مصابيح الظلام - ج ٨

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

مصابيح الظلام - ج ٨

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الطبعة: ١
ISBN: 964-94422-7-6
ISBN الدورة:
964-94422-0-0

الصفحات: ٥٢٨

فاتحة الكتاب ، بخلاف المأموم والمنفرد ؛ فإنّهما يسبّحان في الأخيرتين أو مخيّران بين التسبيح والقراءة.

وبالجملة ؛ عرفت الحال في الأخيرتين خلف الإمام وأنّ حال المأموم فيهما حال المنفرد بل الإمام أيضا ، فلا يحتاج إلى التطويل في المقام ، فعرفت الحال في صحيحة زرارة عن الباقر عليه‌السلام قال : «إن كنت خلف إمام فلا تقرأنّ شيئا في الأوّلتين وأنصت لقراءته» (١).

قوله : (أمّا غير المرضي). إلى آخره.

لا ريب في وجوب القراءة خلفه ؛ لانتفاء القدوة ، وكونه منفردا في نفس الأمر وإن تابعه ظاهرا.

وورد في ذلك أخبار كثيرة ، وورد في أخبار كثيرة فضيلة الصلاة معهم تقيّة ، وأنّ المصلّي معهم كالشاهر سيفه في سبيل الله (٢) ، وأنّه كمن صلّى خلف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأنّه يغفر له بعدد من خالفه (٣) ، إلى غير ذلك ، لكن يجب مراعاة التقيّة البتّة ، بأن لا يجهر بالقراءة في الجهريّة ؛ لما دلّ على وجوب التقيّة.

ولصحيحة علي بن يقطين قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الرجل يصلّي خلف من لا يقتدي بصلاته والإمام يجهر بالقراءة ، فقال : «اقرأ لنفسك وإن لم تسمع نفسك فلا بأس» (٤).

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٥٦ الحديث ١١٦٠ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٣٥٥ الحديث ١٠٨٨٦.

(٢) تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٧٧ الحديث ٨٠٩ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٣٠١ الحديث ١٠٧٢٣.

(٣) وسائل الشيعة : ٨ / ٢٩٩ الباب ٥ من أبواب صلاة الجماعة.

(٤) تهذيب الأحكام : ٣ / ٣٦ الحديث ١٢٩ ، الاستبصار : ١ / ٤٣٠ الحديث ١٦٦٣ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٣٦٣ الحديث ١٠٩١١.

٣٦١

فظهر منها أنّه لا يجب إسماع النفس أيضا ، ووجهه ظاهر ؛ لأنّ بإسماع النفس يظهر على القريب منه أنّه يقرأ لنفسه ، فيخالف التقيّة.

فظهر أيضا أنّه لو لم يتمكّن من قراءة السورة بالمرّة يسقط عنه وجوب قراءتها ، بل يحرم عليه أيضا.

وفي «المدارك» ادّعى الإجماع على إجزاء الفاتحة حينئذ (١) ، وفي غير واحد من الأخبار الضعيفة إجزاء الحمد وحده.

وفي صحيحة محمّد بن عذافر ، عن الصادق عليه‌السلام قال : سألته عن دخولي مع من أقرأ خلفه في الركعة الثانية ، فيركع عند فراغي من قراءة أمّ الكتاب ، فقال : «تقرأ في الاخراوين كي تكون قد قرأت في ركعتين» (٢).

فظهر ممّا ذكرنا جواز الاكتفاء بالركوع معهم من دون درك قراءة أصلا إذا لم يدرك ، كما قطع به في «التهذيب» ؛ لرواية إسحاق بن عمّار أنّه قال للصادق عليه‌السلام : إنّي أدخل المسجد فأجد الإمام قد ركع وقد ركع القوم فلا يمكنني أن اؤذّن واقيم واكبّر ، فقال لي : «فإذا كان كذلك فادخل معهم في الركعة واعتدّ بها فإنّها من أفضل ركعاتك» ، قال إسحاق : فلمّا سمعت أذان المغرب وأنا على باب بيتي قاعد قلت للغلام : انظر اقيمت الصلاة؟ فجاءني فقال : نعم ، فقمت مبادرا فدخلت المسجد فوجدت الناس قد ركعوا ، فركعت مع أوّل صفّ أدركت واعتددت بها ثمّ صلّيت بعد الانصراف أربع ركعات ثمّ انصرفت ، فإذا خمسة أو ستّة من جيراني قد قاموا إليّ من المخزوميين والامويّين فأقعدوني ، ثمّ قالوا : يا أبا هاشم! جزاك الله عن نفسك خيرا فقد والله رأينا خلاف ما ظننّا بك ، وما قيل فيك ، فقلت : وأيّ شي‌ء

__________________

(١) مدارك الأحكام : ٤ / ٣٢٥.

(٢) تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٩٦ الحديث ١١٩٤ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٣٦٣ الحديث ١٠٩١٣.

٣٦٢

[ذلك]؟ قالوا : اتّبعناك حين قمت إلى الصلاة ونحن نرى أنّك لا تقتدي بالصلاة معنا ، فقد وجدناك قد اعتددت بالصلاة معنا وصلّيت بصلاتنا ، فرضي الله عنك وجزاك خيرا ، قال : فقلت لهم : سبحان الله! ألمثلي يقال هذا؟ قال : فعلمت أنّ أبا عبد الله عليه‌السلام لم يأمرني إلّا وهو يخاف عليّ هذا وشبهه (١).

والرواية واضحة المتن ، موافقة للأدلّة الكثيرة الواضحة في وجوب التقيّة ولزوم مراعاتها.

وبالجملة ؛ لا شكّ في وجوب الصلاة كذلك إذا اقتضاه التقيّة ، إلّا أنّ الشأن في الاكتفاء بها في صورة التمكّن من إعادتها في الوقت ، بحيث لا تنافي التقيّة أصلا ورأسا وبوجه من الوجوه ؛ إذ مع منافاة الإعادة لها لا شبهة في عدم وجوب الإعادة ، وظاهر رواية إسحاق عدم وجوب الإعادة مطلقا.

وكذا رواية أحمد بن عائذ عن أبي الحسن عليه‌السلام قال له : إنّي أدخل مع هؤلاء في صلاة المغرب فيعجلوني إلى ما أن اؤذّن واقيم ، فلا أقرأ شيئا حتّى إذا ركعوا فأركع معهم أفيجزيني ذلك؟ قال : «نعم» (٢).

لكن الأحوط لو لم نقل بكونها أقوى ، إلّا أن يخاف الانجرار إلى خلاف التقيّة.

وورد في غير واحد من الأخبار ، الصلاة في البيت ثمّ الخروج إليهم وإعادتها معهم (٣).

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٣ / ٣٨ الحديث ١٣٣ ، الاستبصار : ١ / ٤٣١ الحديث ١٦٦٦ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٣٦٨ الحديث ١٠٩٢٥ مع اختلاف يسير.

(٢) تهذيب الأحكام : ٣ / ٣٧ الحديث ١٣١ ، الاستبصار : ١ / ٤٣١ الحديث ١٦٦٤ ، مستدرك الوسائل : ٦ / ٤٨٣ الحديث ٧٣١٦ مع اختلاف يسير.

(٣) لاحظ! وسائل الشيعة : ٨ / ٣٠٢ الباب ٦ من أبواب صلاة الجماعة.

٣٦٣

وفي بعضها : «كذلك أصنع أنا» قاله الباقر عليه‌السلام في صلاة الجمعة (١).

وفي غير واحد منها : أنّ من فعل كذلك كتب الله له بها خمسا وعشرين درجة (٢).

وفي بعضها صرّح (٣) : «خرج بحسناتهم» (٤).

وفي اخرى أنّ «الذي يصلّي في بيته يضاعفه الله له ضعفي أجر الجماعة تكون له خمسين درجة ، والذي يصلّي مع جيرته له [يكتب الله له] أجر من صلّى خلف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويدخل معهم في صلاتهم ، فيخلف عليهم ذنوبه ويخرج بحسناتهم» (٥). إلى غير ذلك ممّا ورد.

قوله : (في المعتبرة).

أقول : وإن كان المستفاد من بعضها كفاية هذا الاستماع عن قراءته ، وأنّه يجزيه هذه الصلاة وإن لم يقرأ فيها ، إلّا أنّه محمول على التقيّة والاتّقاء بلا خلاف (٦) ، وأنّ اللازم قراءة الحمد والسورة جميعا ، وأنّه إن لم يمكنه قراءة السورة يكفيه قراءة الحمد ، كما عرفت.

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٤٦ الحديث ٦٧١ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٣٥٠ الحديث ٩٥٤٩.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٦٥ الحديث ١٢١٠ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٣٠٢ الحديث ١٠٧٢٩.

(٣) لم ترد في (د ١) و (ك) : صرّح.

(٤) الكافي : ٣ / ٣٨٠ الحديث ٨ ، من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٦٥ الحديث ١٢٠٩ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٧٠ الحديث ٧٧٨ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٣٠٤ الحديث ١٠٧٣٦.

(٥) تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٧٣ الحديث ٧٨٩ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٣٠٣ الحديث ١٠٧٣٣.

(٦) في (ك) و (د ١ ، ٢) : خفاء.

٣٦٤

١٨٤ ـ مفتاح

[اشتراط التوافق بين صلاة الإمام والمأموم]

ومن الشرائط أن يتوافق نظم الصلاتين في الأفعال ، فلا يقتدي في اليوميّة مع الكسوف والعيد ولا العكس ؛ لعدم إمكان المتابعة.

أمّا في عدد الركعات فلا ؛ للصحاح المستفيضة (١). وكذا في النوع والصنف ، فيجوز اقتداء المفترض بالمتنفّل وبالعكس ، وفي كلّ من الخمس مع الاخرى ، وفاقا للمشهور للصحاح (٢).

وتفصيل الصدوق في الظهرين (٣) شاذّ ، وكذا منع والده عن ائتمام المتمّم بالمقصّر وبالعكس (٤) ، ويدفعه الصحاح الصراح (٥). نعم يكره ذلك للموثّق (٦).

__________________

(١) لاحظ! وسائل الشيعة : ٨ / ٣٢٩ الباب ١٨ من أبواب صلاة الجماعة.

(٢) لاحظ! وسائل الشيعة : ٨ / ٣٩٨ الباب ٥٣ من أبواب صلاة الجماعة.

(٣) قال رحمه‌الله : لا بأس أن يصلّي الرجل الظهر خلف من يصلّي العصر ولا يصلّي العصر خلف من يصلّي الظهر ، إلّا أن يتوهّمها العصر فيصلّي معه العصر ، ثمّ يعلم أنّها كانت الظهر ، فيجزئ عنه ولم نجد مستنده «منه رحمه‌الله». [لاحظ! من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٣٣ ذيل الحديث ١٠٣٠].

(٤) نقل عن والد الصدوق في مختلف الشيعة : ٣ / ٦٢.

(٥) وسائل الشيعة : ٨ / ٣٢٩ الحديث ١٠٨١١ و ١٠٨١٣ ، ٤٠٠ الحديث ١١٠١٠.

(٦) وسائل الشيعة : ٨ / ٣٣٠ الحديث ١٠٨١٥.

٣٦٥

وأن يستمرّ الاقتداء من الابتداء إلى الانتهاء إلّا لعذر ، كما مرّ في مباحث النيّة (١).

__________________

(١) مفاتيح الشرائع : ١ / ١٢٤.

٣٦٦

قوله : (ومن الشرائط). إلى آخره.

اشتراط توافق النظم بديهي المذهب ، مع عدم إمكان المتابعة التي هي مأخوذة في الجماعة على حسب ما عرفت.

وأمّا عدم اشتراط غيره ، ممّا ذكره ، ففي «المنتهى» ادّعى الإجماع على جواز اقتداء المفترض بالمفترض ، وإن اختلف الفرضان (١).

وفي «التذكرة» قال : لا يشترط اتّحاد الصلاتين نوعا ولا صنفا ، فللمفترض أن يصلّي خلف المتنفّل وبالعكس ، ومن يصلّي الظهر خلف من يصلّي البواقي وبالعكس ، سواء اختلف العدد ، أو اتّفق عند علمائنا (٢) ، انتهى.

ويدلّ عليه أيضا ما في الصحيح عن حمّاد بن عثمان ، عن الصادق عليه‌السلام : عن رجل إمام قوم يصلّي العصر وهي لهم الظهر ، قال : «أجزأت عنه وأجزأت عنهم» (٣).

وحسنة الحلبي عنه عليه‌السلام : عن رجل أمّ قوما في العصر فذكر وهو يصلّي بهم أنّه لم يكن صلّى الاولى ، قال : «فليجعلها الاولى التي فاتته ويستأنف بعد صلاة العصر وقد قضى القوم صلاتهم» (٤).

وصحيحة ابن مسلم عن الباقر عليه‌السلام قال : «إذا صلّى المسافر خلف قوم

__________________

(١) منتهى المطلب : ٦ / ١٨٩.

(٢) تذكرة الفقهاء : ٤ / ٢٧٢ و ٢٧٣ المسألة ٥٥٨.

(٣) تهذيب الأحكام : ٣ / ٤٩ الحديث ١٧٢ ، الاستبصار : ١ / ٤٣٩ الحديث ١٦٩١ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٣٩٨ الحديث ١١٠٠٥.

(٤) الكافي : ٣ / ٢٩٤ الحديث ٧ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ١٩٧ الحديث ٧٧٧ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٢٩٢ الحديث ٥١٨٩ مع اختلاف يسير.

٣٦٧

حضور فليتمّ صلاته ركعتين ويسلّم ، فإن صلّى معهم الظهر فليجعل الأوّلتين الظهر والأخيرتين العصر» (١) ، بل جواز اقتداء كلّ من المسافر والحاضر الآخر مطلقا ـ كما سنذكر ـ دليل واضح لانحصار المخالف في الصدوقين (٢).

ويدلّ عليه أيضا كصحيحة أبي بصير قال : سألته عن رجل صلّى مع قوم وهو يرى أنّها الاولى وكانت العصر ، قال : «فليجعلها الاولى وليصلّ العصر» (٣).

فما في «الكافي» من قوله : وفي حديث آخر : «فإن علم أنّهم في صلاة العصر ، ولم يكن صلّى الاولى ، فلا يدخل معهم» (٤) مؤوّل بكون المراد من الدخول المنهي عنه الدخول بقصد العصر ، أو شاذّ يجب طرحه ، والمراد من المتنفّل الفريضة المعادة مثلا ؛ لما عرفت من عدم جواز الجماعة في النوافل (٥).

قوله : (وتفصيل الصدوق). إلى آخره.

قال في باب أحكام السهو في الصلاة من «الفقيه» : لا بأس أن يصلّي الرجل الظهر خلف من يصلّي العصر ، ولا يصلّي العصر خلف من يصلّي الظهر ، إلّا أن يتوهّمها العصر فيصلّي معه العصر ثمّ يعلم أنّها كانت الظهر فيجزئ عنه (٦).

قال في «الذكرى» : لا نعلم مأخذه ، إلّا أن يكون نظره إلى أنّ العصر لا يصحّ إلّا بعد الظهر فإذا صلّاها خلف من يصلّي الظهر فكأنّه قد صلّى العصر مع الظهر مع

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٨٧ الحديث ١٣٠٨ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٤٠٠ الحديث ١١٠١٠.

(٢) نقل عن والد الصدوق في مختلف الشيعة : ٣ / ٦٢ ، من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٣٣ ذيل الحديث ١٠٣٠.

(٣) الكافي : ٣ / ٣٨٣ الحديث ١٢ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٧٢ الحديث ٧٨٣ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٣٩٩ الحديث ١١٠٠٨.

(٤) الكافي : ٣ / ٣٨٤ الحديث ١٢ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٤٠٠ الحديث ١١٠٠٩.

(٥) راجع! الصفحة : ٢٥٧ من هذا الكتاب.

(٦) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٣٣ ذيل الحديث ١٠٣٠ مع اختلاف يسير.

٣٦٨

أنّها بعدها ، وهو خيال ضعيف ؛ لأنّ عصر المصلّي مترتّبة على ظهر نفسه لا ظهر إمامه (١).

أقول : غير خفي أنّه ليس خياله ؛ لعدم منعه عن اقتداء العشاء بالمغرب ، مع جريان الخيال في ذلك بلا تفاوت أصلا ، مع أنّه لو كان ذلك خياله لزمه منع الاقتداء في الظهر بالعصر والمغرب بالعشاء ، وغير ذلك ممّا قال الصدوق بصحّته.

وربّما استدلّ له بصحيحة علي بن جعفر أنّه سأل أخاه موسى عليه‌السلام عن إمام كان في الظهر فقامت امرأة بحياله تصلّي معه وهي تحسب أنّها العصر ، هل يفسد ذلك على القوم؟ وما حال المرأة في صلاتها معهم وقد كانت صلّت الظهر؟ قال : «لا يفسد ذلك على القوم وتعيد المرأة صلاتها» (٢).

وهو غير جيّد ؛ لأنّ مدلول الرواية مناف لما ذكره الصدوق ، فكيف يكون دليله؟!

ومع ذلك لا يمكن الاستدلال بها على المنع ، من الائتمام في صلاة العصر بمن صلّى الظهر ؛ لعدم ظهور أنّ منشأ أمره عليه‌السلام بإعادة المرأة صلاتها هو كون اقتدائها في صلاة العصر بمن صلّى الظهر ؛ إذ لعلّه من جهة وقوفها قدّام المأمومين ، أو محاذيا للإمام في الجماعة ، أو كليهما على ما يومئ إليه ذكر قيامها بحيال الإمام في السؤال ، وأنّه هل يفسد ذلك على القوم؟

وسيجي‌ء عدم جواز وقوف المرأة محاذية للإمام ، وأنّ اللازم وقوفها متأخّرة عنه.

وبالجملة ؛ مطلقات الأخبار وعموماتها (٣) ، وخصوص ما ورد من أنّ

__________________

(١) ذكرى الشيعة : ٤ / ٣٨٤.

(٢) تهذيب الأحكام : ٣ / ٤٩ الحديث ١٧٣ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٣٩٩ الحديث ١١٠٠٦.

(٣) وسائل الشيعة : ٨ / ٣٩٨ الباب ٥٣ من أبواب صلاة الجماعة.

٣٦٩

المسافر يصلّي خلف المقيم في الرباعيّة ويقتدي فيها ، ويجعل الأوّلتين الظهر والأخيرتين العصر ، أدلّة واضحة على فساد التفصيل الذي ذكره.

بل كلامه في «الفقيه» في باب الجماعة موافق للأصحاب ، حيث أتى بالإطلاقات والعمومات والخصوص الذي ذكرناه ، وصرّح بأنّه صحيح (١) ـ كما لا يخفى على الملاحظ ـ فإذا صحّ ذلك ، مع أنّه صلاة قصر خلف المتمّ ، وخلف من يصلّي خصوص الركعتين الأخيرتين اللتين لا قراءة فيهما من الظهر ، فلعلّ صحّة غيره بطريق أولى ، فتأمّل جدّا!

فلعلّه لهذا ادّعى إجماع جميع علمائنا على الجواز (٢) ، وأنّ المخالف منحصر في بعض المخالفين (٣) ، فلعلّ المدّعي بنى على أنّ ما ذكره أوّلا من جملة الآداب والمستحبّات ، أو أنّه تغيّر رأيه.

وكيف كان ؛ لا عبرة بمخالفته أصلا لو كان مخالفا.

قوله : (وكذا منع). إلى آخره.

المشهور جواز اقتداء الحاضر بالمسافر وبالعكس.

بل ظاهر المحقّق في «المعتبر» ، والعلّامة في جملة من كتبه أنّه موضع وفاق (٤) ، ونقل عن علي بن بابويه أنّه لا يجوز إمامة المتمّ للمقصّر ولا العكس (٥).

ويدلّ على المشهور ، مضافا إلى الإطلاقات والعمومات (٦) ، صحيحة

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٦٠ الحديث ١١٨٣.

(٢) منتهى المطلب : ٦ / ١٨٩.

(٣) لاحظ! الفقه على المذاهب الأربعة : ١ / ٤٢٦.

(٤) المعتبر : ٢ / ٤٤١ ، تذكرة الفقهاء : ٤ / ٣٠١ ، منتهى المطلب : ٦ / ٢٢٧.

(٥) نقل عن علي بن بابويه في مختلف الشيعة : ٣ / ٦٢.

(٦) وسائل الشيعة : ٨ / ٣٢٩ الباب ١٨ من أبواب صلاة الجماعة.

٣٧٠

ابن مسلم السابقة عن الباقر عليه‌السلام (١).

وصحيحة ابن مسكان والأحول عن الصادق عليه‌السلام قال : «إذا دخل المسافر مع أقوام حاضرين في صلاتهم ، فإن كانت الاولى فليجعل الفريضة في الركعتين الأوّلتين ، وإن كانت العصر فليجعل الأوّلتين نافلة والأخيرتين فريضة» (٢).

وصحيحة حمّاد عن الصادق عليه‌السلام في المسافر يصلّي خلف المقيم ، قال : «يصلّي ركعتين ويمضي حيث شاء» (٣). إلى غير ذلك من أخبار معتبرة كثيرة.

والمشهور الكراهة أيضا ؛ لصحيحة البزنطي عن داود بن الحصين ، عن البقباق ، عن الصادق عليه‌السلام قال : «لا يؤمّ الحضري المسافر ولا المسافر الحضري ، فإذا ابتلي بشي‌ء من ذلك فأمّ قوما حاضرين ، فإذا أتمّ الركعتين سلّم ثمّ أخذ بيد بعضهم فقدّمه فأمّهم. فإذا صلّى المسافر خلف قوم حضور فليتمّ صلاته ركعتين ويسلّم ، وإن صلّى معهم الظهر فليجعل الأوّلتين الظهر والأخيرتين العصر» (٤).

وهذه الرواية لا تقصر عن الصحيحة ؛ لكون البزنطي ممّن أجمعت العصابة وممّن لا يروي إلّا عن الثقة (٥) ، وكون داود ثقة وثّقه النجاشي (٦) ، وأنّ له كتابا يرويه عدّة من أصحابنا ، فلا يعارضه ما قال الشيخ وابن عقدة من كونه واقفيّا (٧) ؛

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٨ / ٤٠٠ الحديث ١١٠١٠.

(٢) تهذيب الأحكام : ٣ / ١٦٥ الحديث ٣٦٠ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٣٢٩ الحديث ١٠٨١٣.

(٣) الكافي : ٣ / ٤٣٩ الحديث ١ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ١٦٥ الحديث ٣٥٧ ، الاستبصار : ١ / ٤٢٥ الحديث ١٦٤١ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٣٢٩ الحديث ١٠٨١١.

(٤) تهذيب الأحكام : ٣ / ١٦٤ الحديث ٣٥٥ ، الاستبصار : ١ / ٤٢٦ الحديث ١٦٤٣ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٣٣٠ الحديث ١٠٨١٥ مع اختلاف يسير.

(٥) رجال الكشي : ٢ / ٨٣١ الرقم ١٠٥٠.

(٦) رجال النجاشي : ١٥٩ الرقم ٤٢١.

(٧) رجال الطوسي : ٣٤٩.

٣٧١

لأنّ النجاشي أبصر وأعرف وأمهر ، مضافا إلى ما عرفته من مؤيّداته ، ومنها أنّه يروي عن داود المذكور صفوان بن يحيى ، وهو مثل البزنطي في جميع ما ذكر (١) ، ويروي عنه جعفر بن بشير ، وهو ممّن يروي عن الثقات ويروون عنه (٢).

مع أنّ هذه الرواية رواها في «الفقيه» مفتيا بها ، وقال في أوّله ما قال ، مع أنّ الذي قاله الشيخ ربّما كان عن ابن عقدة ، وغير بعيد هذا الاحتمال عند الماهر في الرجال ، وابن عقدة زيدي جارودي.

ومع جميع ذلك السند منجبر بفتوى الأصحاب ، فلو كان ضعيفا يكون حجّة ، فما ظنّك بمثل الرواية المذكورة؟!

ويظهر من الأدلّة المذكورة والفتاوى رجحان الجماعة المذكورة ، بحيث لا يعارضه الكراهة المذكورة أصلا ، فلعلّ الكراهة في صورة تيسّر الجماعة الخالية عن هذه الكراهة ، والرجحان ذاتي ، والمرجوحيّة إضافيّة ، ولا تضادّ بينها ، كما حقّقنا الحال في أمثال ذلك في «الفوائد الحائريّة» وغيرها (٣).

قوله : (وأن يستمر). إلى آخره.

اعلم! أنّ في كلام الفاضلين أنّه لا يجوز للمأموم مفارقة الإمام لغير عذر ، فإن نوى الانفراد جاز (٤) ، انتهى.

أمّا عدم جواز المفارقة مع قصد الاقتداء والبناء عليه ، فقد ثبت ممّا مرّ من وجوب المتابعة.

__________________

(١) رجال الكشّي : ٢ / ٨٣٠ الرقم ١٠٥٠.

(٢) رجال النجاشي : ١١٩ الرقم ٣٠٤ ، جامع الرواة : ١ / ١٥٠.

(٣) الفوائد الحائريّة : ١٧٠ الفائدة ١٤ ، الرسائل الاصوليّة : ٢٣٨.

(٤) شرائع الإسلام : ١ / ١٢٦ ، قواعد الأحكام : ١ / ٤٦ و ٤٧.

٣٧٢

وأمّا جواز المفارقة حينئذ لعذر ، فمثل ما ورد من أنّ المأموم المسبوق يفارق الإمام في إتيانه بتشهّده ، إذا كان موضع تشهّده وليس موضع تشهّد الإمام فيتشهّد ويلحق الإمام.

وكذلك الحال في قنوته ، وكذلك لو ترك فعلا من أفعال الصلاة مع الإمام غفلة فتذكّر ، والإمام دخل في أفعال اخر ، فإنّه يفارقه بأن يشتغل في تدارك ما تركه معه ثمّ يلحقه ، كما أشرنا إليه فيما سبق (١).

فالمراد من العذر خصوص المواضع التي ورد من الشرع جواز مفارقته حينئذ بالنحو الذي ورد ، ومقتضى وجوب المتابعة أنّ المأموم يأتي بالامور المذكورة في غاية الاستعجال والسرعة حسب ما تيسّر ويلحق الإمام ، ومقتضى ما ذكر عدم جواز التسليم قبل الإمام إلّا لعذر ، وستعرف حاله.

وأمّا أنّه يجوز للمأموم العدول عن الاقتداء إلى الانفراد في أثناء الصلاة مطلقا ، من دون توقّف على عذر أصلا ـ كما هو مقتضى كلامهما ـ فقد نقل العلّامة في «النهاية» و «التذكرة» على ذلك الإجماع (٢) ، وفي «المدارك» : هو المعروف من مذهب الأصحاب (٣) ، انتهى.

ولم يظهر لي ذلك سوى الإجماع المنقول ، والظاهر من «الدروس» منع ذلك ؛ حيث لم يشر إلى ذلك في مبحث الجماعة أصلا ، بل قال : ويجوز التسليم قبل الإمام لعذر فينوي الانفراد (٤). إلى آخر ما ذكره ، فلاحظ مجموع ما ذكره فيه.

__________________

(١) راجع! الصفحة : ٣٢٦ و ٣٢٧ من هذا الكتاب.

(٢) نهاية الإحكام : ٢ / ١٢٨ ، تذكرة الفقهاء : ٤ / ٢٦٩ و ٢٧٠ المسألة ٥٥٧.

(٣) مدارك الأحكام : ٤ / ٣٧٧.

(٤) الدروس الشرعيّة : ١ / ٢٢٤.

٣٧٣

والظاهر من الشيخ في «النهاية» أيضا عدم تجويزه (١) ، بل في «المبسوط» صرّح بأنّ من فارق الإمام لغير عذر بطلت صلاته ، وإن فارقه لعذر وتمّم صحّت صلاته (٢).

والصدوق لو كان يجوّز ذلك لكان يذكره في «الفقيه» الذي صنّفه لمن لا يحضره الفقيه ، بل ربّما يظهر من التأمّل فيما ذكره فيه عدم تجويزه له ، وعدم رضاه به.

فلاحظ وتأمّل فإنّه روى عن علي بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه‌السلام وسأله : عن إمام أحدث فانصرف ولم يقدّم أحدا ، ما حال القوم؟ قال : «لا صلاة لهم إلّا بإمام فليقدّم بعضهم ، وليتمّ بهم ما بقي منها ، وقد تمّت صلاتهم» (٣).

ولا يخفى ظهورها في عدم جواز العدول من غير عذر.

وكذلك روى عن الحلبي ، عن الصادق عليه‌السلام : عن رجل أمّ قوما وصلّى بهم ركعة ثمّ مات ، قال : «يقدّمون رجلا آخر فيعتدّ بالركعة ..» (٤).

ولا يخفى ظهورها (٥) أيضا ، بل ذكر أمثال هذه الرواية ، بل نقل عن أبيه في رسالته إليه ما يظهر منه انحصار صحّة صلاة المأمومين في تقديم من يصلّي بهم بقيّة صلاتهم إذا عرض ما يمنع الإمام الأوّل.

__________________

(١) النهاية للشيخ الطوسي : ١١٨.

(٢) المبسوط : ١ / ١٥٧.

(٣) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٦٢ الحديث ١١٩٦ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٨٣ الحديث ٨٤٣ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٤٢٦ الحديث ١١٠٨٢ مع اختلاف يسير.

(٤) الكافي : ٣ / ٣٨٣ الحديث ٩ ، من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٦٢ الحديث ١١٩٧ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ٤٣ الحديث ١٤٨ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٣٨٠ الحديث ١٠٩٥٧ مع اختلاف يسير.

(٥) في (د ١) : ظهور هذه.

٣٧٤

بل روى عن علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام فيمن كان خلف إمام يطوّل في التشهّد فيأخذه البول أو يعرض له وجع ، أو يخاف على شي‌ء أنّه قال : يسلّم وينصرف (١).

ولم يظهر له أنّه يجوز له العدول إلى الانفراد مطلقا ، فما السبب في التضييق على نفسه؟

وروى أيضا عن داود بن الحصين عنه عليه‌السلام أنّه قال : «لا يؤمّ الحضري المسافر ، ولا المسافر الحضري ، فإن ابتلي [بشي‌ء من ذلك] فأمّ قوما حاضرين ، فإذا أتمّ ركعتين سلّم ، ثمّ أخذ بيد أحدهم فقدّمه فأمّهم» (٢) ، ولا يخفى ظهورها أيضا.

وبالجملة ؛ لو كان جائزا عنده العدول المذكور ، لكان اللازم عليه أن يذكر ذلك لمن لا يحضره الفقيه ، فضلا أن لا يشير إليه أصلا ، ويذكر ما هو ظاهر في خلافه من امور كثيرة ، ولا ينبّه على توجيه أصلا.

ومن جملة ما دلّ على عدم جواز ذلك العدول ، وأورده في «الفقيه» ما سنذكر.

فظهر أنّ الشيخ أيضا حاله حال الصدوق ؛ لأنّه أيضا فعل ما فعله الصدوق ، بل وربّما زاد عليه ، وكذا الكلام في «الكافي».

ولعلّ الإجماع الذي ادّعاه العلّامة بناؤه على غاية وضوح كون الجماعة

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٦١ الحديث ١١٩١ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٤٩ الحديث ١٤٤٦ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٤١٣ الحديث ١١٠٤٧ نقل المعنى.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٥٩ الحديث ١١٨٠ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ١٦٤ الحديث ٣٥٥ ، الاستبصار : ١ / ٤٢٦ الحديث ١٦٤٣ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٣٣٠ الحديث ١٠٨١٥ مع اختلاف يسير.

٣٧٥

مستحبّة عند الشيعة (١) ، فيكون خروجها عن ماهيّة الصلاة في غاية الوضوح مع استحبابها.

ومن البديهيّات أنّ المستحبّ رفعه لا ضرر فيه أصلا ، ورفع اليد عنه لا حزازة فيه مطلقا ، وإلّا لكان شرطا من شرائط صحّة الصلاة ، وهو خلاف المفروض ، ولذا ذكر ما ذكرنا عنه في مسألة من تقدّم على الإمام في أفعال الصلاة عمدا من المأمومين (٢) ، بل في المقام احتجّ بأنّ الائتمام إنّما يفيد الفضيلة ، فتبطل هي بفواته دون الصحة ، وبأنّ الجماعة ليست واجبة ابتداء ، فكذا استدامة ، وبأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلّى بطائفة يوم ذات الرقاع ركعة ، ثمّ خرجت من صلاته وأتمّت منفردة (٣).

وبصحيحة أبي المغراء عن الصادق عليه‌السلام : في الرجل يصلّي خلف الإمام فيسلّم قبل الإمام ، قال : «ليس بذلك بأس» (٤).

وبصحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام التي ذكرناها عن «الفقيه» في تسليم المأموم قبل الإمام (٥) ، للأعذار المذكورة فيها (٦).

فإذا كانت الامور المذكورة مستند إجماعه فلا غرو في دعواه الإجماع المذكور.

__________________

(١) نهاية الإحكام : ٢ / ١٢٨ ، تذكرة الفقهاء : ٤ / ٢٦٩ المسألة ٥٥٧.

(٢) راجع! الصفحة : ٣٥٠ و ٣٥١ من هذا الكتاب.

(٣) الكافي : ٣ / ٤٥٦ الحديث ٢ ، من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٩٣ الحديث ١٣٣٧ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ١٧٢ الحديث ٣٨٠ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٤٣٥ الحديث ١١٠٩٨.

(٤) تهذيب الأحكام : ٣ / ٥٥ الحديث ١٨٩ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٤١٤ الحديث ١١٠٤٩.

(٥) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٦١ الحديث ١١٩١.

(٦) نهاية الإحكام : ٢ / ١٢٨ ، تذكرة الفقهاء : ٤ / ٢٧٠ و ٢٧١ المسألة ٥٥٧.

٣٧٦

ولا يخفى فساد هذه المستندات ، سواء كانت للإجماع المنقول أو لنفس المسألة ؛ لأنّ كون الجماعة مستحبّة أمر على حدة ، وترك المأموم القراءة الواجبة وزيادته الركوع والسجود وغيرهما ممّا مرّ أمر على حدة.

فإن أردت من ذلك صحّة العدول للمأموم قبل تجاوز محلّ القراءة ، وقبل صدور ما يضرّ المنفرد ، فلا كلام ، كما عرفت سابقا.

وإن أردت الأعمّ ، كما هو المتبادر ، وهو المدّعى ، ففساده أوضح ممّا يحتاج إلى تنبيه ؛ إذ لا شكّ في كون الجماعة شرطا لصحّة صلاة المأموم بالنحو الذي ذكر.

والظاهر من الأخبار ، والمتبادر منها كون الجماعة الصحيحة الشرعيّة الخالية عن الفساد والإفساد شرطا ، مضافا إلى ما ظهر لك مكرّرا من توقيفيّة العبادة على الثبوت من الشرع ، ومضافا إلى ما ظهر لك من الأخبار من عدم جواز العدول الذي ادّعيت.

وما ذكرت من عدم وجوب الجماعة ابتداء فكذا استدامة ، قد عرفت فساده ، مع عدم ظهور اللزوم الذي ادّعيت بالبديهة.

وأمّا صلاة ذات الرقاع ، فهي صلاة ثابتة مشهورة مسلّمة عند الكلّ ، لا تأمّل لأحد فيها وفي العدول الذي فيها ، مع أنّ ذلك العدول إنّما هو للعذر بلا شبهة. والمدّعى إنّما هو بغير عذر ، بل اعتبار هذه الصلاة بخصوصها ، والتعرّض لها كذلك ، والكلام في هيئتها ، والبحث عنها كذلك ، ممّا يكون شاهدا على مشروعيّة العدول مطلقا من غير عذر.

وأمّا التسليم قبل الإمام فنقول بموجبه ، بل نقول : لا نزاع فيه ، وإنّما النزاع إنّما هو في الجواز بالعذر ، أو بغير العذر أيضا ، ومع ذلك لا يلزم أن يكون ذلك بقصد العدول إلى الانفراد.

وكيف كان ؛ هو أيضا خارج عن محلّ النزاع ، سيّما بعد ما عرفت سابقا في

٣٧٧

مبحث التسليم ، أنّه هل هو واجب خارج أو داخل مستحبّ؟ فإنّ الإطلاق ينصرف إلى خصوص السلام عليكم ، وأنّ المصلّي يخرج عن الصلاة بالسلام علينا ، وغير ذلك.

مع أنّه اختار استحباب التسليم ، فكيف يستدلّ بها بما ذكرنا؟!

مع أنّ الظاهر من صحيحة علي بن جعفر (١) عدم جواز العدول الذي ادّعيت ، كما عرفت.

بل صحيحة أبي المغراء أيضا ربّما كان فيها إيماء إلى ذلك ، والمعصوم عليه‌السلام لم يقل : إنو العدول إلى الانفراد ثمّ سلّم ناويا حالة الانفراد ، بل قال : تسليمه لا بأس به (٢) ، وبينهما فرق واضح.

وممّا ذكر ظهر حال صحيحة زرارة عن الصادق عليه‌السلام : عن الرجل يكون خلف الإمام فيطيل [الإمام] التشهّد ، قال : «يسلّم ويمضي لحاجته إن أحبّ» (٣) ، فتأمّل جدّا!

على أنّا نقول : الأخبار التي مرّت في حكم المأموم الذي سبق الإمام سهوا أو خطأ ظاهرة في عدم جواز العدول المذكور ؛ لأنّ المعصوم عليه‌السلام جعل الفلاح منحصرا في رجوعه وعوده مع الإمام ، وأمره بذلك خاصّة ، ولم يرخّصه في العدول إلى الانفراد أصلا.

وممّا يدلّ على عدم جواز العدول ما ورد من النهي عن إبطال العمل ، فإنّ

__________________

(١) قرب الإسناد : ٢٠٧ الحديث ٨٠٣ ، من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٦١ الحديث ١١٩١ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٤٩ الحديث ١٤٤٦ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٤١٣ الحديث ١١٠٤٧.

(٢) وسائل الشيعة : ٨ / ٤١٤ الحديث ١١٠٥٠.

(٣) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٥٧ الحديث ١١٦٣ تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٤٩ الحديث ١٤٤٥ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٤١٣ الحديث ١١٠٤٨ مع اختلاف يسير.

٣٧٨

العدول إلى الانفراد إبطال الجماعة المستحبّة المطلوبة ؛ إذ لا شبهة في كونها عملا مطلوبا غاية المطلوبيّة ، والعدول عنها إلى الانفراد إبطال لها بلا شبهة.

ونقل عن «المبسوط» أنّه احتجّ بهذا ، وبقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّما جعل الإمام إماما ليؤتمّ به» (١). إلى آخر الحديث (٢).

ولا خفاء في دلالة كلّ واحد منهما على مطلوبه. وما دلّ على النهي عن إبطال العمل واضح مسلّم عند الكلّ ، من الآية (٣) وتتبّع الأخبار.

على أنّا نقول : ما دلّ على وجوب ترك القراءة على المأموم ظاهر في كون المراد المأموم إلى آخر الصلاة ، لا المأموم حين ترك القراءة ، الذي يجوز رفع يده عن المأموميّة بعد تركه للقراءة بالمرّة والإتيان بباقي الصلاة منفردا من دون تدارك القراءة المتروكة أصلا ، مع أنّه إذا عدل إلى الانفراد خرج عن كونه مأموما جزما ، وصلاة غير المأموم لا تصحّ بغير القراءة ، كما هو مقتضى العمومات ، وكذا الحال في زيادة الركوع أو غيره.

وأيضا المتبادر من الأخبار الواردة في الجماعة بقاء الجماعة إلى آخر الصلاة من غير عذر.

وبالجملة ؛ تتبّع الأخبار الواردة في الجماعة يظهر ما ذكرنا غاية الظهور ؛ لأنّهم عليهم‌السلام في مقام من المقامات التي يكون مقام ذكر جواز العدول المذكور لم يتعرّضوا له مطلقا ، بل ولم يشيروا إليه أصلا ورأسا ، ودائما أظهروا خلافه. بل في حديث من الأحاديث لم يقع الإشارة إليه.

__________________

(١) عوالي اللآلي : ٢ / ٢٢٥ الحديث ٤٢.

(٢) نقل عنه في مختلف الشيعة : ٣ / ٧٤ و ٧٥.

(٣) محمّد (٤٧) : ٣٣.

٣٧٩

فإن تمّ ما ادّعاه العلّامة من الإجماع (١) فهو الحجّة ، لكن عرفت كونه محلّ ريبة في الجملة ، لو لم نقل بتمامها ، وإن كان رحمه‌الله كما قيل :

إذا قالت حذام فصدّقوها

فإنّ القول ما قالت حذام (٢)

إلّا أنّه مخالف لأدلّة كثيرة ، وقواعد ثابتة معلومة ، ووقع فيه ما يوقع في الريبة.

مع أنّ الإجماع المنقول ليس إلّا خبرا واحدا صادرا عن ثقة ، ومجرّد الخبر الواحد المذكور [لا] يكون كافيا (٣) في ردّ ما ظهر من الأخبار التي لا تكاد تحصى.

والقواعد المعلومة التي عرفت ، محلّ نظر وإشكال لا يمكن مراعاتها في العبادات التوقيفيّة ، لو لم نقل برجحان معارضها هنا ، والظاهر رجحانه ، والله يعلم.

وممّا ذكر ظهر أنّ الحقّ مع المصنّف ، وإن كان ما ذكره في مبحث النيّة ، لا يفي به أصلا ، كما لا يخفى.

ثمّ اعلم! أنّه نقل عن الشيخ أنّه جوّز نقل النيّة من الانفراد إلى الائتمام واحتجّ عليه بإجماع الطائفة (٤) ، والأخبار عن الأئمّة عليهم‌السلام ، وانتفاء المانع من الصحّة ، فيبقى الأصل سالما ، ولأنّه يصحّ النقل من الانفراد إلى الإمامة للحاجة ، فجاز إلى الائتمام طلبا للثواب (٥) ، انتهى ، وهو أعرف.

__________________

(١) تذكرة الفقهاء : ٤ / ٢٦٩ و ٢٧٠ المسألة ٥٥٧.

(٢) لاحظ! لسان العرب : ٦ / ٣٠٦.

(٣) في (ك) و (د ١ و ٢) : وافيا.

(٤) في (د ١ ، ٢) : الفرقة.

(٥) نقل عنه في تذكرة الفقهاء : ٤ / ٢٦٨ المسألة ٥٥٦ ، لاحظ! الخلاف : ١ / ٥٥٢ المسألة ٢٩٣.

٣٨٠