مصابيح الظلام - ج ٨

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

مصابيح الظلام - ج ٨

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الطبعة: ١
ISBN: 964-94422-7-6
ISBN الدورة:
964-94422-0-0

الصفحات: ٥٢٨

١
٢

٣
٤

١٦٣ ـ مفتاح

[وجوب وضع المواضع السبعة على الأرض]

يجب وضع سبعة أعظم على الأرض : الجبهة ، والكفّين ، والركبتين ، وإبهامي الرجلين ، للصحاح (١) ، ويكفي فيها المسمّى ، وفاقا للأكثر (٢) ، للعمومات والمعتبرة المستفيضة الصريحة (٣).

منها : «إذا مسّ شي‌ء من جبهته الأرض فيما بين حاجبيه وقصاص شعره فقد أجزأ عنه» (٤).

وأوجب الإسكافي تمام الجبهة (٥) ، للصحيح (٦) ، وحمل على الأفضليّة (٧) ، للجمع.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٥ / ٤٥٩ الحديث ٧٠٧٧ ، ٤٦١ الحديث ٧٠٧٨ ، ٦ / ٣٤٣ الحديث ٨١٣٤ ، ٣٤٥ الحديث ٨١٤٠ و ٨١٤١.

(٢) تذكرة الفقهاء : ٣ / ١٨٧ ، روض الجنان : ٢٧٦ ، لاحظ! الحدائق الناضرة : ٨ / ٢٨٠.

(٣) وسائل الشيعة : ٦ / ٣٥٥ الحديث ٨١٧٠ و ٨١٧١ ، ٣٥٦ الحديث ٨١٧٣.

(٤) وسائل الشيعة : ٦ / ٣٥٥ الحديث ٨١٧٠.

(٥) نقل عنه في ذكرى الشيعة : ٣ / ٣٩٢.

(٦) وسائل الشيعة : ٥ / ٣٦٣ الحديث ٦٨٠٠.

(٧) مدارك الأحكام : ٣ / ٤٠٥.

٥

والموثّق : «الجبهة إلى الأنف أيّ ذلك أصبت به الأرض أجزأك ، والسجود عليه كلّه أفضل» (١).

وقيل : يجب وضع مقدار الدرهم منها (٢) ولم نجد مستنده (٣).

ويشترط في محلّها أن يكون طاهرا بالإجماع. وفيه نظر ، لورود المعتبرة بجواز الصلاة في الأمكنة التي أصابها البول والمني إذا كانت يابسة (٤) ، من غير معارض ، فإنّ مثل هذا الإجماع بانفراده لا يعتمد عليه إلّا أن يخصّص المعتبرة بإرادة ما عدا موضع الجبهة.

وأن يكون أرضا أو ما نبت منها غير مأكول ولا ملبوس عادة ، للصحاح المستفيضة (٥) ، إلّا عند الضرورة فيسقط ذلك.

وفي الخبر : فإن منعه الحرّ من السجود سجد على ثوبه وإلّا على كفّه (٦).

وجوّز السيّد على القطن والكتّان من غير ضرورة ولا تقيّة (٧) ، كما في الأخبار (٨) ، وهي معارضة بما هي أصحّ سندا منها (٩).

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٦ / ٣٥٦ الحديث ٨١٧٢.

(٢) المقنع : ٨٧ ، السرائر : ١ / ٢٢٥ ، ذكرى الشيعة : ٣ / ٣٨٩.

(٣) أمّا ما في الحسن : «إنّما سقط عن ذلك الأرض أجزأك مقدار الدرهم ومقدار الأنملة» [وسائل الشيعة : ٦ / ٣٥٦ الحديث ٨١٧٤ مع اختلاف يسير] فلا يدلّ على ما ذهب إليه القائل ، «منه رحمه‌الله».

(٤) وسائل الشيعة : ٣ / ٤٥٣ الباب ٣٠ من أبواب النجاسات.

(٥) وسائل الشيعة : ٥ / ٣٤٣ الباب ١ من أبواب ما يسجد عليه.

(٦) وسائل الشيعة : ٥ / ٣٥١ الحديث ٦٧٦٥ نقل بالمضمون.

(٧) رسائل الشريف المرتضى : ١ / ١٧٤.

(٨) وسائل الشيعة : ٥ / ٣٤٨ الحديث ٦٧٥٦ و ٦٧٥٧ ، ٣٥١ الحديث ٦٧٦٧.

(٩) وسائل الشيعة : ٥ / ٣٤٣ و ٣٤٤ الحديث ٦٧٤٠ و ٦٧٤٢ و ٦٧٦٥ ، ٣٤٦ الحديث ٦٧٥١.

٦

ولا يجوز على المعادن ، للمعتبرة (١) ، وفي الأراضي المستحيلة كالجص والنورة والخزف قولان ، والصحيح (٢) في الجصّ يشعر بالجواز.

ويجوز على القرطاس قولا واحدا وان تركّب ممّا لا يصحّ عليه ، للصحاح المستفيضة (٣).

نعم يكره على المكتوبة منه ، كما في الصحيح (٤).

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٥ / ٣٦٠ الباب ١٢ من أبواب ما يسجد عليه.

(٢) وسائل الشيعة : ٥ / ٣٥٨ الحديث ٦٧٨٨.

(٣) وسائل الشيعة : ٥ / ٣٥٥ الباب ٧ من أبواب ما يسجد عليه.

(٤) وسائل الشيعة : ٥ / ٣٥٦ الحديث ٦٧٨٣.

٧
٨

قوله : (يجب). إلى آخره.

هذا هو المشهور ، بل نقل في «التذكرة» إجماع الأصحاب عليه (١) ، وكذلك نقل في «الذكرى» (٢) ، وعن المرتضى وابن إدريس أنّهما جعلا عوض الكفّين المفصل عند الزندين (٣) ، فظاهر الصدوق وجوب الإرغام أيضا ، لأنّه قال من تركه فلا صلاة له (٤).

ويدلّ على المشهور صحيحة زرارة عن الباقر عليه‌السلام : «أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : السجود على سبعة أعظم : الجبهة ، واليدين ، والركبتين ، والإبهامين [من الرجلين] وترغم بأنفك إرغاما ، فأمّا الفرض فهذه السبعة وأمّا الإرغام [بالأنف] فسنّة من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» (٥).

وصحيحة حمّاد المشهورة : «أنّ الصادق عليه‌السلام لمّا علّم الصلاة سجد على الثمانية ، السبعة الأعظم المذكورة والأنف ، قال : «سبعة منها فرض [يسجد عليها] وهي التي ذكرها الله عزوجل في كتابه ، وقال (وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً) (٦) وهي الجبهة ـ [إلى أن] قال ـ : «ووضع الأنف على الأرض سنّة» (٧).

وفي «الغوالي» أنّه روى أنّ المعتصم سأل الجواد عليه‌السلامعن قوله تعالى : (وَأَنَّ

__________________

(١) تذكرة الفقهاء : ٣ / ١٨٤ المسألة ٢٥٦.

(٢) ذكرى الشيعة : ٣ / ٣٨٧.

(٣) رسائل الشريف المرتضى : ٣ / ٣٢ ، السرائر : ١ / ٢٢٥.

(٤) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٠٥ ذيل الحديث ٩٣٠ ، الهداية : ١٣٧.

(٥) تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٩٩ الحديث ١٢٠٤ ، الاستبصار : ١ / ٣٢٧ الحديث ١٢٢٤ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٣٤٣ الحديث ٨١٣٤.

(٦) الجنّ (٧٢) : ١٨.

(٧) الكافي : ٣ / ٣١١ الحديث ٨ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٤٦١ الحديث ٧٠٧٨.

٩

الْمَساجِدَ)؟ فقال عليه‌السلام : «هي الأعضاء السبعة التي يسجد عليها» (١).

وهذه تدلّ على اشتهار كون السجود على الأعضاء السبعة ، ومسلّميّته ومقبوليّته عند الكلّ ، إلّا أنّه نقل في «المنتهى» أنّ أبا حنيفة اكتفى بالجبهة (٢).

وفي «الغوالي» أيضا : وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أمرت أن أسجد على سبعة آراب» أي أعضاء (٣). وسيجي‌ء أيضا ما يدلّ على ذلك.

والكفّان يشملان الأصابع ، ويكفي المسمّى لصدق الامتثال ، وعدم معروفيّة خلاف من الفقهاء في ذلك ، إلّا ما نقل عن «المنتهى» من أنّه قال : هل يجب استيعاب جميع الكفّ بالسجود؟ عندي فيه تردّد ، والحمل على الجبهة يحتاج إلى دليل ، ولورود النصّ في خصوص الجبهة ، والتعدّي يحتاج إلى دليل (٤) ، انتهى.

وفيه ، أنّه لو تمّ لما انحصر إشكاله في الكفّ ، بل سائر المساجد يصير حكمه حكم الكفّ.

والأحوط بل الأظهر اعتبار باطن الكفّين ، لكون ذلك هو المعهود من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمّة عليهم‌السلام ، والمسلمين في الأعصار والأمصار ، وكونه المتبادر من الأخبار ، ومن فتاوى الأصحاب ، بل صرّح العلّامة في «النهاية» والشهيدان بعدم الإجزاء بالظاهر (٥). ونقله في «الذكرى» عن الأكثر (٦).

وفي «الذخيرة» : ونقل في «النهاية» عن ظاهر علمائنا إلّا المرتضى ،

__________________

(١) عوالي اللآلي : ٢ / ٣٤ الحديث ٨٦ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٣٤٥ الحديث ٨١٤١.

(٢) منتهى المطلب : ٥ / ١٤٣ ، لاحظ! المغني لابن قدامة : ١ / ٣٠٣ الفصل ٧١٨.

(٣) عوالي اللآلي : ٢ / ٣٥ الحديث ٨٧.

(٤) نقل عنه في ذخيرة المعاد : ٢٨٦ ، لاحظ! منتهى المطلب : ٥ / ١٦٦.

(٥) نهاية الإحكام : ١ / ٤٨٨ ، ذكرى الشيعة : ٣ / ٣٩٢ ، البيان : ١٦٨ ، روض الجنان : ٢٧٦.

(٦) ذكرى الشيعة : ٣ / ٣٩٢.

١٠

وجوب تلقّي الأرض بباطن راحتيه (١) ، وتنظّر فيه في «المنتهى» (٢) ، وجوّز المرتضى وابن الجنيد وابن ادريس إلقاء الزندين (٣) ، انتهى. ولم نعرف مأخذهم.

والمذكور ، في عبارات الأكثر إبهامي الرجلين (٤) ، كما هو المذكور في النصّين (٥) ، والأحوط والأولى اعتبار رءوسهما ، إذ لعلّه الأظهر من فعل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمّة عليهم‌السلام ، والمتشرّعة ، ومن قولهم عليهم‌السلام.

واستقرب في «المنتهى» جواز السجود على ظاهر الإبهامين (٦) ، وعن «المبسوط» : وإن وضع بعض أصابع رجليه أجزأه (٧).

وعن ابن زهرة أنّه يسجد على أطراف القدمين (٨) ، و [عن] أبي الصلاح : أطراف أصابع الرجلين (٩).

وعن الشهيد تعيين الإبهامين (١٠) ، كما هو الظاهر من الأكثر ومن النصّين ، بل في الصحيح (١١) أنامل إبهامي الرجلين (١٢) ، كما عرفت ، والظاهر الأنملة الفوقانيّة ،

__________________

(١) نهاية الإحكام : ١ / ٤٩٠.

(٢) منتهى المطلب : ٥ / ١٦٦.

(٣) ذخيرة المعاد : ٢٨٦ ، لاحظ! رسائل الشريف المرتضى : ٣ / ٣٢ ، نقل عن ابن الجنيد في ذكرى الشيعة : ٣ / ٣٩٢ ، السرائر : ١ / ٢٢٥.

(٤) ذكرى الشيعة : ٣ / ٣٨٧ ، مدارك الأحكام : ٣ / ٤٠٣ ، ذخيرة المعاد : ٢٨٥.

(٥) وسائل الشيعة : ٦ / ٣٤٣ الحديث ٨١٣٤ (بسندين).

(٦) منتهى المطلب : ٥ / ١٦٦.

(٧) المبسوط : ١ / ١١٢.

(٨) غنية النزوع : ٨٠.

(٩) الكافي في الفقه : ١١٩.

(١٠) ذكرى الشيعة : ٣ / ٣٨٧.

(١١) في (ز ٣) : الحسن.

(١٢) وسائل الشيعة : ٥ / ٤٥٩ الحديث ٧٠٧٧.

١١

فربّما يؤيّد ما ذكرنا من أولويّة اعتبار رءوسهما.

لكن قال : لو تعذّر السجود عليهما لعدمهما أو قصرهما ، أجزأ على بقيّة الأصابع (١) ، واستحسنه في «الذخيرة» (٢).

ولعلّ المستند فيه ما هو مستند ابن زهرة (٣) ، من رواية الجمهور عن ابن عبّاس أنّه قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أمرت بالسجود على سبعة أعظم : اليدين والركبتين وأطراف القدمين والجبهة» (٤).

وفي «الغوالي» عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «اسجدوا على سبعة : اليدين ، والركبتين ، وأطراف أصابع الرجلين ، والجبهة» (٥) ، وهما مستندا أبي الصلاح أيضا (٦).

ويعضده طريقة المسلمين في الأعصار والأمصار من عدم رفعهم اليد عن القدمين في السجود ، إن أمكن بالإبهام وإلّا فبالإصبع وإلّا فبأجزاء الأصابع ، مع أنّ البراءة اليقينيّة موقوفة عليه.

مع أنّه روى في «الغوالي» عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «أمرت أن أسجد على سبعة أطراف : الجبهة ، واليدين ، والركبتين ، والقدمين» (٧) ، وفيها أيضا عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إذا سجد العبد سجد معه سبعة : وجهه وكفّاه وركبتاه وقدماه» (٨).

فما استحسنه لا شبهة في حسنه ، والمتبادر من السجود على الأعضاء

__________________

(١) ذكرى الشيعة : ٣ / ٣٨٨.

(٢) ذخيرة المعاد : ٢٨٦.

(٣) غنية النزوع : ٨٠.

(٤) صحيح مسلم : ١ / ٢٩٧ الحديث ٢٣٠ مع اختلاف يسير.

(٥) عوالي اللآلي : ١ / ١٩٦ الحديث ٥.

(٦) لاحظ! الكافي في الفقه : ١١٩.

(٧) عوالي اللآلي : ٢ / ٢١٩ الحديث ١٦.

(٨) عوالي اللآلي : ١ / ١٩٧ الحديث ٦ ، مستدرك الوسائل : ٤ / ٤٥٥ الحديث ٥١٤٥.

١٢

المذكورة ، أن يكون ثقل الجسد عليها والاعتماد ، فلو تحامل عنها لم يجز على ما صرّح به جماعة (١). وعلّل بعدم حصول الطمأنينة.

هذا ، مع أنّ البراءة اليقينيّة تتوقّف عليه لما ذكر ، لكونه هو المعهود من المسلمين ، بل ومن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمّة عليهم‌السلام على الظاهر ، فلو سجد على متخلخل من الصوف ، أو القطن وأمثاله ، وجب أن يعتمد عليه حتّى تثبت الأعضاء ، وإن لم تثبت لم تصلّ عليه ، ولا يجب المبالغة في الاعتماد بحيث يزيد على قدر ثقل الأعضاء وحصول الاستقرار والطمأنينة ، بل لا يحسن.

والظاهر وجوب التجافي في بطنه على الأرض ، وعدم جواز الإكباب على وجهه ويديه ورجليه وموضع جبهته ، لعدم كونه سجدة.

ولو قطع بعض المساجد أصلا ورأسا ، سقط وجوبه وأتى بما بقي ، لما عرفت مكرّرا من قول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إذا أمرتكم بشي‌ء فأتوا منه ما استطعتم» ، وقول علي عليه‌السلام : «الميسور لا يسقط بالمعسور» ، و «ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه» (٢) ، والاستصحاب.

قوله : (للمعتبرة). إلى آخره.

هي صحيحة زرارة عن أحدهما عليهما‌السلام قال : قلت له : الرجل يسجد وعليه قلنسوة أو عمامة ، قال : «إذا مسّ شي‌ء من جبهته الأرض فيما بين حاجبيه وقصاص شعره فقد أجزأ عنه» (٣).

__________________

(١) الدروس الشرعيّة : ١ / ١٨٠ ، البيان : ١٦٨ ، جامع المقاصد : ٢ / ٣٠١ ، روض الجنان : ٢٧٦.

(٢) عوالي اللآلي : ٤ / ٥٨ الحديث ٢٠٥ و ٢٠٦ و ٢٠٧ مع اختلاف يسير.

(٣) من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٧٦ الحديث ٨٣٣ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٣٥٥ الحديث ٨١٧٠.

١٣

ومثلها رواية عن الباقر عليه‌السلام (١) ، وصحيحة زرارة عن الصادق عليه‌السلام قال : «ما بين قصاص الشعر إلى طرف الأنف مسجد أيّ ذلك أصبت به الأرض أجزأك» (٢).

ومثلها موثّقة (٣) مروان بن مسلم ، وعمّار الساباطي عنه عليه‌السلام (٤) ، وقريب منها رواية بريد عن الباقر عليه‌السلام (٥) ، وهي معتبرة.

وفي صحيحة زرارة عن الباقر عليه‌السلام تجويز السجود على سواك وعلى عود (٦).

ولا يخفى أنّ المراد بالمسمّى ، المسمّى العرفي ، أي مسمّى له اعتداد ومقدار معتدّ به في الجملة ، فلا يكفي مقدار حبّة من خردل من التراب مثلا يكون على الفراش الصوف مثلا ، ويضع الجبهة على الفراش المذكور ، وعلى تلك الجهة التي عليه ، بل لا بدّ أن يكون التراب عليه شيئا معتدّا به ، بحيث يكون فردا متبادرا من المعتبرة المذكورة.

قوله : (وأوجب الاسكافي).

لم أجد نسبة هذا إليه في كتب العلّامة ، ولا في «المدارك» و «الذخيرة» وغيرهما (٧).

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٢ / ٨٥ الحديث ٣١٣ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٣٥٥ الحديث ٨١٧١.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٧٦ الحديث ٨٣٧ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٣٥٦ الحديث ٨١٧٣.

(٣) في (د ٢) : قويّة.

(٤) من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٧٦ الحديث ٨٣٦ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٩٨ الحديث ١٢٠١ ، الاستبصار : ١ / ٣٢٧ الحديث ١٢٢٢ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٣٥٦ الحديث ٨١٧٣.

(٥) تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٩٨ الحديث ١١٩٩ ، الاستبصار : ١ / ٣٢٦ الحديث ١٢٢١ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٣٥٦ الحديث ٨١٧٢.

(٦) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٣٦ الحديث ١٠٣٩ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٣١١ الحديث ١٢٦٤ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٣٦٤ الحديث ٦٨٠٢ و ٦٨٠٣.

(٧) نقل عنه في ذكرى الشيعة : ٣ / ٣٩٢.

١٤

والمراد من الصحيحة ، صحيحة علي بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه‌السلام قال : سألته عن المرأة تطول قصّتها فإذا سجدت وقع بعض جبهتها على الأرض ، وبعض يغطيه الشعر ، هل يجوز ذلك؟ قال : «لا ، حتّى تضع جبهتها على الأرض» (١) ، وحملت على الاستحباب جمعا ، وإن كان الحمل بعيد ، أو تطرح لشذوذها.

ويمكن الحمل على أن طول القصّة ربّما يمنع من وقوع الجبهة على النهج المتعارف في السجود على الأرض ، لأنّ القصّة شعر الناصية ، فتأمّل!

قوله : (وقيل يجب). إلى آخره.

القائل هو الصدوق في «الفقيه» و «المقنع» (٢) وابن إدريس (٣) ، والشهيد في «الذكرى» بعد ما اختار المسمّى قال : الأقرب أن لا ينقص في الجبهة عن درهم لتصريح الخبر وكثير من الأصحاب (٤) ، انتهى.

فيظهر منه كثرة القائل ، ومراده من الخبر حسنة زرارة ـ بـ إبراهيم ـ عن الباقر عليه‌السلام قال : «الجبهة كلّها من قصاص شعر الرأس إلى الحاجبين موضع السجود فأيّما سقط من ذلك إلى الأرض أجزأك مقدار الدرهم ومقدار طرف الأنملة» (٥).

وفيه ، أنّ هذه الحسنة مثل المعتبرة السابقة تدلّ على كفاية المسمّى المعتدّ به

__________________

(١) قرب الإسناد : ٢٢٤ الحديث ٨٧٤ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٣٦٣ الحديث ٦٨٠٠.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٧٥ ذيل الحديث ٨٢٧ ، المقنع : ٨٧.

(٣) السرائر : ١ / ٢٢٥.

(٤) ذكرى الشيعة : ٣ / ٣٨٩.

(٥) الكافي : ٣ / ٣٣٣ الحديث ١ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٣٥٦ الحديث ٨١٧٤.

١٥

عرفا على حسب ما عرفت ، لقوله عليه‌السلام : «ومقدار طرف الأنملة» سيّما بعد قوله عليه‌السلام : «فأيّما سقط من ذلك إلى الأرض أجزأك».

قوله : (ويشترط). إلى آخره.

أجمع الأصحاب على اشتراط طهارة موضع الجبهة ، نقل الإجماع عليه المحقّق في «المعتبر» (١) ، والعلّامة في «التذكرة» و «المنتهى» و «المختلف» (٢) ، وابن زهرة في «الغنية» ، والشهيد في «الذكرى» (٣).

والباقون أفتوا كذلك ، كما أنّ في باقي كتب هؤلاء أيضا كذلك ، بل في «المعتبر» أنّ كلّ من اعتبر الطهارة في الصلاة اعتبر ذلك (٤).

وغير خفيّ أنّ ذلك هو المدار في الأعصار والأمصار عند المسلمين وفقهائهم ، وما مرّ في بحث مطهريّة الشمس من أنّ الراوندي وصاحب «الوسيلة» ذهبا إلى أنّ الشمس لا تطهر بل توجب صحّة السجدة خاصّة ، غير مضرّ ، ولذا اشترطا كون الجفاف بالشمس ، ولم يجوّزوا بغير ذلك ، بل ولا بمدخليّة الغير ، واشترطا طهارة موضع الجبهة وعدم نجاسته ، وأنّه لو كان نجسا تبطل الصلاة بالسجود عليه (٥).

نعم ، ادّعيا أنّ الشارع جعل تجفيف الشمس بحكم التطهير للسجود عليه ، وباقي الأصحاب أنكروا ذلك ، وقد عرفت أنّ الحق مع الباقين.

__________________

(١) المعتبر : ١ / ٤٣٣.

(٢) تذكرة الفقهاء : ٢ / ٤٠٠ المسألة ٨٤ ، منتهى المطلب : ٤ / ٣٦٩ ، مختلف الشيعة : ٢ / ١١٤.

(٣) غنية النزوع : ٦٦ ، ذكرى الشيعة : ٣ / ١٥٠.

(٤) المعتبر : ١ / ٤٣٣.

(٥) نقل عن الراوندي في مختلف الشيعة : ١ / ٤٨٢ ، الوسيلة إلى نيل الفضيلة : ٧٩.

١٦

وبالجملة ، لا تأمّل لأحد في اشتراط طهارة موضع الجبهة ، أو ما جعله الشارع في حكم الطاهر ، لخصوص السجود إن ثبت ، وإن لم يثبت فلا بدّ من الطهارة الواقعيّة البتّة ، ولم يكف الطهارة الحكميّة ، فعند القوم لمّا لم يثبت كون التجفيف المذكور في حكم التطهير شرعا ، نقلوا الإجماع على التطهير الحقيقيّ وهما وافقاهم.

على أنّه مع عدم الثبوت يكون الشرط هو التطهير الحقيقي ، إلّا أنّهما اعتقدا ثبوت الحكمي ، فاشترطا الحقيقي أو الحكمي ، فكما اشترطا الحقيقي في غير صورة تجفيف الشمس ، كذا اشترطا الحكمي في صورة التجفيف حيث اشترطا كونه بخصوص الشمس ، وبغير مدخليّة غيرها ، كما أنّ النيّة شرطا في الصلاة قطعا.

مع أنّ أكثرهم اكتفوا بالاستدامة الحكميّة في باقي أجزاء الصلاة ، مع اعتراف الكلّ بأنّ قصد القربة والتعيين شرط في كلّ جزء جزء ، كما لا يخفى.

فما صدر من البعض من إنكار الإجماع ، من جهة خروجهما فيه ما فيه ، سيّما مع كونهما معلومي النسب ، فكيف يضرّ خروجهما ، ويمنع تحقّقه بمجرّد مخالفتهما؟

ومرّ في ذلك المبحث ما دلّ على الشرط المذكور ، مضافا إلى الإجماعات المنقولة التي كلّ واحد منها جزء واحد حجّة يدلّ على حجّيته ، مع كون العبادة توقيفيّة ، ولفظها اسما للصحيحة ، والصادر من الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمّة عليهم‌السلام والمسلمين في الأعصار والأمصار ، مع طهارة موضع الجبهة ، إلى غير ذلك ممّا مرّ في مبحث وجوب السورة وغيره (١).

مع أنّ مستندهما أيضا يدلّ على الشرط المذكور ، كما عرفت ، وتمام الكلام مرّ في بحث مطهريّة الشمس (٢).

__________________

(١) راجع! الصفحة : ٣٠٧ و ٣٠٨ (المجلّد السابع) من هذا الكتاب.

(٢) راجع! الصفحة : ٢١٦ ـ ٢٢٧ (المجلّد الخامس) من هذا الكتاب.

١٧

هذا ، ونقل عن أبي الصلاح أنّه اعتبر طهارة المواضع السبعة (١) ، وعن المرتضى أنّه اعتبر طهارة مكان المصلّي (٢).

ولا شكّ فيه إذا كانت النجاسة تؤثّر في ثوب المصلّي أو جسده ، حتّى قال فخر المحقّقين في شرح القواعد : الإجماع منّا واقع على اشتراط خلوّ المكان عن نجاسة متعدّية ، وإن كانت معفوّا عنها في الثوب والبدن (٣).

وأمّا إذا كانت يابسة ولا تؤثّر فيهما أصلا ، فلم يظهر من دليل اشتراط الطهارة ، مضافا إلى أنّ الإطلاقات تقتضي عدمه.

وكذا خصوص بعض الأخبار مثل كصحيحة زرارة ، عن الباقر عليه‌السلام : عن الشاذكونة تكون عليها الجنابة ، أيصلّي عليها في المحمل؟ قال : «لا بأس» (٤).

ورواية ابن أبي عمير ، عن الصادق عليه‌السلام أنّه يصلّي على الشاذكونة وقد أصابتها الجنابة؟ قال : «لا بأس» (٥) ، والمراد عدم وضع الجبهة عليها ، لأنّها ليست ممّا أنبتت الأرض.

ويدلّ على ما ذكر أخبار اخر ظاهرة في عدم اشتراط طهارة موضع الجبهة أيضا (٦) ، إلّا أنّه خرج بأدلّته من الإجماعات والأخبار الدالّة على اشتراط طهارته ، وكذا الأدلّة الاخر.

__________________

(١) نقل عنه العلّامة في مختلف الشيعة : ٢ / ١١٥ ، لاحظ! الكافي في الفقه : ١٤٠.

(٢) رسائل الشريف المرتضى : ١ / ٢٧٥.

(٣) إيضاح الفوائد : ١ / ٩٠.

(٤) من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٥٨ الحديث ٧٣٩ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٦٩ الحديث ١٥٣٧ ، الاستبصار : ١ / ٣٩٣ الحديث ١٤٩٩ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٥٤ الحديث ٤١٥٥.

(٥) تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٧٠ الحديث ١٥٣٨ ، الاستبصار : ١ / ٣٩٣ الحديث ١٥٠٠ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٥٤ الحديث ٤١٥٦.

(٦) لاحظ! وسائل الشيعة : ٣ / ٤٥٣ الباب ٣٠ من أبواب النجاسات.

١٨

قوله : (وأن يكون أرضا). إلى آخره.

أجمع الأصحاب على عدم جواز السجود على ما ليس بأرض ولا نباتها.

وحكى هذا الإجماع جماعة من الأصحاب (١) ، وأطبق فتواهم عليه ، واتّفق الشيعة في الأعصار والأمصار عليه عملا وقولا.

بل الظاهر كونه من ضروريّات مذهبهم وشعارهم ، وأخبارهم في ذلك مستفيضة ، وستعرف بعضها ، والمعروف منهم عدم جواز السجود على ما اكل أو لبس عادة ، وإن كان ممّا أنبته الأرض ، إلّا ما نقل عن المرتضى في «المسائل المصريّة» الثانية ، من تجويزه السجود على القطن والكتان على كراهية (٢). واستحسنه في «المعتبر» (٣).

مع أنّه نقل عن السيّد أنّه ذهب في «الجمل» و «الانتصار» و «المصباح» و «المسائل المصريّة الثالثة» إلى المنع (٤) ، ونقل فيه إجماع الطائفة عليه.

وقال الصدوق في أماليه : من دين الإماميّة الإقرار بأنّه لا يجوز السجود إلّا على الأرض ، أو على ما أنبتت الأرض إلّا ما اكل أو لبس (٥) ، ونقل الإجماع عليه العلّامة في «المختلف» (٦).

والظاهر كون الإجماعات المنقولة حقّا وواقعا ، لاتّفاق الشيعة في الأعصار

__________________

(١) المعتبر : ٢ / ١١٧ ، نهاية الأحكام : ١ / ٣٦٠ ، جامع المقاصد : ٢ / ١٥٨.

(٢) نقل عنه العلّامة في مختلف الشيعة : ٢ / ١١٥.

(٣) المعتبر : ٢ / ١١٩.

(٤) نقل عن السيّد في مختلف الشيعة : ٢ / ١١٥ ، لاحظ! رسائل الشريف المرتضى (جمل العلم والعمل) : ٣ / ٢٩ ، الانتصار : ٣٨.

(٥) أمالي الصدوق : ٥١٢.

(٦) مختلف الشيعة : ٢ / ١١٦.

١٩

والأمصار على الاحتراز عن السجود عليهما ، مع عموم البلوى وشدّة الحاجة إلى السجود ، وما يصحّ السجود عليه ، وغلبة تحقّق اللباسين مع المصلّي ، وغلبة كونه في الفرش التي لا يصحّ السجود عليها ، وغير الفرش ممّا هو مثلها في كون المصلّى فيه ولا يصحّ السجود عليه ، ولذا يحتاج غالبا إلى تحصيل ما يصحّ أن يسجد عليه في وقت صلاته ، في مثل الخمرة ، أو التربة الحسينيّة ، أو التراب ، أو الحجر ، أو الخشب ، أو الحصير أو غير ذلك ، بأن يقوم عليه ويسجد عليه ، أو يقوم على غيره ، ويضعه على ذلك الغير ثمّ يسجد عليه ، كما هو العادة عند الشيعة ، المشاهد المحسوس من طريقتهم.

فلو جاز السجود على القطن أو الكتان عندهم ، مع غلبة وجودهما معهم سيّما القطن ، لما اتّفقوا كلّ الاتّفاق على الاحتراز عن السجدة عليهما في جميع الأوقات والأعصار ، وقاطبة البلدان والأمصار ، مع إتعاب أنفسهم في تحصيل ما يصحّ السجود ، أو الذهاب إليه والوقوف عليه ، ولما اقتصروا في جميع الأحوال والأوقات على ما ذكر كلّ الاقتصار ، ولما انحصر فيه تمام الانحصار ، مع أنّه ربّما يشقّ التحصيل ، أو يزيد التعب فيه ، أو يحصل خوف من جهة التقيّة أو غيرها ، أو ضرر كذلك ، إلى غير ذلك.

مع أنّه معلوم عدم صدور ذلك عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولا أحد من الأئمّة عليهم‌السلام ولو صدر لاشتهر كلّ الاشتهار وشاع وذاع ، لتوفّر الدواعي إليه ، كما نبّهناك عليه.

مع أنّ العبادة توقيفيّة ، والرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «صلّوا كما رأيتموني أصلّي» (١) إلى غير ذلك ممّا ذكرنا في بحث وجوب السورة وغيره.

وممّا يؤكّد ويحقّق الإجماع المذكور ، أنّ السيّد بنفسه اعترف بالإجماع ،

__________________

(١) عوالي اللآلي : ١ / ١٩٧ و ١٩٨ الحديث ٨.

٢٠