مصابيح الظلام - ج ١٠

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

مصابيح الظلام - ج ١٠

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الطبعة: ١
ISBN: 964-94603-0-6
ISBN الدورة:
964-94422-0-0

الصفحات: ٦٤٨

خطر وتغرير بالزكاة ، من حيث أنّها زكاة لا مطلقا ، إذ كثير من القرى متّصلة بعضها ببعض ، أو مقاربة كذلك ، بحيث يكون حالها حال المحلّات في البلدة الكبيرة ، بل المواضع المتعدّدة من المحلّة الكبيرة ، بل ربّما كان النقل من تلك القرى إلى الاخرى منها آمن وأوثق وأحفظ منه في المحلّات والمواضع.

وأيضا ربّما كان النقل إلى البلد البعيد آمن وأوثق من النقل إلى المحلّات والمواضع ، حيث يكون النقل إلى البعيد مع عسكر عظيم في غاية الأمن والأمان.

فعلى هذا ؛ لا وجه للجواب المذكور ، لأنّ الزكاة ليست من الواجبات التي لا يكون لها وقت ، ولا الواجبات التي وقتها تمام العمر ، بل من الواجبات المؤقّتة إجماعا ، ونصوصا بالنصوص المتواترة ، فإتلاف الزكاة غير إتلاف المال الذي أخرجه للزكاة حتّى يحاسب بالضمان ، إذ لو تلف ذلك المال في وقت علم بذلك المزكّي ، وأمكنه أن يعطي عوضه في الوقت الذي كان الواجب عليه أن لا يؤخّر الإعطاء عنه ، لم يصدق حينئذ أنّه فات الزكاة وتلفت ، بل الصادق أنّه فات إعطاء ذلك المال الذي بعثه ، لأن يعطي الفقير في وقت وجوب الزكاة عليه ، إذ الواجب المؤقّت ليس إلّا ما طلب أداؤه بعنوان الوجوب في وقته المعيّن لا مطلقا ولا في جميع الأوقات ، ففوته وتلفه لا يكون إلّا بانعدامه في وقته المعيّن موسّعا كان أو مضيّقا.

فالضمان والتعويض أيّ نفع فيه إذا فات بتقصير المكلّف؟ أو عدم تقصيره على الحقّ! من أنّ القضاء فرض جديد ، وليس تابعا للأداء ، لأنّ المطلوب لم يكن إلّا الواجب الخاص المقيّد بكونه في الزمان الخاص ، وقد فات وتداركه فرض مستأنف ، وبعد ثبوته وتحقّقه من المكلّف لا ينفع تقصيره في ترك الواجب ، كما ظاهره منع التغرير بالزكاة أيضا غلط ، لما عرفت من أنّ منعه إنّما هو من النقل الذي يكون فيه ذلك التغرير لا مطلقا ، كما عرفت.

ومن هذا لم يمنع أحد ذلك ، وينادي بما ذكرنا أنّ بعضهم استدلّ على المنع ،

٥٤١

بأنّ الفور فيها واجب ، والنقل ينافي فوريّتها (١) ، إذ من البديهيّات عند المسلمين أنّ الزكاة ليست من الواجبات الفوريّة ، بل من الواجبات المؤقّتة.

فمعلوم أنّ مرادهم من وجوب الفور ، عدم جواز تأخيرها عن آخر وقتها أو عن وقتها المضيّق.

وقد أثبت المستدلّ المذكور وقت الزكاة التي لا يجوز التأخير عنه اختيارا ، وبلا جهة أصلا ، ومرّ عند ما ذكرنا ، وأثبتنا من حول الحول لغير الغلّات ، ووجوب الإعطاء ، وعدم جواز الترك حينئذ فلاحظ (٢)!

وكذلك الحال في الغلّات ، إذ عرفت أنّ لزكاتها ابتداء وقت وجوب وانتهاؤه ، وعرفت الأدلّة والأقوال ، فما أجاب في «الذخيرة» ، وغيره في غيره ، عن هذا الاستدلال ، بمنع وجوب الفوريّة ، وبعد التسليم بتحقّقها في النقل (٣) ، فيه ما فيه.

فالجواب منحصر في القول بأنّ النقل ثبت جوازه شرعا من الأخبار المذكورة (٤) ، إلّا أن يقولوا : إنّ ظواهرها معارضة للأخبار الدالّة على وجوب الإعطاء في الأوقات المعيّنة (٥).

فلا بدّ من ملاحظة مجموع الأخبار بأنّها هل تكون متعارضة أم لا؟ وعلى الأوّل العلاج ما ذا؟ وما هو أولى واخرى بملاحظة المرجّحات به سندا ودلالة؟ وغيرهما من الوجوه الخارجة.

ولعلّ ما دلّ على جواز النقل أقوى وأظهر ، بملاحظة أصالة براءة الذمّة عن

__________________

(١) تذكرة الفقهاء : ٥ / ٣٤١ المسألة ٢٥٢.

(٢) راجع! الصفحة : ٣٤١ ـ ٣٤٧ من هذا الكتاب.

(٣) ذخيرة المعاد : ٤٦٦ ، مدارك الأحكام : ٥ / ٢٦٨.

(٤) وسائل الشيعة : ٩ / ٢٨٢ و ٢٨٣ الحديث ١٢٠٢٦ و ١٢٠٢٩.

(٥) وسائل الشيعة : ٩ / ١٩٤ و ١٩٥ الحديث ١١٨١٧ و ١١٨١٨.

٥٤٢

التكليف الزائد ، وأنّه تعالى في صدر كمال الإرفاق بالمالك ، كما لا يخفى على متتبّع أحكام الزكاة ، إلّا أنّ العامّة في زمان صدور الروايات المتضمّنة لجواز النقل كانوا مجمعين على الجواز ، فمن هذا وقع الوهن فيها ، مضافا إلى فتوى المعظم والمشهور بخلافها.

مضافا إلى وهن آخر في صحيحة أحمد بن حمزة بملاحظة قوله : إلى إخوانه ، إذ ربّما يشير إلى عدم الإخوان من الشيعة المستحقّين لها ، مضافا إلى وهنها أيضا في السند وكذلك الحال في رواية درست ، أمّا وهن السند ؛ فظاهر ، وأمّا الدلالة ؛ فلظهور فقد المستحقّين من الشيعة في حلب ، سيّما في ذلك الزمان ، كما لا يخفى.

مع أنّه مع وجود المستحقّ لا تأمّل للخصم في الضمان ، فكيف يقول المعصوم عليه‌السلام : «أجزأته»؟ وممّا ذكر ظهر الكلام في رواية درست أيضا ، مع أنّ هشام وغيره من أهل الكوفة ، وقرى الكوفة وبلدانها في زمانهم كانت متّصلة مأمونة في غاية المعموريّة ، مثل محلّات البلدة ، حتّى نقلوا أنّ دجاجة أو ديكا ذهب إلى البصرة من سطح إلى سطح.

مع أنّ ظاهر صحيحة ابن مسلم عن الصادق عليه‌السلام المنع (١) ، حيث جعله مثل الوصي الذي ـ يجد الذي أمره الموصى بالدفع إليه ، ولا شكّ في تحريم عدم الدفع إليه حينئذ ، ولذا حكم بضمانه ، والضمان فيه فرع ليجبره ، كما لا يخفى ، وربّما يظهر المنع من غيره أيضا (٢) ، فلاحظ وتأمّل! والله يعلم.

قوله : (ولا إثم). إلى آخره.

إن أراد أنّه لا إثم في التأخير مطلقا ، فلا معنى لقوله : وقت الوجوب ، إذ الواجب على تركه العقاب جزما موسّعا كان أو مضيّقا ، والثاني ظاهر.

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٥٥٣ الحديث ١ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٢٨٥ و ٢٨٦ الحديث ١٢٠٣٣.

(٢) لاحظ! وسائل الشيعة : ٩ / ٢٨٥ ـ ٢٨٧ الباب ٣٩ من أبواب المستحقين للزكاة.

٥٤٣

وأمّا الموسّع ؛ فلا بدّ من آخر وقت يكون وقته المضيّق بالبديهة ، فالتأخير عنه اختيارا يوجب العقاب البتّة ، إلّا أن يكون مراده أنّ آخر عمر المكلّف آخره كصلاة الزلزلة.

ولا يخفى أنّه خلاف بديهيّ الدين ، وخلاف الأخبار المتواترة الواردة في أوقات الزكوات (١).

مع أنّ الظاهر من كلامه أنّه يجوز التأخير عن وقت وجوبها به ، ولا إثم فيه أصلا.

وهذا لو لم يكن خلاف الضرورة من الدين ، يكون خلاف ما يظهر من الأخبار المتواترة المذكورة ، والأخبار المتواترة في علّة وجوب الزكاة ، وعقاب تاركها ، والمفاسد الواردة في تركها (٢).

ولو اتّفق كلّ من وجب عليه الزكاة في التأخيرلا إلى حدّ،فمن أين يتعيّش الفقراء؟

وقد عرفت أنّ الوارد في الأخبار في علّة وجوب الزكاة أنّ الله جعل من كلّ ألف انسان خمسة وعشرين فقيرا قوتهم من الأغنياء (٣) ، وإنّما يؤتوا ويهلكوا من منع من منعهم حقوقهم (٤) ، والمنع ليس إلّا عدم الإعطاء ، وأن يستر هذه الشكوك على الناس ، فإنّهم مع ما يسمعونه من التهديدات والتخويفات الهائلة الشديدة في المنع يمنعون ، ويصير ذلك سبب هلاك الفقراء ، ووقوعهم في الشدائد والضيق والمحنة ، ويترتّب عليه المفاسد ، فكيف إذا سمعوا هذه الشكوك؟ فلا يكاد يتحقّق

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٩ / ١٢١ الباب ٨ من أبواب زكاة الأنعام ، ١٦٩ الباب ١٥ من أبواب زكاة الذهب والفضّة ، ١٩٤ الباب ١٢ من أبواب زكاة الغلّات.

(٢) وسائل الشيعة : ٩ / ٢٠٩ الباب ١ ، ٢١٦ الباب ٣ من أبواب ما تجب فيه الزكاة.

(٣) وسائل الشيعة : ٩ / ١٤٦ الباب ٣ من أبواب زكاة الذهب والفضة.

(٤) وسائل الشيعة : ٩ / ٩ الباب ١ من أبواب ما تجب فيه الزكاة.

٥٤٤

صالح يعطي الزكاة فضلا عن الطالح.

ولو اختار المصنّف آخر وقت ، ينفعه ما ذكرنا ، فإن كان الذي ثبت من الأخبار كلام الأخبار فسد جميع ما قال ، وإلّا فكيف يقبل منه الصالح فضلا عن غيره؟ إذ الوارد في الأخبار المفتى به عند الفقهاء ، إذا كان باطلا عاطلا مؤوّلا ، فكيف يكون حال ما لم يوجد في خبر؟ ولا أشار إليه فقيه ، ولا يكون فيه آية ، أو غيرها من الأدلّة الشرعيّة ، فتأمّل جدّا!

وممّا ذكر ظهر أنّ ما ورد من جواز التقديم بشهرين ، أو أربعة ، أو التأخير كذلك (١) ، يكون المراد منه صورة الاقتراض ، أو عدم التمكّن من الإيصال ، أو التقيّة ، لكونه مذهبا للعامّة (٢).

ويظهر من الأخبار أنّهم عليهم‌السلام رووا ذلك بأنّه هل يجوز أن يصلّي قبل الوقت أو بعده (٣)؟ وأمثال ذلك.

منها ؛ ما ورد في «الفقه الرضوي» عنه عليه‌السلام : «وإنّي أروي عن أبي عليه‌السلام في تقديم الزكاة وتأخيرها ، أربعة ، إلّا أنّ المقصود منها أن تدفعها إذا وجب عليك ، ولا يجوز تقديمها ولا تأخيرها إلّا قضاء كالصلاة ، فإن أحببت أن تقدّم شيئا تفرّج به عن مؤمن فاجعله دينا عليه ، فإذا حلّت فاحسبها له زكاة يكتب لك ثواب الزكاة وثواب القرض» (٤) ، انتهى.

وعن عمر بن يزيد عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال له : الرجل يكون عنده المال أيزكّيه إذا مضى نصف السنة؟ قال : «لا ، ولكن حتّى يحول عليه الحول ويحلّ عليه ، إنّه ليس لأحد أن يصلّي صلاة إلّا لوقتها ، وكذلك الزكاة ، ولا يصوم أحد

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٩ / ٣٠٢ و ٣٠٣ الحديث ١٢٠٧٤ و ١٢٠٧٦.

(٢) المغني لابن قدامة : ٢ / ٢٦٠ ، المجموع للنووي : ٦ / ١٤٥ و ١٤٧ مع اختلاف يسير.

(٣) وسائل الشيعة : ٩ / ٣٠٥ الحديث ١٢٠٨٤ و ١٢٠٨٥.

(٤) الفقه المنسوب إلى الامام الرضا عليه‌السلام : ١٩٧ و ١٩٨ نقل بالمضمون.

٥٤٥

شهر رمضان إلّا في شهره ، إلّا قضاء ، وكلّ فريضة إنّما تؤدّى إذا حلّت» (١).

وما ورد من بعض الأخبار من أنّه أخرج الزكاة من ماله يجوز له أن يعطيها كيف شاء (٢) ، ظاهره الإعطاء في هذا القرب ، وكونه في صدد الإعطاء ، لا أنّه له أن يؤخّرها إلى آخر عمره ، أو وقت آخر لا تعيين فيه ، ولذا ورد أنّه لا يجب الإخراج لذلك ، بل يكون أن يكتب أنّه عليه كذا من الزكاة أو يثبت ذلك (٣) ، والبناء على أنّ المراد أنّه أيّ وقت شاء يعطي من دون تعيين وتضييق فاسد قطعا لما وضح لك.

وبالجملة ؛ المجوّز للتأخير عن آخر وقت الوجوب ، ليس إلّا أمر لا يستقيم أمر المزكّي إلّا به ، مثل أن يكون يلتمس الموضع ، كما ورد في صحيحة ابن سنان (٤).

أو يحبس شيئا منها مخافة أن يجيئه من يسأله ولا يستقيم له ردّه ، كما ورد في موثّقة يونس بن يعقوب (٥).

أو يشقّ عليه الردّ ، كما يشير إليه قوله : «مخافة أن يجيئني». إلى آخره ، مع أنّ مثل هذا القليل من التأخير لأمثال ما ذكر ، لعلّه إرفاق بالمالك ، كما لا يخفى.

هذا ؛ إن قلنا بمقاومة مثلها للصحاح والمعتبرة المفتى بها ، المطابقة للأخبار المتواترة ، مضافا إلى أنّ شغل الذمّة اليقيني يستدعي البراءة اليقينيّة ، وإنّ الاحتياط في مثل المقام من الواجبات بحسب الظاهر ، كما حقّقناه في «الفوائد الحائريّة» (٦) فليلاحظ! والله يعلم.

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٥٢٣ الحديث ٨ ، تهذيب الأحكام : ٤ / ٤٣ الحديث ١١٠ ، الاستبصار : ٢ / ٣١ الحديث ٩٢ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٣٠٥ الحديث ١٢٠٨٤.

(٢) الكافي : ٣ / ٥٢٢ الحديث ٣ ، تهذيب الأحكام : ٤ / ٤٥ الحديث ١١٩ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٣٠٧ الحديث ١٢٠٨٨.

(٣) تهذيب الأحكام : ٤ / ٤٥ الحديث ١١٩ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٣٠٧ الحديث ١٢٠٨٨.

(٤) الكافي : ٣ / ٥٢٣ الحديث ٧ ، تهذيب الأحكام : ٤ / ٤٥ الحديث ١١٨ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٣٠٨ الحديث ١٢٠٩١.

(٥) وسائل الشيعة : ٩ / ٣٠٧ الحديث ١٢٠٨٨.

(٦) الفوائد الحائرية : ٤٤٦.

٥٤٦

٢٤١ ـ مفتاح

[اجرة الكيل والوزن والدعاء عنده]

اجرة الكيل والوزن على المالك ، لأنّها من مقدّمات الواجب ، خلافا للمبسوط (١).

ويستحبّ أن يوسم نعم الصدقة في أقوى موضع منها بالسنّة (٢) والإجماع تمييزا لها عن غيرها ، ويكتب على الميسم ما أخذت له زكاة أو صدقة أو جزية ، كما قالوه (٣) ، وأن يدعو الآخذ للمالك ، لفحوى قوله عزوجل (وَصَلِّ عَلَيْهِمْ) (٤).

ويكره أن يملك ما اخرجه في الصدقة اختيارا ، واجبة كانت أو مندوبة بالإجماع (٥) والنصّ (٦) ، ولو اضطرّ إليه بميراث أو نحوه جاز بلا كراهة ،

__________________

(١) المبسوط : ١ / ٢٥٧.

(٢) السنن الكبرى للبيهقي : ٧ / ٣٦ ، سنن ابي داود : ٣ / ٢٦ الحديث ٢٥٦٣.

(٣) تذكرة الفقهاء : ٥ / ٣٢٠ و ٣٢١ ، مجمع الفائدة والبرهان : ٤ / ٢٢٧ ، مدارك الأحكام : ٥ / ٢٨٥ و ٢٨٦.

(٤) التوبة (٩) : ١٠٣.

(٥) لاحظ! مدارك الأحكام : ٥ / ٢٨٤.

(٦) وسائل الشيعة : ٩ / ١٣١ الحديث ١١٦٨٠.

٥٤٧

كما في الأخبار (١).

__________________

(١) سنن ابي داود : ٣ / ٢٨٧٧ ، السنن الكبرى : ٤ / ١٥١.

٥٤٨

قوله : (اجرة الكيل). إلى آخره.

المشهور ما ذكره لما ذكره ، ومستند الشيخ أنّ الواجب على المالك هو القدر المعيّن لا أزيد ، واجيب بأنّ ذلك لا يقتضي عدم وجوب شي‌ء ، وأنّه من باب المقدّمة (١).

قوله : (ويستحبّ). إلى آخره.

في «الذخيرة» أنّه قول علمائنا واكثر العامّة ، وأنّ العلّامة استدلّ عليه بما رواه الجمهور عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّه كان يسم الإبل في أفخاذها (٢). وعن أنس أنّه دخل على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يسم الغنم في آذانها (٣) ، وبأنّ فيه فائدة لا تحصل بدونها ، وهي تميّزها عن غيرها ، فربّما شردت فيعرفها من يجدها فيردّها ، وربّما رآها صاحب المال فامتنع من شرائها (٤).

قوله : (وأن يدعو). إلى آخره.

الظاهر عدم التأمّل فيه ، لكن قيل : يجب على الإمام ذلك (٥).

وقيل : يجب عليه وعلى الساعي أيضا (٦) ، والبحث عن الوجوب على الإمام عليه‌السلام لا وجه ولا فائدة [فيه] لنا.

__________________

(١) مدارك الأحكام : ٥ / ٢٧٨.

(٢) صحيح مسلم : ٣ / ١٣٣٤ الباب ٣٠ ، سنن ابن ماجه : ٢ / ١١٨١ الحديث ٣٥٦٩.

(٣) السنن الكبرى للبيهقي : ٧ / ٣٦ ، سنن ابي داود : ٣ / ٢٦ الحديث ٢٥٦٣.

(٤) ذخيرة المعاد : ٤٦٩ ، لاحظ! منتهى المطلب : ١ / ٥١٥ ط. ق.

(٥) الدروس الشرعيّة : ١ / ٢٤٦.

(٦) مسالك الأفهام : ١ / ٤٣٢ و ٤٣٣.

٥٤٩

وأمّا على الساعي ؛ فلعلّه أيضا كذلك ، مع أنّ الظاهر ممّا ورد من بعث أمير المؤمنين عليه‌السلام المصدّق عدم الوجوب ، لاشتماله على آداب كثيرة وليس فيه ذلك (١).

وأمّا على المستحقّ فلم يقل أحد بالوجوب ، بل ادّعى بعضهم الإجماع عليه (٢) ، مع أنّه ممّا يعمّ به البلوى ، وفي الأعصار والأمصار اتّفقوا على عدم القول بالوجوب ، وكذا عدم العمل عليه ، ولم يشر إليه في خبر من الأخبار.

ويجوز الدعاء بلفظ الصلاة ، كما ورد في الآية (٣) وبغيره ، والقول بتعيّن لفظ الصلاة ضعيف (٤) ، وفي «التذكرة» : أنّه ينبغي أن يقال في الدعاء : آجرك الله فيما أعطيت ، وجعله لك طهورا ، وبارك الله لك فيما أبقيت (٥).

قوله : (ويكره).

الظاهر عدم الخلاف ، بل في «المنتهى» أنّه لا خلاف فيه بين العلماء ، واستدلّ له بأنّ الزكاة طهارة للمال ، فيكره له شراء طهوره ، وبأنّه ربّما يستحي الفقير فيترك المماكسة ، ويكون ذلك وسيلة إلى استرجاع بعضها ، وربّما طمع الفقير في غيرها منه فأسقط بعض ثمنها (٦).

أقول : هذه الوجوه صالحة لكونها علّة للكراهة ، لما فيها من المسامحة مع أنّه

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٤ / ٩٦ الحديث ٢٧٤ ، وسائل الشيعة : ٩ / ١٢٩ الحديث ١١٦٧٨.

(٢) الروضة البهية : ٢ / ٥٧ ، لاحظ! ذخيرة المعاد : ٤٦٧.

(٣) التوبة (٩) : ١٠٣.

(٤) لاحظ! التنقيح الرائع : ١ / ٣٢٩.

(٥) تذكرة الفقهاء : ٥ / ٣٦١ المسألة ٢٧٣.

(٦) منتهى المطلب : ١ / ٥٣١ ط. ق.

٥٥٠

ظهر من الأخبار أنّ الزكاة أوساخ أيدي الناس (١) ، ولذا منع الهاشميّ منها.

ونقل عن بعض العامّة القول بالتحريم (٢) ، وهو خلاف ما أجمع عليه الخاصّة ، وظهر من أخبارهم ، مثل ما ورد في رواية محمّد بن خالد والي المدينة عن الصادق عليه‌السلام : أنّه إذا أخرجها ـ يعني الشاة ـ فليقوّمها فيمن يريد ، فإذا قامت على ثمن ، فإن أرادها صاحبها فهو أحقّ بها ، وإن لم يردها فليبعها (٣).

والظاهر ؛ عدم الكراهة في الأخذ عوض الدين والقرض ، وكذا التبديل وإعطاء القيمة.

__________________

(١) الكافي : ٤ / ٥٨ الحديث ٣ ، الاستبصار : ٢ / ٣٥ الحديث ١٠٦ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٢٦٨ الحديث ١١٩٩٣.

(٢) نقل عنه في المعتبر : ٢ / ٥٩١ ، لاحظ! المغني لابن قدامة : ٢ / ٢٧١ الفصل ١٧٧١.

(٣) تهذيب الأحكام : ٤ / ٩٨ الحديث ٢٧٦ ، وسائل الشيعة : ٩ / ١٣١ الحديث ١١٦٨٠.

٥٥١
٥٥٢

الباب الثّاني

في زكاة الفطرة

قال الله سبحانه وتعالى (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكّى. وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلّى) (١).

ففي الصحيح : «المراد بالزكاة هنا زكاة الفطرة» (٢).

القول فيمن تجب عليه وشرائطها

٢٤٢ ـ مفتاح

[من يجب عليه زكاة الفطرة]

إنّما تجب زكاة الفطرة على البالغ العاقل الحرّ الذي لا تحلّ له الزكاة وضابطه على المشهور من ملك مئونة سنة له ولعياله ، وفي «الخلاف» من

__________________

(١) الأعلى (٨٧) : ١٤ و ١٥.

(٢) وسائل الشيعة : ٩ / ٣١٨ الحديث ١٢١١٤.

٥٥٣

ملك نصابا أو قيمته (١) ، والحلّي عينه خاصّة مدّعيا عليه الوفاق (٢) ، والإسكافي من فضلّ له صاع من قوت يومه وليلته (٣).

وفي الصحيح : عن رجل يأخذ من الزكاة عليه صدقة الفطرة؟ قال : «لا» (٤).

وفي آخر : «ليس على من لا يجد ما يتصدّق به حرج» (٥).

وفي الموثّق : «من لم يكن عنده من الفطرة إلّا ما يؤدّي عن نفسه وحدها يعطي بعض عياله ثمّ يعطي الآخر عن نفسه يرد دونها فيكون عنهم جميعا فطرة واحدة» (٦) ، وحمل على الاستحباب.

وأوجبها الصدوق على المكاتب (٧) للصحيح (٨) ، وأسقطها الأكثر عمّن أهلّ شوّال وهو مغمى عليه (٩) ، ولا دليل عليه.

نعم ؛ لو استوعب الإغماء وقت الوجوب لكان له وجه ، وفي الصحيح : «لا زكاة على يتيم» (١٠).

__________________

(١) الخلاف : ٢ / ١٤٦ المسألة ١٨٣.

(٢) السرائر : ١ / ٤٦٥.

(٣) نقل عنه في منتهى المطلب : ١ / ٥٣٢ ط. ق ، مدارك الأحكام : ٥ / ٣١١.

(٤) وسائل الشيعة : ٩ / ٣٢١ الحديث ١٢١٢١.

(٥) وسائل الشيعة : ٩ / ٣٢١ الحديث ١٢١٢٢.

(٦) وسائل الشيعة : ٩ / ٣٢٥ الحديث ١٢١٣٥.

(٧) من لا يحضره الفقيه : ٢ / ١١٧ ذيل الحديث ٥٠٢.

(٨) وسائل الشيعة : ٩ / ٣٦٥ الحديث ١٢٢٤٩.

(٩) تذكرة الفقهاء : ٥ / ٣٦٨ المسألة ٢٧٦ ، إيضاح الفوائد : ١ / ٢٠٩ ، الدروس الشرعية : ١ / ٢٤٨ ، جامع المقاصد : ٣ / ٤٢ ، للتوسّع لاحظ! مدارك الأحكام : ٥ / ٣٠٨.

(١٠) وسائل الشيعة : ٩ / ٣٢٦ الحديث ١٢١٣٧.

٥٥٤

قوله : (إنّما تجب). إلى آخره.

وجوبها إجماعي الشيعة : بل وضروري مذهبهم ، وأخبارهم متواترة (١) ، بل في الصحيح : إنّ من تمام الصوم إعطاء الفطرة ، كما أنّ من تمام الصلاة ؛ الصلاة على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لأنّه من صام ولم يؤدّ الفطرة فلا صوم (٢) ، والعامّة أيضا موافقون لهم إلّا من شذّ منهم (٣).

قوله : (على البالغ العاقل).

فلا يجب على الصبي والمجنون ، لعدم كونهما من المكلّفين ، وللإجماع المنقول في «المعتبر» و «المنتهى» (٤) ، بل ظاهر وقوعه وتحقّقه ، وللأخبار مثل صحيحة محمّد بن القاسم بن الفضيل عن الرضا عليه‌السلام أنّه كتب إليه : الوصي يزكّي زكاة الفطرة عن اليتامى إذا كان لهم مال؟ فكتب : «لا زكاة على يتيم» (٥).

بل عدم وجوبها على المملوك إجماعي ، بل في «المنتهى» أنّه مذهب أهل العلم كافّة إلّا داود ، فإنّه قال : تجب على العبد ويلزم السيّد تمكّنه من الاكتساب ليؤدّيها (٦).

ويدلّ على عدم الوجوب عليه ، الأخبار الدالّة على كون فطرتها على

__________________

(١) لاحظ! وسائل الشيعة : ٩ / ٣١٧ الباب ١ من أبواب زكاة الفطرة.

(٢) وسائل الشيعة : ٩ / ٣١٨ الحديث ١٢١١٤ مع اختلاف يسير.

(٣) المغني لابن قدامة : ٢ / ٣٥١ ، للتوسع لاحظ! تذكرة الفقهاء : ٥ / ٣٦٥.

(٤) المعتبر : ٢ / ٥٩٣ ، منتهى المطلب : ١ / ٥٣١ ط. ق.

(٥) الكافي : ٣ / ٥٤١ الحديث ٨ ، تهذيب الأحكام : ٤ / ٣٠ الحديث ٧٤ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٣٢٦ الحديث ١٢١٣٧.

(٦) منتهى المطلب : ١ / ٥٣٢ ط. ق.

٥٥٥

مولاه (١) ، كما ستعرف.

وفي صحيحة محمّد بن القاسم السابقة : وعن المملوك يموت مولاه وهو عنه غائب في بلد آخر وفي يده مال لمولاه وتحضره الفطرة ، أيزكّي عن نفسه من مال مولاه وقد صار لليتامى؟ فقال : «نعم» (٢).

وظاهر الكليني والصدوق العمل بمضمونه ، وعلّل بأنّ الطفل لا يجب عليه الصوم ، فلا يجب على وليّه أداء فطرته ، وإذا كان عيالا للغير ، فوجوب فطرته إنّما هو على الغير المكلّف بأدائها من ماله لا من مال الطفل ، وأمّا مملوكه فإنّه يصوم ، فلو لم يعط فطرته يتخوّف عليه من الموت ، وهو نقصان من مال الطفل وضرر عليه ، فإعطاء فطرته من ماله مصلحة له ، وفيه ما فيه.

وربّما حمل على الاستحباب ، جمعا بين هذه الصحيحة وما دلّ على نفي الفطرة عليه.

ويمكن الجمع بالتخصيص ، كما هو ظاهر الكليني والصدوق ، والله يعلم ، والمملوك إذا كان له زوجة أو مملوك على القول بمالكيّته ، فهل فطرتهما على مولى المملوك ، أو سقطت عنهما؟ وجهان ، مع احتمال الوجوب على المملوك الغنيّ ، والله يعلم ، هذا إذا لم يكونا عيال أحد مكلّف بالفطرة.

قوله : (الذي لا تحلّ له). إلى آخره.

هذا الشرط إجماعيّ عندنا سوى ابن الجنيد (٣) ، كما سيذكره المصنّف ، وإن نقل عن خلاف الشيخ ، نقل ذلك عن أكثر أصحابنا (٤) ، لا أنّه مقصور في

__________________

(١) لاحظ! وسائل الشيعة : ٩ / ٣٦٤ و ٣٦٥ الباب ١٧ و ١٨ من أبواب زكاة الفطرة.

(٢) الكافي : ٤ / ١٧٢ الحديث ١٣ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٣٢٦ الحديث ١٢١٣٧ و ١٢١٣٨.

(٣) نقل عنه في منتهى المطلب : ١ / ٥٣٢ ط. ق.

(٤) نقل عنه في مدارك الأحكام : ٥ / ٣١١ ، لاحظ! الخلاف : ٢ / ١٤٦ و ١٤٧ المسألة ١٨٣.

٥٥٦

ابن الجنيد ، وليس عندي «الخلاف».

والأخبار متكاثرة في ردّه ، مضافا إلى الأصل ، مثل صحيحة الحلبي عن الصادق عليه‌السلام : عن رجل يأخذ من الزكاة ، عليه صدقة الفطرة؟ قال : «لا» (١).

وصحيحة صفوان بن يحيى ، عن إسحاق بن عمّار ، عن الكاظم عليه‌السلام أنّه قال له : على الرجل المحتاج صدقة الفطرة؟ قال : «ليس عليه فطرة» (٢). إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة (٣).

وأمّا ما ورد من أنّ «من قبل زكاة المال فإنّ عليه زكاة الفطرة ، وليس على من قبل الفطرة فطرة» (٤) فمع عدم صحّة السند ، وقلّة العدد ، والمخالفة للإجماع المنقول ، وفتاوى المعظم الفحول ، ولذا حمل على الاستحباب ، لا ينفع ابن الجنيد ، بل يضرّه هو أيضا ، للحكم فيه بعدم وجوب الفطرة مطلقا ، على من يقبل الفطرة.

وممّا ذكر ؛ ظهر الحال في رواية زرارة ، بإسناد فيه توقّف ، أنّه قال : قلت : الفقير الذي يتصدّق عليه ، هل يجب عليه صدقة الفطرة؟ قال : «يعطي بما يتصدّق به» (٥) ، مضافا إلى ما فيها من الإضمار ، وإن كان عن زرارة ، فإنّ المضمر لا يعارض المصرّح.

مع أنّ الظاهر اتّحادها مع روايته الاخرى المتضمّنة لقوله عليه‌السلام : «وليس على

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٤ / ٧٣ الحديث ٢٠١ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٣٢١ الحديث ١٢١٢١.

(٢) تهذيب الأحكام : ٤ / ٧٣ الحديث ٢٠٥ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٢ الحديث ١٢١٢٦.

(٣) وسائل الشيعة : ٩ / ٣٢١ الباب ٢ من أبواب زكاة الفطرة.

(٤) تهذيب الأحكام : ٤ / ٧٣ الحديث ٢٠٤ ، الاستبصار : ٢ / ٤١ الحديث ١٢٨ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٣٢٢ الحديث ١٢١٣٠.

(٥) الكافي : ٤ / ١٧٢ الحديث ١١ ، تهذيب الأحكام : ٤ / ٧٤ الحديث ٢٠٨ ، الاستبصار : ٢ / ٤١ الحديث ١٣٢ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٣٢٤ الحديث ١٢١٣٤.

٥٥٧

من قبل الفطرة فطرة» كما مرّ (١).

وممّا ذكر ظهر حجّة المشهور بعد ما عرفت ، من أنّ الفقير المستحقّ للزكاة من لم يملك مئونة السنة له ولعياله ، والغنيّ غير المستحقّ لها من ملك ، ومرّ التحقيق في ذلك ، لا حاجة إلى العود فيه هنا.

قوله : (وفي آخر : ليس). إلى آخره.

لا يقال : هذا ظاهر في مذهب ابن الجنيد (٢) ، لأنّ مفهومه أنّ من يجد ما يتصدّق به يجب عليه.

لأنّا نقول : المفهوم مفهوم الوصف ، وعلى تقدير حجّيته لا عموم فيه ، كما لا يخفى ، لأنّ المنطوق عدم جمع أفراد الحرج من جميع الوجوه ، فالمفهوم تحقّق حرج في الجملة وببعض الوجوه ، ولا كلام فيه.

وعلى تقدير التسليم لا يعارض المنطوق ، فكيف يعارض المنطوقات للأحاديث الصحاح والمنجبرة بفتاوى المعظم ، والصحاح وغيرها؟ مثل إجماع العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه ، وعدم الرواية إلّا عن الثقة ، وغير ذلك ممّا هو مستند المعظم ، مع أصالة البراءة ، واستصحاب عدم التكليف!

مع أنّه إن حمل الوجدان على معناه اللغوي ، فهو غير قائل به أيضا ، وإن حمل على الشرعي ، ففيه أنّ من لم يجد قوته ، وقوت عياله من الغد وبعده إلى انقضاء سنته ، مع نهاية شدّة احتياجه إليه حينئذ يكون واجدا شرعا ، محلّ تأمّل يظهر من تتبّع سلوك الشرع مع الفقراء والمساكين ، فتأمّل جدّا!

__________________

(١) مرّ آنفا.

(٢) نقل عنه في منتهى المطلب : ١ / ٥٣٢ ط. ق.

٥٥٨

قوله : (وحمل على الاستحباب).

قد ظهر ممّا ذكرناه وجه الحمل ولزومه.

قوله : (للصحيح).

هو صحيح عليّ بن جعفر عن أخيه عليه‌السلام قال : سألته عن المكاتب هل عليه فطرة [شهر] رمضان أو على من كاتبه؟ وتجوز شهادته؟ فقال : «الفطرة عليه ولا تجوز شهادته» (١).

قال في «الفقيه» : وهذا على الإنكار لا على الإخبار ، يريد بذلك كيف يجب عليه الفطرة ولا يجوز شهادته أي أنّ شهادته جائزة؟ كما أنّ الفطرة عليه واجبة (٢).

أقول : هذا بعيد ، لأنّ السائل ما فرض أنّ الفطرة عليه واجبة ، وتردّد في أنّه على هذا هل شهادته تجوز أم لا؟ حتّى يجاب بما ذكره ، مع أنّه على ما ذكر لا دلالة فيه على وجوب الفطرة عليه ، بل أنكر عليه‌السلام كون الفطرة عليه واجبة ، مع الشكّ في جواز شهادته ، والداعي على ما ذكره أنّه يظهر من الأخبار والآثار ، أنّ عدم جواز شهادة المملوك إنّما هو من أعداء الأئمّة عليهم‌السلام على ما هو مشهور معروف ، وأنّ الداعي على ذلك منهم أيّ شي‌ء ، لكن على هذا تعيّن الحمل على التقيّة.

ويمكن أن يكون مراده الاستفهام الإنكاري في الموضعين ، بأنّه عليه‌السلام يتعجّب عن احتمال كون الفطرة على المملوك.

مع أنّ وجوب الفطرة فرع الغنى ، وتملّك قوت السنة ، وعدم الحجر في التصرّفات ، ولا يتحقّق شي‌ء منها في المكاتب ، لأنّه يعدّ مملوك وليس مالكا

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : ٢ / ١١٧ الحديث ٥٠٢ ، تهذيب الأحكام : ٤ / ٣٣٢ الحديث ١٠٤٠ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٣٦٥ الحديث ١٢٢٤٩.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ٢ / ١١٧ ذيل الحديث ٥٠٢.

٥٥٩

لشي‌ء ، فضلا عن مالكيّة قوت مجموع السنة.

هذا على القول بأنّه لا يملك ، كما هو المشهور المعروف عند العامّة (١) ، لو لم نقل بأنّه كذلك أيضا عند الخاصّة.

وعلى القول بمالكيّته كيف يكون مالكا قوت سنته والفطرة ، ومع ذلك يكاتب مولاه في عتق نفسه؟ فأمّا الإنكار على احتمال عدم جواز شهادته والتعجّب منه ، فلما ذكرناه ، مضافا إلى أنّ العاقل كيف يجوّز عدم الاعتماد والوثوق بشهادة المملوك من جهة عدم قول المولى : أعتقتك؟ وحصول الوثوق بمجرّد القول المزبور!

ولعلّه ممّا ذكرنا لم يوافق المشهور ، بل ولا أحد ، منهم الصدوق في وجوب الفطرة على المكاتب ، سيّما بعد ملاحظة الأخبار الواردة في أنّ فطرة المملوك على مولاه الشامل للمقام (٢).

وخصوص ما رواه في «الكافي» عن محمّد بن أحمد بن يحيى رفعه عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال : «يؤدّي الرجل زكاة الفطرة عن مكاتبه ، ورقيق امرأته ، وعبده النصراني والمجوسي ، ومن أغلق عليه بابه» (٣).

وقال الصدوق في «الأمالي» : من دين الإماميّة أنّ من كان له مملوك مسلم أو ذمّي فليدفع فطرته (٤) ، ولم يستبن المقام أصلا ، وسيجي‌ء تمام الكلام إن شاء الله.

قوله : (وأسقطها). إلى آخره.

سيجي‌ء التحقيق فيه إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) المغني لابن قدامة : ٤ / ١٢٦.

(٢) وسائل الشيعة : ٩ / ٣٢٧ الباب ٥ من أبواب زكاة الفطرة.

(٣) الكافي : ٤ / ١٧٤ الحديث ٢٠ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٣٣٠ الحديث ١٢١٤٧ مع اختلاف يسير.

(٤) أمالي الصدوق : ٥١٧.

٥٦٠