مصابيح الظلام - ج ١٠

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

مصابيح الظلام - ج ١٠

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الطبعة: ١
ISBN: 964-94603-0-6
ISBN الدورة:
964-94422-0-0

الصفحات: ٦٤٨

قوله : (إذ اللام).

أجاب الأصحاب عن استدلال بعض العامّة القائل بالبسط بهذه الآية (١) بوجوه كثيرة ، فعن «المعتبر» (٢) ما ذكره المصنّف ، وعن «المنتهى» انّ المراد منها بيان المصرف (٣) إلى غير ذلك ؛ ولا غنى به إلى ذكرها بعد الثبوت من الأخبار ، وكونه إجماعيّا عندنا ، بل كونه مذهبنا.

وجماعة من أصحابنا على استحباب هذا البسط ، وعلّلوا بأنّه أقرب إلى امتثال ظاهر الآية ، وبأنّ فيه عموم النفع وبتخليصها من الخلاف (٤).

وفي الكلّ تأمّل ، سيّما بعد ملاحظة ما سيجي‌ء في المفتاح الآتي ، وما مرّ من أنّ مع وجود الفقير ، المحتاج والمسكين المضطرّ يقدّمان.

قوله : (وفي الأخبار). إلى آخره.

منها ؛ ما رواه الكليني بسنده إلى عتيبة بن عبد الله بن عجلان قال : لأبي جعفر عليه‌السلام : إنّي ربّما قسمت الشي‌ء بين أصحابي أصلهم به ، كيف اعطيهم؟ فقال : «أعطهم على الهجرة في الدين والفقه والعقل» (٥).

وربّما يظهر من بعضها بفضل الأقارب وذي الرحم (٦) ، وفي بعضها : «لا تعطينّ قرابتك الزكاة كلّها ، ولكن أعطهم بعضا وأقسم بعضا على سائر

__________________

(١) الامّ : ٢ / ٧١ ، بداية المجتهد : ١ / ٢٧٥ و ٢٨٤ ، المغني لابن قدامة : ٢ / ٥٢٨.

(٢) المعتبر : ٢ / ٥٨٨.

(٣) منتهى المطلب : ١ / ٥٢٨ ط. ق.

(٤) لاحظ! منتهى المطلب : ١ / ٥٢٨ ط. ق ، مدارك الأحكام : ٥ / ٢٦٥.

(٥) الكافي : ٣ / ٥٤٩ الحديث ١ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٢٦٢ الحديث ١١٩٨٢.

(٦) وسائل الشيعة : ٩ / ٢٤٥ الباب ١٥ من أبواب المستحقّين للزكاة.

٥٢١

المسلمين» (١) وربّما يظهر ذلك من أخبار كثيرة (٢).

وعلى هذا تحمل كصحيحة زرارة وابن مسلم عن الصادق عليه‌السلام قال : «إنّ الصدقة والزكاة لا يحابى بها قريب ولا يمنعها بعيد» (٣).

قوله : (وأوجب). إلى آخره.

عن المفيد أنّه قال : فرض على الامّة حمل الزكاة إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والإمام خليفته ، فإذا غاب الخليفة كان الفرض حملها إلى من نصبه خليفة من خاصّته ، فإذا عدم السفراء وجب حملها إلى الفقيه المأمون من أهل ولايته (٤).

وعن أبي الصلاح أنّه قال : يجب على كلّ من تعيّن عليه فرض زكاة ، أو فطرة ، أو خمس ، أو أنفال ، أن يخرج ما وجب عليه [من ذلك] إلى سلطان الإسلام المنصوب من قبله تعالى ، أو [إلى] من نصبه لقبض ذلك من شيعته ليضعه موضعه ، فإن تعذّر الأمران فإلى الفقيه المأمون ، فإن تعذّر تولّى ذلك بنفسه (٥).

وعن ابن البرّاج أنّه قال : وإذا كان الإمام ظاهرا وجب حمل الزكاة إليه ليفرّقها في مستحقّها ، فإن كان غائبا فإنّه يجوز لمن وجبت عليه أن يفرّقها في خمسة أصناف (٦) ، لكن المتأخّرون ومن وافقهم من القدماء يجوّزون أن يتولّى المالك الإخراج بنفسه أو بوكيله (٧).

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٤ / ٥٧ الحديث ١٥٣ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٢٤٤ الحديث ١١٩٣٧.

(٢) لاحظ! وسائل الشيعة : ٩ / ٢٤٢ الباب ١٤ ، ٢٤٥ الباب ١٥ أبواب المستحقين للزكاة.

(٣) الكافي : ٣ / ٥٤٦ الحديث ٣ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٢١٨ الحديث ١١٨٧٤.

(٤) المقنعة : ٢٥٢.

(٥) الكافي في الفقه : ١٧٢.

(٦) المهذّب : ١ / ١٧١ مع اختلاف يسير.

(٧) الخلاف : ٢ / ٥١ المسألة ٦٠ ، المبسوط : ١ / ٢٣٣ ، المعتبر : ٢ / ٥٨٦ ، منتهى المطلب : ١ / ٥١٤ ط. ق ، مجمع الفائدة والبرهان : ٤ / ٢٠٢.

٥٢٢

بل ربّما يظهر من «التذكرة» و «المنتهى» الإجماع ، حيث قال فيهما : ولو دفع المالك الزكاة إلى وكيله ، ونوى حال الدفع إلى الفقير أجزأ إجماعا (١) ، فتأمّل!

وعن الشهيد : فإنّ الأموال ضربان : ظاهرة وباطنة ، والباطنة ؛ الدراهم والدنانير ، وأموال التجارات ، والمالك بالخيار بين أن يدفعها إلى الإمام أو نائبه ، وبين أن يفرّقها بنفسه بلا خلاف في ذلك ، وجعل الأفضل حمل الأموال الظاهرة مثل المواشي والغلّات إلى الإمام (٢).

وفي «الذخيرة» بعد ما ذكر قال : وذهب جماعة من الأصحاب إلى وجوب حملها إلى الإمام عليه‌السلام (٣) ، وعلى هذا القول ففي الإجزاء بدون ذلك وجهان إلى أن قال : ويدلّ على الأوّل أنّ الأمر بإخراج الزكاة إلى المستحقّ مطلق والأصل عدم وجوب حملها إلى الإمام.

ويدلّ عليه أيضا الأخبار الكثيرة الدالّة على أنّهم عليهم‌السلام كانوا يأمرون الناس بإيصال زكاتهم إلى المستحقّين (٤) ، وما دلّ على جواز النيابة والتوكيل فيه (٥).

وقوله تعالى (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ) (٦) الآية.

وحجّة الموجبين ؛ قوله تعالى (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ) (٧) الآية ، ووجوب الأخذ يستلزم وجوب الدفع ، واختصاص الخطاب بالنبي يحتاج إلى عدم القائل في استحبابه في الإمام عليه‌السلام ، وبأنّ أبا بكر طالبهم بالزكاة وقاتلهم عليها ، ولم ينكره

__________________

(١) تذكرة الفقهاء : ٥ / ٣٢٩ المسألة ٢٤٠ ، منتهى المطلب : ١ / ٥١٦ ط. ق.

(٢) مسالك الأفهام : ١ / ٤٢٥ ، لاحظ! ذخيرة المعاد : ٤٦٥.

(٣) ذخيرة المعاد : ٤٦٥.

(٤) لاحظ! وسائل الشيعة : ٩ / ٢٨٢ الباب ٣٦ و ٣٧ من أبواب المستحقّين للزكاة.

(٥) لاحظ! وسائل الشيعة : ٩ / ٢٨٠ الباب ٣٥ من أبواب المستحقّين للزكاة.

(٦) البقرة (٢) : ٢٧١.

(٧) التوبة (٩) : ١٠٣.

٥٢٣

الصحابة ، فكان إجماعا منهم.

ثمّ قال : واجيب عن الأوّل بأنّها تدلّ على وجوب أخذه عليه‌السلام لو دفعت لا مطلقا.

واعترض عليه بأنّ الأمر مطلق ، ثمّ أجاب أيضا بأنّ مقتضاه وجوب حملها إليه مع الطلب لا مطلقا ، فاعترض عليه بأنّ مقتضى العموم وجوب أخذ كلّ زكاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فيجب عليه أن يأمرهم بحمل الكلّ إليه ، ولكن يلزم اقتران الطلب أيضا.

ثمّ قال : الوجه الحمل على الاستحباب جمعا بينها وبين الأدلّة السابقة (١).

أقول : لا تنافي بينها وبين المطلقات وأصل العدم ، كما هو واضح.

وأمّا الأخبار فظاهر أنّها صدرت عنهم حال عدم بسط يدهم ، كما مرّ في صلاة الجمعة ، مع كونها منصبهم بلا شكّ كما عرفت.

وروي في «المنتهى» في مبحثها حديثا عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في كونها منصبهم : «إنّ أربعة إلى الولاة : الجمعة والصدقات» الحديث (٢) فلاحظ!

وفي الصحيح عن الصادق عليه‌السلام : «أنّه لمّا نزلت الآية (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ) (٣) وأنزلت في شهر رمضان ، فأمر صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مناديه فنادى في الناس إنّ الله فرض عليكم الزكاة كما فرض الصلاة. إلى أن قال : ثمّ لم يتعرّض لشي‌ء من أموالهم حتّى حال عليه الحول من قابل فصاموا وأفطروا ، فأمر مناديه فنادى في المسلمين : أيّها المسلمون! زكّوا أموالكم تقبل صلواتكم ، ثمّ وجّه عمّال الصدقة والطسوق» (٤) أي : ما وضع على أرض الخراج وهو مخصوص بالإمام بلا شبهة.

__________________

(١) ذخيرة المعاد : ٤٦٥.

(٢) منتهى المطلب : ٥ / ٣٣٥.

(٣) التوبة (٩) : ١٠٣.

(٤) من لا يحضره الفقيه : ٢ / ٨ الحديث ٢٦ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٩ الحديث ١١٣٨٧ مع إختلاف يسير.

٥٢٤

وروى الكليني عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال : «من زعم أنّ الإمام يحتاج إلى ما في أيدي الناس فهو كافر ، إنّما الناس يحتاجون إلى الإمام عليه‌السلام أن يقبل منهم الزكاة ، قال الله تعالى (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها) (١)» (٢).

وفي المعتبرة الطويلة الواردة في الخمس ، المعمول بها عند الأصحاب كما ستعرف ، وفي جملتها أنّ الإمام يأخذ الزكاة فيوجّهها في الجهة التي وجّهها الله تعالى على ثمانية أسهم للفقراء والمساكين. إلى أن قال : يقسم بينهم في مواضعهم بقدر ما يستغنون في سنتهم بلا ضيق ولا تقتير ، فإن فضل من ذلك شي‌ء فإلى الوالي وإن نقص كان على الوالي أن يموّنهم من عنده بقدر سعتهم. إلى أن قال : وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقسّم صدقات البوادي في البوادي والحضر في الحضري. إلى آخر الحديث (٣) فلاحظه ، ولاحظ غير ما ذكر في الأخبار أيضا (٤).

وفي صحيحة بريد العجلي في حكاية بعث أمير المؤمنين عليه‌السلام مصدّقه وآدابه في آخرها قال : «يا بريد! لا والله ما بقيت حرمة إلّا انتهكت ، ولا عمل بكتاب الله وسنّة نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هذا العالم ولا أقيم حدّ منذ قبض الله أمير المؤمنين عليه‌السلام ولا عمل بشي‌ء من الحقّ إلى يومنا هذا» (٥).

وفي صحيحة زرارة وابن مسلم «إنّ الإمام يعطي هؤلاء [جميعا] ، لأنّهم يقرّون له بالطاعة». إلى أن قال ـ : «وإنّما يعطي من لا يعرف ليرغب في الدين فيثبت عليه وأمّا اليوم فلا تعطها أنت وأصحابك إلّا من يعرف» (٦) ، الحديث ، ومرّتا.

__________________

(١) التوبة (٩) : ١٠٣.

(٢) الكافي : ١ / ٥٣٧ الحديث ١.

(٣) الكافي ١ / ٥٤٢ الحديث ٤ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٢٦٦ الحديث ١١٩٨٩ مع اختلاف يسير.

(٤) وسائل الشيعة : ٩ / ١٢٩ الباب ١٤ من أبواب المستحقّين للزكاة.

(٥) الكافي : ٣ / ٥٣٨ الحديث ١ مع اختلاف يسير.

(٦) تهذيب الأحكام : ٤ / ٤٩ الحديث ١٢٨ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٢٠٩ الحديث ١١٨٥٦.

٥٢٥

مع أنّ صرف سهم المؤلّفة والغازي عند جماعة خصوصا المتأخّرين مخصوص بالإمام عليه‌السلام ، بل لعلّ سهم العاملين عليها أيضا كذلك ، كما ستعرف ، مع أنّه لا شك في أنّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمير المؤمنين والحسن عليهم‌السلام كانوا يأخذون ويأمرون العمّال بأخذ مالهم ، بل وعيّن للعاملين ما عيّن.

وكذلك الحال في جميع الخلفاء إلى آخر زمان الغيبة الصغرى ، حتّى أنّ زين العابدين عليه‌السلام استدان وجها وبعث به إلى الحاكم ، وقال : «إنّه زكاة مالي» (١) يريد أن لا يظهر في الألسن ذكر فقره عليه‌السلام.

وممّا ذكر ظهر الحال في جميع الاعتراضات وفسادها ، ومنها ما ذكر من الحاجة إلى القول بعدم الفصل بين الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والإمام ، إذ عرفت حال الأخبار.

مع أنّ عدم القول به لا شكّ فيه ، وظهر أيضا حال الجواب عن الاستدلال بفعل أبي بكر ، وعدم إنكار أصحابه ، من أنّ مقاتلته تمنعهم من أداء الزكاة ، مضافا إلى أنّ الظاهر أنّ مقاتلته من جهة أنّهم ما أعطوا الذين ذهبوا إليهم من طرف أبي بكر ، مع أنّه إذا طلب الإمام فلا تأمّل في وجوب التسليم له.

وبالجملة ؛ الحال في زمان بسط يد الإمام عليه‌السلام ، لا حاجة لنا إلى معرفته هم عليهم‌السلام يعرفون بالبديهة.

مع أنّ الظاهر أنّ الأمر ، كما عرفت ، وإنّما الإشكال في زماننا ، هل يجب التسليم إلى الفقيه أم لا؟ بل يجوز للمالك أن يعطي ، مع أنّه لا نزاع في أنّ الأولى الدفع إليه ، بل وأنّه هو الأحوط ، بل وإنّ الاحتياط فيه ، مع التمكّن وإن كان مقتضى ظواهر الأخبار الجواز للمالك (٢) ، بظهور اتّحاد حالنا مع حال الرواة ، من إجماع يقينيّ أو ظنّي ، فلا بدّ من التأمّل في أنّ الإجماع يقينيّ أم ظنّي ، ولعلّ الأوّل أقوى ، فتدبّر!

__________________

(١) لم نعثر عليه في مظانّه.

(٢) وسائل الشيعة : ٩ / ٢٨٢ الباب ٣٦ من أبواب المستحقّين للزكاة.

٥٢٦

٢٣٩ ـ مفتاح

[أقلّ ما يعطى الفقير]

أقلّ ما يعطى الفقير ما يجب في النصاب الأوّل عند الأكثر للصحيح : «لا يعطى أحد من الزكاة أقلّ من خمسة دراهم فصاعدا ، وهو أقلّ ما فرض الله من الزكاة في أموال المسلمين فلا تعطوا أحدا أقلّ من خمسة دراهم فصاعدا» (١).

وفي معناه رواية اخرى (٢).

واقتصر الإسكافي (٣) والديلمي (٤) بما يجب في الثاني ، وهو درهم أو عشر دينار ، ولم نجد دليلهما.

والسيّد والحلّى لم يحدّا بحدّ (٥) ، للأصل والإطلاق وامتثال الأمر. وفي

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٩ / ٢٥٧ الحديث ١١٩٦٦.

(٢) وسائل الشيعة : ٩٤ / ٢٥٧ ، الحديث ١١٩٦٨.

(٣) نقل عنه في المعتبر : ٢ / ٥٩٠ ، مختلف الشيعة : ٣ / ٢٢٦.

(٤) المراسم : ١٣٣ و ١٣٤.

(٥) رسائل الشريف المرتضى : ٣ / ٧٩ ، السرائر : ١ / ٤٦٤.

٥٢٧

المكاتبتين الصحيحتين : جواز إعطاء الدرهم والثلاثة حين سئل عنه (١) ، ولعلّه أقوى ، ولا سيّما إذا كثر الإخوان وعدم الرجحان ، والعلّامة نزل ذلك على الاستحباب وادّعى الإجماع عليه (٢) ، لكن ظاهر الأكثر ؛ بل صريح «المعتبر» ينادي بأنّه على الوجوب (٣).

ولا حدّ للأكثر إجماعا ، فخير الصدقة ما أبقت غنى ، وفي الصحيح : «أعطه من الزكاة حتّى تغنيه» (٤).

وفي الموثّق : «إذا أطعيته فأغنه» (٥) والمعتبر في معناهما مستفيضة (٦).

وقيل : لا يعطي ذو الكسب القاصر زيادة على ما يتمّ به كفايته (٧) ، وهو شاذّ.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٩ / ٢٥٦ و ٢٥٨ الحديث ١١٩٦٥ و ١١٩٦٩.

(٢) تذكرة الفقهاء : ٥ / ٣٤٠ المسألة ٢٥١.

(٣) المعتبر : ٢ / ٥٩٠.

(٤) وسائل الشيعة : ٩ / ٢٥٩ الحديث ١١٩٧٤.

(٥) وسائل الشيعة : ٩ / ٢٥٩ الحديث ١١٩٧٣ مع اختلاف يسير.

(٦) وسائل الشيعة : ٩ / ٢٥٨ الباب ٢٤ من أبواب المستحقين للزكاة.

(٧) الظاهر من «المنتهى» : تحقّق الخلاف في غير ذي الكسب من أصناف الفقراء أيضا ، مع أنّه ادّعى الإجماع في موضع آخر منه على جواز إعطاء الفقير ما يغنيه وما يزيد على غناه ، والأظهر أنّ الخلاف مختصّ به ، كما يستفاد من عباراتهم ، [لاحظ! منتهى المطلب : ١ / ٥١٨ و ٥٢٨ ط. ق].

واستحسن في «البيان» عدم جواز إعطاء الزيادة ، قال : وما ورد في الحديث من الإغناء بالصدقة محمول على غير المكتسب ، [لاحظ! البيان : ٣١١].

وفيه ؛ أنّ هذا الحمل يتوقّف على وجود المعارض وليس ، وما في الصحيح : «ويأخذ البقيّة من الزكاة» [وسائل الشيعة : ٩ / ٢٣٨ الحديث ١١٩٢٣] ، غير صريح في المنع من الزيادة ، مع أنّ مورد الرواية من له مال يتّجر به وعجز عن استنماء الكفاية لا ذو الكسب القاصر منه ، «منه رحمه‌الله».

٥٢٨

قوله : (عند الأكثر).

بل السيّد في «الانتصار» قال : انفردت الإماميّة بالقول بأنّه لا يعطى الفقير الواحد من الزكاة المفروضة أقلّ من خمسة دراهم ، ويروي : أنّ الأقلّ درهم واحد ، وباقي الفقهاء يخالفون في ذلك ، ويجيزون إعطاء القليل والكثير من غير تحديد ، وحجّتنا على ما ذهبنا إليه إجماع الطائفة ، وطريقة الاحتياط في إبراء الذمّة (١).

وحكي عنه أنّه ادّعى ذلك في الدرهم ، أي الإجماع والاحتياط (٢) ، وإن حكي عنه أيضا في «الجمل» خلافهما (٣) ، وليس عندي كتبه ، لكن المظنون أنّ العامّة لم يعيّنوا (٤) ، والخاصّة عيّنوا ، سواء كان على الوجوب ، كما هو الظاهر عن الأكثر من القدماء ، ومن وافقهم من المتأخّرين ، أو على الاستحباب ، كما هو الظاهر من غيرهم ، فالكلّ اتّفقوا عليه.

فعلى هذا ؛ يشكل حمل الصحيح والقوي على الكراهة (٥) ، سيّما والمعارض مطابق لهم ، وهم كثيرا ما اتّقوا في الجواب لها ، كما هو مشاهد ومحقّق.

ووجهه أيضا واضح ، لأنّهم كانوا يخافون من الوقوع في يد الأعداء ، وقد حقّقنا ذلك في كتاب الطهارة في مسألة أنّ المستحاضة إذا أخلّت بالأغسال ، هل

__________________

(١) الانتصار : ٨٢.

(٢) حكى عنه في مختلف الشيعة : ٣ / ٢٢٦.

(٣) حكى عنه في مختلف الشيعة : ٣ / ٢٢٥ ، لاحظ! رسائل الشريف المرتضى (جمل العلم والعمل) : ٣ / ٧٩.

(٤) لاحظ! بداية المجتهد : ١ / ٢٨٦ و ٢٨٧ ، تذكرة الفقهاء : ٥ / ٣٤٠ المسألة ٢٥١.

(٥) مدارك الأحكام : ٥ / ٢٨٠ و ٢٨١.

٥٢٩

تقضي صومها أم لا؟ وغير ذلك (١).

مع أنّه ظاهر أنّ السبب في اختلاف الأخبار هو التقيّة غالبا ، بل هو الأصل فيه ، مع أنّ المشاهدة أقوى من المكاتبة على أيّ تقدير ، مع إمكان حمل المعارض على أنّ العطيّة من النصاب الثاني والثالث ، وإن كان خلاف الظاهر ، لأنّه أضعف ممّا دلّ على المنع ، سيّما بملاحظة تراكم أفهام الفقهاء عليه.

مع أنّ المعارض رواية واحدة رواها الشيخ خاصّة (٢) ، بخلاف ما دلّ على المنع فإنّه روايتان روى الصحيحة منهما الكليني وغيره (٣) ، وغير الصحيحة الشيخ (٤) ، مع أنّ المعارض سنده لا يقاوم سند الصحيحة كما لا يخفى ،

وكيف كان ؛ الاحتياط واضح بحمد الله ، لكن لا يخفى أنّ ذلك إذا كان في ذمّته النصاب الأوّل.

وأمّا إذا أعطى ما في الأوّل ، وجب عليه إعطاء الباقي من غير اعتبار الخمسة دراهم.

وأمّا مع اجتماع الأوّل والثاني فالأحوط دفع الجميع لواحد ، وما نقل عن الشهيد وغيره من جواز دفع كلّ واحد منهما لواحد ، من دون تحريم ولا كراهة (٥) ، ففيه ما فيه.

__________________

(١) راجع! الصفحة : ٢٥٢ ـ ٢٥٥ (المجلّد الأوّل) من هذا الكتاب.

(٢) لاحظ! وسائل الشيعة : ٩ / ٢٥٨ الحديث ١١٩٦٩.

(٣) الكافي : ٣ / ٥٤٨ الحديث ١ ، المحاسن : ٢ / ٣٨ الحديث ١١٢٠ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٢٥٧ الحديث ١١٩٦٦.

(٤) تهذيب الأحكام : ٤ / ٦٢ الحديث ١٦٨ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٢٥٧ الحديث ١١٩٦٨.

(٥) نقل عن الشهيد وغيره في مدارك الأحكام : ٥ / ٢٨٢.

٥٣٠

قوله : (فخير الصدقة). إلى آخره.

قد عرفت شرح ذلك فيما سبق ، إلّا أنّ الصدوق قال في كتابه «العلل» ـ باب العلّة التي من أجلها يعطى المؤمن ثلاثة آلاف وعشرة آلاف ، ويعطى الفاجر بقدر ـ حدّثنا محمّد بن الحسن ، قال : حدّثنا أحمد بن إدريس ومحمّد بن يحيى العطّار [جميعا] ، عن محمّد بن أحمد بن يحيى ، عن عليّ بن محمّد ، عن بعض أصحابنا ، عن بشر بن بشّار ، قال : قلت للرجل ـ يعني أبا الحسن عليه‌السلام ـ : ما حدّ المؤمن الذي يعطى الزكاة؟ قال : «يعطى المؤمن ثلاثة آلاف» ، ثمّ قال : «أو عشرة آلاف ، ويعطى الفاجر بقدر ، لأنّ المؤمن ينفقها في طاعة الله ، والفاجر في معصية الله» (١).

لكن لم ينسب أحد من الفقهاء ذلك إليه ، مع أنّه لم يختر ذلك في كتب فتاويه أصلا ، مثل «من لا يحضره الفقيه» وغيره.

مع أنّ الأوّل كتبه لمن لا يحضره الفقيه ، وقال في أوّله ما قال.

مع أنّه صرّح فيه بمنع إعطاء الزكاة لشارب الخمر (٢) ، وقال أيضا : ويجوز للرجل أن يعطي الرجل الواحد من زكاته حتّى يغنيه ، ويجوز له أن يعطيه حتّى يبلغ مائة ألف ويفضّل الذي لا يسأل عن الذي يسأل (٣) ، انتهى.

ولم يشر إلى فرق بين الفاجر وغيره أصلا ، ولا تفضيل الثاني على الأوّل مطلقا ، وصرّح بالإعطاء للمستحقّ مطلقا ، إلى أن يغنيه ، أو مائة ألف ، وخصّص التفضيل بخصوص من لا يسأل على من يسأل ، كما هو الحال في غيره من فقهائنا ، بل عرفت أنّ ذلك إجماعي ، لا خلاف لأحد فيه أصلا.

__________________

(١) علل الشرائع : ٣٧٢ الحديث ١ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٢٤٩ الحديث ١١٩٤٨.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ٢ / ١٧ ذيل الحديث ٥٦.

(٣) من لا يحضره الفقيه : ٢ / ١٨ ذيل الحديث ٥٨.

٥٣١

وصرّح في كتابه «العلل» أنّه ليس كتاب عمله (١) ، ولا يتوهّم أحد أنّ ما أتى به فهو مرضي عنده ، بل يذكر فيه كلّ ما تضمّن علّة ، وإن لم يكن حقّا وكان باطلا ، صرّح بذلك فيه ، بل ربّما صرّح فيه مكرّرا ، بل في أوّل «الفقيه» أيضا أشار بذلك ، حيث قال : لم أقصد في هذا الكتاب. إلى آخره (٢) ، فلاحظ!

وقد بسطنا الكلام في ذلك في رسالتنا في عدم تحريم الجمع بين العلويّتين (٣).

وبالجملة ؛ الحديث المذكور ضعيف قطعا ، غير منجبر أصلا ، بل ومخالف للإجماعات المتعدّدة المذكورة في بحث جواز إعطاء الزكاة إلى أن يغني ، وبحث عدم جواز إعطاء الزكاة للفاسق.

والأخبار المتواترة المذكورة في المبحثين (٤) ، وغير المذكورة فيهما ما هو حجّة لهما ، سواء كانت لجميع الفقهاء كما في الأوّل ، أو حجّة لكلّ واحد واحد من المتنازعين من الفقهاء ، كما في الثاني ، فإنّ الأخبار الدالّة على عدم جواز الإعطاء للفاسق ، قد عرفت الأخبار الدالّة على الجواز ، بناء على عموم لفظ المؤمن والعارف ونحوهما أيضا قد أشرنا إليها ، وكذا مخالف لما ظهر من القرآن (٥) ، والأخبار المتواترة في تحريم إعانة الإثم والظالم وغير ذلك (٦).

فكيف يقول عليه‌السلام : أعط الفاجر بقدر ، لأنّه ينفقه في معصية الله تعالى؟ فالخبر مجمع عيوب كثيرة : الضعف ، والشذوذ ، ومخالفة الإجماعات ، والإجماع يقينيّ ،

__________________

(١) علل الشرائع : ٢ / ٣٥٠ ذيل الحديث ٦.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٣.

(٣) راجع! الرسائل الفقهية : ١٧٥ ـ ١٩٤.

(٤) لاحظ! وسائل الشيعة : ٩ / ٢٤٩ و ٢٥٨ الباب ١٧ و ٢٤ من أبواب المستحقّين للزكاة.

(٥) المائدة (٥) : ٢.

(٦) راجع! وسائل الشيعة : ١٦ / ٥٥ الباب ٨٠ من أبواب جهاد النفس.

٥٣٢

ومخالفة المتواترة من الأخبار الواردة في أحكام متعدّدة ، بل في كلّ حكم أخبار متواترة ، ومخالفة القرآن والعقل ، ومخالفة لفتاوى نفس الراوي الناقل ، ولعلّه الموافق للعامّة ، مناسب لطريقتهم ، فتأمّل جدّا!

ومع غاية ضعف سنده أيضا ، قال الراوي : قلت للرجل ، غير ظاهر كونه المعصوم عليه‌السلام ، ولذا لم يكتب رمز أو مثله.

وقوله : «يعني أبا الحسن عليه‌السلام» ، معلوم أنّه ليس قوله ، بل قول غيره.

فظهر أنّه اجتهاد منه ظاهرا ، فلعلّ القائل أخطأ في ظنّه ، مع أنّه سأل عن حدّ المؤمن؟ فأجاب عليه‌السلام بما ينادي بأنّ المؤمن عندهم في مقابل الفاجر ، كما عرفته مشروحا ، فسؤاله عن حدّ المؤمن الذي يستحقّ الزكاة.

فالجواب بحسب الظاهر لا يطابق السؤال ، ففيه حزازة ما ، وكذا في قوله : «ثلاثة آلاف ، ثمّ قال : أو عشرة آلاف» مع أنّه لا حدّ للأكثر بالإجماع ، ومع جميع ذلك قال : «الفاجر بقدر» من دون حدّ فيه أصلا.

ومع ذلك ليس فيه تصريح بأنّ الفاجر يعطى من الزكاة ، وإن كان الظاهر ذلك ، لكن ليس مثل ظهور المؤمن ، لوجوب المطابقة بين السؤال ، بناء على أنّه سأل عن حدّ ما يعطى المؤمن من الزكاة؟

لكن عرفت الحزازات ، كلّها يوهن دلالة كون ما يعطى الفاجر من الزكاة ، فتأمّل جدّا!

مع أنّ هذه الحزازات تضعّف القائل بكونه أبا الحسن عليه‌السلام ، لو لم نقل بخطئه ، بل لعلّ الظاهر ذلك ، بملاحظة جميع ما ذكر ، فتدبّر!

٥٣٣
٥٣٤

٢٤٠ ـ مفتاح

[صرف الزكاة في بلد المال]

الأفضل صرف الزكاة في بلد المال ، كما في الخبر : كان صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقسّم صدقة أهل البوادي في أهل البوادي ، وصدقة أهل الحضر في أهل الحضر (١).

ويجوز نقلها إلى بلد آخر وإن وجد المستحقّ في بلده على الأصحّ ، للصحيحين وغيرهما (٢) ، خلافا للخلاف وجماعة (٣) مع وجود المستحقّين ، لأنّ فيه نوع خطر وتغرير بها وتعريض لإتلافها.

وردّ بأنّه مندفع بالضمان (٤) ، فإنّه يضمن بنقلها حينئذ بلا خلاف ، أمّا الإجزاء فإجماعي ، ومع فقدان المستحق لا ضمان ولا إثم إلّا مع التفريط قولا واحدا.

وكذا الكلام في تأخير الدفع عن وقت وجوب الإخراج ، فإنّه يضمن به

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٩ / ٢٦٥ الحديث ١١٩٨٧.

(٢) لاحظ! وسائل الشيعة : ٩ / ٢٨٢ الباب ٣٧ من أبواب المستحقّين للزكاة.

(٣) الخلاف : ٢ / ٢٨ المسألة ٢٦ ، شرائع الإسلام : ١ / ١٦٥ ، تذكرة الفقهاء : ٥ / ٣٤١ ، اللمعة الدمشقية : ٤٢ و ٤٣.

(٤) مدارك الأحكام : ٥ / ٢٦٨ ، ذخيرة المعاد : ٤٦٦.

٥٣٥

مع وجود المستحقّ لا بدونه ، كما في المعتبرة (١) ولا إثم عليه في الحالين على الأصح ، سيّما إذا قصد بتأخيره البسط أو دفعها إلى الأفضل ، وفاقا للحلّي والشهيدين (٢) للمعتبرة المستفيضة (٣).

ويستحبّ عزلها فورا وجد المستحقّ أو لم يجد ، للموثّق وغيره (٤) ، ولا ضمان حينئذ إلّا بالتفريط ، وفي الحسن : «إذا أخرجها من ماله فذهبت ولم يسمّها لأحد فقد برئ منها» (٥).

ولا يجوز تقديمها إلّا على سبيل القرض والاحتساب بعد الوقت مع بقاء الوجوب والاستحقاق للمعتبرة ؛ منها الحسن : أيزكّي الرجل ماله إذا مضى ثلث السنة؟ قال : «لا أيصلّي الاولى قبل الزوال؟» (٦). خلافا للعماني والديلمي (٧) للصحيح : «لا بأس بتعجيل الزكاة شهرين» (٨) ، وفي آخر : قلت : فإنّها لا تحل عليه إلّا في المحرّم فيعجّلها في شهر رمضان ، قال : «لا بأس به» (٩).

وحملا على القرض ، لورود المستفيضة بذلك ، منها الصحيح : في رجل

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٩ / ٢٨٦ الحديث ١٢٠٣٦.

(٢) السرائر : ١ / ٤٥٤ و ٤٥٥ ، الدروس الشرعيّة : ١ / ٢٤٥ ، الروضة البهيّة : ٢ / ٣٩ ، مسالك الأفهام : ١ / ٤٢٨.

(٣) وسائل الشيعة : ٩ / ٣٠١ الحديث ١٢٠٧٢ ، ٣٠٢ الحديث ١٢٠٧٤ ، ٣٠٧ الحديث ١٢٠٨٨ و ٣٠٨ الحديث ١٢٠٩١.

(٤) وسائل الشيعة : ٩ / ٣٠٦ ـ ٣٠٨ الباب ٥٢ من أبواب المستحقين للزكاة.

(٥) وسائل الشيعة : ٩ / ٢٨٦ الحديث ١٢٠٣٦.

(٦) وسائل الشيعة : ٩ / ٣٠٥ الحديث ١٢٠٨٥.

(٧) نقل عن ابن أبي عقيل في مختلف الشيعة : ٣ / ٢٤٠ ، المراسم : ١٢٨.

(٨) وسائل الشيعة : ٩ / ٣٠٢ الحديث ١٢٠٧٤.

(٩) وسائل الشيعة : ٩ / ٣٠٢ الحديث ١٢٠٧٢.

٥٣٦

عجّل زكاة ماله ثمّ أيسر المعطي قبل رأس السنة ، فقال : «يعيد المعطي الزكاة» (١).

وتخصيص الشهرين بالذكر لا يقتضي التخصيص بالحكم ، فلا يرد جواز الاقتراض أكثر من ذلك.

وفي رواية : سئل عن التعجيل؟ فقال : «إذا مضت ثمانية أشهر فلا بأس» (٢).

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٩ / ٣٠٤ الحديث ١٢٠٨١.

(٢) وسائل الشيعة : ٩ / ٣٠٢ الحديث ١٢٠٧٥ مع اختلاف.

٥٣٧
٥٣٨

قوله : (كما في الخبر). إلى آخره.

لا دلالة فيه أصلا ، إذ صدقة الحضري في الحضري لا يستلزم أن يكون في بلد المال ، إذ كلّ حضري يكون يكفي ، فهو ظاهر في خلافه ، دالّ على الخلاف سيّما بملاحظة ما ذكر فيها بعده ، فإنّه عليه‌السلام قال بعد ذلك : «ولا يقسّمها بينهم بالسويّة ، وإنّما يقسّمه على قدر ما يحضره منهم وما يرى ، وليس في ذلك شي‌ء مؤقّت» (١) فتدبّر!

ولم يظهر منه إلّا أولويّة صرف زكاة من هو من الحضريين فيمن هو من الحضريين ، وزكاة من هو بدويّ فيمن هو بدويّ.

بل ورد : «لا تحلّ صدقة المهاجرين في الأعراب ، ولا صدقة الأعراب في المهاجرين» (٢) ، والخبر الذي ذكره أيضا صحيحة زرارة عن عبد الكريم بن عتبة الهاشمي عن الصادق عليه‌السلام (٣).

نعم ؛ يدلّ عليه أنّ فيه الأمن عن الخطر والتغرّر بها ، والحفظ عن التلف ، والخلاص عن احتمال تضييع المال ، فإنّ تضييعه منهيّ عنه ، كما لا يخفى ، وأنّ فيه الخروج عن الخلاف الآتي ، وأنّ ذلك يظهر من التأمّل في الأخبار الآتية ، مضافا إلى أنّ أعين فقراء كلّ موضع ممدودة إلى أموال ذلك الموضع ، فجعلهم مأيوسين عنها مكروه كراهة شديدة.

بل ربّما كان محظورا إن لم يقم مقامه شي‌ء ، لأنّ الزكاة قوت مقرّر من الله للفقراء ، كما عرفت ، فتأمّل!

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : ٢ / ١٦ الحديث ٤٨ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٢٦٥ الحديث ١١٩٨٧.

(٢) تهذيب الأحكام : ٤ / ١٠٨ الحديث ٣٠٩ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٢٨٤ الحديث ١٢٠٣١.

(٣) تهذيب الأحكام : ٤ / ١٠٣ الحديث ٢٩٢ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٢٨٤ الحديث ١٢٠٣٢.

٥٣٩

قوله : (للصحيحين وغيرهما).

في الصحيح عن هشام بن الحكم ، عن الصادق عليه‌السلام : في الرجل يعطي الزكاة يقسّمها أله أن يخرج الشي‌ء منها من البلد الذي هو به إلى غيره؟ قال : «لا بأس» (١).

وعن أحمد بن حمزة ـ في الصحيح على الظاهر ـ قال : سألت أبا الحسن الثالث عليه‌السلام عن الرجل يخرج زكاته من بلد إلى بلد آخر ويصرفها إلى إخوانه ، فهل يجوز ذلك؟ فقال : «نعم» (٢).

وفي الموثّق عن وهيب بن حفص قال : كنّا مع أبي بصير فأتاه عمرو بن إلياس فقال له : يا أبا محمّد! إنّ أخي بحلب [بعث] إليّ بمال من الزكاة اقسّمه بالكوفة ، فقطع عليه الطريق ، فهل عندك فيه رواية؟ فقال : نعم ؛ سألت الباقر عليه‌السلام عن هذه المسألة ، فقال : «قد أجزأته ، ولو كنت [أنا] لأعدتها» (٣).

وفي الصحيح ، عن ابن أبي عمير ، عمّن أخبره ، عن درست ، عن رجل ، عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال في الزكاة يبعث بها الرجل إلى بلد غير بلده ، قال : «لا بأس أن يبعث بها الثلث أو الربع» شكّ أبو أحمد (٤).

يدلّ عليه أيضا الصحيحتان السابقتان ، ويؤيّده جواز النقل إلى الإمام ونائبه مع جواز التصرّف في بلد المال ، لكن على هذا لا أولويّة في الصرف في بلده إن قلنا بجوازه.

قوله : (وردّ بأنّه). إلى آخره.

لا يخفى أنّ الظاهر من كلام المانعين ليس إلّا المنع من النقل الذي يكون فيه

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : ٢ / ١٦ الحديث ٥٠ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٢٨٢ الحديث ١٢٠٢٦.

(٢) تهذيب الأحكام : ٤ / ٤٦ الحديث ١٢٢ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٢٨٣ الحديث ١٢٠٢٩.

(٣) الكافي : ٣ / ٥٥٤ الحديث ٩ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٢٨٧ الحديث ١٢٠٣٨ مع اختلاف يسير.

(٤) الكافي : ٣ / ٥٥٤ الحديث ٦ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٢٨٣ الحديث ١٢٠٢٧.

٥٤٠