مصابيح الظلام - ج ١٠

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

مصابيح الظلام - ج ١٠

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الطبعة: ١
ISBN: 964-94603-0-6
ISBN الدورة:
964-94422-0-0

الصفحات: ٦٤٨

وحجّة المفصّلين أنّ المالك أمين على الزكاة ، فعليه الاجتهاد والاستظهار في دفعها إلى مستحقّها ، فبدونه يجب الإعادة.

وما رواه الكليني والشيخ في كالصحيح بإبراهيم ، عن عبيد بن زرارة ، عن الصادق عليه‌السلام يقول : «ما من رجل». إلى أن قال : فإنّه لم يعلم أهلها فدفعها إلى من ليس هو لها بأهل ، وقد كان طلب واجتهد ثمّ علم بعد سوء ما صنع؟ قال : «ليس عليه أن يؤدّيها مرّة اخرى».

وقبل هذا سأل هكذا : رجل عارف أدّى الزكاة إلى غير أهلها ، عليه أن يؤدّيها ثانية إلى أهلها إذا علمهم؟ قال : «نعم» (١).

وفي «التهذيب» و «الكافي» بعد نقل هذه الرواية ، وعن زرارة مثله ، غير أنّه قال : «إن اجتهد [فقد] برئ ، وإن قصّر في الاجتهاد [في الطلب] فلا» (٢).

ويرد على الأوّلين أنّ تحقّق الامتثال قبل ظهور الخلاف ، إنّما كان لظهور الآخذ مستحقّا ، إذ لولاه لم يتحقّق الامتثال قطعا ، لاشتغال الذمّة بإعطائها الفقير بالآية والأخبار المتواترة والإجماع.

فإذا تغيّر العلّة تغيّر المعلول ، وإذا انتفى الشرط انتفى المشروط.

ويصدّق الآن أنّه ما أعطاه الفقير جزما لغة وعرفا ، ولعلّه مخالف للآية ، والمتواتر من الأخبار قطعا ، مضافا إلى ما ثبت من الشرع في حقوق الناس ، ومعلوم كون الزكاة حقّا من حقوق الناس بالإجماع وغيره ممّا عرفت ، وإن كان فيها حقّ الله أيضا ، لأنّ حقّ الناس يغلب على حقّه تعالى فيما ذكر ، فلاحظ المواضع

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٥٤٦ الحديث ٢ ، تهذيب الأحكام : ٤ / ١٠٢ الحديث ٢٩٠ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٢١٤ الحديث ١١٨٦٥ مع اختلاف يسير.

(٢) الكافي : ٣ / ٥٤٦ ذيل الحديث ٢ ، تهذيب الأحكام : ٤ / ١٠٣ الحديث ٢٩١ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٢١٤ الحديث ١١٨٦٦.

٤٢١

وتدبّر!

وأيضا جهة الاكتفاء بالظهور لم يكن إلّا الضرورة ، بمقتضى ما ذكر في الأدلّة ، والضرورة تتقدّر بقدرها ، والاستصحاب وإن كان حجّة ، إلّا أنّه يعارض جميع ما ذكر ، حتّى الرواية المعتبرة الصريحة (١) أيضا ، مع ما عرفت من [أنّ] اعتبارها محلّ نظر.

مع أنّ المعارضة لعلّها لا تكفي ، بل لا بدّ من العلّية حتّى يتعيّن كونه الحجّة.

نعم ؛ يؤيّده نفي الضرر مع حصول الإطاعة والامتثال ، وعدم تقصير أصلا ، سيّما مع الاجتهاد ، وبذل الجهد التامّ في معرفة الفقير ، فإنّ الحكم بالإعادة حينئذ في غاية البعد ، وشدّة المخالفة لطريق الشرع ، سيّما مع كونه سهلة سمحة البتّة.

فالرواية لعلّها محمولة على ترك الاجتهاد ، بل ربّما كانت ظاهرة فيه ، لقوله : وهو يرى أنّه معسر ، الظاهر غاية الظهور في أنّه من جهة أنّه كان يظنّه معسرا أعطاه ، لأنّ المضارع يفيد الاستمرار والاجتهاد واستفراغ الوسع ، والغنى أمر ربّما يتجدّد ، فلا يكفي بالظنّ المستمر.

والراوي قال : يرى أنّه معسر ، لا أنّه بذل جهده ، وإلّا كان يذكره في المقام البتة ، لكونه مقام ذكره لو فعله ، فحينئذ لا يكون حجّة على المفصّل لو لم يكن حجّة له ، فتأمّل!

مع أنّه لا يبعد حملها على صورة إمكان الاسترجاع ، لأنّ من كان يراه معسرا ظاهر في كونه شخصا ضعيفا غير متسلّط ، ليس له يد وقدرة بعد ظهور كونه غنيّا ، لأنّ الغني متمكّن من الردّ جزما ، فإذا لم يكن له قدرة على المنع ، لا جرم يكون الظاهر التمكّن مع الأخذ.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٩ / ٢١٥ الحديث ١١٨٦٩.

٤٢٢

مع أنّ الغالب التمكّن من الارتجاع ، بل والارتجاع كما هو معلوم ، والفقهاء يتعرّضون للصورة النادرة وحكمها.

مع أنّ التمسّك بترك الاستفصال في أمثال المقام لا يخلو عن الضعف ، فكيف يعارض ما ذكرناه وما سنذكره؟ مع إمكان الحمل على الاحتياط في الاحتياط في الإعطاء لا يقع منهم المسامحة فيه ، كما اتّفق لكثير ممّن شاهدنا همّ ، ومنه ما مرّ في حكاية شهاب بن عبد ربّه (١).

هذا كلّه ؛ مضافا إلى ما ظهر من تضاعيف الأخبار من التسهيل ، وكمال الإرفاق والشفقة والمراعاة للمالك ، كما عرفت ، مضافا إلى ما عرفت من أنّ معرفة حدّ الفقر وتميّزه من الغنى ، ربّما يصعب غاية الصعوبة من الوجوه الكثيرة التي أشرنا ، مع عدم الحرج في الدين ، بل وعدم العسر أيضا ، إلى غير ذلك ممّا ذكرنا ، مضافا إلى ضمّ الأكثريّة في الفتوى ، بل الشهرة بحسب الظاهر.

وممّا ذكر ظهر الحال في الجواب عن حجّة الموجبين ، بضعف الحديث بالإرسال ، وأنّ التكليف منوط بالاستحقاق الظاهري ، مضافا إلى ما عرفته من كمال قوّة الخبر ، وعدم قصوره عن الصحيح ، لو لم نقل بكونه أقوى.

واجيب عن حجّة المفصّلين ، بأنّ الاجتهاد الذي ذكره إن أراد منه القدر المجوّز لإعطاء الزكاة ، أي يحصل الظنّ في صورة عدم ظنّ أصلا ، فلا كلام فيه ، لكن لا يلزم منه ما ذكره ، وإن أراد الاجتهاد الذي ادّعاه ، فهو غير واجب عند الفقهاء.

وقيل : نقل جماعة من الأصحاب الإجماع عليه (٢) ، مع أنّهم ذكروا حال

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٩ / ٢١٧ الحديث ١١٨٧٣.

(٢) مدارك الأحكام : ٥ / ٢٠٦ ، ذخيرة المعاد : ٤٦٣ و ٤٦٤.

٤٢٣

ظهور الخطأ لا غيره ، فكلامهم ينادي بأنّ حال عدم ظهوره لا كلام لهم في الصحّة ، بل الأوّلون وهم الأكثر ، والمشهور قالوا ما قالوا.

مع أنّه على تقدير أن يكون المفصّل يقول بالوجوب مطلقا ، بحيث لو لم يجتهد لم يكن ممتثلا أصلا ، وإن لم يظهر خطاؤه ، وكان ظانّا بظنّ قوي.

ففيه ؛ مع كونه خلاف الفقهاء ، وخلاف ظاهر كلامه أيضا ، أنّه خلاف ما يظهر من الأخبار حتّى رواية ابن أبي عمير السابقة (١) ، والروايتان اللتان هما دليله. لأنّ المعصوم عليه‌السلام ما اعترض على الراوي بأنّه كيف يعطي الزكاة بغير اجتهاد؟ وأنّه غير ممتثل مطلقا ، بل قال : في صورة ظهور الخطأ بعيد ، إمّا مطلقا أو إذا اتّفق أنّه لم يجتهد.

وأمّا الروايتان فلا دلالة لهما على وجوب الاجتهاد في الصورة التي ظنّ كونه أهلها ، وكان الظاهر عنده كذلك.

مع أنّه غير خفيّ أنّ المراد من الأهل في الروايتين المؤمن والشيعة ، وغير الأهل المخالف ، وكون الحال فيه ، وفي شرط الفقر واحدا ؛ محلّ نظر كما ستعرف ، سيّما في زمان الباقر والصادق عليهما‌السلام ، من عدم وجود الشيعة الذين يكونون مستحقّين لأخذ الزكاة إلّا قليلا ، سيّما زمان الباقر عليه‌السلام لغاية قلّة الشيعة ، وابتداء ظهورهم منهم ، كما لا يخفى.

بل غالبهم كانوا ناصبيين ، وغير الغالب كانوا مستضعفين ، وسيجي‌ء حالهما.

والأخبار في غاية التشديد في عدم إعطاء الزكاة بغير المؤمن ، وحذّروا نهاية التحذير.

لكن على هذا يظهر دلالة الروايتين على قول المفصّل بطريق أولى ، سيّما

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٩ / ٢١٥ الحديث ١١٨٦٩.

٤٢٤

بملاحظة ما ورد في القرآن والأخبار المتواترة من النهي عن موادّة هؤلاء وإعانتهم ومراعاتهم وكمال التشديد في ذلك ، وفي كون الزكاة حقّ خصوص الشيعة لا غير مطلقا ، حتّى المخالف المستبصر يعيدها ، مع مقبوليّة جميع عباداته الفاسدة ، وبسطنا الكلام في دلالة هاتين الروايتين في حاشيتنا على «الذخيرة» (١).

وبالجملة ؛ يمكن أن يكون المشهور أقوى ، وإن كان الأحوط الإعادة في صورة عدم الاجتهاد ، بل الظاهر أنّ الإعادة في صورة تحقّق المسامحة والمساهلة واجبة ، والله يعلم ، وسيجي‌ء زيادة التحقيق في المقام في البحث عن الغارمين.

ولو ظهر الخطأ في اعتقاده كونه مؤمنا ، أو غير هاشمي ، أو أنّه ليس ممّن يجب نفقته ، أو عادلا على القول باشتراطها ، فظهر كونه كافرا بالكفر المقابل للإسلام ، أو المقابل للإيمان ، أو مستضعفا لما ستعرف ، من عدم جواز الإعطاء للمستضعف ، وتحريم أخذه منها ، أو هاشميّا ، أو ممّن يجب نفقته عليه.

ففي «الذخيرة» أنّ الشيخ (٢) ومن تبعه ، قطعوا بعدم وجوب الإعادة ، إذا لم يمكن الارتجاع منهم (٣).

واستدلّوا بأنّ الدفع واجب ، فيكفي في شرطه الظاهر تعليقا للوجوب على الشرط الممكن ، فلم يضمن لعدم العدوان في التسليم المشروط.

وهذا هو الظاهر من المشهور ، لكونه قاعدتهم التي تمسّكوا بها فيما سبق وغيره ، ظهر الحال فيما سبق.

وحكى الفاضلان عن بعض العامّة القول بلزوم الإعادة ، لعدم وصول الحقّ

__________________

(١) الحاشية على الذخيرة (مخطوط).

(٢) المبسوط : ١ / ٢٦١.

(٣) ذخيرة المعاد : ٤٦٤.

٤٢٥

إلى مستحقّه ، ولأنّ الاتّصال بالرسول ، والكفر والقرابة لا تخفى مع الاجتهاد والطلب ، بخلاف الغنى لخفاء حاله كثيرا ، كما قال الله تعالى (يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ) (١) الآية ، والجواب عنهما يظهر ممّا تقدّم ، والاحتياط أيضا كما في السابق.

وعن الفاضلين أنّهما استثنيا ما إذا ظهر كونه مملوك المالك ، لعدم الخروج عن ملكه ، فيكون بمنزلة العزل من غير تسليم ، واستشكل بأنّ ذلك آت في جميع الصور ، فإنّ غير المستحقّ لا يملك الزكاة في نفس الأمر ، والمقتضي لعدم الإعادة هو التسليم المشروع ، وهو متحقّق في الجميع ، فالفرق غير مستقيم (٢) ، انتهى.

وأمثال ما ذكر لا عناية لي بشأنها حتّى نطوّل الكلام فيها ، إذ الظاهر أنّ بناءهما على أنّ العبد وما في يده لمولاه ، فلم يخرج بعد عن ملك المولى ، فتأمّل جدّا!

__________________

(١) البقرة (٢) : ٢٧٣.

(٢) المعتبر : ٢ / ٥٧٠ ، منتهى المطلب : ١ / ٥٢٧ ط. ق.

٤٢٦

٢٣٥ ـ مفتاح

[تبيين المراد من آية الاستحقاق]

العاملون : هم عمّال الصدقات جباية وكتابة وحفظا وقسمة ونحوها ولو أغنياء ، ولا يشترط حرّيتهم خلافا للمبسوط (١).

والمؤلفة : هم الكفّار المستمالون إلى الجهاد ، والإسكافي : هم المنافقون (٢) ، وجوّز جماعة كونهم مسلمين (٣).

(وَفِي الرِّقابِ :) هم المكاتبون الذين ليس لهم ما يصرفونه في كتابتهم ، كما في الخبر : «في المكاتب العاجز عن الأداء يؤدّي عنه إن الله تعالى يقول (وَفِي الرِّقابِ) (٤)» (٥).

والعبيد : الذين كانوا تحت شدّة فيعتقون منها ، ومع عدم الشدّة قولان ،

__________________

(١) المبسوط : ١ / ٢٤٨.

(٢) نقل عنه في مدارك الأحكام : ٥ / ٢١٤.

(٣) المعتبر : ٢ / ٥٧٣ ، السرائر : ١ / ٤٥٧ ، تذكرة الفقهاء : ٥ / ٢٥١.

(٤) التوبة (٩) : ٦٠.

(٥) وسائل الشيعة : ٩ / ٢٩٣ الحديث ١٢٠٥٢.

٤٢٧

لتعارض النصوص إلّا مع عدم مستحقّ غيره فيجوز قولا واحدا ، للموثّق (١) ، وميراثهم لأربابهم عند الأكثر ، بل كاد يكون إجماعا للمعتبرين (٢) ولا بأس به ، وفي رواية : « (وَفِي الرِّقابِ) قوم لزمتهم كفّارات وليس عندهم ما يكفّرون» (٣).

والغارمون : هم المدينون مع عدم تمكّنهم من القضاء ، ومنهم من كان عنده ما يفي بدينه ، لكن لو دفعه يصير فقيرا ، كما قاله العلّامة ، لعدم تمكّنه من القضاء عرفا ، ولا فائدة في أن يدفع ماله ثمّ يأخذ الزكاة للفقر (٤).

واشترط الأكثر عدم صرفهم في المعصية ، لئلّا يكون [حملا] لهم عليها ، وللخبر (٥) ، خلافا للمعتبر فجوّز إعطاءهم مع التوبة وهو أقرب (٦).

ويجوز مقاصّتهم بما عليهم من الزكاة إجماعا للمعتبرة (٧) ، وكذا الدفع إلى أرباب الديون بدون إذنهم ، وبعد موتهم إذا قصرت التركة عن الدين ، كما في المعتبرة (٨).

وفي سبيل الله : ما يتوصّل إلى رضاه سبحانه كالجهاد ، وعمارة مسجد ، وجسر ومدرسة ، ومعونة زائر ونحوها ، وفاقا للأكثر ، وتخصيصه بالجهاد ،

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٩ / ٢٩٢ الحديث ١٢٠٥٠.

(٢) وسائل الشيعة : ٩ / ٢٩٢ و ٢٩٣ الحديث ١٢٠٥٠ و ٢٠٥١.

(٣) وسائل الشيعة : ٩ / ٢١١ الحديث ١١٨٦٢.

(٤) نهاية الإحكام : ٢ / ٣٩١.

(٥) وسائل الشيعة : ١٨ / ٣٣٦ الحديث ٢٣٧٩٦.

(٦) المعتبر : ٢ / ٥٧٥.

(٧) وسائل الشيعة : ٩ / ٢٩٥ الحديث ١٢٠٥٧.

(٨) وسائل الشيعة : ٩ / ٢٥٠ الحديث ١٩٤٩.

٤٢٨

كما في «النهاية» (١) بعيد عن ظاهر اللفظ ، مع أنّه يدفعه الصحيح : «يكون عندي المال من الزكاة أفأحجّ به مواليّ وأقاربي؟ قال : نعم» (٢).

وفي اشتراط حاجتهم خلاف ، والأصحّ جواز صرفه في كلّ قربة لا يتمكّن فاعلها من الإتيان بها بدونه وإن كان غنيّا ، وأمّا الغازي فيعطي قدر كفايته على حسب حاله وإن كان غنيّا قولا واحدا.

وفي الحديث النبوي : «لا تحلّ الصدقة لغنيّ إلّا لثلاثة» ، وعدّ منها الغازي (٣).

وابن السبيل : هو المنقطع به وإن كان غنيّا في بلده ، وألحق به جماعة الضيف (٤) ، والإسكافي : المنشئ للسفر الواجب أو المندوب (٥) ، وكلاهما بعيد عن اللفظ ، ويشترط فيه أن لا يكون سفره معصية بلا خلاف ، وإلّا كان إعانة على الإثم.

اللهمّ ؛ إلّا مع التوبة وإرادته الأوبة ، وفي اعتبار عجزه عن الاستدانة أو بيع ماله قولان.

__________________

(١) النهاية للشيخ الطوسي : ١٨٤.

(٢) وسائل الشيعة : ٩ / ٢٩٠ الحديث ١٢٠٤٥.

(٣) كنز العمّال : ٦ / ٤٥٤ الحديث ١٦٥٠٣ مع اختلاف.

(٤) فقه القرآن : ١ / ٢٢٥ ، البيان : ٣١٥.

(٥) نقل عنه في مختلف الشيعة : ٣ / ٢٠٥.

٤٢٩
٤٣٠

قوله : (هم عمّال). إلى آخره.

في تفسير علي بن إبراهيم : عن العالم عليه‌السلام : «والعاملين عليها هم السعاة والجباة في أخذها وجمعها وحفظها حتّى يؤدّوها إلى من يقسّمها» (١).

والظاهر ؛ عدم الخلاف بيننا في ذلك ، وأنّهم يستحقّون نصيبا من الزكاة بإزاء الأفعال المذكورة ، وإن كانوا أغنياء ، لأنّها اجرة عملهم ، فلا مانع من كونه مملوكا إذا أذن مولاه ، وذكرنا في بحث تعلّق الزكاة بالعين ما تضمّن بعث أمير المؤمنين عليه‌السلام المصدّق وآدابه (٢) ، فلاحظ!

قوله : (هم الكفّار). إلى آخره.

عن «المبسوط» أنّه قال : عندنا هم الكفّار الذين يستمالون بشي‌ء من مال الصدقات إلى الإسلام ويتألّفون ليستعان بهم على أهل الشرك ، ولا يعرف أصحابنا مؤلّفة أهل الإسلام (٣) ، انتهى.

أشار بذلك إلى ما نقل عن الشافعي (٤) ، ونفى عنه البأس في «المعتبر» (٥) ، من أنّه جعلهم ضربين : مسلمين ومشركين ، والمسلمين أربعة أضرب ، والمشركين ضربين ، وعن المفيد وابن إدريس أنّهم ضربان : مسلمون ومشركون (٦).

__________________

(١) تفسير القمّي : ١ / ٢٩٩ وسائل الشيعة : ٩ / ٢١١ الحديث ١١٨٦٢ مع اختلاف يسير.

(٢) وسائل الشيعة : ٩ / ١٢٩ الحديث ١١٦٧٨.

(٣) المبسوط : ١ / ٢٤٩.

(٤) لاحظ! المجموع للنووي : ٦ / ١٩٧.

(٥) المعتبر : ٢ / ٥٧٣.

(٦) نقل عن المفيد في المعتبر : ٢ / ٥٧٣ ، السرائر : ١ / ٤٥٧.

٤٣١

وفي «الذخيرة» أنّه اختاره جماعة من الأصحاب (١).

وقال ابن الجنيد : إنّهم من أظهر الدين بلسانه وأعان المسلمين وإمامهم بيده (٢).

وفي تفسير علي بن إبراهيم ، عن العالم عليه‌السلام : «أنّهم قوم وحّدوا الله وخلعوا عبادة من دون الله ، ولم يدخل قلوبهم أنّ محمّدا رسول الله ، و [كان] رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يتألّفهم ويعطيهم ، فجعل لهم نصيبا في الصدقات لكي يعرفوا ويرغبوا» (٣).

وروى الكليني في كالصحيح ب ـ إبراهيم ـ عن زرارة ومحمّد بن مسلم أنّهما قالا للصادق عليه‌السلام : أرأيت قوله تعالى (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ) (٤) الآية ، أكلّ هؤلاء يعطي وإن كان لا يعرف؟ فقال : «إنّ الإمام يعطي هؤلاء جميعا ، لأنّهم يقرّون له بالطاعة»

[قال] : قلت : فإن كانوا لا يعرفون؟ فقال : «يا زرارة لو كان يعطي من يعرف دون من لا يعرف لم يوجد لها موضع ، وإنّما يعطي من لا يعرف ليرغب في الدين فيثبت عليه ، فأمّا اليوم فلا تعطها أنت وأصحابك إلّا من يعرف ، فمن وجدت من هؤلاء المسلمين عارفا فأعطه دون سائر الناس ، ثمّ قال : سهم (الْمُؤَلَّفَةِ) [قلوبهم] وسهم (الرِّقابِ) عامّ ، والباقي خاصّ».

[قال] : قلت : فإن لم يوجدوا؟ قال : «لا تكون فريضة فرضها الله عزوجل

__________________

(١) ذخيرة المعاد : ٤٥٤.

(٢) مختلف الشيعة : ٣ / ٢٠٠.

(٣) تفسير القمّي : ١ / ٢٩٩ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٢١١ الحديث ١١٨٦٢ مع اختلاف يسير.

(٤) التوبة (٩) : ٦٠.

٤٣٢

إلّا أن يوجد لها أهل» (١).

وظاهر الخبرين المذهب المشهور ، مضافا إلى الإجماع المنقول.

وقيل : استدلّ بالأخير للمفيد وموافقيه بقوله عليه‌السلام : «ليرغب في الدين فيثبت عليه». وقوله عليه‌السلام : «وسهم المؤلّفة عام» ، وهو غير بعيد (٢) ، إلّا أنّ الظاهر منه اختصاص ذلك بصورة بسط يد الإمام عليه‌السلام ، فلا ثمرة لنا والإمام عليه‌السلام عارف بالحال قطعا.

ولعلّه لهذا قال الشيخ : بسقوط سهم المؤلّفة في زمان الغيبة (٣) ، وابن بابويه بسقوطه بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٤) ، لعدم بسط يد الإمام عليه‌السلام بعده ، وإن صار علي والحسن عليهما‌السلام خليفة في قليل من الزمان ، ووقوع العزّ والشوكة للإسلام المقابل للكفر ، فتأمّل جدّا!

ولو احتجنا الآن إليه أمكن الإعطاء من سهم سبيل الله ، مع إمكان القول به أيضا ، والله يعلم.

قوله : (وَفِي الرِّقابِ). إلى آخره.

التعبير هنا بلفظ «في» موافقا لغيره من الأصحاب ، رعاية للمتابعة للآية الشريفة.

وقيل : في وجه العدول فيها وجهان :

الأوّل : إنّ الأصناف الأربعة الاولى تصرف إليهم كي يتصرّفوا فيها كيف شاءوا.

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٤٩٦ الحديث ١ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٢٠٩ الحديث ١١٨٥٦ مع اختلاف يسير.

(٢) لاحظ! ذخيرة المعاد : ٤٥٤.

(٣) المبسوط : ١ / ٢٤٩ ، النهاية للشيخ الطوسي : ١٨٥.

(٤) من لا يحضره الفقيه : ٢ / ٣ ذيل الحديث ٤.

٤٣٣

وأمّا الأخيرة فلا ، بل تصرف في الجهات التي حصل الاستحقاق بسبب الحاجة إليها ، ففي الرقاب تصرّف لتخليص رقابهم من الرّق ، وفي الغارمين تصرّف في قضاء ديونهم ، وكذلك سبيل الله وابن سبيل.

والثاني : الإشعار بأنّهم أرسخ في استحقاق التصدّق عليهم ، لأنّ في الظرفيّة إيماء إلى أنّهم أحقّاء بأن يجعلوا مصبّا لها ، والتكرير في قوله : (وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ) ، فيه فضل ترجيح (١).

قوله : (هم المكاتبون). إلى آخره.

عن «المبسوط» : أنّه يدخل فيه المكاتبون بلا خلاف. وعندنا أنّه يدخل فيه العبيد إذا كانوا في شدّة فيشترون ويعتقون عن أهل الصدقات ، ويكون ولاؤهم لأرباب الصدقات ، ولم يجز ذلك أحد من الفقهاء (٢).

وعن «المنتهى» إنّ الذي ذهب إليه علماؤنا أنّهم المكاتبون ، والعبيد إذا كانوا في [ضرّ و] شدّة يشترون ابتداء ويعتقون (٣).

وعن «المعتبر» لو لم يوجد مستحقّ جاز شراء العبد من الزكاة وعتقه ، وإن لم يكن في ضرّ ، وعليه فقهاء الأصحاب (٤).

وعن «المنتهى» أيضا كذلك (٥) ، والآية (٦) ظاهرة في صحّة الكلّ.

__________________

(١) مدارك الأحكام : ٥ / ٢١٦.

(٢) المبسوط : ١ / ٢٥٠.

(٣) منتهى المطلب : ١ / ٥٢٠ ط. ق.

(٤) المعتبر : ٢ / ٥٧٥.

(٥) منتهى المطلب : ١ / ٥٢٠ ط. ق.

(٦) التوبة (٩) : ٦٠.

٤٣٤

واستدلّ على اعتبار الشدّة بما رواه الشيخ في الصحيح عن عمرو بن أبي نصر (١) ، عن الصادق عليه‌السلام أنّه سأله عن الرجل يجتمع عنده من الزكاة الخمسمائة والستّمائة يشتري منها نسمة ويعتقها؟ قال : «إذا يظلم قوما آخرين حقوقهم ، ثمّ مكث مليّا ، ثمّ قال : إلّا أن يكون عبدا مسلما في ضرورة فليشتره ويعتقه» (٢).

والشيخ رواها عن «الكافي» ، وفيه السند هكذا : عن عمرو عن أبي بصير (٣) ، فحينئذ لا يكون السند صحيحا ، ولعلّ نسخة الشيخ كانت كما ذكره ، وهي الأصحّ ، لبعد مثلها في «الكافي» ، وحصول المظنّة بأنّ الناسخ توهّم فكتب «عن» لنهاية كثرة ورود أبي بصير عن الصادق عليه‌السلام ، أو وجده مغشوشا فتوهّم كونه «عن».

وكيف كان ؛ الرواية منجبرة بعمل الأصحاب.

ونقل في «المعتبر» أنّها ممّا رواه الأصحاب عن الصادق عليه‌السلام (٤) ، وفي الرواية قيد المسلم ، والأصحاب لم يصرّحوا به ، ولعلّه مرادهم لما ستعرف.

ويدلّ على الثالث ـ مضافا إلى الآية ـ موثّقة عبيد بن زرارة أنّه سأل الصادق عليه‌السلام عن رجل أخرج زكاة ماله ألف درهم فلم يجد موضعا يدفع ذلك إليه ، فنظر إلى مملوك يباع فيمن يريده فاشتراه بتلك الألف فأعتقه ، أيجوز ذلك له؟ قال : «نعم ، لا بأس بذلك» ، قلت : فإنّه لمّا اعتق وصار حرّا اتّجر فأصاب مالا ثمّ مات وليس له وارث ، فمن يرثه؟ قال : «يرثه الفقراء المؤمنون الذين يستحقّون

__________________

(١) لاحظ! الوافي : ١٠ / ١٧٨ ذيل الحديث ٩٣٨٣ ، مدارك الأحكام : ٥ / ٢١٧ الحدائق الناضرة : ١٢ / ١٨٢.

(٢) تهذيب الأحكام : ٤ / ١٠٠ الحديث ٢٨٢ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٢٩١ الحديث ١٢٠٤٩.

(٣) الكافي : ٣ / ٥٥٧ الحديث ٢ مع اختلاف.

(٤) المعتبر : ٢ / ٥٧٤.

٤٣٥

الزكاة ، لأنّه إنّما اشتري بمالهم» (١).

وهي كالصحيحة ، لكون موثّقيّتها بالحسن بن علي بن فضّال وابن بكير ، مضافا إلى عمل الأصحاب بعد الآية ، لكن ظاهرها أنّه اشتري من مال الفقراء لا سهم الرقاب.

وفي «الدروس» أنّ فيه إيماء إلى أنّه لو اشتري من سهم الرقاب لم يطّرد الحكم ، إذ هو ماله لا مال غيره فيرثه الإمام (٢).

والظاهر ؛ أنّه ليس كذلك ، إذ ليس فيه إيماء أصلا أنّ المشتري اشتراه من مال الفقراء ، بقصد كون المملوك مالهم ، كما أنّه ليس فيه قصد كونه من الرقاب.

ومع ذلك الأصحاب حكموا بكون الميراث للفقراء ، مع ذكرهم ذلك في سهم الرقاب وجعلهم منه ، لأنّ البسط عندنا غير واجب ، كما سيجي‌ء.

مع أنّه لم يسلّمه إلى الفقراء حتّى يتعيّن كونه لهم لا سهم الرقاب ، بل يستفاد منها ، ومن غيرها من الأخبار الواردة في علّة الزكاة وغيرها ، أنّ الأصل في الزكاة كونها مال الفقراء ، ولذا جعل المال مالهم في الأخبار الكثيرة غاية الكثرة المعمول بها ، والأصحاب أفتوا بمضمونها من غير تدقيق وتشقيق.

وأمّا غيرهم فمثل : العاملين عليها ، إنّما استحقّوا العمل للفقراء ، وأمّا ابن السبيل فهو فقير آن الأخذ.

وأمّا المكاتبون فهم يلحقون بهم من جهة العلاقة الحاصلة لهم ، وهي الاحتياج إلى خصوص العتق ، وفكّ الرقبة ، ولعلّه لذلك الحقوا بهم وصاروا منهم ، وكذلك الحال في سبيل الله ، وسيجي‌ء تمام التحقيق في بيان الغارمين.

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٥٥٧ الحديث ٣ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٢٩٢ الحديث ١٢٠٥٠ مع اختلاف يسير.

(٢) الدروس الشرعيّة : ١ / ٢٤٤.

٤٣٦

والحاصل ؛ أنّ المستفاد من هذا الخبر ، وغيره من الأخبار التي لا تحصى ، أنّ الحقّ حقّهم بحسب الحقيقة والأصالة ، وغيرهم تابعون لهم.

وهذا القدر يكفي لما ذكر فيها ، وأفتى الأصحاب به ، لأنّ كلّ شي‌ء يرجع إلى أصله ، فتأمّل جدّا!

وممّا ذكرنا ظهر أيضا فساد ما قيل : من أنّه لعلّ في الخبر دلالة على لزوم التقسيط ، إذ مضافا إلى ما عرفت ، يلزم ممّا ذكره كون إرثه مقسّطا بين أرباب السهام الثمانية ، فهو دليل على عدم لزوم التقسيط ، بل عدم اعتباره أصلا.

هذا ؛ وفي «الذخيرة» إنّ للأصحاب هاهنا خلافا في موضعين :

الأوّل : في جواز الإعتاق من الزكاة مطلقا من غير اعتبار القيدين السابقين ، وشراء الأب منها فقيل : بالمنع ، وهو ظاهر كثير منهم ، وقيل بالجواز ، وهو قول «القواعد» (١).

وقوّاه ولده في «الشرح» ، ونقله عن المفيد وابن إدريس (٢) ، وهو أقرب للآية ،

وما رواه في كتاب «العلل» عن أيّوب بن الحرّ ـ في الصحيح ـ أنّه قال للصادق عليه‌السلام : مملوك يعرف هذا الأمر ، أشتريه من الزكاة وأعتقه؟ فقال : «اشتره وأعتقه» ، قلت : فإن هو مات وترك مالا؟ فقال : «ميراثه لأهل الزكاة لأنّه اشتري بسهمهم» ، وقال : وفي حديث آخر : «بمالهم» (٣).

وما رواه الكليني في باب نادر عن أبي محمّد الوابشي ـ في الصحيح ـ عن

__________________

(١) قواعد الأحكام : ١ / ٥٧.

(٢) إيضاح الفوائد : ١ / ١٩٦ ، لاحظ! المقنعة : ٢٤١ ، السرائر : ١ / ٤٥٧.

(٣) علل الشرائع : ٣٧٢ الحديث ١ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٢٩٣ الحديث ١٢٠٥١.

٤٣٧

الصادق عليه‌السلام أنّه سأله بعض أصحابنا عن رجل اشترى أباه من زكاة ماله قال : «اشترى خير رقبة ، لا بأس بذلك» (١).

ثمّ قال : ولا تنافي بين هذين الخبرين وبين رواية عبيد بن زرارة (٢) ، لأنّ التخصيص هنا إنّما هو في كلام السائل ، وذلك لا يقتضي تخصيص الحكم.

وأمّا رواية أبي بصير (٣) ، فتحمل على الكراهة جمعا بين الأدلّة (٤).

أقول : بعد ملاحظة الإجماعات المذكورة ، وفتاوى الأصحاب ، وشدّة قوّة دلالة رواية أبي بصير مع كونها في «الكافي» ، وتأيّدها بموثّقة عبد الله بن بكير التي هي كالصحيحة ، إذ الظاهر منها أنّ المالك بعد أن لم يجد المستحقّ فعل كذلك ، ومع ذلك مستشكل في فعله ، محتمل عدم جوازه ، فسأل ما سأل.

فلو كان الجواز مطلقا ، لكان المناسب عدم تقرير الراوي في اعتقاده ، بأن يجاب بالجواز ، وإن وجد المستحقّ ، وكونه مستحقّا محتاجا إليه.

ومع ذلك ؛ صرّح المعصوم عليه‌السلام بكون المال مال المستحقّ ، وأنّه اشتري بماله ، فلو كان مستحقّا محتاجا ، بل وشديد الحاجة أيضا ، لو لم يكن مضطرّا إليه ، كيف يقول المعصوم عليه‌السلام : لا تعطيه المال الذي هو ماله وحقّه ، وهو محتاج إليه؟

بل وربّما أشدّ الحاجة ، أو اضطرّ ، واشتر [ى] بمجموعه العبد الذي لم يذكر أنّه كان يعرف هذا الأمر ، مع نهاية بعد كونه يعرف ، ولم يذكره الراوي في المقام ، مضافا إلى كون العبد الذي يباع فيمن يريد ، ربّما يبعد كونه عارفا في ذلك الزمان ، كما لا يخفى.

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٥٥٢ الحديث ١ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٢٥١ الحديث ١١٩٥١ مع اختلاف يسير.

(٢) تهذيب الأحكام : ٤ / ١٠٠ الحديث ٢٨١ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٢٩٢ الحديث ١٢٠٥٠.

(٣) وسائل الشيعة : ٩ / ٢٩١ الحديث ١٢٠٤٩.

(٤) ذخيرة المعاد : ٤٥٥.

٤٣٨

هذا كلّه ؛ مضافا إلى ما ستعرف في الحاشية الآتية ، مضافا إلى أنّ الأصحاب فهموا منها الاشتراط أيضا كسابقتها ، وادّعوا الإجماعات كذلك ، فبملاحظة جميع ما ذكر لعلّ الحمل المذكور لا يخلو عن الإشكال والصعوبة ، سيّما بعد ملاحظة كون الرواية عن العلل ، وهو ليس كتاب فتواه ، وصرّح ما صرّح.

مع أنّه لو كان مفتيا بهما راضيا ، لكان أفتى بهما في «الفقيه» أو «المقنع» أو غيرهما من كتب فتاويه.

مع أنّه قوله : وفي حديث آخر : «مالهم» (١) ربّما كان الظاهر أنّه موثّقة عبيد بن زرارة.

فمع جميع ذلك حمل مستنده ، على أنّ المراد جواز الفعل من حيث هو هو ، لا أنّه في صورة وجود المستحقّ المحتاج ، وعدم ضرورة أصلا أيضا يختاره ، ويصحّ في جنب حمله ليس بأبعد منه.

مع أنّ المملوك الذي يعرف هذا الأمر ، ربّما كان عدم شرائه ضررا عظيما حيث يشتريه المخالف ، لأنّ الظاهر أنّ صاحبه يبيعه فيشتريه ، وربّما كان صاحبه أيضا غير موافق لمزاجه ، ولذا يبيعه ، أو من المخالفين كما هو الغالب في ذلك الزمان.

مع أنّ الحمل على ذلك ليس بذلك البعد ، فيكون تحت شدّة وضرورة ، أو يصير كذلك لو لم يشتره الشيعة ، ومثل هذا العبد في ذلك الزمان له حرمة زائدة ، كما لا يخفى على المطّلع ، ومثل هذا الكلام في احترام والد الشخص العارف ، وحفظه عن الوقوع في يد المخالف ، الذي هو أشدّ من الكافر بالنسبة إلى العارف بلا شبهة.

ثمّ قال : الثاني : من وجب عليه كفّارة العتق ولم يجد ، فهل يجوز أن يعتق عنه من الزكاة؟ قيل : نعم ، وقيل : لا ، وتردّد في «الشرائع» (٢).

__________________

(١) علل الشرائع : ٣٧٢ الحديث ١.

(٢) شرائع الإسلام : ١ / ١٦١.

٤٣٩

وقال في «المبسوط» : روى أصحابنا أنّ من وجب عليه عتق رقبة في كفّارة ، ولا يقدر على ذلك جاز أن يعتق عنه ، قال : والأحوط عندي أن يعطى ثمن الرقبة لكونه فقيرا ، فيشتري هو ويعتق عن نفسه (١).

وهو إشارة إلى ما نقله عن عليّ بن إبراهيم في تفسيره عن العالم عليه‌السلام : «إنّ في الرقاب قوم لزمتهم كفّارات في قتل الخطأ أو غيره ، وليس عندهم ما يكفّرون وهم مؤمنون ، فجعل الله لهم سهما في الصدقات ليكفّر عنهم» (٢).

ثمّ قال : وظاهر الرواية أعمّ من العتق وغيره ، ولكن كونه تفسيرا للرقاب يعطي تخصيصها به ، نقله في «المعتبر» بدون قوله : وقتل الصيد في الحرم ، وقوله : وهم مؤمنون ، ثمّ قال : وعندي أنّ ذلك أشبه بالغارم ، لأنّ القصد به براءة ذمّة المكفّر ممّا في عهدته ، قال : ويمكن أن يعطى من سهم الرقاب ، لأنّ القصد به إعتاق الرقبة (٣) ، انتهى.

ولا يخفى أنّ تفسير العالم عليه‌السلام ، مع ظاهر الفتاوى يأبى عمّا ذكره.

ثمّ قال : واعلم! أنّهم ذكروا في إعطاء المكاتب منه اشتراط أن لا يكون معه ما يصرفه في كتابته ، وظاهر بعض إطلاقاتهم الجواز ، وإن قدر على تحصيل مال الكتابة بالتكسّب.

واعتبر في «البيان» قصور كسبه من مال الكتابة (٤) ، وهل يتوقّف الإعطاء على حلول النجم؟ الأظهر الأشهر لا ، وقيل : بالتوقّف لانتفاء الحاجة في الحال (٥) ،

__________________

(١) المبسوط : ١ / ٢٥٠.

(٢) تفسير القمّي : ١ / ٢٩٩ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٢١١ الحديث ١١٨٦٢ مع اختلاف يسير.

(٣) المعتبر : ٢ / ٥٧٤.

(٤) البيان : ٣١٣.

(٥) تذكرة الفقهاء : ٥ / ٢٨١ المسألة ١٩٥.

٤٤٠