مصابيح الظلام - ج ١٠

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

مصابيح الظلام - ج ١٠

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الطبعة: ١
ISBN: 964-94603-0-6
ISBN الدورة:
964-94422-0-0

الصفحات: ٦٤٨

إطلاقها البتة.

بل تكون مقيّدة بكونها في جملة ستّ وعشرين من الإبل على سبيل الخلط والإشاعة في كلّ جزء جزء من النصاب المذكور ، ومثل هذا لا نسلّم تبادر أقلّ ما يسمّى المذكور منه ، لو لم نقل بتبادر ما قاله الشيخ وموافقوه ، سيّما في مقام تحصيل البراءة اليقينيّة في شغل الذمّة اليقيني ، وخصوصا في العبادات التوقيفيّة ، وخصوصا الرواية المعتبرة بلا شبهة ، المتضمّنة لحكاية بعث أمير المؤمنين عليه‌السلام المصدّق والساعي ، وأمره بتخصيص الأنعام ، وتخيير المالك وغير ذلك (١).

وكذا المعتبرة المتضمّنة لأمر الصادق عليه‌السلام محمّد بن خالد (٢) ، وقد مضت الإشارة إليهما (٣) ، إذ لو كان حقّ الفقير هو أقلّ ما يسمّى ، لم يكن لما ذكر فيهما وجه أصلا ، ويكون جميعه لغوا مستدركا لا طائل تحته أصلا ورأسا أبدا.

وحملهما على استحباب اختيار طريقة الشيخ وموافقيه فاسد ، إذ كان اللازم على المعصوم عليه‌السلام أن يقول للساعي : أظهر للمالك ، أنّه ليس لي عليك سوى المسمّى ، لكن يستحبّ لك أن تختار ما هو على نسبة النصاب وقدره ، إذ الطباع متنفّرة عن قدر الواجب فضلا عن المستحبّ.

فلو كان يظهر للمالك ذلك لم يتحقّق مضمون الرواية لمقتضى العادة البتّة ، سيّما قوله عليه‌السلام : «فإن استقالك» (٤) ، إلى آخر ما ذكرنا عنها ، فإنّ الاستقالة حينئذ لا معنى [لها] ، لأنّ المستحبّ إنّما هو بإرادة المكلّف واشتهائه.

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٥٣٦ الحديث ١ ، وسائل الشيعة : ٩ / ١٢٩ الحديث ١١٦٧٨.

(٢) تهذيب الأحكام : ٤ / ٩٨ الحديث ٢٧٦ ، وسائل الشيعة : ٩ / ١٣١ الحديث ١١٦٨٠.

(٣) راجع! الصفحة : ٢٦٧ و ٢٦٨ من هذا الكتاب.

(٤) وسائل الشيعة : ٩ / ١٣٠ الحديث ١١٦٧٨.

٣٠١

ومع ذلك قال عليه‌السلام : «ثمّ أخلطهما واصنع كما صنعت أوّلا» (١) ، فإنّ هذا بعيد عن الاستحباب ، وسيّما بملاحظة أنّ الظاهر منها أنّه ليس له الاستقالة غير مرّة واحدة ، كما ستعرف.

هذا كلّه ؛ مع ملاحظة أنّه عليه‌السلام أمره بآداب كثيرة ، ومراعاة غير عديدة بالنسبة إلى المالك ، ومع ذلك أمر بالتخصيص القهري ، والتخيير بعده.

وأين تلك الآداب في هذا القهري؟ مع أنّه لعلّه فرع وجود قائل بذلك ، وأنّ القائلين بالمسمّى بنوا على ذلك ، ولم نجد منهم.

فإن قلت : القائل بالمسمّى لعلّه لا يقول باليقين باشتغال الذمّة بأزيد من المسمّى وأقلّه ، اتّكالا بأصالتي العدم والبراءة.

قلت : لم يتمسك إلّا بالإطلاق ، والصدق على المسمّى ، ولو تمسّك بالأصل أيضا ، فالأصل لا يعارض ما ذكرناه بلا شبهة ، لأنّه لا يعارض الدليل.

سلّمنا ؛ لكنّ الأصل لا يجزي في العبادات ، كما مرّ في تكبيرة الإحرام وغيرها ، على أنّ دعوى تبادر أقلّ ما يسمّى تبيعا من البقر وأردإ ، وأرخص ما يكون قيمة منه في زكاة ثلاثين جاموسا ، كلّ واحد منها في غاية الجودة وعلوّ القيمة ، وكذلك الحال في مسنّة البقر الرديئة نهاية الرداءة بالنسبة إلى أربعين من الجاموس المذكورة ، فيه ما فيه.

وكذلك الحال في الإبل العرابي واللوك والبخاتي ، لعدم الفرق.

والمقام الثاني : إنّ المالك هل له أن يعطي الذي وجب عليه ، ويتسلّط في ذلك؟ أم للساعي أو الفقير أن يشاحّ معه حتّى تقع القرعة لتعيّن حقّهما؟ ـ كما نقل

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٩ / ١٣٠ الحديث ١١٦٧٨.

٣٠٢

عن الشيخ وجماعة (١) ـ أو لا بدّ من القرعة لامتياز حقّهما؟ كما نقل عن «التذكرة» (٢).

وعرفت أنّ صاحب «الذخيرة» اختار الأوّل أيضا ، واستدلّ له بإطلاق الأدلّة وغيرها ممّا عرفت (٣) ، وعرفت حال الإطلاق ، وأنّ الشركة إجماعيّة ، وكون الزكاة تتعلّق بالعين كادت أن تكون إجماعيّة أيضا (٤) ، لو لم نقل كذلك كما ستعرف ، وأنّه من مسلّمات هؤلاء الذين اختاروا الأوّل.

فإذا كان مال مشتركا بين شركاء ، فقسمته لهم يكون بالقرعة عند الفقهاء ، إلّا ما شذّ منهم كما قالوه في محلّه ، لأنّ القسمة نوع معاوضة شرعيّة لا بدّ فيها من انتقال حقّ كلّ من الشريكين إلى الآخر بعنوان اللزوم ، وهذا ثبت عندهم بالقرعة ، لكونها محلّ الإجماع ، ولكونها لكلّ أمر مشكل ، أو غير ذلك ممّا ورد في القرعة (٥) ، وإنّ ما حكمت هو الحقّ.

وأمّا مجرّد التراضي ؛ فالقدر الثابت منه إباحة التصرف ، وأمّا أزيد فلم يثبت ، لأنّ الدليل هو الإجماع ، أو الكتاب ، أو السنّة ، أو القاعدة الثابتة منهما.

فظهر أنّ ما نقل عن «التذكرة» إنّما هو لأجل الانتقال الملزم لا الإباحة ، كما هو دأبهم في جميع المعاوضات والمعاملات اللزوميّة ، من اشتراطهم الملزم من الصيغة أو غيرها.

ومع ذلك يقولون بالمعاطاة في المبايعة وغيرها ، كما هو الظاهر منهم.

__________________

(١) نقل عنه في ذخيرة المعاد : ٤٣٧ ، لاحظ! المبسوط : ١ / ١٩٧.

(٢) نقل عنه في ذخيرة المعاد : ٤٣٧ ، لاحظ! تذكرة الفقهاء : ٥ / ١١٨.

(٣) راجع! الصفحة : ٢٩١ من هذا الكتاب.

(٤) راجع! الصفحة : ٢٩١ ـ ٢٩٥ من هذا الكتاب.

(٥) وسائل الشيعة : ٢٧ / ٢٥٧ الباب ١٣ من أبواب كيفيّة الحكم.

٣٠٣

بل صرّح بعضهم بما ذكرناه (١) ، إلّا أن يقال : الذي يظهر من الأخبار التي كادت أن تكون متواترة ، بل متواترة أنّ إعطاء الزكاة غير متوقّف على القرعة حتّى لانتقال الملك أيضا.

مثل قويّة سماعة عن الصادق عليه‌السلام قال : «إذا أخذ الرجل الزكاة فهي كماله يصنع بها ما شاء ، وقال : إنّ الله عزوجل فرض للفقراء في أموال الأغنياء فريضة لا يحمدون [إلّا] بأدائها وهي الزكاة ، فإذا هي وصلت إلى الفقير فهي بمنزلة ماله يصنع بها ما شاء» فقلت : يتزوّج بها ويحجّ منها؟ قال : «نعم ، هي ماله» (٢) الحديث ، وغيرها من الأخبار الظاهرة في ذلك بعد ملاحظة الأخبار الدالّة.

على أنّ للمالك أن يعطي زكاته لكلّ من يريد ممّن اتّصف بصفة الاستحقاق ، وأنّ الاختيار بيده في تعيين الفقير ، وقدر ما يعطيه ، وأنّ له أن يوكّل من يفعل كذلك ، إلى غير ذلك ممّا سنشير إليه ، كما هو الحال في سائر المعاوضات مثل البيع وغيره ، من عدم القصر على قراءة الصيغة وإنشاء العقد الذي ذكروه واعتبروه ، كما هو ظاهر من الأخبار الواردة فيها أيضا ، وحقّق في محلّه ، بل لعلّ الحال في قسمة مطلق المال المشترك كذلك.

فعلى هذا ؛ يمكن أن يقال : لم يظهر من الأخبار الواردة في الزكاة ما يخالف ما ذكر عن «التذكرة» (٣) ، بعد ملاحظة تحقيقات الفقهاء في كتب المعاملات في إيجابهم مثل الصيغة ، لتحقّق الانتقالات اللزوميّة خصوصا تحقيقهم في لزوم القرعة للقسمة ، سيّما أنّ تتبّع أخبار الزكاة الظاهرة في كون المالك له أن يعطي كلّ من

__________________

(١) لاحظ! مسالك الأفهام : ١٤ / ٤٩ ـ ٥١ ، الحدائق الناضرة : ٢١ / ١٧٣ و ١٧٤.

(٢) الكافي : ٣ / ٥٥٦ الحديث ١ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٢٨٩ الحديث ١٢٠٤٢ مع اختلاف يسير.

(٣) تذكرة الفقهاء : ٥ / ١١٨.

٣٠٤

يشاء ، كيف يشاء ، بما يشاء.

ولعلّه ربّما يكشف عن كون الزكاة المذكورة فيها بحسب الغالب هو الدراهم والدنانير سواء كانت زكاة الدراهم والدنانير ، أو قيمة سائر الزكوات ، أو الغلّات الأربعة ونحوها.

ولم ينقل عن أحد اعتبار القرعة في هذه الزكوات ، بل الذي ذكروه إنّما هو في تعدّد السن الواجب لا غير ، فتأمّل!

فإن قلت : لو كان لزوم القسمة تنحصر في القرعة دون نفس الانتقال ومجرّده ، لكان اللازم على الشارع إظهار ذلك في مقام لا أقلّ ، وعدم إظهاره أصلا ، مع إظهار تحقّق نفس الانتقال ، ومطلقه ظاهر في خلاف ذلك.

قلت : الأمر في جميع المعاوضات لعلّه يكون على ما ذكرت ، وسيّما في تقسيم المشترك ، ومن المسلّمات عندهم أنّه ليس كذلك.

والتحقيق في ذلك : إنّما هو في كتاب المعاملات وهو محلّه ، وبناؤهم على ذلك ، وليس المقام ؛ مقام تحقيقهم ، فلاحظ ما حقّقوه هناك!

والفاضلان ومن وافقهما ـ في كفاية المسمّى ، وأنّ للمالك أن يعطي مطلقا ـ يقولون بلزوم القرعة والصيغة بناء على ما حقّقوه هناك (١).

نعم ؛ شاذّ منهم اختار عدم الحاجة إليهما أصلا (٢).

وممّا ذكر ظهر الحال في مختار الشيخ رحمه‌الله وموافقيه أيضا ، لأنّ الفريضة ليست لشخص معيّن حتّى يتأتّى منه التشاحّ عادة ، بل مستحقّها بيد صاحب المال وتعيينه ، ومع ذلك أيّ قدر أراد يعطي؟ فلعلّ ما به التفاوت يعطيه غيره ، ولا يتعيّن

__________________

(١) إرشاد الأذهان : ١ / ٤٣٣ و ٤٣٤ ، شرائع الإسلام : ٤ / ١٠٠ ـ ١٠٤ ، الدروس الشرعيّة : ٢ / ١١٧.

(٢) مسالك الأفهام : ١٤ / ٢٧.

٣٠٥

عليه أن يعطي من العين ، بل له أن يعطي القيمة ، كما له أن يعطي من الخارج بلا تأمّل ، لأنّ السنّ الموجود عنده لا يتعيّن كونه زكاة بلا شبهة ، إذ لو كان كذلك ، لكان يسقط من ذمّته الزكاة إذا مات أو تلف ، بمجرّد حؤول الحول ، ولا يمكنه نقله ، وغير ذلك.

مع أنّه بحسب العادة يكون الفقير في غاية الرضا والممنونيّة بكلّ ما أعطاه المالك ، مع أنّ الفقير لا يطّلع غالبا وعادة على مال المالك كمّا وكيفا ، ولا عليه مطالبته في الاطّلاع.

مع أنّ المالك مصدّق في عدم وجوب الزكاة عليه ، على حسب ما ظهر من الحديث المتضمّن لحكاية بعث أمير المؤمنين عليه‌السلام (١) ، مضافا إلى أصالة حمل أفعال المسلم على الصحّة حتّى يظهر خلافه ، إلّا في مقام الدعاوي والتحاكم.

فلعلّ مرادهم وقوع التشاحّ بين المالك وخصوص الساعي ، كما يظهر من عبارة «المبسوط» التي ذكرناها (٢) ، فإنّ الساعي له التشاحّ في الصورة التي نعته الإمام عليه‌السلام في أخذ الزكاة ، واعترف المالك باشتغال ذمّته ، وأدخله في أنعامه ، ولذا قال المحقّق : وليس للساعي منع المالك (٣) ، ولعلّ غيره أيضا قال كذلك.

ولا شكّ في أنّ الشيخ وموافقيه عملوا برواية بعث أمير المؤمنين عليه‌السلام الساعي ، ورواية محمّد بن خالد ، وعرفت وضوح دلالتهما على تسلّط الساعي في التخصيص ، والتخصيص بالتخيير (٤) ، لكن ظهر منها أنّ المالك إذا اشتهى خلاف ما اختاره ، يكون الساعي يعطيه ما يشتهيه.

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٥٣٦ الحديث ١ ، وسائل الشيعة : ٩ / ١٢٩ الحديث ١١٦٧٨.

(٢) المبسوط : ١ / ١٩٥.

(٣) شرائع الإسلام : ١ / ١٤٧.

(٤) راجع! الصفحة : ٢٦٧ و ٢٦٨ من هذا الكتاب.

٣٠٦

لكن ربّما يؤول ذلك إلى التطويل المانع عن أخذه الحق ، سيّما مع ملاحظة ما في حديث بعث أمير المؤمنين عليه‌السلام من قوله عليه‌السلام : «فإن استقالك فأقله ثمّ أخلطهما واصنع مثل الذي صنعت أوّلا» (١) الحديث.

وربّما يظهر منه أنّه ليس له الاستقالة غير مرّة ، كما صرّح به الصدوق (٢) وعرفته ، وقال في «المبسوط» في زكاة الثمرة : ولا ينبغي لربّ المال أن يقطع الثمرة إلّا بإذن الساعي إذا لم يكن ضمن حقّ الفقراء ، فإن كان ضمن جاز ، وإنّما قلنا ذلك لأنّه يتصرّف في مال غيره بغير إذنه ، وذلك لا يجوز (٣) ، انتهى.

فحينئذ يتحقّق التشاحّ ، سيّما بعد ملاحظة الأخبار أنّ للمالك أن يعطي ما أراد ، فحينئذ لعلّه لا بأس بما ذكره الشيخ رحمه‌الله وغيره ، فتأمّل جدّا!

وقوله : (ويجزي ابن لبون). إلى آخره.

عن «التذكرة» أنّه موضع وفاق (٤) ، والظاهر أنّه كذلك ، ويدلّ عليه صحيحة زرارة عن الباقر عليه‌السلام قال : «ليس فيما دون الخمس من الإبل شي‌ء». إلى أن قال : «فإن زادت واحدة ففيها ابنة مخاض إلى خمس وثلاثين ، فإن لم يكن عنده ابنة مخاض فابن لبون ذكر» (٥).

ومثلها قويّة زرارة عنه عليه‌السلام (٦) ، وصحيحة أبي بصير عن الصادق عليه‌السلام (٧).

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٩ / ١٢٩ و ١٣٠ الحديث ١١٦٧٨.

(٢) المقنع : ١٦٠.

(٣) المبسوط : ١ / ٢١٦.

(٤) تذكرة الفقهاء : ٥ / ٦٧ و ٦٨ المسألة ٤١.

(٥) من لا يحضره الفقيه : ٢ / ١٢ الحديث ٣٣ ، وسائل الشيعة : ٩ / ١٠٨ الحديث ١١٦٣٩.

(٦) تهذيب الأحكام : ٤ / ٢١ الحديث ٥٤ ، وسائل الشيعة : ٩ / ١٠٩ الحديث ١١٦٤١.

(٧) تهذيب الأحكام : ٤ / ٢٠ الحديث ٥٢ ، وسائل الشيعة : ٩ / ١٠٩ الحديث ١١٦٤٠.

٣٠٧

وظاهر العلّامة في «الإرشاد» إجزاؤه عنها مطلقا ، مع تصريحه بقوله : وإن كانت دون قيمته (١) وهو ضعيف.

قوله : (ومع فقدهما). إلى آخره.

وفي «الذخيرة» : وظاهر الفاضلين أنّه موضع وفاق بين علمائنا (٢) ، وأكثر العامّة احتجّوا عليه بأنّه : إذا اشترى ابن لبون يصدّق عليه أنّه واجد له.

وحكي عن مالك ، القول بتعيين شراء بنت مخاض استنادا إلى حجّتين ضعيفتين (٣)

ويظهر من الشهيد الثاني (٤) وجود القول بذلك بين الأصحاب أيضا (٥) ، انتهى.

قوله : (ومن ليس عنده). إلى آخره.

عن «التذكرة» أنّه قول علمائنا أجمع ووافقنا عليه أكثر العامّة (٦).

ويدلّ عليه ما رواه في «الكافي» بسنده عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنّه كتب بخطّه : «من بلغت عنده من الإبل صدقة الجذعة وليست عنده جذعة وعنده حقّة فإنّه تقبل منه الحقّة ويجعل معها شاتين أو عشرين درهما».

ومن بلغت عنده صدقة الحقّة وليست عنده حقّة وعنده جذعة ، فإنّه تقبل منه الجذعة ويعطيه المصدّق شاتين أو عشرين درهما ، ومن بلغت صدقته حقّة وليست عنده حقّة وعنده ابنة لبون ، فإنّه يقبل منه ابنة لبون ويعطي معها شاتين أو

__________________

(١) إرشاد الأذهان : ١ / ٢٨١ مع اختلاف.

(٢) المعتبر : ٢ / ٥٠٠ ، تذكرة الفقهاء : ٥ / ٦٨.

(٣) المعتبر : ٢ / ٥١٥.

(٤) مسالك الأفهام : ١ / ٣٧٤.

(٥) ذخيرة المعاد : ٤٣٨.

(٦) تذكرة الفقهاء : ٥ / ٦٦ المسألة ٤١.

٣٠٨

عشرين درهما.

ومن بلغت صدقته ابنة لبون وليست عنده ابنة لبون وعنده حقّة فإنّه يقبل منه الحقّة ويعطيه المصدّق شاتين أو عشرين درهما.

ومن بلغت صدقته ابنة لبون وليست عنده ابنة لبون وعنده ابنة مخاض فإنّه تقبل منه ابنة مخاض ويعطي معها شاتين أو عشرين درهما ، ومن بلغت صدقته ابنة مخاض وليست عنده ابنة مخاض وعنده ابنة لبون فإنّه تقبل منه ابنة لبون ويعطيه المصدّق شاتين أو عشرين درهما.

ومن لم يكن عنده ابنة مخاض على وجهها وعنده ابن لبون ذكر فإنّه يقبل منه ابن لبون وليس معه شي‌ء.

ومن لم يكن معه [شي‌ء] إلّا أربعة من الإبل وليس له مال غيرها فليس فيها شي‌ء إلّا أن يشاء ربّها فإذا بلغ ماله خمسا من الإبل ففيها شاة» (١).

وضعف الرواية منجبر بعمل الأصحاب ، ومقتضاها انحصار الجبران في الشاتين ، أو عشرين درهما.

واكتفى في «التذكرة» والشهيد الثاني بشاة وعشر دراهم (٢). ولعلّهما بنيا على أنّ ما في الخبر إنّما هو على سبيل المثال ، لعدم الفرق أصلا بين شاتين أو عشرين درهما ، وبين شاة وعشرة دراهم ، حملا للرواية على المتعارف في زمان صدورها.

ولا يخلو ما ذكراه عن الإشكال في مقام العبادات التوقيفيّة ، ولذا أفتى الأصحاب بها ، سواء كانت القيمة السوقيّة أقلّ أو لا ، لإطلاق النصّ.

واستشكل في صورة استيعاب قيمة المأخوذ من الفقير لقيمة المدفوع إليه ،

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٥٣٩ الحديث ٧ ، وسائل الشيعة : ٩ / ١١١ و ١٢٨ الحديث ١١٦٤٣ و ١١٦٧٧.

(٢) تذكرة الفقهاء : ٥ / ٦٩ المسألة ٤١ ، مسالك الأفهام : ١ / ٣٧٥.

٣٠٩

لأنّ المالك كان لم يؤدّ شيئا.

واختار في «التذكرة» عدم الإجزاء (١) ، وظاهر أنّه كما اختاره بملاحظة العمومات الدالّة على وجوب الزكاة ، والتهديدات الهائلة ، والعلل المرويّة في وجوب الزكاة ، وأنّه تعالى جعل في أموال الأغنياء ما يستغنى به الفقراء وغير ذلك ، وملاحظة أنّ النصّ المذكور وارد على متعارف ذلك الزمان بلا شبهة.

وظاهر عبارة المصنّف أنّ الخيار في رفع الأعلى أو الأدنى ، وفي الخبر بالشاتين أو الدراهم إلى المالك ، كما قاله العلّامة في «الإرشاد» وغيره (٢) ، لا إلى العامل والفقير أصلا ، ولا بدّ من التأمّل في ذلك ، وأنّه ربّما لا يتيسّر لهما الجبران.

قوله : (قولان). إلى آخره.

المشهور ؛ عدم الجبران بل القيمة ، ونسب إلى الشيخ أنّ له قول بالجبران بأن يعطي مثلا : ابنة مخاض مع أربع شياه ، أو أربعين درهما (٣) ، ونسب ذلك إلى أبي الصلاح (٤).

والعلّامة في عدّة من كتبه احتجّ بأنّ بنت المخاض وأحد الأمرين مساو شرعا لبنت اللبون ، وبنت اللبون وأحدهما مساو للحقّة ، ومساوي المساوي مساو ، فيكون بنت المخاض مع أربع شياه ، أو أربعين درهما مساويا للحقّة (٥) ، وفيه تأمّل ظهر وجهه ممّا سبق.

__________________

(١) تذكرة الفقهاء : ٥ / ٧٠.

(٢) إرشاد الأذهان : ١ / ٢٨١ ، قواعد الأحكام : ٥٤.

(٣) نسب إليه في ذخيرة المعاد : ٤٣٨ ، لاحظ! المبسوط : ١ / ١٩٤ و ١٩٥.

(٤) نسب إليه في ذخيرة المعاد : ٤٣٨ ، لاحظ! الكافي في الفقه : ١٦٧.

(٥) منتهى المطلب : ١ / ٤٨٣ ط. ق ، نهاية الإحكام : ٢ / ٣٢٤ و ٣٣٦ ، قواعد الأحكام : ٥٣ و ٥٤ ، مختلف الشيعة : ٣ / ١٧٧ ، لاحظ! ذخيرة المعاد : ٤٣٨.

٣١٠

٢٣٠ ـ مفتاح

[نصاب الغلّات ووقت وجوبها]

لا شي‌ء فيما دون ثلاثمائة صاع من الغلّات ، وفيها فصاعدا العشر ، إن سقيت من السماء ، أو بجريان الماء ، أو بقربه منها بانجذاب العروق ، وإلّا فنصف العشر ، بإجماع العلماء كافّة والصحاح المستفيضة (١).

والضابط عدم توقّف ترقية (٢) الماء إلى الأرض على آلة من دولاب ونحوه وتوقّفه على ذلك ، ومع تساوي السقيين ثلاثة أرباع العشر ، وإلّا فالأغلب بالإجماع فيهما والحسن في الأخير (٣) ، وفي اعتبار الأغلبيّة بالأكثر عددا او زمانا أو نفعا أو نموّا أوجه ، والصاع قد علمته في مباحث الوضوء (٤).

ووقت الوجوب في الغلّتين انعقاد الحب ، وفي الثمرتين صيرورتهما حصرما وبسرا على قول (٥).

__________________

(١) لاحظ! وسائل الشيعة : ٩ / ١٧٥ و ١٨٢ الباب ١ و ٤ من أبواب زكاة الغلّات.

(٢) رقاه ترقية صعده. تاج العروس : ١٠ / ١٥٥ ط. ق.

(٣) وسائل الشيعة : ٩ / ١٨٧ الحديث ١١٨٠٢.

(٤) مفاتيح الشرائع : ١ / ٥٠.

(٥) البيان : ٢٩٧.

٣١١

وقيل : عنبا (١) ، وقيل زبيبا وتمرا (٢).

وفي الصحيح : «إذا أخرصه أخرج زكاته» (٣). وفيه : متى تجب على صاحبها؟ قال : «إذا صرم وإذا خرص» (٤).

وفيه : «ليس في النخل صدقة حتّى يبلغ خمسة أوساق ، والعنب مثل ذلك حتّى يبلغ خمسة أوساق زبيبا» (٥).

والأولى أن يبادر بالإخراج عقيب الصرم والخرص ، إلّا أن ينتظر المستحقّ أو الأفضل أو البسط فيعزل استحبابا ، وإن أخّر الأداء في الواجب من غير عذر ضمن ، إلّا أن ينتظر في الغلّتين التصفية وفي الثمرتين الزبيبيّة والتمريّة.

ويجوز الدفع على رءوس الأشجار ، كما دلّ عليه الحديث المذكور ، ويجوز الخرص على أصحاب النخيل والكروم وتضمينهم حصّة الفقراء ، لفعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٦) ولأنّ ارباب الثمار يحتاجون إلى الأكل والتصرّف في ثمارهم ، فلو لم يشرع الخرص لزم الضرر.

أمّا الزرع ؛ ففيه قولان من الاحتياج إلى الأكل منه قبل يبسه وتصفيته ، ومن أنّه نوع تخمين لم يثبت من الشارع ، ولأنّ الزرع قد يخفى خرصه لاستتار بعضه وتبدده ، ولندرة الحاجة إلى تناول الفريك (٧) بخلاف الرطب والعنب.

__________________

(١) لاحظ! البيان : ٢٩٧ ، مدارك الأحكام : ٥ / ١٣٧.

(٢) المعتبر : ٢ / ٥٣٤ ، مختلف الشيعة : ٣ / ١٨٦.

(٣) وسائل الشيعة : ٩ / ١٩٥ الحديث ١١٨١٨.

(٤) وسائل الشيعة : ٩ / ١٩٤ الحديث ١١٨١٧.

(٥) وسائل الشيعة : ٩ / ١٧٧ الحديث ١١٧٧٨ مع اختلاف يسير.

(٦) لاحظ! السنن الكبرى للبيهقي : ٤ / ١٢١ و ١٢٢.

(٧) الفريك كأمير : المفروك من الحبّ. تاج العروس : ٧ / ١٦٧.

٣١٢

قوله : (بإجماع العلماء كافّة).

هذا الإجماع نقله في «المنتهى» و «التذكرة» (١) ، ولا خفاء في كونه حقّا بالنسبة إلى علمائنا ، كما هو ظاهر على المطّلع المتتبّع.

قوله : (والصحاح المستفيضة). إلى آخره.

هي صحيحة زرارة عن الباقر عليه‌السلام قال : «ما أنبتت الأرض من الحنطة والشعير والتمر والزبيب ما بلغ خمسة أوساق ـ والوسق ستّون صاعا ، فذلك ثلاث مائة صاع ـ ففيه العشر ، وما كان منه يسقى بالرشا والدّوالي والنواضح ففيه نصف العشر ، وما سقت السماء أو السيح أو كان بعلا ففيه العشر تامّا ، وليس فيما دون الثلاث مائة صاع شي‌ء ، وليس فيما أنبتت الأرض شي‌ء إلّا في هذه الأربعة أشياء» (٢) إلى غير ذلك من الصحاح (٣).

والمعتبرة مثل معتبرة زرارة عن الباقر عليه‌السلام أيضا قال : «وأمّا ما أنبتت الأرض من شي‌ء [من الأشياء] فليس فيه زكاة إلّا في أربعة أشياء : البرّ والشعير والتمر والزبيب وليس في شي‌ء من هذه الأربعة الأشياء شي‌ء حتّى يبلغ خمسة أو ساق ، والوسق ستّون صاعا وهو ثلاث مأئة صاع بصاع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإن كان في كلّ صنف خمسة أوساق غير شي‌ء وإن قلّ فليس فيه شي‌ء. إلى أن قال : فإذا كان يعالج بالرشا والنضح والدلاء ففيه نصف العشر ، وإن كان يسقى بغير علاج بنهر أو

__________________

(١) منتهى المطلب : ١ / ٤٩٨ ط. ق ، تذكرة الفقهاء : ٥ / ١٥٠ المسألة ٨٧.

(٢) تهذيب الأحكام : ٤ / ١٣ الحديث ٣٤ ، وسائل الشيعة : ٩ / ١٧٦ الحديث ١١٧٧٦.

(٣) لاحظ! وسائل الشيعة : ٩ / ١٧٥ الباب ١ من أبواب زكاة الغلات.

٣١٣

غيره أو سماء ففيه العشر» (١) إلى غير ذلك من الأخبار المتضمّنة لما ذكر.

وإنّ ما سقي بالعذي أيضا فيه العشر ، ولعلّه ذكر بعض منها ، وسيذكر بعض آخر ، والسيح : الماء الجاري ، والبعل : النخل يشرب بعروقه فيستغني عن السقي ، والعذي بالتسكين الزرع [الذي] لا يسقيه إلّا ماء المطر ، جميع ما ذكر عن الجوهري (٢)

وفي بعض الأخبار ما سقي بالغيل ففيه العشر (٣) ، قال الجوهري : هو الماء الذي يجري على وجه الأرض (٤) ، وممّا فيه العشر ما يحصل من الريح ، أو الظل ، أو منهما ، ومن المطر ومثله.

قوله : (بالإجماع فيهما).

نقله في «المنتهى» (٥) ، وظاهر كونه حقّا.

قوله : (والحسن في الأخير).

أقول : هو صحيح ابن أبي عمير عن معاوية بن شريح ـ وهو حسن على المشهور ، وحقّقنا حاله في الرجال (٦) ، مضافا إلى أنّه له كتاب يرويه ابن أبي عمير عنه ، وهو ممّن أجمعت العصابة ، وممّن لا يروي إلّا عن الثقة إلى غير ذلك ممّا حقّقناه

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٤ / ١٩ الحديث ٥٠ ، وسائل الشيعة : ٩ / ١٧٧ الحديث ١١٧٧٩.

(٢) الصحاح : ١ / ٣٧٧ ، ٤ / ١٦٣٥ ، ٦ / ٢٤٢٣.

(٣) دعائم الإسلام : ١ / ٢٦٦ ، مستدرك الوسائل : ٧ / ٨٩ الحديث ٧٧٢٤.

(٤) الصحاح : ٥ / ١٧٨٧.

(٥) منتهى المطلب : ١ / ٤٩٨ ط. ق.

(٦) تعليقات على منهج المقال : ٣٣٦.

٣١٤

في الرجال (١) ، مع أنّ روايته هذه منجبرة باتّفاق الفتاوى ، بل الإجماع الواقعي ـ عن الصادق عليه‌السلام قال : «فيما سقت السماء والأنهار أو كان بعلا العشر ، وأمّا ما سقت السواني والدوالي فنصف العشر» فقلت له : فالأرض تكون عندنا تسقى بالدوالي ثمّ يزيد الماء وتسقى سيحا ، فقال : «إنّ ذا ليكون عندكم كذلك [؟]» قلت : نعم ، قال : «النصف والنصف ، نصف بنصف العشر ونصف بالعشر» فقلت : الأرض تسقى بالدوالي ثمّ يزيد الماء فتسقى السقية والسقيتين سيحا ، قال : «وكم تسقى السقية والسقيتان سيحا؟» قلت : في ثلاثين ليلة ، في أربعين ليلة ، وقد مكث قبل ذلك في الأرض ستّة أشهر ، سبعة أشهر ، قال : «نصف العشر» (٢).

ولا يخفى أنّ هذا النصّ يكون للأوّل والآخر جميعا واردا فيهما معا ، فلا وجه لقوله : والحسن للأخير.

ويؤيّد الأوّل أنّ اقتضاء الكلّ العشر ، أو نصف العشر يقتضي نصفه نصفهما ، كما هو الحال في غالب المقتضيات.

قوله : (وفي اعتبار). إلى آخره.

قيل : اعتبار الأوّل من جهة أنّ المئونة تكثر وتزيد بسببه ، ولعلّها الحكمة في اختلاف الواجب (٣).

وقيل : باحتمال الثاني (٤) نظرا إلى الرواية حيث قال فيها : «نصف العشر»

__________________

(١) تعليقات على منهج المقال : ٢٧٥.

(٢) الكافي : ٣ / ٥١٤ الحديث ٦ ، تهذيب الأحكام : ٤ / ١٦ الحديث ٤١ ، وسائل الشيعة : ٩ / ١٨٧ الحديث ١١٨٠٢.

(٣) مسالك الأفهام : ١ / ٣٩٥.

(٤) الحدائق الناضرة : ١٢ / ١٢٣.

٣١٥

ورتّبه على أغلبيّة الزمان من غير استفصال عن عدد السقيات.

واستقرب العلّامة في جملة من كتبه : الثالث بأنّ ظاهر النصّ أنّ النظر إلى مدّة عيش الزرع ونهايته ، أهو بأحدهما أكثر أم لا؟ (١).

أقول : مقتضى النصّ أنّ بعد تحقّق القسمين يكون الواجب ثلاثة أرباع ، إلّا أن يكون أحدهما في جنب الآخر نادرا ظاهرا واضحا ، فحينئذ يكون الحكم للغالب تنزيلا للنادر بمنزلة العدم ، وإلحاقا له به ، فما هو نادر عرفا يكون ملحقا بالمعدوم ، وتحقّق نادر يساوي نفعه نفع الغالب نادر جدّا ، وبعد فرضه لا يعدّ نادرا ، وغير معتدّ به على ما هو الظاهر من النصّ ، بل يكون غير النادر الظاهر.

وبالجملة ؛ سقي الغلّات على أقسام :

الأوّل : أن يكون مضرّا لها على تفاوت مراتب الضرر ، ربّما يكون الضرر في غاية العظم.

الثاني : أن لا يكون مضرّا ولا نافعا أصلا ، بل يكون عبثا بحتا ولغوا محضا.

الثالث : أن يكون فيه نفع ما ، لكنّ التكوّن والحصول والتعيّش والنماء من جهة اخرى ، مثال الكلّ أن يكون الحصول من انجذاب العروق أو السماء ، ومع ذلك تسقى بالدلاء أيضا سقيا مضرّا ، بل وربّما كان عظيم الضرر ، أو لا يضرّ ولا ينفع ، بل عبثا ولغوا ، أو يكون لهذا السقي نفع ما ، والتكوّن والحصول من انجذاب العروق مثلا.

وغير خفي ؛ أنّ السقي الوارد في الأخبار المتضمّنة لقولهم : ما سقت بكذا ففيه العشر ، ما سقت بكذا ففيه نصف العشر ، هو القسم الرابع بلا شبهة ، وكذلك الحال في كلام الفقهاء ، وهذا أمر لا يمكن أن يتأمّل فيه من له من الفهم نصيب ، ويكون ما

__________________

(١) تذكرة الفقهاء : ٥ / ١٥٣ المسألة ٨٨ ، قواعد الأحكام : ١ / ٥٥.

٣١٦

مثّلنا به فيه العشر.

وإن سقي في تمام الأزمنة بالدلاء أيضا ، ويكون مضرّا ، أو لغوا مستدركا ، أو يكون له نفع ما ، فما ظنّك إذا كان هذا السقي المضرّ ، أو اللغو العبث أكثر زمانا ، أو أكثر عددا؟

فإن قلت : الأمر بالنسبة إلى ملاحظة الأخبار المذكورة ، وكلام الأصحاب هو الذي ذكرت ، وأمّا بالنسبة إلى رواية معاوية بن شريح (١) المذكورة في المقام ، فلا نمنع ذلك.

قلت : لا شبهة في أنّ رواية معاوية هذه أيضا من جملة تلك الأخبار ، حيث قال في صدرها ما قال ، فبملاحظة ذلك يتعيّن فهم العلّامة وغيره ، إذ وافقه غير واحد (٢) على ما هو ببالي.

فمقتضى صدر الرواية أنّ ما حصل من السماء ، أو الأنهار ، أو البعل ، ففيه العشر ، وما حصل من مثل الدوالي والسواني ـ وهي الإبل التي تسقى بها ـ ففيه نصف العشر ، فسأله الراوي عمّا حصل من مجموع القسمين ، فأجاب بثلاثة أرباع من دون استفصال في كيفيّة التكوّن ، أهو منهما على السواء في العدد أو الزمان أو لا؟

فيستفاد من ذلك : كون الحصول من القسمين على سبيل الاعتداد ، فسأله الراوي عن الأخير بالنحو الذي سأله ، وهو أن يكون للأغلب زمانا وعددا هو السقي بالدلاء.

أمّا الأوّل ؛ فظاهر وأمّا الثاني فلقوله : «سقي بالدوالي» المفيد للاستمرار

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٩ / ١٨٧ الحديث ١١٨٠٢.

(٢) إيضاح الفوائد : ١ / ١٨٣ ، الدروس الشرعية : ١ / ٢٣٧ ، جامع المقاصد : ٣ / ٢٣.

٣١٧

التجدّدي ، وفي الطرف المقابل الواحد أو الاثنين ، فمع أنّه سأله بالنحو المذكور ، لم يجبه المعصوم عليه‌السلام باعتبار النصف.

فلو كانت الأغلبيّة الزمانيّة والعدديّة كافية ، لكان اللازم عليه الجواب باعتبار النصف ، ويترك الاستفصال ، ولم يجب المعصوم عليه‌السلام إلّا بعد ما استفصله حذرا من أنّ السؤال ربّما يكون بأغلبيّة الزمان أو العدد لو أجاب ولم يستفصل ، إذ بعض البلاد وإن كان السقي من السماء مرّة أو مرّتين ، إلّا أنّ هذا هو العمدة في الحصول والتكوّن ، أو يكون الحصول منه معتدّا به أيضا ، بحيث يظهر حصول الزرع منهما جميعا معتدّا به ، فلمّا ترك ما قاله بعد استفصاله ظهر أنّ السقي بالسيح ليس بنحو معتدّ به الزيادة في جنب السقي بالدلاء ، أن يكون من القسم الثالث أجاب بما أجاب.

هذا بحسب الرواية ؛ وأمّا كلام الأصحاب فأظهر ، وعلى فرض عدم صحّة فهم الفقهاء ، ففهم الاحتمالين الأخيرين بملاحظة ما ذكرنا ظاهر الفساد ، والاحتياط في أمثال المقام ممّا لا يترك.

واعلم! أنّه لا عبرة بالأمطار العاديّة في أيّام السنة ، إذ لو اعتبرت لم يبق ما يجب فيه نصف العشر فقط ، وهو واضح.

نعم ؛ لو اختير الزرع في موضع إذا أمطرت السماء ، ويبقى المطر فيه مدّة معتدّا بها يغني عن السقي بمثل الدولاب فيها فهو معتبر.

بل في كثير من البلاد يبلغ الزرع من مجرّد مطر أو مطرين من دون حاجة إلى سقي آخر أصلا ، وهو داخل في العذى وفيه العشر.

ويحتمل أن يكون ما يجب فيه خصوص نصف العشر ما لم تمطر عليه أمطار عظيمة النفع ، بأن لا تمطر عليه أصلا ، أو تمطر نادرا ، فتأمّل!

٣١٨

ثمّ اعلم! أنّه لو لم يعلم الأغلب ، فيحتمل إلحاقه بالمتساوي ، ولكن استخراجه من النصّ على حسب ما أشرنا إليه ، وهو اختيار «التذكرة» و «المنتهى» ومستقرب «البيان» (١).

ويعضده إطلاقات الأخبار الكثيرة (٢) التي لا تكاد تحصى.

ويحتمل العشر تغليبا لجانب الاحتياط ، وتحصيلا للبراءة اليقينيّة ، وهو منقول عن بعض العامّة (٣).

ويحتمل عدم وجوب أزيد من نصف العشر تمسّكا بالبراءة الأصليّة ، والأوّل أولى وأقرب ، فتأمّل جدّا!

قوله : (ووقت الوجوب). إلى آخره.

اعلم! أنّ المشهور عند فقهائنا أنّ وقت الوجوب في الغلّات بدوّ صلاحها ، وهو اشتداد الحبّ في الحنطة والشعير ، وانعقاد الحصرم في الكرم ، والاحمرار والاصفرار في ثمر النخل.

وعن المحقّق في «المعتبر» : أنّه تتعلّق الزكاة بها إذا صار الزرع حنطة وشعيرا ، والتمر تمرا وزبيبا ، ونسب الأوّل إلى الشيخ والجمهور (٤).

قال : وفائدة الخلاف أنّه لو تصرّف قبل صيرورته تمرا أو زبيبا لم يضمن ، وعلى قولهم يضمن (٥).

__________________

(١) تذكرة الفقهاء : ٥ / ١٥٢ المسألة ٨٨ ، منتهى المطلب : ١ / ٤٩٨ ط. ق ، البيان : ٢٩٦.

(٢) لاحظ! وسائل الشيعة : ٩ / ١٨٧ الباب ٦ من أبواب زكاة الغلّات.

(٣) المغني لابن قدامة : ٢ / ٢٩٨ الفصل ١٨٣٣.

(٤) لاحظ! المبسوط : ١ / ٢١٤.

(٥) المعتبر : ٢ / ٥٣٤.

٣١٩

أقول : الفائدة غير منحصرة فيما ذكر ، بل الفرق بينهما أوضح من أن يحتاج إلى ذكر هذه الفائدة وأمثالها ، وإلى ما ذكره ذهب في «الشرائع» ومختصره أيضا (١).

فما في «البيان» من أنّ ابن الجنيد والمحقّق اشترطا التسمية عنبا وتمرا (٢) ، لعلّه من سهو القلم ، إذ لم يعهد من المحقّق فتوى في المقام وغالب المقامات من غير كتبه الثلاثة ، مع أنّه لا وجه لترك ذكر فتواه في جميع كتبه الثلاثة المشهورة المعتبرة ، المعلوم على سبيل القطع كونها منه ، والتعرّض بما لم يعهد ، ولم يعرف أصلا ، والاقتصار عليه ، والاكتفاء به ، وجعل المذهب منحصرا في المشهور ، واشتراط التسمية عنبا وتمرا ، كما هو الظاهر منه.

فيه مع أنّه لم يعهد من ابن الجنيد أيضا ما ذكره ، ولم ينسبه أحد إليه ، والعلّامة في «المنتهى» أسند ـ ما اختاره المحقّق ـ في كتبه إلى ابن الجنيد ، وإلى بعض علمائنا ، وظاهر أنّ مراده منه المحقّق رحمه‌الله ، ثمّ قال : وكان والدي رحمه‌الله يذهب إلى هذا (٣).

وقال المحقّق الشيخ مفلح في شرحه على «الشرائع» بعد ما ذكر المذهب المشهور : وقال ابن الجنيد : إنّما يجب عند تسميته حنطة أو شعيرا أو تمرا أو زبيبا ، واختاره المصنّف لأصالة براءة الذمّة من الوجوب ، إلّا مع تحقّق السبب ، ولا يتعيّن قبل كونه تمرا ، لتعلّق الوجوب بما سمّي تمرا لا ما سمّي بسرا ، ثمّ قال : واحتجّ الباقون بأنّ البسر سمّي تمرا لغة ، والمرجع إلى اللغة لا إلى العرف (٤). إلى آخر ما قاله.

وممّا ذكره ظهر ما في كلام المصنّف من قوله : وقيل : عنبا وتمرا ، إذ لم يعهد

__________________

(١) شرائع الإسلام : ١ / ١٥٣ ، المختصر النافع : ٥٧.

(٢) البيان : ٢٩٧.

(٣) منتهى المطلب : ١ / ٤٩٩ ط. ق.

(٤) غاية المرام في شرح شرائع الإسلام : ١ / ٢٥١ و ٢٥٢.

٣٢٠