مصابيح الظلام - ج ١٠

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

مصابيح الظلام - ج ١٠

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الطبعة: ١
ISBN: 964-94603-0-6
ISBN الدورة:
964-94422-0-0

الصفحات: ٦٤٨

واضح ومطلوب جزما.

قوله : (نعم ، يشهد له). إلى آخره

وجه الشّهادة أنّ استثناء المؤن بجعل الحال فيما فيه المئونة أقلّ ، وما فيه المئونة أكثر ، فلا وجه لجعل العشر في الأوّل ، ونصفه في الثاني ، ووجه عدم كونه دليلا أنّه لعلّ التفاوت من تفاوت التعب ، مع أنّ العشر ونصفه غير منطبقين على مقدار المؤن كما هو ظاهر.

مع أنّ للخصم. يقلّب هذا عليكم ، ويقول : عندكم أنّ جميع المؤن على ربّ المال ، فلم جعل زكاة مال المئونة فيه أقلّ ؛ [اكثر] من زكاة مال المئونة فيه أكثر؟

والجواب : بأنّه خلاف قاعدة من الشرع تخفيفا على المالك ، وتفضّلا عليه بعينه ، فهو جواب خصمكم ، مع أنّه أنسب لظهور كون الشارع في مقام التخفيف على المالك الخسارة فوق الخسارة.

تذنيب : اعلم! أنّ أكثر الأصحاب قالوا بعد حصّة السلطان ، ومنهم من قال بعد الخراج (١) ومنهم من قال بعد الخراج وحصّة السلطان (٢).

وقال الشيخ مفلح : الكلّ عبارة عن معنى واحد ، فمن اقتصر على الحصّة أراد بها الخراج مطلقا ، سواء كان مشتركا بين المسلمين كالمفتوح عنوة ، أو مختصّا كالأنفال ، وصدق على المشترك أنّه حصّة [الامام] ، لأنّه الجابي له والمتولّي [عليه] ، ومن اقتصر على الخراج فأراد [به الحصة] كذلك ، ومن جمع بينهما أراد بالحصّة المختصّ بالإمام ، وبالخراج المشترك (٣) انتهى.

__________________

(١) لاحظ! غاية المرام في شرح شرائع الإسلام : ١ / ٢٥٣.

(٢) تحرير الاحكام : ١ / ٦٣.

(٣) غاية المرام في شرح شرائع الإسلام : ١ / ٢٥٣.

٨١

أقول : يمكن أن يكون الخراج أعمّ من الحصّة ، لكون المراد من الحصّة هو المقاسمة ، أي حصّة من الغلّات.

والخراج ما جعله على الأراضي الخراجيّة ، وإن لم يكن بعنوان الشراكة في عين الزرع والغلّة ، بل يكون أعمّ.

واعلم! أنّ المشهور بين الأصحاب أنّ الأراضي الخراجيّة لا تسقط الزكاة منها بأخذ الخراج ، وممّن صرّح به ، الشهيد في «البيان» (١) ، لكن ورد في أخبار متعدّدة سقوط العشر بأخذ الخراج (٢) ، وأوّلت بسقوطه عن نفس الخراج.

ويحتمل أيضا أن يكون المراد من الخراج العشر الذي كان سلاطين تلك الأزمنة يأخذونه.

ويحتمل أن يكون مخصوصة بأوقات صدور الروايات ، كما يظهر من بعضها منها ما مرّ أنّ ما أخذه بنوا اميّة ، الحديث أو المواضع الخاصّة المتعيّنة فيها ، أو يكون واردة تقيّة ومداراة ، والله يعلم.

__________________

(١) البيان : ٢٩٨ و ٢٩٩.

(٢) وسائل الشيعة : ٩ / ١٩٣ الباب ١٠ من أبواب زكاة الغلات.

٨٢

٢١٦ ـ مفتاح

[حصر الوجوب في الأجناس التسعة]

لا تجب الزكاة في غير ما ذكر ، ولا بدون القيود والشروط المذكورة على الأصحّ ، وفاقا للمشهور ، لأصالة البراءة ، ولحصر الوجوب في الأجناس التسعة في الصحاح المستفيضة (١) ، ولنفيه صريحا فيما ظنّ فيه ممّا سوى ذلك في المعتبرة (٢).

وإطلاق الحنطة والشعير على العلس (٣) والسلت (٤) لم يثبت كونه حقيقة.

نعم ؛ يستحبّ على المشهور فيهما وفي كلّ ما أنبتت الأرض ممّا يكال أو يوزن ، عدا الخضر من بقل وقثّاء وبطّيخ ونحوها بشرط بلوغها النصاب.

وفي مال التجارة بشرط قيام رأس المال طول الحول ، وبلوغ قيمته نصاب أحد النقدين ، وإن كان للصبى أو المجنون إذا اتّجر لهما الولي ، خلافا للحلّي (٥) ، والمستفاد من بعض الأخبار (٦) أنّهم عليهم‌السلام إنّما أفتوا بالزكاة فيما ذكر تقيّة.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٩ / ٥٣ الباب ٨ من أبواب ما تجب فيه الزكاة.

(٢) وسائل الشيعة : ٩ / ٥٣ الباب ٨ من أبواب ما تجب فيه الزكاة.

(٣) العلس : ضرب من الحنطة يكون حبّتان في قشر وهو طعام أهل صنعاء ، لاحظ! مجمع البحرين : ٤ / ٨٨.

(٤) السلت : نوع من الشعير ليس له قشر كأنّه الحنطة : لاحظ! مجمع البحرين : ٢ / ٢٠٥.

(٥) السرائر : ١ / ٤٤١.

(٦) راجع! وسائل الشيعة : ٩ / ٥٥ و ٦١ الحديث ١١٥٠٨ و ١١٥٢١.

٨٣

وأمّا القول بالوجوب في ذلك كلّه (١) فشاذّ ، وكذا فيما فرّ به من الزكاة ، والمشهور فيه الاستحباب ، وكذا فيما غاب سنتين فصاعدا بحيث لا يتمكّن من التصرّف فيه فيزكّي لسنة ، وفي إناث الخيل السائمة بشرط الحول ، كلّ ذلك للنصوص المستفيضة (٢).

والمشهور ؛ استحبابها في نماء العقار المتّخذ له ، كالخان والحمّام وشبههما ولم نجد له مستندا ، وفي اعتبار الحول والنصاب فيه قولان. وللشيخ قول باستحبابها في الحليّ المحرّم (٣) كالخلخال للرجل والمنطقة للمرأة ، وكالأواني المتّخذة من الذهب والفضّة ، وآلات اللهو والمعمولة منهما ونحو ذلك ، ولم نقف على مأخذه.

وفي رواية : في مال التجارة إذا كان على النقيصة أحوال زكّاه لسنة (٤). وحملت على الاستحباب (٥) جمعا بينها وبين ما دلّ على سقوطها مع النقيصة (٦) ، وفي سندها ضعف.

__________________

(١) لاحظ! مدارك الأحكام : ٤ / ١٨ و ٢٣ و ٤٨ و ٤٩ و ١٣١.

(٢) لاحظ! وسائل الشيعة : ٩ / ٧٧ الباب ١٦ من أبواب ما تجب فيه الزكاة.

(٣) الرسائل العشر : ٢٠٥.

(٤) وسائل الشيعة : ٩ / ٧٢ الحديث ١١٥٤٩ نقل بالمعنى.

(٥) الاستبصار : ٢ / ١١ ذيل الحديث ٣١ و ٣٢.

(٦) وسائل الشيعة : ٩ / ٧١ و ٧٢ الحديث ١١٥٤٨.

٨٤

قوله : (بشرط قيام رأس المال طول الحول وبلوغ قيمته نصاب أحد النقدين).

أقول : مستند الشرط الثاني الإجماع ، نقله العلّامة في «النهاية» (١).

وفي «المعتبر» أنّه قول علماء الإسلام (٢) ، وربّما كان في الأخبار ما يشير إليه ، من جهة أنّه منها يظهر أنّ الفرق بين زكاة التجارة وزكاة النقدين منحصر في خصوص عدم الوجوب ، أو في خصوص كونه غير النقدين المسكوكين ، فتأمّل! وهل يشترط في الزيادة عن النصاب بلوغ نصاب الثاني أم لا؟

فعن «التذكرة» و «المنتهى» التصريح بالأوّل (٣) ، بل نقل عن العامّة عدم اعتباره ، كما لم يعتبروا ذلك في النقدين أيضا (٤) ، وظاهر إطلاق الحكم في «التحرير» (٥) هو الثاني.

وأمّا ما أشرنا إليه من المشير ، وأنّه عند العامّة عدم الاعتبار ، ربّما يرجّحان الأوّل ، ولم يظهر من الإجماع ما يخالفه ، بل ربّما كان إطلاق لفظ نصاب النقدين يشمل النصابين فيهما ، سيّما ولم يتعرّضوا للمخالفة في النصاب الثاني ، والله يعلم.

وأمّا الشرط الأوّل : فهو أيضا إجماعي ، وادّعى في «المعتبر» أنّ عليه فقهاؤنا أجمع (٦).

__________________

(١) نهاية الإحكام : ٢ / ٣٦٤.

(٢) المعتبر : ٢ / ٥٤٦.

(٣) تذكرة الفقهاء : ٥ / ٢٢٠ ، منتهى المطلب : ١ / ٥٠٧ ط. ق.

(٤) نقل عنهم في ذخيرة المعاد : ٤٤٩ ، لاحظ! بداية المجتهد : ١ / ٢٦٣.

(٥) تحرير الأحكام : ١ / ٦٤.

(٦) المعتبر : ٢ / ٥٥٠.

٨٥

ويدلّ عليه حسنة ابن مسلم السابقة (١) ، وصحيحة إسماعيل بن عبد الخالق قال : سأله سعيد الأعرج ـ وأنا أسمع ـ إنّا نكبس الزيت والسمن نطلب به التجارة ، فربّما مكث عندنا السنة والسنتين هل عليه زكاة؟ فقال : «إن كنت تربح فيه [شيئا] أو تجد رأس مالك فعليك فيه زكاة ، وإن كنت إنّما تربّص به لأنّك لا تجد إلّا وضيعة فليس عليك زكاة» ، الحديث (٢) ، إلى غير ذلك من الأخبار.

وجه الدلالة : أنّ المعصوم عليه‌السلام شرط في مطلوبيّة الزكاة أن لا تنقص القيمة طول الحول عن رأس المال أصلا ، والدلالة ظاهرة كما لا يخفى ، فلا وجه لمناقشة صاحب «الذخيرة» بأنّ الدلالة إنّما هي على اشتراط الطلب برأس المال والربح ، لا على اشتراط اعتبار طول الحول (٣) انتهى.

إذ ظاهر أنّ مراد المعصوم عليه‌السلام أنّ المكث سنة وأمثالها ، إن كان مع الربح ، أو وجدان رأس المال فعليك الزكاة ، والمشروط عدم عند عدم شرطه.

وأظهر دلالة ممّا ذكر قويّة سماعة قال : سألته عن الرجل يكون عنده المتاع موضوعا ، فيمكث عنده السنة والسنتين أو أكثر [من ذلك]؟ قال : «ليس عليه زكاة حتّى يبيعه إلّا أن يكون اعطي به رأس المال ، فيمنعه من ذلك التماس الفضل ، فإذا هو فعل ذلك وجبت فيه الزكاة ، وإن لم يكن اعطي به رأس ماله فليس عليه زكاة حتّى يبيعه ، وإن حبسه ما حبسه ، فإذا هو باعه فإنّما عليه زكاة سنة واحدة» (٤).

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٥٢٨ الحديث ٢ ، تهذيب الأحكام : ٤ / ٦٨ الحديث ١٨٦ ، الاستبصار : ٢ / ١٠ الحديث ٢٩ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٧١ الحديث ١١٥٤٦.

(٢) وسائل الشيعة : ٩ / ٧٠ الحديث ١١٥٤٤.

(٣) ذخيرة المعاد : ٤٤٩.

(٤) الكافي : ٣ / ٥٢٨ الحديث ٣ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٧٢ الحديث ١١٥٤٩.

٨٦

هذا ؛ مضافا إلى فهم الأصحاب ، فتأمّل!

قوله : (وإن كان للصبي أو المجنون إذا اتّجر لهما الولي).

أقول : المشهور ـ كما ذكره هو ـ استحباب زكاة التجارة ، وإن كانت للصبي والمجنون إن اتّجر لهما الولي ، بل عن «المعتبر» إنّ عليه إجماع علمائنا (١) ، وكذا عن «المنتهى» و «النهاية» (٢) ، وابن إدريس منع الاستحباب (٣) كما منع الكلّ الوجوب ، وإن قال في «الذخيرة» : وظاهر «المقنعة» الوجوب (٤) ، ولكن في «التهذيب» أنّه إنّما أراد الاستحباب (٥) ، لأنّ المال لو كان للبالغ واتّجر به لما وجبت فيه الزكاة وجوب الفرض ، فالطفل أولى (٦) انتهى.

قوله : (وجوب الفرض) ، فيه إشارة إلى ما ذكره من أنّ الوجوب عندنا على ضربين : ضرب على تركه العقاب ، وضرب ليس كذلك ، وهو أعرف باصطلاح زمانه ، سيّما باصطلاح شيخه واستاده.

مع أنّه ستعرف ما دلّ على عدم الوجوب صريحا ، بحيث لا يكاد يصل إليه يد الاشتباه ، لكن صرّح في «المبسوط» بأنّ قوما من أصحابنا قالوا بوجوب الزكاة في مال التجارة ، وقال : قال بعضهم : إذا باعه زكّاه لسنة واحدة (٧).

ونقل ذلك في «المنتهى» أيضا بعد ما قال : اختلف علماؤنا في وجوب هذه

__________________

(١) المعتبر : ٢ / ٤٨٧.

(٢) منتهى المطلب : ١ / ٤٧٢ ط. ق ، نهاية الإحكام : ٢ / ٢٩٩.

(٣) السرائر : ١ / ٤٤١.

(٤) المقنعة : ٢٣٨.

(٥) تهذيب الأحكام : ٤ / ٢٧ ذيل الحديث ٦٤.

(٦) ذخيرة المعاد : ٤٢١.

(٧) المبسوط : ١ / ٢٢٠.

٨٧

الزكاة ، فقال أكثرهم بالاستحباب ، وقال آخرون بالوجوب (١).

والظاهر منه أعمّ من أن يكون مال تجارة اليتيم والمجنون وغيرهما ، وربّما كان الظاهر من «المبسوط» أيضا كذلك.

واحتجّ في «الذخيرة» على مختاره من الاستحباب بصحيحة زرارة وبكير عن الباقر عليه‌السلام قال : «ليس في الجوهر وأشباهه زكاة وإن كثر ، وليس في الفضّة زكاة ، وليس على مال اليتيم زكاة. إلّا أن يتّجر به ، فإذا اتّجر به فعليه الزكاة والربح لليتيم ، وعلى التاجر ضمان المال» (٢).

مع أنّه رحمه‌الله احتمل أن يكون قوله : «وليس على مال اليتيم .. إلى آخره» من كلام الصدوق (٣) ، وغير خفي أنّ هذا الاحتمال أظهر كما لا يخفى على المطّلع.

وفي «الكافي» روى هذه الصحيحة إلى قوله : وإن كثر (٤) ، ولذا نقل في «الوافي» عن الصدوق أيضا كذلك (٥) ، من دون تأمّل أصلا.

وبحسنة ابن مسلم عن الصادق عليه‌السلام سئل : هل على مال اليتيم زكاة؟ قال : «لا ، إلّا أن يتّجر [به] أو يعمل [به]» (٦).

ولموثقة عمر بن أبي شعبة عن الصادق عليه‌السلام أنّه سأله عن مال اليتيم؟ فقال : «لا زكاة عليه إلّا أن يعمل به» (٧).

__________________

(١) منتهى المطلب : ١ / ٤٧٨ ط. ق.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ٢ / ٩ الحديث ١٦٠١ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٦٩ و ٨٩ الحديث ١١٥٤٣ و ١١٥٩٤.

(٣) ذخيرة المعاد : ٤٢٠.

(٤) الكافي : ٣ / ٥١٩ الحديث ١٠ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٦٩ الحديث ١١٥٤٣.

(٥) الوافي : ١٠ / ٦٣.

(٦) الكافي : ٣ / ٥٤١ الحديث ٣ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٨٧ الحديث ١١٥٨٧.

(٧) تهذيب الأحكام : ٤ / ٢٧ الحديث ٦٤ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٨٦ الحديث ١١٥٨٤ مع اختلاف يسير.

٨٨

وموثّقة يونس بن يعقوب قال : أرسلت إلى الصادق عليه‌السلام : إنّ لي إخوة صغارا ، فمتى تجب عليهم الزكاة؟ قال : «إذا وجبت عليهم الصلاة [وجبت الزكاة]» قلت : فما لم تجب عليهم الصلاة قال : «إذا اتجر به فزكّه» (١) ، وقريب منها رواية محمّد بن الفضيل (٢).

وبصحيحة صفوان ، عن اسحاق بن عمّار ، عن أبي العطارد أنّه قال للصادق عليه‌السلام : مال اليتيم يكون عندي فأتّجر به؟ فقال : «إذا حرّكته فعليك زكاته» ، قلت : فإنّي احرّكه ثمانية أشهر وأدعه أربعة أشهر؟ قال : «عليك زكاته» (٣).

وصحيحة الحلبي عن الصادق عليه‌السلام في مال اليتيم عليه زكاة؟ فقال : «إذا كان موضوعا فليس عليه زكاة ، فإذا عملت به فأنت له ضامن والربح لليتيم» (٤).

ورواية موسى بن بكر قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن امرأة مصابة ولها مال في يد أخيها ، فهل عليه زكاة؟ فقال : «إن كان أخوها يتّجر به فعليه زكاة» (٥).

ومثلها رواية عبد الرحمن بن الحجاج (٦) ، وكصحيحة سعيد السمّان قال : سمعت الصادق عليه‌السلام يقول : «ليس في مال اليتيم زكاة إلّا أن يتّجر به ، فإن اتّجر به

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٥٤١ الحديث ٧ ، تهذيب الأحكام : ٤ / ٢٧ الحديث ٦٦ ، الاستبصار : ٢ / ٢٩ الحديث ٨٤ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٨٥ الحديث ١١٥٧٩ مع اختلاف يسير.

(٢) تهذيب الأحكام : ٤ / ٢٧ الحديث ٦٧ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٨٨ الحديث ١١٥٩٠.

(٣) الكافي : ٣ / ٥٤٠ الحديث ٢ ، تهذيب الأحكام : ٤ / ٢٨ الحديث ٦٨ ، الاستبصار : ٢ / ٢٩ الحديث ٨٦ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٨٨ الحديث ١١٥٨٩.

(٤) الكافي : ٣ / ٥٤٠ الحديث ١ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٨٣ الحديث ١١٥٧٥.

(٥) تهذيب الأحكام : ٤ / ٣٠ الحديث ٧٦ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٩٠ الحديث ١١٥٩٦.

(٦) الكافي : ٣ / ٥٤٢ الحديث ٢ ، تهذيب الأحكام : ٤ / ٣٠ الحديث ٧٥ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٩٠ الحديث ١١٥٩٥.

٨٩

فالربح لليتيم ، وإن وضع فعلى الذي يتّجر به» (١).

أقول : ويدلّ على عدم الاستحباب أصالة العدم ، وما مرّ من أنّ زكاة التجارة من بدع العامّة ، على ما يظهر من الأخبار ، فإذا كانت بالنسبة إلى المكلّفين كذلك ، فما ظنّك بالمقام؟ بل في معتبرة مروان بن مسلم عن أبي الحسن عليه‌السلام عن أبيه عليه‌السلام قال : «كان أبي يخالف الناس في مال اليتيم ليس عليه زكاة» (٢).

وموثّقة سماعة عن الصادق عليه‌السلام عن الرجل يكون عنده مال اليتيم فيتّجر به أيضمنه؟ قال : «نعم» قلت : فعليه زكاة؟ قال : «لا ، لعمري لا أجمع عليه خصلتين الضمان والزكاة» (٣).

وصحيحة ابن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام عن مال اليتيم؟ قال : «ليس فيه زكاة» (٤).

إذ النكرة في سياق النفي تفيد العموم ، وصحيحة زرارة عن الباقر عليه‌السلام مثله (٥).

وصحيحة محمّد بن القاسم بن الفضيل أنّه كتب إلى الرضا عليه‌السلام أسأله عن الوصي أيزكّي زكاة الفطرة عن اليتامى إذا كان لهم مال؟ فكتب : «لا زكاة في مال اليتيم» (٦).

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٥٤١ الحديث ٦ ، تهذيب الأحكام : ٤ / ٢٧ الحديث ٦٥ ، الاستبصار : ٢ / ٢٩ الحديث ٨٣ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٨٧ الحديث ١١٥٨٨.

(٢) تهذيب الأحكام : ٤ / ٢٧ الحديث ٦٣ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٨٦ الحديث ١١٥٨٣.

(٣) تهذيب الأحكام : ٤ / ٢٨ الحديث ٦٩ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٨٨ الحديث ١١٥٩١.

(٤) تهذيب الأحكام : ٤ / ٢٦ الحديث ٦١ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٨٥ الحديث ١١٥٨١.

(٥) تهذيب الأحكام : ٤ / ٢٦ الحديث ٦٢ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٨٥ الحديث ١١٥٨٢.

(٦) الكافي : ٣ / ٥٤١ الحديث ٨ ، من لا يحضره الفقيه : ٢ / ١١٥ الحديث ٤٩٥ ، تهذيب الأحكام : ٤ / ٣٠ الحديث ٧٤ و ٣٣٤ الحديث ١٠٤٩ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٨٤ الحديث ١١٥٧٨ مع اختلاف يسير.

٩٠

وصحيحة أبي بصير عن الصادق عليه‌السلام يقول : «ليس على مال اليتيم زكاة» (١) الحديث.

فعلى هذا ؛ يمكن أن يكون ما تضمّن الأمر بالزكاة فيه اتّقاء من العامّة أو من السلطان ، لأنّهم كانوا يأخذون زكاة التجارة في مواضعهم المعهودة ، كما هو الحال في أمثال زماننا في بلاد الخوارج ، أي العمان وبلاد اليمن ، بل غيرها من بلاد العامّة ، بل ربّما كان في رواية أبي العطارد ، وصحيحة الحلبي ، وكصحيحة سعيد إيماء إلى ذلك.

أمّا الأخير فلأنّ المعصوم عليه‌السلام لم يقل : زكّه ، أو زكّوه ، أو غير ذلك ، بل قال : أنت له ضامن ، أو على الذي يتّجر به.

وأمّا الأوّل : فلأنّه عليه‌السلام قال : «إذا حرّكته فعليك زكاته» ، إذ الإضافة ظاهرة في العهد ، فحكم بأنّ المعهود يكون عليك بسبب تحريكك فقال : لم احرّكه إلّا ثمانية أشهر ، فقال : عليك زكاته.

على أنّه ليس في الأخبار المذكورة ، إنّ الزكاة تخرج من مال اليتيم (٢) ، بل ربّما كان المراد : إنّ من اتّجر به فعلى المتّجر زكاته.

كما هو الظاهر من قوله عليه‌السلام : أنت له ضامن ، وقوله عليه‌السلام : «فعلى الذي يتّجر به» وقوله «وعليك زكاته» ، سيّما وقال ذلك مكرّرا ، وقوله : «فزكاة» ، وقوله : «فعليه زكاة».

ولا شبهة في أنّ ما ذكر هو الظاهر غاية الظهور ، وليس في غير هذه الروايات ما ينافي ذلك ، كما لا يخفى. فعلى هذا لم يكن بين الأخبار تعارض.

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٥٤١ الحديث ٤ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٨٤ الحديث ١١٥٧٧.

(٢) في (د ١) : الطفل.

٩١

هذا كلّه ؛ مضافا إلى الآية (١) ، والأخبار (٢) القطعيّة المانعة عن أخذ شي‌ء منه ، والله العالم بأحكامه.

على أنّ الأخبار المذكورة ظاهرة في الوجوب كما قال به قوم (٣) ، والجمع بينها وبين المعارض غير منحصر في الاستحباب ، لاحتمال ما ذكرناه ، بل وظهوره كما عرفت ، وبعد الحمل على الاستحباب ، مع أنّه لم يرد هذا الحمل في خبر ، بل الظاهر ممّا ورد في الأخبار المتعارضة خلافه ، بل الوارد في تلك الأخبار الحمل على التقيّة ، بل وتعيّن بملاحظة ما ذكر في المقام ، مع أنّه لا داعي الى توجيه الأخبار المذكورة ، ثمّ الحمل على الاستحباب فتدبّر.

مع أنّ التخصيص مقدّم على الحمل على الاستحباب لغلبته ، حتّى سلّم أنّه ما من عام إلّا وقد خصّ ، فلا يضرّ رفع القلم عنهما ، لأنّ المكلّف هو الولي. وأصالة براءة ذمّته لا يعارض الأخبار المذكورة ، ومجرّد الشهرة لا يكون حجّة سيّما عنده ، وإن كان الظاهر بطلان القول بالوجوب أيضا ، لما ظهر لك ، بل هو أبعد ، ثمّ أبعد من القول بالاستحباب بالنظر إلى ما قلنا.

ويؤيّده ما ظهر من الآية وغيرها : من أنّ الزكاة تطهير ، وأنّ الله فرض الزكاة ، كما فرض الصلاة (٤) ، وأمثال ذلك.

واعلم! أنّ مستند القائل بأنّه إذا باعه زكاه لسنة واحدة ، موثّقة العلاء كالصحيح عن الصادق عليه‌السلام قال : قلت : المتاع لا أصيب به رأس المال ، عليّ فيه

__________________

(١) النساء (٤) : ٦.

(٢) البرهان في تفسير القرآن : ١ / ٣٤٣ ـ ٣٤٥.

(٣) المقنعة : ٢٣٨ ، لاحظ! المبسوط : ١ / ٢٢٠.

(٤) التوبة (٩) : ١٠٣ ، البرهان في تفسير القرآن : ٢ / ١٥٦.

٩٢

زكاة؟ قال : «لا» قلت : أمسكه سنين ثمّ أبيعه ، ما ذا عليّ؟ قال : «سنة واحدة» (١) وعرفت الحال فيها أيضا وستعرف.

ثمّ اعلم! الزكاة في مال التجارة هل تتعلّق بالقيمة ، كما اختاره الشيخ ومن تبعه (٢) أم لا بالمتاع والعين؟ فإن اخرج منها فهو الواجب ، وإن عدل إلى القيمة ، فقد اخرج بدل الزكاة ، كما هو الحال في الزكاة الواجبة.

ونسب إلى «التذكرة» الميل إليه ، وإلى «المعتبر» أنّه أنسب بالمذهب (٣).

حجّة الشيخ : أنّ النصاب معتبر بالقيمة ، وما اعتبر النصاب منه وجب الزكاة منه كسائر الأموال.

وبرواية إسحاق بن عمّار عن الصادق عليه‌السلام قال : «كلّ عرض فهو مردود إلى الدراهم والدنانير» (٤).

قال في «المعتبر» : تمسّك الشيخ رحمه‌الله ضعيف. أمّا قوله : النصاب معتبر بالقيمة ، قلنا : مسلّم ، لكن ليعلم بلوغها القدر المعلوم ، ولا نسلّم أنّه يوجب الإخراج منها.

وأمّا الرواية ؛ فغير دالّة على موضع النزاع ، لأنّها دالّة على أنّ الأمتعة تقوّم بالدراهم والدنانير ، ولا يلزم من ذلك إخراج الزكاة [منها] (٥).

وفي «الذخيرة» : أنّه يظهر فائدة الخلاف في جواز بيع السلعة بعد الحول ، وقبل إخراج الزكاة أو ضمانها ، فيجوز على القول بتعلّقها بالقيمة على ما صرّح به في

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٤ / ٦٩ الحديث ١٨٩ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٧٢ الحديث ١١٥٥٢.

(٢) المبسوط : ١ / ٢٢١ ، المراسم : ١٣٦ ، شرائع الإسلام : ١ / ١٥٧ ، منتهى المطلب : ١ / ٥٠٨ ط. ق.

(٣) نسب اليهما في ذخيرة المعاد : ٤٥٠ ، لاحظ! تذكرة الفقهاء : ٥ / ٢٢٠ ، المعتبر : ٢ / ٥٥٠.

(٤) الكافي : ٣ / ٥١٦ الحديث ٨ ، وسائل الشيعة : ٩ / ١٣٩ الحديث ١١٦٩١ مع اختلاف يسير.

(٥) المعتبر : ٢ / ٥٥٠.

٩٣

«المنتهى» (١) ، لا على القول بتعلّقها بالعين ، إن قلنا بوجوب هذه الزكاة ، وفيما لو زادت القيمة بعد الحول.

فعلى الأوّل : يخرج ربع عشر القيمة الأولى.

وعلى الثاني : يخرج الزيادة أيضا ، وذكر ثمرات اخر (٢) ، والكل ؛ بعد تردّده في ترجيح أحد القولين.

واعلم! أيضا أنّه لو اشترى بالنصاب شيئا للتجارة ، استأنف حولها من حين الشراء ، لما عرفت من اعتبار كونها في مجموع الحول ، كما ظهر من الأخبار وأفتى به الأصحاب.

قال في «الذخيرة» : وتفصيل المسألة أنّ النصاب لا يخلو إمّا أن يكون من النقدين ، [أم لا ، فإن كان من النقدين] واشترى به سلعة للتجارة ، قيل : يبنى حول العرض على حول الأصل ، وهو المحكيّ عن «الخلاف» و «المبسوط» (٣).

واستوجه في «التذكرة» البناء ؛ إن كان الثمن من مال التجارة ، وإلّا استأنف (٤).

وذهب جماعة منهم المحقّق إلى الاستيناف مطلقا (٥) ، وهو أقرب ، لانقطاع حول الأوّل بتبدّل المحلّ ، وحول التجارة إنّما يعتبر بعد عقد المعاوضة ، وما دلّ على اعتبار بقاء السلعة طول الحول ، كما مرّ ، يدفع التفصيل الذي اختاره المصنّف في «التذكرة».

__________________

(١) منتهى المطلب : ١ / ٥٠٣ ط. ق.

(٢) ذخيرة المعاد : ٤٥٠.

(٣) مدارك الأحكام : ٥ / ١٧٢ ، لاحظ! المبسوط : ١ / ٢٢١ ، الخلاف : ٢ / ٩٤ المسألة ١٠٨.

(٤) تذكرة الفقهاء : ٥ / ٢٢١ المسألة ١٥٣.

(٥) شرائع الإسلام : / ١٥٧ ، البيان : ٣٠٦ ، مدارك الأحكام : ٥ / ١٧٣.

٩٤

حجّة الشيخ فيما حكي عنه (١) ، قول الصادق عليه‌السلام : «كلّ عرض فهو مردود إلى الدراهم والدنانير» (٢) ، وإنّ النماء في الغالب إنّما يحصل في التجارة بالتقليب ، فلو كان ذلك يقطع الحول ، لكان السبب الذي يثبت فيه الزكاة مانعا (٣) ، انتهى.

أقول : الأقوى عندي ما ذكره في «التذكرة» لما يظهر من بعض الأخبار مطلوبيّة الزكاة في كلّ مال تجارة يعمل به.

مثل كصحيحة محمّد بن مسلم أنّه قال : «كلّ ما [ل] عملت به فعليك فيه الزكاة إذا حال عليه الحول» (٤).

وقوّية سماعة قال : وسألته عن الرجل يكون معه المال مضاربة ، هل عليه فيه زكاة إذا كان يتّجر به؟ فقال : «ينبغي له أن يقول لأصحاب المال : زكّوه ، فإن قالوا : إنّا نزكّيه فليس عليه غير ذلك ، وإن هم قالوا : [إنّا] لا نزكّيه فلا ينبغي له أن يقبل ذلك المال ، ولا يعمل به حتّى يزكّوه» (٥) فتأمّل! وغيرهما من الأخبار ، مع أنّ المقام : مقام الاستحباب.

وأمّا ما قاله في ردّ مختار «التذكرة» من أنّه مبنيّ على ما اختاره من عدم سقوط الاستحباب بالتقليب في الأثناء ، [و] قد عرفت حاله ، وأشار به إلى ما ذكر سابقا عليه ، من أنّه لا زكاة في مال حتّى يحول عليه الحول ، ولأنّ مورد النصوص المتضمّنة لاستحباب هذا النوع من الزكاة السلعة الباقية طول الحول ، كما يدلّ عليه

__________________

(١) لاحظ! الخلاف : ٢ / ٩٦.

(٢) الكافي : ٣ / ٥١٦ الحديث ٨ ، وسائل الشيعة : ٩ / ١٣٩ الحديث ١١٦٩١ مع اختلاف يسير.

(٣) ذخيرة المعاد : ٤٤٩ ، لاحظ! منتهى المطلب : ١ / ٥٠٧ ط. ق.

(٤) الكافي : ٣ / ٥٢٨ الحديث ٥ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٧٢ الحديث ١١٥٥١.

(٥) الكافي : ٣ / ٥٢٨ الحديث ٤ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٧٦ الحديث ١١٥٦١ مع اختلاف يسير.

٩٥

حسنة محمّد بن مسلم (١) ، ورواية أبي الربيع (٢) ، وغيرهما من الأخبار السابقة ، فيكون التعدّي إلى غيرها من غير دليل واضح مندفعا بالأصل (٣) انتهى.

وغير خفي عدم ظهور اشتراط بقاء السلعة على حالها طول الحول من الأخبار المذكورة ، وظهور العموم من غيرها ممّا يصلح أن يكون مستند الاستحباب عند الأصحاب ، وواقعا ، كما مرّ في صدر الكتاب (٤).

وأمّا ما ذكره من أنّه لا زكاة. إلى آخره ، ففيه ؛ أنّه ورد في الخمسة التي ذكره لا في مال التجارة.

ثمّ قال : وإن كان النصاب من غير النقدين ، فالمشهور استيناف الحول مطلقا ، واستوجبه في «التذكرة» البناء على الحول الأوّل إن كان الثمن مال التجارة (٥) ، والأوّل أقرب لما مرّ (٦) انتهى.

أقول : قد عرفت الحال ، ونسبته إلى المشهور ، لعلّه ممّا ستعرفه في مسألة التبدّل في الحول.

ثمّ قال : وذكر في «التذكرة» إنّ البناء إنّما يكون لو اشترى بالعين ، وأمّا إذا اشترى في الذمّة ، ونقد النصاب في الثمن انقطع الحول ، لأنّه لم يتعيّن الصرف في هذه

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٥٢٨ الحديث ٢ ، تهذيب الأحكام : ٤ / ٦٨ الحديث ١٨٦ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٧١ الحديث ١١٥٤٦.

(٢) الكافي : ٣ / ٥٢٧ الحديث ١ ، تهذيب الأحكام : ٤ / ٦٨ الحديث ١٨٥ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٧١ الحديث ١١٥٤٧.

(٣) ذخيرة المعاد : ٤٤٩.

(٤) راجع! الصفحة : ١٩ من هذا الكتاب.

(٥) تذكرة الفقهاء : ٥ / ٢٢٢.

(٦) ذخيرة المعاد : ٤٤٩ مع اختلاف يسير.

٩٦

الجهة أيضا (١) (٢) انتهى.

واعلم! أيضا أنّهم قالوا إذا قصد القنية في أثناء الحول يسقط الاستحباب (٣) ، وإن كان ملكه للتجارة ، وكان نيّته كذلك إلى قصد القنية ، ووجهه ظاهر.

واعلم! أيضا أنّ في «الذخيرة» نسب إلى جماعة اشتراط بقاء السلعة طول الحول في الاستحباب ، وأنّه لو باعه بثمن في الأثناء ، يسقط الاستحباب في الحول الأوّل ، ويستأنف الحول.

ونقل عن الشيخ أنّه قال : إذا ملك سلعة للتجارة قيمتها نصاب فصاعدا ، ثمّ باعها في أثناء الحول ، استأنف حول الثمن عند من لا يوجب زكاة التجارة ، وبنى على قول من يوجب (٤).

قال : وقطع المصنّف ومن تبعه من المتأخّرين عنه بعدم السقوط ، ونقل المصنّف في «التذكرة» وولده في الشرح الإجماع عليه (٥).

والأوّل أقرب ، لأنّ مع التبدّل يكون الثانية غير الأولى ، فلا يكون فيه زكاة ، لأنّه لا زكاة في مال (٦) .. إلى آخر ما ذكرنا عنه وأجبنا عنه أيضا ، فلو كان التبدّل للتجارة يكون عليه زكاة التجارة استحبابا على القول به كما عرفت.

نعم ؛ لو باعها بأحد النقدين وأخذ الثمن ، وبقي عنده حتّى حال عليه الحول ، يكون زكاته واجبة البتّة ، وإن كان قصده الشراء به ، لأنّ حول الحول على النقدين

__________________

(١) تذكرة الفقهاء : ٥ / ٢٢١ و ٢٢٢ مع اختلاف يسير.

(٢) ذخيرة المعاد : ٤٤٩.

(٣) تذكرة الفقهاء : ٥ / ٢٢٥ ، الحدائق الناضرة : ١٢ / ١٤٦.

(٤) لاحظ! الخلاف : ٢ / ٩٩.

(٥) تذكرة الفقهاء : ٥ / ٢٢٣ ، إيضاح الفوائد : ١ / ١٨٧.

(٦) ذخيرة المعاد : ٤٤٩.

٩٧

يوجب الزكاة البتة ، بعد بلوغ النصاب وغيره من الشرائط.

واعلم! أيضا أنّ تجارة مال اليتيم والمجنون على صور.

الاولى : ما مرّ ، وهو أن يكون وليّهما يتجرّ لهما ، وعرفت أنّ الأحوط عدم إعطاء الزكاة عنهما ، بل الأقوى بالنظر إلى الأخبار والاعتبار.

الثاني : أن يتّجر الناظر في مالهما لنفسه ، بأن ينقل مالهما بناقل شرعي إلى نفسه كالقرض ، ثمّ يتّجر لنفسه ، وكان وليّا لهما مليّا ، قالوا : كان الربح له ، والزكاة مستحبّة عليه (١).

والمراد من الملّي أن يكون للمتصرّف مال بقدر مالهما ، فاضلا على المستثنيات في الدين ، وعن قوت يوم وليلة له ، ولعياله الواجبي النفقة ، إن حصل الغرض المطلوب معه ، وإلّا فيما يحصل بأن يكون قادرا على ذلك المال من ماله ، لو تلف بحسب حاله.

ويدلّ على اشتراط هذه الملاء صحيحة ربعي عن الصادق عليه‌السلام : في رجل عنده مال اليتيم ، فقال : «إن كان محتاجا وليس له مال فلا يمسّ ماله ، وإن هو اتّجر به فالربح لليتيم وهو ضامن» (٢).

ورواية أسباط بن سالم عن أبيه قال : سألت الصادق عليه‌السلام أخي أمرني أن أسألك عن مال يتيم في حجره يتّجر به؟ قال : «إن كان لأخيك مال يحيط بمال اليتيم إن تلف أو أصابه شي‌ء غرمه وإلّا فلا يتعرّض مال اليتيم» (٣).

__________________

(١) شرائع الإسلام : ١ / ١٤٠ ، تذكرة الفقهاء : ٥ / ١٤ ، مدارك الأحكام : ٥ / ١٨ ، ذخيرة المعاد : ٤٢٢.

(٢) الكافي : ٥ / ١٣١ الحديث ٣ ، تهذيب الأحكام : ٦ / ٣٤١ الحديث ٩٥٥ ، وسائل الشيعة : ١٧ / ٢٥٧ الحديث ٢٢٤٦٨.

(٣) الكافي : ٥ / ١٣١ الحديث ٤ ، تهذيب الأحكام : ٦ / ٣٤١ الحديث ٩٥٤ ، وسائل الشيعة : ١٧ / ٢٥٨ الحديث ٢٢٤٦٩ مع اختلاف يسير.

٩٨

واستثنى المتأخّرون الأب والجد ، فجوّزوا لهما إقراض مال الطفل ، وإن لم يكن مليئين (١) ، ولعلّه لما يظهر من إطلاق بعض الأخبار ، مثل ما ورد في جارية الولد الصغير إذا أراد الأب وطؤها أنّه يقوّمها على نفسه (٢) ، ولم يشترطوا ملائته ، وبعض الأصحاب استشكل ذلك (٣) ، وليس المقام مقام تمام التحقيق.

وأمّا اشتراطهم كون المتصرّف وليّا لهما ، ولأنّ التصرّف في مالهما يتوقّف على رخصة من الشرع ، وهي مقصورة في الولي.

نعم ، لو توقّف المصلحة على التصرّف المذكور مع تعذّر الولي أمكن الجواز من غيره ، إذا كان وثوق به ، سيّما إذا تضرّر بعدم هذا التصرّف ، أو خيف التضرّر ، لكونه قريبا لمال اليتيم بالتي هي أحسن ، ولكونه محسنا.

مع أنّه تعالى قال (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (٤).

وقال (ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ) (٥) ، إلى غير ذلك مثل قوله تعالى : (تَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ) (٦) إلى غير ذلك من أمثال ذلك ، وإن كان كلّ واحد ممّا ذكر مطلقا ، غير مقيّد بتعذّر الولي ، إلّا أنّه لعلّ الإجماع ، قيّده ، لكن ظاهر الأصحاب لعلّه انحصار التصرّف في الولي ، ومنه الإمام ، وأمّا إذا اضطرّ إلى التصرّف وتعذّر الولي ، فيجوز حسبة كما هو الحال في الاضطراريّات.

نعم ، ورد في حديث صحيح : أنّ قاضي الكوفة صيّر بعض الأصحاب قيّما

__________________

(١) مسالك الأفهام : ١ / ٣٥٦ ، مجمع الفائدة والبرهان : ٤ / ١٤ ، الحدائق الناضرة : ١٢ / ٢٥.

(٢) تهذيب الأحكام : ٦ / ٣٤٥ الحديث ٩٦٩ ، وسائل الشيعة : ١٧ / ٢٦٨ الحديث ٢٢٤٩٠.

(٣) مدارك الأحكام : ٥ / ١٩.

(٤) الأنعام (٦) : ١٥٢.

(٥) التوبة (٩) : ٩١.

(٦) المائدة (٥) : ٢.

٩٩

فسأل المعصوم عليه‌السلام عن ذلك ، فقال : «إن كان القيّم مثلك أو مثل عبد الحميد فلا بأس» (١).

فيظهر منه اشتراط العدالة ، وغير خفي أنّ قاضي العامّة لا عبرة بفعله ، فالعبرة بالعدالة ، لكن يتوقّف على عدم المخالفة ، لما عليه الأصحاب ، وعلى الموافقة ، لقول قائل منهم ، وليس المقام ؛ مقام تحقيق ذلك.

الثالث : أن لا يكون وليّا ، أو لا يكون مليئا ، أو لا هذا ولا ذاك جمعا ، واقترض لنفسه واتّجر كذلك ، فإنّ الاقتراض يكون باطلا ، وكان ضامنا والربح لليتيم ، أمّا الضمان فلكونه غاصبا ، والغصب يتبع الضمان بلا خلاف ، بل هو مأخوذ بأشقّ الأحوال ، ولما ورد في الأخبار في خصوص المقام كما ستعرف.

وأمّا كون الربح لليتيم ، فلصحيحة أبان بن عثمان ـ الذي أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه (٢) ـ عن منصور الصيقل ، قال : سألت الصادق عليه‌السلام عن مال اليتيم يعمل به؟ قال : فقال : «إذا كان عندك مال وضمنته فلك الربح وأنت ضامن للمال ، وإن كان لا مال لك وعملت به فالربح للغلام وأنت ضامن للمال» (٣).

ومرّ صحيحة الحلبي (٤) ، وسعيد السمّان (٥) ، وكصحيحة أبي العطارد (٦) ، وغيرها (٧) ، فلا بدّ من حمل رواية منصور على الولي ، أو إجازة الولي ، كما صرّح به

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٧ / ٦٩ الحديث ٩ ، وسائل الشيعة : ١٧ / ٣٦٣ الحديث ٢٢٧٥٦.

(٢) رجال الكشّي : ٢ / ٦٧٣ الرقم ٧٠٥.

(٣) تهذيب الأحكام : ٤ / ٢٩ الحديث ٧١ ، الاستبصار : ٢ / ٣٠ الحديث ٨٩ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٨٩ الحديث ١١٥٩٣.

(٤) وسائل الشيعة : ٩ / ٨٣ الحديث ١١٥٧٥.

(٥) وسائل الشيعة : ٩ / ٨٧ الحديث ١١٥٨٨.

(٦) وسائل الشيعة : ٩ / ٨٨ الحديث ١١٥٨٩.

(٧) لاحظ! وسائل الشيعة : ٩ / ٨٧ ـ ٨٩ الباب ٢ من أبواب من تجب عليه الزكاة.

١٠٠