّهما داخلان في المعروف الذي ورد مدحه في الأخبار المتواترة (٣).

قوله : (وفي رواية). إلى آخره.

قد ذكرنا الرواية (٤) ، والقائل بها ، والضعف لا يضرّ مستند الاستحباب ، كما عرفت في صدر الكتاب ، مع أنّ الرواية موثّقة.

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٤ / ٨ الحديث ٢٢ ، وسائل الشيعة : ٩ / ١٥٩ الحديث ١١٧٣٩.

(٢) الكافي : ٣ / ٤٩٩ الحديث ٩ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٤٧ الحديث ١١٤٨٨.

(٣) وسائل الشيعة : ٩ / ٤٥٩ الباب ٤١ من أبواب الصدقة ، ١٦ / ٢٩٤ ـ ٢٩٩ الباب ٣ و ٤ من أبواب فعل المعروف ، بحار الأنوار : ٧١ / ٤٠٦ الباب ٣٠.

(٤) وسائل الشيعة : ٩ / ٧٢ الحديث ١١٥٤٩.

١٢٢

٢١٧ ـ مفتاح

[وجوب الإخراج يوم الحصاد]

أوجب في «الخلاف» ما يخرج يوم الحصاد ، والجداد (١) من الضغث بعد الضغث والحفنة (٢) بعد الحفنة (٣) ، محتجّا بإجماع الفرقة وأخبارهم (٤) ، وقوله تعالى (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ) (٥).

واجيب بأنّ الثلاثة لا يعطى إلّا الاستحباب ، كما يظهر من التتبّع للأقوال في الأوّل وللنصوص في الأخيرين ، ففي الحسن الوارد في الآية : «هذا من الصدقة» (٦).

وفي رواية : ليس ذلك من الزكاة ، ألا ترى! أنّه تعالى قال

__________________

(١) الجداد بالكسر والفتح : صرام النخل ، وفي بعض النسخ بالذّالين المعجمتين ، لاحظ! مجمع البحرين : ٣ / ٢٢ و ١٧٩.

(٢) الحفنة بالمهملة : ملاء الكفّين من طعام ، لاحظ! مجمع البحرين : ٦ / ٢٣٨.

(٣) الخلاف : ٢ / ٥ المسألة ١.

(٤) لاحظ! وسائل الشيعة : ٩ / ١٩٥ الباب ١٣ من أبواب زكاة الغلّات.

(٥) الأنعام (٦) : ١٤١.

(٦) وسائل الشيعة : ٩ / ١٩٥ الحديث ١١٨١٩.

١٢٣

(وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) (١) (٢).

وقال السيّد : وهذه نكتة منه عليه‌السلام مليحة ، لأنّ النهي عن السرف لا يكون إلّا فيما ليس بمقدّر والزكاة مقدّرة (٣).

وفي اخرى : «في الزرع حقّان : حق تؤخذ به وحقّ تعطيه. أمّا الذي تؤخذ به فالعشر ونصف العشر ، وأمّا الذي تعطيه فقول الله عزوجل (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ) (٤) يعنى من حصدك الشي‌ء بعد الشي‌ء ، ولا أعلمه إلّا قال : الضغث ثمّ الضغث حتّى تفرغ» (٥). وهي صريحة في الاستحباب.

__________________

(١) الأنعام (٦) : ١٤١.

(٢) الانتصار : ٧٦ مع اختلاف يسير.

(٣) الانتصار : ٧٦.

(٤) الأنعام (٦) : ١٤١.

(٥) وسائل الشيعة : ٩ / ١٩٦ الحديث ١١٨٢٠.

١٢٤

قوله : (أوجب في الخلاف). إلى آخره.

أقول : المشهور عدم وجوبه ، كما هو الظاهر من الشيخ أيضا في غير «الخلاف» (١) ، بل ربّما صرّح به ، وعن المرتضى في «الانتصار» أنّه احتمل الوجوب (٢).

حجّة المشهور : الأصل والعمومات النافية الظاهرة من تتبّع الأحاديث ، مثل قولهم عليهم‌السلام : «من أخرج زكاة ماله [تامّة] فوضعها في موضعها لم يسأل من أين اكتسب ماله» (٣) وغير ذلك من الأخبار.

وخصوص قوله عليه‌السلام : «ليس في المال حقّ سوى الزكاة» (٤).

وضعف السند منجبر بالشهرة العظيمة ، بل ربّما لم يظهر مخالف لما صرّح الشيخ في «التهذيب» ، بأنّ الوجوب عندنا على ضربين : ضرب على تركه العتاب ، وضرب على تركه العقاب (٥).

ويشير إليه دعواه إجماع الفرقة على الوجوب في خلافه (٦). ومعلوم عدم إجماعهم على الوجوب الذي يكون على تركه العقاب ، بل لم يوجد قائل به ، حتّى الشيخ في غير الخلاف ، فكيف يدّعي الإجماع ، بل وإجماع الفرقة؟ مع أنّ الحصاد ممّا يعم به البلوى ، ويكثر إليه الحاجة ، فلو كان حقّه واجبا لشاع وذاع ، بمقتضى

__________________

(١) المبسوط : ١ / ٢١٤ ، النهاية للشيخ الطوسي : ١٨٢.

(٢) الانتصار : ٧٦.

(٣) وسائل الشيعة : ٩ / ٢١٨ الحديث ١١٨٧٥.

(٤) عوالي اللآلي : ١ / ٢٠٩ الحديث ٤٧.

(٥) تهذيب الأحكام : ٢ / ٤١ ذيل الحديث ١٣٢.

(٦) الخلاف : ٢ / ٥ المسألة ١.

١٢٥

العادة حتّى يصير كالشمس ، فكيف صار الأمر على خلافه ، حتّى عند الشيخ أيضا ، وصار العمل على عدم الوجوب في الأعصار والأمصار ، مع أنّ حجّة الخلاف دعوى إجماع الفرقة ، وقد عرفت حاله.

وقوله تعالى (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ) (١) والأخبار (٢) ، وقوله تعالى في الآية (وَلا تُسْرِفُوا) (٣) قرينة مانعة عن الحكم بالوجوب ، فإنّه شاهد على عدم تعيين القدر ، مضافا إلى كون عدم تعيّنه إجماعيّا ، بل ضروريّا من الدين ، وظاهر ؛ أنّ الواجب لا يقبل الدرجات ، وقبول الدرجات من خواص المستحب ، كما لا يخفى على الفطن.

مع أنّه ورد في الحسن ـ بإبراهيم بن هاشم ـ عن ابن أبي عمير ، عن معاوية بن شريح ، قال : سمعت الصادق عليه‌السلام يقول : «في الزرع حقّان : حقّ تؤخذ به ، وحقّ تعطيه ، أمّا الذي تؤخذ به فالعشر ونصف العشر ، وأمّا الذي تعطيه فقول الله تعالى : (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ) يعني : من حصدك الشي‌ء بعد الشي‌ء ، ولا أعلمه إلّا قال : الضغث بعد الضغث حتّى يفرغ» (٤).

وورد أيضا حسنة زرارة وابن مسلم [وابي بصير] عن الباقر عليه‌السلام في قوله تعالى (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ) ، فقالوا جميعا : قال الباقر عليه‌السلام : «هذا من الصدقة ، تعطي المسكين القبضة بعد القبضة ، ومن الجذاذ الحفنة بعد الحفنة حتّى يفرغ ، ويعطي الحارس أجرا معلوما ، ويترك من النخل المعافارة وأم جعرور ،

__________________

(١) الأنعام (٦) : ١٤١.

(٢) لاحظ! وسائل الشيعة : ٩ / ١٩٥ الباب ١٣ من أبواب زكاة الغلّات.

(٣) الانعام (٦) : ١٤١.

(٤) الكافي : ٣ / ٥٦٤ الحديث ١ ، وسائل الشيعة : ٩ / ١٩٦ الحديث ١١٨٢٠.

١٢٦

ويترك للحارس [يكون في الحائط] العذق والعذقان والثلاثة لحفظه إيّاه» (١).

والرواية الاولى صريحة في عدم الوجوب ، والثانية ظاهرة فيه ، بملاحظة سياقها إلى آخرها ، وبملاحظة عدم تعيين القدر في القبضة ، والحفنة وعددهما.

مع أنّه ورد في القوي عن مصادف قال : كنت مع الصادق عليه‌السلام في أرض له وهم يصرمون فجاء سائل يسأل ، فقلت : الله يرزقك. قال : «مه ، ليس ذلك لكم حتّى تعطوا ثلاثة ، فإن أعطيتم ثلاثة ، فإن أعطيتم فلكم ، وإن أمسكتم فلكم» (٢).

وفي الصحيح عن البزنطي عن أبي الحسن عليه‌السلام : عن قول الله تعالى (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ وَلا تُسْرِفُوا) (٣) فقال : «كان أبي يقول : من الإسراف في الحصاد والجذاذ أن يصدّق الرجل بكفّيه جميعا ، وكان أبي إذا حضر شيئا من هذا فرأى أحدا من غلمانه يتصدّق بكفّيه صاح به أعط بيد واحدة القبضة بعد القبضة ، والضغث بعد الضغث» (٤)

وممّا ذكر ظهر الجواب عن الأخبار التي هي حجّة الخلاف ، مثل : حسنة أبي بصير عن الصادق عليه‌السلام قال : «لا تجذّ بالليل ، ولا تحصد بالليل ، ولا تضح بالليل ، ولا تبذر بالليل ، فإنّك إن فعلت ذلك لم يأتك القانع والمعتر». إلى أن قال : «وإن حصدت بالليل لم يأتك السؤال ، وهو قوله تعالى (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ) عند الحصاد يعني : القبضة بعد القبضة إذا حصدته ، فإذا خرج فالحفنة بعد الحفنة ،

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٥٦٥ الحديث ٢ ، تهذيب الأحكام : ٤ / ١٠٦ الحديث ٣٠٣ ، وسائل الشيعة : ٩ / ١٩١ الحديث ١١٨١١ ، ١٩٥ الحديث ١١٨١٩.

(٢) الكافي : ٣ / ٥٦٦ الحديث ٥ ، من لا يحضره الفقيه : ٢ / ٢٥ الحديث ٩٣ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٢٠٢ الحديث ١١٨٤٠ مع اختلاف يسير.

(٣) الأنعام (٦) : ١٤١.

(٤) الكافي : ٣ / ٥٦٦ الحديث ٦ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٢٠٢ الحديث ١١٨٤٢.

١٢٧

وكذلك عند الصرام ، وكذلك عند البذر ، ولا تبذر بالليل لأنّك تعطي من البذر كما تعطي من الحصاد» (١).

بل في الحقيقة هذه الحسنة أيضا ظاهرة في الاستحباب ، بقرينة السياق ، وكون حال الحصاد حال التضحّي ، وحال التبذير ، مع عدم وجوبها عند الخصم أيضا.

ورواية أبي مريم عن الصادق عليه‌السلام : في قول الله عزوجل (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ) ، قال : «تعطي المسكين يوم حصادك الضغث ، ثمّ إذا وقع في البيدر ، ثمّ إذا وقع في الصاع العشر ونصف العشر» (٢) ، مع أنّ سندهما ضعيف.

والعجب أنّ في «الذخيرة» جعل مستند المشهور منحصرا في الأصل. وقوله عليه‌السلام : «ليس في المال حقّ سوى الزكاة» (٣).

وأورد بأنّ الأصل يرتفع بأدلّة الشيخ ، وأنّ الظاهر أنّ الرواية عاميّة لا تصلح للتعويل ، مع معارضتها لأدلّة الشيخ. ثمّ نفى البعد عن القول بالوجوب (٤) ، مع أنّ أدلّة الشيخ عرفت حالها.

والأخبار الظاهرة في عدم وجوب حقّ في المال سوى الزكاة متواترة ، منها ما أشرنا إليها.

ومنها : ما ورد من أنّ الإسلام بني على خمس الصلاة والزكاة والصيام والحج والولاية (٥).

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٤ / ١٠٦ الحديث ٣٠٤ ، وسائل الشيعة : ٩ / ١٩٨ الحديث ١١٨٣٠.

(٢) الكافي : ٣ / ٥٦٥ الحديث ٤ ، وسائل الشيعة : ٩ / ١٩٦ الحديث ١١٨٢١.

(٣) عوالي اللآلي : ١ / ٢٠٩ الحديث ٤٧.

(٤) ذخيرة المعاد : ٤١٩.

(٥) الكافي : ٢ / ١٨ الحديث ١ ، وسائل الشيعة : ١ / ١٧ الحديث ١٠.

١٢٨

وما ورد منهم : «صلّوا خمسكم ، وصوموا شهركم ، وحجّوا بيت ربّكم ، وأدّوا زكاة أموالكم [طيبة بها نفوسكم] ، وأطيعوا ولاة أمركم ، تدخلوا جنّة ربّكم» (١) ، وأمثال هذه الأخبار.

ومنها : ما ورد في علّة وضع الزكاة وقدرها (٢) ، إلى غير ذلك ممّا لا يحصى ، كما لا يخفى على المتتبّع.

مع أنّ الرواية المذكورة وإن كانت عاميّة ، إلّا أنّ الشهرة جابرة لها ، كما هو الطريقة الثابتة المستمرّة في الفقه ، ومسلّمة أيضا عند صاحب «الذخيرة» ومحقّقة في محلّ تحقيقها.

مع أنّ الشيخ في كتاب الصيام روى من طريق الخاصّة ما هو بمضمونها (٣) فلاحظ!

وأورد على الرواية الصريحة في الاستحباب باحتمال كون معنى قوله عليه‌السلام : «تؤخذ به» (٤) الأخذ في الدنيا ، لأنّ الإمام يأخذ الزكاة من أصحاب الأموال ، بخلاف حقّ الحصاد ، فإنّه أمر بينه وبين الله وإن عصى بالترك ، بناء على الوجوب.

وعلى الرواية الثانية بمنع كون الظاهر من الصدقة المندوبة (٥) ، انتهى.

وفيه ما فيه ، فإنّ معنى : «تؤخذ به» أخذ الإمام في خصوص الدنيا ، ومعنى «تعطيه» هو وجوب الإعطاء بينه وبين الله ، في غاية السخافة ، لأنّ المؤاخذ في الواجب والحرام هو الله تعالى ، والإمام يؤاخذ بأمره تعالى في الدنيا والآخرة ،

__________________

(١) الخصال : ٣٢١ الحديث ٦ ، وسائل الشيعة : ١ / ٢٣ الحديث ٢٥.

(٢) لاحظ! وسائل الشيعة : ٩ / ٩ الباب ١ من أبواب ما تجب فيه الزكاة.

(٣) تهذيب الاحكام : ٤ / ١٥٣ الحديث ٤٢٤ ، وسائل الشيعة : ١٠ / ٢٤٧ الحديث ١٣٣٢٩.

(٤) الكافي : ٣ / ٥٦٤ الحديث ١ ، وسائل الشيعة : ٩ / ١٩٦ الحديث ١١٨٢٠.

(٥) ذخيرة المعاد : ٤١٩ و ٤٢٠.

١٢٩

إجراء لحكمه وأمرا بالمعروف.

فالتقييد بكون المؤاخذ هو الإمام في خصوص دار الدنيا ، معلّلا بكون الإمام كان يأخذ الزكاة ، لا يخفى سخافته ، مع كونه تقييدا للنصّ من غير دليل ، إذ معنى تؤخذ به هو إلزامه به ، لا أنّه يأخذ الإمام منه فلو كان حقّ الحصاد أيضا واجبا ، لكان مؤاخذا به أيضا في الدنيا والآخرة من الله ، ومن الإمام من طرف الله تعالى ، كما هو الحال في كلّ واجب شرعي ، وجعل معنى «تؤخذ به» ، يأخذه منك الإمام ، فيه ما فيه ، سيّما بملاحظة أنّه عليه‌السلام في زمان صدور هذه الروايات ما كان يأخذها. بل كان رخصهم في إعطائهم إيّاها بأنفسهم ، كما يظهر من الأخبار ، وأنّهم كانوا بأنفسهم يعطون الفقراء.

وصاحب «الذخيرة» أيضا لم يقل بوجوب حملها إلى الإمام ، بل صرّح بعدم الوجوب ، وكونه مستحبّا ، وعلّله بتعليلات ، مصرّحا بعدم اطّلاعه على نص ، بل تأمّل في تأكّد الاستحباب ، ولم يقل أيضا بأنّه يجب على الإمام أخذه وطلبه ، بل قال لو اتّفق أنّ الإمام طلبها ، وجب حملها إليه حينئذ حتّى لا يصير عاصيا (١). ولم يقل بوجوب أخذ الإمام في زمان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيضا. فما ظنّك بعده؟ مع أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام أمر ساعيه بعدم مؤاخذة صاحب الزكاة بها ، بل قال : إن قال لك : ليس عندي زكاة ، فلا تتعرّض له أصلا ، وإن أنعم لك منعم ، فافعل كذا وكذا ، إلى آخر ما قال (٢) فلاحظ!

أين هذا ممّا ذكره؟ مع أنّ المناسب على ما ذكره أن يقول عليه‌السلام : وحقّ «تؤخذ به» في الآخرة موضع قوله : «تعطيه» ، أي تعطيه أنت من قبل نفسك ، من غير أن

__________________

(١) ذخيرة المعاد : ٤٦٥.

(٢) بحار الأنوار : ٩٣ / ٨٩ الحديث ٨ ، وسائل الشيعة : ٩ / ١٣٣ الحديث ١١٦٨٤.

١٣٠

تؤخذ به.

على أنّه : كما كان الإمام في بعض الأوقات يأخذ الزكاة ، كان الفقراء في جميع الأزمنة والدهور يأخذون حقّ الحصاد ، فكان المناسب على ما ذكره أن يقول : حقّ ربّما كان الإمام عليه‌السلام يأخذ ، وحقّ دائما يأخذه الفقراء.

وأين هذا ممّا ذكر في الحديث؟ مع أنّ ظاهر كلمة «يعطيه» أنّه حقّ جرت العادة بإعطائكم إيّاه للفقراء من دون إلزام ، بل يعطونه تبرّعا طلبا للبركة ، وعدم الشؤم بملاحظة الفقراء زروعهم مثلا ، ولذا لم يختص ذلك بأهل الإسلام ، بل جميع الملّيين يرتكبون ، بل غير الملّيين أيضا ، كما هو الحال في إعطاء قليل من الخبز ، وغيره من المأكولات للفقراء الذين يكدّون ويدورون البيوت.

ولذا علّل في رواية أبي بصير منعه عليه‌السلام التبذّر بالليل بقوله عليه‌السلام : «لأنّك تعطي» (١). إلى آخره ، فتدبّر!

وممّا ذكر ظهر الجواب عمّا ذكره جمع من المفسّرين ، من أنّ المراد من الحقّ المذكور هو الزكاة ، لأنّ قوله تعالى (وَآتُوا حَقَّهُ) (٢) إنّما يحسن إذا كان الحقّ معلوما قبل ورود هذه الآية. بناء على أنّ الإضافة تفيد العهد ، إذ عرفت معهوديّة حقّ الحصاد بين العاملين ، مع أنّ الزكاة تكون قدرا معيّنا بلا شبهة ، فلا معنى للنهي عن الإسراف فيها ، مع أنّها تخرج بعد التصفية ، لا يوم الحصاد ، وابتداء تعلّق وجوبها حين انعقاد الحب ، وأين هو من يوم الحصاد؟

هذا ؛ مضافا إلى ما عرفت من الأخبار الصريحة ، أو الظاهرة في عدم كونه

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٥٦٥ الحديث ٣ ، تهذيب الأحكام : ٤ / ١٠٦ الحديث ٣٠٤ ، وسائل الشيعة : ٩ / ١٩٨ الحديث ١١٨٣٠.

(٢) الأنعام (٦) : ١٤١.

١٣١

الزكاة المفروضة.

وأمّا منعه كون المراد من الصدقة هي المندوبة ، ففيه ؛ أنّه ظاهر أنّ مراد المعصوم عليه‌السلام أنّه ليس الزكاة المفروضة ، كما قاله جماعة من مفسّري العامّة (١).

فلو كان واجبا أيضا ، لكان المناسب أن يقول عليه‌السلام : هذا مفروض آخر غير الزكاة ، لا أن يقول من جملة الصدقة يعطى المسكين القبضة بعد القبضة ومن الجذاذ ؛ الحفنة بعد الحفنة حتى يفرغ.

يعني : كما أنّ الصدقات المعهودة تعطى المساكين الشي‌ء دون القليل الذي لا يعبأ به ولا يعتدّ ، بعد الشي‌ء دون القليل ، كذلك من غير تعيين ، ولا ضبط خاص عددا مطلقا ، ولا مقدارا أصلا ، فكذا هذا ، وقد عرفت الحال ، فتدبّر.

__________________

(١) الدر المنثور : ٣ / ٩٢ ، التفسير الكبير للفخر الرازي : ١٣ / ٢٢٥ ، تفسير البغوي : ٢ / ١٣٦.

١٣٢

٢١٨ ـ مفتاح

[في غلّات الصبي والمجنون ومواشيهما]

أوجب الشيخان (١) في غلّات الصبي والمجنون ومواشيهما (٢) للصحيح : «في مال اليتيم ليس عليه في العين والصامت شي‌ء ، وأمّا الغلّات فإنّ عليها الصدقة واجبة» (٣).

وهو مع عدم جريانه في المجنون ولا المواشي ، ومعارضته عموم رفع القلم عنهما ، وعدم تناول الخطاب لهما ، وانتفائه بالأصل عن الولي ، وإطلاق ما تضمّن نفي الزكاة عن مال اليتيم من الصحاح المستفيضة (٤) ، ليس صريحا في الوجوب بالمعنى العرفي ، لأنّ معنى الوجوب في الأخبار أعمّ من ذلك.

وظنّي أنّ المراد بالصدقة فيه ما يخرج يوم الحصاد ، وبه يجمع بينه وبين ما في الموثّق (٥) ، من نفي الزكاة عن جميع غلّات اليتيم ، لا بما جمع الشيخ بينهما

__________________

(١) في بعض النسخ : الشيخ.

(٢) المقنعة : ٢٣٨ ، النهاية للشيخ الطوسي : ١٧٤ ، المبسوط : ١ / ١٩٠.

(٣) وسائل الشيعة : ٩ / ٨٣ الحديث ١١٥٧٦.

(٤) لاحظ! وسائل الشيعة : ٩ / ١٨٣ الباب ١ من أبواب ما تجب عليه الزكاة.

(٥) وسائل الشيعة : ٩ / ٨٦ الحديث ١١٥٨٥.

١٣٣

من حمل ذلك على السلب الكلّي المجامع للإيجاب الجزئي (١) ، لمنافاته لآخر الحديث ، ولا بما جمع غيره من حمل الأوّل على استحباب الزكاة ، كما يظهر بالتأمّل!

وهذا الجمع من خواصّ هذا الكتاب فيما أعلم ، مع احتمال التقيّة في الإثبات ، وأمّا عدم وجوبها في نقديهما فإجماعي.

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٤ / ٣٠ ذيل الحديث ٧٣ ، الاستبصار : ٢ / ٣١ ذيل الحديث ٩١.

١٣٤

قوله : (أوجب الشيخان). إلى آخره.

أقول : ووافقهما أبو الصلاح ، وابن البرّاج على ما نقل (١).

والأكثر على عدم الوجوب ، ومنهم المتأخّرون قاطبة ، وسلّار وابن إدريس (٢) ، ونقل عن ابن الجنيد ، وابن أبي عقيل أيضا ، وكذلك عن المرتضى (٣).

وعن «المسائل الناصريّة» : الصحيح عندنا أنّه لا زكاة في مال الصبي من العين والورق. وأمّا الزرع والضرع ؛ فقد ذهب أكثر أصحابنا إلى أنّهم يأخذونه الصدقة (٤) ، انتهى.

وعدم الوجوب ، هو الأقرب ، لما عرفت في بحث زكاة التجارة في ماله ، وبحث اشتراط البلوغ في وجوب الزكاة وغيرهما ، مثل بحث التمكّن من التصرّف.

مع أنّك عرفت أنّ الوجوب عند القدماء كان على ضربين ، وعبارة «الناصريّة» ربّما كان فيها إيماء إلى أنّ الزرع والضرع ليسا عند الأكثر مثل العين والورق ، في انتفاء الزكاة أصلا ورأسا ، كما يشير إليه قوله لا زكاة ، فإنّ النكرة في سياق النفي تفيد العموم ، ولذا قال يأخذونه الصدقة ، فتأمّل جدّا!

لكن الظاهر من كلام الشيخ الوجوب الاصطلاحي ، واحتجّ بصحيحة زرارة وابن مسلم عنهما عليهما‌السلام أنّهما قالا : «مال اليتيم ليس عليه في العين والمال

__________________

(١) نقل عنهما في ذخيرة المعاد : ٤٢١ ، لاحظ! الكافي في الفقه : ١٦٥ ، المهذب : ١ / ١٦٨.

(٢) المراسم : ١٢٨ ، السرائر : ١ / ٤٣٠.

(٣) نقل عنهم في السرائر : ١ / ٤٢٩ و ٤٣٠.

(٤) الناصريّات : ٢٨١ مع اختلاف يسير.

١٣٥

الصامت شي‌ء ، فأمّا الغلّات فعليها الصدقة واجبة» (١).

وأجاب عمّا في رواية أبي بصير عن الصادق عليه‌السلام من قوله : «ليس في مال اليتيم زكاة ، وليس عليه صلاة ، وليس على جميع غلّاته من نخل أو زرع أو غلّة زكاة ، وإن بلغ اليتيم فليس عليه لما مضى من زكاة ولا عليه لما يستقبل حتّى يدرك ، فإذا أدرك كانت عليه زكاة واحدة ، وكان عليه مثل ما على غيره من الناس» (٢) بأنّه عليه‌السلام قال : «وليس على جميع غلّاته زكاة».

ونحن لا نقول على جميع غلّاته زكاة ، وإنّما يجب على الغلّات الأربعة ، وإنّما خصّ اليتامى بهذا ، لأنّ غيرهم مندوبون إلى إخراج الزكاة عن سائر الحبوب ، وليس ذلك في أموال اليتامى ، فلأجل ذلك خصّوا بالذكر (٣) ، انتهى.

وفيه من البعد ، وشدّة المخالفة للظاهرة ما لا يخفى ، وبالجملة ؛ مرّ التحقيق فلاحظ.

فالأظهر حمل ما يظهر منه الوجوب على التقيّة ، لأنّ العامّة وفقهاءهم اتّفقوا على الوجوب ، كما قاله في «المنتهى» (٤) ، فما ظنّك بالحكّام ، وسيّما السلاطين منهم.

ومرّ رواية مروان بن مسلم عن أبي الحسن عليه‌السلام وفيها : «كان أبي عليه‌السلام يخالف الناس في مال اليتيم ليس عليه زكاة» (٥).

وعمّال السلاطين كانوا يأخذون زكاة الغلّات في أزمنتهم ، كما لا يخفى ، وظهر

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٥٤١ الحديث ٥ ، تهذيب الأحكام : ٤ / ٢٩ الحديث ٧٢ ، الاستبصار : ٢ / ٣١ الحديث ٩٠ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٨٣ الحديث ١١٥٧٦.

(٢) تهذيب الأحكام : ٤ / ٢٩ الحديث ٧٣ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٨٦ الحديث ١١٥٨٥.

(٣) تهذيب الأحكام : ٤ / ٣٠ ذيل الحديث ٧٣.

(٤) منتهى المطلب : ١ / ٤٧٢ ط. ق.

(٥) تهذيب الأحكام : ٤ / ٢٧ الحديث ٦٣ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٨٦ الحديث ١١٥٨٣.

١٣٦

من الأخبار أيضا.

وما دلّ على عدم الزكاة كثيرة ، صحاح ومعتبرة مشتهرة بين الأصحاب (١) ، بل اتّفقوا على العمل بها وعدم ردّها ، والاصول أيضا يقتضى العدم.

مع أنّ الصبي غير داخل فيما دلّ على الخطاب بالزكاة ، مثل قوله تعالى (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها) (٢) وغير ذلك ، وكذا وليّه ، كما لا يخفى.

مع أنّ الصحيحة لا دلالة فيها على الزكاة في مواشيهم أصلا ، ولم يوجد دليل آخر أصلا ، حتّى أنّه لم يوجد إجماع مركّب أيضا ، إذ ليس كلّ من أوجب في الغلّات أوجب في المواشي أيضا ، كما لا يخفى على المطّلع ، وإن اتّفق الشيخان فيهما على ما نقل (٣).

وممّا ذكر ؛ ظهر الحال في غلّات المجانين ومواشيهم أيضا ، بل في «المنتهى» جمع بين الأطفال والمجانين في المقامين (٤).

__________________

(١) لاحظ! وسائل الشيعة : ٩ / ٨٣ الباب ١ من أبواب من تجب عليه الزكاة.

(٢) التوبة (٩) : ١٠٣.

(٣) نقل عنهما في منتهى المطلب : ١ / ٤٧٢ ط. ق.

(٤) منتهى المطلب : ١ / ٤٧٢ ط. ق.

١٣٧
١٣٨

٢١٩ ـ مفتاح

[عدم وجوب الزكاة على المملوك]

أوجب في «المعتبر» و «المنتهى» الزكاة على المملوك على القول بتملّكه مطلقا ، أو على بعض الوجوه (١) ، ويدفعه الصحيحان : «ليس في مال المملوك شي‌ء ولو كان ألف ألف» (٢).

أمّا عدم الوجوب على القول بعدم تملّكه فلا خلاف فيه. والمبعّض يزكّى بالنسبة ، كذا قالوه (٣) وفي الموثّق : «ليس في مال المكاتب زكاة» (٤).

__________________

(١) المعتبر : ٢ / ٤٨٩ ، منتهى المطلب : ١ / ٤٧٢ ط. ق.

(٢) وسائل الشيعة : ٩ / ٩١ و ٩٢ الحديث ١١٥٩٧ و ١١٥٩٩ مع اختلاف يسير.

(٣) إرشاد الأذهان : ١ / ٢٧٨ ، مدارك الأحكام : ٥ / ٢٥ ، ذخيرة المعاد : ٤٢٣.

(٤) وسائل الشيعة : ٩ / ٩٢ الحديث ١١٦٠١.

١٣٩
١٤٠