مصابيح الظلام - ج ١٠

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

مصابيح الظلام - ج ١٠

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الطبعة: ١
ISBN: 964-94603-0-6
ISBN الدورة:
964-94422-0-0

الصفحات: ٦٤٨

قوله : (أوجب في «المعتبر» و «المنتهى» الزكاة على المملوك). إلى آخره.

مرّ التحقيق في هذا (١) ، فلاحظ!

__________________

(١) راجع! الصفحة : ٢٣ ـ ٢٩ من هذا الكتاب.

١٤١
١٤٢

٢٢٠ ـ مفتاح

[زكاة القرض على المقترض]

زكاة القرض على المقترض ، لانتقاله إلى ملكه ، وفي الصحيح : «له نفعه وعليه زكاته» (١) ، ومثله في الحسن (٢).

ولو تبرّع المقرض بالإخراج أجزأ ، للصحيح : «إن كان الذي أقرضه يؤدّي زكاته فلا زكاة عليه ، وإن كان لا يؤدّي أدّى المستقرض» (٣).

وقيّده الشهيد بإذن المقترض (٤) ، والنصّ (٥) مطلق ، وجوّز الشيخ اشتراط ذلك عليه (٦) لهذا الحديث ، ولا دلالة فيه عليه.

ولا زكاة في الدين ، كما في المعتبرة ، منها الصحيح : «لا صدقة على

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٩ / ١٠٢ الحديث ١١٦٢٩.

(٢) وسائل الشيعة : ٩ / ١٠٠ الحديث ١١٦٢٥.

(٣) وسائل الشيعة : ٩ / ١٠١ الحديث ١١٦٢٦.

(٤) الدروس الشرعيّة : ١ / ٢٣١.

(٥) وسائل الشيعة : ٩ / ١٠١ الحديث ١١٦٢٦.

(٦) النهاية للشيخ الطوسي : ٣١٢.

١٤٣

الدين ولا على المال الغائب عنك حتّى يقع في يدك» (١). خلافا للشيخين فيما كان التأخير من قبل صاحبه ، فاوجبا حينئذ على مالكه (٢) للخبرين (٣) وحملا على الاستحباب (٤).

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٩ / ٩٥ الحديث ١١٦٠٨ مع اختلاف يسير.

(٢) المقنعة : ٢٣٩ ، المبسوط : ١ / ٢١١.

(٣) وسائل الشيعة : ٩ / ٩٦ و ٩٧ الحديث ١١٦١٤ و ١١٦١٦.

(٤) مختلف الشيعة : ٣ / ١٦٢ و ١٦٣.

١٤٤

قوله : (زكاة القرض على المقترض لانتقاله إلى ملكه). إلى آخره.

لا شكّ فيما ذكره لما ذكره.

ولو شرط المستقرض كون زكاته على المقرض هل تصحّ أم لا؟ المشهور الثاني ، واختاره ابن أبي عقيل ، والشيخ في زكاة «النهاية» (١) ، والمفيد ، وعلي بن بابويه في «الرسالة» ، وابن إدريس (٢).

وقال الشيخ في باب القرض من «النهاية» : إن شرط المستقرض الزكاة على القارض وجبت عليه دون المستقرض (٣).

استدلّ للمشهور بأنّ الزكاة عبادة واجبة على صاحب المال ، فلا يجوز اشتراطها على غيره كسائر العبادات (٤).

وأورد عليه ، بأنّ تبرّع المقرض وغيره جائز ، وبعد التبرّع يسقط الوجوب عن المقترض قطعا ، إذ لا ثنيّ في الزكاة ، فإذا جاز التبرّع عنه ، لم يكن من قبيل العبادات التي لا يجوز اشتراطها على غير من وجبت عليه (٥).

وفيه ؛ أنّ غاية ما ثبت جواز التبرّع ، وهو وفاقي في حقّ مالي ، وإذا شرط التبرّع في ضمن عقد لازم يكون لازما ، على القول بأنّ الشروط الجائزة في ضمن العقود اللازمة تصير لازمة ، لا على القول بأنّ العقود اللازمة حينئذ تصير جائزة.

ومع ذلك مقتضاه أنّه يجب على المقرض أن يبرأ ذمّة المستقرض في الواجب

__________________

(١) نقل عن ابن أبي عقيل في مختلف الشيعة : ٣ / ١٦٣ ، النهاية للشيخ الطوسي : ١٧٦.

(٢) المقنعة : ٢٣٩ ، نقل عن علي بن بابويه في مختلف الشيعة : ٣ / ١٦٣ ، السرائر : ١ / ٤٤٥.

(٣) النهاية للشيخ الطوسي : ٣١٢.

(٤) مختلف الشيعة : ٣ / ١٦٣.

(٥) ذخيرة المعاد : ٤٢٦.

١٤٥

عليه ، وأنّ ذمّة المقرض مشغولة جزما حتّى يتحقّق التبرّع عنه بوصول حقّ الفقراء إليهم ، لا أن يكون ذمّة المستقرض تبرأ بمجرّد هذا الشرط الملزوم ، كما اختاره الشيخ ، وصرّح بقوله دون المستقرض (١).

والحاصل ؛ أنّ الشرط من الأجنبي لا يجعل ذمّة من كان الزكاة واجبة عليه بريئة بمجرّد هذا الشرط ، وهذا هو المطلوب ، فتدبّر.

ثمّ اعلم! أنّ ما ذكرناه بناء على ما ذهب إليه المعظم ، من أنّ المقترض يملك القرض بالقبض ، وإنّ الزكاة عليه بعد قبضه ، وحول الحول عليه وهو على حاله.

وحكى عن الشيخ قولا بأنّه إنّما يملك بالتصرّف (٢) ، والأخبار تردّه ، وهي كصحيحة زرارة عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال له : رجل دفع إلى رجل مالا قرضا ، على من زكاته؟ أعلى المقرض أو على المقترض؟ قال : «لا ، بل زكاتها إن كانت موضوعة عنده حولا على المقترض» ، قال : قلت : فليس على المقرض زكاتها؟ قال : «لا يزكّى المال من وجهين في عام واحد ، وليس على الدافع شي‌ء لأنّه ليس في يده شي‌ء إنّما المال في يد الآخر ، فمن كان المال في يده زكّاه» ، قلت : أفيزكّي مال غيره من ماله؟ فقال : «إنّه ماله ما دام في يده ، وليس ذلك المال لأحد غيره».

ثمّ قال : «يا زرارة! أرأيت وضيعة ذلك المال وربحه لمن هو؟ وعلى من؟» قلت : للمقترض ، قال : «فله الفضل وعليه النقصان ، وله أن يلبس وينكح ويأكل منه ولا ينبغي [له] أن يزكّيه؟! بل يزكّيه فإنّه عليه» (٣).

وصحيحة منصور بن حازم عن الصادق عليه‌السلام : في رجل استقرض مالا فحال عليه الحول وهو عنده ، فقال : «إن كان الذي أقرضه يؤدّي زكاته فلا زكاة عليه ،

__________________

(١) النهاية للشيخ الطوسي : ١٢. ٣.

(٢) حكاه البحراني في الحدائق الناضرة : ٢٠ / ١٢٣.

(٣) الكافي : ٣ / ٥٢٠ الحديث ٦ ، وسائل الشيعة : ٩ / ١٠٠ الحديث ١١٦٢٥.

١٤٦

وإن كان لا يؤدّي أدّى المستقرض» (١).

وصحيحة يعقوب بن شعيب قال : سألت الصادق عليه‌السلام عن الرجل يقرض المال للرجل السنة والسنتين والثلاث أو ما شاء الله ، على من الزكاة؟ على المقرض أو على المستقرض؟ فقال : «على المستقرض ، لأنّ له نفعه وعليه زكاته» (٢).

وقوّية عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن الصادق عليه‌السلام : عن رجل عليه دين وفي يده مال لغيره ، هل عليه زكاة؟ قال : «إن كان قرضا فحال عليه الحول فزكّه» (٣).

وصحيحة الحسن بن عطيّة قال : قلت لهشام بن أحمر : احبّ أن تسأل لي أبا الحسن عليه‌السلام إنّ لقوم عندي قروضا ليس يطلبونها منّي ، أفعليّ فيها زكاة؟ فقال : «لا تقضي ولا تزكّي؟ زكّ!» (٤).

قوله : (ولو تبرّع). إلى آخره.

قد عرفت وجهه ، وكذا الصحيح الدالّ عليه ، إذ الوجه غير منحصر فيه ، بل القاعدة في الديون كلّها كذلك ، ولذا علّل في «المنتهى» ما ذكر بأنّه بمنزلة الدين ، وجعل الصحيح مؤيّدا (٥).

قوله : (وقيّده الشهيد). إلى آخره.

أقول : في «الذخيرة» قال : واعتبر الشهيد في الإجزاء إذن المقترض (٦) ،

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٥٢٠ الحديث ٥ ، وسائل الشيعة : ٩ / ١٠١ الحديث ١١٦٢٦.

(٢) تهذيب الأحكام : ٤ / ٣٣ الحديث ٨٤ ، وسائل الشيعة : ٩ / ١٠٢ الحديث ١١٦٢٩.

(٣) الكافي : ٣ / ٥٢١ الحديث ٧ ، وسائل الشيعة : ٩ / ١٠١ الحديث ١١٦٢٧ مع اختلاف يسير.

(٤) تهذيب الأحكام : ٤ / ٣٣ الحديث ٨٦ ، وسائل الشيعة : ٩ / ١٠٢ الحديث ١١٦٣٠.

(٥) منتهى المطلب : ١ / ٤٧٧ ط. ق.

(٦) الدروس الشرعيّة : ١ / ٢٣١.

١٤٧

ويحكى عن بعض المتأخّرين التوقّف فيه ، ثمّ استقرب الإجزاء ، من جهة دلالة الصحيح خاصّة (١) ، مع أنّه ذكر تعليل «المنتهى» (٢) (٣).

قوله : (وجوّز الشيخ). إلى آخره.

أقول : قد ظهر لك الحال ، وإنّ مراد الشيخ لو كان خصوص جواز الاشتراط ، فلعلّ دلالة الحديث له تكون تامّة ، بملاحظة العمومات الواردة في الشروط الجائزة في العقود والمعاملات ، مثل قولهم : كلّ شرط جائز إلّا ما أحلّ حراما ، أو حرّم حلالا ونحوه (٤).

فإذا ثبت جواز التبرّع ، وعدم المنع منه من الحديث كفى ، كما هو الحال منهم في جميع الشروط الجائزة.

لكن عرفت أنّ الشيخ ادّعى سقوط الزكاة عن الذي يكون هذه الزكاة واجبة عليه ، ولا دلالة في الحديث عليه ، ولعلّه لو كان دالّا عليه يكون محلّ تأمّل عند الفقهاء ، إلّا بضرب من التأمّل ، فتأمّل!

قوله : (ولا زكاة في الدين). إلى آخره.

أقول : المراد بالدين ما ثبت في ذمّة المديون ، فإن كان المدين لا يقدر على أخذه ، بأن كان المديون جاحدا له ، ولا يمكنه الإثبات شرعا ، أو مماطلا ، وليس له سلطنة على أخذه منه ، أو معسرا يعجز شرعا عن أداءه ، أو يكون مؤجّلا ولم

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٩ / ١٠١ الحديث ١١٦٢٦.

(٢) لاحظ! منتهى المطلب : ١ / ٤٧٧ ط. ق.

(٣) ذخيرة المعاد : ٤٢٣.

(٤) وسائل الشيعة : ١٨ / ١٦ و ١٧ الباب ٦ من أبواب الخيار.

١٤٨

ينقض الأجل ، ولا يعطى قبله ، أو يكون موانع اخر عن الأخذ ، فالمشهور بين الأصحاب عدم وجوب الزكاة على المدين.

والظاهر ؛ أنّ تأخيره في الاقتضاء والأخذ ، لأجل تحصيل الثواب ، ومراعاة الإخوة الإيمانيّة أيضا ، من قبيل المذكورات ، ليس عليه زكاة حتّى يأخذه ، لأنّه متى كان في ذمّة المديون ، لا يكون ملكا للديّان بالفعل. والتمكّن من التصرّف شرط بعد الملكيّة ، فإذا أخذه استأنف الحول.

[بل] الظاهر أنّه وفاقي بين الفقهاء ، ونقل في «المبسوط» عن بعض الأصحاب أنّه يخرج لسنة واحدة إذا لم يكن الدين مؤجّلا (١) ، ولعلّ غرضه الاستحباب ، بناء على ما عرفت من القاعدة ، في أنّ ما لا يتمكّن من التصرّف سنتين أو أزيد ، يستحب زكاته سنة واحدة.

ويدلّ عليه أيضا كصحيحة زرارة عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال في رجل ماله عنه غائب لا يقدر على أخذه ، قال : «فلا زكاة عليه حتّى يخرج ، فإذا خرج زكّاه لعام واحد ، وإن كان يدعه متعمّدا وهو يقدر على أخذه فعليه الزكاة لكلّ ما مرّ به من السنين» (٢) ويدلّ عليه أيضا قويّة سماعة المتضمّنة لمثل ما دلّ (٣).

ويدلّ على عدم الزكاة حينئذ مطلقا. صحيحة عبد الله بن سنان عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال : «لا صدقة على الدين ولا على المال الغائب عنك حتّى يقع في يدك» (٤).

وكصحيحة إسحاق بن عمّار أنّه قال للكاظم عليه‌السلام : الدين عليه زكاة؟ فقال :

__________________

(١) المبسوط : ١ / ٢١١.

(٢) تهذيب الأحكام : ٤ / ٣١ الحديث ٧٧ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٩٥ الحديث ١١٦٠٩.

(٣) الكافي : ٣ / ٥١٩ الحديث ٤ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٩٧ الحديث ١١٦١٥.

(٤) تهذيب الأحكام : ٤ / ٣١ الحديث ٧٨ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٩٥ الحديث ١١٦٠٨ مع اختلاف يسير.

١٤٩

«لا ، حتّى يقبضه» ، قلت : فإذا قبضه أيزكّيه؟ قال : «لا ، حتّى يحول عليه الحول في يديه» (١).

وصحيحة أبي بصير عن الصادق عليه‌السلام : عن رجل يكون نصف ماله عينا ونصفه دينا فتحلّ عليه زكاة؟ قال : «يزكّي العين ويدع الدين» (٢) الحديث.

وكصحيحة الحلبي عن الصادق عليه‌السلام قال : قلت له : ليس في الدين زكاة؟ قال : «لا» (٣).

ويدلّ عليه الأخبار الواردة في أنّ زكاة القرض على المقترض (٤) وقد مرّت.

مع أنّه معلوم أنّ القرض من العقود الجائزة.

مع أنّ العلّة التي ذكرت في القرض ، لكون زكاته على خصوص المستقرض ، اقتضاه أيضا عدم الزكاة في المقام على المدين ، فلاحظ! وتأمّل!

وأيضا ؛ ظواهر الأخبار الواردة في مدح سهولة الاقتضاء ، وعدم مطالبة المديون (٥). وكذا ما ورد في الأخبار الكثيرة غاية الكثرة من مدح إنظار المعسر (٦) ، يقتضي عدم الزكاة على المدين.

وكذا الأخبار التي في مسألة اشتراط الحول ، مثل قولهم عليهم‌السلام : «كلّ ما لم يحل عليه الحول عند ربّه فلا شي‌ء عليه [فيه] فإذا حال عليه الحول وجب [عليه]» (٧)

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٤ / ٣٤ الحديث ٨٧ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٩٦ الحديث ١١٦١٢.

(٢) الكافي : ٣ / ٥٢٣ الحديث ٦ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٩٨ الحديث ١١٦١٨.

(٣) تهذيب الأحكام : ٤ / ٣٢ الحديث ٨٠ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٩٦ الحديث ١١٦١٣.

(٤) لاحظ! وسائل الشيعة : ٩ / ١٠٠ الباب ٧ من أبواب من تجب عليه الزكاة.

(٥) وسائل الشيعة : ١٨ / ٣٤٨ الباب ١٦ من أبواب الدين والقرض.

(٦) راجع! وسائل الشيعة : ١٦ / ٣١٩ الباب ١٢ من أبواب فعل المعروف.

(٧) الكافي : ٣ / ٥٣٤ الحديث ١ ، تهذيب الأحكام : ٤ / ٤١ الحديث ١٠٣ ، الاستبصار : ٢ / ٢٣ الحديث ٦٥ ، وسائل الشيعة : ٩ / ١٢١ الحديث ١١٦٦١.

١٥٠

وأمثاله.

وعن الشيخ في «النهاية» و «الخلاف» و «الجمل» : مال الدين إن كان تأخيره من جهة صاحبه ، فهذا يلزمه زكاته وإن كان من جهة المديون فزكاته عليه (١) ، انتهى.

وظاهر مال الدين هو ما في الذمّة ، فيكون خلافه في المسألة من جهتين.

ويحتمل أن يكون مراده العين الذي حصل الدين بسببه ، مثل مال القرض ، أو ما انعزل شرعا لأداء الدين.

وفي «المبسوط» : لا زكاة في الدين إلّا أن يكون تأخّره من جهته (٢) ، وعن المفيد أيضا مثله. ثمّ قال : ويكون بحيث يسهل عليه قبضه متى رامه (٣) ، وعن المرتضى أيضا مثل ذلك (٤).

احتجّ في «التهذيب» بما رواه درست عن الصادق عليه‌السلام قال : «ليس في الدين زكاة إلّا أن يكون صاحب الدين هو الذي يؤخّره ، فإذا كان لا يقدر على أخذه فليس عليه زكاة حتّى يقبضه» (٥).

وموثّقة ابن بكير ، عن ميسرة ، عن عبد العزيز ، عن الصادق عليه‌السلام : عن الرجل يكون له الدين ، أيزكّيه؟ قال : «كلّ دين يدعه هو إذا أراد أخذه فعليه زكاته ، وما كان لا يقدر على أخذه فليس عليه زكاة» (٦).

__________________

(١) النهاية للشيخ الطوسي : ١٧٥ و ١٧٦ ، الخلاف : ٢ / ٨٠ المسألة ٩٦ ، الرسائل العشر (الجمل والعقود) : ٢٠٥.

(٢) المبسوط : ١ / ٢١١.

(٣) المقنعة : ٢٣٩.

(٤) رسائل الشريف المرتضى (جمل العلم والعمل) : ٣ / ٧٤.

(٥) تهذيب الأحكام : ٤ / ٣٢ الحديث ٨١ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٩٧ الحديث ١١٦١٦.

(٦) تهذيب الأحكام : ٤ / ٣٢ الحديث ٨٢ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٩٦ الحديث ١١٦١٤.

١٥١

ومرّ أيضا كصحيحة زرارة عن الصادق عليه‌السلام (١).

واجيب باستضعاف السند ، وبالحمل على الاستحباب (٢) ، جمعا بين الأدلّة ، ومسامحة في أدلّة السنن ، مضافا إلى أنّ الظاهر أنّه نوع فرار من الزكاة ، ومرّ أنّه لا يوجب الزكاة ، بل يستحب لأجله ، فلاحظ!

وورد في بعض الأخبار وجوب الزكاة ومطلوبيّتها في مطلق الدين (٣). وحمل على التقيّة ، لأنّ جمهور العامّة قائلون بذلك (٤) ، والحمل على الاستحباب ليس بشي‌ء ، وكذلك الحمل على كون المراد أنّ صاحب الدين أخّره.

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٤ / ٣١ الحديث ٧٧ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٩٥ الحديث ١١٦٠٩.

(٢) مختلف الشيعة : ٣ / ١٦٢.

(٣) الكافي : ٣ / ٥٢١ الحديث ١٢ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٩٨ الحديث ١١٦٢٠.

(٤) ذخيرة المعاد : ٤٢٦.

١٥٢

٢٢١ ـ مفتاح

[الدين لا يمنع الزكاة]

الدين لا يمنع الزكاة ، سواء كان له وفاء من غيره أو لا ، استوعبه النصاب أو لا بلا خلاف ، لعموم الأمر بالزكاة ، وخصوص الحسن : «أيّما رجل كان له مال موضوع حتّى يحول عليه الحول ، فإنّه يزكّيه وإن كان عليه من الدين مثله وأكثر منه فليزكّ ما في يده» (١).

وتوقّف الشهيد فيه إذا لم يفصّل عنه دينه (٢) ، للخبر : «من كان له مال وعليه دين فليحتسب ماله وما عليه ، فإن كان له فضل مائتا درهم فليعط خمسة» (٣).

قيل : ولا يتأكّد الاستحباب في مال التجارة للمديون ، لأنّه نفل يضرّ بالفرض (٤).

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٩ / ١٠٤ الحديث ١١٦٣٦.

(٢) البيان : ٣٠٨ و ٣٠٩.

(٣) مستدرك الوسائل : ٧ / ٥٤ الحديث ٧٦٣٧ مع اختلاف يسير.

(٤) البيان : ٣٠٩.

١٥٣
١٥٤

قوله : (الدين لا يمنع). إلى آخره.

الأمر كما ذكره ، وادّعى في «التذكرة» بإجماع علمائنا عليه (١) ، وقال في «المنتهى» : الدين لا يمنع الزكاة ، سواء كان للمالك مال سوى النصاب أم لا ، وسواء استوعب الدين أم لا ، وسواء كانت أموال الزكاة ظاهرة كالنعم والحرث ، أو باطنة كالذهب والفضّة ، وعليه علماؤنا أجمع (٢).

والظاهر من فتاوى الفقهاء ؛ أنّ الإجماع المذكور حق ، ويعضده أيضا أنّ الزكاة والدين ممّا يعمّ به البلوى ، ويشتدّ إليه الحاجة ، فلو كان الدين مانعا من وجوب الزكاة مطلقا ، أو إذا لم يكن وفاء ، لشاع وذاع بمقتضى العادة ، كما شاع عدم وجوب الزكاة ، من جهة عدم التمكّن من التصرّف في نادر من أوقات السنة ، وأنّ وجوبها مشروط بالتمكّن منه في جميع أوقات السنة ، وأمثاله من الشرائط.

ولو لم يصر متّفقا عليه ، فلا أقلّ من تحقّق قول مشهور بين الشيعة ، مع أنّه مجمع عليه بينهم بحسب الفتوى ، والعمل في الأعصار والأمصار ، حتّى أنّ الشهيد أيضا وافقهم في كتبه (٣).

وما نسب إليه من توقّفه ، ظاهر منه من كتاب من كتبه ، بل صريح فتاويه فيها هو عدم المنع على سبيل الحكم والبت ، وإن كان في «الذخيرة» قال : ويظهر من الشهيد في «البيان» نوع توقّف فيه ، فإنّه قال أوّلا : الدين ليس مانعا ، ولو انحصر الإيفاء فيه ما لم يحجر عليه للفلس ، ولا فرق بين كون الدين من جنس ما

__________________

(١) تذكرة الفقهاء : ٥ / ٢٦ المسألة ١٧.

(٢) منتهى المطلب : ١ / ٥٠٦ ط. ق.

(٣) الدروس الشرعيّة : ١ / ٢٣٠ ، البيان : ٢٨٠.

١٥٥

يجب فيه الزكاة [كالنقد] أو لا ، ولا بين كون المال الذي مع المديون من جنس الدين أو لا (١).

وقال في بحث زكاة التجارة : والدين لا يمنع [من] زكاة التجارة كما مرّ في العينيّة ، وإن لم يكن الوفاء من غيره ـ إلى أن قال ـ : وكذا لا يمنع من زكاة الفطرة إذا كان مالكا مئونة السنة ، ولا من الخمس إلّا خمس الأرباح.

نعم ؛ يمكن أن يقال : لا يتأكّد إخراج زكاة التجارة للمديون ، لأنّه نفل يضرّ بفرض.

وفي «الجعفريّات» : عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : «من كان له مال وعليه مال فليحسب ماله وما عليه ، فإن كان ماله فضل [على] مائتي درهم فليعط خمسة [دراهم]» (٢).

وهذا نصّ في منع الدين الزكاة ، والشيخ رحمه‌الله في «الخلاف» (٣) ما تمسّك على عدم منع الدين ، إلّا بإطلاق الأخبار الموجبة للزكاة (٤) ، انتهى كلامه.

لنا عموم الأدلّة (٥) ، إلى آخر ما قال.

ولا يخفى ؛ أنّ كلامه في «البيان» مثل كلامه في سائر كتبه ، من التصريح بعدم مانعيّة الدين للزكاة ، سيّما مع ملاحظة تصريحه بقوله : وإن لم يكن الوفاء من غيره ، بعد تصريحه أيضا بقوله : ولو انحصر الإيفاء فيه ، وقوله : ما لم يحجر عليه للفلس ، وتصريحه أيضا بعدم الفرق بين كون الدين من جنس ما يجب فيه الزكاة أم لا ،

__________________

(١) البيان : ٢٨٠.

(٢) الجعفريّات (الأشعثيات) : ٥٤ ، مستدرك الوسائل : ٧ / ٥٤ الحديث ٧٦٣٧.

(٣) الخلاف : ٢ / ١٠٧ ـ ١٠٩ المسألة ١٢٥.

(٤) البيان : ٢٨٠ ، ٣٠٨ و ٣٠٩.

(٥) ذخيرة المعاد : ٤٢٧.

١٥٦

وتصريحه أيضا بعدم الفرق بين كون المال المديون من جنس الدين أو لا ، بل وتصريحه في بحث زكاة التجارة أيضا ، بجعله الزكاة مثل الفطرة والخمس.

غاية ما في الباب ؛ أنّه توقّف في تأكّد الاستحباب في خصوص هذه الزكاة ، إذا كانت تضرّ بالدين ، بقرينة قوله : لأنّه نفل يضرّ بفرض.

وأمّا رواية «الجعفريّات» ؛ فظاهر أيضا أنّه جعلها دليلا على خصوص مطلوبه ، وهو الذي صرّح به بقوله : (نعم يمكن.) إلى آخره ، لأنّه لم يجعل المطلوب إلّا خصوص ما ذكر ، سيّما بعد التصريحات الواضحات الكثيرة التي عرفت.

وظاهر ؛ أنّ كلّ من أتى بدليل المطلوبيّة ، لم يرد منه إلّا إثبات ذلك المطلوب لا ما زاد عنه ، سيّما بعد تصريحاته الواضحة الكثيرة فيما زاد ، سيّما بعد ملاحظة أنّه جعل منشأ اعتبار هذه الرواية وترجيحها وتقديمها على الأخبار الصحاح والمعتبرة ، الدالّة على عدم مانعيّة الدين للزكاة ، كونها نصّا في المانعيّة في الجملة ، بالنحو الذي لا يكون مذهب العامّة الذي هو خلاف مذهب الخاصّة ، حتّى مذهبه في «البيان» على ما عرفت وستعرف ، فلو كانت في مذهب العامّة ، يكون نصّها منشأ لطرحها ، وحملها على التقيّة قطعا ، على ما هو المعروف من المذهب. فكيف يصير منشأ لتقديمها على مستند الشهيد حتّى في «البيان»؟

مع أنّ هذه الرواية ، من جهة السند والشذوذ وغيرهما ، ممّا لا يناسب إثبات الواجب وإسقاطه ، على ما هو المعروف منهم ، ولذا لم يعهد من أحد منهم التمسّك بما في «الجعفريّات» فيها ، حتّى في «البيان».

مع أنّ الصحاح والمعتبرة في غاية مرتبة من الاعتبار ، لكونها في الكتب الأربعة ، ونحوها من الكتب التي اعتبارها ليس مثل اعتبار «الجعفريّات» ، بل أزيد منه بمراتب شتّى ، وخصوصا بعد ملاحظة أنّ ما في الكتب الأربعة ونحوها

١٥٧

صحاح ، أو معتبرة الإسناد بوجوه من الاعتبارات المعتبرة عندهم.

وأين هذه المرسلة المذكورة في «الجعفريّات»؟ وخصوصا بعد ملاحظة أنّ الصحاح والمعتبرة متواترة ، والمرسلة واحدة.

وأيضا ؛ الصحاح والمعتبرة المتواترة مفتى بها بين الأصحاب ، بخلاف المرسلة ، وكذلك الحال في المرجّحات الخارجة.

وبالجملة ؛ أين الثرى من الثريّا؟! وجميع ما ذكر من المرجّحات لا تأمّل لأحد فيه ، لا من الشهيد ، ولا من غيره ، فلذا صرّح بأنّ المرسلة نصّ ، والمتواترة مطلقات ، فجعل قطعيّة دلالتها منشأ لتوقّفه في دلالة المطلقات المتواترة.

وغير خفي على من له أدنى فهم ، أنّ المرسلة ليست نصّا في الزكاة من حيث هي هي ، ولا في كلّ زكاة ، بل لا يحتمل قطعا ، فإذا كان شمولها لكلّ زكاة ، أو لحبس الزكاة ، لا يكون محتملا ، فكيف يكون نصّا؟ إذ الاحتمال منفي ، فكيف الظهور؟

مع أنّ المطلقات المتواترة لا شبهة في ظهورها في العموم ، بل غاية الظهور بملاحظة نهاية كثرة تعدّدها.

بل ربّما كان هذه الكثرة منشأ لحصول القطع ، أو ظنّ متآخم للقطع ، سيّما بعد ملاحظة كون كلّ واحد منها مفتى به على سبيل البتّ ، عند كلّ الفقهاء من المتأخّرين والقدماء ، حتّى الذين كانوا في عصر المعصوم عليه‌السلام ، والشاهد يرى ما لا يراه الغائب ، وخصوصا بعد ملاحظة مرجّحات كثيرة.

ومع جميع ذلك ؛ جعل الشهيد دلالة المرسلة بالنسبة إليها نصّا (١) ، مع أنّ المرسلة ليس فيها أزيد من إعطاء خصوص خمسة ، فإن كانت صريحة في خمسة دراهم ، لم تكن شاملة لزكاة الأنعام ، والثمرة والذهب ونحوها قطعا.

__________________

(١) البيان : ٣٠٩.

١٥٨

غاية ما في الباب عمومها بالقياس إلى خصوص زكاة أحد النقدين فحسب.

وأين العموم من كونه نصّا؟ بل في المتواترة عمومات أقوى من عموم المرسلة بمراتب بلا شبهة ، والمطلقات ترجع إلى العموم بلا شبهة.

ولفظ «مال» في المرسلة مطلقة يرجع إلى العموم ، لأنّه نكرة في سياق الإثبات بلا شبهة ، وقوله عليه‌السلام بعد ذلك : «ما له وما عليه» إشارة إلى المال المذكور بلا شبهة.

مع أنّه لو بنى على العموم اللغوي يلزم مفسدة اخرى ، وهي أنّ الحكم كما ذكر ، وإن لم يكن ماله ممّا يتعلّق به الزكاة أصلا ورأسا ، لا زكاة التجارة ولا غيرها ، فيلزم وجوب إعطاء خمسة دراهم ، بمجرّد أن يكون له مال ، وعليه يظهر أنّه ليس على عمومه قطعا.

وجعل المراد خصوص أقرب المجازات. بناء على أنّه إذا تعذّر الحقيقة فيحمل على أقرب المجازات ، لا يكون أقوى من المطلقات المتواترة ، مع ما فيها من جهات القوّة ، فكيف يكون نصّا بالنسبة إليها؟

مع أنّه بعيد غاية البعد ، إنّ الدين مانعا لخصوص زكاة أحد النقدين ، لا غيرها من الزكاة. فجعلها عامّة من الجهة المذكورة لا يجعلها نصّا ، بل عمومها أضعف من العمومات المتواترة ، فكيف يكون نصّا بالنسبة إليها؟

وبالجملة ؛ المرسلة عنده نصّ في مانعيّة الدين للزكاة في الجملة ، بل نصّ في القدر المشترك بين خصوص زكاة التجارة ، وزكاة خصوص الفضّة لا غير بالبديهة.

وزكاة الفضّة فيها الاستبعاد المذكور ، كما أنّ في زكاة التجارة مقرّب ذكره ،

١٥٩

وهو أنّ النفل المضرّ بالفرض منفي في الشريعة ، سيّما مثل هذا الفرض.

وهو حقوق الناس التي هي أشدّ من حقوق الله بمراتب ، بل الميزان والحساب والعقاب جلّها في حقوق الناس ، كما لا يخفى على المطّلع بالأخبار.

بل من لاحظ الأخبار الواردة في مذمّة الدين ، وشدّة خطره ، ونهاية الاهتمام في تركه بالنسبة إلى من لم يكن ما يوفيه موجودا عنده (١) ، وغير ذلك يظهر عليه حقيقة ما قاله ، من أنّ النفل لا يضرّ بالفرض.

هذا كلّه ؛ مضافا إلى أنّ الفرض لا يسامح في دليله أصلا ، وأدلّة الزكاة المفروضة من القوّة بمكان ، من جهة العمومات والخصوصات والإجماع ، والمرسلة مع شذوذها وإرسالها لا يجوز أحد منهم الاستدلال بها في حكم الفريضة نفيا وإثباتا.

نعم ؛ في المستحبّات يسامحون في أدلّتها لا غيرها ، فلأجل ما ذكر جعل مقدار النص ، ومورده في المرسلة في خصوص زكاة التجارة.

على أنّ الظاهر ؛ أنّ مراد الشهيد ممّا ذكره ، من أنّ الشيخ في «الخلاف» ما تمسّك إلّا بإطلاق الأخبار هو الإطلاق بالنسبة إلى زكاة التجارة لا مطلق الزكاة (٢) ، لأنّ الشيخ روى الأخبار الخاصّة في أنّ الدين لا يمنع الزكاة (٣) ، وهي حسنة زرارة عن الباقر عليه‌السلام ورواية ضريس عن الصادق عليه‌السلام (٤) ، وغيرهما ممّا ستعرف.

والشهيد مطّلع على الروايات المذكورة قطعا ، فكيف يقول : إنّ ما دلّ على عدم المانعيّة هو خصوص المطلقات ، بخلاف ما في «الجعفريّات» فإنّه نصّ؟

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١٨ / ٣١٥ الباب ١ من أبواب الدين والقرض.

(٢) البيان : ٣٠٩.

(٣) تهذيب الأحكام : ٤ / ٣١ ـ ٣٤ الباب ٩.

(٤) وسائل الشيعة : ٩ / ١٠٠ الحديث ١١٦٢٥ و ١٠٤ الحديث ١١٦٣٦.

١٦٠