مصابيح الظلام - ج ١٠

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

مصابيح الظلام - ج ١٠

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الطبعة: ١
ISBN: 964-94603-0-6
ISBN الدورة:
964-94422-0-0

الصفحات: ٦٤٨

وربّما يؤيّده عدوله عليه‌السلام في الجواب عن كلمة «على» بكلمة «في» ، وحملت على التقيّة أيضا لكون مضمونها مذهب العامّة (١) ، وحملت على قصد الفرار أيضا ، بقرينة كصحيحة إسحاق بن عمّار السابقة في بحث الفرار من الزكاة (٢) ، وربّما ظهر منها وأمثالها ، كون الأمر في زمان الصادق عليه‌السلام ، وما بعده أيضا على ما قلنا ، وأشار في «التهذيب» إلى ما ذكرنا (٣).

قوله : (ثمّ في كلّ أربعة عشر دينار). إلى آخره.

قد عرفت المستند في الكلّ.

قوله : (ولا شي‌ء في المغشوشة). إلى آخره.

اعلم! أنّ الذهب والفضّة المغشوشتين إذا كانتا بسكّة المعاملة ، يجب فيهما الزكاة عند الأصحاب ، لعموم الأدلّة ، وعدم كونهما من الأفراد النادرة للدراهم والدنانير في الأزمنة ، كما هو ظاهر على المطّلع ، مع أنّ العام اللغوي شامل للنادرة أيضا ، لأنّ الأصل في الاستعمال الحقيقة.

ويؤيّده ما رواه الكليني بسنده عن زيد الصائغ أنّه قال للصادق عليه‌السلام : إنّي كنت في قرية من قرى خراسان يقال لها بخارى ، فرأيت فيها دراهم تعمل ثلث فضّة ، وثلث مس ، وثلث رصاص ، وكانت تجوز عندهم وكنت أعملها وأنفقها ، قال : فقال الصادق عليه‌السلام : «لا بأس بذلك إذا كانت تجوز عندهم». فقلت : أرأيت إن حال عليه الحول وهي عندي وفيها ما يجب [عليّ] فيها الزكاة ازكّيها؟ قال :

__________________

(١) المجموع للنووي : ٦ / ١٨.

(٢) وسائل الشيعة : ٩ / ١٥١ الحديث ١١٧٢٠.

(٣) تهذيب الأحكام : ٤ / ٩٣ ذيل الحديث ٢٦٩.

٢٢١

«نعم ، إنّما هو مالك». قلت : فإن أخرجتها إلى بلدة لا ينفق فيها مثلها فبقيت عندي حتّى يحول عليها الحول ازكّيها؟ قال : «إن كنت تعرف أنّ فيها من الفضّة ما يجب فيه الزكاة ، فزكّ ما كان لك فيها من فضّة ودع ما سوى ذلك من الخبيث». قلت : وإن كنت لا أعلم ما فيها من الفضّة [الخالصة] إلّا أنّي أعلم أنّ فيها ما يجب فيها الزكاة؟ قال : «فاسبكها حتّى تخلص الفضّة ويحترق الخبيث ثمّ تزكّي ما خلص من الفضّة لسنة واحدة» (١).

ولعلّ المراد أنّ السبك لخلوص الفضّة ، واحتراق الخبيث يرتكب لإخراج الزكاة سنة واحدة ، ويكون في السنوات الاخر يعطي الزكاة بذلك الحساب ، لأنّه عرف مقدار الخالص في تلك السنة الواحدة ، وباقي السنوات عمله فيما عمله في تلك السنة ، لأنّها كانت شغله وعمله ، فيضبط فعله حتّى لا يبتلى كلّ سنة بضرر السبك ، وإحراق الخبيث وخسارته فيه ، وإبطال صنعة الدراهم وتضييعها.

مع أنّ بإزائها اجرة ومنفعة ، ومنفعته إنّما هي في صنعته ، والله يعلم.

إذا عرفت هذا فاعلم! أنّه إن جهل بلوغ حدّ النصاب ، فالذي قال به الفاضلان وغيرهما : إنّه لم يجب التصفية لمعرفة البلوغ ، ولم يجب الزكاة حينئذ ، لأنّ وجوبها مشروط ببلوغ النصاب ، ولم يجب تحصيل مقدّمة الواجب المشروط ، ولا يحصل العلم بها (٢).

هذا بخلاف ما لو جهل القدر بعد ما علم البلوغ ، لأنّ الذمّة اشتغلت بها يقينا ، فلا بدّ من تحصيل اليقين بالبراءة.

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٥١٧ الحديث ٩ ، وسائل الشيعة : ٩ / ١٥٣ الحديث ١١٧٢٣ مع اختلاف يسير.

(٢) المعتبر : ٢ / ٥٢٥ ، منتهى المطلب : ١ / ٤٩٤ ط. ق ، نهاية الإحكام : ٢ / ٣٤٣ ، مجمع الفائدة والبرهان : ٤ / ٩٩ ، مدارك الأحكام : ٥ / ١٢٢.

٢٢٢

فإن تبرّع المالك بإخراج الصافي عن جملة المغشوشة ، أو إخراج مقدار يحصل به اليقين فذاك ، وإن ضايق في ذلك ، فعن الشيخ أنّه ألزم المالك تصفيتها ، لعدم تحقّق الامتثال إلّا به (١).

وعن الفاضلين الاكتفاء بإخراج ما تيقّن اشتغال الذمّة به ، لأصالة البراءة من الزائد ، ولأنّ الزيادة كالأصل ، فالفرق تحكّم (٢) ، انتهى.

أقول : عدم وجوب تحصيل الشرط في الواجب المشروط ظاهر ، وأمّا عدم وجوب تحصيل المعرفة ؛ فمحلّ نظر ، فإنّه تعالى إذا قال : عليكم أن تحجّوا إذا استطعتم ، فكيف يتأتّى لنا أن نقول : لا ننظر إلى حالنا في كوننا مستطيعين أم لا؟ وبمجرّد ذلك نترك الحجّ ، فإنّ العبارة المذكورة منه تعالى ظاهرة في وجوب الحجّ ، في صورة تحقّق الاستطاعة بحسب الواقع. فإنّ الألفاظ موضوعة للمعاني الواقعيّة ، لا للمعاني المعلومة بدارا ، إذ الماء اسم لما هو ماء واقعا ، والأرض كذلك ، وغير ذلك ، لا أنّه اسم لما عرفتم كونه ماء بدارا ، ومن أوّل الأمر.

وكذلك الحال في قوله : إن ملكت النصاب فزكّ ، إذ معلوم أنّ المراد الملك واقعا ، لا المعرفة بكونه ملكا من أوّل الأمر بدارا ، فإذا كنّا مالكين له واقعا ، يكون مخاطبين بوجوب الزكاة ، على قياس ما قلتم في قوله تعالى (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ) (٣) الآية ، لإثبات اشتراط العدالة في الراوي ، وكما هو الحال في الإناءين المشتبهين ، والثوبين كذلك ، إلى غير ذلك.

نعم ، لو لم يكن طريق أصلا إلى المعرفة ، فلعلّه حينئذ يكون الأمر كما ذكرتم ،

__________________

(١) المبسوط : ١ / ٢١٠.

(٢) المعتبر : ٢ / ٥٢٥ ، منتهى المطلب : ١ / ٤٩٤ ط. ق.

(٣) الحجرات (٤٩) : ٦.

٢٢٣

لأصالة البراءة ، بل الظاهر ذلك.

نعم ، إذا كان في المعرفة يتضرّر المكلّف ، يمكن أن يكون حالها حال عدم التمكّن منها ، لعموم : «لا ضرر ولا ضرار» (١) وأمثاله (٢) ، فإذا كان الحال في معرفة نفس البلوغ كذلك ، فالحال في معرفة المقدار بعد معرفة نفس البلوغ أحسن.

قوله : (وفي حكم). إلى آخره.

قد مرّ التحقيق في جميع ما ذكر (٣) ، فلاحظ!

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : ٤ / ٢٤٣ الحديث ٧٧٧ ، وسائل الشيعة : ٢٦ / ١٤ الحديث ٣٢٣٨٢.

(٢) وسائل الشيعة : ١ / ٤٦٤ و ٤٦٦ الحديث ١٢٣٠ و ١٢٣٧.

(٣) راجع! الصفحة : ١٠٥ ـ ١٠٩ من هذا الكتاب.

٢٢٤

٢٢٦ ـ مفتاح

[نصاب الإبل]

لا شي‌ء فيما دون خمس من الإبل ، وفيها شاة ، ثمّ كلّما زادت خمس زادت شاة ، إلى ستّ وعشرين فبنت مخاض وهي ما دخلت في الثانية ، إلى ستّ وثلاثين فبنت لبون وهي ما دخلت في الثالثة ، إلى ستّ وأربعين فحقّة وهي ما دخلت في الرابعة ، إلى إحدى وستّين فجذعة ـ بفتح الجيم ـ وهي ما دخلت في الخامسة ، إلى ستّ وسبعين فبنت لبون ، إلى إحدى وتسعين فحقّتان ، إلى مائة وإحدى وعشرين ففي كلّ خمسين حقّة ، وفي كلّ أربعين بنت لبون ، كذا في النصوص المستفيضة (١) وعليه علماؤنا كافّة ، سوى القديمين فإنّهما أسقطا النصاب السادس وأوجبا بنت مخاض في خمس وعشرين إلى ستّ وثلاثين (٢) ، وموافقا للجمهور (٣) ، وهو شاذّ ، والحسن الدالّ عليه (٤) مأوّل أو محمول على التقيّة (٥).

__________________

(١) راجع! وسائل الشيعة : ٩ / ١٠٨ الباب ٢ من أبواب زكاة الأنعام.

(٢) نقل عنهما في مختلف الشيعة : ٣ / ١٦٨ و ١٦٩ ، مدارك الأحكام : ٥ / ٥٣ و ٥٤.

(٣) المغني لابن قدامة : ٢ / ٢٣٠.

(٤) وسائل الشيعة : ٩ / ١١١ الحديث ١١٦٤٤.

(٥) لاحظ! مدارك الأحكام : ٥ / ٥٦.

٢٢٥
٢٢٦

قوله : (لا شي‌ء فيما دون خمس). إلى آخره.

هذه النصب كلّها مجمع عليها بين علماء الإسلام ، سوى ما سنذكر من الخلافات.

ويدلّ عليها صحيحة زرارة عن الباقر عليه‌السلام قال : «ليس فيما دون الخمس من الإبل شي‌ء ، فإذا كانت خمسا ففيها شاة إلى عشرة ، فإذا كانت عشرا ففيها شاتان ، فإذا بلغت خمسة عشر ففيها ثلاث من الغنم ، فإذا بلغت عشرين ففيها أربع من الغنم ، فإذا بلغت خمسا وعشرين خمس من الغنم ، فإذا زادت واحدة ففيها بنت مخاض إلى خمس وثلاثين ، فإن لم يكن عنده ابنة مخاض فابن لبون ذكر ، فإذا زادت على خمس وثلاثين بواحدة [ففيها] بنت لبون إلى خمس وأربعين ، فإذا زادت واحدة ففيها حقّة ، وإنّما سمّيت حقّة لأنّها استحقّت أن يركب ظهرها ، إلى ستّين ، فإن زادت واحدة ففيها جذعة إلى خمس وسبعين ، فإن زادت واحدة ففيها ابنتا لبون إلى تسعين ، فإن زادت واحدة فحقّتان إلى عشرين ومائة ، فإن زادت على العشرين والمائة واحدة ففي كلّ خمسين حقّة وفي كلّ أربعين ابنة لبون» (١).

ومثلها قويّة زرارة بالقاسم بن عروة (٢) ، وصحيحة أبي بصير بسندين عنه عن الصادق عليه‌السلام إلّا أنّ فيها : «فإذا زادت واحدة ففيها حقّتان إلى عشرين ومائة ، فإذا كثرت الإبل ففي [كلّ] خمسين حقّة ، ولا تؤخذ هرمة ولا ذات عوار إلّا أن يشاء المصدّق يعدّ صغيرها وكبيرها» (٣).

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : ٢ / ١٢ الحديث ٣٣ ، وسائل الشيعة : ٩ / ١٠٨ الحديث ١١٦٣٩.

(٢) تهذيب الأحكام : ٤ / ٢١ الحديث ٥٤ ، وسائل الشيعة : ٩ / ١٠٩ الحديث ١١٦٤١.

(٣) تهذيب الأحكام : ٤ / ٢٠ الحديث ٥٢ ، وسائل الشيعة : ٩ / ١٠٩ الحديث ١١٦٤٠.

٢٢٧

وصحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج مثل صحيحة أبي بصير ، إلّا قوله عليه‌السلام : «ولا تؤخذ». إلى آخره ، على ما رواه الشيخ عنه (١).

لكن رواها الكليني بطريقين أحدهما الحسن بإبراهيم بن الهاشم ، والآخر الصحيح على المشهور ، من جهة محمّد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عنه عن الصادق عليه‌السلام قال : «في خمس قلائص شاة». إلى قوله عليه‌السلام : «وفي ستّ وعشرين بنت مخاض [إلى خمسين وثلاثين]». وقال عبد الرحمن : هذا فرق بيننا وبين الناس. إلى أن قال : «إلى تسعين فإذا كثرت الإبل ففي كلّ خمسين حقّة» (٢).

وغير خفي وقوع السقط بعد قوله : تسعين في نسخة الكليني من قوله : فإذا زادت. إلى قوله : عشرين ومائة ، إذ كثيرا ما يقع سبق النظر من عبارة اخرى إذا كانتا واحدة ، وهي هنا قوله عليه‌السلام : «فإذا» ، مع أنّ قوله : «زادت» ، وقوله : «كثرت» ، معناهما في المقام واحد بلا شبهة ، إذ ليس المراد من قوله : «كثرت» ، إلّا معنى زادت بلا ريبة.

ومن المعلوم يقينا اتّحاد ما رواه الشيخ ، وما رواه «الكافي» ، هذا ؛ مضافا إلى الأخبار الاخر ، وفتاوى الأصحاب كلّهم ، بحيث لم يصر محلّ توهّم ريبة أصلا ومطلقا.

قوله : (سوى القديمين). إلى آخره.

نقل عن ابن الجنيد أنّه قال في النصاب الخامس : يجب بنت مخاض أو ابن لبون ، فإن تعذّر فخمس شياة.

وعن ابن أبي عقيل أنّه يجب فيه بنت مخاض ، هكذا نقل في «الذخيرة»

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٤ / ٢١ الحديث ٥٣ ، وسائل الشيعة : ٩ / ١١٠ الحديث ١١٦٤٢.

(٢) الكافي : ٣ / ٥٣٢ الحديث ٢ وسائل الشيعة : ٩ / ١١٠ الحديث ١١٦٤٢.

٢٢٨

عنهما (١) ، وجعله أحد الخلافات في المقام ، وذكر عن خصوص ابن أبي عقيل أنّه أسقط النصاب السادس ، وإنّه أوجب بنت مخاض في خمس وعشرين إلى ستّ وثلاثين ، وهو قول جمهور العامّة.

وبعد ما اختاره المشهور ، واستدلّ بما ذكرناه من الأخبار قال : احتجّ ابن أبي عقيل ـ على ما حكي عنه ـ بما رواه الكليني والشيخ عنه ، عن زرارة وابن مسلم وأبي بصير وبريد العجلي ، عن الباقر والصادق عليهما‌السلام أنّهما قالا : «في صدقة الإبل في كلّ خمس شاة إلى أن تبلغ خمسا وعشرين ، فإذا بلغت ذلك ففيها ابنة مخاض ، وليس فيها شي‌ء حتّى تبلغ خمسا وثلاثين ، فإذا بلغت ذلك ففيها ابنة لبون ، ثمّ ليس فيها شي‌ء حتّى تبلغ خمسا وأربعين ، فإذا بلغت ذلك ففيها حقّة طروقة الفحل.

ثمّ ليس فيها شي‌ء حتّى تبلغ ستّين ، فإذا بلغت ستّين ففيها جذعة ، ثمّ ليس فيها شي‌ء حتّى تبلغ خمسا وسبعين ، فإذا بلغت ذلك ففيها ابنة لبون ، ثمّ ليس فيها شي‌ء حتّى تبلغ تسعين ، فإذا بلغت تسعين ففيها حقّتان طروقتا الفحل ، ثمّ ليس فيها شي‌ء أكثر من ذلك حتّى تبلغ عشرين ومائة ، فإذا بلغت ذلك ففيها حقّتان طروقتا الفحل ، فإذا زادت واحدة على عشرين ومائة ففي كلّ خمسين حقّة ، وفي كلّ أربعين بنت لبون ثمّ ترجع الإبل على أسنانها ، وليس على النيّف شي‌ء ولا على الكسور شي‌ء ولا على العوامل شي‌ء إنّما ذلك على السائمة الراعية». قال : قلت : ما في البخت السائمة [شي‌ء]؟ قال : «مثل ما في الإبل العربيّة» (٢) الحديث (٣).

ويرد عليه أنّ هذا الحديث ظاهر في أنّ بلوغ خمس وثلاثين يوجب ابنة

__________________

(١) ذخيرة المعاد : ٤٣٣.

(٢) الكافي : ٣ / ٥٣١ الحديث ١ ، تهذيب الأحكام : ٤ / ٢٢ الحديث ٥٥ ، الاستبصار : ٢ / ٢٠ الحديث ٥٩ ، وسائل الشيعة : ٩ / ١١١ ـ ١١٤ الحديث ١١٦٤٤ و ١١٦٤٦ مع اختلاف يسير.

(٣) ذخيرة المعاد : ٤٣٣.

٢٢٩

لبون ، وكذلك الحال في البواقي ، وهو متحاش عنه ، بل ليس ذلك مذهب أحد من المسلمين ، فإن وجّهه بتقدير عبارة وزادت واحدة ، ـ كما فعله الشيخ ـ يصير حجّة عليه لا له ، لاتّخاذ السياق ، فيصير من قبيل سائر الأخبار المعتبرة التي هي حجّة المعظم ، والشيخ في كتابيه حمله على ما ذكر ، وقال : إنّما لم يذكر في اللفظ لعلمه بفهم المخاطب ، قال : ولو لم يحمل ذلك لجاز أن يحمله على التقيّة ، كما صرّح به في رواية عبد الرحمن بن الحجّاج ، بقوله : هذا فرق بيننا وبين الناس (١).

وفي «الوافي» استبعد الأوّل ، وحكم بكون الثاني سديدا (٢). لكن في «الذخيرة» قال : وفي الحمل الأخير نظر بيّن ، لأنّ المعروف من العامّة هنا مقصور على زيادة الواحدة في وجوب بنت المخاض. ووافقونا في الزيادة في غيره ، لاتّفاق العلماء كافّة ـ على ما نقله الفاضلان ـ على اعتبار الزيادة في الباقي ، فلا خلاف بيننا وبينهم ، وفي رواية عبد الرحمن بن الحجّاج دلالة على ما ذكر (٣).

أقول : وفي كتاب العامّة ذكر هكذا : ليس في أقلّ من خمس من الإبل صدقة.

فإذا بلغت خمسا سائمة وحال عليها الحول ففيها شاة إلى تسع ، فإذا كانت عشرا ففيها شاتان إلى أربع عشر ، فإذا كانت خمسة عشر ففيها ثلاث شياة إلى تسع عشرة.

فإذا بلغت عشرين ففيها أربع شياة إلى أربع وعشرين فإذا بلغت خمسا وعشرين ففيها بنت مخاض إلى خمسة وثلاثين ، فإذا كانت ستّا وثلاثين ففيها بنت لبون إلى خمسة وأربعين ، فإذا كانت ستّا وأربعين ففيها حقّة إلى ستّين ، فإذا كانت

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٤ / ٢٢ ذيل الحديث ٥٥ ، الاستبصار : ٢ / ٢١ ذيل الحديث ٥٩.

(٢) الوافي : ١٠ / ٩٥.

(٣) ذخيرة المعاد : ٤٣٣.

٢٣٠

واحدة وستّين ففيها جذعة إلى خمس وسبعين ففيها بنتا لبون إلى تسعين ، فإذا كانت إحدى وتسعين ففيها حقّتان إلى مائة وعشرين.

ثمّ تستأنف الفريضة ، فيكون في الخمس شاة مع الحقّتين ، وفي العشر شاتان مع الحقّتين ، وفي الخمس عشر ثلاث شياة ، وفي العشرين أربع شياة ، وفي خمسة وعشرين بنت مخاض ، كلّ ذلك مع الحقّتين.

فإذا بلغت مائة وخمسين فيكون فيها ثلاث حقائق ، ثمّ تستأنف الفريضة ففي الخمس شاة. إلى أن قال : فإذا بلغت مائة وستّا وتسعين ففيها أربع حقائق إلى مائتين ، ثمّ تستأنف الفريضة أبدا ، كما تستأنف الخمسين التي بعد المائة والخمسين (١) ، انتهى.

فظهر منه أنّ ما ذكر الفاضلان وغيرهما من موافقيهم معنا ، في غير نصاب بنت مخاض من النصف المذكور.

وإن خالفونا أيضا في استئناف الفريضة بعد تماميّة هذه النصب ، واعتبار نصب اخرى جديدة متضمّنة إلى النصب الأوّل وهكذا.

فظهر منه أيضا معنى قوله عليه‌السلام : «ثمّ ترجع الإبل على أسنانها» ، وظهر أيضا منه كون المقام ؛ مقام تقيّة في الجملة.

ولعلّ وجود زيادة واحدة يكون عند العامّة شرطا ظاهرا لتحقّق النصاب المتأخّر والدخول فيه ، وترتّبه على المتقدّم عليه ، بحيث لم يخف على أحد منهم.

ويكون معنى قوله عليه‌السلام : «فإذا بلغت خمسا وثلاثين ففيها ابنة لبون» إذا بلغت وتحقّق الشرط المرعي ، الذي هو في جميع النصب شي‌ء واحد ، باعتبار واحد من دون تفاوت أصلا ، ولا خصوصيّة مطلقا ، ولا توهّم تفاوت ومغايرة بالمرّة ،

__________________

(١) السنن الكبرى للبيهقي : ٤ / ٩١ مع اختلاف.

٢٣١

وهو زيادة واحدة ، إلّا أنّ ذلك غير معتبر عندهم في خصوص نصاب بنت مخاض ، ولذا صار نصابها عندهم خصوص الخمس والعشرين ، من دون اعتبار الشرط أصلا ورأسا.

مع أنّه لعلّ ذلك الشرط عندهم شرط للانتقال من نصاب إبل إلى نصاب إبل في زكاة الإبل ، لا نصاب شاة ، لا نصاب إبل.

مع أنّ المعصوم عليه‌السلام في مقام التورية ، لتصحيح كون زكاة نصاب الخمس والعشرين بنت مخاض ، لأنّه عليه‌السلام كان يلجأ في الحكم كذلك ، لكنّه عليه‌السلام ذكر البواقي بهذه الطريقة ، تنبيها لهؤلاء الرواة الفضلاء الأعاظم ، على أنّ حال الخمس والعشرين حال البواقي ، فكما أنّ المعلوم من الدين ، واتّفاق جميع المسلمين ، كون البواقي يشترط تحقّق شرط النصاب الآتي ، يكون الحال في الخمس والعشرين أيضا كذلك.

وبالجملة ؛ هم عليهم‌السلام صرّحوا في أنّ التقيّة بكون الإنسان على نفسه بصيرة ، وهم عليهم‌السلام كانوا عالمين بتأدّي التقيّة ، بمجرّد ذكر كون زكاة الخمس والعشرين بنت مخاض ، من جهة أنّ العامّة كانوا سامعين مخالفة الشيعة ، من كثرة الأخبار الواردة من أئمّتهم عليهم‌السلام ، وبناء عملهم عليه.

وأمّا كون باقي النصب بغير زيادة واحدة ، فلم يسمعوا ولم يتوهّموا منهم مطلقا ، مع أنّه ربّما يصير حكم معلوم منهم عليهم‌السلام ، قرينة على مجاز حذف أو مجاز آخر.

والمدار في الأخبار على كون بعضها كاشفا عن المراد من بعض آخر ، ولو لا الكاشف يكون التوجيه تعبّدا البتّة.

وعلى هذه الطريقة تتحقّق الأحكام الفقهيّة ، فلا مانع من كون المقام أيضا كذلك.

٢٣٢

ولو منعت في المقام ذلك ـ مع أنّه لا وجه له بعد القبول في غيره ـ نقول الحديث يكون حينئذ شاذّا ، يجب ترك العمل به إجماعا ونصّا واعتبارا.

ثمّ اعلم! أنّه لم يذكر لابن الجنيد مستندا ، ولعلّه الجمع بين الأخبار بحمل ما دلّ على خمس شياه على صورة تعذّر بنت مخاض وابن لبون ، وفيه ما فيه.

ونقل في المقام مذاهب اخر.

الأوّل : عن السيّد في «الانتصار» أنّه إذا بلغت الإبل مائة وعشرين ثمّ زادت ، فليس في زيادتها شي‌ء حتّى يبلغ مائة وثلاثين ، فإذا بلغتها ففيها حقّة واحدة وبنتا لبون.

واحتجّ بإجماع الطائفة والأصل ، وردّ الأخبار السابقة بأنّها أخبار آحاد ، وعارضها ببعض ما ورد من طرق العامّة (١).

مع أنّه في «المسائل الناصريّة» قال : إذا زادت على مائة وعشرين ، اخرج من كلّ خمسين حقّة ، ومن كلّ أربعين بنت لبون ، ونقل الخلاف عن العامّة ، وتمسّك بالإجماع والأخبار ، وأجاب عن معارضتها بأنّها أخبار آحاد (٢).

الثاني : علي بن بابويه ؛ أنّه أوجب في إحدى وثمانين أيضا شيئا (٣) ، وكذا عن الصدوق في كتابه «الهداية» ، وهو خلاف ما نطقت به الأخبار والإجماعات والفتاوى (٤).

الثالث : ذكر الشهيد الثاني أنّ التقدير بالأربعين والخمسين ليس على التخيير ، بل يجب التقدير بما يحصل من الاستيعاب.

__________________

(١) الانتصار : ٨١ و ٨٢.

(٢) الناصريّات : ٢٧٧ ـ ٢٧٩ المسألة ١١٩.

(٣) نقل عنه العلّامة في مختلف الشيعة : ٣ / ١٧٤.

(٤) الهداية : ١٧٢.

٢٣٣

فإن أمكن بهما تخيّر ، وإلّا وجب اعتبار أكثرهما استيعابا ، مراعاة لحقّ الفقراء ، فوجب تقدير المائة وإحدى وعشرين بالأربعين ، والمائة وخمسين بالخمسين ، والمائة وسبعين بهما ، ويتخيّر في المائتين ، وفي الاربعمائة يتخيّر بين اعتباره بهما ، بكلّ واحد منهما (١). وبه صرّح في «المبسوط» و «الخلاف» (٢) ، وابن حمزة (٣) ، والعلّامة في «النهاية» و «التذكرة» و «المنتهى» (٤) بل يظهر منهما كونه وفاقيّا ، وهو ظاهر المحقّق أيضا (٥) ، وإن كان في «فوائد القواعد» اختار التخيّر مطلقا (٦) ، ونسبه إلى ظاهر الأصحاب على ما ذكره في «الذخيرة» (٧).

وأمّا الأخبار فقد عرفتها ، ومقتضى الاقتصار على ذكر الحقّة في كلّ خمسين في بعض الأخبار هو التخيير.

لكن الظاهر كون المقام ؛ مقام الإجمال فيه أيضا ، فيشكل الاستدلال به أيضا ، والاحتياط فيما عليه جمهور الأصحاب ، بل مقتضى الإجماع المنقول تعيينه.

الرابع : عن القديمين أنّهما اعتبرا كون الحقة طروقة الفحل (٨) ، ويظهر من «المختلف» أنّ المشهور استحقاقها ، لأن يطرقها الفحل ، فإن أرادا الفعليّة فهو ممنوع ، للأصل وإطلاق الأخبار (٩).

__________________

(١) مسالك الأفهام : ١ / ٣٦٥.

(٢) المبسوط : ١ / ١٩٥ ، الخلاف : ٢ / ١٤ المسألة ٨.

(٣) الوسيلة إلى نيل الفضيلة : ١٢٥.

(٤) نهاية الإحكام : ٢ / ٣٢٧ ، تذكرة الفقهاء : ٥ / ٦٢ ، منتهى المطلب : ١ / ٤٨١ ط. ق.

(٥) المعتبر : ٢ / ٥٠١.

(٦) نقل عنه في مدارك الأحكام : ٥ / ٥٨.

(٧) ذخيرة المعاد : ٤٣٤.

(٨) نقل عنهما في مختلف الشيعة : ٣ / ١٧٥.

(٩) مختلف الشيعة : ٣ / ١٧٥.

٢٣٤

فما في بعضها من كونها طروقة الفحل هو رواية الفضلاء (١) ، لا يوجب التقييد بالفعليّة ، لما عرفت ما فيها موافقة من العامّة مكرّرا.

وعدم التوثيق الصريح في سندها ، مع عدم القوّة في دلالتها بحيث يوجب التقييد ، بأنّ كون المراد «استحقّت طروقة الفحل» ، إشارة إلى وجه تسميتها حقّة.

وبالجملة ؛ حمل المطلقات على القيد المذكور ، ليس بأولى من حمل قوله : «طروقة» على استحقاقها الطرق حتّى يقدّم عليه ، والاحتياط واضح.

ثمّ اعلم! أيضا أنّ الواحدة الزائدة هل هي جزء من النصاب أم شرط في الوجوب؟ فلا تسقط بتلفها بعد الحول شي‌ء بغير تفريط ، كما لا تسقط في الزائد عنها ممّا ليس بجزء للأربعين والخمسين ، على ما هو المشهور بين المتأخّرين ، فيها وجهان :

اختار أوّلها العلّامة في «النهاية» (٢) ، وثانيهما غير واحد من المتأخّرين (٣).

وتوقّف في «البيان» من حيث اعتبارها نصّا ، ومن إيجاب الفريضة في كلّ خمسين أو أربعين (٤).

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٩ / ١١١ الحديث ١١٦٤٤.

(٢) نهاية الإحكام : ٢ / ٣٣٣.

(٣) مدارك الأحكام : ٥ / ٥٨ ، الحدائق الناضرة : ١٢ / ٥٠.

(٤) البيان : ٢٨٧ و ٢٨٨.

٢٣٥
٢٣٦

٢٢٧ ـ مفتاح

[نصاب البقرة]

لا شي‌ء فيما دون ثلاثين من البقرة ، وفي كلّ ثلاثين تبيع حولي أو تبيعة ، وفي كلّ اربعين مسنّة بالنصّ (١) والإجماع.

والتبيع في اللغة : ما يكون في السنة الاولى من ولد البقر (٢) ، وحوليّته ـ أي إكمال حوله ، مستفاد من النصّ (٣). والمسنّة شرعا ما دخلت في الثالثة بالإجماع ولم نقف في اللغة على مدلولها.

__________________

(١) لاحظ! وسائل الشيعة : ٩ / ١١٤ و ١١٥ الباب ٤ من أبواب زكاة الأنعام.

(٢) الصحاح : ٣ / ١١٩٠.

(٣) وسائل الشيعة : ٩ / ١٢١ و ١٢٢ الباب ٨ من أبواب زكاة الانعام.

٢٣٧
٢٣٨

قوله : (تبيع حولي أو تبيعة). إلى آخره.

أقول : هذا هو المشهور ، بل ادّعى في «التذكرة» و «المنتهى» عليه الإجماع (١) ، وكذلك المحقّق (٢) ، لكن في «المختلف» نسبه إلى المعظم.

ثمّ قال : وقال علي بن بابويه وابن أبي عقيل تبيع حولي ، ولم يذكر التبيعة.

ثمّ احتجّ للأوّل بأنّه اشتهر بين الأصحاب ، وبأنّ التبيعة أفضل (٣) ، ولعلّ مراده أنّ المكلّف يمكنه اختيار ما هو الأفضل ، فتأمّل!

والوارد في كتب الأخبار منحصر في الرواية المذكورة في الحاشية السابقة ، التي رواها الكليني والشيخ عن الفضلاء المذكورين عن الباقر والصادق عليهما‌السلام (٤) ، وليس فيها ذكر التبيعة أصلا ، بل قال : في كلّ ثلاثين بقرة تبيع حولي ، لكن قد عرفت تضمّنها ما يوافق العامّة.

ومع ذلك نقول : «التبيع» لغة : ولد البقرة (٥) من غير تقييد بكونه ذكرا ، فلا إشكال بحسب القول والدليل.

ويؤيّد ما ذكرناه أنّه عليه‌السلام ذكر فيها في المرتبة الرابعة هكذا : «فإذا بلغت تسعين ففيها ثلاث تبيعات حوليّات» (٦).

__________________

(١) تذكرة الفقهاء : ٥ / ٧٥ ، منتهى المطلب : ١ / ٤٨٧ ط. ق.

(٢) المعتبر : ٢ / ٥٠٢.

(٣) مختلف الشيعة : ٣ / ١٧٨.

(٤) الكافي : ٣ / ٥٣٤ الحديث ١ ، تهذيب الأحكام : ٤ / ٢٤ الحديث ٥٧ ، وسائل الشيعة : ٩ / ١١٤ الحديث ١١٦٤٧.

(٥) النهاية لابن الأثير : ١ / ١٧٩.

(٦) وسائل الشيعة : ٩ / ١١٤ الحديث ١١٦٤٧.

٢٣٩

والمحقّق نقلها في «المعتبر» هكذا : قال عليه‌السلام : «وفي البقر في كلّ ثلاثين تبيع أو تبيعة». إلى أن قال عليه‌السلام : «في الستّين تبيعان أو تبيعتان ، ثمّ في سبعين تبيع أو تبيعة ومسنّة ، وفي ثمانين مسنّتان ، وفي تسعين ثلاث تبايع» (١).

ولعلّه نقل بالمعنى ، لعدم الذكر كذلك في كتاب من كتب الأخبار ، ولذلك اقتصر في تسعين بذكر ثلاث تبايع فتأمّل!

ويؤيّده أيضا أنّ في الأربعين مسنّة.

قوله : (من النصّ).

أقول : هو رواية الفضلاء المذكورة ، لأنّه عليه‌السلام قال : «تبيع حولي» (٢) وقوله : بالإجماع هو الإجماع الذي ادّعاه في «المنتهى» (٣).

قوله : (ولم نقف). إلى آخره.

أقول : ربّما يشير إليه كلام ابن الأثير في «النهاية» (٤) ، فلاحظ قوله.

__________________

(١) المعتبر : ٢ / ٥٠٢.

(٢) وسائل الشيعة : ٩ / ١١٤ الحديث ١١٦٤٧.

(٣) منتهى المطلب : ١ / ٤٨٧ ط. ق.

(٤) النهاية لابن الأثير : ١ / ١٧٩.

٢٤٠